الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ تَزَوَّجَتْ لَمْ تَرِثْهُ.
ــ
2864 - مسألة: (وإن تَزَوَّجَتْ)
في عِدَّتِها (لم تَرِثْه) سواءٌ كانت في الزَّوْجِيَّةِ أو بانت مِن الزوجِ الثاني. هذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ. وقال مالكٌ في أهلِ المدينةِ: تَرِثُه. لما ذَكَرْنا للرِّوايةِ الأُولَى في المسألَةِ قبلَها. ولأنَّها شخصٌ يَرِثُ مع انْتِفاءِ الزوجِيَّةِ، فوَرِثَ معها، كسائِرِ الوارِثِين. ولَنا، أنَّ هذه وارِثَةٌ مِن زَوْجٍ، فلا تَرِثُ زوجًا سواه، كسائرِ الزوجاتِ، ولأنَّ التَّوْرِيثَ في حُكْمِ النِّكاحِ، فلا يَجُوزُ اجْتِماعُه مع نِكاحٍ آخرَ، كالعِدَّةِ، ولأنَّها فَعَلَتْ باخْتِيارِها ما يُنافِي نِكاحَ الأوَّلِ، فأشْبَهَ ما لو كان فَسْخُ النِّكاحِ مِن قِبَلِها. وهكذا لو ارْتَدَّت في عِدَّتِها ولم تُسْلِمْ، أو فَعَلَت ما يُنافي نِكاحَ الأوَّلِ.
فصل: إذا طَلَّقَ امرأتَه ثلاثًا قبلَ الدُّخولِ في المرَضِ، فقال أبو بكرٍ: فيها أرْبَعُ رواياتٍ؛ إحْداهُنَّ، لها الصَّداقُ كاملًا والميراثُ وعليها العِدَّةُ. اخْتارَها أبو بكر. وهو قولُ الحسنِ، وعطاءٍ، وأبي عُبَيدٍ؛ لأنَّ الميراثَ ثَبَت للمَدْخُولِ بها لفرارِه منه، وهذا فَارٌّ، وإذا ثَبَت الميراثُ، ثَبَت وُجوبُ تكْمِيلِ الصَّداقِ. قال شيخُنا (1): وينْبَغِي أن تكونَ العِدَّةُ عِدَّةَ الوفاةِ؛ لأنَّا جَعَلْناها في حُكْمِ مَن تُوُفِّيَ عنها وهي زَوْجَةٌ، ولأنَّ
(1) في: المغني 9/ 197.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الطَّلاقَ لا يُوجِبُ عِدَّةً على غيرِ المدْخولِ بها. الثانيةُ، لها الميراثُ والصَّداقُ ولا عِدَّةَ عليها. وهو قولُ عطاء، لأنَّ العِدَّةَ حَقٌّ عليها، فلا تَجِبُ بفرارِه. والثالثةُ، لها الميراثُ ونصفُ الصَّداقِ وعليها العِدَّةُ. وهذا قولُ مالكٍ في روايةِ أبي عُبَيدٍ عنه، لأنَّ مَن تَرِثُ يجبُ أن تَعْتَدَّ، ولا يَكْمُلُ الصَّداقُ؛ لقولِ الله تعالى:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} (1). فلا يَجُوزُ مُخالفَةُ ذلك. والرابعة، لا تَرِثُ ولا عِدَّةَ عليها ولها نصفُ الصَّداقِ. وهو قولُ جابرِ بنِ زيدٍ، والنَّخَعِيِّ، وأبي حنيفةَ، والشافِعيِّ، وأَكثرِ أهلِ العلمِ. قال أحمدُ: قال جابرُ بنُ زيدٍ: لا ميراثَ لها، ولا عِدَّةَ عليها. وقال الحسنُ: تَرِثُ. قال أحمدُ: أذْهَبُ إلى قول جابرٍ، لأنَّ اللهَ سبحانه نصَّ على تَنْصِيفِ الصَّداقِ ونَفْي العِدَّةِ عن المُطَلَّقةِ قبلَ الدُّخولِ بقولِه سبحانه:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ} . وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (2). ولا يجوزُ مخالفةُ نصِّ الكتاب بالرَّأْي والتَّحَكُّمِ. وأمَّا الميراثُ، فإنَّها ليست بزَوْجتِه ولا مُعْتَدَّةٍ مِن نِكاحٍ، أشْبَهَتِ المطَلَّقةَ في الصحَّةِ. فإن خَلا بِها، وقال:
(1) سورة البقرة 237.
(2)
سورة الأحزاب 49.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لم أطَأْها. وصَدَّقَتْه، فَلَها الميراثُ، وعليها العِدَّةُ للوَفاةِ، ويُكَمَّلُ لها الصَّداقُ؛ لأنَّ الخَلْوَةَ تَكْفِي في ثُبُوتِ هذه الأحْكامِ. وهذا قولُ أبي حنيفةَ.
فصل: ولو طَلَّقَ المدخولَ بها طلاقًا رَجْعِيًّا ثم مَرِضَ في عِدَّتِها، ومات بعدَ انقضائِها، لم تَرِثْه؛ لأنَّه طلاقُ صِحَّةٍ. فإن طَلَّقها واحدةً في صحَّتِه، وأبانَها في مَرَضِه، ثم مات بعدَ انْقِضاءِ عِدَّتِها، فحُكْمُها حُكْمُ ما لو ابْتَدَأ طلاقَها في مَرَضِه؛ لأنَّه فَرَّ مِن مِيراثِهِا. وإن طلَّقها واحدةً في صِحَّتِه، وأُخْرَى في مَرَضِه، ولم يُبِنْها حتى بانتْ بانْقضاءِ عِدَّتِها، لم تَرِثْ؛ لأنَّ طَلاقَ المرضِ لم يَقْطَعْ مِيراثَها ولم يُؤثِّرْ في بَينُونَتِها.
فصل: وإذا طَلَّقها ثلاثًا في مَرَضِه، فارْتَدَّتْ ثم أسْلَمتْ، ثم مات في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عِدَّتِها، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، تَرِثُه. وهو قولُ مالكٍ؛ لأنَّها مُطلَّقَةٌ في المرضِ، أشْبَهَ ما لو لم تَرْتَدَّ. والثاني، لا تَرثُه. وهو قولُ أبي حنيفةَ، والشافِعيِّ؛ لأنَّها فَعَلَتْ ما يُنافِي النِّكاحَ، أشْبَهَ ما لو تَزَوَّجَت. ولو كان هو المُرْتَدَّ ثم أسْلَمَ ومات، وَرِثَتْه. وبه قال أبو حنيفةَ وأصحابُه. وقال الشافعيُّ: لا تَرِثُه. ولَنا، أنَّها مُطلَّقةٌ في المَرضِ، لم تَفْعَلْ ما يُنافِي نِكاحَها، مات زوجُها في عِدَّتِها، أشْبَه ما لو لم تَرْتَدَّ.
ولو ارْتَدَّ أحدُ الزوجين بعدَ الدُّخولِ، ثم عاد إلى الإِسْلامِ قبلَ انْقضاءِ العِدَّةِ، وَرِثَه الآخرُ؛ لأنَّ النِّكاحَ باقٍ. وإنِ انْقَضَتِ العِدَّةُ قبلَ رُجُوعِه، انْفَسخَ النِّكاحُ ولم يَرِثْ أحدُهما الآخرَ. وإن قُلْنا: إنَّ الفُرْقةَ تُتَعَجَّلُ عنْدَ اخْتلافِ الدِّينِ. لم يَرِثْ أحدُهما الآخرَ. ويتَخَرَّجُ أن يَرِثَه الآخَرُ إذا كان ذلك في مرضِ موتِه؛ لأنَّه تَحْصُلُ به البَينُونةُ، أشْبَهَ الطَّلاقَ. وهو قولُ مالكٍ. وقال أبو حنيفةَ وأصحابُه: إذا ارْتَدَّتِ المرأَةُ ثم ماتتْ في عِدَّتها وَرِثَها الزوجُ.
فصل: فإن عَلَّقَ طلاقَها على فِعْلِ نَفْسِه، وفَعَلَه في المرَضِ، وَرِثَتْه؛ لأنَّه أوْقَعَ الطَّلاقَ بها في المرضِ، أشْبَهَ ما لو كان التَّعْليقُ في المرضِ. وإن