الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الرابع بعد المائة علم مقدمه ومؤخره أما
التأخير:
فهو أن يكون الكلام مقتضاه تقديم بعض الكلمات أو الجمل فتؤخر لحكمة في المؤخر.
فمن المؤخر وحقه التقديم ما أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله تعالى: {وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا} [التوبة: 85]، قال: وهذا من تقاديم الكلام وتقول: لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الآخرة.
وأخرج عنه أيضًا في قوله تعالى: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} [طه: 129]، قال: هذا من تقاديم الكلام يقول لولا كلمة وأجل مسمى لكان لزامًا. انتهى.
قوله: من تقاديم الكلام يعني قدم ما حقه أن يؤخر وأخر ما حقه أن يقدم. وأما تقديم المؤخر فسيأتي بَعْدُ. إن شاء الله تعالى.
وأخرج عن مجاهد في قوله تعالى: {أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا} [الكهف: 1، 2] قال: هذا من التقديم والتأخير أنزل على عبده الكتاب قيمًا ولم يجعل له عوجًا.
وأخرج عن قتادة في قوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] قال: هذا من المقدم والمؤخر أي رافعك إليّ ومتوفيك.
وأخرج عن عكرمة في قوله: {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26] قال: هذا من باب التقديم والتأخير يقول لهم يوم الحساب عذاب شديد بما نسوا.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83]، قال: هذه الآية مقدمة ومؤخرة إنما هي أذاعوا به إلا قليلًا منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لم ينج قليل ولا كثير.
وأخرج عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله: {فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً
…
} [النساء: 153] قال: إنهم إذا رأوا الله فقد رأوه وإنما قالوا جهرة أرنا الله فهو مقدم ومؤخر قال ابن جرير يعني أن سؤالهم كان جهرة.
ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} [البقرة: 72] قال البغوي هذا أول القصة وإن كان مؤخرًا في التلاوة.
وقال الواحدي: كان الاختلاف في القاتل قبل ذبح البقرة وإنما أخر في الكلام لأنه تعالى لما قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} [البقرة: 67] علم المخاطبون أن البقرة لا تذبح إلا للدلالة على قاتل خفيت عينه عليهم، فلما استقر علم هذا في نفوسهم أتبع بقوله:{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} [البقرة: 72] فسألتم موسى فقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} . وكذا قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} [البقرة: 73] فإنه مؤخر من تقديم، وتقدير الكلام والله أعلم:{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: 72]، {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} فتضربوا ببعضها الميت فيحييه الله تعالى، {كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى} ، {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} .
ومنه قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان: 43]، والأصل: هواه إلهه، لأن من اتخذ إلهه هواه غير مذموم فقدم المفعول الثاني للعناية به.
وقوله تعالى: {أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5)} [الأعلى: 4، 5] على تفسير أحوى بالأخضر نعتًا للمرعى أي أخرجه أحوى فجعله غثاءً وأخر رعاية للفاصل.
وقوله تعالى: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27] والأصل سود غرابيب لأن الغربيب الشديد السواد. وقوله تعالى: {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا} [هود: 71] أي فبشرناها فضحكت.
وقوله تعالى: {
…
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ
…
} [يوسف: 24]، قيل المعنى على التقديم والتأخير: أي لولا أن رأى برهان ربه لهم بها وعلى هذا فالهم منتف عنه.
ومن ذلك قوله تعالى في (البقرة): {لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا
…
} [البقرة: 264] تقدير الكلام لا يقدرون مما كسبوا على شيء.
ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ
…
} [الكهف: 54] تقدير الكلام ولقد صرفنا في هذا القرآن من كل مثل للناس.
ومن ذلك قوله تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى
…
} [يس: 20] تقدير الكلام: وجاء رجل يسعى من أقصى المدينة.
وأما تقديم بعض الأشياء المعتبرة على بعض فقد ألف فيه العلامة شمس الدين ابن الصائغ كتابه: المقدمة في سر الألفاظ المقدمة قال فيه: