الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الحادي عشر بعد المائة
علم تشبيه القرآن الكريم
النوع الحادي عشر بعد المائة علم تشبيه القرآن الكريم التشبيه من أفضل أنواع البلاغة وأشرفها قال المبرد في الكامل لو قال قائل هو أكثر كلام العرب لم يبعد وقد أفرد تشبيهات القرآن بكتاب أبو القاسم ابن المنذر البغدادي سماه: الجمان.
قال ابن أبي الأصبع التشبيه هو إخراج الأغمض إلى الأظهر.
وقال غيره هو الحاق شيء ذي وصف في وصفه وقال بعضهم هو أن يثبت للشبه حكمًا من أحكام المشبه به والغرض منه تأنيس النفس بإخراجها من خفي إلى جليّ وإدنائه البعيد من القريب ليفيد بيانًا.
وقيل الكشف عن المعنى المقصود مع الاختصار.
وقال في التلخيص التشبيه هو الدلالة على مشاركة أمر لأمر في معنى والمراد هاهنا ما يكن على وجه الاستعارة التحقيقية والاستعارة بالكناية والتجريد فدخل فيه نحو قولنا زيد أسد وقوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ} [البقرة: 18]
والنظر في أركانه وهي طرفاه وهما المشبه والمشبه به ووجهه أي وجه الشبه بين المشبه والمشبه به وأداته وهي الكاف وما في معناها ومثل وما في معناها.
فأما طرفاه فهما إما حسيان كالخد والورد والصوت الضعيف والهمس والنكتة والعنبر والريق والخمر والجلد الناعم والحرير.
مثال ذلك قول الله جل شأنه: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)} [يس: 39] وكقوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر: 20]، {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 7]، وقوله تعالى:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)} [آل عمران: 59] فهذه الأمثلة هما طرفان حسيان وهما المشبه والمشبه بع.
أو عقليان كقولنا زيد علمه كالحياة أي تحيا بعلمه القلوب كما تحيا الأجسام بالحياة.
أو مختلفان بأن يكون المشبه عقليًا والمشبه به حسيًا كقول الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم: 18] وكقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)} [إبراهيم: 24]، {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)} [إبراهيم: 26].
ويكون المشبه حسيًا والمشبه به عقليًا ولم يقع في القرآن ومنعه أهل البيان لأن العلوم العقلية مستفادة من الحواس ومنتهية إليها فإذا شبه المحسوس بالمعقول جعل الأصل فرعًا والفرع أصلًا وهو غير جائز.
قال في المطول: وأمّا ما جاء من الأشعار من تشبيه المحسوس بالمعقول فوجهه أن يقدر المعقول محسوسًا ويجعل كالأصل لذلك المحسوس على طريق المبالغة فيصح التشبيه حينئذ.
أقول: إذا جعل لتشبيه المحسوس بالمعقول وجه فلأي شيء يمنع؟ بل ينبغي أن يجوز ذلك، فلو قال قائل الشمس كدليل فلان وحجته على هذه المسألة لصح ذلك. وقد وجد من هذا القبيل في كلام البلغاء ومنه قوله تعالى:{إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)} [الصافات: 64، 65] فإن المشبه وهو شجرة الزقوم وأخبر الحق جل شأنه عنها فهي مما يدرك بالحاسة البصرية ولو في الدار الآخرة، وأما المشبه به وهو قوله تعالى:{كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات: 65] فمن القاعدة المعلومة المشهورة أن المشبه به لا بد أن يكون ظاهرًا واضحًا معلومًا عند السامع حتى يشبه به غيره ولا وجود لرؤوس الشياطين في المحسوس لكن لمّا شاع وذاع قبح الشياطين وصفاتهم على لسان الأنبياء
تمثل في العقل قبح صورهم وصارت ثابتة لديه فشبهت شجرة الزقوم بذلك لتصور قبح رؤوسهم في العقل.
وأما وجه التشبيه فهو ينقسم إلى قسمين تارة يكون مفردًا وتارة يكون مركبًا.
فأما المفرد فأن يشبه شيئًا بشيء في شيء واحد كقولنا زيد كالأسد في الشجاعة وأما المركب فكالآيات المتقدمة مثل قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور: 35] فإن وجه التشبيه مركب وأيضًا ينقسم وجه التشبيه إلى حسي وعقلي لأنه لا يخلو أما أن يكون وجه الشبه مما يدرك بالحس أو مما لا يدرك إلى غير ذلاك من التقسيمات وأما أداته فالكاف ومثل وما في معناها.
والأصل في نحو الكاف أن يليه المشبه به كقول الله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} [البقرة: 17] ولو تقديرًا كقوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} الآية [البقرة: 19 [فإن التقدير أو كمثل ذي صيب فحذف ذي لدلالة قوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ} [البقرة: 19] وحذف مثل لعطفه على قوله تعالى: {كَمَثَلِ
الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} [البقرة: 17] فهو قرينة على ثبوت مثل في الآية الثانية والمقدر كالملفوظ وأما قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [الصف: 14] فقيل التقدير كونوا أنصار الله ككون الحواريين من أنصارًا لله وقت قول عيسى من أنصاري إلى الله على أن ما مصدرية والزمان مقدر فالمشبه به وهو كون الحواريين أنصارًا مقدر يلي الكاف كمثل ذي صيب حذف لدلالة ما أقيم مقامه عليه إذ لا يمكن أن يشبه كونهم أنصارًا لله بقول عيسى وقد يليه غيره أي قد يلي نحو الكاف غير المشبه به كقوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [الكهف: 45] وقد يذكر فعل ينبئ عنه كما في علمته زيدًا أشدًا إن قرب وحسبت إن بعد.
وأما الغرض منه أي من التشبيه ففي الأغلب يعود إلى المشبه وهو بيان إمكانه كما في قوله: فإن تفق الأنام وأنت منهم .... فإن المسك بعض دم الغزال أو بيان حاله كما في تشبيه بآخر في السود أو مقدارها أي بيان مقدار حال المشبه في القوة والضعف والزيادة والنقصان كما في تشبيهه بالغراب في شدته أو تقريرها كما في تشبيه من لا يحصل من
سعيه على طائل بمن يرقم على الماء وهذه الأربعة تقتضي أن يكون وجه التشبيه في المشبه به أتم وهو به أشهر أو تزيينه للترغيب فيه كما في تشبيه وجه أسود بمقلة الظبي أو تشويهه كما في تشبيه وجه مجدور بسلحة جامدة قد نقرتها الديكة أو استطرافه كما في تشبيه فحم فيه جمر موقد ببحر من المسك موجه الذهب لابرازه في صورة الممتنع عادة وللاستطراف وجه آخر وهو أن يكون المشبه به نادر الحضور في الذهن أمّا مطلق كما مر أو عند حضور المشبه كما في قوله: ولا زوردية تزهو بزرقتها .... بين الرياض على حمر اليواقيت كأنها فوق قامات ضعفن بها
…
أوائل النار في أطراف كبريت
وقد يعود إلى المشبه به وهو ضربان: أحدهما: إيهام أنه أتم من المشبه وذلك في التشبيه المقلوب كقوله: وبدأ الصباح كأن غرته ...... وجه الخليفة حين يمتدح
والثاني: بيان الاهتمام به كتشبيه الجائع وجهًا كالبدر في الإشراق والاستدارة بالرغيف ويسمى هذا إظهار المطلوب هذا إذا أريد الحاق الناقص حقيقة أو ادعاء بالزائد فإن أريد الجمع بين شيئين في أمر فالأحسن ترك التشبيه إلى الحكم بالتشابه احترازًا من ترجيح أحد المتساويين كقوله: تشابه دمعي إذ جرى ومدامتي
…
فمن مثل ما في الكأس عيني تسكب فو الله ما أدر: أبا الخمر أسلبت .... جفوني أم من عبرتي كنت أشرب ويجوز التشبيه أيضًا كتشبيه غرة الفرس بالصبح وعكسه متى أريد ظهور منير في مظلم أكثر منه وهو أي التشبيه باعتبار الطرفين أربعة
أقسام لأنه أما تشابه مفرد بمفرد وهما غير مقيدين كتشبيه الخد بالورد وكقول الله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] على حذف أداة التشبيه أي هن كاللباس لكم وأنتم كاللباس لهن لأن كل واحد من الزوجين يشتمل على صاحبه عند الاعتناق كاللباس ويحتمل أن يكون قول الله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} على معنى المجاز المرسل أطلق لفظ اللباس على الرجال والنساء بعلاقة المباشرة والمقاربة كما أن اللباس يباشر الجسد ويقاربه أو مقيدان كقولهم: لمن لا يحصل من سعيد على طائل هو كالراقم على الماء أو مختلفان كقوله: ........ والشمس كالمرأة في كف الأشل وعكسه وأمّا تشبيه مركب بمركب كما في بيت بشار وهو قوله: كأن مثار النقع فوق رؤوسنا .... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
وكقول الله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ} [البقرة: 265]
وأما تبيه مفرد بمركب كما في قوله: وكأن محمر الشقيق إذا
…
تصوب أو تصعد أعلام ياقوت نشر ..... ن على رماح من زبرجد وكقول الله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا
يَرْجِعُونَ (18)} [البقرة: 17، 18] فإن هذا من التشبيه المركب وهو تشبيه حال المنافق في إظهاره الإيمان وإبطانه الكفر وسلوك حال في الدنيا وانتظام أمره بحقن الدم وسلامة الأموال ومشاركة المسلمين فيما غنموه في هذه الدار التي عمرها قصير وزمنها قليل كمثل المستوقد نارًا ليدفأ بها ويبصر من حوله وينتفع بها فلما أضاءت انطفأت وبقي في ظلمة الحيرة والدهشة لا يرة ولا يصبر فكذلك حال المنافقين إذا انكشف الحجاب يوم الحساب رأوا ما انتفعوا به من سلوك الحال في الدنيا كحالة المستوقد وبقوا في الحيرة والدهشة والعذاب.
ومن التشبيه المركب قول الله تعالى بعد ذلك: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} [البقرة: 19، 20]
شبه حال المنافقين أيضًا في اندراج حالهم من المؤمنين في هذه الدار كمثل من يمشي في مطر ورعد وبرق يضيء له الطريق فيأنس ويبصر ثم يذهب عنه بسرعة ويبقى في حيرته وظلمته وكذلك المنافقين راحتهم كراحة الماشي حين يستأنس بلمح البرق ويرى الطريق فإذا انكشف الحجاب في يوم الحساب كانت تلك الراحة بمنزلة هذه الساعة.
ومن التشبيه المركب أيضًا على أحد الوجوه قول الله جل شأنه: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} الآية [النور: 35] فإن التقدير مثل نور الله المفاض على قلوب عبادة كمثل مشكاة وهي ألطافه فيها مصباح وهو السراح المصباح في زجاجة فالمشكاة جسد الإنسان والمصباح النور والزجاجة القلب الصنوبري فهو من باب تشبيه المفرد بالمركب فإن هذه الألفاظ كلها مفردة والمشبه به مركب ولم تستفد معانيها إلا من المشبه.
وأما تشبيه مركب بمفرد كقوله: يا صاحبي تقصيًا نظريكما
…
تريا وجوه الأرض كيف تصور تريا نهارًا مشمسًا قد شابه .... زهر الربى فكأنما هو مقمر وكقول الله تعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24)} [الرحمن: 24] فإن المشبه هي السفن السائرات في البحر والمشبه به مفرد وهي الأعلام.
فائدة: الأصل دخول أداة التشبيه على المشبه به وقد تدخل على المشبه وذلك لقصد المبالغة في الشيء كما في قول الله تعالى: {قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ