الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الخامس بعد المائة
علم ما أوهم التناقض والتعارض وليس بمتناقض ولا بمتعارض
النوع الخامس بعد المائة علم ما أوهم التناقض والتعارض وليس بمتناقض ولا بمتعارض قال الحافظ السيوطي في الإتقان: النوع الثامن والأربعون في مشكله وموهم التناقض.
قلت: تقدم تعريف المشكل وأنه هو الذي أشكل معناه فلم يتبين حتى بُيِّن. وليس هذا النوع من ذلك بل هذا النوع آيات يعارض بعضها بعضًا وكلام الله تعالى منزه عن ذلك كما قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] وقد يقه للمبتدئ ما يوهم اختلافًا وليس به اختلاف في الحقيقة فاحتيج إلى إزالته كما صنف في مختلف الحديث وبيان الجمع بين الأحاديث المتعارضة وهذا النوع مفرد بالتصنيف.
وقد تكلم في ذلك ابن عباس رضي الله عنهما، وحكى عنه التوقف في بعضها.
قال عبد الرزاق في تفسيره أنبأنا معمر عن رجل عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: رأيت أشياء تختلف عليّ في القرآن فقال ابن عباس ما هو؟ أشك؟ ! قال ليس شك ولكنه اختلاف قال: هات ما اختلف عليك من ذلك قال: أسمع الله يقول: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]، وقال تعالى:{وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42]، فقد كتموا. وأسمعه يقول:{فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]، ثم قال:{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الطور: 25].
وقال: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9، 10، 11 [
حتى بلغ {طَائِعِينَ} [فصلت: 11] ثم قال في الآية الأخرى: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات: 27]، ثم قال:{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30]. وأسمعه يقول: كان الله، ما شأنه يقول: وكان الله؟
فقال له ابن عباس رضي الله عنهما أما قوله: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)} فإنهم لما رأوا يوم القيامة وأن الله يغفر لأهل الإسلام ويغفر الذنوب ولا يغفر شركًا ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره جحده المشركون رجاء أن يغفر لهم فقالوا: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} فختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فعند ذلك:{يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)} .
وأما قوله: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} ، فإنه إذا نفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون.
وأما قوله تعالى: {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} فإن الأرض خلقت قبل السماء وكانت السماء دخانًا فسواهن سبع سموات في يومين بعد خلق الأرض.
وأما قوله تعالى: {بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} يقول: جعل فيها جبلًا وجعل فيها نهرًا وجعل فيها شجرًا وجعل فيها بحورًا.
وأما قوله تعالى: {كَانَ اللَّهُ} فإن الله كان ولم يزل كذلك وهو كذلك
عزيز، حكيم عليم قدير ثم لم يزل كذلك فما اختلف عليك من القرآن فهو شبه ما ذكرت لك وأن الله لم يترك شيئًا إلا وقد أصاب به الذي أراد ولكن أكثر الناس لا يعلمون. أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه. قال: حدثنا عبد العزيز بن حاتم حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد حدثنا عمرو بن أبي قيس عن مطرف عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رجلًا سأله عن هذه الآية: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] السائل الأول وأصله في الصحيح.
قال ابن حجر في شرحه حاصل ما فيه السؤال عن أربعة أشياء: الأول: نفس المساءلة يوم القيامة وإثباتها.
الثاني: كتمان المشركين حالهم وإفشاؤه.
الثالث: خلق السموات والأرض أيهما تقدم.
الرابع: الإتيان بحرف كان الدالة على المضي مع أن الصفة لازمة وحاصل جواب ابن عباس رضي الله تعالى عنه: عن الأول: أن نفي المساءلة فيما قبل النفخة الثانية وإثباتها فيما بعد ذلك.
وعن الثاني: أنهم يكتمون بألسنتهم فتنطق أيديهم وجوارحهم.
وعن الثالث: أنه خلق الأرض في يومين غير مدحوة ثم السموات فسواهن في يومين ثم دحى الأرض بعد ذلك وجعل فيها رواسي وغيرها في يومين فتلك أربعة أيام للأرض.
وعن الرابع: بأن كان وإن كانت للماضي لكنها لا تستلزم الانقطاع بل المراد أنه لم يزل كذلك.
فأما الأول: فالجواب: فيه تفسير آخر في نفي المساءلة عند تشاغلهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصراط وإثباتها فيما عدا ذلك وهذا منقول عن السدي وأخرجه ابن جرير.
ومن طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس أن نفي المساءلة في النفخة الأولى وإثباتها في النفخة الثانية وقد تأول ابن مسعود نفي المساءلة على معنى آخر وهو طلب بعضهم من بعض العفو.
أخرج ابن جرير من طريق زاذان أنه قال: أتيت ابن مسعود فقال: يؤخذ بيد العبد يوم القيامة فينادى: ألا أن هذا فلان ابن فلان فمن كان له قبله حق فليأت قال فتود المرأة يومئذ أن يثبت لها حق على أبيها، أو ابنها، أو أخيها، أو زوجها، {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} به [المؤمنون: 101].
ومن طريق أخرى قال: لا يسأل أحد يومئذ بنسب شيئًا ولا يتساءلون به ولا يمتُّ إليه برحم.
وأما الثاني: فقد ورد بأبسط منه، فقد أخرجه ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم أن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: قول الله تعالى: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} ، وقول ربنا: {
…
مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} فقال: إني أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت لهم آتي ابن عباس ألقي عليه متشابه القرآن فأخبرهم أن الله تعالى إذا جمع الناس يوم القيامة قال: إن الله لا يقبل إلا ممن وحَّده فيسألهم فيقولون: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} قال: فيختم على أفواههم وتنطق جوارحهم.
ويؤيده ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة في أثناء حديث وفيه: (
…
ثم يلقى الثالث فيقول: رب آمنت بك وبكتابك ورسولك ويثني ما استطاع فيقول الآن نبعث شاهدًا عليك فيذكر في نفسه من شهد عليه؟ فيختم على فيه وتنطق جوارحه).
وأما الثالث: ففيه أجوبة أخرى منها: أن ثم بمعنى الواو فلا يرد. وقيل المراد ترتيب الخبر لا المخبر به كقوله: {
…
ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا
…
} [البلد: 17]. وقيل على بابها وهي التفاوت ما بين الخلقين لا للتراخي في الزمان وقيل خلق بمعنى قدر.
وأما الرابع: وجواب ابن عباس رضي الله عنهما فيحتمل كلامه أنه سمى نفسه غفورًا رحيمًا وهذه التسمية مضت لأن التعلق انقضى وأما الصفتان فلا تزالان كذلك لا ينقطعان لأنه تعالى إذا أراد المغفرة أو الرحمة في الحال أو الاستقبال وقع مراده.
قال الشمس الكرماني: ويحتمل أن يكون ابن عباس رضي الله تعالى
عنهما أجاب بجوابين أحدهما أن التسمية هي التي كانت وانتهت والصفة لا نهاية لها.
والآخر: أن معنى كان الدوام فإنه لا يزال كذلك ويحتمل أن يحمل السؤال على مسلكين والجواب على وفقهما كأن يقال هذا اللفظ مشعر أنه في الزمان الماضي كان غفورًا رحيمًا مع أنه لم يكن هناك من يغفر له أو يرحم وبأنه ليس في الحال كذلك كما يشعر به لفظ كان.
والجواب عن الأول بأنه كان في الماضي يسمى به وعن الثاني بأن كان لفظ بمعنى الدوام وقد قال النحاة كان لثبوت خبرها ماضيًا دائمًا أو منقطعًا.
وقد أخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن يهوديًا قال له: إنكم تزعمون أن الله كان عزيزًا حكيمًا فكيف هو اليوم؟ فقال إنه في نفسه عزيزًا حكيمًا.
قال الحافظ السيوطي موضع آخر توقف فيه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال أبو عبيد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب
عن ابن أبي مليكة قال: سأل رجل ابن عباس عن {يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} [السجدة: 5]، وقوله تعالى:{يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4] فقال ابن عباس هما يومان ذكرهما الله تعالى في كتابه الله أعلم بهما.
وأخرجه ابن أبي حاتم من هذا الوجه وزاد ما أدري ما هما وأكره أن أقول فيهما ما لا أعلم.
قال ابن أبي ملكية فضربت البعير حتى دخلت على سعيد بن المسيب فسأل عن ذلك فلم يدر ما يقول فقلت له ألا أخبرك بما حضرت من ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فأخبرته فقال ابن المسيب للسائل: هذا ابن عباس قد اتقى أن يقول فيها وهو أعلم مني.
وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا أن يوم الألف مقدار مسير الأمين وعروجه إليه ويم ألف سنة في سورة (الحج) هو أحد الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض ويوم الخمسين ألف سنة هو يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سماك عن عكرمة عن ابن