الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ
لَا يَرِثُ الْعَبْدُ وَلَا يُورَثُ، سَوَاءٌ كَانَ قِنًّا، أوْ مُدَبَّرًا، أوْ مُكَاتَبًا، أوْ أُمَّ وَلَدٍ.
ــ
بابُ ميراثِ المُعْتَقِ بعضُه
(لا يَرِثُ العبدُ ولا يُورَثُ، سواءٌ كان قِنًّا، أو مُدَبَّرًا، أو مُكاتَبا، أو أُمَّ ولدٍ) قال شيخُنا (1): لا أعلمُ خِلافًا في أنَّ العبْدَ لا يَرِثُ، إلَّا ما رُوِيَ عن ابنِ مسعودٍ في رجُلٍ مات وترك أبًا مملوكًا، يُشْتَرَى مِن مالِه ويُعْتَقُ ثم (2) يَرِثُ. وقاله الحسنُ. وحُكِيَ عن طاوسٍ أنَّ العبدَ يَرِثُ، ويكونُ ما وَرِثَه لسيِّدِهِ، كَكَسْبه، وكما لو وَصَّى له، ولأنَّه تصِحُّ الوصيةُ له فيَرِثُ، كالحَمْلِ. ولَنا، أنَّ فيه نقصًا مَنَع كونَه مَوْروثًا، فمنَعَ كونَه وارثًا، كالمُرْتدِّ، ويفارِقُ الوصيَّةَ فإنَّها تصِحُّ لمَوْلاه ولا ميراثَ له، وقياسُهم يَنْتَقِضُ بِمُخْتَلِفَي الدِّينِ. وقولُ ابنِ مسعودٍ لا يصِحُّ؛ لأنَّ
(1) في: المغني 9/ 123.
(2)
في م: «و» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأبَ رقيقٌ حينَ موتِ ابنِه، فلم يَرِثْه، كسائِرِ الأقاربِ؛ وذلك لأنَّ الميراثَ صار لأهْلِه بالموتِ، فلم يَنْتَقِلْ عنهم إلى غيرِهم.
وأجْمَعوا على أن المملوكَ لا يُورَثُ؛ لأنَّه لا مال له، فإنه لا يملِكُ، ومن قال: إنَّه يملِكُ بالتمليكِ. فمِلْكُه ناقِصٌ غيرُ مستقِرٍّ، يَزولُ إلى سيِّدِه بزوالِ مِلْكِه عن رقَبَتِه، بدليلِ قولِه عليه الصلاة والسلام:«مَنْ باعَ عبدًا وله مالٌ، فمالُه للبائِعِ إلَّا أن يَشْتَرِطَه المُبْتاعُ» (1). ولأنَّ السيدَ أحَقُّ بمنافِعِه وأكسابِه في حياتِه، فكذلك بعدَ مماتِه. وممَّنْ رُوِيَ عنه أنَّ العبدَ لا يَرِثُ ولا يُورَثُ ولا يَحْجُبُ؛ عليٌّ، وزيدٌ، والثَّوْرِيّ، ومالكٌ، والشافعيُّ، وأصحابُ الرأي.
والأسيرُ الذي عندَ الكفارِ يَرِثُ إذا عُلِمَتْ حياتُه في قولِ عامةِ الفقهاء، إلَّا سعيدَ بنَ المسيَّبِ، فإنَّه قال: لا يَرِثُ؛ لأنَّه عبدٌ. ولا يصِحُّ؛ لَأنَّ الكفارَ لا يمْلِكُون الأحْرارَ بالقَهْرِ، وهو باقٍ على حرِّيته، فيَرثُ، كالمُطْلَقِ.
(1) تقدم تخريجه في 6/ 303.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والمُدَبَّرُ وأُمُّ الولدِ كالقِنِّ؛ لأنَّه رَقيقٌ، بدليلِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم باعَ مُدَبَّرًا (1). وأمُّ الولدِ مملوكةٌ، يجوزُ لسيِّدِها وطؤها بحُكْمِ المِلْكِ، وإجارَتُها، وحُكْمُها حُكْمُ الأمَةِ في جَمِيعِ أحْكامِها، إلَّا فيما ينْقُلُ المِلْكَ فيها أو يرادُ له، كالرَّهْنِ. فأمَّا المُكاتَبُ، فإن لم يَمْلِكْ قَدْرَ ما عليه فهو عبدٌ لا يَرِثُ ولا يُورَثُ، وإن مَلَك قَدْرَ ما يُؤدِّي ففِيه روايتان؛ إحْداهما، أنَّه عبدٌ ما بَقِيَ عليه دِرْهَمٌ لا يَرِثُ ولا يُورَثُ. رُوِيَ ذلك عن عمرَ، وزيدِ بنِ ثابتٍ، وابنِ عمرَ، وعائشةَ، وأُمِّ سلمةَ، وعمرَ بنِ عبدِ العزيزِ، والشافعيِّ، وأبي ثورٍ. وعن ابنِ المسيَّبِ، وشُرَيحٍ، والزُّهْرِيِّ نحوُه؛ لما روَى أبو داودَ (2) بإسناده عن عمرِو بنِ شعيبٍ عن أبيه عن جَدِّه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«المُكَاتَبُ عَبْدٌ ما بَقِيَ عليه دِرْهَمٌ» . وفي لفظٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أيُّما عَبْدٍ كاتَبَ على مِائَةِ
(1) أخرجه البخاري، في: باب بيع المزايدة، وباب بيع المدبر، من كتاب البيوع، وفي: باب من باع مال المفلس. . . .، من كتاب الاستقراض، وفي: باب بيع المدبر، من كتاب العتق، وفي: باب عتق المدبر. . . .، من كتاب الكفارات، وفي: باب إذا أُكره حتى وهب. . . .، من كتاب الإكراه. صحيح البخاري 3/ 91، 109، 156، 192، 8/ 181، 182، 9/ 27. ومسلم، في: باب الابتداء في النفقة بالنفس. . . .، من كتاب الزكاة، وفي: باب جواز بيع المدبر، من كتاب الأيمان. صحيح مسلم 2/ 692، 693، 3/ 1289. وأبو داود، في: باب في بيع المدبر، من كتاب العتق. سنن أبي داود 2/ 352. والترمذي، في: باب ما جاء في بيع المدبر، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي 5/ 225. والنسائي، في: باب بيع المدبر، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 267. والدارمي، في: باب بيع المدبر، من كتاب البيوع. سنن الدارمي 2/ 257. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 301، 305، 308، 369، 370، 390.
(2)
تقدم تخريجه في 6/ 300.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أُوقِيَّةٍ، فأدَّاهَا [إلَّا عَشْرَ أواقٍ، فهو عَبْدٌ، وأيُّما عَبْدٍ كَاتَبَ على مِائَةِ دِينارٍ فأدَّاها](1)، إلَّا عشَرَةَ دَنانِيرَ، فهو عَبْدٌ». وعن محمدِ بنِ المُنْكَدِرِ، و [عُمَرَ بنِ عبدِ اللهِ مَوْلَى عُفْرَةَ](2)، وعبدِ اللهِ بنِ عُبَيدَةَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعَتَّابِ بنِ أُسِيدٍ:«مَنْ كاتَبَ مُكاتَبًا فهو أحَقُّ به حتى يَقْضِيَ كِتَابَتَه» . وقال القاضي، وأبو لخطابِ: إذا أدَّى المكاتَبُ ثلاثةَ أرباعِ كتابَتِه وعجز عن الرُّبْعِ، عَتَقَ؛ لأنَّ ذلك يَجِبُ إيتاؤه للمكاتَبِ، فلا يجوزُ إبْقاؤه على الرقِّ لعَجْزِه عمَّا يَجِبُ ردُّه (3) إليه. والروايةُ الثانيةُ، أنه إذا مَلَك ما يؤدي صار حرًّا يَرِث ويُورَث، فإذا مات له مَن يَرِثه وَرِثَ، وإن مات فلسيِّدِه بقِيَّة كتابَتِه، والباقي لوَرَثَتِه؛ لما روَى أبو داودَ (4) بإسنادِه، عن أُمِّ سلمةَ قالت: قال لنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إذا كان لإِحْداكُنَّ مُكَاتَبٌ، وكانَ عِنْدَه ما يؤدِّي، فلتَحْتَجِبْ منه» . وروَى الحَكَمُ، عن عليٍّ، وابنِ مسعودٍ، وشُريحٍ: يُعْطَى سيدُه مِن تركَتِه ما بَقِيَ مِن كتابَتِه، فإن فَضَل شيءٌ كان لورَثَةِ المكاتَبِ. ورُوِيَ نحوُه عن الزُهريِّ. وبه قال سعيدُ بنُ المسيَّبِ، وأبو سلمةَ بنُ عبدِ الرحمنِ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في النسختين: «عبد الله مولى عفرة» . وانظر تهذيب التهذيب 7/ 471، 472.
(3)
في م: «ورده» .
(4)
في: باب في المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت، من كتاب العتق. سنن أبي داود 2/ 346. كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي 5/ 265، 266. وابن ماجه، في: باب المكاتب، من كتاب العتق. سنن ابن ماجه 2/ 842. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 289، 308، 311.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والنَّخَعِيُّ، والشَّعْبِيُّ، والحسنُ، ومنصورٌ، ومالكٌ، وأبو حنيفةَ، إلَّا أنَّ مالكًا جَعَل مَن كان معه في كتابَتِه أحقَّ ممَّن لم يكنْ معه، فإنَّه قال في مكاتَبٍ هَلَك وله أخ معه في الكتابَةِ، وله ابنٌ، قال: ما فَضَل مِن كتابَتِه لأخيه دون ابنِه. وجعلَه أبو حنيفةَ عبدًا ما دام حيًّا، وإن مات أُدِّيَ مِن تَرِكَتِه باقي كتابَتِه، والباقي لوَرَثَتِه. ورُوِيَ عن عمرَ، رضي الله عنه، أنَّه قال على المِنْبَرِ: إنَّكُم مكاتِبون مكاتَبِين، فأيُّهم أدّى النِّصفَ فلا رِقَّ عليه. وعن عليٍّ: إذا أدَّى النِّصفَ فهو حُرٌّ. وعن عروةَ نحوُه. وعن الحسنِ: إذا أدَّى الشَّطْرَ فهو غَريمٌ. وعن ابنِ مسعودٍ وشُريحٍ مثلُه. وعن ابنِ مسعودٍ: إذا أدَّى ثُلُثًا أو رُبْعًا فهو غَريمٌ. وعن ابنِ عباس: إذا كَتَب الصحيفَةَ فهو غَريمٌ. وعن عليٍّ قال: تَجْرِي العَتاقَة في المكاتَبِ في أولِ نَجْمٍ. يَعْنِي يَعْتِقُ منه بقَدْرِ ما أدَّى. وعنه أنَّه قال: يَرِثُ، ويَحْجُبُ، ويَعْتِقُ منه بقَدْرِ ما أدَّى. وروَى حمَّادُ بنُ سلمةَ عن أيوبَ عن عكرمةَ عن ابنِ عباسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«إذا أصَابَ المُكَاتَبُ حدًّا أو مِيراثًا وَرِثَ بحسابِ ما عتَقَ منه، وأُقِيمَ عليه الحدُّ بحسابِ ما عَتَقَ منه» (1). وفي روايةٍ: «يُودَى (2) المكاتَبُ بقَدْرِ ما عَتَقَ منه دِيَةَ
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في دية المكاتب، من كتاب الديات. سنن أبي داود 2/ 500. والترمذي، في: باب ما جاء في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدى، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي 5/ 264. والنسائي، في: باب دية المكاتب، من كتاب القسامة. المجتبى 8/ 40، 41.والإمام أحمد، في: المسند 1/ 260، 292، 369.
(2)
في م: «يؤدى» .