الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَا لَا يُضْمَنُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذا؛ كَالْقَتْلِ قِصَاصًا أوْ حَدًّا أوْ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، وَقَتْلِ الْعَادِلِ الْبَاغِيَ، وَالْبَاغِي الْعَادِلَ، فَلَا يَمْنَعُ. وَعَنْهُ، لَا يَرِثُ الْبَاغِي الْعَادِلَ، وَلَا الْعَادِلُ الْبَاغِيَ. فَيُخَرَّجُ مِنْهُ أنَّ كُلَّ
ــ
والأوْزاعِيِّ، وابنِ أبي ذئْبٍ، وأبي ثورٍ، وابنِ المُنْذِرِ، وداودَ. ورُوِيَ نحوُه عن عليٍّ؛ لأنَّ ميِرَاثَه ثابت بالكتابِ والسُّنَّةِ، تَخَصَّصَ قَاتِلُ العَمْدِ بالإِجْماعِ، فوجَبَ البقاءُ على الظَّاهِرِ فيما سِواه. ولَنا، الأحادِيث المذكورَةُ، ولأنَّ مَن لا يَرِثُ مِن الدِّيَةِ لا يَرِثُ مِن غيرِها، كقاتِلِ العَمْدِ، والمُخالِفِ في الدِّينِ. والعموماتُ مخصَّصَة بما ذكرناه. فعلى هذا، القَتْلُ المانِعُ مِن المِيراثِ هو القَتْلُ بغيرِ حقٍّ، كالعَمْدِ وشِبْهِ العَمْدِ والخطأ، وما أُجْرِيَ مُجْراه؛ كالقتلِ بالسببِ، وقتلِ الصَّبِيِّ، والمجنونِ، والنائمِ، وكلِّ قتلٍ مَضْمونٍ بقِصاصٍ أو دِيَةٍ أو كفَّارةٍ.
2881 - مسألة: (فأمَّا ما لا يُضْمَنُ بشَيءٍ مِن هذا؛ كالقتلِ قِصاصًا أو حدًّا أو دَفْعًا عن نفسِه، وقتلِ العادلِ الباغِيَ، والباغِي العادلَ، فلا يَمْنَعُ. وعنه، لا يَرِثُ العادلُ الباغِيَ، ولا الباغِي العادلَ. فيُخَرَّجُ
قَاتِلٍ لَا يَرِثُ.
ــ
منه أنَّ كُلَّ قاتِلٍ لا يَرِثُ) وجُملةُ ذلك، أنَّ القتلَ المانِعَ مِن الإرْثِ ما كان مَضْمونًا على ما ذكرنا، فأمَّا ما ليس بمَضْمونٍ، فلا يَمْنَعُ المِيراثَ، كالقتلِ قِصاصًا وحَدًّا ودفْعًا عن نفسه، وقتلِ العادلِ الباغِيَ، أو مَن قَصَد مَصْلَحَةَ مُوَلِّيه بما له فِعْلُه؛ مِن سَقْيِ دواءٍ، أو بَطِّ خُرَاجٍ، فمات، أو مَن أمَرَه إنسانٌ عاقلٌ كبيرٌ ببَطِّ خُرَاجِه، أو قَطْعِ سَلْعَةٍ منه، فمات بذلك، وَرِثَه في ظاهِرِ المذْهَبِ. قال أحمدُ: إذا قَتل العادلُ الباغيَ في الحربِ يَرِثُه. وعن أحمدَ، أنَّ العادِلَ إذَا قَتَلَه الباغِي في الحربِ لا يَرِثه. ونَقَل محمدُ بنُ الحَكَمِ عن أحمدَ في أرْبَعَةِ شُهودٍ شَهِدُوا على أُخْتِهم بالزِّنَى، فرُجِمَتْ، فرَجَمُوا مع الناسِ: يَرِثونَها، هم غيرُ قَتَلَةٍ. وعن أحمدَ روايةٌ أُخْرَى تَدُلُّ على أنَّ القتلَ يَمْنَعُ الميراثَ بكلِّ حالٍ، فإنَّه قال في روايةِ ابْنَيه صالحٍ وعبدِ اللهِ: لا يَرِثُ الباغِي العادلَ، ولا العادِلُ الباغِيَ. وهذا يدُلُّ على أنَّ القَتْلَ يَمْنَعُ الميراثَ بكلِّ حالٍ. وهو ظاهرُ مذْهَبِ الشافعيِّ أخذًا بظاهرِ الحديثِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولأنّه قاتِلٌ، فأشْبَهَ الصَّبِيَّ والمجنونَ. وقال أبو حنيفةَ وصاحباه: كلُّ قَتْلٍ لا يَأثَمُ فيه لا يَمْنَعُ الميراثَ، كقتلِ الصبيِّ، والمجنونِ، والنائمِ، والسَّاقِطِ على إنسانٍ مِن غيرِ اخْتيارٍ منه، وسائِقِ الدَّابَّةِ وقائِدِها وراكِبِها إذا قَتَلَتْ بيَدِها أو فِيها، فإنَّه يَرِثه؛ لأنَّه قتلٌ غيرُ متَّهَم فيه ولا إثْمَ فيه، أشْبَهَ القتلَ في الحدِّ. ولَنا على أبي حنيفةَ وأصحابِه، عمومُ الأخْبارِ، خَصَصْنا منِها القتلَ الذي لا يُضْمَنُ، ففي ما عداه تَبْقَى على مُقْتضاها، ولأنه قَتْلٌ مضمونٌ فيَمنعُ الميراثَ كالخطأ. ولَنا على الشافعيِّ، أنَّه فِعْلٌ مَأذونٌ فيه، فلم يَمْنَعِ الميراثَ، كما لو أطْعَمَه أو سَقاه باختيارِه فأفْضَى إلى تَلَفِه، ولأنَّه حُرِمَ الميراثَ في مَحَلِّ الوفاقِ، كَيلا يُفْضِيَ إلى إيجادِ (1) القتلِ المحرَّمِ، وزَجْرًا عن إعْدامِ النَّفْسِ المعْصومةِ، وفي مَسْألتِنا حِرْمان الميراثِ يَمْنَعُ إقامةَ الحدودِ الواجبةِ واستيفاءَ الحُقوقِ المشْروعَةِ، ولا يُفضي إلى إيجادِ قتلٍ مُحرَّمٍ، فهو ضِدُّ ما ثبت في الأصْلِ، ولا يصِحُّ القياسُ
(1) في م: «اتحاد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على قتلِ الصبيِّ والمجنونِ؛ لأنَّه قتلٌ مُحَرَّمٌ، وتفويتُ نَفْسٍ مَعْصومةٍ، والتوريثُ يُفْضِي إليه، بخلافِ مَسْألَتِنا. إذا ثَبَت هذا، فالمشارِكُ في القتلِ في الميراثِ كالمُنْفَرِدِ؛ لأنَّه يَلْزَمُه مِن الضَّمانِ بحَسَبِه، فلو شَهِدَ على مَوْروثِه مع جماعةٍ ظُلْمًا فقُتِلَ لم يَرِثْه، وإن شَهِدَ بحقٍّ وَرِثَه؛ لأنَّه غيرُ مَضْمونٍ.
فصل: أربعةُ إخْوةٍ قَتَل أكبَرُهم الثاني، ثم قَتَل الثالثُ الأصْغَرَ، سَقَط القِصاصُ عن الأكْبَرِ؛ لأنَّ مِيراثَ الثاني صار للثالثِ والأصْغَرِ نِصْفَين، فلمَّا قَتَل الثالثُ الأصْغَرَ لم يَرِثْه، ووَرِثَه الأكْبَرُ، فرَجَعَ إليه نِصْفُ دَمِ نَفْسِه وميراثُ الأصْغَرِ جميعُه، فسقَطَ عنه القِصاصُ لميراثِه بعضَ دمِ نَفْسِه، وله القِصاصُ على الثالثِ، ويَرِثُه في ظاهِرِ المذْهَبِ؛ فإنِ اقْتُصَّ منه وَرِثَه. ووَرِثَ إخْوتَه الثلاثةَ. ولو أنَّ ابْنَينِ (1) قَتَل أحدُهما أحدَ أبوَيهِما، وهما زَوْجَان، ثم قتلَ الآخرُ أباه (2) الآخَرَ، سَقَط القِصاصُ عن الأوَّلِ،
(1) في م: «اثنين» .
(2)
في م: «أبا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ووَجَبَ على القاتلِ الثانِي، لأنَّ الأوَّلَ لمَّا قَتَل أباه وَرِثَ ماله ودَمَه أخوه وأُمُّه، فلمَّا قَتَل الثاني أمَّه، وَرِثَها قَاتِلُ الأبِ، فصار له مِن دَمِ نَفْسِه ثُمْنُه، فسَقَطَ القِصاصُ عنه لذلك، وله القِصاصُ على الآخَر، فإن قَتَلَه، وَرِثَه في ظاهِرِ المذْهبِ. وإن جَرَح أحدُهما أباه، والآخَرُ أُمَّه، وماتا في حالٍ واحدةٍ ولا وارِثَ لهما سِواهُما، فلكُلِّ واحدٍ منهما مالُ الذي لم يَقْتُلْه، ولكُلِّ واحِدٍ منهما القِصاصُ على صاحِبه. ولذلك لو قَتَل كلُّ واحدٍ منهما أحَدَ الأبوَين ولم يكونا زَوْجَين، فلكُلِّ واحدٍ منهما القِصاصُ على أخيه، إلَّا أنَّه لا يُمْكِنُ أحدَهما الاسْتِيفاءُ إلَّا بإبطالِ حقِّ الآخَرِ، فيسْقُطان. وإن عَفَا أحدُهما عن الآخَرِ، فللآخَرِ قتْلُ العافي، ويَرِثُه في الظاهِرِ. وإن بادَرَ أحدُهما فقَتَل أخاه، سَقَط القِصاصُ عنه، ووَرِثَه في الظاهِرِ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَرِثَه، ويَجِبُ القِصاصُ عليه، لأنَّ القِصاصَين لمَّا تَساوَيا وتَعَذَّرَ الجمعُ بينَ استيفائِهما، سَقَطَا، فلم يَبْقَ لهما حُكْمٌ، فيكونُ المستوفِي مِنهما مُتَعَدِّيًا باسْتيفائِه، فلا يَرِثُ أخاه، ويجبُ القِصاصُ عليه بقتلِه. وإن أشْكَلَ كَيفِيَّةُ موتِ الأبوَين وادَّعَى كُلُّ واحدٍ منهما أنَّ قَتيلَه أوَّلُهما موتًا، خُرِّجَ في تَوْرِيثهما ما ذكرنا في الغَرْقَى، مِن تورِيثِ كُلِّ واحدٍ مِن الميِّتين مِن الآخَرِ، ثم يَرِثُ كُلُّ واحدٍ منهما بعضَ دَمِ نَفْسِه، فيسْقُطُ القِصاصُ عنهما، ومَن لا يرَى ذلك، فالجوابُ فيها كالتي قبلَها. ويَحْتَمِلُ أن يَسْقُطَ القِصاصُ بِكُلِّ حالٍ للشُّبْهَةِ، والله أعلمُ، ويكونُ لكُلِّ واحدٍ منهما دِيَةُ الآخَرِ ومالُه.