الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخلاصة)) (1) كلام المعتزلة في الدّليل على استحالة رؤية الله تعالى في جهة، وأنّ الدّليل العقليّ يوجب تأويل ما ورد من السّمع بخلافه، ويقف على هذا الحدّ ولا يتعرّض بعده لأحد (2).
المسألة الثّانية:
قال: والقطع أنّه إذا جرح الرّاوي جماعة عدول فإنّ جرحهم مقبول؛ لأنّ الجارح يقدّم على المعدّل.
قلت: هذا القطع الذي ذكره قطع بغير تقدير (3) ، ولا هدى ولا كتاب منير؛ لأنّ المسألة ظنّيّة لا قطعيّة، وخلافيّة لا إجماعيّة، بل الواجب التّفصيل في الجرح:
فإن كان مطلقاً غير مفسّر السّبب، فالجرح به مختلف فيه، والصّحيح عند المحقّقين: أنّه لا يجرح [به](4) لاختلاف النّاس في الأسباب التي يجرح بها، وتفسير جماعة من الثّقات ما أطلقوه من الجرح بأمور لا يوافقون على الجرح بها.
(1) لعله ما تقدم (ص/150) هامش رقم (2).
(2)
في هامش (ي) ما نصّه:
((لم ينفرد المعترض بدعوى تفرّد جرير، بل أهل الكلام في كتبهم من الأصحاب ادعوا ذلك!! والضرورة تردّه بأدنى مطالعة بما ذكره السيد [وما أنكرتم] أنه انفرد به جرير وتبعه من بعده، وهي من الخرافات، يعلمها من له أدنى التفات، لأنّ حديث الرؤية في صحيفة علي بن موسى الرّضى في حديث الزيارة، وفي أمالي المرشد بالله في موضعين؛ في صوم رجب، وفي التصفية للإمام يحيى وغيرهم، تمت شيخنا حفظه الله آمين)) اهـ.
(3)
في (س): ((نذير))!.
(4)
زيادة من (ي) و (س).
وأمّا إن كان الجرح مفسّر السّبب، فإما أن يعارضه تعديل جامع لشرائط المعارضة، مثل أن يقول [الجارح: إنّ الرّاوي] (1) ترك صلاة الظّهر يوم كذا في تاريخ كذا، ويقول المعدّل: إنّه صلّى تلك الصّلاة في ذلك التّاريخ. أو يقول المعدّل: إنّه كان في ذلك الوقت نائماً أو مغلوباً على اختياره أو صغيراً غير مكلّف أو معدوماً غير مخلوق أو غائباً عن حضرة الجارح، أو نحو ذلك؛ فهنا يجب الرّجوع إلى التّرجيح أيضاً، ولا يجب قبول الجرح مطلقاً لا قطعاً ولا ظنّاً.
وأمّا إن لم يعارض الجرح توثيق معارضة حقيقيّة خاصة، ولكن معارضة عامّة، مثل أن يقول الجارح: إنّ الرّاوي كان ممّن يخلّ بالصّلاة ويتناول المسكر، ويقول المعدّل: إنّه ثقة مأمون ونحو ذلك، فلا يخلو: إمّا أن تكون عدالة الرّاوي معلومة بالتّواتر مثل: مالك والشّافعيّ ومسلم والبخاري، وسائر الأئمة الحفّاظ (2) ، فإنه لا يقبل جرحهم بما يعلم نزاهتهم عنه، ولو كان ذلك مقبولاً لكان الزّنادقة يجدون السّبيل إلى إبطال جميع السّنن المأثورة بأن يتعبد بعضهم ويظهر الصّلاح حتّى يبلغ إلى حدّ يجب في ظاهر الشّرع قبوله، ثمّ يجرح الصّحابة رضي الله عنهم فيرمي عمّار بن ياسر يإدمان شرب المسكر، وسلمان الفارسيّ بالسّرقة لما فوق النّصاب، وأبا ذر بقطع الصّلاة، وأُبيّ بن كعب بفطر رمضان، وأمثال هذا في أئمة التّابعين وسائر أئمة المسلمين في كلّ عصر، فإنّ من جوّز هذا فليس بأهل
(1) في (أ): ((الراوي الجارح)) ، والتصويب من (ي) و (س).
(2)
في (س): ((والحفّاظ))!.
للمراجعة، ولا جدير بالمناظرة، وكثيراً ما /يقول أئمة الجرح والتّعديل في أهل هذه الطبقة: فلان ((لا يُسأل عن مثله)) (1) فإن تكلّموا فيهم بتوثيق، أو تليين، أو نحو ذلك؛ فإنّما يعنون به التّعريف بمقدار حفظهم، وأنّهم في العليا من مراتب الحفظ أو الوسطى.
وأمّا إن كانت عدالة الرّاوي مظنونة غير معلومة؛ فظاهر كلام الأصوليين تقديم الجرح المفسّر وقبوله من غير تفصيل، وتعليلهم بالرّجحان يقتضي أنّ ذلك يختلف بحسب اختلاف القرائن والأسباب المرجّحة لأحد الأمرين، وهذا هو القويّ عندي، ولا نضر [للنّظّار](2) يخالفه.
فنقول: لا يخلو إمّا أن تكون عدالة الرّاوي أرجح من عدالة الجارح له أو مثلها أو دونها، إن كانت عدالة الرّاوي أرجح وأشهر من عدالة الجارح؛ لم نقبل الجرح؛ لأنّا إنّما نقبل الجرح من الثّقة لرجحان صدقه على كذبه، ولأجل حمله على السّلامة، وفي هذه الصّورة كذبه أرجح من صدقه، وفي حمله على السّلامة إساءة الظّنّ بمن هو خير منه وأوثق وأعدل وأصلح. وأكثر ما يقول أئمة هذا الشّأن في أهل هذه الطّبقة إذا سُئلوا عنهم: أنا أُسأل عن فلان؟ بل هو يُسأل عنّي!.
(1) في هامش (أ) ما نصّه:
((كما قال ابن حبّان في موسى ين جعفر الكاظم عليه السلام ، وصاحب ((الميزان)) في الصادق)) اهـ.
(2)
في (أ) و (ي): ((الأنظار)) ، والتصويب من (س).
وأمّا إن كان مثله في العدالة، فيجب الوقف لتعارض أمارتي صدق الجارح وكذبه، فإنّ عدالة الجارح أمارة صدقه، وعدالة المجروح أمارة كذبه، وهما على (1) سواء، وليس أحدهما بالحمل على السّلامة أولى من الآخر، فإن انضم إلى عدالة المجروح مُعدّل كان وجهاً لترجيح عدالته.
وأمّا إن كانت عدالة الرّاوي أضعف من عدالة الجارح، فإنّ الجرح هنا يقبل إلا أن تقتضي القرائن والعادة والحال -من العداوة ونحوها- أنّ الجارح واهم في جرحه أو كاذب (2)
، فإنّ القرائن قد يعلّ
(1) سقطت من (س).
(2)
في هامش (أ) و (ي) ما نصّه:
((قال مولانا العلاّمة أحمد بن عبد الله الجنداري رحمه الله: تفصيل المصنّف رحمه الله هو الظاهر من كلام أهل الفنّ، ومثال جرح من هو أعدل وأشهر: ما حكاه في ((الإكمال)) عن رجل أنه دخل على مروان بن معاوية فرأى معه كراسة فيها: فلان كذا، وفلان كذا، ووكيع رافضي، قال: فقلت له: وكيع أفضل منك، وأعدل! قال: فما قال لي شيئاً، ولو قال؛ لثار عليه أهل البيت.
وكذلك كلام ابن خراش في أبي سلمة التبوذكي.
وقال أحمد: من تكلّم في حمّاد بن سلمة فاتهمه على الإسلام.
ولم يقبلوا رواية الحسين بن فهم في يحيى بن معين، ولا ما قيل في ثابت البناني وشعبة.
ومثال مماثلة الجارح للمجروح: كلام أبي نعيم في ابن منده، وكلام ابن منده في أبي نعيم، أمّا كلام ابن مردويه في الطبراني؛ فرجع عنه ابن مردويه.
ومثال كلامٍ في أرجح: مالك بن أنس في محمد بن إسحق، والشّافعيّ في الواقدي، والأعمش في جابر الجعفي، والشعبي في الحارث، ومن أصحابنا من يفضّل الحارث عليه، لكن ذلك مقتضى كلام أهل الفنّ. تمت.
قال في ((الميزان)): ((ما يقع بين الأقران لا يقبل بعضهم على بعض، قال: وما علمت عصراً خلا من ذلك!!)) تمت.
بها حديث الثّقة وإن كان معيناً مثبتاً، ويسمّيه المحدّثون: معلّلاً، وقالوا في تفسير العلّة التي يعلّ بها حديث الثّقة:
((هي عبارة عن أسباب خفيّة غامضة طرأت علىالحديث، فأثّرت فيه، أي قدحت في صحّته، وتدرك العلّة بتفرّد الرّاوي وبمخالفة غيره له، مع قرائن تنضمّ إلى ذلك يهتدي النّاقد بها إلى اطلاع على إرسال في الموصول، أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث، أو وهم واهم بغير ذلك بحيث غلب على ظنّه ذلك فأمضاه وحكم به، أو تردّد في ذلك فوقف وأحجم عن الحكم بصحّة الحديث، فإن لم يغلب على ظنّه التّعليل بذلك فظاهر الحديث المعلّ السّلامة من العلّة)) (1) هذا كلامهم بلفظه.
فأيّ فرق يجده النّاظر المنصف بين إعلال رواية الثّقة بحديث معيّن، وإعلال رواية الثّقة بجرح معيّن في رجل معيّن، بل العلل العارضة بين الجارح والمجروح أكثر من العلل العارضة بين الرّاوي والحديث، لما يقع بين النّاس في العادة من العداوة إمّا لأجل الاختلاف في المذاهب أو في غير ذلك، فهذه حجّة قويّة مأخوذة من
(1) هذا نص المصنّف في كتابه: ((تنقيح الأنظار)): (ق/40أ)، وانظر:((علوم الحديث)): (ص/259 - 260).
نصوص أئمة الحديث.
وأمّا الحجّة على ذلك من أنظار علماء الأصول فهي أن نقول: الجرح المبيّن السبب (1) إنّما قدّم على التّعديل لأنّه أرجح، إذ كان القريب في المعقول أنّ الجارح يطّلع على ما لم يطّلع عليه المعدّل، وفي قبوله حمل الجارح والمعدّل على السّلامة معاً، ولم يقل أحد: إنّ الجرح مقدّم لمناسبة طبيعيّة ذاتيّة بين اسم الجرح الذي حروفه الجيم والرّاء والحاء المهملة، وبين صدق /من ادّعاه، وحينئذ يظهر أنّ العبرة بالرّجحان الذي هو ثمرة التّرجيح، وإنّما هذا الذي أوجب تقديم الجرح في بعض الصّور، وهو نوع من التّرجيح أوجب الرّجحان، فإذا انقلب الرّجحان في بعض الصّور إلى جَنَبة التّعديل، وقامت على ذلك القرائن وترجّح ذلك في ظنّ النّاظر في التّعارض:
فإمّا أن يوجبوا عليه أن يقضي بالرّاجح عنده؛ فذاك الذي نقول، أو يوجبوا عليه العمل بالمرجوح عنده؛ فذلك خلاف المعقول والمنقول.
فتأمّل هذا الكلام فإنّه مفيد مانع من المسارعة إلى قبول الجرح من غير بصيرة، وإيّاك والاغترار بقول الأصوليين: إنّ الجرح المفسّر مقدّم، فإنّ الرّجال ما أرادوا إلا تلك الصّورة التي نظروا فيها إلى تجرّدها عن جميع الأمور إلا الجرح المفسّر والتّعديل الجملي، وهذه الصّورة لم يخالف فيها، وهم أعقل من أن يطردوا هذا القول لما يلزمهم من جرح أئمة الصّحابة والتّابعين بقول من أظهر الصّلاح من
(1) في (س): ((المسبب))!.