الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مِيرَاثِ ذَوي الْفُرُوضِ
وَهُمْ عَشَرَةٌ؛ الزَّوْجَانِ، وَالْأَبَوَانِ، وَالْجَدُّ، وَالْجَدَّةُ، وَالْبِنْتُ، وَبِنْتُ الابْنِ، وَالْأُخْتُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَالْأَخُ مِنَ الْأُمِّ. فَلِلزَّوْجِ الرُّبْعُ إِذَا كَانَ لَهَا وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ، وَالنِّصْفُ مَعَ عَدَمِهِمَا. وَلِلْمَرْأَةِ الثُّمْنُ إِذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ، والرُّبْعُ مَعَ عَدَمِهِمَا.
ــ
بابُ مِيراثِ ذَوي الفُرُوضِ
(وهم عَشَرَةٌ، الزَّوْجانِ، والأبَوان، والجَدُّ، والجَدّةُ، والبِنْتُ، وبِنْتُ الابنِ، والأُخْتُ مِن كلِّ جِهَةٍ، والأخُ مِن الأُمِّ) فللزَّوْجِ النِّصْفُ إذا لم يكنْ للمَيِّتَةِ وَلَدٌ ولا وَلَدُ ابنٍ، والرُّبْعُ إذا كان معه أحَدُهما. وللزَّوْجَةِ الرُّبْعُ مع عَدَمِ الوَلَدِ ووَلَدِ الابْنِ، والثُّمْنُ مع أحَدِهما. وهذا إجماعٌ مِن أهْلِ العِلْمِ؛ لقَوْلِ اللهِ تعالى:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَينٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَينٍ} (1).
(1) سورة النساء 12.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ووَلَدُ الابْنِ وَلَدٌ؛ بدليلِ قَوْلِه تعالى: {يَابَنِي آدَمَ} و: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ} . وإنَّما جَعَل لجماعةِ الزَّوْجاتِ مثلَ الواحِدَةِ؛ لأنَّه لو جَعَل لكلِّ واحِدَةٍ الرُّبْعَ، وهُنَّ أرْبَعٌ، لأخَذْنَ جميعَ المالِ وزاد فَرْضُهُنَّ على فرْضِ الزَّوْجِ. ومثلُ هذا في الجَدَّاتِ، للجَماعةِ مثلُ ما للواحِدةِ؛ لأنَّه لو أخَذَتْ كلُّ واحدةٍ السُّدْسَ، لأخَذْنَ النِّصْفَ إذا كُنَّ ثلاثةً وزِدْنَ على مِيراثِ الجَدِّ. فأمّا سائِرُ أصْحابِ الفُرُوضِ؛ كالبَناتِ، وبَناتِ الابْنِ، والأخَواتِ المُفْتَرِقاتِ (1) كلِّهِنَّ، فإنَّ لكلِّ جماعةٍ مِنهُنَّ مثلَ ما للابْنَتَين (2)، على ما يُذْكَرُ في مَوْضِعِه، وزِدْنَ على فَرْضِ الواحدَةِ؛ لأنَّ الذَّكَرَ الذي يَرِثُ في دَرَجَتِهِنَّ لا فَرْضَ له إلَّا وَلَدَ الأُمِّ، فإنَّ ذَكَرَهم وأُنْثاهم سَواءٌ؛ لأنَّهم يَرِثُون بالرَّحِمِ وقَرابَةِ الأُمِّ المُجَرَّدَةِ.
(1) في م: «المتفرقات» .
(2)
كذا في المطبوعة والمبدع 6/ 118. وفي المغني 9/ 21: «للاثنتين». وغير منقوطة في المخطوطة.
فَصْلٌ: وَلِلْأَبِ ثَلَاثةُ أَحْوَالٍ؛ حَالٌ يَرِثُ فِيهَا السُّدْسَ بِالْفَرْضَ، وَهِيَ مَعَ ذُكُورِ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الابْنِ. وَحَالٌ يَرِث فِيهَا بِالتَّعْصِيبِ، وَهِيَ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ أوْ وَلَدِ الابْنِ. وَحَالٌ يَجْتَمِعُ لَهُ الْفَرْضُ وَالتَّعْصِيبُ، وَهِيَ مَعَ إِنَاثِ الْوَلَدِ أوْ وَلَدِ الابْنِ.
ــ
فصل: قال، رضي الله عنه:(وللأبِ ثلاثةُ أحْوالٍ؛ حالٌ يَرِثُ فيها بالفَرْضِ) المُجَرَّدِ (وهي مع ذُكورِ الوَلَدِ أو وَلَدِ الابْنِ، يَرِثُ السُّدْسَ) والباقِي للابْنِ ومَن معه. لا نعلمُ في هذا خلافًا؛ لقَوْلِ اللهِ تعالى: {وَلِأَبَوَيهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} . (وحالٌ يَرِثُ فيها بالتَّعصِيبِ) المُجَرَّدِ (وهي مع عَدَمِ الوَلَدِ ووَلَدِ الابْنِ) فيأْخُذُ المال إنِ انْفَردَ، وإنْ كان معه ذُو فَرْضٍ غَيرُ الوَلَدِ؛ كزَوْجٍ، أو أُمٍّ، أو جَدَّةٍ، فلذي الفَرْضِ فَرْضُه، وباقِي المالِ له؛ لقَوْلِ الله تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} . أضاف المِيراثَ إليهما ثم جَعَل للأُمِّ الثُّلُثَ، فكان الباقِي للأبِ، ثم قال:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} . فجَعَلَ لِلأُمِّ مع الإِخْوَةِ السُّدْسَ، ولم يَقْطَعْ إضافةَ المِيراثِ إلى الأبَوينِ، ولا ذَكَرَ للإِخوَةِ مِيراثًا، فكان الباقِي كلُّه للْأَبِ. الحالُ الثالِثُ، (يَجْتمِعُ له الفَرْضُ والتَّعْصِيبُ، وهي
فَصْلٌ: وَلِلْجَدِّ هَذِهِ الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ، وَحَالٌ رَابعٌ، وَهِيَ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبَوَينِ أَو الْأَبِ، فَإِنَّهُ يُقَاسِمُهُمْ كَأَخٍ، إلا أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ خَيرًا لَهُ فَيَأْخُذَهُ، وَالْبَاقِي لَهُمْ. فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ
ــ
مع إناثِ الوَلَدِ أو وَلَدِ الابْنِ) فيَأْخُذُ السُّدْسَ؛ لقَوْلِه تعالى: {وَلِأَبَوَيهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} . ولهذا كانَ للأبِ (1) السُّدْسُ مع البِنْتِ إِجْماعًا، ثم يأْخُذُ ما بَقِيَ بالتَّعْصِيب؛ لما رَوَى ابنُ عبَّاسٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» . مُتَّفَقٌ عليه (2). والأبُ أوْلَى رجلٍ بعدَ الابْنِ وابْنِه. وهذا كلُّه مُجْمَعٌ عليه، ليسَ فيه خِلافٌ نعلَمُه.
فصل: قال: وللجَدِّ ثلاثةُ أحْوالِ الأب الثَّلاثةِ، إلَّا أنَّه يَسْقُطُ بالأبِ؛ لأنَّه (3) يُدْلِي به، ويَنْقُصُ (4) عن رُتْبَةِ الأبَ في زَوْجٍ وأبَوَين، وامرأةٍ وأَبَوَينِ، فيُفْرَضُ للأُمِّ فيهما ثُلُثُ جميعِ المالِ. (و) له (حالٌ رابعٌ مع الإِخْوَةِ والأخَواتِ مِن الأبَوينِ والأبِ، فإنَّه يُقاسِمُهم كأخٍ، إلَّا أن يَكونَ الثُّلُثُ خيرًا له فيَأْخُذَه، والباقِي لهم. فإن كان معهم ذُو فرْضٍ أخَذَ
(1) في النسختين «للأم» . والمثبت كما في المغني 9/ 20.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 11.
(3)
في م: «لا» .
(4)
في م: «يسقط» .
ذُو فَرْضٍ أخَذَ فَرْضَهُ، ثُمَّ لِلْجَدِّ الْأَحَظُّ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ كَأَخٍ أَوْ ثُلُثِ الْبَاقِي أَوْ سُدْسِ جَمِيعِ الْمَالِ.
ــ
فَرْضَه، ثم للجَدِّ الأحَظُّ؛ مِن المُقاسَمَةِ كأخٍ أو ثُلُثِ الباقِي أو سُدْسِ جَميعِ المالِ) وسوف نَذْكُرُ الاخْتِلافَ فيه إن شاءَ الله تعالى. فرَوَى أبو داوُدَ (1) بإسْنادِه عن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ، أَنَّ رجلًا أتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ ابْنَ ابنِيَ مات، فما لِى مِن مِيراثِه؟ قال:«لكَ السُّدْسُ» . فلمَّا أدْبَرَ دَعاه فقال: «إنَّ لَكَ سُدْسًا آخَرَ» . فلمَّا أدْبَرَ دَعاه فقال: «إنَّ لَكَ السُّدْسَ الآخَرَ طُعْمَةً» . قال قَتادَةُ: فلا نَدْرِي مع أيِّ شيءٍ وَرَّثَه. قال قَتادَةُ: أقَلُّ شيءٍ وَرِثَ الْجَدُّ السُّدْسُ. ورَوَى (2) عن عُمَرَ، رضي الله عنه، أنَّه قال: أيُّكم يَعْلَمُ ما وَرَّثَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْجَدَّ؟ فقال مَعْقِلُ بْنُ يَسارٍ: أنا، وَرَّثَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم السُّدْسَ. قال: مع مَن؟ قال: لا أدْرِي. قال: لا دَرَيتَ، فما تُغْنِي إذًا! رَواهُ سَعِيدٌ في «سُنَنِهِ» (3). قال أبو بكرٍ بنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ مِن أصْحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم على أنَّ الجَدَّ أبا الأبِ لا يَحْجُبُه عن المِيراثِ
(1) في: باب ما جاء في ميراث الجد، من كتاب الفرائض. سنن أبي داود 2/ 110.
كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في ميراث الجد، من أبواب الفرائض. عارضة الأحوذي 8/ 250، 251. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 429، 436.
(2)
بعده في حاشية الأصل: «عن الحسن أيضًا» .
(3)
أخرجه أبو داود في الموضع السابق. وسعيد بن منصور في سننه 1/ 44.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
غيرُ الأبِ، وأنْزَلُوا الجَدَّ في الحَجْبِ والمِيراثِ مَنْزِلَةَ الأبِ في جميعِ المَواضِعِ، إلَّا في ثلاثةِ أشياءَ؛ أحدُها، زَوْجٌ وأبَوانِ، والثانيةُ، زوْجَةٌ وأبَوَانِ، للأُمِّ ثُلُثُ الباقِي فيهما مع الأبِ، وثُلُثُ جميعِ المالِ مع الجَدِّ. والثالثةُ، اخْتَلَفُوا في الْجَدِّ مع الإِخْوَةِ والأخَواتِ للأبَوَينِ أو للأبِ. ولا خِلافَ بينَهم في إسْقاطِه بَنِي الإِخْوَةِ وولدَ الأُمِّ ذَكَرَهم وأُنْثاهم. فذَهَب الصِّدِّيقُ، رضي الله عنه، إلى أنَّ الجَدَّ يُسْقِطُ جميعَ الإِخوةِ والأخَوَاتِ مِن جميعِ الجهاتِ، كما يُسْقِطُهم الأبُ. وبه قال ابنُ عَبَّاسٍ، وابنُ الزُّبَيرِ. ورُوِيَ ذلك عن عثمانَ، وعائشةَ، وأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وأبي الدَّرْداءِ، ومُعاذِ بنِ جَبَلٍ، وأبي موسى، وأبي هُرَيرَةَ، رضي الله عنهم. وحُكِيَ أيضًا عن عِمْرانَ بنِ حُصَينٍ، وجَابِرِ بنِ عبدِ اللهِ، وأبي الطُّفَيلِ (1)، وعُبادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وعَطاءٍ، وطاوُسٍ، وجَابرِ بنِ زَيدٍ. وبه قال قَتَادةُ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، ونُعَيمُ بنُ حَمّادٍ، وأبو حنيفةَ، والْمُزَنِيُّ، وابنُ سُرَيجٍ (2)، وابنُ اللَّبَّانِ (3)، وداودُ، وابنُ
(1) عامر بن واثلة بن عبد الله الكناني الحجازي أبو الطفيل، خاتم من رأى رسول صلى الله عليه وسلم، كان ثقة صادقا عالما شاعرا فارسا، كان من شيعة علي وشهد معه حروبه، توفي سنة عشر ومائة. سير أعلام النبلاء 3/ 467 - 470.
(2)
في م: «شريح» وغير منقوطة في الأصل.
(3)
محمد بن عبد الله بن الحسن، ابن اللبان الفرضي، الفقيه الشافعي، إمام عصره في الفرائض وقسمة التركات، توفي سنة اثنتين وأربعمائة. طبقات الشافعية الكبرى 4/ 154، 155.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُنْذِرِ. وكان عليُّ بنُ أبي طالِبٍ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وزَيدُ بْنُ ثابِتٍ، يُوَرِّثُونَهم معه ولا يَحْجُبُونَهم به. وبه قال مالِكٌ، والأوْزاعِيُّ، والشافعيُّ، وأبو يُوسُفَ، ومحمدٌ، لأنَّ الأخَ ذَكَرٌ يُعَصِّبُ أُخْتَه فلم يُسْقِطْهُ الْجَدُّ، كالابْنِ، ولأنَّ مِيراثَهم ثَبَت بالكِتابِ فلا يُحْجَبُون إلَّا بِنَصٍّ أو إجْمَاعٍ (1)، وما وُجِدَ شَيْءٌ مِن ذلك فلا يُحْجَبُون، ولأنَّهم تَساوَوْا في سَبَبِ الاسْتِحْقاقِ فيَتَساوَوْن فيه، فإنَّ الأخَ والجَدَّ يُدْلِيانِ بالأبِ، الجَدُّ أبُوه، والأخُ ابْنُه، وقَرابَةُ البُنُوَّةِ لا تَنْقُصُ عن قَرابَةِ الأُبُوةِ، بل رُبَّما كانتْ أقْوَى منها؛ فإنَّ الابْنَ يُسْقِطُ تَعْصِيبَ الأبِ، ولذلك مَثَّلَه عليٌّ، رضي الله عنه، بشَجَرَةٍ أنْبَتَتْ غُصْنًا، فانْفَرَقَ منه غُصْنانِ، كلٌّ منهما أقْرَبُ إليه (2) منه إلى أصْلِ الشَّجَرةِ. ومَثَّلَه زَيدٌ بوادٍ خَرَج مِنه نَهْرٌ، وانْفَرَقَ منه جَدْوَلان، كُلُّ واحِدٍ منهما إلى الآخَرِ أقْرَبُ منه إلى الوادِي.
واحْتَجَّ مَن ذَهَب مَذْهَبَ أبي بكرٍ، رضي الله عنه، بقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» . مُتَّفَقٌ عليه. والجَدُّ أوْلَى مِن الأخِ بِدَلِيلِ المَعْنَى والحُكْم؛ أمَّا المَعْنَى، فإنَّ له قَرابَةَ
(1) بعده في م: «أو قياس» ، وهو موافق لما في المغني 9/ 66.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إيلادٍ وبَعْضِيَّةٍ كالْأَبِ، وأمَّا الحُكْمُ، فإنَّ الفُرُوضَ إذا ازْدَحَمَتْ سَقَط الأخُ دُونَه، ولا يُسْقِطُه أحَدٌ إلَّا الأبُ، والأخُ والأخَواتُ يَسْقُطُون بثلاثةٍ، ويُجْمَعُ له بينَ الفَرْضِ والتَّعْصِيبِ كالأبِ، وهم يَنْفَرِدُون بواحدٍ منهما، ويُسْقِطُ ولدَ الأُمِّ، ووَلَدُ الأبِ يَسْقُطُون بهم بالإِجْماعِ إذا اسْتَغْرَقَتِ الفُرُوضُ المال وكانوا عَصَبَةً، وكذلك ولدُ الأبوينِ في المُشَرَّكَةِ عندَ الأكْثَرِين، ولأنَّه لا يُقْتَلُ بقَتْلِ ابْنِ ابْنِه ولا يُحَدُّ بقَذْفِه. ولا يُقْطَعُ بسَرِقَةِ مالِه، ويَجِبُ عليه نفَقَتُه ويُمْنَعُ مِن دَفعِ زَكاتِه إليه، كالأبِ سَواءً، فدلَّ ذلك على قُرْبِه. فإن قيلَ: فالحديثُ حُجَّةٌ في تَقْديمِ الأخَواتِ؛ لأن فُرُوضَهُنَّ في كتابِ اللهِ تَعالى، فيَجِبُ أن تُلْحَق بهِنَّ فُروضُهُنَّ، ويكونَ للجَدِّ ما بَقِيَ. فالجوابُ، أنَّ هذا الخَبَرَ حُجَّةٌ في الذُّكُورِ المُنْفَرِدين، وفي الذُّكُورِ مع الإِناثِ. أو نقولُ: هو حُجَّةٌ في الجميعِ، ولا فَرْضَ لوَلَدِ الأبِ مع الجَدِّ؛ لأنَّهم كَلالةٌ، والكَلالةُ اسمٌ للوارِثِ مع عَدَمِ الوَلَدِ والوالِدِ، فلا يكونُ لهم معه إذًا فرضٌ. حُجَّةٌ أُخْرَى، قالوا: الجَدُّ أبٌ، فيَحْجُبُ وَلَدَ الأبِ، كالأبِ الحقيقيِّ. ودليلُ كونِه أبًا قولُه تعالى:{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} (1). وقولُ يوسُفَ:
(1) سورة الحج 78.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
{وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} (1). وقَوْلُه: {كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} (2). وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «ارْمُوا بَنِي إسْماعِيلَ فَإنَّ أباكُمْ كان رَامِيًا» (3). وقال: «سَامٌ أبُو العَرَبِ، وحَامٌ أبو الحَبَشِ» (4). [وقال: «نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، لَا نَقْفُوا أُمَّنَا، ولا نَنْتَفِي مِنْ أبِينَا](5). وقال الشاعرُ (6):
إِنَّا بَنِي نَهْشَلٍ لا نَدَّعِي لأبٍ
…
عنه ولا هو بالأبْناءِ يَشْرِينا
فوجَب أن يَحْجُبَ الإِخوةَ، كالأبِ الحَقِيقيِّ. يُحقِّقُ هذا أنَّ ابنَ الابنِ وإن سَفَل يَقومُ مَقامَ أبِيه (7) في الحَجْبِ، كذلك أبو الأبِ يقومُ مَقامَ ابنهِ؛ ولذلك قال ابنُ عباسٍ: ألا يَتَّقِي اللهَ زيدٌ؟ يَجْعَلُ ابنَ الابنِ ابنًا، ولا يَجْعَلُ أبا الأبِ أبًا. ولأنَّ بينَهما إيلادًا وبَعْضِيَّةً وجُزْئِيَّةً، وهو يُساوي الأبَ في أكثرِ أحكامِه، فيُساويه في هذا الحَجْبِ. يُحقِّقُه أنَّ أبا الأبِ وإن عَلا يُسْقِطُ بَنِي الإِخْوَةِ، ولو كانت قَرابةُ الأخِ والجَدِّ واحدةً لوَجَب أن يكونَ أبو الجَدِّ مُساويًا لبَنِي الأخِ؛ لتَساوي دَرَجَةِ مَن أدْلَيا به. ولا
(1) سورة يوسف 38.
(2)
سورة يوسف 6.
(3)
تقدم تخريجه في 16/ 465.
(4)
أخرجه الترمذي في: باب ومن سورة الصافات، من أبواب تفسير القرآن. عارضة الأحوذي 12/ 109. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 9، 10، 11.
(5)
سقط من الأصل. وتقدم تخريجه في 16/ 465.
(6)
الحماسة 1/ 77. وفيها أنه لبعض بني قيس بن ثعلبة، ويقال إنه لبشامة بن حزن النهشلي. وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي 1/ 100، وفيه أنه لبشامة بن جزء النهشلي.
(7)
في النسختين: «ابنه» . وانظر المغني 9/ 68.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَفْرِيعَ على هذا القولِ لوُضُوحِه.
فصل: واخْتَلَفَ القائِلونَ بتَوْريثهم معه (1) في كَيفِيَّةِ تَوْرِيِثِهم، فكان عليٌّ، رضي الله عنه، يَفْرِضُ للأخَواتِ فُرُوضَهُنَّ، والباقِيَ للجَدِّ، إلَّا أن يَنْقُصَه ذلك مِن السُّدْسِ، فيَفْرِضَه له. فإن كانت أُخْتٌ لأبَوَين، وإخْوةٌ لأبٍ، فَرَض للأُختِ النِّصفَ، وقاسَم الجدُّ الإِخوةَ فيما بَقِيَ، إلَّا أن تَنْقُصَه المُقاسَمةُ مِن السُّدْسِ فنَفْرِضَه له. فإن كان الإِخْوَةُ كلُّهم عَصَبةً، قاسَمَهم الجَدُّ إلى (2) السُّدْسِ. فإنِ اجْتَمَعَ وَلَدُ الأبِ ووَلَدُ الأبَوَينِ مع الجَدِّ، سَقَط ولدُ الأبِ ولم يَدْخُلُوا في المُقاسَمَةِ ولا يُعْتَدُّ بهم. وإنِ انْفَرَدَ وَلَدُ الأبِ قاموا مَقامَ وَلدِ الأبَوين مع الجَدِّ.
وصَنَع ابنُ مسعودٍ في الجَدِّ مع الأخَواتِ كصُنْعِ عليٍّ، وقاسَمَ به الإِخْوَةَ إلى الثُّلُثِ، فإن كان معهم (3) أصحابُ فَرائِضَ، أعْطَى أصحابَ الفَرائِضِ فَرائِضَهم، ثمَّ صَنَعَ صَنِيعَ زيدٍ في إعْطاءِ الجَدِّ (3) الأحَظَّ؛ مِن المُقاسَمَةِ أو ثُلُثِ الباقِي أو سُدْسِ جميعِ المالِ، وعليٌّ يُقاسِمُ به بعدَ أصحابِ الفرائِضِ، إلَّا أن يكونَ أصحابُ الفَرائِضِ بنتًا أو بناتٍ، فلا يزيدُ الجَدُّ على الثُّلُثِ، ولا يُقاسِمُ به. وقال بقولِ عليٌّ؛ الشَّعْبِيُّ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في م: «إلَّا» .
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والنَّخَعِيُّ، والمُغِيرَةُ بنُ مِقْسَمٍ (1)، وابنُ أبي لَيلَى، والحَسَنُ بنُ صَالِحٍ. وذَهَب إلى قولِ ابنِ مسعودٍ؛ مَسْرُوقٌ، وعَلْقَمَةُ، وشُرَيحٌ. فأمَّا مَذْهَبُ زيدٍ، فهو الذي ذَكَرَه شَيخُنا في الكتابِ المَشْروحِ، وذَكَرَه الخِرَقِيُّ، وسنَشْرَحُه إن شاء اللهُ تعالى. وإليه ذَهَب أحمدُ. وبه قال أهلُ المدينةِ والشّامِ، والثَّوْرِيُّ، والأوْزاعِيُّ، والنَّخَعِيُّ، والحَجّاجُ بنُ أرْطاةَ (2)، ومالِكٌ، والشافعيُّ، وأبو يُوسُفَ، ومحمدُ بنُ الحسنِ، وأبو عُبَيدٍ، وأكثرُ أهلِ العلمِ. فمذْهَبُ زيدٍ في الجَدِّ معِ الإِخْوةِ والأخَواتِ للأبَوَين أو للأبِ، أنَّه يُقاسِمُهُم كأخٍ، إلَّا أن يَكون ثُلُثُ المالِ أحَظَّ له، فإن نَقَصَتْه المُقاسَمَةُ عن الثُّلُثِ فله الثُّلُثُ، والباقِي لهم.
فعلى هذا، إذا كان معه أخَوان، أو أرْبَعُ أخَواتٍ، أو أخٌ وأُخْتان، فالثُّلُثُ والمُقاسَمةُ سواءٌ، فإن نَقَصُوا عن ذلك فالمُقاسَمةُ أحظُّ له فقاسِمْ به لا غَيرُ. وإن زادُوا فأعْطِه الثُّلُثَ، فإن كان معهم ذُو فرضٍ أخَذ فَرْضَه، وكان للجَدِّ الأحَظُّ مِن المُقاسَمَةِ كأخٍ أو ثُلُثِ الباقي أو سُدْسِ جميعِ المالِ. أمّا كونُه لا يَنْقُصُ عن سُدْسِ جميعِ المالِ؛ فلأنَّه لا يَنْقُصُ عن ذلك مع الوَلَدِ الذي هو أقْوَى، فمع غيرِهم أَولى. وأمّا إعطاؤُه ثُلُثَ البَاقي إذا
(1) المغيرة بن مقسم الضبي، مولاهم، من فقهاء التابعين بالكوفة، توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائة. طبقات الفقهاء، للشيرازي 83، تهذيب التهذيب 10/ 269.
(2)
الحجاج بن أرطاة الكوفي القاضي الفقيه المفتي، روى عن الشعبي وعطاء. تهذيب التهذيب 2/ 196.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كان أحَظَّ، فلأنَّ له الثُّلُثَ مع عَدَمِ الفُرُوضِ، فما أُخِذَ بالفَرْضِ (1) كأنَّه معدومٌ قد ذَهَب مِن المالِ، فصار ثُلُثُ الباقِي بمنزلَةِ ثُلُثِ جَميعِ المَالِ. وأمّا المُقاسمةُ فهي له مع عَدَمِ الفُرُوضِ فكذلك مع وجودِها. فعلى هذا، متى زاد الإخوةُ عن اثنَين أو مَن يَعْدِلُهم مِن الإناثِ فلا حَظَّ له في المُقاسَمةِ، وإن نَقَصُوا عن ذلك فلا حَظَّ له في ثُلُثِ الباقي، ومتى زادتِ الفُرُوضُ عن النِّصْفِ فلا حظَّ له في ثُلُثِ الباقي، وإن نَقَصت عن النصفِ فلا حَظَّ له في السُّدْسِ، وإن كان الفرضُ النصفَ. فقط، استوى السُّدْسُ وثُلُثُ الباقي، وإن كان الإِخوةُ اثنين والفرضُ النصفَ، استوى المقاسمةُ وثُلُثُ الباقِي وسُدْسُ جميعِ المالِ.
فصل: ولا يَنْقُصُ الْجَدُّ عن سُدْسِ المالِ، أو تَسْمِيَتِه إذا زادَتِ السِّهَامُ. هذا قولُ عامَّةِ أهلِ العِلْمِ، إلَّا أنَّه رُوِيَ عن الشَّعْبِي أنَّه قال: إنَّ ابنَ عباسٍ كَتَب إلى عليٍّ في سِتَّةِ إخوةٍ وجَدٍّ، فكتب إليه: اجْعَلِ الجَدَّ سابِعَهم وامْحُ كتابِي هذا (2). ورُوِيَ عنه في سَبْعَةِ إخوةٍ وجَدٍّ، أنَّ الجدَّ ثامِنُهم. وحُكِيَ عن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ، والشَّعْبيِّ، المقاسمةُ إلى نِصفِ سُدْسِ المَالِ. ولَنا، أنَّ الجَدَّ لا يَنْقُصُ عن السُّدْسِ مع البَنِينَ، وهم أقْوَى مِيِراثًا من الإِخْوةِ، فإنَّهم يَسْقُطُونَ بهم، فلِئلَّا يَنْقُصَ عنه مع الإِخوةِ أوْلَى، ولأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أطْعَمَ الجدَّ السُّدْسَ (3)، فلا ينبغي
(1) في م: «بالفروض» .
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة، في: المصنف 11/ 293. والبيهقي، في: السنن الكبرى 6/ 249. وسنده صحيح. وانظر فتح الباري 12/ 21.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 17.