الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَوْ كَانَ مَكَانَهُمْ أخَوَاتٌ لِأبَوَينِ أوْ لِأبٍ عَالتْ إِلَى عَشرَةٍ، وَسُمِّيَتْ ذَاتَ الْفُرُوخِ.
ــ
لأُمٍّ وثَلاثَةَ إخوَةٍ مُفْتَرِقين. قِيلَ: هذه المُشَرَّكَةُ، لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وللأُمِّ السُّدْسُ، وللأخَوَين مِن الأُمِّ الثُّلُثُ،، وسَقَط الأخَوان مِن الأبَوين أو الأبِ. ومَن شَرَّك جَعَل للأخِ مِن الأبَوَين التُّسْعَ، ولِكُلِّ واحِدٍ مِن الْأَخَوَين للأمِّ تُسْعًا.
ومِن مَسائلِ ذلك: زَوْجٌ وأمٌّ وأخْتان لأمٍّ وأخٌ لأبَوَين، تَصِحُّ مِن ستَّةٍ، ومَن شَرَّكَ فهي مِن ثَمانيةَ عَشَرَ. زَوْجٌ وجدةٌ وأخٌ وأُخْتٌ لأمٍّ وأخٌ وأُخْتٌ لأبَوَين، كالتي قبلَها، ومَن شَرَّكَ فمِن اثْنَى عَشرَ. زوجٌ وأمٌّ، وأخَوان وأُخْتان لأمٍّ، وأخَوان وثَلاثُ أخَواتٍ لأبٍ وأمٍّ، مِن اثْنَى عَشَرَ، ومَن شَرَّكَ فمِن أرْبَعَةٍ وخَمْسِين.
2812 - مسألة: (ولو كان مَكانَهم أخَواتٌ لأبوين أو لأبٍ عالتْ إلى عشرةٍ، وسُمِّيَت ذاتَ الفُرُوخِ)
يعني إذا كان معَ الزَّوْجِ والأمِّ والإخْوَةِ مِن الأمِّ أخَواتٌ أو أُخْتان لأبَوَين أو لأبٍ، عالت إلى عَشرَةٍ؛ لأنَّ أصْلَها مِن سِتَّةٍ؛ للزَّوجِ النِّصْف ثلاثَةٌ، وللأمِّ السُّدْسُ سهمٌ، وللإِخْوَةِ للأمِّ الثُّلُثُ سَهْمان، وللأخَواتِ الثُّلُثَان أرْبَعَةٌ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فتصيرُ عَشرَةً. وسُمِّيَت ذاتَ الفُرُوخِ؛ لأنَّها عالتْ بثُلُثَيها، وهي أكثرُ ما تَعُولُ إليه الفَرائِضُ، شُبِّهَتِ الأربعةُ الزائدةُ بالفُرُوخِ والستَّةُ بالأم. وتُسمَّى الشُّرَيحِيَّةَ؛ لأنَّ رجلًا أتى شُرَيحًا وهو قاضٍ بالبصرةِ، فقال له: ما نَصِيبُ الزَّوْجِ مِن زَوْجَتِه؟ فقال: النِّصف معَ غيرِ الولدِ، والرُّبْعُ مع الولدِ. فقال: إنَّ امْرَأتي ماتَت وخَلَّفَتْنِي وأُمَّها وأُخْتَيها لأمِّها وأُخْتَيها لأبيها وأمِّها. فقال: لك إذًا ثَلاثةٌ مِن عَشَرَةٍ. فخَرَج الرجُلُ مِن عندِه وهو يقولُ: لم أرَ كقاضيكم، قُلْتُ له: ما نَصيبُ الزَّوْجِ؟ قال: النِّصفُ أو الرُّبْعُ. فلمّا شَرَحْتُ له قَضِيَّتي لم يُعْطِني ذلك ولا هذا. فكان شُريحٌ يقولُ إذا لَقِيَه: إنَّكَ تَراني حاكِمًا ظالمًا، وأراكَ فاسِقًا فاجِرًا؛ لأنَّك تَكْتُمُ القِصَّةَ وتُشِيعُ الفاحِشَةَ.
فصل: ومَعنى العَوْلِ ازْدحامُ الفَرائِضِ بحيثُ لا يَتَّسِعُ لها المالُ، كهذه المَسْألَةِ، فيَدْخُلُ النَّقْصُ عليهم كُلِّهم، ويُقْسَمُ المال بينَهم على قَدْرِ فُروضِهم، يُقْسَمُ مالُ المُفْلِسِ بينَ غرَمائِه بالحِصَصِ؛ لِضيقِ مالِه عن وَفائهِم، ومالُ المَيِّتِ بينَ أرْبابِ الدُّيُونِ إذا لم يَفِ بها، والثُّلُثُ بينَ أرْبابِ الوَصايَا إذا عَجَزَ. وهذا قَولُ عامَّةِ الصَّحابَةِ ومَن معَهم مِن العُلَماءِ، يُرْوَى ذلك عن عمرَ، وعل، والعَباسِ، وابنِ مسعودٍ، وزيدٍ. وبه قال مَالِكٌ في أهلِ المدينَةِ، والثَّوْرِيُّ في أهلِ العِراقِ، والشافعيُّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأصْحابُه، [وإسحاقُ](1)، ونُعَيمُ بنُ حَمّادٍ، وأبو ثَوْرٍ، وسائِرُ أهلِ العلمِ، إلَّا (2) ابنَ عباس وطائِفَةَ شَذَّتْ يَقِلُّ عَدَدُها. فنُقِلَ ذلك عن محمدِ بنِ الحَنَفِيَّةِ، ومحمدِ بنِ عليِّ بنِ الحُسَينِ، وعَطاءٍ، وداوُدَ، فَإنَّهُم قالُوا: لا تَعُولُ المَسائِلُ. فرُوىَ عن ابنِ عَبَّاس أنَّه قال في زَوْجٍ وأُخْتٍ وأمٍّ: مَن شاءَ باهَلْتُه أنَّ المَسائِلَ لا تَعُولُ، إنَّ الذي أحصَى رَمْلَ عالِجٍ عَدَدًا أعْدَلُ مِن أن يَجعَلَ في مالٍ نِصفًا ونِصفًا وثُلُثًا، هذانِ نِصفانِ ذَهَبا بالمالِ، فأين مَوْضِعُ الثُّلُثِ! فسُمِّيتْ هذه مَسائِلَ المُباهَلَةِ لذلك، وهي أولُ مَسْألَةٍ عائِلَةٍ حَدَثَتْ في زَمَنِ عمرَ، رضي الله عنه، فجَمَعَ الصَّحابَةَ للمَشُورَةِ فيها، فقال العَبَّاسُ، رضي الله عنه: أَرى أنْ تَقْسِمَ المال بَينَهم على قَدْرِ سِهامِهِم. فأخَذَ به عمرُ، واتَّبَعَه النَّاسُ على ذلك حتَّى خالفَهم ابنُ عباس، فرَوَى الزُّهْرِيّ عن عُبَيدِ اللهِ بن عبدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، قال: لَقِيتُ زُفَرَ بنَ أوْسٍ الْبَصْرِيَّ، فقال: نَمْضِي إلى عبدِ اللهِ بنِ عبَّاس فنَتَحَدَّثُ عنده. فأتَيناه فتَحَدَّثْنَا عنده، فكان مِن حَدِيثه أنْ قال: سُبْحَان الذي أحْصَى رَمْلَ عالِج عَدَدًا ثُم يَجْعَلُ في مالٍ نِصفًا ونِصفًا وثُلُثًا، ذَهَب النِّصْفان بالمالِ فأينَ مَوضِعُ الثُّلُثِ! [وأيمُ الله](3)، لو قَدَّمُوا مَن قَدَّمَه اللهُ وأخَّرُوا مَن أخَّرَه اللهُ ما عالتْ فَريضَة أَبدًا. فقال زُفَرُ: فمَنِ
(1) سقط من: م.
(2)
بعده في م: «أن» .
(3)
في م: «وثم والله» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الذي قَدَّمَه اللهُ ومَن الذي أخَّرَه الله؟ فقال: الذي أهْبَطَه مِن فَرْض إلى فَرْض، فذلك الذي قَدَّمَه، والذي أهْبَطَه مِن فَرْض إلى ما بَقِيَ فذلك الذي أخَّرَه اللهُ. فقال زُفَرُ: فمَن أوَّلُ مَن أعال الفرائضَ؟ قال: عمرُ بنُ الخطّابِ. فقُلْتُ: ألا أشَرْتَ عليه؟ فقال: هِبْتُه وكان امرءًا مَهيبًا (1). قولُه: مَن أهْبَطَه الله مِن فريضةٍ إلى فريضةٍ، فذلك الذي قدّمَه اللهُ. يُريدُ أنَّ الزَّوْجَين والأمَّ لكلِّ واحدٍ منهم فرضٌ، ثمَّ يُحْجَبُ إلى فرضٍ آخرَ لا يَنقُصُ منه. وأمّا مَن أهْبَطَه مِن فرض إلى ما بَقِيَ، يُرِيدُ البناتِ والأخَواتِ، فإنَّهُنَّ يُفْرَضُ لهنَّ، فإذا كان معهنَّ إخْوَتُهُنَّ وَرِثُوا بالتَّعْصيبِ، فكان لهم ما بَقِيَ قَلَّ أوْ كَثُرَ، فكان مَذْهَبُه أنَّ الفُروضَ إذا ازْدَحَمَتْ رُدَّ النَّقْصُ على البَناتِ والأخَواتِ. ولَنا، أنَّ كلَّ واحِدٍ من هؤلاء لو انْفَرَدَ أخَذ فرضَه، فإذا ازْدَحَموا وَجَب أن يَقْتَسِمُوا على قَدْرِ الحُقوقِ، كأصحابِ الدُّيونِ والوَصايا، ولِأنَّ اللهَ تعالى فَرَض للأخْتِ النِّصْفَ، فَرَض للزَّوْجِ النِّصْفَ، وفَرَض للأخْتَين الثُّلُثَين، كما فَرَض للأخْتَين للأُم الثُّلُثَ، فلا يجوزُ إِستقاطُ فَرْضِ بَعضِهم مع نَصِّ اللهِ تعالى عليه بِالرأي والتَّحَكُّمِ، ولم يُمْكِنِ الوَفاءُ بها، فوَجَب أن يَتَساوَوْا في النَّقْص على قَدْرِ الحُقوقِ، كالوَصايا والدُّيونِ، ويَلْزَمُ ابنَ عباسٍ على قَوْلِه مَسْألةٌ فيها زَوْجٌ وأُمِّ وأخَوان مِن أُمٍّ، فإن حَجَب الأُمَّ إلى السُّدْسِ خالف مَذْهَبَه في حَجْبِ الأُمِّ بأقَلَّ مِن ثَلاثةٍ مِن الإخْوَةِ، وإنْ نَقَص الأخَوَين مِن الأُمِّ ردَّ النَّقْصَ على مَنْ لم
(1) أخرجه سعيد بن منصور مختصرًا، في: السنن 1/ 44. وأخرجه بتمامه البيهقي، في السنن الكبرى 6/ 253. وإسناده حسن. انظر الإرواء 6/ 145، 146.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُهْبِطْهُ اللهُ مِن فَرْض إلى ما بَقِيَ، وإن أعال المَسْألَةَ رجَع إلى قولِ الجَماعَةِ وتَرَك مَذْهَبَه، ولا نَعْلَمُ اليومَ قائلًا بمَذْهَبِ ابنِ عباس، ولا نَعْلَمُ خِلافًا بين فُقَهاءِ العصرِ في القولِ بالعَوْلِ، بحَمْدِ اللهِ ومَنِّهِ.
فصل: حَصَل خِلافُ ابنِ عباس للصحابَةِ في خَمْسِ مَسائِلَ اشْتَهَرَ قَوْلُه فيها؛ أحَدُها زَوْجٌ وأبوان. والثانيةُ، امْرَأةٌ وأبوان، للأمِّ ثُلُثُ الباقِي عندَهم، وجَعَل هو لها ثُلُثَ المالِ منها. الثالثةُ، لا يَحْجُبُ الأمَّ إلَّا بثَلاثةِ إخْوَةٍ. الرابعةُ، لم يَجْعَلِ الأخَواتِ مع البَناتِ عَصَبَةً. الخامسةُ، لم يُعِل المَسائِلَ. فهذه الخَمْسُ صَحَّتِ الرِّوايَةُ عنه فيها واشْتَهَرَ القَولُ عنه بها، وشَذَّتْ عنه رِواياتٌ سِوَى هذه ذَكَرْنا بَعْضَها فيما مَضَى.