الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ: وَلَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنَ الْوَلَاءِ، إلا مَا أعتَقْنَ أوْ أَعتَقَ مَنْ أعتَقْنَ، أوْ كَاتَبْنَ أوْ كَاتَبَ منْ كَاتَبْنَ. وَعَنْهُ، فِي بِنْتِ الْمُعتِقِ خَاصَّةً تَرِثُ. وَالْأوَّلُ أَصَحُّ.
ــ
كمِيراثِ النَّسبِ، ولأنَّ اخْتلافَ الدِّينِ مانِعٌ مِن الميراثِ بالنَّسبِ، فمنَعَ الميراثَ بالوَلاءِ، كالقَتْلِ والرِّقِّ، يُحَقِّقُه أنَّ الميراثَ بالنَّسبِ أقْوَى، فإذا مُنِعَ الأقْوى فالأضْعَفُ أوْلَى، ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ألْحَقَ الوَلاءَ بالنَّسبِ بقولِه:«الوَلاءُ لُحمَة كلُحمَةِ النَّسبِ» . فكما يَمنَعُ اختلاف الدِّينِ التَّوارُثَ مع صِحَّةِ النَّسبِ وثُبوتِه، فكذلك يَمْنَعُ مع صِحَّةِ الوَلاءِ وثبوتِه.
2898 - مسألة: فإن كان للسيدِ عَصَبَةٌ على دِينِ المُعتَقِ، وَرِثَه دُونَ سيدِه
. وقال داودُ: لا تَرِثُ عَصَبَتُه في حياتِه. ولَنا، أنَّه بمَنْزِلَةِ ما لو كان الأقْرَبُ مِن العَصَبَةِ مخالفًا لدِينِ الميتِ والأبعَدُ على دِينه، وَرِثَ البعيدُ دُونَ القريبِ، فإنِ اجْتَمَعَا على الإِسلامِ توارَثا كالمُتنَاسِبَين؛ لزوالِ المانِعِ.
فصل: قال الشيخُ رحمه الله: (ولا يَرِثُ النساءُ مِن الوَلاءِ، إلَّا ما أعتَقْن، أو أعتَقَ مَنٍ أعتَقْنَ، أو كاتَبْنَ أو كاتبَ مَن كاتَبْنَ. وعنه، في بِنتِ المُعتِقِ تَرِثُ خَاصَّةً. والأوَّلُ أصَحُّ) معنى قولِه: مِن الوَلاءِ. أي بالوَلاءِ؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّ الوَلاءَ لا يُورَثُ على ما نَذْكُرُه. ظاهِرُ المذهبِ، أنَّ النِّساءَ لا يَرِثْنَ بالوَلاءِ، إلَّا ما أعتَقْنَ أو أعتَقَ مَن أعتَقْنَ أو جَرَّ الولاءَ إليهنَّ مَن أعتَقْنَ، والكِتابةُ كذلك، فإنَّها إعتَاقٌ. قال القاضِي: هذا ظاهِرُ كلامِ أحمدَ. والرِّوايَةُ التي ذَكَرَها الخِرَقِي في بنتِ المُعتِقِ ما وجَدتُها مَنْصوصةً عن أحمدَ. وقد قال في روايةِ ابنِ القاسمِ، وقد سألَه: هل كان لحَمزَةَ أو لابنَتِه؟ فقال: لابنَتِه. فقد نصَّ على أنَّ ابنةَ حمزةَ وَرِثَتْ بوَلاءِ نَفْسِها؛ لأنَّها هي المُعتِقةُ. وهذا قولُ الجمهورِ. وإليه ذهب مالكٌ، والشافعيُّ، وأهلُ العراقِ، وداودُ. والصَّحيحُ الأوَّلُ، لإِجْماعِ الصَّحابةِ ومَن بَعدَهم عليه، ولأنَّ الوَلاءَ لُحمةٌ كلُحمَةِ النَّسَبِ، والمَوْلَى كالنّسيبِ من الأخِ والعَمِّ ونحوهما، فوَلَدُه مِن العَتِيقِ بمنزلةِ وَلَدِ أخِيه وعَمِّه، ولا يَرِثُ منهم إلَّا الذكورُ خاصَّةً. فأمَّا الرِّوايةُ المذكورةُ في مِيراثِ بنتِ المُعتِقِ التي ذكرها الخِرَقِيّ، فوَجْهُها ما روَى إبراهيمُ النَّخَعِيُّ، أنَّ مَوْلًى لحمزةَ مات وخَلَّفَ بنتًا، فَوَرَّثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِنْتَه النِّصفَ، وجَعَل لبنتِ حمزةَ النِّصف (1). والصَّحيحُ أنَّ المَوْلَى كان لبِنْتِ حمزَةَ. قال عبدُ اللهِ بنُ شَدَّادٍ: كان لبنتِ
(1) ذكره البيهقي، في: السنن الكبرى 6/ 241. وقال: هذا غلط، وقد قال شريك: تقحم إبراهيم هذا القول تقحمًا، إلا أن يكون سمع شيئًا فرواه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حمزةَ مَوْلًى أعتَقَتْه، فمات، وتَرَكَ ابْنَتَه ومَوْلَاتَه بنتَ حمزةَ، فرُفِعَ ذلك إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأعْطَى ابنتَه (1) النِّصفَ، وأعطَى مَوْلاتَه بِنْتَ حمزَةَ النِّصْفَ. قال عبدُ اللهِ بنُ شَدَّادٍ: أنا أعلَمُ بها؛ لأنَّها أخْتِي مِن أمِّي، أُمُّنا سَلْمَى (2). رواه ابنُ اللَّبَّانِ بإسْنادِه، وقال: هذا أصَح ممَّا (3) روَى إبراهيمُ. ولأنَّ البنْتَ مِن النِّساءِ، فلا تَرِثُ بالوَلاءِ، كسائرِ النساءِ. فأمَا تَوْرِيثُ المرأةِ مِن مُعتَقِها [ومُعتَقِ مُعتَقِها](4)، فليس فيه اخْتلافٌ بينَ أهلِ العلمِ، وقد دلَّ عليه حديثُ عائِشةَ حينَ أرادت شِراءَ بَرِيرَةَ لتَعتِقَها ويكونَ ولاؤها لها، فأراد أهلُها [اشْتِراطَ وَلائها](5)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«اشْتَرِيها واشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلَاءَ، فإنَّما الوَلاءُ لمَنْ أعتَقَ» . متفق
(1) في م: «ابنه» .
(2)
أخرجه ابن ماجه، في: باب ميراث الولاء، من كتاب الفرائض. سنن ابن ماجه 2/ 913. والدارمي، في: باب الولاء، من كتاب الفرائض. سنن الدارمي 2/ 373. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 405. وسعيد بن منصور، في: باب ميراث المولى مع الورثة. السنن 1/ 72، 73.
(3)
في م: «ما» .
(4)
سقط من: م.
(5)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليه (1). وقال عليه الصلاة والسلام: «تَحُوزُ المَرأةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ؛ عَتِيقَها، ولقيطَها، ووَلَدَها الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيهِ» (2). قال التِّرمِذِيُّ: هذا حديث حسن. ولأنَّ المعتِقَةَ مُنْعِمَةٌ بالإِعتاقِ كالرجلِ، فوَجَبَ أن تُساوِيَه في الميراثِ. وفي حديثِ بنتِ حَمزَةَ الذي ذكرناه تَنْصِيصٌ على توريثِ المُعتِقَةِ. وأمَّا مُعتَقُ أبِيها، فهو بمَنْزِلَةِ عَمِّها أو عَمِّ أبِيها، فلا تَرِثُه، ويَرِثُه أخُوها، كالنَّسبِ.
ومِن مسائل ذلك: رجلٌ مات وخَلَّفَ ابنَ مُعتِقِه [وبنتَ مُعْتِقِه](3)،
(1) تقدم تخريجه في 11/ 234، 235.
(2)
تقدم تخريجه في 16/ 310.
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الميراثُ لابنِ مُعْتِقِه خاصَّةً. وعلي الرِّوايةِ الأُخْرَى، يكونُ المالُ (1) بينَهما أثْلاثًا. فإن لم يُخَلِّفْ إلَّا بنتَ مُعْتِقِه فلا شيءَ لها، ومالُه لبيتِ المالِ. وعلى الرِّوايةِ الأخْرَى، يكونُ المالُ (2) لها. وإن خَلَّفَ أُخْتَ مُعْتِقِه فلا شيءَ لها، روايةً واحدةً. وكذلك إن خَلَّفَ أُمَّ مُعْتِقِه، أو جَدَّةَ مُعْتِقِه، أو غَيرَهما. وإن خَلَّفَ أَخَا مُعْتِقِه وأخْتَ مُعْتِقِه، فالميراثُ للأخِ. ولو خَلَّفَ بِنْتَ مُعْتِقِه وابنَ عَمِّ مُعْتِقِه أو مُعْتِقِ مُعْتِقِه، أو ابنَ مُعْتِقِ (3) مُعْتِقِه، فالميراثُ له دونَ البنْتِ، إلَّا على الرِّوايةِ الأخْرَى، فإنَّ لها النِّصْفَ، والباقي للعَصَبَةِ. وإن خَلَّف بِنْتَه ومُعْتِقَه، فلبِنْتِه النِّصْفُ، والباقي لمُعْتِقِه، كما في قَضِيَّةِ مَوْلَى بِنْتِ حمزةَ، حين مات وخَلَّفَ بِنْتَه وبِنْتَ حمزةَ التي أعْتَقَتْه، فأعْطَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بَنْتَه النِّصْفَ، والباقيَ لبِنْتِ حمزةَ. فإن خَلَّفَ ذا فَرْضٍ سِوَى البِنْتِ؛ كالأَمِّ، أو (4) الجَدَّةِ، أو الأُخْتِ، أو الأخِ مِن الأمِّ، أو الزوجِ، أو الزوجةِ، أو مَن لا يسْتَغْرِقُ فَرْضُه المال، أو مَوْلاه، أو مَوْلاته، فلذي الفَرْضِ فَرْضُه، والباقي لمَوْلاه أو مَوْلَاتِه، في قولِ جهورِ
(1) في م: «الملك» .
(2)
في م: «الملك» .
(3)
في م: «المعتق» .
(4)
في م: «و» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العلماءِ. رجُلٌ وابنتُه أعْتَقا عبدًا، ثم مات الأبُ وخَلَّفَ ابنَه (1) وبِنْتَه، فمالُه بَينَهما أثْلاثًا، ثم مات العَتِيقُ، فللبِنْتِ النِّصْفُ؛ لأنَّها مَوْلاةُ نِصْفِه، والباقي لابنِ المُعْتِقِ خاصَّةً، إلَّا علَى الرِّوايةِ الضَّعِيفَةِ، فإنَّ الباقيَ يكونُ بَينَهما أثْلاثًا، فيَصِيرُ للبِنْتِ الثُّلُثان، ولأخِيها الثُّلُثُ. كان ماتتِ البِنْتُ قبلَ العَتِيقِ وخَلَّفَتِ ابنًا، ثم مات العَتِيقُ، فلابنِها النِّصْفُ والباقي لأخِيها، ولو لم تُخَلِّفِ البِنْتُ إلَّا بنتًا، كان الوَلاءُ كلُّه لأخِيها دُونَ بِنْتِها، إلَّا علَى الرِّوايةِ الأُخْرَى، فإنَّ لبِنْتِها النِّصفَ، والباقي لأخِيها. كان مات الابنُ قبلَ العَتِيقِ وخَلَّفَ بنتًا، ثم مات العَتِيقُ وخَلَّفَ مُعتِقَةَ نِصْفِه وبنْتَ أخِيها، فللمُعتِقَةِ نصفُ مالِه، وباقِيه لبيتِ المال. وعلى الرِّوايةِ الأُخْرَى، لها النِّصْفُ بإعتاقِها، ونِصفُ الباقي بأنَّها بِنْتُ مُعتِقِ النِّضفِ، والباقي لعَصَبَةِ أبِيها. ولو كانتِ البِنْتُ ماتت أيضًا قَبْلَ العَتِيقِ وخَلَّفَتِ ابنَها، ثم ماتَ العَتِيقُ، فلابنِها النِّصْفُ، ولا شيءَ لبِنْتِ أخِيها. امرأةٌ أعتقَتْ أباها، ثم أعتَقَ أبُوها عبدًا، ثم مات الأبُ، ثم العبدُ، فمالُهما لها. فإن كانَ أبُوها خَلَّفَ بِنْتًا أُخْرَى معها، فلَهما ثُلُثا مالِ الأبِ بالنَّسبِ، والباقي للمُعتِقَةِ بالوَلاءِ، ومالُ العبدِ جَميعُه للمُعتِقَةِ دُونَ أخْتِها. ويَتَخَرَّجُ على الرِّوايةِ الأُخْرَى أن يكونَ لهما ثُلُثا مالِ العبدِ أيضًا، وباقِيه للمُعتِقَةِ. ولو كان الأبُ خَلَّفَ مع المُعتِقَةِ ابنًا، فمالُ الأَبِ بَينَهما (2) أثْلاثًا بالبُنُوَّةِ، ومالُ العبدِ
(1) في م: «ابنيه» .
(2)
في م: «بينها» .