الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الإقْرَارِ بِمُشَارِكٍ في الْمِيرَاثِ
إِذَا أَقَرَّ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ بِوَارِثٍ لِلْمَيِّتِ فَصَدَّقَهُمْ، أوْ كَانَ صَغِيرًا، ثَبَتَ نَسَبُهُ وَإرْثُهُ، سَواءٌ كَانُوا جَمَاعَةً أَوْ وَاحِدًا.
ــ
بابُ الإِقْرارِ بمُشارِكٍ في الميراثِ
(إذا أقَرَّ الورثةُ كُلُّهمْ بوارِثٍ فصَدَّقَهم، أو كان صغيرًا) أو مجنونًا (ثَبَت نَسَبُه وإرْثُه، سواءٌ كان الوَرَثَةُ جماعةً أو واحدًا) ذكرًا أو أُنْثَى. وبهذا قال الشافعيُّ، وأبو يوسفَ، وحَكاهُ عن أبي حنيفةَ، لأنَّ الوارثَ يقومُ مَقامَ الميِّتِ في مِيراثِه ودُيونِه، والدُّيونِ التي عليه، وبَيِّناتِه، ودَعاويه، والأيمانِ التي له وعليه، كذلك في النَّسبِ. وقد رَوَتْ عائشةُ، أنَّ سعدَ بنَ أبي وقاصٍ اخْتَصَمَ هو وعبدُ بنُ زَمْعَةَ في ابنِ أمَةِ زمْعَةَ، فقال سعدٌ: أوْصانِي أخي عُتْبَةُ إذا قَدِمْتُ مكةَ أن أنْظُرَ إلى ابنِ أَمَةِ (1) زمعةَ وأقْبِضَه، فإنَّه ابنُه. فقال عبدُ بنُ زَمْعَةَ: أخِي وابنُ وليدةِ أبي، وُلِدَ على فراشِه.
(1) سقط من النسختين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «هوَ لكَ يا عبدُ بنَ زَمْعَةَ، الولَدُ للفِراشِ، وللعاهِرِ الحَجَرُ» . فقضى به لعبدِ بنِ زَمْعَةَ، وقال:«احْتَجِبي مِنْه يا سَوْدَةُ» (1). والمشهورُ عن أبي حنيفةَ، أنَّه لا يَثْبُتُ إلَّا بإقرارِ رجلينِ، أو رجل وامرأتين. وقال مالكٌ: لا يَثْبُتُ إلَّا بإقرارِ اثنين؛ لأنَّه يَحْمِلُ النَّسَبَ على غيرِه، فاعْتُبرَ فيه العددُ، كالشَّهادَةِ. والمشهورُ عن أبي يوسفَ، أنَّه لا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَّا باثنين، ذكرين كانا أو أُنْثَيَين، عَدْلَين أو غَيرِ عَدْلَين. ولَنا، أنَّه حقٌّ يَثْبُتُ بالإِقْرارِ، فلم يُعْتَبَرْ فيه العددُ، كالدَّينِ. ولأنَّه قولٌ لا تُعْتَبَرُ فيه العَدالةُ، فلا يُعْتَبَرُ فيه العددُ، كإقرارِ الموْرُوثِ، واعتبارُه بالشهادةِ لا يَصِحُّ؛ لأنَّه لا يُعْتَبَرُ فيه اللفظُ ولا العدالةُ، ويَبْطُلُ بالإِقرارِ بالدَّينَ.
فصل في شروطِ الإِقْرارِ بالنَّسَبِ: لا يَخْلو إمَّا أن يُقِرَّ على نفسِه خاصَّةً، أو عليه وعلى غيرِه، فإن أقَرَّ على نفسِه، مثلَ أن يُقِرَّ بولدٍ، اعْتُبِرَ في ثُبوتِ نسبِهِ أربعةُ شروطٍ؛ أحدُها، أن يكونَ المُقَرُّ به مجهولَ النَّسبِ، فإن كان معروفَ النَّسبِ لم يصِحَّ؛ لأنَّه يَقْطَعُ نَسَبَه الثابتَ مِن غيرِه،
(1) تقدم تخريجه في 16/ 338.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد لَعَن النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَن انْتَسبَ إلَى غيرِ أبيه (1). والثاني، أن لا يُنازِعَه فيه منازِعٌ؛ لأنَّه إذا نازَعَه فيه غيرُه تَعارَضا، فلم يكنْ إلحاقُه بأحدِهما أوْلَى مِن الآخرِ. الثالثُ، أن يُمْكِنَ صِدْقُه، بأن يكونَ المُقَرُّ به يَحْتَمِلُ أن يُولَدَ لمِثْلِه. الرابعُ، أن يكونَ مِمَّن لا قولَ له، كالصغيرِ والمجنونِ، أو يُصَدِّقَ المُقِرَّ إن كان ذا قولٍ، وهو المُكَلَّفُ، فإن كان غيرَ مُكَلَّفٍ لم يُعْتَبَرْ تصْدِيقُه. فإن كَبِرَ وعَقَل فأنْكَرَ، لم يُسْمَعْ إنكارُه؛ لأنَّ نَسَبَه ثَبَت، وجَرَى مَجْرَى مَن ادَّعَى مِلْكَ عبدٍ صَغيرٍ في يدِه وثَبَت بذلك مِلْكُه فلما كبِر جَحَد ذلك. ولو طَلَب إحْلافَه على ذلك لم يُسْتَحْلَفْ؛ لأنَّ الأبَ لو عاد فجَحَدَ النَّسبَ لم يُقْبَلْ منه. وإنِ اعْتَرَفَ إنسانٌ بأنَّ هذا أبوهُ، فهو كاعتِرافِه بأنَّه ابنُه.
فأمَّا إن كان إقرارًا عليه وعلى غيرِه، كإقرارِه بأخٍ، اعْتُبِرَ معَ الشروطِ
(1) تقدم تخريجه في 16/ 351. ويضاف إليه: وأخرجه مسلم، في: باب تحريم تولي العتيق إلى غير مواليه، من كتاب العتق. صحيح مسلم 2/ 1147. وأبو داود، في: باب في الرجل ينتمى إلى غير مواليه، من كتاب الأدب. سنن أبي داود 2/ 624. والترمذي، في: باب ما جاء لا وصية لوارث، من أبواب الوصايا، وفي: باب ما جاء في من تولي غير مواليه. . .، من أبواب الولاء. عارضة الأحوذي 8/ 275، 276، 278، 286، 287. وابن ماجه، في: باب لا وصية لوارث، من كتاب الوصايا. سنن ابن ماجه 2/ 905. والدارمي، في: باب في الذي ينتمى إلى غير مواليه، من كتاب السير، وفي: باب من ادعى إلى غير أبيه، من كتاب الفرائض. سنن الدارمي 2/ 244، 344. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 328، 4/ 187، 239.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأرْبَعَةِ شرْطٌ خامسٌ، وهو كونُ المُقِرِّ جميعَ الورَثَةِ، فإن كان المُقِرُّ زوجًا أو زوجةً ولا وارِثَ معهما، لم يَثْبُتِ النَّسبُ بإقرارِهما، لأنَّ المُقِرَّ لا يَرِثُ المال كُلَّه، فإنِ اعْتَرفَ به الإِمامُ معه، ثَبَت النَّسبُ، لأنَّه قائِمٌ مَقامَ المسلمين في مُشارَكَةِ الوارِثِ (1). وإن كان الوارِثُ أمًّا أو بنتًا أو أختًا أو ذا فرضٍ يَرِثُ جميعَ المالِ بالفرض والرَّدِّ، ثَبَت النَّسبُ بقولِه، كالابنِ؛ لأنَّه يَرِثُ المال كُلَّه. وعندَ الشافعيِّ، لا يَثْبُتُ بقولِه نَسَبٌ؛ لأنَّه لا يَرَى الردَّ، ويَجْعَلُ الباقيَ لبَيتِ المالِ. ولهم فيما إذا وافَقَ الإمامُ في الإِقْرارِ وجهان. وهذا مِن فُرُوعِ الردِّ، وقد ذكرناه.
فإن كانت بنتٌ وأُخْتٌ، أو أخْتٌ وزوجٌ، ثَبَتَ النَّسبُ بقَوْلِهما، لأنَّهما يأْخُذان المال كُلَّه. وإذا أقَرَّ بابنِ ابنِه وابنُهُ ميِّتٌ، اعْتُبِرَتْ فيه الشروطُ التي تعْتَبَرُ في الإِقرارِ بالأخِ. وكذلك إنْ أقَرَّ بعَمٍّ وهو ابنُ جَدِّه، فعلى ما ذكرناه.
فصل: وإن كان أحدُ الوَلَدَين غيرَ وارِثٍ، لكونِه رَقيقًا أو مخالفًا لدين مَوْرُوثِه أو قاتِلًا، فلا عِبْرَةَ به، ويَثْبُتُ النَّسبُ بقولِ الآخَرِ وَحْدَه، لأنَّه يَحوزُ جَميعَ الميراثِ. ثم إن كان المُقَرُّ به يَرِثُ شاركَ المُقِرَّ في الميراثِ، وإن لم يكنْ وارِثًا لوجودِ مانعٍ فيه ثَبَت نَسَبُه ولم يَرِثْ، وسواءٌ كان المُقِرُّ مسلمًا أو كافرًا.
(1) بعده في المغني 7/ 318: «وأخذِ الباقي» .