الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ
وَإذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيبَةٍ ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ كَالتِّجَارَةِ وَنَحْوهَا، انْتُظِرَ بِهِ تَمَامُ تِسْعِينَ سَنَةً مِن يَوْمِ وُلِدَ. وَعَنْهُ، يُنْتَظرُ أَبَدًا.
ــ
بابُ ميراثِ المفْقُودِ
وهو نَوْعان؛ أحدُهما، مَن (انْقَطَعَ خَبَرُه لغَيبَةٍ ظاهِرُها السَّلامَةُ، كالتاجرِ) والسائحِ، وطالبِ العلمِ، ولم يُعْلَمْ خَبَرُه، ففيه روايتان؛ إحداهما (يُنْتَظرُ به تَمامُ تِسْعين سَنَةً) مع سنةِ يوم فُقِدَ. وهذا قَولُ عبدِ المَلكِ بنِ الماجِشُون؛ لأنَّ الغالِبَ أنَّه لا يَعيشُ أَكْثَرَ مِن هذا. والروايةُ الثانيةُ، لا يُقْسَمُ مالُه ولا تَتَزَوَّجُ امرَأتُه حتَّى يُعْلَمَ موْتُه أو تَمْضِيَ عليه مدةٌ لا يعيشُ في مثْلِها، وذلك مرْدودٌ إلى اجتهادِ الحاكمِ. وهذا قولُ الشافعيٍّ، ومحمدِ بن الحسنِ. وهو المشهورُ عن مالكٍ، وأبي حنيفةَ، وأبي يوسف؛ لأنَّ الأصْلَ حياتُه، والتقْدِيرُ لا يُصارُ (1) إليه إلا بالتَّوقِيفِ (2)، ولا تَوْقِيفَ (3) ههُنا، فوجَبَ التُّوقُّفُ عنه. وقال عبدُ اللهِ بنُ عبدِ (4) الحكمِ: يُنْتَظَرُ
(1) في م: «يضاف» .
(2)
في م: «بالتوفيق» .
(3)
في م: «توفيق» .
(4)
سقط من النسختين. وهو عبد الله بن عبد الحكم بن أعين أبو محمد المالكي، الإمام الفقيه مفتي الديار المصرية، صاحب مالك، توفي سنة أربع عشرة ومائتين. سير أعلام النبلاء 10/ 220 - 223.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
به تمامُ سبْعِينَ سنَةً مع سنةِ يومِ فُقِدَ. ولَعَلَّه يَحْتَجُّ بقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أعْمَارُ أُمَّتِي ما بَينَ السِّتِّينَ والسَّبْعينَ» (1). أو كما قال. ولأنَّ الغالِبَ أنَّه (2) لا يعيشُ أكْثَرَ مِن هذا، فأشْبَهَ التِّسْعين. وقال الحسن بنُ زيادٍ: يُنْتَظَرُ به تمامُ مائَةٍ وعِشْرين سنَةً. وهو قولُ ابنِ عَقِيلٍ. فلو فُقِدَ وهو ابنُ سِتِّينَ سَنَةً وله مالٌ، لم يُقْسَمْ حتى تَمْضِيَ عليه سِتُّونَ سَنَةً أُخرى، فيُقْسَمُ مالُه حينئذٍ بينَ وَرَثَتِه إن كانوا أحياءً، وإن مات بعضُ وَرَثَتِه قبلَ مُضِيِّ مائةٍ وعِشْرين وخَلَّفَ وَرَثَةً، لم يكنْ له شيءٌ مِن مالِ المفْقودِ، وكان مالُه للأحْياءِ مِن وَرَثَتِه، ويُوقَفُ للمَفْقُودِ حِصَّةٌ مِن مالِ مَوْروثِه الذي مات في مُدَّةِ الانْتِظارِ، فإن مَضَتِ المُدَّةُ ولم يُعْلَمْ خَبَرُ المَفْقودِ رُدَّ المَوْقوفُ إلى وَرَثَةِ مَوْروثِ المَفْقودِ، ولم يَكُنْ لوَرَثَةِ الْمَفْقودِ. قال اللُّولُؤِيُّ: وهذا
(1) أخرجه الترمذي،: باب ما جاء في فناء أعمار هذه الأمة. . . .، من أبواب الزهد، وفي: باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، من أبواب الدعوات. عارضة الأحوذي 9/ 203، 13/ 65. وابن ماجه، في: باب الأمل والأجل، من كتاب الزهد. سنن ابن ماجه 2/ 1415.
(2)
في م: «أن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قولُ أبي يوسفَ. وحَكَى الخَبْرِيُّ عن اللُّؤْلُؤِيِّ، أنَّه قال:[إنَّ الموقوفَ للمَفْقُودِ، وإن لم يُعْلَمْ خَبَرُه يكونُ لورثتِه. قال](1): وهو الصَّحيحُ عِنْدي. والذي ذَكَرْناه هو الذي حكاه ابنُ اللَّبَّانِ عن اللُّؤْلُؤِيِّ، فقال: لو ماتَتِ امرأةُ المَفْقودِ قبلَ تَمامِ مائَةٍ وعِشْرِين سنةً بيومٍ، أو بعدَ فَقْدِه بيَومٍ، أو تَمَّتْ مائَةٌ وعِشْرون سَنَةً، لم تُوَرَّثْ منه شيئًا ولم يُوَرَّثْ منها؛ لأنَّا لا نَعْلَمُ أيَّهما مات أوَّلًا. وهذا قياسُ قولِ مَن قال في الغَرْقَى: إنَّه لا يَرِثُ أحَدُهم مِن صاحِبِه، ويَرِثُ كُلُ واحِدٍ مَن الأحياءِ مِن وَرَثَتِه. قال القاضِي: هذا قِياسُ قولِ أحمدَ. واتَّفَقَ الفُقهاءُ على أنَّه لا يَرِث المفْقُودَ إلا الأحياءُ مِن ورَثَتَه يومَ قَسْمِ مالِه، لا مَن مات قبلَ ذلك ولو بِيومٍ.
واخْتَلَفوا في مَن ماتَ وفي وَرَثَتِه مَفْقودٌ، فمذْهَبُ أحمدَ
(1) زيادة من المغني 9/ 188.
وَإنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الْهَلَاكَ، كَالَّذِي يُفْقَدُ مِنْ بَينِ أهْلِهِ، أوْ فِي مَفَازَةٍ مُهْلِكَةٍ، كَالْحِجَازِ، أوْ بَينَ الصَّفَّينِ حَال الْحَرْبِ، أوْ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ إِذَا غَرِقَتْ سَفِينَتُهُ، انْتُظِرَ بِهِ تَمَامُ أرْبَعِ سِنِينَ، ثُمَّ يُقْسَمُ مَالُهُ. وَعَنْهُ، التَّوَقُّفُ.
ــ
وأكْثَرِ الفُقَهاءِ، أنَّه يُعْطَى كُلُّ وارِثٍ مِن وَرَثَتِه الْيَقِينَ، ويُوقَفُ الباقي حتى يَتَبَيَّنَ أمْرُه أو تَمْضِيَ مُدَّةُ الانْتِظار، فتَعْمَلُ المسألةَ على أنَّه حَيٌّ، ثم على أنَّه مَيِّت، وتَضْرِبُ إحْداهما في الأُخْرى إن تَباينتا، أو في وَفْقِها إنِ اتَّفَقَتا، وتَجْتَزِئُ بإحْداهُما إن تَماثَلَتا، وبأكْثَرِهما إن تَناسَبَتا، وتُعْطِي كُلَّ واحِدٍ أقَلَّ النَّصِيبَين، ومَن لا يَرِثُ إلَّا مِن إحْدَاهما لا تُعْطِيه شَيئًا، وتُوقِفُ الباقيَ.
النوعُ الثاني، أن يكونَ الغالِبُ مِن حالِه الهلاكَ (كالذي يُفْقَدُ مِن بَينِ أهْلِه) كمَن يَخرُجُ إلى الصلاةِ، أو في حاجةٍ قريبةٍ فلا يعودُ (أو في مفازةٍ مُهلِكةٍ، كالحجازِ، أو بَينَ الصَّفَّين حال الحربِ، أو في البحرِ إذا غَرِقَتْ سَفِينَتُه) ولا يُعْلَمُ له خَبَرٌ، فهذا (يُنْتَظَرُ به أرْبَعُ سِنِين) لأنَّها أكْثَرُ مُدَّةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحملِ، فإن (1) لم يَظْهَرْ له خَبَرٌ، قُسِمَ مالُه، واعْتَدَّتِ امرأتُه عِدَّةَ الوَفاةِ وحَلَّتْ للأزْواجِ. نَصَّ عليه أحمدُ. وهذا اخْتيارُ أبي بكرٍ. وذَكَرَ القَاضي أنَّه لا يُقْسَمُ مالُه حتى تَمْضِيَ عِدَّةُ الوَفاةِ بعدَ الأرْبَعِ سنين؛ لأنَّه الوَقْت الذي يُباحُ لامرأتِه التزويجُ فيه. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ العِدَّةَ إنَّما تكون بعدَ الوَفاةِ، فإذا حُكِمَ بوفاتِه فلا وَجْهَ للوُقوفِ عَن قَسْمِ مالِه. وقد رُوِيَ عن أحمدَ، رحمه الله، التَّوَقُّفُ عن أمرِه، وقال: قد هِبْتُ الجوابَ فيها وكأنِّي أُحِبُّ السَّلامَةَ. والمَذْهَبُ الأوَّلُ. ولم يُفَرِّقْ سائِرُ أهْلِ العِلْمِ بينَ هذه الصُّورَةِ وبينَ سائِرِ صُورِ الفِقْدانِ فيما عَلِمنا، إلَّا أنَّ مالِكًا والشافعيَّ في القَديمِ، وافقا في الزوجةِ أنَّها تَتَزَوَّجُ خَاصَّةً. والأظْهَرُ مِن مذْهَبِه مِثْلُ قَولِ الباقينَ. فأمّا مالُه فاتَّفَقُوا على أنَّه لا يُقْسَمُ حتى تَمْضِيَ مُدَّةٌ لا يَعِيشُ في مثلِها، وقد ذَكَرْنا الاخْتِلافَ في ذلك في النوعِ الأوَّلِ؛
(1) في م: «فإنه» .