الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَلَى الْمُقِرِّ أنْ يَدْفَعَ إِلَيهِ فَضْلَ مَا في يَدِهِ عَنْ مِيرَاثِهِ. فَإِذَا أقَرَّ أَحَدُ الابْنَينِ بِأَخٍ فَلَهُ ثُلُثُ مَا في يَدِهِ، وَإنْ أقَرَّ بِأُخْتٍ فَلَهَا خُمْسُ مَا في يَدِهِ.
ــ
2872 - مسألة: (وعلى المُقِرِّ أن يدفَعَ إليه فَضْلَ ما في يدِه عن مِيراثِه)
إذا أقَرَّ بعضُ الورثَةِ ولم يَثْبُتْ نَسَبُه، لَزِمَ المُقِرَّ أن يدْفَعَ إليه فَضْلَ ما في يدِه، كمَن خَلَّفَ وَلَدَينِ فأقَرَّ أحدُهما بأخٍ، فله ثُلُثُ ما في يدِه، وإن أقَرَّ بأُخْتٍ، دَفَع إليها خُمْسَ ما في يدِه عن ميراثِه. هذا قولُ مالكٍ، والأوْزَاعِيِّ، والثَّوْرِيِّ، وابنِ أبي لَيلَى، والحسنِ بنِ صالحٍ، وشَرِيكٍ، ويحيى بنِ آدمَ، ووَكيع، وإسحاقَ، وأبي عُبَيدٍ، وأبي ثَوْرٍ، وأهلِ البصرةِ. وقال النَّخَعِيُّ، وحمادٌ، وأبو حنيفةَ وأصحابُه: يُقاسِمُه ما في يدِه؛ لأنَّه يقُولُ: أنا وأنت سواءٌ في ميراثِ أبِينا. وكأنَّ ما أخَذَه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُنْكِرُ تَلِف أو غُصِبَ، فيَسْتَوى فيما بَقِي. وقال الشافعيُّ، وداودُ: لا يلزَمُه في الظاهِرِ دفْعُ شيءٍ إليه، وهل يلزَمُه فيما بينَه وبينَ اللهِ تعالى؟ على قولَين؛ أصَحُّهما، لا يَلْزَمُه؛ لأنَّه لا يَرِثُ مَن لا يثْبُتُ نَسَبُه. وإذا قلنا: يلزَمُه. ففي قدْرِه وَجْهان (1). ولَنا على الشافعيِّ، أنَّه أقَرَّ بحقٍّ لمُدَّعِيه يمكِنُ صِدْقُه فيه، ويدُ المُقِرِّ عليه وهو متمَكِّنٌ مِن دَفْعِه إليه، فلزِمَه ذلك، كما لو أقَرَّ له بمُعَيَّنٍ، ولأنَّه إذا عَلِمَ أنَّ هذا أخوه وله ثُلُثُ الترِكَةِ، وتَيَقَّنَ اسْتِحْقاقَه لها، وفي يدِه بعضُه وصاحبُه يَطْلُبُه، لَزِمَه دفعُه إليه وحَرُمَ عليه منْعُه منه، كما في سائِرِ المواضِعِ، وعَدَمُ ثُبُوتِ نَسَبِه في الظَّاهِرِ لا يمنْعُ وجوبَ دفْعِه إليه، كما لو غَصَبَه شيئًا ولم تَقُمْ بَيِّنةٌ بغصْبه. ولَنا على أبي حنيفةَ، أنَّه أقَرَّ له بالفاضِلِ عن ميراثِه، فلم يلزَمْه أكثرُ ممَّا أقَرَّ به، كما لو أقَرَّ له بشيءٍ مُعَيَّنٍ، ولأنَّه حقٌّ تعلَّقَ بمحَلٍّ مُشْتَرَكٍ بإقْرارِ أحدِ الشَّرِيكَين، فلم يَلْزَمْه أكثرُ مِن قِسْطِه، كما لو أقَرَّ أحدُ الشَّريكَين بجنايَةٍ على العبْدِ. ولأنَّ التركَةَ بَينَهم أثْلاثًا، فلا يستَحِقُّ ممَّا في يدِه إلَّا الثُّلُثَ، كما لو ثَبَت نَسَبُه ببَيِّنةٍ. ولأنَّه إقرارٌ يتعَلَّقُ بحصَّتِه وحصَّةِ أخيه، فلا يلزَمُه أكثرُ مما يخصُّه، كالإِقْرارِ بالوَصِيَّةِ، وكإقْرارِ أحدِ الشَّريكَين على مالِ الشَّرِكَةِ بدَينٍ. ولأنَّه لو شَهِدَ معه أجْنَبِيٌّ بالنَّسبِ ثَبَت، ولو لَزِمَه أكثرُ مِن حصَّتِه لم تُقْبَلْ شهادتُه؛ لأنَّه يَجُرُّ بها نفْعًا إلى نَفْسِه، لكونِه يُسْقِطُ بعضَ ما يُسْتَحَقُّ عليه.
(1) بعده في الأصل: «كالمذهبين» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فعلى هذا، إذا خَلَّف اثْنَين فأقَرَّ أحدُهما بأخٍ، فللمُقَرِّ له ثُلُثُ ما في يدِ المُقِرِّ، وهو سُدْسُ المالِ؛ لأنَّه يقُولُ: نحنُ ثلاثةٌ، لكُلِّ واحدٍ منَّا الثُّلُثُ، وفي يَدِي النِّصْفُ، ففضَل في يَدِي لك السُّدْسُ. فيدْفَعُه إليه، وهو ثُلُثُ ما في يَدِه. وفي قولِ أبي حنيفةَ، يدْفَعُ إليه نِصْفَ ما في يَدِه، وهو الرُّبْعُ. وإن أقَرَّ بأختٍ، دفَعَ إليها خُمْسَ ما في يدِه؛ لأنَّه يقولُ: نحن أخَوان وأختٌ، فلكِ الخُمْسُ مِن جميعِ المالِ، وهو خُمْسُ ما في يدِي وخُمْسُ ما في يدِ أخي. فيدْفَعُ إليها خُمْسَ ما في يدِه. وفي قولِهم، يدْفَعُ إليها ثُلُثَ ما في يدِه. وفارق ما إذا غُصِبَ بعضُ التَّرِكَةِ وهما اثنان؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ مِن كلِّ جُزْءٍ مِن التَّرِكَةِ، وههنا يَسْتَحِقُّ الثُّلُثَ، فافترقا.
فصل: إذا خَلَّفَ ابنًا واحدًا فأقَرَّ بأخٍ مِن أبيه، دَفَع إليه نِصْفَ ما في يدِه. في قولِ الجميعِ. فإن أقَرَّ بعدَه بآخَرَ، فاتَّفقا عليه، دَفَعا إليه ثُلُثَ ما في أيدِيهما. في قولِهم جميعًا. فإن أنْكَرَ المُقَرُّ به ثانيًا المُقَرَّ به أولًا، لم يثْبُتْ نَسَبُه. قال القاضي: هذا مَثَلٌ للعامَّةِ، تقولُ (1): أدْخِلْنِي أُخْرِجْكَ. وليس له أن يأخُذَ أكثَرَ مِن ثُلُثِ ما في أيدِيهما (2)؛ لأنَّه لم يُقِرَّ بأكثرَ منه. وقال الشافعيُّ: يلْزَمُ المُقِرَّ أن يَغْرَمَ له نصف التَّرِكَةِ؛ لأنَّه أتْلَفه عليه بإقْرارِه الأوَّلِ. قال شيخُنا (3): ويَحْتَمِلُ أن لا
(1) سقط من: م.
(2)
في حاشية الأصل: «لعله يريد أنه لا يأخذ أكثر من ثلث ما في يد الذي أقر به أولًا» .
(3)
في: المغني 9/ 138.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَبْطُلَ نسَبُ الأوَّلِ؛ لأنَّه ثَبَت بقولِ مَن هو كلُّ الورَثَةِ حال الإِقْرارِ. وإن لم يُصدِّقِ المُقَرُّ به الأوَّلُ بالثاني، لم يثْبُتْ نَسَبُه، ويَدْفَعُ إليه المُقِرُّ ثُلُثَ ما بَقِيَ في يدِه؛ لأنَّه الفضلُ الذي في يدِه. ويَحْتَمِلُ أن يَلْزَمَه (1) ثُلُثُ جميعِ المالِ؛ لأنَّه فَوَّته عليه بدَفعِ النِّصْفِ إلى الأوَّلِ، وهو يُقِرُّ أنَّه لا يستَحِقُّ إلَّا الثُّلُثَ. وسواءٌ دفَعه إليه بحُكْمِ حاكم أو بغيرِ حُكْمِه؛ لأنَّ إقرارَه عِلَّةُ حُكمِ الحاكمِ. وسواءٌ عَلِم بالحالِ عندَ إقرارِه بالأوَّلِ أو لم يَعْلَمْ؛ لأنَّ العَمْدَ والخطَأ واحدٌ في ضَمانِ ما يَتْلَفُ. وحُكِيَ نحوُ هذا عن شَرِيكٍ. ويَحْتَمِلُ أنَّه إن عَلِمَ بالثانِي حينَ إقْرارِه (2) بالأوَّلِ، وعلم أنَّه إذا أقَرَّ به بعدَ الأوَّلِ لا يُقْبَلُ، ضَمِنَ؛ لأنَّه فَوَّتَ حقَّ غيرِه بتَفْرِيطِه، وإن لم يَعْلَمْ لم يَضْمَنْ؛ لأنَّه يَجِبُ (3) عليه الإِقْرارُ بالأوَّلِ إذا عَلِمَه، ولا يُحْوجُه إلى حاكم، ومَن فَعَل الواجِبَ فقد أحْسَنَ وليس بخائن، فلا يَضْمَنُ. وقِيلَ: هذا قياسُ قولِ الشافعيِّ. وقال أبو حنيفةَ: إن كان الدفْعُ بحُكْمِ حاكم دَفَعَ إلى الثاني نِصْفَ ما بَقِيَ في يدِه؛ لأنَّ حُكْمَ الحاكِم كالأخْذِ منه كَرْهًا، وإن دفعَه بغيرِ حاكم دَفَع إلى الثاني ثُلُثَ جميعِ المالِ؛ لأنَّه دفَعَ إلى الأوَّلِ ما ليس له تبرُّعًا. ولَنا على الأوَّلِ، أنَّه أقَرَّ بما يَجِبُ عليه الإِقرارُ به فلم يَضْمَنْ ما تَلِف به، كما لو قَطَع الإمامُ يدَ السَّارِقِ فسرَى إلى
(1) في الأصل: «لا يلزمه» .
(2)
في م: «أقر» .
(3)
في م: «لا يجب» .