الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً، أَوْ فِي زَكَاتِهِ، أَوْ نَذْرِهِ، أَوْ كَفَّارَتِهِ، فَفِيهِ
ــ
ولَنا، ما ذَكَرْناه في التي قبلَها، ولأنَّ الأم لا تَخْلُو مِن أن تكونَ حُرَّةَ الأصلِ، فلا وَلاءَ على ولدِها، أو أمةً، فيكونُ ولدُها عبدًا، أو مَوْلاةً، فيكونُ على ولدِها الوَلاءُ لمَوْلَى أبيه. والاحتمالُ الأوَّلُ راجِحٌ لوجْهين؛ أحَدُهما، أنَّه محكُومٌ به في الأم، فيجبُ الحُكْمُ به في وَلَدِها. الثاني، أنَّه مُعتَضِدٌ بالأصلِ، فإنَّ الأصلَ الحُرِّيةُ، ثم لو لم يَتَرَجَّح هذا الاحتمالُ، لكان الاحتمالُ الذي صاروا إليه مُعارَضًا باحتمالين، كلُّ واحِدٍ منهما مساوٍ له، فتَرجِيحُه عليهما تَحَكُّم لا يَجوزُ المَصيرُ إليه بغيرِ دليل، وهذا وارد عليهم المسألةِ الأولَى أيضًا.
2891 - مسألة: (ومَن أعتَقَ سَائِبةً، أو في زكاتِه، أو نذرِه
،
رِوَايَتَانِ؛ إِحدَاهُمَا، لَهُ عَلَيهِ الْوَلَاءُ. وَالثَّانِيَةُ، لَا وَلَاءَ عَلَيهِ، وَمَا رَجَع مِنْ مِيرَاثِهِ رُدَّ فِي مِثْلِهِ، يُشْتَرَى بِهِ رِقَابٌ يعتِقُهم.
ــ
أو كفَّارَتِه، فَفِيه روايتان؛ إحداهما، له عليه الوَلَاءُ. والثانية، لا وَلاءَ) له (عليه، وما رَجَع مِن مِيراثِه رُدَّ في مِثْلِه، يَشْتَرِي به رِقابًا يُعتِقهم) قال أحمدُ، في روايةِ عبدِ اللهِ: الرجلُ يُعتِقُ عبدَه سَائِبة، هو الرجلُ يقولُ لعبدِه: قد أعتَقْتُكَ سَائِبة. كأنه يَجْعَلُه لله، لا يكونُ وَلاؤه له، قد جَعَلَه لله وسَلَّمَ». وعن أبي عمرو الشَّيبانِيِّ، عن ابنِ مسعودٍ: والسَّائِبة يضَعُ ماله حيثُ شاء. وقال أحمدُ قال عمرُ (1): الصَّدَقَةُ والسَّائِبة ليَوْمِهما. ومتى قال الرجلُ لعَبْدِه: أعتَقْتُكَ سَائِبة. أو: أعتَقْتُكَ ولا ولاءَ لِي عليك. لم يكُنْ له عليه وَلَاء. فإن ماتَ وخَلَّفَ مالًا، ولم يَدَع وَرَثَةً، اشُتْرِيَ بمالِه رِقَابٌ فأعتِقُوا، في المَنْصُوصِ عن أحمدَ. وأعتَقَ ابنُ عمرَ عبدًا سَائِبةً، فمات، فاشْتَرَى ابنُ عمرَ بمالِه رِقابًا فأعتَقَهُم. والرِّوايةُ الثانية، الوَلاءُ للمُعتِقِ. وهو قولُ الشعبِيِّ، والنَّخَعِيِّ، وابنِ سيرينَ،
(1) بعده في م: «قال» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وراشدِ بنِ سعدٍ، وضَمرَةَ بنِ حبيب (1)، والشافعيِّ، وأهلِ العراقِ، لقولِه عليه الصلاة والسلام:«الوَلاءُ لمَنْ أعتَقَ» (2). وقولِه: «الوَلَاءُ لحمَةٌ كَلُحمَةِ النَّسَبِ» (3). ولَعَلَّ أحمدَ ذهب إلى شِراءِ الرِّقاب اسْتِحبابًا، لفعلِ ابنِ عمرَ. وقال عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ، والزُّهْرِيُّ، وأَبو العاليةِ، ومكحولٌ، ومالكٌ: يُجْعَلُ وَلَاؤه لجماعةِ المسلمين. وعن عطاءٍ قال: إذا قال: أنتَ حُرٌّ سَائِبةً. يُوالِي مَن شاءَ. والقولُ بثُبُوتِ الوَلَاءِ للمُعتِقِ
(1) ضمرة بن حبيب بن صهيب الزبيدي الحمصي التابعيّ، مؤذن المسجد الجامع بدمشق، ثقة، توفي سنة ثلاثين ومائة. تهذيب التهذيب 4/ 459، 460.
(2)
تقدم تخريجه في 11/ 234، 235.
(3)
تقدم تخريجه في 7/ 291، وانظر صفحة 402.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أظْهرُ؛ للأحادِيثِ، ولأنَّ الوَلاءَ لُحمَةٌ كلُحمَةِ النَّسَبِ، وكما لا يزولُ نَسبُ إنْسانٍ ولا ولد عن فراشٍ بشَرطٍ، لا يزولُ وَلاءٌ عن مُعتَقٍ، ولذلك لمَّا أرادَ أهلُ برِيرَةَ اشْتِراطَ وَلائِها على عائِشَةَ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«اشْتَرِيها، واشْتَرِطِي لَهُم الوَلَاءَ، فإنَّما الوَلَاءُ لمَنْ أعتَقَ» . يريدُ أنَّ اشْتِراطَ تَحْويل الولاءِ عنِ المُعتِقِ لا يُفِيدُ شيئًا، ولا يُزِيلُ الوَلاءَ. وروَى مسلمٌ (1) بإسنادِه عن هُزَيلِ بنِ شُرَحبيلِ، قال: جاء رجلٌ إلى عبدِ اللهِ، فقال: إنِّي أعتَقْتُ عبدًا لي وجَعَلْتُه سَائِبةً، فمات وتَرَكَ مالًا ولم يَدَع وارِثًا. فقال عبدُ اللهِ: إنَّ أهلَ الإِسلام لا يُسَيِّبُون، وإنَّ أهْلَ الجاهِليَّةِ كانوا يُسَيِّبُون، وأنتَ وَلِيُّ نعمَتِه، فإن تَأثَّمتَ وتَحَرَّجْتَ عن شيءٍ فنحنُ نَقْبَلُه ونَجْعَلُه
(1) لم نجده عند مسلم، وأخرجه البخاري، في: باب ميراث السائبة، من كتاب الفرائض. صحيح البخاري 8/ 192. مختصرا. والبيهقي، في: باب من أعتق عبدا له سائبة، من كتاب الولاء. السنن الكبرى 10/ 300. وأشار إلى أن البخاري رواه مختصرا في صحيحه. وعبد الرزاق، في: باب ميراث السائبة، من كتاب الولاء. المصنف 9/ 25، 26. وانظر تحفة الأشراف 7/ 154. فقد عزاه إلى البخاري فحسب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في بيتِ المالِ. وقال سعيد (1): ثنا هشيمٌ، عن بِشْر، عن عطاءٍ، أنَّ طارِقَ بنَ المُرَقِّعِ أعتَقَ سَوائِبَ فماتُوا، فكَتَبَ إلى عمرَ، رضي الله عنه، فكَتَب عمرُ: أنِ ادفع مال الرجلِ إلى مَوْلاه، فإن قَبِلَه، [وإلَّا] (2) فاشْتَرِ به رِقابًا فأعتِقْهم عنه. وقال (3): ثنا هشيم، عن منصورٍ، أنَّ عمرَ وابنَ مسعودٍ قال في مِيراثِ السَّائِبةِ: هو للذي أعتَقَه. قال شيخُنا (4): وهذا القولُ أصَحُّ في الأثَرِ والنَّظرَ؛ لما ذَكَرنا، وفي المواضِعِ التي جَعَل الصَّحابَةُ مِيراثَه لبيتِ المالِ أو في مِثْلِه، كان لتَبَرُّعِ المُعتِقِ وتَوَرُّعِه عن مِيراثِه، كفعلِ ابنِ عمرَ في مِيراثِ عَتِيقِه، وفِعْلِ عمرَ (5) وابنِ مسعودٍ في المِيراثِ الذي تَوَرَّعَ سيدُه عن أخْذِ مالِه. وقد رُوِيَ أنَّ سالِمًا مَوْلَى أبي حُذَيفَةَ أعتَقَتْه لُبنى (6) بنتُ يَعار سَائِبةً، فقُتِلَ وتَرَك ابنةً، فأعطاها عمرُ نصف مالِه،
(1) في: باب ميراث السائبة، سنن سعيد بن منصور 1/ 83.
كما أخرجه البيهقي، في: باب من أعتق عبدًا له سائبة، من كتاب الولاء. السنن الكبرى 10/ 300، 301.
(2)
في م: «ولاء» .
(3)
سقط من: م. والحديث أخرجه سعيد، في الموضع السابق.
(4)
في: المغني 9/ 222.
(5)
في م: «ابن عمر» .
(6)
كذا في النسختين والمغني 9/ 222. وهي ثُبَيْتَة بنت يعار بن زيد بن عبيد الأنصارية، وفي اسمها خلاف. انظر ترجمتها في الاستيعاب 4/ 1799، وأسد الغابة 7/ 46، والإصابة 7/ 547، 548.
وانظر لهذا الأثر ما أخرجه ابن سعد في طبقاته 3/ 86. وفيه أنه جعل المال لبيت المال.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجَعَلَ النِّصفَ في بيتِ المالِ. وعلى القولِ المَنْصُوصِ عن أحمدَ الذي ذكرَه الخِرَقِيُّ، إذا خَلَّفَ السَّائِبةُ مالًا، اشْتُرِيَ به رِقابٌ فَأعتِقُوا، فإن رَجَع مِن مِيراثِه شيءٌ، اشْتُرِيَ به أيضًا رِقابٌ فأُعتِقُوا. وإن خَلَّفَ السائبةُ ذا فَرضٍ لا يَسْتَغْرِقُ ماله، أخَذَ فرضَه، واشْتُرِيَ بباقِيه رِقابٌ فأعتِقُوا، ولا يُرَدُّ على أهلَ الفَرضِ.
فصل: فإن أعتَقَ مِن زَكَاتِه وعن كَفَّارَتِه أو نَذْرِه، فقال أحمدُ في الذي يُعتِقُ مِن زَكَاتِه: إن وَرِثَ منه شَيئًا جَعَلَه في مِثْلِه. وقال: هذا قولُ الحسنِ. وبه قال إسحاقُ. وعلى قياسِ ذلك العِتْقُ مِن الكَفَّارةِ والنذْرِ؛ لأنَّه واجب عليه. وقد رُوِيَ عن أحمدَ أنَّه قال في الذي يَعتِقُ في الزَّكاةِ: وَلاؤه للذي جَرَى عِتْقُه على يدَيه. وقال العَنْبَرِيُّ، ومالكٌ: وَلَاؤه لسائِرِ المسلمينَ، يُجْعَلُ في بيتِ المالِ. وقال أبو عُبَيدٍ: وَلاؤه لصاحب الصَّدَقَةِ. وهو قولُ الجمهورِ في العِتْقِ في النَّذْرِ والكَفَّارةِ؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّما الوَلَاءُ لمَنْ أعتَقَ» . ولأنَّ عائشةَ، رضي الله عنها، اشْتَرَت بَرِيرَةَ بشرطِ العِتْقِ، فأعتَقَتْها، فكان ولاؤها لها، وشرطُ العِتْقِ يُوجِبُه، ولأنَّه مُعتِقٌ