الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإذَا اجْتَمَعَ ذُو فَرْضٍ وَعَصَبَةٌ، بُدِئَ بِذِي الْفَرْضِ فَأَخذَ فَرْضَهُ، وَمَا بَقِيَ لِلْعَصَبَةِ.
فَإِنِ اسْتَغْرَقَتِ الْفُرُوضُ الْمَال فَلَا شَيْءَ لِلْعَصَبَةِ، كَزَوْجٍ، وَأُمٍّ، وَإخْوَةٍ لأُمٍّ، وَإخْوَةٍ لِأبَوَينِ أوْ لأَبٍ، لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلأُمِّ السُّدْسُ، وَلِلْإِخْوَةِ مِنَ الأُمِّ الثُّلُثُ، وَسَقَطَ سَائِرُهُمْ.
ــ
عَمٍّ وأربعةُ إخوةٍ، فهم سِتَّةٌ في العَدَدِ وفي الأحْوالِ ثمانِيةٌ، ثم اجْعَلِ الثُّلُثَ للإِخْوةِ على أربعةٍ والثُّلُثَين لبَنِي العَمِّ على أربعةٍ، فتَصِحُّ مِن اثْنَيْ عَشَرَ، لكلِّ أخٍ مُفْرَدٍ سَهْمٌ ولكلِّ ابنِ عَمٍّ مُفْرَدٍ سَهْمان، ولكلِّ ابنِ عَمٍّ هو أخٌ ثلاثةٌ، فيَحْصُلُ لهما النِّصْفُ، وللأربعَةِ الباقِين النِّصْفُ. وعلى قولِ عبدِ اللهِ، للإِخْوةِ الثُّلُثُ، والباقِي لابْنَي العَمِّ اللَّذَين هما أخَوان.
2810 - مسألة: (وإذا اجْتَمَعَ ذُو فَرْضٍ وَعَصَبَةٌ، بُدِئَ بذِي الفَرْضِ فأخَذ فَرْضَه، وما بَقِيَ للعَصَبَةِ)
لقولِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهلِهَا، فَما أبْقَتِ الفُرُوضُ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» (1).
2811 - مسألة: (وإنِ اسْتَغْرَقَتِ الفُرُوضُ المال فلا شيءَ للعَصَبَةِ، كزَوْج وأُمٍّ وإخْوَةٍ لأُمٍّ وإخْوَةٍ لأبوين أو لأبٍ، فللزَّوْجِ النِّصْفُ، وللأمِّ السُّدْسُ، وللإِخوَةِ للأُمِّ الثُّلُثُ، وسَقَط سائرُهم)
وإلى هذا ذهَب أحمدُ،
(1) تقدم تخريجه في صفحة 11.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رحمه الله، فأسْقَطَ الإِخْوَةَ مِن الأبَوين؛ لأنَّهم عَصَبَةٌ وقد تَمَّ المالُ بالفُرُوضِ. ويُرْوَى هذا القولُ عن عليٍّ، وابنِ مسعودٍ، وأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وابنِ عَباسٍ، وأبي موسى، رضي الله عنهم. وبه قال الشَّعْبِيُّ، والعَنْبَرِيُّ، وشرِيكٌ، وأبو حنيفةَ وأصْحابُه، ويحيى بنُ آدمَ، ونُعَيمُ بنُ حَمَّادٍ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ. ويُرْوَى عن عمرَ، وعثمانَ، وزيدِ بنِ ثابتٍ، رضي الله عنهم، أنَّهُم شرَّكُوا بينَ ولدِ الأبَوَين ووَلَدِ الأمِّ في الثُّلُثِ، فَقَسَمُوه بينهم بالسَّويَّةِ للذَّكَرِ مِثْلُ [حَظِّ الأُنْثيَينِ](1). وبِه قال مالكٌ، والشافعيُّ، وإسحاقُ؛ لأنَّهم ساوَوْا وَلَدَ الأُمِّ في القَرابَةِ التي يَرِثُونَ بها، فيَجِبُ أن يُساوُوهم في المِيراثِ؛ فإنَّهم جميعًا مِن وَلَدِ الأُمِّ، وقَرابَتُهم مِن جِهَةِ الأبِ إن لم تَزِدْهم قُرْبًا واسْتِحْقاقًا [فلا يَنْبَغِي أن] (2) تُسْقِطَهم؛ ولهذا قال بعضُ وَلَدِ الأبوين أو بعضُ الصَّحابَةِ لِعُمرَ وقد أسْقَطَهم: هَبْ أنَّ أباهم كان حِمارًا، فما زادَهم ذلك إلَّا قُرْبًا. فشَرَّكَ بينَهم. وحَرَّرَ بعضُ أصحابِ الشافعيِّ فيها قِياسًا، فقال: فَرِيضَةٌ جَمَعَتْ وَلَدَ الأبِ والأُمَّ وَوَلَدَ الأُمِّ، وهم مِن أهلِ المِيراثِ، فإذا وَرِثَ وَلَدُ الأُمِّ وَجَب أن يَرِثَ وَلَدُ الأبِ والأُمُّ، كما لو لم يكُنْ فيها زَوْجٌ. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ
(1) في المخطوطة: «الأنثى» . والمثبت من المطبوعة موافق لما في المغني 9/ 24، 25.
(2)
في م: «فلم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} (1). ولا خِلافَ في أنَّ المُرادَ بهذه الآيةِ وَلَدُ الأُمِّ على الخصوصِ، فمَن شَرَّكَ بينَهم فلم يُعْطِ كلَّ واحِدٍ منهما السُّدْسَ وهو مُخالفَةٌ لظاهِرِ القُرْآنِ، ويَلْزَمُ منه مُخالفةُ ظاهرِ الآيةِ الأُخْرَى، وهي قولُه:{وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَينِ} (2). يُرادُ بهذه الآيةِ سائرُ الإِخْوَةِ والْأَخواتِ، وهم يُسَوُّون بينَ ذَكَرِهم وأُنْثاهم. وقولُه عليه الصلاة والسلام:«أَلْحِقُوا الفَرائِضَ بِأهلِهَا، فما بَقِيَ فَلأَولَى رَجُل ذَكَرٍ» . ومَن شَرَّكَ فلم يُلحِقِ الْفَرائِضَ بأهْلِها. ومِن جِهَةِ المَعْنَى أنَّ وَلَدَ الأبَوين عَصَبَةٌ لا فَرْضَ لهم، وقدْ تَمَّ المالُ بالفُروضِ فوَجَب أن يَسْقُطُوا، كما لو كان مكانَ وَلَدِ الأُمِّ ابْنَتان.
وقد انْعَقَدَ الإِجْماعُ على أنَّه لو كان في هذه المَسألَةِ واحدٌ مِن ولدِ الأُمِّ ومِائةٌ مِن ولَدِ الأبوَين، لاختصَّ الواحِدُ مِن وَلَدِ الأُمِّ بالسُّدْسِ (3)، وللمائةِ السُّدْسُ الباقي، لكلِّ واحدٍ منهم عُشْرُ عُشْرِه، فإذا جاز أن يَنْقُصَ وَلَدُ أُبوين عن وَلَدِ الأُمِّ هذا النَّقْصَ كلَّه، فلِمَ لا يجوزُ إسْقاطُهم بالاثْنَين؟ وقولُهم: تَساوَوْا في قَرابَةِ الأُمِّ. قُلْنا: فلِمَ لَمْ يُساوُوهم في الميراثِ في هذه المسألةِ؟ وعلى أنَّا نقولُ: إن ساوَوْهُم في قَرابَةِ الأمِّ فقد فارَقُوهُم بكَوْنِهم
(1) سورة النساء 12.
(2)
سورة النساء 176.
(3)
في م: «بالثلث» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَصَبَةً مِن غيرِ ذَوي الفُروضِ. وهذا الذي افْتَرَقُوا فيه هو المُقْتَضِي لتَقْدِيم وَلَدِ الأُمِّ وتَأخيرِ وَلَدِ الأبَوين؛ فإنَّ الشَّرْعَ وَرَد بتَقْديمِ ذِي الفَرْضِ وتَأْخِيرِ العَصَبَةِ، ولذلك يُقَدَّمُ ولدُ الأُمِّ على ولدِ الأبوَينَ في المسألةِ المَذْكورةِ وشِبْهِها، وهَلَّا إذْ تَساوَوْا في قَرابَةِ الأُمِّ شارَكُوا الأخَ مِن الأُمِّ في سُدْسِه فاقْتَسَمُوه بينَهم، ولأنَّه لو كانت قَرابَةُ الأُمِّ مُسْتَقِلَّةً بالمِيراثِ مع قَرابَةِ الأبِ لوَجَب أن يَجْتَمِعَ لهمُ الفَرْضُ والتَّعْصيبُ، كقولِنا في أخٍ مِن أُمٍّ هو ابنُ عَمٍّ، ولوَجَب أن يُشارِكوا وَلَدَ الأُمِّ في الثُّلُثِ في كلِّ مَوضِعٍ، ويَنْفَرِدوا بالتَّعْصِيبِ فيما بَقِيَ. ولا خِلافَ في أنَّهم لا يُشارِكُونهم في غيرِ هذا المَوضِعِ، ويَلْزَمُهم أن يقولُوا في زَوْجٍ وأُخْتٍ لأبَوَين وأُخْتٍ لأبٍ معها أخُوها: إنَّه يَسْقُطُ الأخُ، وتَرِثُ أُخْتُه السُّدْسَ؛ لأنَّ قَرابَتَها مع وُجُودِه كقَرابَتِها مع عَدَمِه، وهو لا يَحجُبُها، فهلَّا عَدُّوه حِمارًا ووَرَّثُوا أُخْتَه ما كانت تَرِثُ عندَ عَدَمِه؟ وما ذَكَرُوه مِن القياسِ طَرْدِيٌّ لا مَعْنى تحتَه. قال العَنْبَرِيُّ: القِياسُ ما قال عليٌّ، والاسْتِحْسانُ ما قال عمرُ. قال الخَبْرِيُّ: وهذه وَساطَة مَلِيحَةٌ وعِبارَةٌ صَحيحَةٌ، وهو كما قال: إلَّا أنَّ الاسْتِحْسانَ المُجَرَّدَ ليس بحُجَّةٍ، فإنَّه وَضْعٌ للشَّرْعِ بالرَّأْي والتَّحَكُّمِ مِن غَيرِ دَلِيلٍ، ولا يجوزُ الحُكْمُ به مع عَدَمِ المُعارِضِ، فكيف وهو في مَسْألَتِنا يُخَالِفُ ظاهرَ القرآنِ والسُّنَّةِ والْقِياسَ! قال شيخُنا (1):
(1) في: المغني 9/ 26.
وَتُسَمَّى الْمُشَرَّكَةَ وَالْحِمَارِيَّةَ إِذَا كَانَ فِيهَا إِخْوَة لأبَوَينِ.
ــ
ومِن العَجَبِ ذَهابُ الشافعيِّ إليه ها هنا مِع تَخْطِئَةِ الذّاهِبينَ إليه في غيرِ هذا الوضعِ، وَقَوْلِه: مَن اسْتَحْسَنَ فقد شرَعَ. ولا أظُنُّه اعتَمَدَ في هذا إلَّا مُوافَقَةَ زَيدِ بنِ ثابتٍ، فإنَّه اتَّبَعَه في جَميعِ الفَرائضِ. ومُوافَقَةُ كِتابِ اللهِ تعالى وسُنَّةِ رَسولِه أَوْلَى.
فصل: ولو كان مَكَانَ وَلَدِ الأَبَوَينِ في هذهِ المَسْألَةِ عَصَبَةٌ مِن وَلَدِ الأبِ سَقَطُوا، ولم يُوَرِّثْهُم أحَدٌ مِن أهلِ العلمِ فيما عَلِمْنا، لأنَّهم لم يُشارِكُوا ولدَ الأمِّ في قَرابَةِ الأمِّ.
فصل: (وتُسَمَّى) هذه المسألةُ (المُشَرَّكَةَ والحِمارِيَّةَ إذا كان فيها إخوَةٌ لأبوَين) وكذلك كُلُّ مَسألَةٍ اجْتَمَعَ فيها زَوْجٌ وأمٌّ أو جَدَّةٌ واثْنان (1) فصاعِدًا مِن ولَدِ الأُمِّ وعَصَبَةٌ مِن وَلَدِ الأبوين. وإنَّما سُمِّيَتِ المُشَرَّكَةَ، لأنَّ بعضَ أهْلِ العلمِ شَرَّكَ فيها بينَ ولَدِ الأبوين ووَلَدِ الأُمِّ في فَرْضِ ولَدِ الأُمِّ، فقَسَمَه بينهم بالسَّويَّةِ. وتُسَمَّى الحِماريَّةَ، لأنَّه يُروَى أنَّ عُمَرَ، رضي الله عنه، أسْقَطَ ولَدَ الأبَوين، فقال بعضُهم: يا أميرَ المؤمِنينَ، هَبْ أنَّ أبانا كان حِمارًا، أليستْ أُمُّنا واحِدَةً؟ فشرَّكَ بينَهم. وقِيلَ: قال ذلك بعضُ الصحابَةِ، فسُمِّيَتِ الحِمارِيَّةَ لذلك. والله أعْلَمُ.
فصل: إذا قِيلَ: امْرَأةٌ خلَّفَتْ أُمًّا وابْنَيْ عمٍّ أحَدُهما زَوْجٌ والآخَرُ أخٌ
(1) في م: «ابنان» .