الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كُلُّ مَنْ أعتَقَ عَبْدًا، أَوْ عَتَقَ عَلَيهِ بِرَحِمٍ، أَوْ كِتَابَةٍ، أَوْ تَدْبِيرٍ، أو اسْتِيلَادٍ، أو وَصِيَّةٍ بِعِتْقِهِ، فَلَهُ عَلَيهِ الْوَلَاءُ، وَعَلَى أولَادِهِ مِنْ زَوْجَةٍ مُعْتَقَةٍ، أوْ مِنْ أَمَتِهِ، وَعَلَى مُعْتِقِيهِ وَمُعْتِقِي أَوْلَادِهِ وَأوْلَادِهِمْ وَمُعْتِقِهمْ، أبَدًا مَا تَنَاسَلُوا.
ــ
قال التِّرْمِذِيُّ: هذا حديث حسن صحيح. وقال صلى الله عليه وسلم: «مَوْلَى القَوْمِ مِنْهُم» (1). [حديث صحيح](2). وروَى الخَلَّالُ بإسْنادِه عن [عبد الله](3) ابنِ أبي أوْفَى، قال: قال لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «الولَاءُ لُحْمَة كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، لا يُبَاعُ ولا يُوهَبُ» (4).
2884 - مسألة: (كل مَن أعْتَقَ عبدًا، أو عَتَق عليه برَحِمٍ، أو كِتابَةٍ، أو تَدْبيرٍ، أو اسْتِيلادٍ، أو وصيةٍ بعتقِه، فله عليه الولاءُ، وعلى أولادِه مِن زوجةٍ مُعْتَقَةٍ أو مِن أمتِه، وعلى مُعْتَقِيه ومُعْتَقِي أولادِه وأولادِهم
(1) تقدم تخريجه في 7/ 291. ويضاف إليه للفظ الحديث هنا: وأخرجه البخاري في: باب مولى القوم من أنفسهم. . . .، من كتاب الفرائض. صحيح البخاري 8/ 193. والدارمي، في: باب في مولى القوم. . . .، من كتاب السير. سنن الدارمي 2/ 244. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 448، 4/ 340.
(2)
في الأصل: «حديثان صحيحان» .
(3)
سقط من: م.
(4)
تقدم تخريجه 7/ 292 من حديث ابن عمر، وأخرجه الدارمي، في: باب بيع الولاء، كتاب الفرائض. سنن الدارمي 2/ 398. عن ابن مسعود. وعزاه صاحب الكنز للطبراني في الكبير عن عبد الله بن أبي أوفى. كنز العمال 10/ 324.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومُعْتَقِهم، أبدًا ما تناسَلُوا) أجْمَعَ أهلُ العلمِ على أنَّ مَن أعْتَقَ عبدًا أو عَتَقَ عليه، ولم يُعْتِقْه سائِبَةً (1)، ولا مِن زكاتِه أو نذْرِه أو كفَّارَتِه، أنَّ له عليه الولاءَ؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«الولَاءُ لمَنْ أعْتَقَ» . متفق عليه.
فصل: وإن أعْتَقَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيًّا فله عليه الولاءُ؛ لأنَّ الولاءَ مُشبَّهٌ بالنَّسَبِ، والنَّسبُ ثابت بينَ أهلِ الحَرْبِ، فكذلك الولاءُ. وهذا قولُ عامةِ أهلِ العلمِ، إلَّا أهلَ العراقِ، فإنَّهم قالوا: العِتْقُ في دارِ الحربِ والكِتابَةُ والتَّدْبيرُ لا يَصِحُّ. ولَنا، أن مِلْكَهُم ثابتٌ، بدليلِ قولِ الله تعالى:{وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ} (2). فنَسَبَها إليهم، فصَحَّ عِتْقُهُم، كأهلِ الإِسلامِ، وإذا صَحَّ عِتْقُهُم ثبتَ الولاءُ لَهُم؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«الولَاءُ لمَنْ أعْتَقَ» . فإن جاءَنا المُعْتَقُ مُسْلِمًا، فالوَلَاءُ بحالِه. وإن سُبِيَ مَوْلَى النِّعْمَةِ، لم يَرِثْ ما دام عبدًا، فإن أُعْتِقَ، فعليه الوَلَاءُ لمُعْتِقِه، وله الوَلَاءُ على عَتِيقِه. وهل يَثْبُتُ لمُعْتِقِ السيِّدِ وَلَاءٌ على مُعْتَقِه؟
(1) أعتقه سائبة: أي أعتقه لله. ويأتي في صفحة 418.
(2)
سورة الأحزاب 27.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَحْتَمِلُ أن يثْبُتَ، لأنَّه مَوْلَى مَوْلاهُ. ويَحْتَمِلُ أن لا يثْبُتَ؛ لأنَّه ما حَصَل مِنه إنْعامٌ عليه ولا سَبَبٌ لذلك. فإن كان الذي اشْتَراه مَوْلاه فأعْتَقَه، فكلُّ واحدٍ مِنهما مَوْلَى صاحبِه ، يَرِثُه بالولاءِ. وإن أسَرَه مَوْلاه فأعْتَقَه، فكذلك. فإن أسَرَه مَوْلَاه وأجْنَبِيٌّ فأعْتَقَاه، فولاؤه بَينَهما نِصْفَين. فإذا مات بعدَه المُعْتِقُ الأوَّلُ، فلشَرِيكِه نِصْفُ مالِه، لأنَّه مَوْلَى نِصْفِ مَولَاه، على أحدِ الاحْتِمالين. والآخَر، لا شيءَ له؛ لأنَّه لم يُنْعِمْ عليه.
وإن سُبِيَ المُعْتَقُ فاشْتَراه رجلٌ فأعْتَقَه، بَطَل ولاءُ الأوَّلِ، وصارَ الوَلَاءُ للثاني. وهو قولُ مالكٍ، والشافعيِّ، وقيلَ: الوَلَاءُ بَينَهُما. واخْتارَه ابنُ المُنْذِرِ؛ لأنَّه ليس أحَدُهما أولَى مِن الآخَرِ. وقِيلَ: الوَلَاءُ للأوَّلِ؛ لأنَّه أسْبَقُ. ولَنا، أنَّ السَّبْيَ يُبْطِلُ مِلْكَ الحرْبِيِّ الأوَّلِ، فالولاءُ التابع له أوْلَى. ولأنَّ الوَلاءَ بَطَل باسْتِرْقاقِه، فلم يَعُدْ بإعْتاقِه. وإن أعْتَقَ ذِمِّيٌّ عَبْدًا كافِرًا، فهَرَب إلى دارِ الحَرْبِ فاسْتُرِقَّ، فالحُكْمُ فيه كالحُكْمِ فيما إذا أعْتَقَه الحرْبِيُّ سَواءً.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإن أعْتَقَ مُسْلِمٌ كافِرًا، فَهَرَبَ إلى دارِ الحرْبِ ثم سَبَاهُ المسلمون، فذَكَرَ أبو بكرٍ، والقاضِي، أنَّه لا يجوزُ اسْتِرْقاقُه. وهو قولُ الشافعيِّ؛ لأنَّ في اسْتِرْقاقِه إبْطال ولاءِ المسلمِ المَعْصُومِ. قال ابنُ اللبَّانِ: ولأنَّ له أمانًا بعِتْقِ المسلمِ إيَّاه. قال شيخُنا (1): والصَّحِيحُ، إن شاءَ الله، جَوازُ اسْتِرْقاقِه؛ لأنَّه كافر أصْلِيٌّ كِتابِيٌّ، فجازَ اسْتِرْقاقُه، كمُعْتَقِ الحَرْبِيِّ وكغيرِ المُعْتَقِ. وقولُهم: في اسْتِرْقاقِه إبْطَالُ وَلَاءِ المُسْلِم. قُلْنا: لا نُسَلِّمُ، بل متى أُعْتِقَ عاد الولاءُ للأوَّلِ، وإنَّما امْتَنَعَ عَمَلُه في حالِ رِقِّهِ لمانِعٍ، وإن سَلَّمْنا أنَّ فيه إبْطَال ولائِه، ولكنَّ ذلك غيرُ مُمْتَنِع، كما لو قُتِلَ بكُفْرِه فإنَّه يَبْطُلُ وَلَاؤه به، فكذلك بالاسْتِرْقاقِ، ولأنَّ القرابَةَ يَبْطُلُ عَمَلُها بالاسْتِرْقاقِ، فكذلك الولاءُ (2). وقولُ ابنِ اللَّبَّانِ: له أمانٌ. لا يصِحُّ؛ فإنَّه لو كان له أمانٌ لم يَجُزْ قَتْله ولا سَبْيُه. فعلى هذا، إنِ اسْتُرِقَّ، احْتَمَلَ أن يكونَ الوَلَاءُ للثاني؛ لأنَّ الحُكْمَين إذا تنافَيَا كان الثابِتُ هو الآخِرَ منهما، كالنَّاسِخِ والمَنْسُوخِ. واحْتَمَلَ أن يكونَ للأوَّلِ؛ لأنَّ ولاءَه ثَبَتَ وهو معصومٌ، فلا يزُولُ بالاسْتِيلاءِ، كحقيقةِ المِلْكِ. ويَحْتَمِلُ أنَّه بينَهما، وأيهما مات كان للثَّاني.
(1) في: المغني 9/ 219.
(2)
سقط من: م.