الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَ) مَسْأَلَةُ الْعَزْلِ هَذِهِ (هِيَ الْمُحَاشَاةُ) أَيْ الْمُسَمَّاةُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهُ حَاشَى الزَّوْجَةَ أَوَّلًا أَيْ أَخْرَجَهَا مِنْ يَمِينِهِ.
وَلَمَّا كَانَتْ الْيَمِينُ الْمُنْعَقِدَةُ يُشَارِكُهَا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ فَيَكُونُ الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ نَبَّهَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ (وَفِي النَّذْرِ الْمُبْهَمِ) أَيْ الَّذِي لَمْ يُسَمِّ لَهُ مَخْرَجًا كَعَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ (وَ) فِي (الْيَمِينِ) بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ يَمِينٌ (وَ) فِي (الْكَفَّارَةِ) أَيْ الْحَلِفِ بِهَا كَعَلَيَّ كَفَّارَةٌ أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ كَفَّارَةٌ، وَفَعَلَهُ (وَ) فِي الْيَمِينِ (الْمُنْعَقِدَةِ عَلَى بِرٍّ) وَتُصَوَّرُ بِصِيغَتَيْنِ (بِإِنْ فَعَلْت) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَهِيَ نَافِيَةٌ كَلَا (وَلَا فَعَلْت) وَالْمَعْنَى فِيهِمَا لَا أَفْعَلُ كَذَا؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي، وَإِنَّمَا كَانَتْ مُنْعَقِدَةً عَلَى بِرٍّ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ بِهَا عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ حَتَّى يَفْعَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (أَوْ) الْمُنْعَقِدَةُ عَلَى (حِنْثٍ) ، وَيَحْصُلُ أَيْضًا بِإِحْدَى صِيغَتَيْنِ (بِلَأَفْعَلَنَّ) كَذَا (أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ) كَذَا مَا أَقَمْت فِي هَذِهِ الدَّارِ ثُمَّ عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ فِيهَا (إنْ لَمْ يُؤَجِّلْ) أَيْ لَمْ يَضْرِبْ لِيَمِينِهِ أَجَلًا فَإِنْ أَجَّلَ نَحْوُ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فِي هَذَا الشَّهْرِ أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْهُ فِيهِ فَلَا أُقِيمُ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَهُوَ عَلَى بِرٍّ
ــ
[حاشية الدسوقي]
بِنِيَّتِهِ قَبْلَ حَلِفِهِ شَيْئًا مِنْ يَمِينِهِ كَالزَّوْجَةِ فِي حَلِفِهِ بِقَوْلِهِ الْحَلَالُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهِيَ الْمُحَاشَاةُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ مُحْرِزٍ أَنَّ الْمُحَاشَاةَ قَاعِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ، وَأَنَّ مَسْأَلَةَ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهَا.
قَالَ طفى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا خَاصَّةٌ بِمَسْأَلَةِ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِإِطْلَاقِهِمْ فِي أَنَّ النِّيَّةَ الْمُخَصِّصَةَ لَا تُقْبَلُ مَعَ الْمُرَافَعَةِ، وَقَالُوا فِي الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ تُقْبَلُ الْمُحَاشَاةُ، وَلَوْ رَفَعَتْهُ النِّيَّةُ قُلْت قَدْ يُرَدُّ اسْتِدْلَالُهُ هَذَا بِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ الْقَائِلُ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ ادَّعَى مُحَاشَاةَ زَوْجَتِهِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ لِادِّعَاءِ خِلَافِ ظَاهِرِ لَفْظِهِ كَحَالِفٍ لَا كَلَّمْت زَيْدًا، وَقَالَ نَوَيْت شَهْرًا وَتَصْدِيقُهُ فِي الزَّوْجَةِ اسْتِحْسَانٌ لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْيَمِينِ. اهـ.
فَانْظُرْ قَوْلَهُ لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يُفِيدُ قَبُولَ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ فِي كُلِّ يَمِينٍ، وَقَوْلُهُ لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ إلَخْ إشَارَةٌ لِمَا قُلْنَاهُ سَابِقًا مِنْ أَنَّ الْحَالِفَ إذَا عَزَلَ فِي يَمِينِهِ أَوَّلًا هَلْ يَحْلِفُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْعَزْلِ أَوْ لَا يَحْلِفُ، وَيُصَدَّقُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ الْعَزْلَ. قَوْلَانِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا أَفَادَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَنَّ الْمُحَاشَاةَ قَاعِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ فِي الْمَحْلُوفِ بِهِ، وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِإِطْلَاقِهِمْ قَبُولَ الْمُحَاشَاةِ وَتَفْصِيلُهُمْ فِي النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ كَمَا يَأْتِي، وَمَا ادَّعَاهُ طفى مِنْ تَخْصِيصِهَا بِالْحَلَالِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، وَإِنْ ادَّعَى اطِّرَادَهَا فِي الْمَحْلُوفِ بِهِ لَمْ يَبْعُدْ اُنْظُرْ بْن.
[كَفَّارَة الْيَمِين]
(قَوْلُهُ: أَيْ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ لَهُ مَخْرَجًا) أَيْ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهِ الْمَنْذُورَ أَمَّا لَوْ عَيَّنَ مَخْرَجَهُ بِاللَّفْظِ أَوْ النِّيَّةِ لَزِمَهُ مَا عَيَّنَهُ (قَوْلُهُ: كَعَلَيَّ نَذْرٌ إلَخْ) . اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَيَّ صِيغَةُ نَذْرٍ مُطْلَقًا سَوَاءٌ عَلَّقَ أَوْ لَمْ يُعَلِّقْ، وَعَلَيَّ كَذَا صِيغَةُ نَذْرٍ إنْ لَمْ يُعَلِّقْ أَوْ عَلَّقَ عَلَى أَمْرٍ غَيْرِ مُكْتَسَبٍ لِلشَّخْصِ فَإِنْ عَلَّقَ عَلَى مُكْتَسَبٍ لِلشَّخْصِ فَهُوَ نَذْرٌ وَيَمِينٌ بِاعْتِبَارَيْنِ فَهُوَ نَذْرٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْتِزَامُ مَنْدُوبٍ، وَيَمِينٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ الْقُرْبَةَ بَلْ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْفِعْلِ، وَالْأَرْبَعَةُ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَفِي النَّذْرِ الْمُبْهَمِ، وَقَوْلُهُ وَالْيَمِينُ وَالْكَفَّارَةُ أَيْ، وَفِي نَذْرِ الْيَمِينِ وَنَذْرِ الْكَفَّارَةِ فَيَنْدَرِجُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الصُّوَرُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي النَّذْرِ الْمُبْهَمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ، وَفِي الْحَلِفِ بِالْيَمِينِ وَالْكَفَّارَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ فِي الْحَلِفِ بِالْيَمِينِ مَا لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ فِي الْيَمِينِ الطَّلَاقَ، وَإِلَّا لَزِمَهُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ كَمَا فِي بْن عَنْ الْوَنْشَرِيسِيِّ وَغَيْرِهِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِعُرْفِ الْبُلْدَانِ الَّذِي تَعَارَفُوهُ فِي الطَّلَاقِ فَإِنْ كَانَ عُرْفُهُمْ الْبَتَاتَ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ، وَإِنْ كَانَ عُرْفُهُمْ اسْتِعْمَالَهُ فِي الطَّلَاقِ فَقَطْ حُمِلَ عَلَى الرَّجْعِيِّ، وَعُرْفُ مِصْرَ إذَا قَالَ يَمِينُ سَفَهٍ كَانَ طَلَاقًا فَلَوْ جَمَعَ الْأَيْمَانَ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَيْمَانٌ تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ، وَفِي الْمَوَّاقِ نَقْلًا عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ قَوْلٌ بِاتِّحَادِهَا لِتَكَرُّرِ صِيغَةِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ أَيْمَانٌ يَمِينًا وَاحِدَةً لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ نَصٌّ، وَإِنْ أَرَادَ اثْنَيْنِ فَتَرَدُّدٌ بِاعْتِبَارِ أَقَلِّ الْجَمْعِ (قَوْلُهُ: أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا مَا أَقَمْتُ فِي هَذِهِ الدَّارِ) ظَاهِرُ صَنِيعِ الشَّارِحِ أَنَّ إنْ نَافِيَةٌ فِي صِيغَةِ الْبِرِّ، وَشَرْطِيَّةٌ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ نَافِيَةٌ فِي الصِّيغَتَيْنِ إنْ لَمْ يُذْكَرْ لَهَا جَوَابٌ نَحْوُ وَاَللَّهِ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَوْ وَاَللَّهِ إنْ لَمْ أُكَلِّمْ زَيْدًا، وَمَعْنَى الصِّيغَةِ الْأُولَى لَا أُكَلِّمُهُ، وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ لَا كَلَّمْته؛ لِأَنَّ إنْ نَافِيَةٌ، وَلَمْ نَافِيَةٌ وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَالْفِعْلُ فِي الصِّيغَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَاضِيًا لَكِنَّ مَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَالُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَاَلَّذِي صَرَفَ الْمَاضِيَ لِلِاسْتِقْبَالِ الْإِنْشَاءُ إذْ الْحَلِفُ إنْشَاءٌ، وَإِنْ ذُكِرَ لَهَا جَوَابٌ فَهِيَ شَرْطِيَّةٌ فِيهِمَا نَحْوُ وَاَللَّهِ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَلَا أُقِيمُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ، وَلَمْ أَضْرِبْ زَيْدًا مَا أَقَمْت فِي هَذِهِ الدَّارِ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُؤَجِّلْ) هَذَا شَرْطٌ فِي كَوْنِ الصِّيغَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ صِيغَتَيْ حِنْثٍ لَا شَرْطَ فِي تَنْجِيزِ الْحِنْثِ عَلَيْهِ، وَلَا فِي قَوْلِهِ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْإِطْعَامِ فِي لَأَفْعَلَنَّ أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ لَيْسَ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ التَّأْجِيلِ.
وَحَاصِلُ مَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْحَالِفَ بِهَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى حِنْثٍ إذَا لَمْ يَضْرِبْ لِيَمِينِهِ أَجَلًا أَيْ بِأَنْ أَطْلَقَ فِي يَمِينِهِ نَحْوَ، وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا أَوْ وَاَللَّهِ إنْ لَمْ أُكَلِّمْهُ لَكِنْ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمَوْتِ، وَمِنْ هَذَا مَا نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ وَاَللَّهِ لَأُطَلِّقَنَّكِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْكَفَّارَةِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا، وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِمَوْتِهَا -
حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ، وَلَا مَانِعَ مِنْ الْفِعْلِ أَوْ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ أَوْ عَادِيٌّ لَا عَقْلِيٌّ كَمَا سَيَأْتِي وَسُمِّيَتْ يَمِينُ حِنْثٍ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ بِهَا عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَفْعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ.
(إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) هَذَا مُبْتَدَأٌ، وَمَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ، وَفِي النَّذْرِ إلَخْ خَبَرُهُ بِالْإِطْعَامِ التَّمْلِيكُ وَبِالْمِسْكِينِ مَا يَعُمُّ الْفَقِيرَ وَشَرْطُهُ الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ وَعَدَمُ لُزُومِ نَفَقَتِهِ عَلَى الْمُخْرِجِ (لِكُلٍّ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ (مُدٌّ) مِمَّا يُخْرَجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ (وَنُدِبَ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ زِيَادَةُ ثُلُثِهِ) قَالَ أَشْهَبُ (أَوْ نِصْفِهِ) قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ فَأَوْ لِتَنْوِيعِ الْخِلَافِ، وَعِنْدَ الْإِمَامِ الزِّيَادَةُ بِالِاجْتِهَادِ لَا بِحَدٍّ، وَهُوَ الْوَجْهُ (أَوْ) لِكُلٍّ (رِطْلَانِ خُبْزًا) بِالْبَغْدَادِيِّ أَصْغَرُ مِنْ رِطْلِ مِصْرَ بِيَسِيرٍ (بِأُدْمٍ) نَدْبًا فَيُجْزِئُ بِلَا إدَامٍ عَلَى الرَّاجِحِ، وَالتَّمْرُ وَالْبَقْلُ إدَامٌ (كَشِبَعِهِمْ) مَرَّتَيْنِ كَغَدَاءٍ، وَعَشَاءٍ أَوْ غَدَاءَيْنِ أَوْ عَشَاءَيْنِ، وَسَوَاءٌ تَوَالَتْ الْمَرَّتَانِ أَمْ لَا فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِطُولٍ أَمْ لَا مُجْتَمِعِينَ - الْعَشَرَةَ - أَوْ مُتَفَرِّقِينَ مُتَسَاوِينَ فِي الْأَكْلِ أَمْ لَا وَالْمُعْتَبَرُ الشِّبَعُ الْوَسَطُ فِي الْمَرَّتَيْنِ، وَلَوْ أَكَلُوا أَكْثَرَ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأَمْدَادِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ الْأَمْدَادُ الْعَشَرَةَ.
وَأَشَارَ إلَى النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي عَلَى التَّخْيِيرِ بِقَوْلِهِ (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) أَيْ الْعَشَرَةِ وَيَكْفِي الْمَلْبُوسُ الَّذِي فِيهِ قُوَّةٌ عَلَى الظَّاهِرِ (لِلرَّجُلِ ثَوْبٌ) يَسْتُرُ جَمِيعَ جَسَدِهِ لَا إزَارٌ أَوْ عِمَامَةٌ (ولِلْمَرْأَةِ دِرْعٌ) أَيْ قَمِيصٌ سَاتِرٌ (وَخِمَارٌ، وَلَوْ غَيْرَ وَسَطِ) كِسْوَةِ (أَهْلِهِ، وَالرَّضِيعُ كَالْكَبِيرِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ بِنَوْعَيْهِ الْأَمْدَادِ وَالْخُبْزِ بِشَرْطِ أَنْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِهِ عَنْ اللَّبَنِ عَلَى الْأَصَحِّ فَيُعْطَى رِطْلَيْنِ خُبْزًا وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْهُ إلَّا فِي مَرَّاتٍ، وَلَا يَكْفِي إشْبَاعُهُ الْمَرَّتَيْنِ إلَّا إذَا اسْتَغْنَى عَنْ اللَّبَنِ، وَيُعْطَى كِسْوَةَ كَبِيرٍ.
وَأَشَارَ إلَى النَّوْعِ الثَّالِثِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ (أَوْ عِتْقِ الرَّقَبَةِ) بِقَوْلِهِ (أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ كَالظِّهَارِ) لَا جَنِينٍ، وَعَتَقَ بَعْدَ وَضْعِهِ مُؤْمِنَةً
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ: حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ) أَيْ فَإِذَا مَضَى الْأَجَلُ، وَلَمْ يَفْعَلْ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَانِعٌ يَمْنَعُ مِنْ الْفِعْلِ بَلْ، وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مَانِعٌ يَمْنَعُ مِنْهُ شَرْعِيٌّ أَوْ عَادِيٌّ لَا إنْ كَانَ عَقْلِيًّا فَلَا حِنْثَ.
(قَوْلُهُ: عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) أَيْ فَإِنْ انْتَهَبُوهَا فَإِنْ عَلِمَ مَا أَخَذَ كُلٌّ فَظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانُوا عَشَرَةً فَأَقَلَّ بَنَى عَلَى وَاحِدٍ. اهـ. شب (قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ الْحُرِّيَّةُ إلَخْ) أَيْ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمْ مِنْ مَحَلِّ الْحِنْثِ، وَقَدْ نَظَرَ فِي ذَلِكَ عج وَالظَّاهِرُ أَنَّ الدَّارَ عَلَى أَيِّ مَسَاكِينَ كَانُوا (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ لُزُومِ نَفَقَتِهِ عَلَى الْمُخْرِجِ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ مِنْهَا الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ الْفَقِيرِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَدْفَعَ الزَّوْجَةُ مِنْهَا لِزَوْجِهَا وَوَلَدِهَا الْفَقِيرَيْنِ (قَوْلُهُ: مِمَّا يُخْرَجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ) ، وَهِيَ الْأَنْوَاعُ التِّسْعَةُ الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ وَالزَّبِيبُ وَالدُّخْنُ وَالذُّرَةُ وَالْأَرُزُّ وَالْعَلْسُ وَالتَّمْرُ. انْتَهَى.
وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ لِبَعْضِهِمْ وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ الْمُدَّ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا أَخْرَجَ مِنْ الْبُرِّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ، وَأَمَّا إذَا أَخْرَجَ مِنْ الشَّعِيرِ أَوْ التَّمْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلْيُخْرِجْ وَسَطَ الشِّبَعِ مِنْهُ. اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ اُنْظُرْ طفى (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ) أَيْ، وَأَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَلَا تُنْدَبُ لَهُمْ الزِّيَادَةُ لِقِلَّةِ الْقُوتِ فِيهَا، وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ شَامِلٌ لِمَكَّةَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الْإِمَامِ إلَخْ) لَكِنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ بِوُجُوبِ الزِّيَادَةِ (قَوْلُهُ: مُتَسَاوِينَ فِي الْأَكْلِ أَمْ لَا) وَاشْتَرَطَ التُّونُسِيُّ تَقَارُبَهُمْ فِي الْأَكْلِ كَذَا فِي الْبَدْرِ لَا تَسَاوِيهِمْ فِيهِ خِلَافًا لِمَا فِي عبق.
(قَوْلُهُ: وَيَكْفِي الْمَلْبُوسُ إلَخْ) أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْكِسْوَةِ أَنْ تَكُونَ جَدِيدَةً (قَوْلُهُ: ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَ جَسَدِهِ) عِبَارَةُ ح عَنْ ابْنِ فَرْحُونٍ يُعْطَى لِلرَّجُلِ ثَوْبٌ، وَفِي مَعْنَى الثَّوْبِ الْإِزَارُ الَّذِي يُمْكِنُ الِاشْتِمَالُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ. اهـ. فَقَوْلُ شَارِحِنَا لَا إزَارَ أَوْ عِمَامَةَ أَيْ زَائِدٌ عَلَى الثَّوْبِ أَوْ الْمُرَادُ لَا إزَارَ فَقَطْ يَعْنِي لَا يُمْكِنُ الِاشْتِمَالُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ غَيْرَ إلَخْ) أَيْ، وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْكِسْوَةُ لَيْسَتْ مِنْ كِسْوَةِ وَسَطِ أَهْلِ بَلَدِهِ بَلْ دُونَ كِسْوَتِهِمْ، وَهَذَا بِخِلَافِ الطَّعَامِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ عَيْشُ أَهْلِ الْبَلَدِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ عَيْشُ الْمُكَفِّرِ، وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ الْأَعْلَى مِنْهُمَا إنْ قَدَرَ عَلَى الْأَعْلَى.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَكْفِي إشْبَاعُهُ الْمَرَّتَيْنِ إلَّا إذَا اسْتَغْنَى عَنْ اللَّبَنِ إلَخْ) صَوَابُهُ، وَلَوْ اسْتَغْنَى عَنْ اللَّبَنِ فَفِي طفى قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَلَا يُجْزِئُ أَنْ يُغَدِّيَ الصِّغَارَ، وَيُعَشِّيَهُمْ، وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ يُعْطِي الرَّضِيعَ فِي الْكَفَّارَةِ إذَا كَانَ قَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ بِقَدْرِ مَا يُعْطِي الْكَبِيرَ ثُمَّ قَالَ وَحَكَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلًا بِأَنَّ الصَّغِيرَ يُعْطَى مَا يَكْفِيهِ خَاصَّةً. اهـ. وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ نَقْلُهُ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ إعْطَاءُ الصَّغِيرِ مَا يَكْفِيهِ لَا أَعْرِفُهُ بَلْ تَوْجِيهُ الْبَاجِيَّ كَوْنُ كَسَوْته كَكَبِيرٍ بِالْقِيَاسِ عَلَى كَوْنِ إطْعَامِهِ كَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ فِي الْإِطْعَامِ (قَوْلُهُ: وَيُعْطِي كِسْوَةَ كَبِيرٍ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ لِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدٍ، وَقِيلَ إنَّ الصَّغِيرَ يُعْتَبَرُ فِي نَفْسِهِ فَيُعْطَى ثَوْبًا بِقَدْرِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي كِسْوَةِ الصَّغِيرِ قَوْلَيْنِ كَمَا عَلِمْت، وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَإِنْ كَانَ يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ اللَّبَنِ كَفَى إشْبَاعُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ اللَّبَنِ فَلَا يَكْفِي إشْبَاعُهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْمُدِّ أَوْ رِطْلَيْنِ خُبْزًا كَذَا قَالَ الشَّارِحُ وَالنَّقْلُ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ خِلَافُهُ كَمَا عَلِمْت، وَهُوَ أَنَّ الصَّغِيرَ إذَا أَكَلَ الطَّعَامَ سَوَاءٌ اسْتَغْنَى بِهِ عَنْ اللَّبَنِ أَوْ لَا فِيهِ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُعْطَى مَا يُعْطَاهُ الْكَبِيرُ الثَّانِي مَا حَكَاهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ الصَّغِيرَ يُعْطَى مَا يَكْفِيهِ خَاصَّةً.
وَفِي الْأَعْجَمِيِّ تَأْوِيلَانِ سَلِيمَةٌ عَنْ قَطْعِ أُصْبُعٍ وَنَحْوِهِ وَعَمًى وَجُنُونٍ وَبُكْمٍ، وَمَرَضٍ مُشْرِفٍ، وَقَطْعِ أُذُنٍ وَصَمَمٍ، وَهَرَمٍ، وَعَرَجٍ شَدِيدَيْنِ إلَى آخَرَ مَا قَالَ.
ثُمَّ أَشَارَ إلَى النَّوْعِ الرَّابِعِ الَّذِي لَا يُجْزِئُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الثَّلَاثَةِ الَّتِي عَلَى التَّخْيِيرِ بِقَوْلِهِ (ثُمَّ) إذَا عَجَزَ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ عَنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ لَزِمَهُ (صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَنُدِبَ تَتَابُعُهَا.
(وَلَا تُجْزِئُ) الْكَفَّارَةُ حَالَ كَوْنِهَا (مُلَفَّقَةٌ) مِنْ نَوْعَيْنِ فَأَكْثَرَ كَإِطْعَامٍ مَعَ كِسْوَةٍ، وَأَمَّا مِنْ صِنْفَيْ نَوْعٍ فَيُجْزِئُ فِي الطَّعَامِ فَيَجُوزُ تَلْفِيقُهَا مِنْ الْأَمْدَادِ وَالْأَرْطَالِ وَالشِّبَعِ، وَيَجُوزُ رَفْعُ مُلَفَّقَةٍ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ يُجْزِئُ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ بِقَوْلِهِ (وَ) لَا يُجْزِي (مُكَرَّرٌ) مِنْ طَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ (لِمِسْكِينٍ كَخَمْسَةٍ يُطْعِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مُدَّيْنِ أَوْ يَكْسِي كُلَّ وَاحِدٍ ثَوْبَيْنِ)(وَ) لَا (نَاقِصَ)(كَعِشْرِينَ) مِسْكِينًا (لِكُلٍّ) مِنْهُمْ (نِصْفٌ) مِنْ مُدٍّ (إلَّا أَنْ يُكَمِّلَ) فِي الْمُلَفَّقَةِ عَلَى نَوْعٍ لَاغِيًا لِلْآخَرِ فِي الْإِطْعَامِ مَعَ الْكِسْوَةِ، وَيَكْمُلُ فِي الْمُكَرَّرِ عَلَى الْخَمْسَةِ، وَيَكْمُلُ فِي النَّاقِصِ عَلَى النِّصْفِ بِنِصْفٍ آخَرَ لِعَشَرَةٍ (وَهَلْ) مَحَلُّ إجْزَاءِ التَّكْمِيلِ فِي النَّاقِصِ (إنْ بَقِيَ) مَا أَخَذَهُ بِيَدِ الْمِسْكِينِ لِيَكْمُلَ لَهُ الْمُدُّ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ الْبَقَاءُ بَلْ تُجْزِئُ، وَلَوْ ذَهَبَ مِنْ يَدِهِ (تَأْوِيلَانِ) ، وَأَمَّا التَّكْمِيلُ فِي الْمُلَفَّقَةِ وَالْمُكَرَّرَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْبَقَاءُ قَوْلًا وَاحِدًا (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُكَفِّرِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ (نَزْعُهُ) أَيْ نَزْعُ مَا زَادَ بَعْدَ التَّكْمِيلِ (إنْ بَيَّنَ) لِلْمِسْكِينِ وَقْتَ الدَّفْعِ أَنَّهُ كَفَّارَةٌ وَوَجَدَهُ بَاقِيًا بِيَدِهِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ لَفْظُ نَزَعَ وَالنَّزْعُ فِي مَسْأَلَةِ النَّقْصِ (بِالْقُرْعَةِ) إذْ لَيْسَ بَعْضُهُمْ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَمَحَلُّهَا مَا لَمْ يَعْلَمْ الْآخِذُ بَعْدَ تَمَامِ عَشَرَةٍ أَنَّهَا كَفَّارَةٌ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْأَخْذُ مِنْهُ بِلَا قُرْعَةٍ.
(وَجَازَ) التَّكْرَارُ (لِثَانِيَةٍ) أَيْ مِنْ كَفَّارَةٍ ثَانِيَةٍ بِأَنْ يَدْفَعَهَا لِمَسَاكِينِ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى (إنْ) كَانَ (أَخْرَجَ) الْأُولَى قَبْلَ الْحِنْثِ فِي الثَّانِيَةِ (وَإِلَّا) يُخْرِجُ الْأُولَى أَوْ أَخْرَجَهَا بَعْدَ الْحِنْثِ فِي الثَّانِيَةِ (كُرِهَ) لَهُ دَفْعُ الثَّانِيَةِ لِمَسَاكِينِ الْأُولَى لِئَلَّا تَخْتَلِطَ النِّيَّةُ فِي الْكَفَّارَتَيْنِ هَذَا إنْ اتَّحَدَ مُوجَبُهُمَا كَيَمِينَيْنِ بِاَللَّهِ بَلْ (وَإِنْ) اخْتَلَفَ (كَيَمِينٍ وَظِهَارٍ) مُبَالَغَةٌ فِي الْكَرَاهَةِ (وَأَجْزَأَتْ) الْكَفَّارَةُ أَيْ إخْرَاجُهَا (قَبْلَ حِنْثِهِ وَوَجَبَتْ بِهِ) أَيْ بِالْحِنْثِ، وَهُوَ فِي الْبِرِّ بِالْفِعْلِ، وَفِي الْحِنْثِ بِعَدَمِهِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ: وَفِي الْأَعْجَمِيِّ) (تَأْوِيلَانِ) الْمُرَادُ بِالْأَعْجَمِيِّ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْأَيْمَانَ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ إذَا عَجَزَ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ) أَيْ لَا وَقْتَ الْيَمِينِ، وَلَا وَقْتَ الْحِنْثِ (قَوْلُهُ: تَتَابُعُهَا) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَتَابُعَهَا فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ الْفَوْرِيَّةِ فِي أَصْلِ الْكَفَّارَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ التَّتَابُعِ لَكِنْ لَا لِخُصُوصِ الصَّوْمِ
(قَوْلُهُ: كَإِطْعَامٍ مَعَ كِسْوَةٍ) أَيْ كَالتَّلْفِيقِ مِنْ إطْعَامٍ مَعَ كِسْوَةٍ كَأَنْ يُطْعِمَ خَمْسَةً مَثَلًا، وَيَكْسُوَ خَمْسَةً مَثَلًا فَلَا تُجْزِئُ مِنْ حَيْثُ التَّلْفِيقُ، وَإِنْ صَحَّ التَّكْمِيلُ عَلَى إحْدَاهُمَا.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا مِنْ صِنْفَيْ نَوْعٍ) أَيْ، وَأَمَّا التَّلْفِيقُ مِنْ صِنْفَيْ نَوْعٍ، وَقَوْلُهُ فِي الطَّعَامِ خَاصَّةً قَيْدٌ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ أَصْنَافٌ، وَجَمِيعُ أَفْرَادِ الْكِسْوَةِ صِنْفٌ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يُجْزِئُ مُكَرَّرٌ) أَيْ تَكْفِيرٌ مُكَرَّرٌ لِمِسْكِينٍ عِنْدُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِوُجُوبِ الْعَدَدِ لِتَصْرِيحِ الْآيَةِ بِهِ، وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ دَفْعَهَا لِوَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا سَدُّ الْخَلَّةِ لَا مَحَلُّهَا فَمَتَى سَدَّ عَشْرَ خَلَّاتٍ، وَلَوْ فِي وَاحِدٍ فَقَدْ أَتَى بِالْمَطْلُوبِ (قَوْلُهُ:، وَهَلْ إنْ بَقِيَ تَأْوِيلَانِ) الرَّاجِحُ مِنْهُمَا كَمَا قَالَ عِيَاضٌ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْبَقَاءِ بِأَيْدِيهِمْ لِوَقْتِ التَّكْمِيلِ كَمَا يُفِيدُهُ إجْزَاءُ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ (قَوْلُهُ: فِي مَسْأَلَةِ النَّقْصِ) أَيْ، وَأَمَّا النَّزْعُ فِي مَسْأَلَةِ التَّلْفِيقِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ فَلَا يَحْتَاجُ لِقُرْعَةٍ؛ لِأَنَّ نَزْعَهُ الْكِسْوَةَ لَيُبْنَى عَلَى الطَّعَامِ أَوْ الْعَكْسِ فَهُوَ مَوْكُولٌ إلَى اخْتِيَارِهِ لَا يَحْتَاجُ لِقُرْعَةٍ، وَكَذَا نَزْعُهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّكْرِيرِ كَمَا لَوْ دَفَعَ لِخَمْسَةِ مَسَاكِينَ عَشَرَةَ أَمِدَادً ثُمَّ كَمَّلَ بِإِعْطَاءِ خَمْسَةِ مَسَاكِينَ خَمْسَةَ أَمِدَادً فَإِنَّ رُجُوعَهُ عَلَى الْخَمْسَةِ الْأُولَى بِخَمْسَةِ أَمِدَادً لَا يَحْتَاجُ لِقُرْعَةٍ بَلْ لَا تَتَأَتَّى فِيهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا يُخْرِجُ الْأُولَى) أَيْ وَاسْتَمَرَّ عَدَمُ إخْرَاجِهَا لِوَقْتِ إخْرَاجِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا تَخْتَلِطَ النِّيَّةُ) أَيْ فَتَكُونُ الْعَشَرَةُ أَمْدَادٍ الَّتِي عَنْ الْكَفَّارَةِ الثَّانِيَةِ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لَهَا فَهِيَ فِي مُقَابَلَةِ الْكَفَّارَتَيْنِ كَالْعَشَرَةِ الْأُولَى فَهُوَ بِمَثَابَةِ مَنْ أَعْطَى عَشَرَةَ أَشْخَاصٍ عِشْرِينَ مُدًّا كُلَّ خَمْسَةَ عَشَرَ عَنْ كَفَّارَةٍ (قَوْلُهُ: مُبَالَغَةٌ فِي الْكَرَاهَةِ) دَفَعَ بِهَا مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْجَوَازِ، وَعَدَمِ الْمَنْعِ لِاخْتِلَافِ الْمُوجِبِ (قَوْلُهُ: وَأَجْزَأَتْ قَبْلَ حِنْثِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ حَلِفُهُ بِنَذْرٍ مُبْهَمٍ أَوْ بِالْيَمِينِ أَوْ بِالْكَفَّارَةِ أَوْ كَانَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ كَانَتْ الصِّيغَةُ صِيغَةَ بِرٍّ أَوْ حِنْثٍ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَكُونَ الصِّيغَةُ صِيغَةً مُقَيَّدَةً بِأَجَلٍ فَلَا يُكَفِّرُ إلَّا بَعْدَ الْأَجَلِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهَا، وَمَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَإِنْ ضَرَبَ أَجَلًا فَلَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْحِنْثَ الْمُقَيَّدَ عَلَى بِرٍّ قَبْلَ ضِيقِ الْأَجَلِ فَإِذَا ضَاقَ تَعَيَّنَ لِلْحِنْثِ فَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ، وَكِلَاهُمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ.
وَلِذَا حَاوَلَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ التَّهْذِيبِ إنْ قَالَ هَذَا مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ مِنْ عَدَمِ التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ كَمَا فِي الْبَدْرِ الْقَرَافِيِّ وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ لَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ أَيْ عَلَى وَجْهِ الْأَحَبِّيَّةِ كَالْمُنْعَقِدَةِ عَلَى بِرٍّ؛ لِأَنَّ الْأَحَبَّ فِيهَا عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ لَا يُكَفِّرَ إلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ، وَإِنْ أَجْزَأَ قَبْلَهُ بِخِلَافِ الْمُنْعَقِدَةِ عَلَى حِنْثٍ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ كَفَّرَ، وَلَمْ يَفْعَلْ (قَوْلُهُ: وَوَجَبَتْ بِهِ) أَيْ وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ عَلَى الْفَوْرِ فِيمَا يَظْهَرُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ مُوجِبَهَا أَيْ شَرْطُهَا الْحِنْثُ -
(إنْ لَمْ يُكْرَهْ بِبِرٍّ) مُطْلَقٌ بِأَنْ كَانَ طَائِعًا مُطْلَقًا فِي يَمِينٍ حَنِثَ أَوْ بَرَّ أَوْ أُكْرِهَ فِي حِنْثٍ فَهَذِهِ ثَلَاثُ صُوَرٍ مَنْطُوقُهُ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ أُكْرِهَ عَلَى الْحِنْثِ بِبِرٍّ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لَكِنْ بِقُيُودٍ سِتَّةٍ أَنْ لَا يَعْلَمَ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ عَلَى الْفِعْلِ، وَأَنْ لَا يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِإِكْرَاهِهِ لَهُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْإِكْرَاهُ شَرْعِيًّا، وَأَنْ لَا يَفْعَلَ ثَانِيًا طَوْعًا بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْحَالِفُ عَلَى شَخْصٍ بِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ كَذَا هُوَ الْمُكْرِهُ لَهُ عَلَى فِعْلِهِ، وَأَنْ لَا تَكُونَ يَمِينُهُ لَا أَفْعَلُهُ طَائِعًا، وَلَا مُكْرَهًا، وَإِلَّا حَنِثَ.
وَلَمَّا كَانَتْ الْيَمِينُ الشَّرْعِيَّةُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مُخْتَصَّةً بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ الْتِزَامٌ لَا أَيْمَانٌ، وَأَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْيَمِينِ، وَمَا تَتَعَلَّقُ بِهَا شَرَعَ فِي شَيْءٍ مِنْ الِالْتِزَامَاتِ فَقَالَ (وَ) اللَّازِمُ (فِي) قَوْلِ الشَّخْصِ (عَلَيَّ أَشَدُّ مَا أَخَذَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ) لَا فَعَلَتْ كَذَا، وَفَعَلَ (بَتُّ مَنْ يَمْلِكُ) عِصْمَتَهَا (وَعِتْقُهُ) أَيْ عِتْقُ مَنْ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ حِينَ الْيَمِينِ فِيهِمَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَنْ تَزَوَّجَهَا أَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ الْيَمِينِ، وَقَبْلَ الْحِنْثِ (وَصَدَقَةُ ثُلُثِهِ) أَيْ ثُلُثِ مَالِهِ حِينَ يَمِينِهِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَنْقُصَ فَمَا بَقِيَ (وَمَشْيٌ بِحَجٍّ) لَا عُمْرَةٍ (وَكَفَّارَةٌ) لِيَمِينٍ، وَمَحَلُّ لُزُومِ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مَا لَمْ يَخْرُجْ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَلَوْ بِالنِّيَّةِ، وَيُصَدَّقُ فِي إخْرَاجِهِمَا، وَلَوْ فِي الْقَضَاءِ (وَزِيدَ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ (فِي) قَوْلِهِ (الْأَيْمَانُ) أَوْ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ (تَلْزَمُنِي) إنْ فَعَلْت، وَفَعَلَ أَوْ لَأَفْعَلَنَّ، وَلَمْ يَفْعَلْ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ (صَوْمُ سَنَةٍ إنْ اُعْتِيدَ حَلِفٌ بِهِ) أَيْ بِكُلِّ مَا يَلْزَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ، وَمَشْيٍ وَصَدَقَةٍ وَصَوْمٍ، وَكَفَّارَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ يَحْلِفُ بِعِتْقٍ كَمَا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ أَوْ لَمْ يَجْرِ يَحْلِفُ بِمَشْيٍ أَوْ صَدَقَةٍ كَمَا فِي مِصْرَ لَمْ يَلْزَمْ الْحَالِفَ غَيْرُ الْمُعْتَادِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَجْزَأَتْ قَبْلَهُ كَمَا مَرَّ نَظَرًا لِتَقَدُّمِ سَبَبِهَا، وَهُوَ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحُكْمِ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى شَرْطِهِ جَازَ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ قَبْلَ زَهُوقِ الرُّوحِ لِتَقَدُّمِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْجُرْحُ، وَتَقْدِيمُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ لِتَقَدُّمِ مِلْكِ النِّصَابِ، وَالْيَمِينُ هُنَا سَبَبٌ، وَالْحِنْثُ شَرْطٌ فَجَازَ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الشَّرْطِ وَبَعْدَ السَّبَبِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَبْلَ السَّبَبِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْإِكْمَالِ كَتَقْدِيمِ الْعَفْوِ عَنْ الْجُرْحِ وَتَقْدِيمِ إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ عَلَى الْبَيْعِ، وَإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ قَبْلَ الْإِيصَاءِ.
(قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُكْرَهْ بِبِرٍّ) أَيْ انْتَفَى الْإِكْرَاهُ فِي صِيغَةِ الْبِرِّ الْمُطْلَقِ (قَوْلُهُ: أَوْ أُكْرِهَ فِي حِنْثٍ) كَوَاللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ زَيْدًا أَوْ لَأَدْخُلَنَّ الدَّارَ فَأُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ الضَّرْبِ أَوْ عَدَمِ الدُّخُولِ، وَمُنِعَ مِنْهُ قَهْرًا (قَوْلُهُ: إنْ أُكْرِهَ عَلَى الْحِنْثِ بِبِرٍّ) كَوَاللَّهِ لَا دَخَلْت الدَّارَ فَأُدْخِلَهَا كُرْهًا، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ عَاقِلٍ (قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَكُونَ إلَّا كُرْهًا شَرْعِيًّا) أَيْ، وَإِلَّا حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ كَالطَّوْعِ كَوَاللَّهِ لَا دَخَلْت السِّجْنَ ثُمَّ إنَّهُ حُبِسَ فِيهِ لِدَعْوَى تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ، وَكَحَلِفِهِ أَنْ لَا يَدْفَعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَأَكْرَهَهُ الْقَاضِي عَلَى الدَّفْعِ لِكَوْنِهِ مُوسِرًا بَقِيَ مَا لَوْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالطَّلَاقِ مَثَلًا أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ الدَّارِ فَخَرَجَتْ لِسَيْلٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ لِأَمْرٍ لِإِقْرَارٍ لَهَا مَعَهُ أَوْ أَخْرَجَهَا صَاحِبُ الدَّارِ، وَهِيَ بِكِرَاءٍ قَدْ انْقَضَى أَوْ نُودِيَ عَلَى فَتْحِ قَذِرٍ، وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ مُرْضِعٌ فَخَرَجَتْ لِخَوْفِهَا عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا أَوْ رَضِيعِهَا فَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَاسْتَصْوَبَهُ بْن لِخُرُوجِهِ عَنْ نِيَّتِهِ حُكْمًا لَوْ سُئِلَ عَلَى قَاعِدَةِ الْبِسَاطِ. قَالَ عبق: وَيُحْتَمَلُ الْحِنْثُ؛ لِأَنَّهُ كَالْإِكْرَاهِ الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ وَاجِبٌ شَرْعًا فِي مِثْلِ هَذَا وَرَدَّهُ بْن بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمُخَالَفَتِهِ لِلنَّصِّ (قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَكُونَ الْحَالِفُ إلَخْ) أَيْ، وَإِلَّا حَنِثَ كَمَا لَوْ حَلَفَ زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ ثُمَّ إنَّهُ أَكْرَهَهُ عَلَى دُخُولِهَا فَيَحْنَثُ الْحَالِفُ بِدُخُولِهَا عَلَى وَجْهِ الْإِكْرَاهِ، وَقِيلَ إنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَالْقَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ.
(قَوْلُهُ: عِنْدَ الْمُصَنِّفِ) أَيْ، وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِ كَابْنِ عَرَفَةَ، وَمَنْ تَبِعَهُ فَهِيَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ بَلْ مِنْ جُمْلَتِهَا الْتِزَامُ مَنْدُوبٍ لَا بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ، وَمَا يَجِبُ بِإِنْشَاءٍ مُعَلَّقًا عَلَى أَمْرٍ مَقْصُودٍ عَدَمُهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: أَشَدُّ مَا أَخَذَ إلَخْ) أَيْ أَشَدُّ الْأَيْمَانِ، وَأَقْوَالِهَا الَّتِي يَأْخُذُهَا أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا مَفْهُومَ لِأَشَدَّ بَلْ مِثْلُهُ أَشَقُّ، وَأَعْظَمُ كَذَا يَنْبَغِي قَالَهُ عج (قَوْلُهُ: بَتُّ مَنْ يَمْلِكُ عِصْمَتَهَا) فَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ فِيمَا ذَكَرَ، وَكَذَا فِيمَا يَأْتِي بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ نَقَضَ حُكْمَهُ (قَوْلُهُ: وَعِتْقُهُ) أَيْ عِتْقُ مَنْ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ حَالَ الْيَمِينِ، قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَقِيقٌ حَالَ الْيَمِينِ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقٌ وَبِهِ قَالَ ابْنُ زَرْقُونٍ، وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ الْبَاجِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَقِيقٌ حِينَ الْيَمِينِ لَزِمَهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ لِمَا فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَقِيقٌ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَنْقُصَ) أَيْ إلَّا أَنْ يَصِيرَ مَالُهُ وَقْتَ الْحِنْثِ نَاقِصًا عَنْ مَالِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ فَاللَّازِمُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ (قَوْلُهُ: لَا عُمْرَةٍ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْأَيْمَانِ أَوْعَبُهَا، وَلِذَا جَعَلَ عَلَيْهِ الْحَجَّ مَاشِيًا دُونَ الْعُمْرَةِ كَذَا فِي التَّوْضِيحِ نَقْلًا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَحُكِيَ فِيهِ أَيْضًا نَقْلًا فِي الْبَيَانِ عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ الشُّيُوخِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَشْيِ حِينَ الْيَمِينِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا هَدْيَ كَمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ، كَذَا ذَكَرَ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِالنِّيَّةِ) أَيْ هَذَا إذَا كَانَ إخْرَاجُهُمَا بِالْأَدَاةِ بَلْ وَلَوْ بِالنِّيَّةِ لَكِنْ إنْ كَانَ بِالنِّيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا قَبْلَ تَمَامِ الْحَلِفِ، وَإِنْ كَانَ بِالْأَدَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ بِهَا بَعْدَ الْيَمِينِ مُتَّصِلَةٍ بِهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: أَيْ: بِكُلِّ مَا يَلْزَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ) أَيْ سَوَاءٌ جَرَى الْعُرْفُ بِالْحَلِفِ بِالْأَيْمَانِ تَلْزَمُنِي، وَمَا قَبْلَهُ أَوْ لَا، وَلَيْسَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بِهِ رَاجِعًا لِلْأَيْمَانِ تَلْزَمُنِي، وَمَا قَبْلَهُ
وَالْعِبْرَةُ بِعَادَةِ أَهْلِ بَلَدِهِ سَوَاءٌ اعْتَادَ خِلَافَهُمْ أَوْ لَمْ يَعْتَدْ شَيْئًا وَبِعَادَتِهِ هُوَ إذَا لَمْ يَعْتَادُوا شَيْئًا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وَلَا لَهُمْ عَادَةٌ بِشَيْءٍ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ سِوَى كَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَكُلُّ هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، وَإِلَّا عُمِلَ بِنِيَّتِهِ، وَلَوْ فِي الْقَضَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَفِي)(لُزُومِ) صَوْمِ (شَهْرَيْ ظِهَارٍ) ؛ لِأَنَّ حَلِفَهُ يُشْبِهُ الْمُنْكَرَ مِنْ الْقَوْلِ، وَعَدَمَ لُزُومِهِ، وَهُوَ أَظْهَرُ (تَرَدُّدٌ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ.
(وَتَحْرِيمُ الْحَلَالِ) كَأَنْ يَقُولَ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَالْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ فَالشَّيْءُ الْفُلَانِيُّ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَفَعَلَهُ (فِي) كُلِّ شَيْءٍ أَحَلَّهُ اللَّهُ (غَيْرَ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ لَغْوٌ) لَا يُعْتَبَرُ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ فَيَحْرُمَانِ، وَيَكُونُ طَلَاقًا ثَلَاثًا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا كَغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ وَتُعْتَقَ عَلَيْهِ الْأَمَةُ وَالصَّوَابُ حَذْفُ الْأَمَةِ إذْ التَّحْقِيقُ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَلَا تُعْتَقُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْعِتْقَ وَبَعْضُهُمْ أَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَالْأَمَةُ عَطْفٌ عَلَى غَيْرٍ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا حَاشَى الزَّوْجَةَ فِي الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ نَفَعَهُ.
(وَتَكَرَّرَتْ) الْكَفَّارَةُ (إنْ قَصَدَ) بِيَمِينِهِ (تَكَرُّرَ الْحِنْثِ) كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْتُ زَيْدًا وَنَوَى أَنَّهُ كُلَّمَا كَلَّمَهُ لَزِمَهُ الْحِنْثُ فَتَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (أَوْ كَانَ) تَكَرُّرُ الْحِنْثِ (الْعُرْفَ) أَيْ كَانَ التَّكَرُّرُ يُسْتَفَادُ مِنْهُ لَا مِنْ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ (كَعَدَمِ تَرْكِ الْوِتْرِ) مَثَلًا فَمَنْ حَلَفَ لَا يَتْرُكُهُ حِينَ عُوتِبَ عَلَى تَرْكِهِ فَيَلْزَمُهُ كُلَّمَا تَرَكَهُ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ، وَلَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَكَأَنَّهُ قَالَ كُلَّمَا تَرَكْته فَعَلَيَّ كَفَّارَةٌ (أَوْ)(نَوَى) بِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ فِي نَحْوِ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ أَوْ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ، وَلَا آكُلُ، وَلَا أَلْبَسُ (كَفَّارَاتٍ) فَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُقْسَمِ بِهِ فَإِنْ قَصَدَ بِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ التَّأْكِيدَ أَوْ الْإِنْشَاءَ دُونَ الْكَفَّارَاتِ لَمْ تَتَعَدَّدْ اتِّفَاقًا فِي الْأَوَّلِ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ فِي الثَّانِي
ــ
[حاشية الدسوقي]
خِلَافًا لعبق فَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ شَارِحُنَا تَبَعًا لعج وَالشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيِّ كَمَا قَالَ بْن قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ، وَلَيْسَ لِمَالِكٍ فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ كَلَامٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ فَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ يَلْزَمُهُ الِاسْتِغْفَارُ فَقَطْ، وَقِيلَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَقِيلَ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ مَا لَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا، وَإِلَّا لَزِمَهُ، وَقِيلَ بَتُّ مَنْ يَمْلِكُ، وَعِتْقُهُ، وَصَدَقَةٌ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَمَشْيٌ بِحَجٍّ، وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَصَوْمِ سُنَّةٍ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ كَذَا فِي الْبَدْرِ وَالْمَوَّاقِ (قَوْلُهُ: وَالْعِبْرَةُ بِعَادَةِ أَهْلِ بَلَدِهِ) اسْتَظْهَرَ شَيْخُنَا السَّيِّدُ الْبُلَيْدِيُّ اعْتِبَارَ الْعَادَةِ، وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ يَعْنِي بَعْضَ أَهْلِ الْبَلَدِ فَلَا يُشْتَرَطُ كُلُّهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَادَةَ لَا يَكْفِي فِيهَا الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ بَلْ جَمٌّ مِنْ النَّاسِ تَحْصُلُ بِهِ الشُّهْرَةُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا عَمِلَ بِنِيَّتِهِ) أَيْ فَإِذَا جَرَى الْعُرْفُ بِالْحَلِفِ بِكُلِّ مِمَّا تَقَدَّمَ وَحَلَفَ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ وَنَوَى غَيْرَ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرَ الْعِتْقِ أَوْ غَيْرَهُمَا أَوْ غَيْرَ الْمَشْيِ عَمِلَ بِنِيَّتِهِ إذَا كَانَتْ تِلْكَ النِّيَّةُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَلِفِ بِأَنْ كَانَتْ أَوَّلًا أَوْ فِي أَثْنَائِهِ، وَأَمَّا إذَا نَوَى ذَلِكَ بَعْدَ الْحَلِفِ فَلَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهِ بِالْأَدَاةِ مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ كَمَا مَرَّ فِي الْمُحَاشَاةِ (قَوْلُهُ: وَفِي لُزُومِ شَهْرَيْ ظِهَارٍ) أَيْ فِي لُزُومِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ زِيَادَةً عَلَى صَوْمِ السُّنَّةِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَزَوِّجٍ، وَهُوَ رَأْيُ الْبَاجِيَّ، وَعَدَمُ لُزُومِهِ، وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ زَرْقُونٍ وَابْنِ عَاتٍ وَابْنُ رَاشِدٍ تَرَدُّدٌ لِهَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَمَحَلُّ التَّرَدُّدِ إذَا كَانَ الْحَلِفُ بِهِمَا مُعْتَادًا، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ بِالْأَوْلَى مِمَّا قَبْلَهُ قَالَهُ بْن.
(قَوْلُهُ: فِي كُلِّ شَيْءٍ أَحَلَّهُ اللَّهُ) أَيْ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَلِبَاسٍ وَأُمِّ وَلَدٍ، وَعَبْدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَغْوٌ، وَقَوْلُهُ لَغْوٌ أَيْ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَإِنَّمَا كَانَ لَغْوًا؛ لِأَنَّ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ لِلْعَبْدِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ فِيهِ تَصَرُّفًا فَتَحْرِيمُهُ لَغْوٌ بِخِلَافِ مَا جَعَلَ لَهُ فِيهِ التَّصَرُّفَ كَالزَّوْجَةِ فَلَا يَكُونُ تَحْرِيمُهَا لَغْوًا بَلْ طَلَاقًا ثَلَاثًا فِي الدُّخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ لَكِنَّ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِي الْمَغْرِبِ لُزُومُ طَلْقَةٍ بَائِنَةٍ حَيْثُ لَا نِيَّةَ. (قَوْلُهُ: عَطْفٌ عَلَى غَيْرٍ) أَيْ وَالْمَعْنَى وَتَحْرِيمُ الْحَلَالِ لَغْوٌ فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ، وَلَغْوٌ فِي الْأَمَةِ، وَيُقَيَّدُ هَذَا بِمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِتَحْرِيمِهَا عِتْقَهَا، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَغْوًا، وَعَلَى هَذَا الْجَوَابُ فَيُقَالُ إنَّمَا نَصَّ عَلَى الْأَمَةِ مَعَ دُخُولِهَا فِيمَا قَبْلَهَا لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ فِيهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَعَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّهَا تُعْتَقُ (قَوْلُهُ: وَتُقَدَّمُ إلَخْ) أَيْ فَمَحَلُّ كَوْنِ تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ لَا يَكُونُ لَغْوًا مَا لَمْ يُحَاشِهَا فَإِنْ حَاشَاهَا بِأَنْ أَخْرَجَهَا قَبْلَ تَمَامِ يَمِينِهِ لَمْ تَحْرُمْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قَالَ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ فَعَلْت كَذَا، وَفَعَلَهُ فَإِنْ أَخْرَجَ الزَّوْجَةَ بِالنِّيَّةِ قَبْلَ تَمَامِ يَمِينِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَا فِيهَا، وَلَا فِي غَيْرِهَا، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا لَزِمَهُ طَلَاقُهَا ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ حَيْثُ لَا نِيَّةَ لَهُ، وَإِلَّا لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَلَا يَلْزَمُهُ فِيهَا شَيْءٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَى عِتْقَهَا لَزِمَهُ، وَهَذَا إذَا جَمَعَ بِأَنْ قَالَ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنْ أَفْرَدَ بِأَنْ قَالَ الشَّيْءُ الْفُلَانِيُّ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ فَعَلْت كَذَا، وَفَعَلَهُ فَإِنْ كَانَ غَيْرُ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ طَلُقَتْ ثَلَاثًا إنْ لَمْ يَنْوِ أَقَلَّ، وَقِيلَ طَلْقَةً بَائِنَةً، وَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ عِتْقَهَا.
(قَوْلُهُ: أَوْ نَوَى كَفَّارَاتٍ) أَيْ أَوْ نَوَى كَفَّارَاتٍ مُتَعَدِّدَةً بِعَدَدِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْيَمِينِ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا (قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ) فَإِذَا دَخَلَ لَزِمَهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ حَيْثُ نَوَى تَعَدُّدَ الْكَفَّارَاتِ بِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ (قَوْلُهُ: وَلَا آكُلُ) عَطْفٌ عَلَى أَدْخُلُ أَيْ وَوَاللَّهِ لَا آكُلُ وَوَاللَّهِ لَا أَلْبَسُ فَالْمُقْسَمُ بِهِ مُتَعَدَّدٌ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ فَإِذَا دَخَلَ، وَأَكَلَ، وَلَبِسَ لَزِمَهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ (قَوْلُهُ: فِي الْأَوَّلِ)
حَيْثُ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَاحِدًا أَمَّا لَوْ تَعَدَّدَ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَأْكِيدٌ (أَوْ)(قَالَ) وَاَللَّهِ (لَا) بَاعَ سِلْعَتَهُ مِنْ زَيْدٍ فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو، وَأَنَا فَقَالَ لَهُ وَاَللَّهِ (وَلَا) أَنْت فَبَاعَهَا لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَرُدَّتْ عَلَيْهِ فَبَاعَهَا لِلْآخَرِ فَكَفَّارَتَانِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَبِيعُهَا مِنْ فُلَانٍ وَلَا مِنْ فُلَانٍ (أَوْ حَلَفَ) لَا أَفْعَلُ كَذَا ثُمَّ حَلَفَ (أَنْ لَا يَحْنَثَ) فَفَعَلَهُ فَكَفَّارَتَانِ لِحِنْثِهِ فِي قَوْلِهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَلِحِنْثِهِ فِي قَوْلِهِ لَا أَحْنَثُ (أَوْ) حَلَفَ (بِالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ وَالْكِتَابِ) أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا فَفَعَلَهُ فَثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَالرَّاجِحُ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً فِي هَذَا الْفَرْعِ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ الثَّلَاثَةِ وَاحِدٌ سَوَاءٌ قَصَدَ التَّأْكِيدَ أَوْ التَّأْسِيسَ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ تَكَرُّرَ الْحِنْثِ، وَلَمْ يَنْوِ كَفَّارَاتٍ (أَوْ دَلَّ لَفْظُهُ) عَلَى التَّكْرَارِ حَالَ كَوْنِ لَفْظِهِ مُلْتَبِسًا (بِجَمْعٍ) نَحْوُ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ أَيْمَانٌ أَوْ كَفَّارَاتٌ فَفَعَلَهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَلَوْ قَالَ فَعَلَيَّ عَشَرَةٌ لَزِمَهُ الْعَشَرَةُ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَ الْعَدَدِ نَصٌّ فِي مَعْنَاهَا (أَوْ) دَلَّ لَفْظُهُ عَلَى التَّكْرَارِ بِالْوَضْعِ كَأَنْ عَلَّقَ (بِ) قَوْلِهِ (كُلَّمَا أَوْ مَهْمَا) فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ كَفَّارَةٌ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ فِعْلَةٍ كَفَّارَةٌ (لَا) إنْ عَلَّقَ بِقَوْلِهِ (مَتَى مَا) فَلَا تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ بَلْ يَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِالْفِعْلِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ وَمَا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ ضَعِيفٌ (وَ) لَا إنْ قَالَ (وَاَللَّهِ) لَا فَعَلْت كَذَا (ثُمَّ) قَالَ، وَلَوْ بِمَجْلِسٍ آخَرَ (وَاَللَّهِ) لَا أَفْعَلُهُ فَفَعَلَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ (وَإِنْ قَصَدَهُ) أَيْ التَّكْرَارَ لِيَمِينٍ ثَانِيَةٍ، وَإِنْشَاؤُهَا دُونَ قَصْدِ تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ إذَا قَصَدَ إنْشَاءَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ قَصْدُ تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ فَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ آنِفًا أَوْ نَوَى كَفَّارَاتٍ (أَوْ) حَلَفَ بِ (الْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) لَا أَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَهُ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَلَامُ اللَّهِ، وَهُوَ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ وَبِهِ يُعْلَمُ ضَعْفُ قَوْلِهِ سَابِقًا أَوْ بِالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ وَالْكِتَابِ (وَ) لَا تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا إنْ كَانَ مُتَعَلَّقُ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ جُزْءَ مُتَعَلَّقِ الْأُولَى كَمَا لَوْ حَلَفَ (لَا أُكَلِّمُهُ غَدًا وَبَعْدَهُ ثُمَّ) حَلَفَ ثَانِيًا لَا أُكَلِّمُهُ (غَدًا) ، وَكَلَّمَهُ غَدًا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ لَوْ لَمْ تَكُنْ الثَّانِيَةُ جُزْءَ الْأُولَى كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا أُكَلِّمُهُ غَدًا ثُمَّ حَلَفَ لَا أُكَلِّمُهُ غَدًا، وَلَا بَعْدَهُ فَكَلَّمَهُ غَدًا فَكَفَّارَتَانِ ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ كَلَّمَهُ بَعْدَهُ فَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَهُ ابْتِدَاءً فَظَاهِرٌ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ.
وَهَذَا شُرُوعٌ فِيمَا يُخَصِّصُ الْيَمِينَ أَوْ يُقَيِّدُهَا، وَهُوَ خَمْسَةٌ النِّيَّةُ وَالْبِسَاطُ وَالْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ وَالْمَقْصِدُ اللُّغَوِيُّ وَالْمَقْصِدُ الشَّرْعِيُّ، وَبَدَأَ بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَقَالَ (وَخَصَّصَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ) لَفْظَهُ الْعَامَّ (وَقَيَّدَتْ) لَفْظَهُ الْمُطْلَقَ، وَأَرَادَ بِالتَّقْيِيدِ مَا يَشْمَلُ تَبَيُّنَ الْمُجْمَلِ كَقَوْلِهِ زَيْنَبُ طَالِقٌ، وَلَهُ زَوْجَتَانِ اسْمُ كُلٍّ زَيْنَبُ وَقَالَ أَرَدْت بِنْتَ فُلَانٍ وَالْعَامُّ لَفْظٌ يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لَهُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ وَتَخْصِيصُهُ قَصْرُهُ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ وَالْمُطْلَقُ مَا دَلَّ عَلَى
ــ
[حاشية الدسوقي]
أَيْ التَّأْكِيدُ، وَقَوْلُهُ فِي الثَّانِي الْمُرَادُ بِهِ الْإِنْشَاءُ، وَسَوَاءٌ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ الَّذِي كَرَّرَ فِيهِ الْيَمِينَ أَوْ تَعَدَّدَ.
(قَوْلُهُ: حَيْثُ إلَخْ) أَيْ لَكِنَّ الثَّانِيَ، وَهُوَ التَّأْكِيدُ إنَّمَا يَتَأَتَّى حَيْثُ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَاحِدًا نَحْوُ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ، وَقَوْلُهُ أَمَّا لَوْ تَعَدَّدَ أَيْ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ وَاَللَّهِ لَا أَلْبَسُ (قَوْلُهُ: وَلَا مِنْ فُلَانٍ) أَيْ فَبَاعَهَا لَهُمَا أَوْ بَاعَهَا لِأَحَدِهِمَا فَرُدَّتْ لَهُ فَبَاعَهَا لِلْآخَرِ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَذَلِكَ لِتَعَدُّدِ الْقَسَمِ وَاخْتِلَافِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ الْقَسَمَ فِيهَا غَيْرُ مُتَعَدِّدٍ، وَمَا ذَكَرَهُ فَرْضُ مَسْأَلَةٍ فِيهَا مَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا، وَلَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ، وَلَا أَضْرِبُ فُلَانًا ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ وَاَللَّهِ لَا أَضْرِبُ فُلَانًا فَعَلَيْهِ هُنَا لِكُلِّ صِنْفٍ فَعَلَهُ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ بِاَللَّهِ عَلَى أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ. اهـ. نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ، وَقَالَ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ أَوْ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ، وَلَا. وَأَمَّا لَا، وَلَا فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَقْصِدْ تَكَرُّرَ الْحِنْثِ) أَيْ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ، وَأَمَّا لَوْ نَوَى تَكَرُّرَ الْحِنْثِ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ تَعَدَّدَتْ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِالثَّلَاثَةِ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ كَذَا وَنَوَى أَنَّهُ كُلَّمَا فَعَلَهُ حَنِثَ فَإِنَّهُ كُلَّمَا فَعَلَهُ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَصَدَهُ) أَيْ هَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ إنْشَاءَ يَمِينٍ ثَانِيَةٍ بِأَنْ قَصَدَ تَأْكِيدَ الْأُولَى أَوْ لَا قَصْدَ لَهُ، بَلْ وَإِنْ قَصَدَ الْإِنْشَاءَ الْيَمِينِ ثَانِيَةٍ.
(قَوْلُهُ: فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ) أَيْ سَوَاءٌ قَصَدَ التَّأْكِيدَ أَوْ التَّأْسِيسَ مَا لَمْ يَقْصِدْ تَكَرُّرَ الْحِنْثِ، وَمَا لَمْ يَنْوِ كَفَّارَاتٍ (قَوْلُهُ: فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافٍ) أَيْ ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ كَلَّمَهُ بَعْدَهُ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ، وَكَذَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ إنْ كَلَّمَهُ أَوَّلًا بَعْدَ غَدٍ، وَمَحَلُّ اتِّحَادِهَا إذَا كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمَيْنِ مَعًا حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ تَعَدُّدَ الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ: فَكَفَّارَتَانِ) لُزُومُ الْكَفَّارَتَيْنِ فِي غَدٍ فِي هَذِهِ لِوُقُوعِهِ ثَانِيًا مَعَ الْغَيْرِ فَكَأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ مَعَ غَيْرِهِ فِي نَفْسِهِ، وَمَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ، وَقَعَ الْغَدُ ثَانِيًا وَحْدَهُ فَكَانَ كَالتَّأْكِيدِ لِلْأَوَّلِ.
(قَوْلُهُ: الْمُجْمَلُ) أَيْ الْمُشْتَرَكُ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا كَالْمِثَالِ الَّذِي مَثَّلَ بِهِ، وَكَحَلِفِهِ لَيَنْظُرَنَّ لِعَيْنٍ، وَيُرِيدُ أَحَدَ مَعَانِيهَا فَتُقْبَلُ نِيَّتُهُ فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ (قَوْلُهُ: يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لَهُ إلَخْ) أَيْ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَفْرَادِ الصَّالِحِ لَهَا ذَلِكَ اللَّفْظُ دَفْعَةً وَبِهَذَا يَخْرُجُ الْمُطْلَقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ مَا يَصْلُحُ لَهُ دَفْعَةً بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ فَعُمُومُ الْعَامِّ شُمُولِيٌّ، وَعُمُومُ الْمُطْلَقِ بَدَلِيٌّ، وَصَلَاحِيَّةُ اللَّفْظِ لِتِلْكَ الْأَفْرَادِ مِنْ جِهَةِ انْدِرَاجِهَا فِي مَعْنَاهُ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَتَكُونُ دَلَالَةُ الْعَامِّ عَلَى إفْرَادِهِ دَلَالَةَ كُلِّيٍّ عَلَى جُزْئِيَّاتِ مَعْنَاهُ لَا دَلَالَةَ كُلٍّ عَلَى أَجْزَاءِ مَعْنَاهُ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ) أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْأَفْرَادِ الصَّالِحِ لَهَا ذَلِكَ اللَّفْظُ غَيْرَ مَحْصُورَةٍ (قَوْلُهُ: عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ) أَيْ فَمَنْ حَلَفَ لَا آكُلُ اللَّبَنَ وَنَوَى لَبَنَ الْإِبِلِ جَازَ لَهُ أَكْلُ لَبَنِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا
الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ، وَتَقْيِيدُهُ رَدُّهُ إلَى بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ بِحَيْثُ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ فَمَنْ حَلَفَ لَا أُكَلِّمُ رَجُلًا وَنَوَى جَاهِلًا أَوْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي اللَّيْلِ جَازَ لَهُ تَكْلِيمُهُ الْعَالِمَ أَوْ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَوْ فِي النَّهَارِ (إنْ نَافَتْ) نِيَّتُهُ أَيْ خَالَفَتْ لَفْظَهُ الْعَامَّ فَهَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ خَصَّصَتْ فَقَطْ، وَلَا حَاجَةَ لَهُ إذْ لَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهَا إلَّا مُنَافَاتُهَا لِظَاهِرِ لَفْظِهِ، وَلَا يَرْجِعُ لِقَيَّدَتْ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ لَا يَكُونُ إلَّا مُوَافِقًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ كَمَا لَوْ قَالَ أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ، وَقَالَ أَرَدْت فُلَانًا كَذَا قِيلَ وَالْأَظْهَرُ رُجُوعُهُ لَهُمَا، وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ (وَسَاوَتْ) رَاجِعٌ لِلتَّخْصِيصِ وَالْقَيْدِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمَعْنَى سَاوَتْ احْتَمَلَتْ عَلَى السَّوَاءِ بِأَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْحَالِفِ يَحْتَمِلُ مَا نَوَاهُ وَغَيْرَهُ عَلَى السَّوَاءِ، وَتَخْصِيصُ النِّيَّةِ وَتَقْيِيدُهَا حِينَئِذٍ يَكُونُ (فِي اللَّهِ) أَيْ فِي الْيَمِينِ بِهِ (وَغَيْرِهَا كَطَلَاقٍ) ، وَعِتْقٍ، وَمَثَّلَ لِلْمُسَاوِيَةِ فِي الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ (كَكَوْنِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (مَعَهُ) فِي عِصْمَتِهِ (فِي) حَلِفِهِ لَهَا (لَا يَتَزَوَّجُ) امْرَأَةً عَلَيْهَا (حَيَاتَهَا) فَمَنْ تَزَوَّجَهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ وَادَّعَى أَنَّهُ نَوَى مَا دَامَتْ مَعَهُ فِي عِصْمَتِهِ فَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ مُطْلَقًا، وَلَوْ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ مُعَيَّنٍ، وَمَفْهُومُ إنْ سَاوَتْ أَنَّهَا إنْ لَمْ تُسَاوِ بِأَنْ خَالَفَتْ ظَاهِرَ اللَّفْظِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ قَرِيبَةً مِنْ الْمُسَاوَاةِ أَوْ بَعِيدَةً جِدًّا فَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْهَا قُبِلَتْ
ــ
[حاشية الدسوقي]
فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ، وَقَالَ أَرَدْت بِعَبِيدِي غَيْرَ زَيْدٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَكَحَلِفِهِ لَا أَلْبَسُ الثِّيَابَ وَنَوَى الْكَتَّانَ فَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ لَهُ لُبْسُ الثِّيَابِ مِنْ غَيْرِ الْكَتَّانِ كَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ (قَوْلُهُ: بِلَا قَيْدٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ لِتَحَقُّقِهَا فِي فَرْدٍ مُبْهَمٍ أَوْ مُعَيَّنٍ فَهُوَ مُرَادِفٌ لِاسْمِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ النَّكِرَةِ فَإِنَّهُ مَا دَلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ أَيْ بِقَيْدِ وُجُودِهَا فِي فَرْدٍ مُبْهَمٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّفْظَ فِي الْمُطْلَقِ وَالنَّكِرَةِ وَاحِدٌ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالِاعْتِبَارِ فَإِنْ اُعْتُبِرَ فِي اللَّفْظِ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ فَهُوَ الْمُطْلَقُ وَاسْمُ الْجِنْسِ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ مَعَ قَيْدِ الْوَحْدَةِ الشَّائِعَةِ سُمِّيَ نَكِرَةً كَمَا قَالَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ إنَّهُمَا وَاحِدٌ ذَاتًا وَاعْتِبَارًا، وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِقَيْدِ وُجُودِهَا فِي فَرْدٍ مُبْهَمٍ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أُسْلُوبُ الْمَنَاطِقَةِ وَالْأُصُولِيِّينَ (قَوْلُهُ: فَمَنْ حَلَفَ إلَخْ) ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَيُكْرِمَنَّ رَجُلًا وَنَوَى زَيْدًا فَلَا يَبَرُّ بِإِكْرَامِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ رَجُلًا مُطْلَقٌ قَيَّدَهُ بِخُصُوصِ زَيْدٍ فَصَارَ مَعْنَى الْيَمِينِ لَأُكْرِمَنَّ زَيْدًا (قَوْلُهُ: أَيْ خَالَفْت لَفْظَهُ الْعَامَّ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمُنَافَاةِ النِّيَّةِ لِلْعَامِّ مُخَالِفَتُهَا لِمُقْتَضَى لَفْظِهِ، وَلَوْ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُنَافِيَةً لَهُ حَقِيقَةً بِأَنْ كَانَ اللَّفْظُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْحُكْمِ لِأَمْرٍ، وَالنِّيَّةُ تَنْفِيهِ عَنْهُ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُنَافِيَةٍ لَهُ فَالْأَوَّلُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا آكُلُ سَمْنًا وَنَوَى سَمْنَ الضَّأْنِ، وَإِبَاحَةُ سَمْنِ غَيْرِ الضَّأْنِ وَالثَّانِي كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا وَنَوَى سَمْنَ الضَّأْنِ أَيْ أَنَّهُ قَصَدَ هَذَا الْمَعْنَى الْخَاصَّ مُعَبَّرًا عَنْهُ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ، وَلَمْ يُلَاحِظْ إبَاحَةَ سَمْنِ غَيْرِهِ فَنِيَّةُ سَمْنِ الضَّأْنِ لَيْسَتْ مُنَافِيَةً لِعُمُومِ السَّمْنِ بَلْ فَرْدٌ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُغَايِرَةً لَهُ فَالنِّيَّةُ نَافِعَةٌ لِلْحَالِفِ فِي الصُّورَتَيْنِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَلَهُ أَكْلُ سَمْنِ غَيْرِ الضَّأْنِ فِيهِمَا.
وَاشْتَرَطَ الْقَرَافِيُّ فِي تَخْصِيصِ النِّيَّةِ لِلْعَامِّ مُنَافَاتُهَا لَهُ حَقِيقَةً فَجَعَلَهَا مُخَصِّصَةً فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُنَافَاةَ إنَّمَا تُشْتَرَطُ فِي الْمُخَصَّصِ الْمُنْفَصِلِ عَنْ الْعَامِّ الْمُسْتَقِلِّ لَا الْمُتَّصِلِ بِهِ كَالتَّخْصِيصِ بِالْوَصْفِ، وَحِينَئِذٍ فَنِيَّةُ الضَّأْنِ فِي حُكْمِ مَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ سَمْنًا ضَأْنًا فَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِهِ هَذَا، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُ نَافَتْ مِنْ نَافَ يُنِيفُ بِمَعْنَى يَزِيدُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ الَّتِي تُنِيفُ أَيْ تَزِيدُ عَلَى مُقْتَضَى الْعَامِّ لَا تُخَصِّصُ، وَلَا تُقَيِّدُ نَعَمْ هِيَ تُعَمِّمُ الْمُطْلَقَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْفُرُوعِ الْآتِيَةِ نَحْوُ وَاَللَّهِ لَأُكْرِمَنَّ أَخًا لَك وَتُرِيدُ جَمِيعَ إخْوَتِهِ فَأَخًا مُطْلَقٌ فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعَ إخْوَتِهِ كَانَتْ تِلْكَ النِّيَّةُ زَائِدَةً عَلَى الْمُطْلَقِ، وَمُعَمِّمَةً لَهُ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِإِكْرَامِ الْجَمِيعِ (قَوْلُهُ: إذْ لَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهَا) أَيْ لِلْعَامِّ، وَقَوْلُ إلَّا مُنَافَاتُهَا أَيْ لَهُ أَيْ مُخَالَفَتُهَا، وَمُغَايَرَتُهَا لَهُ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَهَا لَهُ قَصْرُهُ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ وَبَعْضِ أَفْرَادِهِ مُغَايِرٌ، وَمُخَالِفٌ لِعُمُومِهِ وَحَيْثُ كَانَ لَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهَا لِلْعَامِّ إلَّا مُخَالَفَتُهَا لَهُ فَاشْتِرَاطُ الْمُنَافَاةِ فِي تَخْصِيصِهَا مِنْ اشْتِرَاطِ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالْأَظْهَرُ رُجُوعُهُ لَهُمَا) أَيْ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا وَنَوَى جَاهِلًا فَالْجَاهِلُ لَيْسَ مُوَافِقًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ بَلْ الْمُوَافِقُ لَهُ أَيُّ رَجُلٍ كَانَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمُنَافَاةِ النِّيَّةِ مُخَالَفَتُهَا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَهَذَا مُتَأَتٍّ فِي كُلٍّ مِنْ الْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ (قَوْلُهُ: عَلَى السَّوَاءِ) أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْعُرْفِ بِأَنْ يَكُونَ احْتِمَالُ لَفْظِ الْحَالِفِ لِمَا نَوَاهُ وَلِغَيْرِهِ مُتَسَاوِيَيْنِ عُرْفًا، وَلَيْسَ احْتِمَالُهُ لِمَا نَوَاهُ أَبْعَدَ احْتِرَازًا عَنْ النِّيَّةِ الْبَعِيدَةِ لِأَجِدَ وَهِيَ وَلَهُ: كَأَنْ خَالَفْت ظَاهِرَ لَفْظِهِ إلَخْ، وَعَنْ شَدِيدَةِ الْبُعْدِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: لَا إرَادَةَ مَيْتَةٍ (قَوْلُهُ: وَمِثْلٌ لِلْمُسَاوِيَةِ) أَيْ لِلنِّيَّةِ الْمُسَاوِيَةِ الْمُخَصِّصَةِ لِلْعَامِّ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَيَاتَهَا مُفْرَدٌ مُضَافٌ يَعُمُّ كُلَّ وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ حَيَاتِهَا الشَّامِلِ ذَلِكَ لِوَقْتِ كَوْنِهَا مَعَهُ فِي عِصْمَتِهِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا أَرَادَ بِحَيَاتِهَا كَوْنَهَا مَعَهُ فِي عِصْمَتِهِ كَانَ قَصْرًا لِلْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَهُوَ تَخْصِيصٌ لَهُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ طَلَّقَهَا) أَيْ طَلَاقًا بَائِنًا، وَأَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ تَزَوَّجَ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فِي الَّتِي تَزَوَّجَهَا، وَلَا تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ بِكَوْنِهَا مَعَهُ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ فَلَوْ طَلَّقَ الْمَحْلُوفَ لَهَا طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَ، وَعَادَتْ الْمَحْلُوفُ لَهَا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ عَادَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي الْمَحْلُوفِ لَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِصْمَتُهَا عَلَى مَا يَأْتِي.
(قَوْلُهُ: إنَّهُ نَوَى) -
فِيمَا عَدَا الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ الْمُعَيَّنَ فِي الْقَضَاءِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (كَأَنْ)(خَالَفَتْ) نِيَّتُهُ (ظَاهِرَ لَفْظِهِ) ، وَقَرُبَتْ مِنْ الْمُسَاوَاةِ فَيُعْتَبَرُ تَخْصِيصُهَا وَتَقْيِيدُهَا لِلِاحْتِمَالِ الْقَرِيبِ مِنْ الْمُسَاوِي، وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ (كَسَمْنِ ضَأْنٍ) أَيْ كَنِيَّةِ سَمْنِ ضَأْنٍ (فِي) حَلِفِهِ (لَا آكُلُ سَمْنًا) ، وَلَوْ لَمْ يُلَاحَظْ إخْرَاجُ غَيْرِهِ أَوَّلًا وِفَاقًا لِابْنِ يُونُسَ إذْ لَا مَعْنَى لِنِيَّةِ الضَّأْنِ إلَّا إخْرَاجُ غَيْرِهِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا أُكَلِّمُهُ) ، وَقَالَ نَوَيْت شَهْرًا أَوْ فِي الْمَسْجِدِ فَيُصَدَّقُ إلَّا فِي طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مُعَيَّنٍ بِمُرَافَعَةٍ (وَكَتَوْكِيلِهِ) غَيْرَهُ فِي بَيْعِ عَبْدِهِ أَوْ ضَرْبِهِ (فِي) حَلِفِهِ (لَا يَبِيعُهُ أَوْ لَا يَضُرُّ بِهِ) فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ أَوْ ضَرَبَهُ، وَقَالَ نَوَيْت لَا أَفْعَلُ بِنَفْسِي فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ (إلَّا لِمُرَافَعَةٍ) أَيْ رَفْعٍ لِقَاضٍ (وَبَيِّنَةٍ) أَيْ مَعَ بَيِّنَةٍ أَقَامَهَا الرَّافِعُ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بِحِنْثِهِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْيَمِينِ فَادَّعَى التَّخْصِيصَ أَوْ التَّقْيِيدَ (أَوْ) مَعَ (إقْرَارٍ) مِنْهُ بِذَلِكَ حِينَ الْمُرَافَعَةِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: (فِي طَلَاقٍ، وَعِتْقٍ) مُعَيَّنٍ (فَقَطْ أَوْ اسْتَحْلَفَ مُطْلَقًا) بِاَللَّهِ أَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مُطْلَقًا فِي الْفَتْوَى أَوْ الْقَضَاءِ (فِي وَثِيقَةِ حَقٍّ)
ــ
[حاشية الدسوقي]
أَيْ بِحَيَاتِهَا (قَوْلُهُ: فِيمَا عَدَا الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ الْمُعَيَّنَ) أَيْ أَنَّهَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْمُفْتِي مُطْلَقًا، وَكَذَا عِنْدَ الْقَاضِي إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يُقْبَلُ عِنْدَ الْقَاضِي فِيهِمَا (قَوْلُهُ: لِلِاحْتِمَالِ) أَيْ نَظَرًا لِلِاحْتِمَالِ (قَوْلُهُ: كَسَمْنِ ضَأْنٍ إلَخْ) جَعْلُ هَذَا الْمِثَالِ مِمَّا خَالَفَتْ فِيهِ النِّيَّةُ ظَاهِرَ اللَّفْظِ صَحِيحٌ حَيْثُ يَكُونُ سَمْنُ الْبَقَرِ مَثَلًا أَغْلَبَ، وَعِنْدَ الْعَكْسِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْأَغْلَبُ سَمْنَ الضَّأْنِ تَكُونُ النِّيَّةُ قَرِينَةً مُسَاوِيَةً لِظَاهِرِ اللَّفْظِ كَذَا فِي بْن وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا، وَقَالَ أَرَدْت سَمْنَ الضَّأْنِ كَانَتْ تِلْكَ النِّيَّةُ مُخَصِّصَةً لِيَمِينِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ سَمْنِ غَيْرِهِ سَوَاءٌ لَاحَظَ إخْرَاجَ غَيْرِ الضَّأْنِ أَوَّلًا بِأَنْ يَنْوِيَ إبَاحَةَ مَا عَدَا سَمْنَ الضَّأْنِ أَوَّلًا أَوْ لَمْ يُلَاحِظْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِنِيَّةِ الضَّأْنِ إلَّا إخْرَاجَ غَيْرِهِ، وَهَذَا مَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ إنَّ نِيَّةَ سَمْنِ الضَّأْنِ لَا تَكُونُ مُخَصِّصَةً لِقَوْلِهِ لَا آكُلُ سَمْنًا إلَّا إذَا نَوَى إخْرَاجَ غَيْرِهِ أَوَّلًا بِأَنْ يَنْوِيَ إبَاحَةَ مَا عَدَا سَمْنَ الضَّأْنِ، وَأَمَّا لَوْ نَوَى عَدَمَ أَكْلِ سَمْنِ الضَّأْنِ فَقَطْ فِي لَا آكُلُ سَمْنًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ إخْرَاجِ غَيْرِهِ أَوَّلًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ السَّمْنِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ فَرْدِ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ يُؤَيِّدُهُ، وَلَا يُخَصِّصُهُ لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِ لَهُ، وَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا فِي طفى وبن (قَوْلُهُ: فِي لَا يَبِيعُهُ أَوْ لَا يَضْرِبُهُ) لَوْ قَالَ فِي لَا يَفْعَلُ كَذَا كَانَ أَخْصَرَ، وَأَشْمَلَ لِصِدْقِهِ بِالْبَيْعِ وَالضَّرْبِ وَغَيْرِهِمَا.
(قَوْلُهُ: إلَّا لِمُرَافَعَةٍ) أَيْ إلَّا عِنْدَ مُرَافَعَةٍ لِلْقَاضِي لَدَعْوَاهُ عَدَمَ الْحِنْثِ بِسَبَبِ تَخْصِيصِ نِيَّتِهِ أَوْ تَقْيِيدِهِ لِيَمِينِهِ فَإِذَا رَفَعَهُ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْحِنْثَ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ بِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ ضِدَّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَادَّعَى التَّخْصِيصِ أَوْ التَّقْيِيدِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِعَدَمِ قَبُولِ نِيَّتِهِ إذَا كَانَ الْحَلِفُ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مُعَيَّنٍ أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ أَوْ بِعِتْقٍ مُبْهَمٍ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ النِّيَّةَ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَالِفَ لَمْ يُنْكِرْ، وَإِنَّمَا يَدَّعِي عَدَمَ الْحِنْثِ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ نِيَّتَهُ تَنْفَعُهُ وَاَلَّذِي رَفَعَهُ لِلْقَاضِي يَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ ضِدَّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَيُقِيمُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً تَشْهَدُ بِحَلِفِهِ وَبِفِعْلِهِ ضِدَّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَوْ يُقِرُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَمَّا لَوْ أَنْكَرَ الْحَلِفَ وَجُلِبَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لَمْ تَقْبَلْ نِيَّتُهُ تَخْصِيصَ الْعَامِّ وَتَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ، وَلَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَعِتْقٍ مُعَيَّنٍ كَمَا أَفَادَهُ عج.
(قَوْلُهُ: إلَّا لِمُرَافَعَةٍ) اللَّامُ بِمَعْنَى عِنْدَ وَالْمُرَافَعَةُ بِمَعْنَى الرَّفْعِ فَالْمُفَاعَلَةُ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ مِنْ جَانِبِ غَيْرِهِ وَالْمَعْنَى إلَّا عِنْدَ رَفْعٍ لِلْقَاضِي فَلَوْ ذَهَبَ لِلْقَاضِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَهُ أَحَدٌ، وَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْفَتْوَى كَمَا فِي التَّوْضِيحِ. (تَنْبِيهٌ) مِمَّا يُقْبَلُ فِي الْفَتْوَى أَنْ يَقُولَ الشَّخْصُ حَلَفْت بِالطَّلَاقِ أَنِّي لَا أَفْعَلُ كَذَا ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ فَلَا يُقْبَلُ فِي الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ قَبْلَ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ يَسْتَخْلِصُ بِذَلِكَ كَمَا فِي ح (قَوْلُهُ: أَوْ اسْتَحْلَفَ) كَانَ الْأَوْلَى أَوْ اسْتِحْلَافٌ إذْ لَا يُعْطَفُ الْفِعْلُ عَلَى الِاسْمِ إلَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ الِاسْمُ مُشَبَّهًا لِلْفِعْلِ، وَإِنْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ اسْتَحْلَفَ عَطْفٌ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا لِمُرَافَعَةٍ أَيْ لَا إنْ رُوفِعَ أَوْ اسْتَحْلَفَ أَيْ خُصِّصَتْ، وَقُيِّدَتْ إلَّا إنْ رُوفِعَ فَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ أَوْ اسْتَحْلَفَ فِي حَقٍّ فَلَا تَنْفَعُهُ مُطْلَقًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَحْلَفَ فِي وَثِيقَةٍ فَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ مُطْلَقًا كَانَتْ تِلْكَ النِّيَّةُ مُسَاوِيَةً لِظَاهِرِ اللَّفْظِ أَوْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لَهُ قَرِيبَةً مِنْ التَّسَاوِي لَا فِي الْفَتْوَى، وَلَا فِي الْقَضَاءِ كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ أَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ بِعِتْقٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْقَبُولِ، وَلَوْ كَانَ الْحَلِفُ عِنْدَ غَيْرِ حَاكِمٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ أَوْ اسْتَحْلَفَ إلَخْ أَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِسِينِ الطَّلَبِ أَنَّهُ لَوْ طَاعَ بِالْيَمِينِ فِي وَثِيقَةِ حَقٍّ لَنَفَعَتْهُ نِيَّتُهُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا لَا تَنْفَعُهُ، وَأَنَّ الْعَبْرَةَ بِنِيَّةِ الْحَالِفِ مُطْلَقًا، وَحِينَئِذٍ فَتَجْعَلُ السِّينَ وَالتَّاءَ زَائِدَتَيْنِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ بِطَلَاقٍ) فَإِذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَقْضِيَنَّ غَرِيمَهُ فِي أَجَلِ كَذَا فَمَضَى الْأَجَلُ، وَلَمْ يَقْضِهِ فَقَالَ الْحَالِفُ أَرَدْت طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَقَالَ الْمُحَلِّفُ إنَّمَا نَوَيْت الثَّلَاثَ فَالْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ الْمُحَلِّفِ. اهـ. خش، وَمِثْلُهُ فِي عبق نَقْلًا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ رَبُّ الْحَقِّ تَشْدِيدًا؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ الرَّجْعِيَّةُ لَا يُبَالِي بِهَا فَانْدَفَعَ قَوْلُ بْن -
أَيْ تُوثَقُ فِي حَقٍّ سَوَاءٌ كَانَ حَقًّا مَالِيًّا مِنْ دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ أَمْ لَا لِيَشْمَلَ نَحْوَ حَقِّ زَوْجَةٍ اشْتَرَطَتْ عِنْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَحَلَّفَتْهُ بِالطَّلَاقِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا تُقْبَلُ نِيَّةُ الْحَالِفِ، وَالْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ الْمُحَلِّفِ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ اعْتَاضَ مِنْ حَقِّهِ هَذِهِ الْيَمِينَ، وَلَوْ قَالَ أَوْ حَلَفَ مُطْلَقًا فِي حَقٍّ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَحْسَنَ، وَأَشَارَ لِلْمُخَالَفَةِ الْبَعِيدَةِ جِدًّا بِقَوْلِهِ (لَا إرَادَةِ مَيِّتَةٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى سَمْنٍ (أَوْ) إرَادَةِ (كَذِبٍ فِي) قَوْلِهِ زَوْجَتِي (طَالِقٌ، وَ) أَمَتِي (حُرَّةٌ) ، وَقَالَ أَرَدْت الْمَيِّتَةَ فِيهِمَا أَوْ أَرَدْت الْمُطَلَّقَةَ أَوْ الْمُعْتَقَةَ (أَوْ) فِي قَوْلِهِ هِيَ (حَرَامٌ) ، وَقَالَ أَرَدْتُ الْكَذِبَ أَيْ أَرَدْت كَذِبَهَا حَرَامٌ فَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ أَيْ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ إرَادَةَ الْمَيِّتَةِ فِي قَوْلِهِ هِيَ طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ، وَلَا فِي دَعْوَاهُ إرَادَةَ حُرْمَةِ الْكَذِبِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ حَرَامٌ فِي طَلَاقٍ، وَعِتْقٍ بِمُرَافَعَةٍ بَلْ (وَإِنْ بِفَتْوَى) إلَّا لِقَرِينَةٍ تُصَدِّقُ دَعْوَاهُ.
(ثُمَّ) إنْ عُدِمَتْ النِّيَّةُ أَوْ لَمْ تُضْبَطْ خُصِّصَ، وَقُيِّدَ (بِسَاطُ يَمِينِهِ) ، وَهُوَ السَّبَبُ الْحَامِلُ عَلَى الْيَمِينِ إذْ هُوَ مَظِنَّةُ النِّيَّةِ فَلَيْسَ هُوَ انْتِقَالًا عَنْ النِّيَّةِ بَلْ هُوَ نِيَّةٌ ضِمْنًا مِثَالُهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ وَجَدَ الزِّحَامَ عَلَى الْمَجْزَرَةِ فَحَلَفَ لَا يَشْتَرِي اللَّيْلَةَ لَحْمًا فَوَجَدَ لَحْمًا دُونَ زِحَامٍ أَوْ انْفَكَّتْ الزَّحْمَةُ فَاشْتَرَاهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ سَمِعَ طَبِيبًا
ــ
[حاشية الدسوقي]
إنَّ الْوَاحِدَةَ هِيَ مُقْتَضَى لَفْظِهِ فَتُقْبَلُ نِيَّتُهُ. (قَوْلُهُ: أَيْ تُوثَقُ فِي حَقٍّ) الْمُرَادُ بِالتَّوَثُّقِ قَطْعُ النِّزَاعِ فَالْمَعْنَى إنْ اسْتَحْلَفَ لِأَجْلِ قَطْعِ نِزَاعٍ مُتَعَلِّقٍ بِحَقٍّ (قَوْلُهُ: مِنْ دَيْنٍ) كَأَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مِنْ بَيْعٍ فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِعِتْقِ عَبِيدِهِ أَوْ عَبْدِهِ فُلَانٍ مَا لَكَ عِنْدِي عَشَرَةٌ، وَيَنْوِي مِنْ قَرْضٍ (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ وَدِيعَةٌ فَيُنْكِرُ ذَلِكَ، وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ مَا لَهُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ، وَيَنْوِي حَاضِرَةً (قَوْلُهُ: فَلَا تُقْبَلُ نِيَّةُ الْحَالِفِ) أَيْ إذَا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا غَيْرَ مِصْرِيَّةٍ وَادَّعَى أَنَّهُ نَوَى أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا مِصْرِيَّةً.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِنِيَّةِ الْحَالِفِ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ لِذِي حَقٍّ فَالْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ الْمُحَلِّفِ فَلَا يَنْفَعُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْحَالِفِ كَمَا لَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ (قَوْلُهُ: فِي قَوْلِهِ زَوْجَتِي طَالِقٌ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ زَوْجَتُهُ طَالِقٌ، وَقَالَ أَرَدْت زَوْجَتِي الَّتِي مَاتَتْ قَبْلَ الْحَلِفِ أَوْ الَّتِي طَلَّقَتْهَا قَبْلَ الْحَلِفِ فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ تِلْكَ النِّيَّةُ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَمَتِي حُرَّةٌ، وَقَالَ أَرَدْت أَمَتِي الَّتِي مَاتَتْ مِنْ مُنْذُ مُدَّةٍ أَوْ الَّتِي أَعْتَقْتُهَا مِنْ مُنْذُ مُدَّةٍ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ تِلْكَ الْإِرَادَةُ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ هِيَ حَرَامٌ، وَقَالَ أَرَدْت أَنَّ كَذِبَهَا حَرَامٌ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ، وَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ فِي الزَّوْجَةِ وَالْعِتْقُ فِي الْأَمَةِ (قَوْلُهُ: لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ) أَيْ فَقَوْلُهُ فِي طَالِقٍ وَحُرَّةٍ رَاجِعٌ لِمَيْتَةٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ حَرَامٌ رَاجِعٌ لِلْكَذِبِ.
(قَوْلُهُ: فِي طَلَاقٍ) أَيْ إذَا قَالَ ذَلِكَ لِزَوْجَتِهِ، وَقَوْلُهُ، وَعِتْقٌ أَيْ إذَا قَالَ ذَلِكَ لِلْأَمَةِ، وَهَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ إرَادَةَ حُرْمَةِ الْكَذِبِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ حَرَامٌ (قَوْلُهُ: إلَّا لِقَرِينَةٍ تُصَدِّقُ دَعْوَاهُ) أَيْ فِي إرَادَةِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا، وَإِلَّا عَمِلَ عَلَيْهَا، وَمِثْلُهُ إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْكَذِبِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَمَلِ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ بَلْ بِهَا وَبِالْقَرِينَةِ.
(قَوْله ثُمَّ إنْ عُدِمَتْ النِّيَّةُ) أَيْ الصَّرِيحَةُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبِسَاطَ نِيَّةٌ حُكْمِيَّةٌ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ إنَّهُ تَحْوِيمٌ عَلَى النِّيَّةِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ تَضْبِطْ) أَيْ أَوْ لَمْ تَعْدَمْ النِّيَّةَ الصَّرِيحَةَ لَكِنَّ عَدَمَ ضَبْطِ الْحَالِفِ لَهَا.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ السَّبَبُ الْحَامِلُ عَلَى الْيَمِينِ) هَذَا تَعْرِيفٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي بِالْمَقَامِ، وَقَرِينَةِ السِّيَاقِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ سَبَبًا كَمَا فِي بَعْضِ الْأَمْثِلَةِ الْآتِيَةِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْبِسَاطَ يَجْرِي فِي جَمِيعِ الْأَيْمَانِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِاَللَّهِ أَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ بِعِتْقٍ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:
يَجْرِي الْبِسَاطُ فِي جَمِيعِ الْحَلِفْ
…
وَهُوَ الْمُثِيرُ لِلْيَمِينِ فَاعْرِفْ
إنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى وَزَالَ السَّبَبُ
…
وَلَيْسَ ذَا لِحَالِفٍ يَنْتَسِبُ
اهـ. وَقَوْلُهُ، وَهُوَ الْمُثِيرُ أَيْ السَّبَبُ الْحَامِلُ عَلَى الْيَمِينِ، وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى، وَأَمَّا إنْ نَوَى فِي مِثَالِ الشَّارِحِ لَا أَشْتَرِي لَحْمًا زَالَتْ الزَّحْمَةُ أَوْ بَقِيَتْ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إذَا اشْتَرَاهُ عِنْدَ زَوَالِ الزَّحْمَةِ، وَقَوْلُهُ وَزَالَ السَّبَبُ أَمَّا إنْ لَمْ يَزُلْ السَّبَبُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَقَوْلُهُ، وَلَيْسَ ذَا أَيْ السَّبَبُ يُنْتَسَبُ لِلْحَالِفِ أَيْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي نَفْعِ الْبِسَاطِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْحَالِفِ مَدْخَلٌ فِي السَّبَبِ الْحَامِلِ عَلَى الْيَمِينِ فَلَوْ تَنَازَعَ مَعَ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَحَلَفَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارِهِ ثُمَّ زَالَ النِّزَاعُ، وَاصْطَلَحَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي السَّبَبِ فَالْبِسَاطُ هُنَا غَيْرُ نَافِعٍ كَمَا أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ فِيمَا نَجَزَ بِالْفِعْلِ كَمَا لَوْ تَشَاجَرَتْ زَوْجَتُهُ مَعَ أَحَدٍ فَطَلَّقَهَا ثُمَّ زَالَتْ الْمُشَاجَرَةُ فَلَا يَرْتَفِعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ مُحَالٌ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُنَا السَّيِّدُ الْبُلَيْدِيُّ (قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ نِيَّةٌ ضِمْنًا) أَيْ فَعَطْفُهُ عَلَى النِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ تِلْكَ نِيَّةٌ صَرِيحَةٌ، وَهَذَا نِيَّةُ ضِمْنِيَّةٌ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْبِسَاطَ مِنْ بَابِ الْقَرَائِنِ فَهُوَ أَقْوَى مِنْ النِّيَّةِ الْمُخَالَفَةِ، وَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ أَنَّهُ تَحْوِيمٌ عَلَى النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ تَحْوِيمٌ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهَا، وَإِذَا عَلِمْت أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَرَائِنِ فَالْعَطْفُ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: لَا حِنْثَ عَلَيْهِ) أَيْ لَا فِي الْفَتْوَى، وَلَا فِي الْقَضَاءِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ كَكَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ الْبِسَاطِ، وَلَوْ مَعَ مُرَافَعَةٍ فِي طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ إلَّا أَنَّ الْمُفْتِيَ يُدَيِّنُ الْحَالِفُ فِي دَعْوَاهُ، وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ كَوْنِ الْحَالِفِ عِنْدَ وُجُودِ الْبِسَاطِ يَعْنِي بِأَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْمُرَافَعَةِ بِالْبِسَاطِ فَيَحْمِلُ -
يَقُولُ لَحْمُ الْبَقَرِ دَاءٌ فَحَلَفَ لَا آكُلُ لَحْمًا فَلَا يَحْنَثُ بِلَحْمِ ضَأْنٍ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْحَامِلَ كَوْنُهُ دَاءً، وَلَيْسَ الضَّأْنُ كَذَلِكَ فَيُخَصَّصُ لَفْظُهُ الْعَامُّ بِلَحْمِ الْبَقَرِ كَمَا يُقَيِّدُهُ شِرَاؤُهُ فِي الْأَوَّلِ بِوَقْتِ الزَّحْمَةِ.
(ثُمَّ) إنْ عُدِمَتْ النِّيَّةُ وَالْبِسَاطُ خُصِّصَ وَقُيِّدَ (عُرْفٌ قَوْلِيٌّ) أَيْ مَنْسُوبٌ إلَى الْقَوْلِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ إلَيْهِ الْقَوْلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَاخْتِصَاصِ الدَّابَّةِ عِنْدَهُمْ بِالْحِمَارِ وَالْمَمْلُوكِ بِالْأَبْيَضِ وَالثَّوْبِ بِالْقَمِيصِ فَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي مَا ذُكِرَ مَثَلًا فَاشْتَرِي فَرَسًا أَوْ أَسْوَدَ أَوْ عِمَامَةً فَلَا يَحْنَثُ
(ثُمَّ) بَعْدَمَا ذُكِرَ خُصِّصَ، وَقُيِّدَ (مَقْصِدٌ) أَيْ مَقْصُودٌ (لُغَوِيٌّ) أَيْ مَدْلُولٌ لُغَوِيٌّ فَمَنْ حَلَفَ لَا رَكِبَ دَابَّةً، وَلَا لَبِسَ ثَوْبًا، وَلَيْسَ لَهُمْ عُرْفٌ فِي دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَا ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ حَنِثَ بِرُكُوبِهِ التِّمْسَاحَ وَلُبْسِهِ الْعِمَامَةَ لِأَنَّهُ الْمَدْلُولُ اللُّغَوِيُّ، وَفِي كَوْنِهِ مِنْ الْمُخَصَّصِ أَوْ الْمُقَيَّدِ نَظَرٌ فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا مُطْلَقَ الْحَمْلِ.
(ثُمَّ) خُصِّصَ، وَقُيِّدَ بَعْدَ الْمَقْصِدِ اللُّغَوِيِّ مَقْصِدٌ (شَرْعِيٌّ) إنْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ صَاحِبَ شَرْعٍ فَمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي أَوْ لَا يَتَطَهَّرُ أَوْ لَا يُزَكِّي حَنِثَ بِالشَّرْعِيِّ لَا بِاللُّغَوِيِّ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ مِنْ تَأْخِيرِ الشَّرْعِيِّ عَنْ اللُّغَوِيِّ ضَعِيفٌ وَالرَّاجِحُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ.
، وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ مِنْ النِّيَّةِ وَمَا مَعَهَا شَرَعَ فِي فُرُوعٍ تَنْبَنِي عَلَى تِلْكَ الْأُصُولِ، وَهِيَ فِي نَفْسِهَا أَيْضًا أُصُولٌ، وَمِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ يَأْتِي بِالْبَاءِ لِلْحِنْثِ غَالِبًا وَبِلَا لِعَدَمِهِ فَقَالَ دَرْسٌ (وَحَنِثَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَلَا) لِيَمِينِهِ (بِسَاطٌ)
ــ
[حاشية الدسوقي]
عَلَيْهِ حِينَئِذٍ كَانَتْ يَمِينُهُ مِمَّا يَنْوِي فِيهِ أَمْ لَا، وَأَمَّا إنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِالْيَمِينِ، وَادَّعَى هُوَ الْبِسَاطَ فَلَا يَعْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُرَافَعَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِهَذَا التَّفْصِيلِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ طفى (قَوْلُهُ: يَقُولُ لَحْمُ الْبَقَرِ دَاءٌ إلَخْ) أَيْ، وَكَذَا إذَا قِيلَ لَهُ أَنْتَ تُزَكِّي النَّاسَ لِأَجْلِ شَيْءٍ تَأْخُذُهُ مِنْهُمْ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يُزَكِّي، وَلَا نِيَّةَ فَلَا يَحْنَثُ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ مَالِهِ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِتَزْكِيَتِهِ لِلنَّاسِ، وَمِنْ جُمْلَةِ أَمْثِلَتِهِ كَمَا فِي المج أَنْ يَحْلِفَ لَيَشْتَرِيَنَّ دَارَ فُلَانٍ فَلَمْ يَرْضَ رَبُّهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا فَأَقْوَى الْقَوْلَيْنِ عَدَمُ الْحِنْثِ كَمَا فِي ح، وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَيَبِيعَنَّ فَأَعْطَى دُونَ الثَّمَنِ، وَمِنْ جُمْلَةِ أَمْثِلَتِهِ كَمَا فِي الْبَدْرِ الْقَرَافِيِّ مَا إذَا حَلَفَ أَنَّ زَوْجَتَهُ لَا تَعْتِقُ أَمَتَهَا، وَكَانَتْ أَعْتَقَتْهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ لَمْ يَحْلِفْ، وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ يَنْطِقُ بِمِثْلِ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ زَوْجَتُهُ فَقَالَتْ أَنْتَ طَالِقٌ فَلَا يُحَاكِيهَا، وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَتْ زَوْجَةُ أَمِيرٍ أَنَّهَا لَا تَسْكُنُ بَعْدَ مَوْتِهِ دَارَ الْإِمَارَةِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ أَمِيرًا آخَرَ فَأَسْكَنَهَا بِهَا لَمْ تَحْنَثْ؛ لِأَنَّ بِسَاطَ يَمِينِهَا انْحِطَاطُ دَرَجَتِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ، وَمِنْهَا مَنْ ضَاعَ صَكُّهُ فَقَالَ لِلشُّهُودِ اُكْتُبُوا لِي غَيْرَهُ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ لَا يَعْلَمُهُ فِي مَوْضِعٍ، وَلَا هُوَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ فِي بَيْتِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ عَمَلًا بِمُقْتَضَى لَفْظِهِ بَلْ هَذَا مِنْ الْبِسَاطِ عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا ثُمَّ وَجَدَ فِي حِجْرِ زَوْجَتِهِ شَيْئًا مَسْتُورًا فَقَالَتْ لَا أُرِيكَهُ حَتَّى تَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ لَتَأْكُلَنَّ مِنْهُ فَحَلَفَ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ الَّذِي فِي حِجْرِهَا بَيْضًا، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ بِسَاطَ يَمِينِهِ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ الْأَكْلِ مَانِعٌ؛ وَلِأَنَّ عِلْمَهُ بِالْيَمِينِ الْأَوَّلِ يَتَضَمَّنُ نِيَّةَ إخْرَاجِهِ.
(قَوْلُهُ: خَصَّصَ، وَقَيَّدَ عُرْفٌ قَوْلِيٌّ) أَيْ مَدْلُولٌ مُتَعَارَفٌ مِنْ الْقَوْلِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ غَالِبُ قَصْدِ الْحَالِفِ وَاحْتُرِزَ بِالْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ مِنْ الْفِعْلِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُخَصِّصُ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا وَالْحَالُ أَنَّ الْخُبْزَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُخْبَزُ فَإِذَا كَانَ بَلَدُ الْحَالِفِ لَا يَأْكُلُونَ إلَّا الشَّعِيرَ فَأَكْلُ الشَّعِيرِ عِنْدَهُمْ عُرْفٌ فَعَلَيَّ فَلَا يُعْتَبَرُ مُخَصِّصًا فَإِذَا أَكَلَ الْحَالِفُ خُبْزَ الْقَمْحِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَفِي التَّوْضِيحِ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ فَقَدْ تَبِعَ فِيهِ الْقَرَافِيَّ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ ظَاهِرَ مَسَائِلِ الْفُقَهَاءِ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ وَإِنْ كَانَ فِعْلِيًّا وَنَقَلَ الْوَانُّوغِيُّ عَنْ الْبَاجِيَّ أَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ الْعُرْفَ الْفِعْلِيَّ يُعْتَبَرُ مُخَصِّصًا، وَمُقَيِّدًا قَالَ وَبِهِ يُرَدُّ مَا زَعَمَهُ الْقَرَافِيُّ وَصَرَّحَ اللَّخْمِيُّ بِاعْتِبَارِهِ أَيْضًا، وَفِي الْقَلْشَانِيِّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَوْلِيِّ وَالْفِعْلِيِّ فِي ظَاهِرِ مَسَائِلِ الْفُقَهَاءِ (قَوْلُهُ: لَا يَشْتَرِي مَا ذُكِرَ) أَيْ دَابَّةً أَوْ مَمْلُوكًا أَوْ ثَوْبًا
(قَوْلُهُ: وَلَا ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ إلَخْ) بَلْ لَفْظُ الدَّابَّةِ يُطْلَقُ عِنْدَهُمْ عَلَى مَعْنَاهُ لُغَةً، وَهُوَ كُلُّ مَا دَبَّ عَلَى الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ يُطْلَقُ عِنْدَهُمْ عَلَى مَعْنَاهُ لُغَةً، وَهُوَ كُلُّ مَا يُلْبَسُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ حِينَئِذٍ بِرُكُوبِهِ، وَلَوْ لِتِمْسَاحٍ وَلُبْسِهِ وَلَوْ لِعِمَامَةٍ. اهـ. وَمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي، وَلَفْظُ الصَّلَاةِ إنَّمَا يُطْلَقُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالدُّعَاءِ إذْ هُوَ الصَّلَاةُ لُغَةً، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْعُرْفَ الْقَوْلِيَّ عَلَى الْمَقْصَدِ اللُّغَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْقَوْلِيَّ بِمَنْزِلَةِ النَّاسِخِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ النَّاسِخَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَنْسُوخِ (قَوْلُهُ: فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا مُطْلَقَ الْحَمْلِ) أَيْ فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِكَوْنِ الْمَقْصَدِ اللُّغَوِيِّ مُخَصِّصًا، وَمُقَيِّدًا أَنَّ اللَّفْظَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ ذَلِكَ تَخْصِيصًا، وَلَا تَقْيِيدًا حَقِيقَةً.
(قَوْلُهُ: بَعْدَ الْمَقْصَدِ اللُّغَوِيِّ) أَيْ بَعْدَ وُجُودِهِ، وَعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بَعْدَ عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصَدَ اللُّغَوِيَّ لَا يُعْدَمُ، وَيُوجَدُ الشَّرْعِيُّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعِيَّ إمَّا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ اللُّغَوِيِّ أَوْ مُرَادِفٌ لَهُ كَمَا فِي الظُّلَمِ فَإِنَّهُ تَجَاوُزُ الْحَدِّ فِي كُلٍّ مِنْ اللُّغَةِ، وَعُرْفِ الشَّرْعِ لَا يُقَالُ الْمَدْلُولُ الشَّرْعِيُّ مَدْلُولٌ عُرْفِيٌّ فَيَتَكَرَّرُ مَعَ الْمَدْلُولِ الْعُرْفِيِّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَدْلُولُ الْعُرْفِيُّ يُطْلَقُ عَلَى الْعُرْفِيِّ الْخَاصِّ، وَهُوَ مَا تَعَيَّنَ نَاقِلُهُ كَالشَّرْعِيِّ وَاللُّغَوِيِّ، وَعَلَى الْعُرْفِيِّ الْعَامِّ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَتَعَيَّنْ نَاقِلُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: وَالرَّاجِحُ تَقْدِيمُهُ) أَيْ الْمَقْصِدُ الشَّرْعِيُّ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى
(بِفَوْتٍ) أَيْ تَعَذُّرٍ (مَا حَلَفَ عَلَيْهِ) لِغَيْرِ مَانِعٍ بَلْ (وَلَوْ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ) كَحَيْضٍ لِمَنْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّهَا اللَّيْلَةَ وَحَمَلَ مِنْهُ لِمَنْ حَلَفَ لَيَبِيعَنَّهَا (أَوْ) لِمَانِعٍ عَادِيٍّ كَغَصْبٍ أَوْ (سَرِقَةٍ) لِحَيَوَانٍ حَلَفَ لَيَذْبَحَنَّهُ أَوْ ثَوْبٍ حَلَفَ لَيَلْبَسَنَّهُ أَوْ طَعَامٍ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّهُ، وَهَكَذَا وَمَحِلُّ الْحِنْثِ إنْ لَمْ يُقَيَّدْ بِإِمْكَانِ الْفِعْلِ، وَإِلَّا فَلَا (لَا) يَحْنَثُ لِمَانِعٍ عَقْلِيٍّ فَلَا يَحْنَثُ (بِكَمَوْتِ حَمَامٍ فِي) حَلِفِهِ (لَيَذْبَحَنَّهُ) فَمَاتَ عَقِبَ الْيَمِينِ أَوْ تَأَخَّرَ بِلَا تَفْرِيطٍ، وَإِلَّا حَنِثَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُوَقِّتْ فَإِنْ وَقَّتَ بِشَهْرٍ مَثَلًا فَمَاتَ فِيهِ فَلَا حِنْثَ مَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ، وَيُفَرِّطُ وَالْكَافُ يُقَدَّرُ دُخُولُهَا عَلَى حَمَامٍ أَيْضًا فَيَشْمَلُ الْمَوْتُ الْحَرْقَ وَنَحْوَهُ، وَيَشْمَلُ الْحَمَامُ الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ، وَيَشْمَلُ الذَّبْحُ اللُّبْسَ وَنَحْوَهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَانِعَ الشَّرْعِيَّ يَحْنَثُ بِهِ، وَلَوْ تَقَدَّمَ عَلَى الْيَمِينِ أَقَّتَ أَمْ لَا فَرَّطَ أَمْ لَا لَكِنَّ هَذَا التَّعْمِيمَ إنَّمَا يَتِمُّ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَانِعُ الشَّرْعِيُّ لَا يَزُولُ كَحَمْلِ جَارِيَةٍ فِي لَيَبِيعَنَّهَا وَالْعَفْوُ فِي الْقِصَاصِ لَا فِي نَحْوِ الْحَيْضِ، وَأَمَّا الْعَادِيُّ وَالْعَقْلِيُّ فَإِنْ تَقَدَّمَا عَلَى الْيَمِينِ فَلَا حِنْثَ مُطْلَقًا أَقَّتَ أَمْ لَا فَرَّطَ أَمْ لَا، وَأَمَّا إنْ تَأَخَّرَ فَالْعَادِيُّ يَحْنَثُ فِيهِ مُطْلَقًا، وَالْعَقْلِيُّ يَحْنَثُ فِيهِ إنْ لَمْ يُؤَقِّتْ، وَفَرَّطَ لَا إنْ بَادَرَ أَوْ أَقَّتَ.
(وَ) حَنِثَ الْحَالِفُ (بِعَزْمِهِ عَلَى ضِدِّهِ) أَيْ ضِدِّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ كَوَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ ثُمَّ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ وَهَذَا فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ الْمُطْلَقِ كَمَا مَثَّلْنَا، وَأَمَّا الْمُؤَجَّلُ أَوْ الْبِرُّ
ــ
[حاشية الدسوقي]
اللُّغَوِيِّ بَلْ الَّذِي فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ وَاَلَّذِي فِي الْمَوَّاقِ تَقْدِيمُ الْمَقْصِدِ الشَّرْعِيِّ عَلَى الْعُرْفِيِّ وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ مَيَّارَةُ. اهـ. بْن.
(قَوْلُهُ: بِفَوْتِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لِغَيْرِ مَانِعٍ) أَيْ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّ اللَّيْلَةَ فَتَرَكَهُ اخْتِيَارًا حَتَّى فَاتَتْ اللَّيْلَةُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِمَانِعٍ إلَخْ) رُدَّ بِلَوْ فِي الشَّرْعِيِّ عَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ، وَعَلَى سَحْنُونٍ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْأَمَةِ، وَفِي الْعَادِيِّ عَلَى نَقْلِ الشَّيْخِ عَنْ أَشْهَبَ مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ (قَوْلُهُ: لِمَنْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّهَا اللَّيْلَةَ) فَبَانَ بِهَا حَيْضٌ يَحْنَثُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْبَغَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِمَنْ حَلَفَ لَيَبِيعَنَّهَا) فَبَانَ بِهَا حَمْلٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ الْحِنْثِ إنْ لَمْ يُقَيِّدْ إلَخْ) أَيْ إنَّ الْحِنْثَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي فَاتَ فِيهَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ أَوْ عَادِيٍّ مَحَلُّهُ إذَا أَطْلَقَ الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِإِمْكَانِ الْفِعْلِ، وَلَا بِعَدَمِهِ، وَأَوْلَى لَوْ قَيَّدَ بِالْإِطْلَاقِ كَمَا لَوْ قَالَ لَأَفْعَلَنَّهُ مُطْلَقًا قَدَرْت عَلَى الْفِعْلِ أَوْ لَا أَمَّا إنْ قَيَّدَ بِإِمْكَانِ الْفِعْلِ فَلَا حِنْثَ بِفَوَاتِهِ (قَوْلُهُ: لَا يَحْنَثُ لِمَانِعٍ عَقْلِيٍّ) مِنْ جُمْلَةِ أَمْثِلَتِهِ مَا إذَا حَلَفَ ضَيْفٌ عَلَى رَبِّ دَارٍ أَنَّهُ لَا يَذْبَحُ لَهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ ذَبَحَ لَهُ أَوْ حَلَفَ لَيَفْتَضَّنَّ زَوْجَتَهُ فَوَجَدَ عُذْرَتَهَا سَقَطَتْ فَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ وَتَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ عَقْلًا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا حَنِثَ) أَيْ، وَإِلَّا بِأَنْ فَرَّطَ حَتَّى فَاتَ حَنِثَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحِنْثِ مَعَ التَّفْرِيطِ إذَا لَمْ يُوَقِّتْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إذَا فَاتَ لِمَانِعٍ عَقْلِيٍّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ قَدْ عَيَّنَ وَقْتًا لِفِعْلِهِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَّتَ، وَفَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَحْنَثْ إنْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ، وَيُفَرِّطُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُوَقِّتْ فَلَا حِنْثَ إنْ حَصَلَ الْمَانِعُ عَقِبَهُ أَوْ تَأَخَّرَ بِلَا تَفْرِيطٍ فَإِنْ فَرَّطَ مَعَ التَّأْخِيرِ حَتَّى فَاتَ فَالْحِنْثُ (قَوْلُهُ: فَيَشْمَلُ الْمَوْتَ وَنَحْوَهُ) أَيْ كَالْحَرْقِ فَإِذَا حَلَفَ لَيَلْبَسَنَّ هَذَا الثَّوْبَ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَأَخَذَهُ مِنْهُ إنْسَانٌ وَحَرَقَهُ حَتَّى صَارَ رَمَادًا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ حَيْثُ وَقَّتَ مَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ وَيُفَرِّطْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُوَقِّتْ فَلَا حِنْثَ إلَّا أَنْ يُفَرِّطَ. (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ إلَخْ) قَدْ نَظَمَ ذَلِكَ عج بِقَوْلِهِ
إذَا فَاتَ مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ لِمَانِعٍ
…
فَإِنْ كَانَ شَرْعِيًّا فَحِنْثُهُ مُطْلَقَا
كَعَقْلِيٍّ أَوْ عَادِيٍّ إنْ يَتَأَخَّرَا
…
وَفَرَّطَ حَتَّى فَاتَ دَامَ لَك الْبَقَا
وَإِنْ أَقَّتَ أَوْ قَدْ كَانَ مِنْهُ تَبَادُرٌ
…
فَحِنْثُهُ بِالْعَادِي لَا غَيْرُ مُطْلَقَا
وَإِنْ كَانَ كُلٌّ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُمَا
…
فَلَا حِنْثَ فِي حَالٍ فَخُذْهُ مُحَقَّقَا
(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَقَدَّمَ عَلَى الْيَمِينِ) اُنْظُرْ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ التَّفْرِيطُ فِي الْمَانِعِ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَدْ يُقَالُ تَفْرِيطُهُ بِإِمْكَانِ الْكَشْفِ عَنْهُ قَرِيبًا فَتَرَكَهُ وَحَلَفَ (قَوْلُهُ: وَالْعَفْوُ فِي الْقِصَاصِ) كَمَا لَوْ حَلَفَ إنْسَانٌ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ أَنَّهُ لَيَقْتَصَّنَّ مِنْ الْجَانِي فَعَفَا عَنْهُ بَعْضٌ آخَرُ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَفَا عَنْهُ قَبْلَ الْحَلِفِ (قَوْلُهُ: لَا فِي نَحْوِ الْحَيْضِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ مُقَيَّدٌ كَمَا فِي النَّقْلِ بِمَا إذَا حَلَفَ لَيَطَأَنَّهَا اللَّيْلَةَ أَيْ فَبَانَ أَنَّهَا حَائِضٌ أَوْ طَرَأَ لَهَا الْحَيْضُ بَعْدَ الْيَمِينِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَبْلَ وَطْئِهَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِاللَّيْلَةِ فَلَا يَحْنَثُ بِحَيْضِهَا بَلْ يَنْتَظِرُ طُهْرَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَيَطَؤُهَا حِينَئِذٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي بْن وطفى خِلَافًا لِمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ عبق مِنْ الْحِنْثِ مُطْلَقًا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَبِعَزْمِهِ عَلَى ضِدِّهِ) ظَاهِرُهُ تَحَتُّمُ الْحِنْثِ بِذَلِكَ، وَهُوَ طَرِيقَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ شَاسٍ فِي الْجَوَاهِرِ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْقَرَافِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ غَايَةُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْحَالِفَ بِصِيغَةِ الْحِنْثِ الْمُطْلَقِ لَهُ تَحْنِيثُ نَفْسِهِ بِالْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ، وَيُكَفِّرُ، وَلَا يَتَحَتَّمُ الْحِنْثُ إلَّا بِفَوَاتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِيَمِينِهِ، وَيَبْطُلُ الْعَزْمُ كَمَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ فَعَلَيَّ كَذَا ثُمَّ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الزَّوَاجِ فَلَهُ الرُّجُوعُ لِلزَّوَاجِ، وَإِبْطَالُ عَزْمِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِمَّا حَلَفَ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَحْلُوفُ بِهِ طَلَاقًا، وَإِلَّا لَزِمَهُ بِمُجَرَّدِ -
فَلَا حِنْثَ بِالْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ.
(وَ) حَنِثَ (بِالنِّسْيَانِ) أَيْ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ نِسْيَانًا (إنْ أَطْلَقَ) فِي يَمِينِهِ وَلَمْ يَقُلْ لَا أَفْعَلُهُ مَا لَمْ أَنْسَ، وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ بِالنِّسْيَانِ، وَمِثْلُ النِّسْيَانِ الْخَطَأُ وَالْغَلَطُ فَمَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُهُ أَوْ حَلَفَ لَا أَذْكُرُ فُلَانًا فَأَرَادَ ذِكْرَ غَيْرِهِ فَجَرَى ذِكْرُهُ عَلَى لِسَانِهِ غَلَطًا حَنِثَ فَمُتَعَلَّقُ الْخَطَأِ الْجَنَانُ، وَمُتَعَلَّقُ الْغَلَطِ اللِّسَانُ لَكِنْ فِي الْحِنْثِ بِالْغَلَطِ نَظَرٌ.
(وَ) حَنِثَ (بِالْبَعْضِ) فَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَغِيفًا فَأَكَلَ بَعْضَهُ، وَلَوْ لُقْمَةً حَنِثَ، وَهَذَا فِي صِيغَةِ الْبِرِّ، وَلَوْ قَيَّدَ بِالْكُلِّ، وَأَمَّا فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ فَلَا يَبَرُّ بِفِعْلِ الْبَعْضِ فَمَنْ حَلَفَ لَآكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ، وَإِنْ لَمْ آكُلْهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَبَرُّ بِأَكْلِ بَعْضِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (عَكْسُ الْبِرِّ) أَيْ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ.
(وَ) حَنِثَ (بِسَوِيقٍ أَوْ لَبَنٍ) أَيْ بِشُرْبِهِمَا (فِي) حَلِفِهِ (لَا آكُلُ) طَعَامًا فِي هَذَا الْيَوْمِ أَوْ لِفُلَانٍ؛ لِأَنَّ شُرْبَهُمَا أَكْلٌ شَرْعًا وَلُغَةً، وَهَذَا إنْ قَصَدَ التَّضْيِيقَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنْ يُدْخِلَ فِي بَطْنِهِ طَعَامًا إذْ هُمَا مِنْ الطَّعَامِ فَإِنْ قَصَدَ الْأَكْلَ دُونَ الشُّرْبِ فَلَا حِنْثَ (لَا) بِشُرْبِ (مَاءٍ) ، وَلَوْ مَاءَ زَمْزَمَ فَلَا يَحْنَثُ إذْ هُوَ لَيْسَ بِطَعَامٍ عُرْفًا، وَإِنْ كَانَ مَاءُ زَمْزَمَ طَعَامًا شَرْعًا، وَالْعُرْفُ يُقَدَّمُ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) لَا يَحْنَثُ (بِتَسَحُّرٍ فِي) حَلِفِهِ (لَا أَتَعَشَّى) مَا لَمْ يَقْصِدْ تَرْكَ الْأَكْلِ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ
(وَ) لَا يَحْنَثُ فِي (ذَوْقٍ) لِشَيْءٍ حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ أَوْ لَا يَشْرَبُهُ إذَا
ــ
[حاشية الدسوقي]
الْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ وَتَحْنِيثِ نَفْسِهِ، وَلَا يَتَأَتَّى لَهُ الرُّجُوعُ اُنْظُرْ حَاشِيَةَ مج وَاخْتَارَ طفى هَذِهِ الطَّرِيقَةَ اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: فَلَا حِنْثَ بِالْعَزْمِ عَلَى الضِّدِّ) أَيْ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِعَدَمِ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إذَا فَاتَ الْأَجَلُ وَبِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَى تَرْكِهِ.
(قَوْلُهُ: وَحَنِثَ بِالنِّسْيَانِ) أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَالسُّيُورِيِّ وَجَمْعٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ حَيْثُ قَالُوا بِعَدَمِ الْحِنْثِ بِالنِّسْيَانِ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ كَذَا فِي الْبَدْرِ الْقَرَافِيِّ (قَوْلُهُ: أَيْ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ نِسْيَانًا) أَيْ فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ فِي غَدٍ فَأَكَلَ فِيهِ نِسْيَانًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَصُومَنَّ غَدًا فَأَصْبَحَ صَائِمًا فَأَكَلَ نَاسِيًا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ كَمَا فِي سَمَاعِ عِيسَى، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى الصَّوْمِ، وَقَدْ وُجِدَ وَاَلَّذِي فَعَلَهُ نِسْيَانًا هُوَ الْأَكْلُ، وَهَذَا الْأَكْلُ غَيْرُ مُبْطِلٍ لِصَوْمِهِ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ فِي التَّطَوُّعِ لَا يُبْطِلُهُ، وَهَذَا الصَّوْمُ تَطَوُّعٌ بِحَسَبِ الْأَصْلِ فَلَمَّا لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ لَمْ يَحْنَثْ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ أَنْسَ) أَيْ أَوْ لَا أَفْعَلُهُ عَمْدًا، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَا أَفْعَلُهُ عَمْدًا، وَلَا نِسْيَانًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: فَمَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا) هَذَا مِثَالُ لِلْخَطَإِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَهَا مُعْتَقِدًا أَنَّهَا غَيْرُهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْخَطَإِ أَيْضًا مَا إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ مِنْهُ دَرَاهِمَ فَتَنَاوَلَ مِنْهُ ثَوْبًا فَتَبَيَّنَ أَنَّ فِيهِ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَقِيلَ بِعَدَمِ الْحِنْثِ، وَقِيلَ بِالْحِنْثِ إنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ فِيهِ دَرَاهِمَ قِيَاسًا عَلَى السَّرِقَةِ، وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ اُنْظُرْ ح (قَوْلُهُ: لَكِنَّ فِي الْحِنْثِ بِالْغَلَطِ) أَيْ اللِّسَانِيِّ نَظَرٌ، وَالصَّوَابُ عَدَمُ الْحِنْثِ فِيهِ، وَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ مِنْ الْحِنْثِ بِالْغَلَطِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْغَلَطُ الْجَنَانِيُّ الَّذِي هُوَ الْخَطَأُ كَحَلِفِهِ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا فَكَلَّمَهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ عَمْرٌو، وَكَحَلِفِهِ لَا أَذْكُرُ فُلَانًا فَذَكَرَهُ لِظَنِّهِ أَنَّهُ غَيْرُ الِاسْمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ اُنْظُرْ بْن.
(قَوْلُهُ: وَبِالْبَعْضِ) أَيْ وَحَنِثَ بِالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ ذِي أَجْزَاءٍ بِفِعْلِ الْبَعْضِ مِنْهُ فَمَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ رَغِيفًا حَنِثَ بِأَكْلِ لُقْمَةٍ مِنْهُ، وَمَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ حَنِثَ بِإِدْخَالِ طَوْقِهِ فِي عُنُقِهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي حَنِثَ بِالْإِحْرَامِ أَوْ لَا يَصُومُ حَنِثَ بِالْإِصْبَاحِ نَاوِيًا، وَلَوْ أَفْسَدَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِمَا بَلْ فِي ح إنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَنِثَ بِوَضْعِ رِجْلِهِ فِي الرِّكَابِ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَى الدَّابَّةِ حَيْثُ اسْتَقَلَّ عَنْ الْأَرْضِ، وَإِنْ حَلَفَ إنْ وَضَعْت مَا فِي بَطْنِك فَوَضَعَتْ وَاحِدًا وَبَقِيَ وَاحِدٌ حَنِثَ بِوَضْعِ أَحَدِهِمَا قَالَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَطَؤُهَا حَنِثَ بِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ، وَقِيلَ بِالْإِنْزَالِ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا فِي هَذَا الْبَعْضِ كَأَنَّهُ لِتَعْوِيلِ الشَّارِعِ فِي أَحْكَامِ الْوَطْءِ عَلَى مَغِيبِ الْحَشَفَةِ، وَلَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ لَمْ يَحْنَثْ بِإِدْخَالِ رَأْسِهِ بِخِلَافِ رِجْلِهِ وَالْأَظْهَرُ إنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا اُنْظُرْ الْبَدْرَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَيَّدَ بِالْكُلِّ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَا آكُلُ كُلَّ الرَّغِيفِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَاسْتَشْكَلَ هَذَا بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ إفَادَةِ كُلٍّ لِلْكُلِّيَّةِ مَحَلُّهُ مَا لَمْ تَقَعْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ، وَإِلَّا لَمْ تَسْتَغْرِقْ غَالِبًا بَلْ يَكُونُ الْمَقْصُودُ نَفْيَ الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الصَّادِقِ بِثُبُوتِ الْبَعْضِ كَقَوْلِهِ:
مَا كُلُّ مَا يَتَمَنَّى الْمَرْءُ يُدْرِكُهُ
…
تَجْرِي الرِّيَاحُ بِمَا لَا تَشْتَهِي السُّفُنُ
، وَمِنْ هُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ اسْتِغْرَاقُهَا نَحْوُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 23] فَتَأَمَّلْهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ رَوْعِي فِي هَذَا الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ الْوَجْهُ الْقَلِيلُ حَيْثُ لَا نِيَّةَ، وَلَا بِسَاطَ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ يَقَعُ بِأَدْنَى وَجْهٍ فَتَأَمَّلْهُ.
(قَوْلُهُ: عَكْسُ الْبِرِّ) أَيْ إذَا كَانَتْ الصِّيغَةُ صِيغَةَ حِنْثٍ وَحَلِفٍ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ ذِي أَجْزَاءٍ فَلَا يَبَرُّ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْأَكْلِ فَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ الْأَكْلِ فَلَا يَبَرُّ الْحَالِفُ إلَّا بِأَكْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ثَلَاثَ لُقَمٍ فَأَكْثَرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَلِفُ عَلَيْهِ فِي آخِرِ أَكْلِهِ فَلَا يَبَرُّ الْحَالِفُ إلَّا بِشِبَعٍ مِثْلِهِ.
(قَوْلُهُ: لَا بِشُرْبِ مَاءٍ) أَيْ لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِ مَاءٍ فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ طَعَامًا فِي هَذَا الْيَوْمِ أَوْ لِفُلَانٍ (قَوْلُهُ: وَالْعُرْفُ يُقَدَّمُ) أَيْ وَالْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَقْصَدِ الشَّرْعِيِّ هَذَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَاءَ زَمْزَمَ طَعَامٌ شَرْعًا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا وَرَدَ فِيهِ أَنَّهُ لِمَا شُرِبَ لَهُ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ قِيَامِهِ قِيَامَ الطَّعَامِ أَنْ يَكُونَ طَعَامًا بَلْ هُوَ مَاءٌ مُطْلَقٌ
(لَمْ يَصِلْ) الذَّوَاقُ بِمَعْنَى الْمَذُوقِ (جَوْفَهُ) ، وَإِلَّا حَنِثَ
(وَبِوُجُودِ) دَرَاهِمَ (أَكْثَرَ) مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ (فِي) حَلِفِهِ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا لَا لَغْوَ فِيهِ (لَيْسَ مَعِي غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْقَدْرِ الْمُسَمَّى كَعَشَرَةٍ (لِمُتَسَلِّفٍ) أَوْ سَائِلٍ أَوْ مُقْتَضٍ لِحَلِفِهِ، وَأَمَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ فَلَغْوٌ، وَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الْيَقِينِ قَرِيبًا (لَا) بِوُجُودِ (أَقَلَّ) عَدَدًا أَوْ وَزْنًا، وَلَوْ فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ اتِّفَاقًا إذْ الْمُرَادُ لَيْسَ مَعِي مَا يَزِيدُ عَلَى مَا حَلَفْت عَلَيْهِ.
(وَبِدَوَامِ رُكُوبِهِ) لِدَابَّةٍ (وَ) دَوَامِ (لُبْسِهِ) لِثَوْبٍ وَسُكْنَاهُ دَارًا مَعَ إمْكَانِ التَّرْكِ (فِي) حَلِفِهِ (لَا أَرْكَبُ، وَأَلْبَسُ) وَأَسْكُنُ مَا ذُكِرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّوَامَ كَالِابْتِدَاءِ (لَا) يَحْنَثُ بِالدَّوَامِ (فِي) حَلِفِهِ عَلَى (كَدُخُولٍ) لِدَارٍ مَثَلًا حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا، وَهُوَ مَاكِثٌ فِيهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ، وَهُوَ دَاخِلٌ وَاسْتَمَرَّ دَاخِلًا فَيَحْنَثُ (وَ) حَنِثَ (بِدَابَّةِ عَبْدِهِ) أَيْ عَبْدِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَيَشْمَلُ عَبْدَ نَفْسِهِ إنْ حَلَفَ لَا أَرْكَبُ دَابَّتِي (فِي) حَلِفِهِ عَلَى (دَابَّتِهِ) لَا يَرْكَبُهَا إذْ مَالُ الْعَبْدِ مَالٌ لِلسَّيِّدِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلِذَا لَا يَحْنَثُ بِدَابَّةِ وَلَدِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ اعْتِصَارُهَا وَرَجَحَ الْحِنْثُ حِينَئِذٍ.
(وَبِجَمْعِ الْأَسْوَاطِ) وَضَرْبِهِ بِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً (فِي) حَلِفِهِ لِعَبْدِهِ مَثَلًا (لَأَضْرِبَنَّهُ كَذَا) عِشْرِينَ سَوْطًا مَثَلًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَبَرُّ بِذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ فِي الْبِرِّ مِنْ ضَرْبِهِ بِالسَّوْطِ الْعَدَدَ مُتَفَرِّقًا عَلَى الْعَادَةِ وَلَا يُحْتَسَبُ بِالضَّرْبَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ جَمْعِهَا حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا إيلَامٌ كَإِيلَامِ الْمُنْفَرِدَةِ، وَإِلَّا حُسِبَتْ وَاحِدَةً.
(وَ) حَنِثَ (بِلَحْمِ الْحُوتِ) وَالطَّيْرِ لِصِدْقِ اللَّحْمِ عَلَيْهِمَا (وَ) حَنِثَ بِأَكْلِ (بَيْضِهِ) أَيْ بَيْضِ الْحُوتِ بِمَعْنَى مَا يَبِيضُ مِنْ الْحَيَوَانِ الْبَحْرِيِّ كَالتُّرْسِ وَالتِّمْسَاحِ (وَ) حَنِثَ بِأَكْلِهِ (عَسَلَ الرُّطَبِ فِي) حَلِفِهِ عَلَى (مُطْلَقِهَا) أَيْ مُطْلَقِ اللَّحْمِ وَالْبَيْضِ وَالْعَسَلِ بِأَنْ قَالَ لَا آكُلُ لَحْمًا أَوْ بَيْضًا أَوْ عَسَلًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ أَوْ بِسَاطٍ.
(وَ) حَنِثَ (بِكَعْكٍ وَخُشْكَنَانٍ) ، بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَكَسْرِ الْكَافِ كَعْكٌ مَحْشُوٌّ بِكُسَّرٍ (وَهَرِيسَةٍ، وَإِطْرِيَةٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتِيَّةِ قِيلَ هِيَ مَا تُسَمَّى فِي زَمَانِنَا بِالشِّعْرِيَّةِ، وَقِيلَ مَا يُسَمَّى بِالرِّشْتَةِ (فِي) حَلِفِهِ عَلَى تَرْكِ أَكْلِ (خُبْزٍ) قَالُوا، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يَجْرِي عَلَى عُرْفِ زَمَانِنَا وَالْجَارِي عَلَيْهِ عَدَمُ الْحِنْثِ بِمَا ذُكِرَ (لَا) يَحْنَثُ فِي (عَكْسِهِ) ، وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْخَاصَّةِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْخُبْزِ.
(وَ) حَنِثَ (بِضَأْنٍ، وَمَعْزٍ) أَيْ بِأَكْلِهِ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
ــ
[حاشية الدسوقي]
(قَوْلُهُ: لَمْ يَصِلْ جَوْفَهُ) أَيْ، وَلَوْ وَصَلَ لِحَلْقِهِ
(قَوْلُهُ: وَبِوُجُودِ أَكْثَرَ) أَيْ كَمَا لَوْ سَأَلَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا عَشَرَةٌ مُعْتَقِدًا ذَلِكَ فَوَجَدَ مَا مَعَهُ أَحَدَ عَشَرَ فَيَحْنَثُ حَيْثُ كَانَتْ الْيَمِينُ لَا لَغْوٌ فِيهَا بِأَنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مِمَّا يَنْفَعُ فِيهَا اللَّغْوُ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ فَلَا حِنْثَ، وَأَمَّا لَوْ وَجَدَ مَعَهُ أَقَلَّ مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ فَلَا حِنْثَ سَوَاءٌ كَانَ يَمِينُهُ مِمَّا يَنْفَعُ فِيهِ اللَّغْوُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَيْسَ مَعِي غَيْرُهُ لَيْسَ مَعِي مَا يَزِيدُ عَلَى مَا حَلَفْت عَلَيْهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بِسَاطُ يَمِينِهِ.
(قَوْلُهُ: وَبِدَوَامِ رُكُوبِهِ) أَيْ، وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ حَيْثُ أَطْلَقَ بَلْ، وَلَوْ لَحْظَةً (قَوْلُهُ: فِي حَلِفِهِ لَا أَرْكَبُ، وَلَا أَلْبَسُ) أَيْ، وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ لَأَرْكَبَنَّ، وَأَلْبَسَنَّ بَرَّ بِدَوَامِ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ أَيْ بِدَوَامِ الرُّكُوبِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَظُنُّ الرُّكُوبَ فِيهَا، وَدَوَامِ اللُّبْسِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَظُنُّ اللُّبْسَ فِيهَا فَإِذَا كَانَ مُسَافِرًا يَوْمَيْنِ، وَقَالَ وَاَللَّهِ لَأَرْكَبَنَّ الدَّابَّةَ، وَالْحَالُ أَنَّهُ رَاكِبٌ لَهَا فَلَا يَبَرُّ إلَّا إذَا رَكِبَهَا الْمَسَافَةَ بِتَمَامِهَا، وَلَا يَضُرُّ نُزُولُهُ لَيْلًا، وَلَا فِي أَوْقَاتِ الضَّرُورَاتِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي حَلِفِهِ لَأَلْبَسَنَّ (قَوْلُهُ: وَاسْتَمَرَّ دَاخِلًا فَيَحْنَثُ) أَيْ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اسْتِمْرَارَهُ عَلَى ذَلِكَ كَالدُّخُولِ ابْتِدَاءً، وَالسَّفِينَةُ كَالدَّابَّةِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا أَرْكَبُهَا، وَكَالدَّارِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا فَإِذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ السَّفِينَةَ فَيَحْنَثُ بِدَوَامِ رُكُوبِهِ، وَإِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا فَلَا يَحْنَثُ بِدَوَامِ الْمُكْثِ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَبِدَابَّةِ عَبْدِهِ فِي دَابَّتِهِ) قَالَ فِيهَا، وَمَنْ حَلَفَ إنَّهُ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِهِ حَنِثَ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَى سَيِّدِهِ لَعَتَقَ عَلَيْهِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحِنْثِ بِرُكُوبِ دَابَّةِ مُكَاتَبِهِ، وَهُوَ مَا ارْتَضَاهُ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ وَاخْتَارَ غَيْرُهُ الْحِنْثَ بِرُكُوبِهَا نَظَرًا لِلُحُوقِ الْمِنَّةِ بِهَا كَلُحُوقِهَا بِدَابَّةِ سَيِّدِهِ الَّذِي هُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلِذَا) أَيْ لِأَجْلِ هَذَا التَّعْلِيلِ لَا يَحْنَثُ بِدَابَّةِ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّ مَالَ الْوَلَدِ لَيْسَ مَالًا لِأَبِيهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ لَهُ اعْتِصَارُهَا) أَيْ بِأَنْ كَانَ قَدْ وَهَبَهَا لَهُ لَكِنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِي دَابَّةِ الْوَلَدِ، وَلَوْ كَانَ لِوَالِدِهِ اعْتِصَارُهَا ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ قَوْلُ أَشْهَبَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ سَالِمٌ، وَأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِدَابَّةِ الْوَلَدِ إنْ كَانَتْ مَوْهُوبَةً مِنْ وَالِدِهِ، وَلَهُ اعْتِصَارُهَا لِتَحَقُّقِ الْمِنَّةِ فِيهَا لَا مَا لَا اعْتِصَارَ لَهُ.
(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِحِنْثِهِ بِذَلِكَ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ بَلْ الْمُرَادُ بِحِنْثِهِ أَنَّهُ لَا يَبَرُّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْحَالِفِ زِيَادَةُ الْإِيلَامِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ عِنْدَ جَمْعِهَا فَلَوْ حَلَفَ لَأَضْرِبَنَّهُ عِشْرِينَ سَوْطًا فَجَمَعَ الْأَسْوَاطَ، وَضَرَبَ بِهَا مَرَّةً حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ يَقَعُ بِأَدْنَى سَبَبٍ
(قَوْلُهُ: لِصِدْقِ اللَّحْمِ عَلَيْهِمَا) أَيْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14]، وَقَالَ أَيْضًا {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 21] ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحِنْثِ بِلَحْمِ الْحُوتِ إذَا حَلَفَ لَا آكُلُ لَحْمًا عُرْفٌ مَضَى، وَأَمَّا عُرْفُ زَمَانِنَا خُصُوصًا بِمِصْرَ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْحُوتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا عُرْفًا قَالَهُ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَهَرِيسَةٍ) هِيَ أَنْ يُطْبَخَ اللَّحْمُ مَعَ الْقَمْحِ طَبْخًا جَيِّدًا حَتَّى يُعْزَلَ الْعَظْمُ عَنْ اللَّحْمِ فَيُؤْتَى بِعَصًا فِيهَا غِلَظٌ، وَيَعْرُكُونَ بِهَا ذَلِكَ حَتَّى يَصِيرَ كَالْعَصِيدَةِ (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ مِنْ الْحِنْثِ بِأَكْلِ الْكَعْكِ وَالْخُشْكَنَانِ -
(وَ) بِأَكْلِهِ مِنْ (دِيَكَةٍ وَدَجَاجَةٍ فِي) حَلِفِهِ لَا آكُلُ لَحْمَ (غَنَمٍ) فِي الْأَوَّلِ (وَ) لَا آكُلُ لَحْمَ (دَجَاجٍ) فِي الثَّانِي، وَعُرْفُ زَمَانِنَا اخْتِصَاصُ الْغَنَمِ بِالضَّأْنِ (لَا) يَحْنَثُ (بِأَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ (فِي) حَلِفِهِ عَلَى تَرْكِ (آخَرَ) فَلَا يَحْنَثُ بِالضَّأْنِ فِي حَلِفِهِ عَلَى تَرْكِ الْمَعْزِ، وَلَا عَكْسِهِ، وَلَا بِالدِّيَكَةِ فِي الدَّجَاجَةِ وَلَا عَكْسِهِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ لِلْآخَرِ
(وَ) حَنِثَ (بِسَمْنٍ اُسْتُهْلِكَ) بِلَتِّهِ (فِي سَوِيقٍ) فِي حَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِخْلَاصُهُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَلِذَا لَوْ اُسْتُهْلِكَ فِي طَعَامٍ لَمْ يَحْنَثْ.
(وَبِزَعْفَرَانٍ) اُسْتُهْلِكَ (فِي طَعَامٍ) فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ زَعْفَرَانًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ إلَّا كَذَلِكَ
(لَا) يَحْنَثُ إنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خَلًّا أَوْ مَاءَ وَرْدٍ أَوْ نَارِنْجٍ (بِكَخَلٍّ طُبِخَ) لِفَقْدِ الْعِلَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْخَلَّ يُؤْكَلُ بِنَفْسِهِ، وَإِذَا اُسْتُهْلِكَ لَا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُهُ
(وَ) حَنِثَ (بِاسْتِرْخَاءٍ لَهَا فِي) حَلِفِهِ (لَا قَبَّلْتُكِ) ، وَقَبَّلْتَهُ فِي الْفَمِ فَقَطْ، وَأَمَّا إنْ قَبَّلَهَا هُوَ حَنِثَ مُطْلَقًا قَبَّلَهَا فِي الْفَمِ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا قَبَّلْتنِي) ، وَقَبَّلَتْهُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي هَذِهِ مُطْلَقًا اسْتَرْخَى لَهَا أَمْ لَا فِي الْفَمِ أَوْ غَيْرِهِ
(وَ) حَنِثَ (بِفِرَارِ غَرِيمِهِ) قَبْلَ أَخْذِ حَقِّهِ مِنْهُ (فِي) حَلِفِهِ (لَا فَارَقْتُك) أَنَا (أَوْ) لَا (فَارَقْتنِي) أَنْت (إلَّا بِحَقِّي) ، وَفَرَّطَ بَلْ (وَلَوْ لَمْ يُفَرِّطْ) بِأَنْ انْفَلَتَ مِنْهُ كَرْهًا أَوْ اسْتِغْفَالًا وَلَمْ يَحُلْ عَلَى غَرِيمِهِ لَهُ بَلْ (وَإِنْ أَحَالَهُ) فَبِمُجَرَّدِ قَبُولِ الْحَوَالَةِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إلَّا بِأَخْذِ حَقِّي مِنْك إلَّا أَنْ يَنْوِيَ وَلِي حَقٌّ عَلَيْك.
(وَ) حَنِثَ (بِالشَّحْمِ فِي) حَلِفِهِ عَلَى تَرْكِ (اللَّحْمِ) ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ اللَّحْمِ (لَا الْعَكْسِ) بِأَنْ حَلَفَ لَا آكُلُ شَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمًا
(وَ) حَنِثَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ (بِفَرْعٍ) نَشَأَ بَعْدَ الْيَمِينِ (فِي) حَلِفِهِ عَلَى تَرْكِ أَصْلِهِ كَوَاللَّهِ (لَا آكُلُ) شَيْئًا (مِنْ كَهَذَا الطَّلْعِ) فَيَحْنَثُ بِبُسْرِهِ وَرُطَبِهِ، وَعَجْوَتِهِ وَثَمَرِهِ وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الْقَمْحَ وَاللَّبَنَ وَالْقَصَبَ وَغَيْرَهَا مِنْ كُلِّ أَصْلٍ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ مِنْ طَلْعِ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَوْ مِنْ لَبَنِ هَذِهِ الشَّاةِ فَيَحْنَثُ بِكُلِّ فَرْعٍ تَقَدَّمَ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ (أَوْ) لَا آكُلُ (هَذَا الطَّلْعَ) بِإِسْقَاطِ مِنْ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَالْهَرِيسَةِ وَالْإِطْرِيَّةِ إذَا حَلَفَ لَا آكُلُ خُبْزًا.
(قَوْلُهُ: وَدِيَكَةٍ) هِيَ ذُكُورُ الدَّجَاجِ، وَالدَّجَاجَةُ هِيَ إنَاثُ الدَّجَاجِ (قَوْلُهُ: اخْتِصَاصُ الْغَنَمِ بِالضَّأْنِ) أَيْ وَحِينَئِذٍ إذَا حَلَفَ لَا آكُلُ غَنَمًا إنَّمَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الضَّأْنِ لَا بِأَكْلِ الْمَعْزِ.
(قَوْلُهُ: وَحَنِثَ بِسَمْنٍ) أَيْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَهُ مُسْتَهْلَكًا فِي سَوِيقٍ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ خَالِصًا، وَسَوَاءٌ وَجَدَ طَعْمَهُ أَمْ لَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَ سَوِيقًا لُتَّ بِسَمْنٍ حَنِثَ وَجَدَ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ أَمْ لَا. اهـ. وَلِابْنِ مُيَسَّرٍ لَا يَحْنَثُ إذَا لَمْ يَجِدْ طَعْمَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِخْلَاصُهُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ) أَيْ فَإِنْ انْتَفَى ذَلِكَ التَّعْلِيلُ بِأَنْ لَا يُمْكِنُ اسْتِخْلَاصُهُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ مِنْ السَّوِيقِ فَلَا حِنْثَ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ إلَّا كَذَلِكَ) يُؤْخَذُ مِنْهُ إذَا انْتَفَى هَذَا التَّعْلِيلُ بِأَنْ كَانَ الزَّعْفَرَانُ يُؤْكَلُ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مُسْتَهْلَكًا فِي الطَّعَامِ
(قَوْلُهُ: لَا بِكَخَلٍّ طُبِخَ) أَيْ طُرِحَ فِي الطَّبِيخِ، وَأَمَّا بِأَكْلِهِ مَوْضُوعًا فَوْقَ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْخَلِّ أَنْ لَا يُؤْكَلَ إلَّا فِي طَعَامٍ وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَمَعَ ضَعْفِهِ هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُعَيَّنْ، وَأَمَّا إذَا عُيِّنَ بِأَنْ قَالَ لَا آكُلُ هَذَا الْخَلَّ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ، وَلَوْ اُسْتُهْلِكَ فِي طَعَامٍ قَوْلًا وَاحِدًا كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ وَدَخَلَ بِالْكَافِ مَاءُ الْوَرْدِ وَالزَّهْرِ، وَمَاءُ اللَّيْمُونِ، وَمَاءُ النَّارِنْجِ، وَأَمَّا ذَاتُهَا فَيَحْنَثُ بِهَا، وَلَوْ طُبِخَتْ لِبَقَاءِ عَيْنِهَا فَهِيَ أَحْرَى مِنْ السَّمْنِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَلَا يَدْخُلُ بِالْكَافِ الْعَسَلُ إذَا طُبِخَ فِي طَعَامٍ لِنَقْلِ ابْنِ عَرَفَةَ الْحِنْثَ فِيهِ عَنْ سَحْنُونٍ.
(قَوْلُهُ: الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي هَذِهِ مُطْلَقًا اسْتَرْخَى لَهَا أَمْ لَا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِهَا، وَهِيَ مُخْتَارَةٌ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا، وَقَوْلُهُ الْمُعْتَمَدُ أَيْ خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْهُ بِأَنَّ مَفْهُومَ وَبِاسْتِرْخَاءٍ لَهَا فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ عَدَمُ الْحِنْثِ فِي الْأُولَى وَالْحِنْثُ فِي الثَّانِيَةِ.
(قَوْلُهُ: وَبِفِرَارِ غَرِيمِهِ) لَا يُقَالُ الْفِرَارُ إكْرَاهٌ، وَهَذِهِ الصِّيغَةُ صِيغَةُ بِرٍّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفِرَارَ إكْرَاهٌ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ إكْرَاهٌ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةٌ بِرٍّ بَلْ صِيغَةُ حِنْثٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَأُلْزِمَنَّكَ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ. اهـ. بْن (قَوْلُهُ: لَا بِحَقِّي) أَيْ إلَّا بَعْدَ أَخْذِ حَقِّي، وَمِثْلُهُ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي أَوْ حَتَّى أَقْبِضَ حَقِّي (قَوْلُهُ: وَفَرَّطَ) أَيْ فِي الْقَبْضِ عَلَيْهِ حَتَّى فَرَّ مِنْهُ (قَوْلُهُ: فَبِمُجَرَّدِ قَبُولِ الْحَوَالَةِ يَحْنَثُ) أَيْ، وَلَوْ لَمْ تَحْصُلْ مُفَارَقَةٌ مِنْ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُفَارَقَةِ، وَلَوْ قَبَضَ الْحَقَّ بِحَضْرَةِ الْغَرِيمِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْحِنْثِ بِالْحَوَالَةِ، وَعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِهَا خِلَافُ عُرْفِ مِصْرَ الْآنَ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَنْوِيَ) أَيْ بِقَوْلِهِ إلَّا بِحَقِّي، وَكَذَا إذَا صَرَّحَ بِهِ بِأَنْ قَالَ لَا فَارَقْتُك أَوْ فَارَقْتنِي وَلِيَ عَلَيْك حَقٌّ فَإِنَّهُ يَبَرُّ بِالْحَوَالَةِ.
(قَوْلُهُ: وَحَنِثَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ) أَيْ، وَلَا قَرِينَةٌ، وَلَا بِسَاطٌ (قَوْله نَشَأَ بَعْدَ الْيَمِينِ) أَيْ وَأَمَّا الْفَرْعُ السَّابِقُ عَلَيْهِ فَقَدْ فَارَقَ قَبْلَ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: مِنْ هَكَذَا الطَّلْعِ) لَيْسَ مِنْ مُتَعَلِّقَةِ بِآكِلٍ بَلْ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ لِلْعِلْمِ بِهِ أَيْ لَا آكُلُ شَيْئًا مِنْ هَذَا الطَّلْعِ وَالشَّيْءُ شَامِلٌ لِلطَّلْعِ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ وَحِينَئِذٍ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِتْيَانِ بِمِنْ، وَعَدَمِ الْإِتْيَانِ بِهَا، وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ لِذَلِكَ فِي حِلِّهِ لِلْمَتْنِ.
(قَوْلُهُ: فَيَحْنَثُ بِكُلِّ فَرْعٍ تَقَدَّمَ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ) أَيْ فَيَحْنَثُ بِكُلِّ فَرْعٍ تَقَدَّمَ لِتِلْكَ النَّخْلَةِ أَوْ الشَّاةِ بِكُلِّ مَا نَشَأَ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ اللَّبَنَ أَوْ الطَّلْعَ الْحَاضِرَ بِالْإِشَارَةِ بَلْ أَطْلَقَ فِيهِمَا وَجَعَلَ الْإِشَارَةَ لِلنَّخْلَةِ وَالشَّاةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ -
لَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ إنْ أَسْقَطَ مِنْ فَلَا يَحْنَثُ بِالْفَرْعِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ خَاصَّةٌ بِالطَّلْعِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا إذَا أُسْقِطَ مِنْ وَالْإِشَارَةَ مَعًا نُكِّرَ أَوْ عُرِّفَ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (لَا) يَحْنَثُ بِالْفَرْعِ إنْ حَلَفَ (لَا آكُلُ الطَّلْعَ) مُعَرَّفًا (أَوْ) لَا آكُلُ (طَلْعًا) مُنَكَّرًا، وَكَذَا مِنْ الطَّلْعِ حَيْثُ لَا نِيَّةَ، وَأَمَّا حِنْثُهُ بِالْأَصْلِ فِي الْخَمْسِ فَظَاهِرٌ.
ثُمَّ اسْتَثْنَى خَمْسَ مَسَائِلَ يَحْنَثُ فِيهَا بِمَا تَوَلَّدَ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِمِنْ وَالْإِشَارَةِ لَقُرْبِهَا مِنْ أَصْلِهَا قُرْبًا قَوِيًّا إلَّا لِنِيَّةٍ فِيهَا فَقَالَ (إلَّا نَبِيذَ زَبِيبٍ) أَيْ حَلَفَ لَا آكُلُ زَبِيبًا أَوْ الزَّبِيبَ فَيَحْنَثُ بِشُرْبِ نَبِيذِهِ (وَ) إلَّا (مَرَقَةَ لَحْمٍ) فِي حَلِفِهِ لَا أَكَلْت اللَّحْمَ أَوْ لَحْمًا (أَوْ شَحْمَهُ) عَطْفٌ عَلَى مَرَقَةٍ أَيْ حَلِفٍ لَا آكُلُ اللَّحْمَ أَوْ لَحْمًا فَيَحْنَثُ بِشَحْمِهِ، وَأَعَادَ هَذِهِ لِجَمْعِ النَّظَائِرِ (وَ) إلَّا (خُبْزَ قَمْحٍ) فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ الْقَمْحَ أَوْ قَمْحًا، وَكَذَا لَا آكُلُ مِنْهُ (وَ) إلَّا (عَصِيرَ عِنَبٍ) فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ الْعِنَبَ أَوْ عِنَبًا، وَهَذِهِ تُفْهَمُ بِالْأَوْلَى مِنْ مَسْأَلَةِ النَّبِيذِ (وَ) حَنِثَ (بِمَا أَنْبَتَتْ الْحِنْطَةُ) الْمُعَيَّنَةُ فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ (إنْ نَوَى) بِيَمِينِهِ (الْمَنَّ) أَيْ قَطَعَهُ كَأَنْ قَالَ لَهُ لَوْلَا أَنَا أُطْعِمُك لَمُتّ جُوعًا، وَكَذَا بِمَا اشْتَرَى مِنْ ثَمَنِهَا إنْ بِيعَتْ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمِنَّةُ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَأَمَّا إنْ نَوَى قَطْعَ الْمِنَّةِ مُطْلَقًا فَيَحْنَثُ بِكُلِّ شَيْءٍ وَصَلَهُ مِنْهُ وَدَلَّتْ بِسَاطُ يَمِينِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا فَأَكَلَهَا أَوْ أَكَلَ مِمَّا نَبَتَ مِنْهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَحْنَثْ (لَا) إنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِهَا (لِرَدَاءَةٍ) فِيهَا فَلَا حِنْثَ بِمَا أَنْبَتَتْ جَيِّدًا، وَلَا بِمَا اشْتَرَى مِنْ ثَمَنِهَا أَوْ أُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِهَا (أَوْ) حَلَفَ عَلَيْهَا (لِسُوءِ صَنْعَةِ طَعَامٍ) فَجَوَّدَ لَهُ فَلَا حِنْثَ.
(وَ) حَنِثَ (بِالْحَمَّامِ) أَيْ بِدُخُولِهِ (فِي) حَلِفِهِ عَلَى تَرْكِ دُخُولِ (الْبَيْتِ) أَوْ لَا دَخَلَ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ بِالْحَمَّامِ أَوْ الْخَانِ إلَّا لِنِيَّةٍ أَوْ عُرْفِ مِصْرٍ أَنَّهُمْ لَا يُطْلِقُونَ عَلَى الْحَمَّامِ اسْمَ الْبَيْتِ
(أَوْ) حَلَفَ لَا أَدْخُلُ عَلَيْهِ بَيْتَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فِي (دَارِ جَارِهِ) ؛ لِأَنَّ لِلْجَارِ عَلَى جَارِهِ مِنْ الْحُقُوقِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ فَأَشْبَهَتْ دَارُهُ دَارِهِ أَوْ؛ لِأَنَّ الْجَارَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ جَارِهِ غَالِبًا فَكَأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عُرْفًا وَالظَّاهِرُ فِي هَذَا عَدَمُ الْحِنْثِ.
(أَوْ) حَلَفَ لَا أَسْكُنُ بَيْتًا أَوْ لَا أَدْخُلُهُ حَنِثَ بِسُكْنَى أَوْ دُخُولِ (بَيْتِ شَعْرٍ) بَدْوِيًّا كَانَ أَوْ حَضَرِيًّا إلَّا لِنِيَّةٍ أَوْ بِسَاطٍ (كَحَبْسٍ) أَيْ كَمَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ فِي حَبْسٍ (أُكْرِهَ عَلَيْهِ) فِي حَلِفِهِ لَا دَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتًا أَوْ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ فِي بَيْتٍ فَحُبِسَ عِنْدَهُ كُرْهًا (بِحَقٍّ) أَيْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ بِحَقٍّ كَالطُّلُوعِ فَلَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ سَابِقًا إنْ لَمْ يُكْرَهُ بِبِرٍّ (لَا) إنْ دَخَلَ عَلَيْهِ (بِمَسْجِدٍ) عَامٍّ فَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَطْلُوبًا بِدُخُولِهِ شَرْعًا صَارَ كَأَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِلْحَالِفِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
يَحْنَثُ بِكُلِّ فَرْعٍ لِلطَّلْعِ، وَكُلُّ فَرْعٍ لِلَّبَنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَاشِئًا عَنْ تِلْكَ النَّخْلَةِ أَوْ تِلْكَ الشَّاةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمَنْظُورُ لَهُ الْفَرْعِيَّةَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا لِلطَّلْعِ وَاللَّبَنِ بَلْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا لِلنَّخْلَةِ وَالشَّاةِ، وَإِنْ كَانَ فَرْعُ الشَّاةِ وَالنَّخْلَةِ فَرْعًا لِلطَّلْعِ وَاللَّبَنِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الرَّاجِحَ) أَيْ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ تَبَعًا؛ لِابْنِ بَشِيرٍ الْقَائِلِ بِالْحِنْثِ فِي الْفَرْعِ، وَقَدْ شَهَّرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَاعْتَرَضَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ مَنْ ذَكَرَهُ إلَّا ابْنَ بَشِيرٍ (قَوْلُهُ: فِي الْخَمْسِ) أَيْ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ مِنْ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ أَوْ حَذَفَ مِنْ أَوْ اسْمِ الْإِشَارَةِ أَوْ حَذَفَهُمَا مَعًا، وَعَرَّفَ الْأَصْلَ أَوْ نَكَّرَهُ (قَوْلُهُ: فَظَاهِرٌ) أَيْ لِكَوْنِهِ حَلَفَ عَلَى عَدَمِ الْأَكْلِ مِنْهُ ثُمَّ أَكَلَ.
(قَوْلُهُ: وَأَعَادَ هَذِهِ) أَيْ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهَا أَوَّلًا بِقَوْلِهِ وَبِالشَّحْمِ فِي اللَّحْمِ (قَوْلُهُ: كَأَنْ قَالَ لَهُ إلَخْ) أَيْ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْ حِنْطَتِهِ هَذِهِ فَيَحْنَثُ بِالْأَكْلِ مِنْهَا، وَمِمَّا أَنْبَتَتْهُ وَبِالْأَكْلِ مِمَّا اشْتَرَاهُ بِثَمَنِهَا (قَوْلُهُ: وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمِنَّةُ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ) أَيْ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْقَصْدُ بِالْيَمِينِ قَطْعُ الْمِنَّةِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ أَيْ كَالْمِنَّةِ عَلَيْهِ بِالْأَكْلِ مِنْ حِنْطَتِهِ (قَوْلُهُ: فَيَحْنَثُ بِكُلِّ شَيْءٍ وَصَلَهُ مِنْهُ) سَوَاءٌ كَانَ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا أَوْ لِبَاسًا أَوْ شَيْئًا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى تَحْصِيلِ مَعَاشِهِ كَدَابَّةٍ لِحَرْثٍ عَلَيْهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا مَنَّ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَحَلَفَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ وَبِمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ وَبِمَا اشْتَرَاهُ مِنْ ثَمَنِهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِمَا أَعْطَى لَهُ مِنْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ نَوَى ذَلِكَ عِنْدَ يَمِينِهِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، وَأَمَّا إذَا نَوَى عِنْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَوْ نَوَى قَطْعَ مِنَّتِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَا وَصَلَ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: لَا يُطْلِقُونَ عَلَى الْحَمَّامِ اسْمَ الْبَيْتِ) أَيْ، وَلَا عَلَى الْحَانُوتِ وَالْخَانِ، وَمَحَلُّ الْقَهْوَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ وَلَا الْخَانِ، وَلَا الْحَانُوتِ، وَلَا مَحَلِّ الْقَهْوَةِ فِي حَلِفِهِ لَا أَدْخُلُ بَيْتًا، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرَ يُقَالُ لَهُ بَيْتٌ لُغَةً لِتَقَدُّمِ الْمَدْلُولِ الْعُرْفِيِّ عَلَى الْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ كَمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ: فِي دَارِ جَارِهِ) أَيْ جَارِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَانَ جَارًا لِلْحَالِفِ أَيْضًا أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ فِي هَذَا) أَيْ الْفَرْعِ عَدَمُ الْحِنْثِ بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ فِي بَيْتِ جَارِهِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْآنَ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِبَيْتِ جَارِك أَنَّهُ بَيْتُك، وَإِنَّمَا يُقَالُ بَيْتُك لِمَا تَمْلِكُ ذَاتَه أَوْ مَنْفَعَتَهُ، وَالْأَيْمَانُ مَبْنَاهَا الْعُرْفُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ بَيْتِ شَعْرٍ) الْعُرْفُ الْآنَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحِنْثِ فِيهِ إذْ لَا يُقَالُ لِلشَّعْرِ فِي الْعُرْفِ الْآنَ أَنَّهُ بَيْتٌ، وَإِنْ كَانَ يُقَالُ لَهُ لُغَةً وَالْمَدْلُولُ الْعُرْفِيُّ يُقَدَّمُ عَلَى اللُّغَوِيِّ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: إلَّا لِنِيَّةٍ أَوْ بِسَاطٍ) أَيْ كَأَنْ يَسْمَعَ بِقَوْمٍ انْهَدَمَ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنُ فَحَلَفَ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَسْكُنُ بَيْتًا فَلَا يَحْنَثُ بِسُكْنَى بَيْتِ الشَّعْرِ (قَوْلُهُ: فِي حَبْسٍ) أَيْ بِسَبَبِ حَبْسٍ، وَقَوْلُهُ بِحَقٍّ أَيْ وَأَمَّا لَوْ حُبِسَ عِنْدَهُ ظُلْمًا فَلَا حِنْثَ (قَوْلُهُ: عَامٌّ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمَسْجِدِ الْمَحْجُورِ فَيَحْنَثُ بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَلَا حِنْثَ) أَيْ عَلَيْهِ
(وَبِدُخُولِهِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ (مَيِّتًا) فِي حَلِفِهِ لَا أَدْخَلُ عَلَيْهِ بَيْتًا (فِي بَيْتٍ يَمْلِكُهُ) ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا حَتَّى يُدْفَنَ فَإِنْ دُفِنَ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ بَعْدَهُ (لَا) يَحْنَثُ الْحَالِفُ لَا دَخَلَ عَلَيْهِ (بِدُخُولِ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ) عَلَى الْحَالِفِ، وَلَوْ اسْتَمَرَّ الْحَالِفُ جَالِسًا مَعَهُ (إنْ لَمْ يَنْوِ) الْحَالِفُ (الْمُجَامَعَةَ) ، وَإِلَّا حَنِثَ.
(وَ) حَنِثَ (بِتَكْفِينِهِ) أَيْ إدْرَاجُهُ فِي كَفَنِهِ أَوْ تَغْسِيلِهِ، وَكَذَا حَمْلُهُ وَإِدْخَالُهُ الْقَبْرَ فِيمَا يَظْهَرُ (فِي) حَلِفِهِ (لَا نَفَعَهُ حَيَاتَهُ) أَوْ مَا عَاشَ أَوْ أَبَدًا
(وَ) حَنِثَ (بِأَكْلٍ مِنْ تَرِكَتِهِ) أَيْ تَرِكَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (قَبْلَ قَسْمِهَا فِي) حَلِفِهِ (لَا أَكَلَتْ طَعَامَهُ)(إنْ أَوْصَى) الْمَيِّتُ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ يَحْتَاجُ فِيهِ لِبَيْعِ مَالِ الْمَيِّتِ (أَوْ كَانَ) الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (مَدِينًا) ، وَلَوْ غَيْرَ مُحِيطٍ، وَإِنَّمَا حَنِثَ لِوُجُوبِ وَقْفِهَا لِلْوَصِيَّةِ أَوْ لِلدَّيْنِ فَإِنْ أَوْصَى بِمُعَيَّنٍ كَهَذَا الْعَبْدِ أَوْ شَائِعٍ كَرُبُعٍ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ لِبَيْعٍ أَوْ أَكْلٍ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَلَوْ قَبْلَ قَسْمِهَا لَمْ يَحْنَثْ إذْ لَمْ يَبْقَ لِلْمَيِّتِ فِيهَا تَعَلُّقٌ
(وَ) حَنِثَ الْحَالِفُ (بِكِتَابٍ) كَتَبَهُ هُوَ أَوْ أَمْلَاهُ أَوْ أَمَرَهُ بِهِ ثُمَّ قُرِئَ عَلَيْهِ كَانَ عَازِمًا حِينَ الْكِتَابَةِ أَمْ لَا (إنْ وَصَلَ) الْكِتَابُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْهُ لَا إنْ لَمْ يَصِلْ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ الْكِتَابَةِ عَازِمًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَقِلُّ بِهِ الزَّوْجُ بِخِلَافِ الْكَلَامِ لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْحَالِفُ (أَوْ) أَرْسَلَ لَهُ كَلَامًا مَعَ (رَسُولٍ) وَبَلَّغَهُ الرَّسُولُ (فِي) حَلِفِهِ (لَا أُكَلِّمُهُ) إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُشَافَهَةَ فَيَنْوِي فِي الرَّسُولِ مُطْلَقًا، وَفِي الْكِتَابِ فِي الْفَتْوَى كَالْقَضَاءِ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ (وَلَمْ يَنْوِ) أَيْ لَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ فِي الْقَضَاءِ أَنَّهُ نَوَى لَا أُكَلِّمُهُ مُشَافَهَةً (فِي) مَسْأَلَةِ (الْكِتَابِ فِي) خُصُوصِ (الْعِتْقِ) الْمُعَيَّنِ (وَالطَّلَاقِ) لِحَقِّ الْعَبْدِ وَالزَّوْجَةِ.
(وَ) حَنِثَ أَيْضًا فِي لَا كَلَّمَهُ (بِالْإِشَارَةِ لَهُ) ؛ لِأَنَّهَا تُعَدُّ كَلَامًا عُرْفًا (وَ) حَنِثَ (بِكَلَامِهِ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ) لِمَانِعٍ مِنْ اشْتِغَالٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ صَمَمٍ بِحَيْثُ لَوْ زَالَ الْمَانِعُ لَسَمِعَهُ عَادَةً احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ كَانَ فِي بُعْدٍ لَا يُمْكِنُ سَمَاعُهُ مِنْهُ عَادَةً فَلَا حِنْثَ
ــ
[حاشية الدسوقي]
فِي حَلِفِهِ لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا أَوْ لَا أَجْتَمِعُ مَعَهُ فِي بَيْتٍ (قَوْلُهُ: وَبِدُخُولِهِ عَلَيْهِ مَيِّتًا) أَيْ قَبْلَ الدَّفْنِ، وَقَوْلُهُ فِي بَيْتٍ يَمْلِكُهُ أَيْ ذَاتًا أَوْ مَنْفَعَةً، وَقَوْلُهُ فِي حَلِفِهِ لَا أَدْخُلُ عَلَيْهِ بَيْتًا الْأَوْلَى بَيْتَهُ، وَلَوْ قَالَ حَيَاتَهُ أَوْ مَا عَاشَ؛ لِأَنَّهُمَا عُرْفًا بِمَعْنًى أَبَدًا، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا أَيْ؛ لِأَنَّ لِلْمَيِّتِ فِي الْبَيْتِ الَّذِي يَمْلِكُ ذَاتَهُ أَوْ مَنْفَعَتَهُ حَقًّا، وَهُوَ تَجْهِيزُهُ بِهِ فَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى الْمِلْكِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَمَرَّ إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ حَيْثُ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَجْلِسُ بَعْدَ دُخُولِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَإِنْ جَلَسَ وَتَرَاخَى حَنِثَ، وَيَصِيرُ كَابْتِدَاءِ دُخُولِهِ هُوَ عَلَيْهِ. اهـ. قَالَ ح، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِاسْتِقْرَارِهِ فِي الدَّارِ إذَا حَلَفَ لَا أَدْخُلُهَا، وَكَذَلِكَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى الدُّخُولِ فَتَأَمَّلْهُ. اهـ. بْن (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَنْوِ الْمُجَامَعَةَ) أَيْ إنْ لَمْ يَنْوِ الْحَالِفُ بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ بَيْتًا اجْتِمَاعَهُ مَعَهُ فِي الْبَيْتِ لَا حَقِيقَةَ الدُّخُولِ، وَقَوْلُهُ، وَإِلَّا حَنِثَ أَيْ الْحَالِفُ بِدُخُولِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ جُلُوسٌ.
(قَوْلُهُ: أَيْ إدْرَاجُهُ فِي كَفَنِهِ) أَيْ خِلَافًا لِمَا اسْتَظْهَرَهُ الْبَدْرُ مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ بِهِ، وَأَوْلَى مِنْ التَّكْفِينِ فِي الْحِنْثِ شِرَاءُ الْكَفَنِ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مِنْ عِنْدِهِ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ فِي الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ: فِيمَا يَظْهَرُ) أَيْ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْحَيَاةِ، وَهَذَا الَّذِي اسْتَظْهَرَهُ هُوَ مَا اخْتَارَهُ بْن وَالْمِسْنَاوِيُّ خِلَافًا لعبق حَيْثُ قَالَ إنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِبَقِيَّةِ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ حَيَاتَهُ أَوْ قَالَ أَبَدًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِفِعْلِ مَا عَادَ مِنْهُ مَنْفَعَةٌ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ وَالدَّفْنِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ لَهُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَفِي كَبِيرِ خش إذَا حَلَفَ لَا يَنْفَعُ فُلَانًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِنَفْعِ أَوْلَادِهِ الَّذِينَ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: إنْ أَوْصَى أَوْ كَانَ مَدِينًا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَانَ لَهُ حَقٌّ بَاقٍ فِي التَّرِكَةِ فَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْ طَعَامِهِ (قَوْلُهُ: بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ) أَيْ كَمِائَةِ دِينَارٍ مَثَلًا وَحَنِثَ الْحَالِفُ أَيْ الَّذِي حَلَفَ لَا كَلَّمَهُمْ فُلَانًا.
(قَوْلُهُ: كَانَ عَازِمًا حِينَ الْكِتَابَةِ) أَيْ عَلَى كَلَامِهِ أَوْ كَانَ غَيْرَ عَازِمٍ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: إنْ وَصَلَ) أَيْ، وَكَانَ الْوُصُولُ بِأَمْرِ الْحَالِفِ، وَأَمَّا لَوْ دَفَعَهُ الْحَالِفُ لِلرَّسُولِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَمَرَهُ بِعَدَمِ إيصَالِهِ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَعَصَاهُ، وَأَوْصَلَهُ فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ لَا بِإِيصَالِهِ، وَلَا بِقِرَاءَتِهِ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: يَسْتَقِلُّ بِهِ الزَّوْجُ) أَيْ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُضُورِ الزَّوْجَةِ، وَلَا عَلَى مُشَافَهَتِهَا (قَوْلُهُ: لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْحَالِفُ) أَيْ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى حُضُورِ الْمُخَاطَبِ، وَمُشَافَهَتِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَرْسَلَ لَهُ) أَيْ أَوْ أَرْسَلَ الْحَالِفُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَبَلَّغَهُ الرَّسُولُ) أَيْ وَبَلَّغَ الرَّسُولُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ الْكَلَامَ أَيْ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ وُصُولِ الرَّسُولِ فَلَا يُوجِبُ الْحِنْثَ (قَوْلُهُ: فَيَنْوِي فِي الرَّسُولِ مُطْلَقًا) أَيْ لِمُوَافَقَةِ نِيَّتِهِ لِظَاهِرِ لَفْظِهِ، وَلَمْ يَنْوِ فِي الْكِتَابِ وَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ أَيْ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ مُخَالِفَةٌ لِظَاهِرِ لَفْظِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ شَامِلٌ لِلُّغَوِيِّ وَالْعُرْفِيِّ بِخِلَافِ كَلَامِ الرَّسُولِ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ كَلَامٌ لَا لُغَةً، وَلَا عُرْفًا
(قَوْلُهُ: وَبِالْإِشَارَةِ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ سَمِيعًا أَوْ أَصَمَّ أَوْ أَخْرَسَ أَوْ نَائِمًا لَكِنَّ الَّذِي فِي ح أَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ الْحِنْثِ مُطْلَقًا خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ إذْ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَعَزَاهُ لِظَاهِرِ الْإِيلَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصِّ ابْنِ عَرَفَةَ، وَفِي حِنْثِهِ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ ثَالِثُهَا فِي الَّتِي يَفْهَمُ بِهَا الْأَوَّلُ لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ أَصْبَغَ مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ -
وَالْوَاوُ فِي، وَلَوْ حَالِيَّةٌ، وَلَوْ زَائِدَةٌ
(لَا) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ الْكِتَابَ أَوْ لَا يَقْرَأُ بِ (قِرَاءَتِهِ بِقَلْبِهِ) بِلَا حَرَكَةِ اللِّسَانِ (أَوْ قِرَاءَةِ أَحَدٍ) كِتَابَ مِنْ حَلَفَ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْحَالِفِ بِأَنْ نَهَى الرَّسُولَ عَنْ إيصَالِهِ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَعَصَاهُ، وَقَرَأَهُ عَلَيْهِ أَوْ قَرَأَهُ غَيْرُ الرَّسُولِ بِلَا إذْنٍ فَلَا يَحْنَثُ.
(وَلَا) يَحْنَثُ (بِسَلَامِهِ عَلَيْهِ بِصَلَاةٍ وَلَا) بِوُصُولِ (كِتَابِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ) إلَى الْحَالِفِ (وَلَوْ)(قَرَأَ) الْحَالِفُ كِتَابَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (عَلَى الْأَصْوَبِ وَالْمُخْتَارِ، وَ) حَنِثَ (بِسَلَامِهِ عَلَيْهِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُهُ)(أَوْ) كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (فِي جَمَاعَةٍ) فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ الْحَالِفُ عَلِمَ أَنَّهُ فِيهِمْ أَمْ لَا (إلَّا أَنْ يُحَاشِيَهُ) أَيْ يُخْرِجَهُ مِنْهُمْ بِقَلْبِهِ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ أَمَّا إنْ حَدَثَتْ النِّيَّةُ فِي أَثْنَاءِ السَّلَامِ فَلَا تَنْفَعُهُ
(وَ) حَنِثَ (بِفَتْحٍ عَلَيْهِ) أَيْ إرْشَادُهُ لِلْقِرَاءَةِ إذَا وَقَفَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَانْسَدَّتْ عَلَيْهِ طُرُقُهَا؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ قُلْ كَذَا.
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَالثَّانِي لِسَمَاعِ عِيسَى، أَنَّ الْقَاسِمَ وَابْنَ رُشْدٍ مَعَ ظَاهِرِ إيلَائِهَا، وَالثَّالِثُ لِابْنِ عَبْدُوسٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ بْن (قَوْلُهُ: وَالْوَاوُ حَالِيَّةٌ) أَيْ فَالْمَعْنَى وَحَنِثَ الْحَالِفُ بِكَلَامِهِ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَالْحَالُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لَمْ يَسْمَعْ الْحَالِفَ، وَإِنَّمَا لَمْ تُجْعَلْ لِلْمُبَالَغَةِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ مَا لَوْ سَمِعَهُ لَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ الْحِنْثِ فِيهَا، وَقَدْ يُقَالُ: كُلُّ مُبَالَغَةٍ لَا يُتَوَهَّمُ نَفْيُ الْحُكْمِ عَمَّا قَبْلَهَا تَأَمَّلْ.
(تَنْبِيهٌ) لَوْ كَلَّمَ الْحَالِفُ غَيْرَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ يُرِيدُ إسْمَاعَهُ فَسَمِعَ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ فَفِي حِنْثِهِ وَعَدَمِهِ قَوْلَا ابْنِ رُشْدٍ مَعَ نَقْلِهِ عَنْ ابْنِ زِيَادٍ وَسَمَاعِ ابْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ.
(قَوْلُهُ: لَا بِقِرَاءَتِهِ بِقَلْبِهِ إلَخْ) مَعْنَاهُ الْمُطَابِقُ لِسِيَاقِ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا كَلَّمَ فُلَانًا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِكِتَابٍ وَصَلَ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْحَالِفِ، وَقَرَأَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِقَلْبِهِ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا قَرَأَهُ بِلِسَانِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ لَكِنْ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ السَّابِقَ وَبِكِتَابٍ إنْ وَصَلَ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ الْحِنْثُ بِمُجَرَّدِ الْوُصُولِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا فِي ابْنِ غَازِيٍّ فَلِذَا عَدَلَ الشَّارِحُ تَبَعًا لعبق عَنْ حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ إلَى قَوْلِهِ لَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ الْكِتَابَ إلَخْ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَمْلُ بَعِيدًا مِنْ كَلَامِهِ اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ: أَوْ قِرَاءَةُ أَحَدٍ إلَخْ) كَمَا لَوْ قُلْت وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا ثُمَّ كَتَبْت كِتَابًا لِزَيْدٍ وَدَفَعْته لِعَمْرٍو لِيُوصِلَهُ لِزَيْدٍ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ نَهَيْت عَمْرًا عَنْ إيصَالِهِ لِزَيْدٍ فَعَصَاك، وَأَوْصَلَهُ لَهُ، وَقَرَأَهُ عَلَيْهِ أَوْ قَرَأَهُ أَحَدٌ آخَرُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِك فَلَا حِنْثَ عَلَيْك أَيُّهَا الْحَالِفُ بَلْ لَا حِنْثَ وَلَوْ قَرَأَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ وُصُولُهُ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَالِفِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ قِرَاءَةُ أَحَدٍ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ قِرَاءَتَهُ هُوَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَلَا بِسَلَامِهِ عَلَيْهِ بِصَلَاةٍ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا كَلَّمَ زَيْدًا فَصَلَّى الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِقَوْمٍ مِنْ جُمْلَتِهِمْ الْحَالِفُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَرَدُّوا عليه السلام مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْحَالِفَ لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ أَوْ صَلَّى الْحَالِفُ إمَامًا بِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ قَاصِدًا التَّحْلِيلَ وَالسَّلَامَ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ التَّسْلِيمَةُ الَّتِي قَصَدَ بِهَا الْإِمَامُ الْجَمَاعَةَ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهِمْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ثَانِيَةً عَلَى الْيَسَارِ كَمَا قَالَ ابْنُ مُيَسَّرٍ خِلَافًا لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ حَيْثُ قَالَ بِالْحِنْثِ فِي هَذِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ الْحِنْثِ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ فِي صَلَاةٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ السَّلَامُ فِي آخِرِهَا أَوْ فِي أَثْنَائِهَا مُعْتَقِدًا إتْمَامَهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْنَثْ بِسَلَامِهِ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَلَامًا عُرْفًا بِخِلَافِ السَّلَامِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مَطْلُوبًا (قَوْلُهُ: وَلَا بِوُصُولِ كِتَابِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ) أَيْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا كَلَّمْت فُلَانًا ثُمَّ إنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَرْسَلَ لِلْحَالِفِ كِتَابًا قَرَأَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ لَا كَلَّمْته لَا كَلَّمَنِي (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصْوَبِ) أَيْ عَلَى مَا صَوَّبَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُمَا عَدَمُ الْحِنْثِ وَالْحِنْثُ (قَوْلُهُ: وَحَنِثَ بِسَلَامِهِ عَلَيْهِ) أَيْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، وَقَوْلُهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُهُ أَيْ جَازِمًا أَنَّهُ غَيْرُهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ هُوَ لَا يُقَالُ هَذَا مِنْ اللَّغْوِ فَلَا يَحْنَثُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ اللَّغْوُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ اللَّغْوُ الْحَلِفُ عَلَى مَا يَعْتَقِدُ فَيَظْهَرُ نَفْيُهُ، وَالِاعْتِقَادُ هُنَا لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ لَغْوًا بَلْ بِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ تَعَلَّقَ بِزَيْدٍ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُهُ وَزَيْدٌ لَيْسَ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ بَلْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَدَمُ الْكَلَامِ، وَقَوْلُهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُهُ أَيْ، وَأَوْلَى ظَانًّا أَوْ شَاكًّا أَوْ مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: فَلَا تَنْفَعُهُ) أَيْ، وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُ الْإِخْرَاجُ بِالْأَدَاةِ مُتَّصِلًا بِالْكَلَامِ بِأَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إلَّا فُلَانًا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْجَمَاعَةِ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْإِخْرَاجُ بِالنِّيَّةِ أَوْ بِاللَّفْظِ، وَأَنَّ حَدِيثَ الْمُحَاشَاةِ بَعْدَ السَّلَامِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ فَلَا يَنْفَعُهُ إلَّا الْإِخْرَاجُ بِاللَّفْظِ لَا بِالنِّيَّةِ هَذَا، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ نِيَّةَ الْإِخْرَاجِ إذَا حَدَّثَتْ فِي أَثْنَاءِ السَّلَامِ لَا تَنْفَعُهُ أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْإِخْرَاجَ بِالنِّيَّةِ حَالَ السَّلَامِ يَنْفَعُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُحَاشَاةِ أَنَّ الْإِخْرَاجَ بِالنِّيَّةِ حَالَ الْيَمِينِ هَلْ يَنْفَعُهُ أَوْ لَا قَوْلَانِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَنْفَعُ وَالْإِخْرَاجُ حَالَ السَّلَامِ هُنَا كَالْإِخْرَاجِ حَالَ الْيَمِينِ.
(قَوْلُهُ: وَحَنِثَ بِفَتْحٍ إلَخْ) أَيْ حَنِثَ مَنْ حَلَفَ
(وَ) حَنِثَ إذَا خَرَجَتْ زَوْجَتُهُ مَثَلًا (بِلَا) عِلْمِ (إذْنِهِ) لَهَا فِي الْخُرُوجِ (فِي) حَلِفِهِ (لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي) ، وَأَذِنَ لَهَا، وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ لَا بِسَبَبِ إذْنِي، وَهِيَ لَمْ تَخْرُجْ بِسَبَبِهِ بِخِلَافِ إلَّا إنْ أَذِنْتُ، وَأَذِنَ وَخَرَجَتْ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ فَلَا حِنْثَ
(وَ) حَنِثَ (بِعَدَمِ عِلْمِهِ) أَيْ إعْلَامِهِ الْمَحْلُوفِ لَهُ لَمْ يَبَرَّ (فِي) حَلِفِهِ لِشَخْصٍ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِكَذَا (لَأُعْلِمَنَّهُ) بِهِ فَبَلَغَهُ الْخَبَرُ مِنْ غَيْرِ الْحَالِفِ فَلَا يَبَرُّ الْحَالِفُ إلَّا بِالْإِعْلَامِ (وَإِنْ بِرَسُولٍ) يُرْسِلُهُ إلَيْهِ وَأَوْلَى بِكِتَابٍ فَإِنَّهُ يَبَرُّ فَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الْمَفْهُومِ (وَهَلْ) الْحِنْثُ إذَا لَمْ يَعْلَمْهُ (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ) الْحَالِفُ (أَنَّهُ) أَيْ الْمَحْلُوفَ لَهُ (عَلِمَ) بِالْخَبَرِ مِنْ غَيْرِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْإِعْلَامِ، وَمُطْلَقُ عِلْمِ الْحَالِفِ أَنَّهُ عَلِمَ أَوَّلًا (تَأْوِيلَانِ) الْأَظْهَرُ مُرَاعَاةُ الْبِسَاطِ (أَوْ) بِعَدَمِ (عِلْمٍ) أَيْ إعْلَامِ (وَالٍ) مِنْ وُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ (ثَانٍ) تَوَلَّى بَعْدَ أَوَّلٍ (فِي حَلِفِهِ) طَوْعًا (لِأَوَّلٍ فِي نَظَرٍ) أَيْ فِي مَصْلَحَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فَمَاتَ الْأَوَّلُ أَوْ عُزِلَ فَلَوْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ لِلْوَالِي نَفْسِهِ فَلَا حِنْثَ بِعَدَمِ إعْلَامِ الثَّانِي بَلْ بِعَدَمِ إعْلَامِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَيَكْفِي إعْلَامُهُ، وَإِنْ بِرَسُولٍ، وَهَلْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ عَلِمَ تَأْوِيلَانِ.
(وَ) حَنِثَ (بِمَرْهُونٍ) مِنْ الثِّيَابِ (فِي) حَلِفِهِ لِمَنْ طَلَبَ مِنْهُ إعَارَتُهُ (لَا ثَوْبَ لِي) إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ الْمَرْهُونِ (وَ) حَنِثَ (بِالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ) أَيْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَكَذَا بِكُلِّ مَا يَنْفَعُهُ بِهِ مِنْ إسْكَانٍ أَوْ تَحْبِيسٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (فِي) حَلِفِهِ (لَا أَعَارَهُ وَبِالْعَكْسِ) أَيْ حَلِفُهُ لَا تَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَوْ لَا وَهَبَهُ فَأَعَارَهُ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ عَدَمُ نَفْعِهِ، وَفُهِمَ مِنْهُ حِنْثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَوَهَبَهُ، وَعَكْسُهُ بِالْأَوْلَى (وَنُوِّيَ) أَيْ قُبِلَتْ نِيَّتُهُ إنْ أَعَادَهَا عِنْدَ حَاكِمٍ، وَلَوْ فِي عِتْقٍ لِمُعَيِّنٍ وَطَلَاقٍ (إلَّا فِي صَدَقَةٍ) تَصَدَّقَ بِهَا بَدَلًا (عَنْ هِبَةٍ) بِأَنْ حَلَفَ لَا يَهَبُهُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
لَا كَلَّمْت فُلَانًا بِفَتْحٍ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا، وَلَوْ كَانَ الْفَتْحُ وَاجِبًا بِأَنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ إمَامًا، وَفَتَحَ الْحَالِفُ عَلَيْهِ فِي الْفَاتِحَةِ.
إنْ قُلْت إذَا لَمْ يَحْنَثْ بِسَلَامِ الرَّدِّ فِي الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ اسْتِنَانًا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْفَتْحِ عَلَى إمَامِهِ إذَا وَجَبَ قُلْت الْفَتْحُ فِي مَعْنَى الْمُكَالَمَةِ إذْ هُوَ فِي مَعْنَى قُلْ كَذَا وَاقْرَأْ كَذَا بِخِلَافِ سَلَامِ الصَّلَاةِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحِنْثِ بِالْفَتْحِ مُطْلَقًا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُ يَحْنَثُ بِالْفَتْحِ فِي السُّورَةِ، وَلَا يَحْنَثُ بِالْفَتْحِ عَلَيْهِ فِي الْفَاتِحَةِ
(قَوْلُهُ: وَبِلَا عِلْمٍ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِغَيْرِهِ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهَا وَخَرَجَتْ بَعْدَ إذْنِهِ لَكِنْ قَبْلَ عِلْمِهَا بِالْإِذْنِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، سَوَاءٌ أَذِنَ لَهَا، وَهُوَ حَاضِرٌ أَوْ فِي حَالِ سَفَرِهِ أَشْهَدَ عَلَى الْإِذْنِ أَمْ لَا.
(قَوْلُهُ: لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي) حَذَفَ مِنْهُ النُّونَ لِغَيْرِ جَازِمٍ، وَهُوَ لُغَةٌ شَاذَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لِكَوْنِهِ جَوَابًا لِلْقَسَمِ يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ خَبَرٌ لَا نَهْيٌ (قَوْلُهُ: إلَّا بِسَبَبِ إذْنِي) أَيْ، وَلَيْسَ قَصْدُهُ لَا تَخْرُجِي إلَّا مُصَاحِبَةً لِإِذْنِي، وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهَا مُصَاحِبٌ لِإِذْنِهِ فَلَوْ أَذِنَ لَهَا ثُمَّ رَجَعَ فِي إذْنِهِ فَخَرَجَتْ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْنَثُ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَحْنَثُ.
(قَوْلُهُ: وَبِعَدَمِ عِلْمِهِ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِالشَّيْءِ الْفُلَانِيِّ لَيُعْلِمَنَّ بِهِ زَيْدًا فَعَلِمَ بِهِ، وَلَمْ يُعْلِمْ بِهِ زَيْدًا حَتَّى عَلِمَهُ زَيْدٌ مِنْ غَيْرِ الْحَالِفِ فَإِنَّ الْحَالِفَ يَحْنَثُ بِذَلِكَ حَتَّى يُعْلِمَ زَيْدًا، وَالْمُرَادُ بِحِنْثِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَصِيرُ عَلَى حِنْثٍ، وَيَطْلُبُ بِمَا يَبَرُّ بِهِ وَاَلَّذِي يَبَرُّ بِهِ إعْلَامُهُ زَيْدًا مُشَافَهَةً أَوْ بِرَسُولٍ أَوْ كِتَابٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِحِنْثِهِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي وَرْطَةِ الْيَمِينِ، وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ (قَوْلُهُ: فَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الْمَفْهُومِ) وَالْمَعْنَى فَإِنْ أَعْلَمَهُ بَرَّ، وَإِنْ كَانَ الْإِعْلَامُ بِرَسُولٍ وَبَالَغَ عَلَى الرَّسُولِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَزِيدُ أَوْ يَنْقُصُ (قَوْلُهُ: وَهَلْ الْحِنْثُ إلَّا أَنْ يُعْلِمَ أَنَّهُ عَلِمَ بِالْخَبَرِ مِنْ غَيْرِهِ) فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ عَلِمَ بِالْخَبَرِ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِتَنْزِيلِ عِلْمِهِ بِإِعْلَامِ غَيْرِهِ مَنْزِلَةَ إعْلَامِهِ هُوَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا.
(قَوْلُهُ: تَأْوِيلَانِ) الْأَوَّلُ لِلَّخْمِيِّ وَالثَّانِي لِأَبِي عِمْرَانَ الْفَاسِيِّ (قَوْلُهُ: أَوْ بِعَدَمِ عِلْمٍ وَالثَّانِي) حَاصِلُهُ أَنَّهُ حَلَفَ طَوْعًا لِوَالٍ أَوْ لِمُتَوَلٍّ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ إنْ رَأَى الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ الَّذِي فِيهِ ظَفَرُ الْمُسْلِمِينَ، وَمَصْلَحَةٌ لَهُمْ لَيُخْبِرَنَّهُ بِهِ فَمَاتَ ذَلِكَ الْوَالِي الْمَحْلُوفُ لَهُ أَوْ عُزِلَ وَتَوَلَّى غَيْرُهُ ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ الْحَالِفَ رَأَى الْأَمْرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ الْوَالِيَ الثَّانِيَ فَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ بِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ أَيْ لَمْ يَبَرَّ، وَأَمَّا إعْلَامُ الْأَوَّلِ وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَأَمَّا إذَا حَلَفَ لِلْوَالِي أَنَّهُ إذَا رَأَى الْأَمْرَ الْفُلَانِيَّ الَّذِي فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَك لَأُخْبِرَنَّكَ بِهِ ثُمَّ إنَّهُ عُزِلَ الْوَالِي وَتَوَلَّى غَيْرُهُ وَرَأَى الْحَالِفُ ذَلِكَ الْأَمْرَ فَلَا يَبَرُّ إلَّا بِإِخْبَارِ الْوَالِي الْأَوَّلِ بِهِ دُونَ الثَّانِي، وَيَكْفِي إعْلَامُ الْأَوَّلِ، وَإِنْ بِرَسُولٍ فَإِنْ مَاتَ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ الْحَالِفُ، وَالْحَالُ أَنَّ الْحَالِفَ لَمْ يُفَرِّطْ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ عَقْلِيٌّ، وَلَا يَلْزَمُ الْحَالِفَ إعْلَامُ وَارِثِهِ أَوْ وَصِيِّهِ بِذَلِكَ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ لِلْوَالِي) أَيْ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ بَلْ بِعَدَمِ إعْلَامِ الْأَوَّلِ أَيْ بَلْ يَحْنَثُ بِعَدَمِ إعْلَامِ الْأَوَّلِ الْمَعْزُولِ.
(قَوْلُهُ: وَحَنِثَ بِمَرْهُونٍ فِي حَلِفِهِ لَا ثَوْبَ لِي) أَيْ سَوَاءٌ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الدَّيْنِ الْمَرْهُونِ فِيهِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ الْمَرْهُونِ) أَيْ فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ فَلَا حِنْثَ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا فَإِنْ نَوَى لَا ثَوْبَ لِي تُمْكِنُ إعَارَتُهُ لَمْ يَحْنَثْ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَدْرَ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ عَلَى الدَّيْنِ فَقَوْلَانِ بِالْحِنْثِ، وَعَدَمِهِ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُهُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى فَكِّ الرَّهْنِ فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لِعُسْرِهِ أَوْ لِكَوْنِ الدَّيْنِ مِمَّا لَا يُعَجَّلُ فَلَا حِنْثَ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: وَفُهِمَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرًا لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: وَنَوَى) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَالْعَكْسُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ أَنَّهُ -
فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا صُورَةُ الْمُصَنِّفِ الْأُولَى، وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ لَا أَعَارَهُ فَتَصَدَّقَ أَوْ وَهَبَ فَإِنَّهُ لَا يَنْوِي فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ إنْ رُوفِعَ مَعَ بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ بِخِلَافِ صُورَةِ الْعَكْسِ، وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ أَوْ لَا يَهَبُ فَأَعَارَ، وَكَذَا إنْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ فَوَهَبَ الَّتِي هِيَ عَكْسُ قَوْلِهِ إلَّا فِي صَدَقَةٍ عَنْ هِبَةٍ فَإِنَّهُ يَنْوِي حَتَّى فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ ثَلَاثَةً يَنْوِي مُطْلَقًا وَثَلَاثَةً يَنْوِي إلَّا فِيمَا عَلِمْتُ، وَأَمَّا عِنْدَ الْمُفْتِي فَيَنْوِي مُطْلَقًا فِي الْجَمِيعِ.
(وَ) حَنِثَ (بِبَقَاءٍ) زَائِدِ عَنْ إمْكَانِ الِانْتِقَالِ (وَلَوْ لَيْلًا فِي) حَلِفِهِ (لَا سَكَنْت) هَذِهِ الدَّارَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ لِعَدَمِ مَنْ يَنْقُلُ لَهُ مَتَاعَهُ أَوْ أَقَامَ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَهُوَ يَنْقُلُهُ لِكَثْرَتِهِ، وَعَدَمِ تَأَتِّي النَّقْلِ عَادَةً فِي يَوْمٍ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَقْصُودِ بِالْيَمِينِ وَكَذَا خَوْفُ ظَالِمٍ أَوْ سَارِقٍ، وَلَيْسَ مِنْ الْعُذْرِ وُجُودُ بَيْتٍ لَا يُنَاسِبُهُ أَوْ كَثِيرُ الْأُجْرَةِ بَلْ يَنْتَقِلُ، وَلَوْ لِبَيْتِ شَعْرٍ ثُمَّ إذَا خَرَجَ لَا يَعُودُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْعُمُومِ بِخِلَافِ لَأَنْتَقِلَنَّ (لَا) يَحْنَثُ بِالْبَقَاءِ (فِي) حَلِفِهِ (لَأَنْتَقِلَنَّ) إلَّا أَنْ يُقَيِّدَ بِزَمَانٍ فَيَحْنَثُ بِمُضِيِّهِ، وَيُؤْمَرُ مَنْ أَطْلَقَ بِالِانْتِقَالِ، وَهُوَ عَلَى حِنْثٍ، وَلَا يَطَأُ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَنْتَقِلَ إنْ كَانَ حَلِفُهُ بِالطَّلَاقِ
(وَلَا) يَحْنَثُ الْحَالِفُ عَلَى تَرْكِ السُّكْنَى (بِخَزْنٍ) بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا إذْ لَا يُعَدُّ سُكْنَى بِخِلَافِ لَوْ أَبْقَى شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ مَخْزُونًا فَيَحْنَثُ كَمَا سَيَأْتِي لَهُ (وَانْتَقَلَ فِي لَا أُسَاكِنُهُ عَمَّا كَانَا عَلَيْهِ) قَبْلَ الْيَمِينِ بِأَنْ يَنْتَقِلَا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا انْتِقَالًا يَزُولُ مَعَهُ اسْمُ الْمُسَاكَنَةِ عُرْفًا (أَوْ ضَرَبَا جِدَارًا) بَيْنَهُمَا، وَلَا يُشْتَرَطُ قَسْمُ الذَّاتِ بَلْ يَكْفِي قَسْمُ الْمَنَافِعِ، وَلَوْ كَانَ الْمَدْخَلُ وَاحِدًا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْجِدَارِ أَنْ يَكُونَ وَثِيقًا بَلْ يَكْفِي (وَلَوْ جَرِيدًا) خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَقَوْلُهُ (بِهَذِهِ الدَّارِ) مُتَعَلِّقٌ بِسَاكِنِهِ أَيْ حَلَفَ لَا أَسَاكِنُهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
لَا يَهَبُهُ أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَادَّعَى أَنَّهُ قَصَدَ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ حَقِيقَةً لَا عَدَمَ نَفْعِهِ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْعَارِيَّةِ وَتُقْبَلُ نِيَّتُهُ عِنْدَ الْقَاضِي حَتَّى فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ مَعَ الْمُرَافَعَةِ.
(قَوْلُهُ: فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ) أَيْ فَيَحْنَثُ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: إنَّمَا أَرَدْت خُصُوصَ الْهِبَةِ لَا نَفْعَهُ مُطْلَقًا إذَا رُوفِعَ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ مُعَيَّنٍ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَنْوِي) أَيْ فَيَحْنَثُ، وَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ أَنَّهُ أَرَادَ خُصُوصَ الْعَارِيَّةِ (قَوْلُهُ: إلَّا فِيمَا عَلِمَتْ) أَيْ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَيَّنِ إذَا حَصَلَتْ مُرَافَعَةٌ عِنْدَ الْقَاضِي
(قَوْلُهُ: وَبِبَقَاءٍ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَهُوَ فِيهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْهَا فَوْرًا؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ سُكْنَى عُرْفًا فَإِنْ بَقِيَ فِيهَا بَعْدَ يَمِينِهِ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ إمْكَانِ الِانْتِقَالِ حَنِثَ، وَلَوْ كَانَ الْبَقَاءُ لَيْلًا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ أَشْهَبَ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَمِّلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَقَوْلُ أَصْبَغَ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَزِيدَ عَلَيْهَا. اهـ. بْن، وَفِي عج أَنَّ هَذَا الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مَبْنِيٌّ عَلَى مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ، وَمَنْ رَاعَى الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ أَمْهَلَهُ حَتَّى يُصْبِحَ فَيَنْتَقِلُ لِمَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ مِثْلُهُ. اهـ. شَيْخُنَا عَدَوِيٌّ (قَوْلُهُ: لَمْ يَحْنَثْ) أَيْ، وَلَوْ كَانَ فِي مُدَّةِ النَّقْلِ سَاكِنًا (قَوْلُهُ: وَكَذَا خَوْفُ ظَالِمٍ) أَيْ، وَكَذَا لَا يَحْنَثُ بِبَقَائِهِ لَيْلًا لِخَوْفِ ظَالِمٍ أَوْ سَارِقٍ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى الْبَقَاءِ، وَيَمِينُهُ صِيغَةُ بِرٍّ، وَلَا حِنْثَ فِيهَا بِالْإِكْرَاهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ لَأَنْتَقِلَنَّ) أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْعَوْدُ لِلدَّارِ بَعْدَ الِانْتِقَالِ مِنْهَا بَعْدَ نِصْفِ شَهْرٍ، وَلَا بَقِيتُ، وَلَا أَقَمْتُ مِثْلَ لَأَنْتَقِلَنَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَقِيلَ مِثْلُ لَا سَكَنْتُ اُنْظُرْ بْن فَعَلَى الْمُعْتَمَدِ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ نِصْفِ شَهْرٍ إذَا حَلَفَ لَا بَقِيتُ فِي هَذِهِ الدَّارِ أَوْ لَا أَقَمْتُ فِيهَا، وَلَا يَحْنَثُ بِالْبَقَاءِ إلَّا أَنْ يُقَيِّدَ بِزَمَنٍ.
(قَوْلُهُ: لَا فِي لَأَنْتَقِلَنَّ) الْقَلْشَانِيُّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي حَمْلِ يَمِينِهِ لَأَفْعَلَنَّ عَلَى الْفَوْرِ فَيَحْنَثُ بِتَأْخِيرِهِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا يَحْنَثُ بِهِ قَوْلَانِ ثُمَّ قَالَ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَمِثْلُهُ فِي الْمَوَّاقِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَطَأُ امْرَأَتَهُ) أَيْ إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ بِطَلَاقٍ حَتَّى يَنْتَقِلَ فَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ وَرَافَعَتْهُ ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ إيلَاءٍ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ.
(قَوْلُهُ: فِي لَا أُسَاكِنُهُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا أُسَاكِنُهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَأَحْرَى لَوْ قَالَ فِي دَارٍ، وَكَانَا سَاكِنَيْنِ بِدَارٍ فَإِنَّهُ لَا يَبَرُّ إلَّا بِالِانْتِقَالِ الَّذِي يَزُولُ مَعَهُ اسْمُ الْمُسَاكَنَةِ عُرْفًا كَانَ الِانْتِقَالُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ بِضَرْبِ جِدَارٍ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ وَثِيقًا كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ حَجَرٍ أَوْ آجُرَّ أَوْ كَانَ غَيْرَ وَثِيقٍ بِأَنْ كَانَ مِنْ جَرِيدٍ، وَهَذَا صُورَةُ الْمَتْنِ عَلَى الْحَلِّ الْأَوَّلِ الْآتِي لِلشَّارِحِ، وَهُوَ جَعْلُ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ مُتَعَلِّقًا بِسَاكِنِهِ وَحَاصِلُ الْحَلِّ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا سَاكَنَهُ، وَكَانَا سَاكِنَيْنِ فِي دَارٍ فَلَا يَبَرُّ إلَّا بِالِانْتِقَالِ عُرْفًا أَوْ بِضَرْبِ جِدَارٍ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ غَيْرَ وَثِيقٍ هَذَا إذَا قَالَ لَا سَاكَنَهُ فِي دَارٍ بَلْ، وَلَوْ قَالَ فِي هَذِهِ الدَّارِ بَقِيَ مَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا سَاكَنَهُ، وَكَانَا بِحَارَةٍ أَوْ بِحَارَتَيْنِ فِي قَرْيَةٍ أَوْ مَدِينَةٍ فَالْحُكْمُ أَنَّهُمَا إذَا كَانَا بِحَارَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الِانْتِقَالِ سَوَاءٌ كَانَتْ يَمِينُهُ لَا سَاكَنَهُ أَوْ لَا سَاكَنَهُ فِي هَذِهِ الْحَارَةِ، وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ لَا سَاكَنَهُ بِبَلْدَةٍ أَوْ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ فَيَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ لِبَلَدٍ لَا يَلْزَمُ أَهْلَهَا السَّعْيُ لِجُمُعَةٍ الْأُخْرَى بِأَنْ يَنْتَقِلَ لِبَلَدٍ عَلَى كَفَرْسَخٍ، وَإِنْ حَلَفَ لَا سَاكَنَهُ وَالْحَالُ أَنَّهُمَا بِحَارَتَيْنِ لَزِمَهُ الِانْتِقَالُ لِبَلْدَةٍ أُخْرَى عَلَى كَفَرْسَخٍ إنْ صَغُرَتْ الْبَلْدَةُ الَّتِي هُمَا بِهَا؛ لِأَنَّ الْقَرْيَةَ الصَّغِيرَةَ كَمَحَلَّةِ فَإِنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ كَبِيرَةً فَلَا يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ وَتَلْزَمُهُ الْمُبَاعَدَةُ عَنْهُ، وَعَدَمُ سُكْنَاهُ مَعَهُ فَإِنْ سَكَنَ مَعَهُ حَنِثَ قَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ كَانَ حِينَ حَلِفِهِ بِمَحَلَّةٍ انْتَقَلَ لِأُخْرَى، وَمَحَلَّتَيْنِ فِي مَدِينَةٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُسَاكِنَهُ، وَفِي قَرْيَةٍ انْتَقَلَ لِأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْقَرْيَةَ كَمَحَلَّةٍ وَاَلَّذِي فِي ح عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَا نَصُّهُ، وَإِنْ كَانَا حِينَ الْيَمِينِ فِي قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ انْتَقَلَ عَنْهُ إلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَنْتَقِلَا مَعًا) أَيْ مِنْ الْبَيْتِ أَوْ يَنْتَقِلُ أَحَدُهُمَا مِنْهُ وَيَبْقَى الْآخَرُ سَاكِنًا فِيهِ.
(قَوْلُهُ اسْمُ الْمُسَاكَنَةِ عُرْفًا) احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا إذَا انْتَقَلَ -
وَأَحْرَى إنْ لَمْ يُعَيِّنْ فَلَوْ قَدَّمَهُ بِلَصْقِهِ كَانَ أَوْلَى، وَقِيلَ هُوَ دَاخِلٌ فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ رَدًّا عَلَى مَا قِيلَ لَا يَكْفِي الْجِدَارُ فِي الْمُعَيَّنَةِ
(وَ) حَنِثَ فِي لَا أُسَاكِنُهُ (بِالزِّيَارَةِ) مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ (إنْ قَصَدَ) بِيَمِينِهِ (التَّنَحِّيَ) عَنْهُ أَيْ الْبُعْدِ إذْ لَا بُعْدَ مَعَ الزِّيَارَةِ (لَا) إنْ لَمْ يَقْصِدْهُ بَلْ كَانَتْ يَمِينُهُ (لِدُخُولِ) شَيْءٍ بَيْنَ (عِيَالٍ) مِنْ نِسَاءٍ وَصِبْيَةٍ فَلَا حِنْثَ بِالزِّيَارَةِ، وَكَذَا إنْ كَانَ لَا نِيَّةَ لَهُ (إنْ لَمْ يُكْثِرْهَا نَهَارًا) فَإِنْ أَكْثَرَهَا حَنِثَ وَالْكَثْرَةُ بِالْعُرْفِ، وَقِيلَ أَنْ يَمْكُثَ عِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (وَيَبِيتُ بِلَا مَرَضٍ) قَامَ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ، وَيَبِيتَ بِالنَّصْبِ فَمَنْطُوقُهُ عَدَمُ الْحِنْثِ بِانْتِفَاءِ الْأَمْرَيْنِ، وَمَفْهُومُهُ الْحِنْثُ بِوُجُودِهِمَا أَوْ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا، وَلَك أَنْ تَجْعَلَ يَبِيتُ مَجْزُومًا عَطْفًا عَلَى يُكْثِرَ أَيْ فَلَا يَحْنَثُ إنْ انْتَفَيَا، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ وُجُودَ أَحَدِهِمَا كَافٍ فِي الْحِنْثِ فَإِنْ بَاتَ لِمَرَضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَا حِنْثَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ لَا نِيَّةَ لَهُ فِي يَمِينِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْحَامِلُ لَهُ دُخُولُ شَيْءٍ بَيْنَ الْعِيَالِ فَلَا وَجْهَ لِلْحِنْثِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْكَثْرَةُ وَالْبَيَاتُ مَعَ الْعِيَالِ
(وَسَافَرَ الْقَصْرَ) أَرْبَعَةُ بُرُدٍ، وَإِلَّا لَمْ يَبَرَّ (فِي) حَلِفِهِ (لَأُسَافِرَنَّ) حَمْلًا لَهُ عَلَى الْمَقْصِدِ الشَّرْعِيِّ دُونَ اللُّغَوِيِّ (وَمَكَثَ) فِي مُنْتَهَى سَفَرِهِ خَارِجًا عَنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ (نِصْفَ شَهْرٍ) ، وَإِلَّا لَمْ يَبَرَّ وَالْمُرَادُ بِالْمُكْثِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ لِمَكَانٍ دُونَ الْمَسَافَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ لَوْ اسْتَمَرَّ سَائِرًا نِصْفَ شَهْرٍ بَعْدَ الْمَسَافَةِ لَكَفَى (وَنُدِبَ كَمَالُهُ) أَيْ كَمَالُ الشَّهْرِ (كَأَنْتَقِلَنَّ) أَيْ كَحَلِفِهِ لَأَنْتَقِلَنَّ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْتَقِلَ لِأُخْرَى عَلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ، وَمُكْثِ نِصْفِ شَهْرٍ وَنُدِبَ كَمَالُهُ وَأَمَّا مِنْ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ الْحَارَةِ أَوْ نَوَى ذَلِكَ كَفَى الِانْتِقَالُ لِأُخْرَى، وَيَمْكُثُ نِصْفَ شَهْرٍ، وَيُنْدَبُ كَمَالُهُ فَإِنْ أَطْلَقَ، وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبَرَّ إلَّا بِفِعْلِ مَنْ قَيَّدَ بِالْبَلَدِ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً، وَقَوْلُهُ (وَلَوْ بِإِبْقَاءِ رَحْلِهِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ لَا سَكَنْت وَلِقَوْلِهِ لَأَنْتَقِلَنَّ لَكِنَّ الْمَعْنَى مُخْتَلِفٌ
ــ
[حاشية الدسوقي]
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَكَانِ الْآخَرِ وَسَكَنَ فِيهِ فَهَذِهِ الْحَالَةُ لَا يَزُولُ مَعَهَا اسْمُ الْمُسَاكَنَةِ عُرْفًا فَلَا يَبَرُّ بِهَا، وَفِي ح عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُمَا إذَا كَانَا بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَفَوْقَهُمَا مَحَلٌّ خَالٍ فَإِنْ انْتَقَلَ أَحَدُهُمَا لِلْعُلُوِّ وَبَقِيَ الْآخَرُ فِي الْأَسْفَلِ أَجْزَأَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَرَافِقُ مُسْتَقِلَّةٌ، وَمَدْخَلٌ مُسْتَقِلٌّ وَرَأَى بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكْفِي إذَا كَانَ سَبَبُ الْيَمِينِ مَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ أَجْلِ الْمَاعُونِ، وَأَمَّا الْعَدَاوَةُ فَلَا يَكْفِي.
(قَوْلُهُ: وَأَحْرَى إنْ لَمْ يُعَيِّنْ) أَيْ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا أُسَاكِنُهُ فِي دَارٍ، وَالْحَالُ أَنَّهُمَا سَاكِنَانِ فِي دَارٍ (قَوْلُهُ: رَدًّا عَلَى مَا قِيلَ) أَيْ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ (قَوْلُهُ: فِي الْمُعَيَّنَةِ) أَيْ فِي الدَّارِ الْمُعَيَّنَةِ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ كَمَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا سَاكَنْته فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُصَنِّفُ أَشَارَ بِلَوْ لِخِلَافَيْنِ وَالْمَعْنَى أَوْ ضَرَبَا جِدَارًا هَذَا إذَا كَانَ وَثِيقًا بَلْ، وَإِنْ كَانَ جَرِيدًا خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الدَّارَ بِأَنْ قَالَ لَا أُسَاكِنُهُ بَلْ، وَإِنْ عَيَّنَهَا بِأَنْ قَالَ لَا أُسَاكِنُهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ كَانَ لَا نِيَّةَ لَهُ) أَيْ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَفْهُومُ الشَّرْطِ لَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ لَا لِدُخُولٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ، وَمَفْهُومَ قَوْلِهِ لَا لِدُخُولٍ تَعَارَضَا فِيمَا إذَا كَانَ لَا نِيَّةَ لَهُ فِي يَمِينِهِ فَمَفْهُومُ الشَّرْطِ يَقْتَضِي عَدَمَ حِنْثِهِ، وَمَفْهُومُ الثَّانِي يَقْتَضِي حِنْثَهُ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَفْهُومُ الشَّرْطِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَكْثَرَهَا حَنِثَ إلَخْ) إلَّا أَنْ يَشْخَصَ إلَيْهِ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ (قَوْلُهُ: بِالْعُرْفِ) أَيْ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ (قَوْلُهُ: بِلَا مَرَضٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ مَرَضٌ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَيَجْلِسُ لِيُعَلِّلَهُ كَذَا فِي بْن، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ مَرَضٍ لِلْحَالِفِ فَعَجَزَ عَنْ الِانْتِقَالِ وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: فَمَنْطُوقُهُ عَدَمُ الْحِنْثِ بِانْتِفَاءِ الْأَمْرَيْنِ) بِأَنْ لَمْ تَحْصُلْ كَثْرَةُ الزِّيَارَةِ نَهَارًا، وَلَا الْبَيَاتُ بِلَا مَرَضٍ، وَقَوْلُهُ، وَمَفْهُومُهُ الْحِنْثُ بِوُجُودِهِمَا أَيْ بِأَنْ أَكْثَرَ الزِّيَارَةِ نَهَارًا وَبَاتَ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ وُجُودُ أَحَدِهِمَا ذَلِكَ بِأَنْ أَكْثَرَ الزِّيَارَةِ نَهَارًا، وَلَمْ يَبِتْ لِغَيْرِ مَرَضٍ بِأَنْ لَمْ يَبِتْ أَصْلًا أَوْ بَاتَ لِمَرَضٍ أَوْ أَنَّهُ بَاتَ لِغَيْرِ مَرَضٍ مِنْ غَيْرِ إكْثَارٍ لِلزِّيَارَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ بَاتَ لِمَرَضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ) أَيْ أَوْ لِمَرَضِ الْحَالِفِ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: وَهَذَا ظَاهِرٌ) أَيْ حِنْثُهُ بِوُجُودِهِمَا أَوْ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا ظَاهِرٌ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: حَمْلًا لَهُ عَلَى الْمَقْصَدِ الشَّرْعِيِّ) هَذَا يُؤَيِّدُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ تَقْدِيمُ الْمَقْصَدِ الشَّرْعِيِّ عَلَى اللُّغَوِيِّ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ لِمَكَانٍ دُونَ الْمَسَافَةِ) أَيْ قَبْلَ نِصْفِ الشَّهْرِ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْمَسَافَةِ أَيْ، وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ بُرُدٌ. (قَوْلُهُ: كَفَى الِانْتِقَالَ لِأُخْرَى) أَيْ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَهَذَا إذَا قَصَدَ إرْهَابَ جَارِهِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا إنْ كَرِهَ مُجَاوِرَتَهُ فَلَا يُسَاكِنُهُ أَبَدًا. اهـ.
بْن (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَطْلَقَ) أَيْ فَإِنْ حَلَفَ لَأَنْتَقِلَنَّ، وَأَطْلَقَ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْبَلَدِ أَوْ الدَّارِ أَوْ الْحَارَةِ لَا لَفْظًا، وَلَا نِيَّةَ، وَقَوْلُهُ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبَرَّ إلَخْ أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُهُ سَفَرُ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَمُكْثُ نِصْفِ
فَالْمَعْنَى بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِإِبْقَاءِ رَحْلِهِ وَبِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِي أَنَّهُ لَا يَبَرُّ بِإِبْقَائِهِ وَالْمُرَادُ بِالرَّحْلِ مَا يَحْمِلُ الْحَالِفَ عَلَى الرُّجُوعِ لَهُ إنْ تَرَكَهُ (لَا بِكَمِسْمَارٍ) وَوَتَدٍ مِمَّا لَا يَحْمِلُهُ عَلَى الْعَوْدِ فَلَا يَحْنَثُ بِتَرْكِهِ (وَهَلْ) عُدِمَ الْحِنْثُ بِتَرْكِهِ (إنْ نَوَى عَدَمَ عَوْدِهِ) لَهُ فَإِنْ نَوَى الْعَوْدَ حَنِثَ أَوْ عُدِمَ الْحِنْثُ مُطْلَقًا (تَرَدُّدٌ) وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْأَوَّلَ يَقُولُ بِالْحِنْثِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ كَمَا إذَا نَسِيَ الْمِسْمَارَ وَنَحْوَهُ مَعَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ الْحِنْثِ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ فَمَحَلُّ التَّرَدُّدِ إنْ نَوَى الْعَوْدَ فَإِنْ نَوَى عَدَمَهُ لَمْ يَحْنَثْ اتِّفَاقًا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَوْ قَالَ، وَهَلْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ عَوْدَهُ تَرَدَّدَ كَانَ أَحْسَنَ.
(وَ) مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا فَقَضَاهُ إيَّاهُ فَاسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ أَوْ طَلَعَ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ حَنِثَ (بِاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ) ، وَأَوْلَى كُلِّهِ، وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ الْبَاقِي يَفِي بِالدَّيْنِ (أَوْ) ظُهُورِ (عَيْبِهِ) الْقَدِيمِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ (بَعْدَ الْأَجَلِ) كَمَا إذَا وَجَدَ فِيهَا نُحَاسًا أَوْ رَصَاصًا، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَرْضَ بِالْمَعِيبِ وَاجِدُهُ فَإِنْ رَضِيَ بِهِ فَلَا حِنْثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقْصَ عَدَدٍ أَوْ وَزْنٍ فِي الْمُتَعَامَلِ بِهِ كَذَلِكَ فَيَحْنَثُ، وَلَوْ رَضِيَ.
(وَ) حَنِثَ مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا (بِبَيْعٍ فَاسِدٍ) مُتَّفَقٍ عَلَى فَسَادِهِ، وَقَاصَصَهُ بِثَمَنِهِ مِنْ حَقِّهِ (فَاتَ) الْمَبِيعُ فِي يَدِ صَاحِبِ الْحَقِّ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْأَجَلِ الْمَحْلُوفِ إلَيْهِ (إنْ لَمْ تَفِ) الْقِيمَةُ بِالدَّيْنِ، وَلَمْ يُكَمِّلُ الْحَالِفُ لِلْغَرِيمِ بَقِيَّةَ حَقِّهِ حَتَّى مَضَى الْأَجَلُ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ لِمُضِيِّهِ بِالثَّمَنِ (كَأَنْ لَمْ يَفُتْ) الْمَبِيعُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَيْ، وَفَاتَ بَعْدَهُ فَإِنْ، وَفَّتْ الْقِيمَةُ بَرَّ، وَإِلَّا فَلَا (عَلَى الْمُخْتَارِ) فَإِنْ لَمْ يَفُتْ الْمَبِيعُ قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ حَنِثَ قَطْعًا
ــ
[حاشية الدسوقي]
شَهْرٍ وَنُدِبَ كَمَالُهُ.
(قَوْلُهُ: فَالْمَعْنَى بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلِ أَنَّهُ يَحْنَثُ إلَخْ) ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى إذَا حَلَفَ لَا أَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْتَحِلَ بِجَمِيعِ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَمَتَاعِهِ فَوْرًا، فَإِنْ ارْتَحَلَ بِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَأَبْقَى مِنْ مَتَاعِهِ مَا لَهُ بَالٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لَا إنْ تَرَكَ نَحْوَ مِسْمَارٍ أَوْ خَشَبَةٍ مِمَّا لَا يَحْمِلُ الْحَالِفُ عَلَى الْعَوْدِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِ ذَلِكَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ تَرَكَهُ لِيَعُودَ إلَيْهِ أَمْ لَا، وَقِيلَ إنْ نَوَى الْعَوْدَ إلَيْهِ حَنِثَ لَا إنْ نَوَى عَدَمَ الْعَوْدِ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ فَالتَّرَدُّدُ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ نَوَى الْعَوْدَ لَهُ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَبَرُّ) أَيْ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَيَنْتَقِلَنَّ يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ فَإِذَا نَقَلَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ، وَأَبْقَى رَحْلَهُ فَلَا يَبَرُّ بِذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي شَيْئًا قَلِيلًا كَمِسْمَارٍ أَوْ خَشَبَةٍ فَإِنَّهُ يَبَرُّ (قَوْلُهُ: وَهَلْ عَدِمَ الْحِنْثَ) أَيْ بِإِبْقَاءِ الْمِسْمَارِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: تَرَدُّدٌ) التَّرَدُّدُ هُنَا لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي فَهْمِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَإِنْ تَرَكَ مِنْ النَّقْلِ مِثْلَ الْوَتَدِ وَالْمِسْمَارِ وَالْخَشَبَةِ مِمَّا لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِ أَوْ تَرَكَ ذَلِكَ نِسْيَانًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ. هَلْ يُقَيَّدُ بِمَا لَمْ يَنْوِ عَوْدَهُ لَهُ فَإِنْ نَوَى عَوْدَهُ إلَيْهِ حَنِثَ أَوْ يَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ اخْتِلَافُهُمْ فِي فَهْمِ الْمُدَوَّنَةِ عَبَّرَ بِالتَّرَدُّدِ دُونَ التَّأْوِيلَيْنِ. اهـ. بْن، وَفِي عج أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالتَّرَدُّدِ فِي مَحَلِّهِ، وَأَنَّ النَّقْلَ اخْتَلَفَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فَابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ نَقَلَ عَنْهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ فِيمَا إذَا نَوَى الْعَوْدَ وَنَقَلَ عَنْ أَشْهَبَ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَغَيْرُ ابْنِ رُشْدٍ نَقَلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَدَمَ الْحِنْثِ إذَا نَوَى الْعَوْدَ لَهُ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ) فَإِنَّهُ يَقُولُ بِالْحِنْثِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَصْلًا أَوْ نَوَى الْعَوْدَ إلَيْهِ فَإِنْ نَوَى عَدَمَ الْعَوْدِ لَهُ فَلَا حِنْثَ.
(قَوْلُهُ: وَأَوْلَى كُلُّهُ) أَيْ، وَقَامَ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ، وَهَذَا الْقَيْدُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ يَجْرِي فِي الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ كَمَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ. اهـ. بْن (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ الْبَاقِي يَفِي بِالدَّيْنِ) ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ فِي حَقِّهِ إلَّا بِالْكُلِّ فَلَمَّا ذَهَبَ الْبَعْضُ انْتَقَضَ الرِّضَا، وَهَذَا فِي الْقَضَاءِ بِغَيْرِ الْجِنْسِ وَظَاهِرُهُ الْحِنْثُ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَلَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ أَخَذَ رَبُّ الْحَقِّ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْمَقْضِيَّ بِهِ الدَّيْنُ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْأَجَلِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ، وَكَانَ الْقِيَامُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ بَعْدَ الْأَجَلِ فَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْحِنْثَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ أَنْ يَقُومَ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ، وَأَنْ يَكُونَ قِيَامُهُ بَعْدَ الْأَجَلِ، وَفِي مَسْأَلَةِ ظُهُورِ الْعَيْبِ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ ثَلَاثَةٍ بِزِيَادَةِ كَوْنِ الْعَيْبِ مُوجِبًا لِلرَّدِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلرَّدِّ أَوْ لَمْ يَقُمْ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ بَلْ سَامَحَ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ، وَإِنْ قَامَ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ قَبْلَ الْأَجَلِ فَلَا حِنْثَ إنْ أَجَازَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُجِزْ وَاسْتَوْفَى حَقَّهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ، وَإِلَّا حَنِثَ اُنْظُرْ ح. اهـ. بْن.
(قَوْلُهُ: وَبِبَيْعٍ فَاسِدٍ إلَخْ) صُورَتُهَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا فَبَاعَهُ عَرَضًا قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ بَيْعًا فَاسِدًا بِمِثْلِ الدَّيْنِ، وَقَاصَصَهُ بِالثَّمَنِ، وَفَاتَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ صَاحِبِ الْحَقِّ قَبْلَ الْأَجَلِ فَإِنْ مَضَى الْأَجَلُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ الشَّرْعِيَّةَ لَمْ تَحْصُلْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْقِيمَةِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَبَرُّ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) أَيْ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ فِي الْقِيمَةِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ أَوْ كَمَّلَ الْحَالِفُ لِلْغَرِيمِ بَقِيَّةَ حَقِّهِ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ فَلَا حِنْثَ (قَوْلُهُ: كَأَنْ لَمْ يَفُتْ) هَذَا تَشْبِيهٌ بِمَا قَبْلَهُ تَامٌّ فِي مَنْطُوقِهِ، وَمَفْهُومِهِ، وَمَنْطُوقُهُ إنْ لَمْ تَفِ الْقِيمَةُ بِالدَّيْنِ وَمَفْهُومُهُ وَفَاؤُهَا بِالدَّيْنِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَفُتْ الْمَبِيعُ قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّخْمِيِّ كَظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ فِي أَنَّ الْخِلَافَ وَالِاخْتِيَارَ جَارِيَانِ فِيمَا إذَا لَمْ يَفُتْ قَبْلَ الْأَجَلِ سَوَاءٌ فَاتَ بَعْدَهُ أَمْ لَا وَنَصُّ اللَّخْمِيِّ فَإِنْ مَضَى الْأَجَلُ، وَهُوَ قَائِمٌ فَقَالَ سَحْنُونٌ يَحْنَثُ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَحْنَثُ، وَأَرَى بِرَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ اهـ. نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ، وَقَدْ شَرَحَ ح كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ، وَقَالَ -
لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَقِيلَ يَحْنَثُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ لَا مُطْلَقًا.
(وَ) حَنِثَ أَيْضًا (بِهِبَتِهِ) أَيْ بِهِبَةِ الدَّيْنِ (لَهُ) أَيْ لِلْمَدِينِ الْحَالِفِ لِرَبِّهِ لَأَقْضِيَنَّك حَقَّك فِي أَجَلِ كَذَا، وَقَبْلَ الْهِبَةِ فَيَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ، وَلَا يَنْفَعُهُ دَفْعُهُ بَعْدَ الْقَبُولِ لِرَبِّهِ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فَإِنْ، وَفَّاهُ لِرَبِّهِ قَبْلَ الْأَجَلِ بَرَّ؛ لِأَنَّهُ عَلَى بِرٍّ لِلْأَجَلِ (أَوْ دَفْعِ قَرِيبٍ) لِلْحَالِفِ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْحَالِفِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَإِنْ) كَانَ الدَّفْعُ (مِنْ مَالِهِ) أَيْ الْحَالِفِ فَيَحْنَثُ أَيْ لَمْ يَبَرَّ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِدَفْعِ قَرِيبِهِ عَنْهُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَيَرْضَى فَيَبَرُّ سَوَاءٌ دَفَعَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ الْحَالِفِ أَوْ كَانَ الدَّافِعُ وَكِيلًا لِلْحَالِفِ (أَوْ شَهَادَةِ بَيِّنَةٍ) لِلْحَالِفِ عَلَى رَبِّ الْحَقِّ (بِالْقَضَاءِ) أَوْ تَذَكُّرِ أَنَّهُ كَانَ قَبَضَهُ وَأَبْرَأَهُ فَلَا يَبَرُّ الْحَالِفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ (إلَّا بِدَفْعِهِ) الْحَقَّ لِرَبِّهِ (ثُمَّ أَخَذَهُ) مِنْهُ إنْ شَاءَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ إذَا قَبِلَ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَشْهَبَ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا تَقَدَّمَ (لَا إنْ جُنَّ) الْحَالِفُ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ لِأَجَلِ كَذَا أَوْ أُسِرَ أَوْ حُبِسَ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ الدَّفْعُ (وَدَفَعَ الْحَاكِمُ) عَنْهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ مِنْ مَالِهِ أَوْ مَالِ الْحَاكِمِ فَيَبَرُّ حَيْثُ الْأَوْلَى لِلْمَجْنُونِ وَإِلَّا لَمْ يَبَرَّ بِدَفْعِ الْحَاكِمِ بَلْ يَدْفَعُ وَلِيَّهُ (وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ) الْحَاكِمُ عَنْهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ بَلْ بَعْدَهُ (فَقَوْلَانِ) بِالْحِنْثِ، وَعَدَمِهِ.
(وَ) حَنِثَ (بِعَدَمِ قَضَاءٍ فِي غَدٍ فِي) حَلِفِهِ (لَأَقْضِيَنَّك) حَقَّك (غَدًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ)(وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَيْسَ هُوَ) يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَلْ الْخَمِيسِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
ابْنُ عَاشِرٍ مَفْهُومُ قَبْلَهُ مُنْدَرِجٌ فِي قَوْلِهِ كَأَنْ لَمْ يَفُتْ؛ لِأَنَّ هَذَا صَادِقٌ بِمَا إذَا لَمْ يَفُتْ أَصْلًا وَبِمَا إذَا فَاتَ لَكِنْ بَعْدَ الْأَجَلِ. اهـ. بْن (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي) فِيهِ نَظَرٌ، وَذَلِكَ لِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُ الْفَاسِدِ بِالْقَبْضِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَحْنَثُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْقِيمَةِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ أَمْ لَا وَالْفَرْضُ أَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَفُتْ قَبْلَ الْأَجَلِ فَهَذَا مُقَابِلٌ لِاخْتِيَارِ اللَّخْمِيِّ الْوَاقِعِ فِي الْمَتْنِ، وَكَذَا الْقَوْلُ بَعْدَهُ وَتَحَصَّلَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا ثُمَّ بَاعَهُ عَرَضًا بَيْعًا فَاسِدًا، وَقَاصَصَهُ بِالثَّمَنِ مِنْ حَقِّهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَفُوتَ ذَلِكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ قَبْلَ الْأَجَلِ الْمَحْلُوفِ إلَيْهِ أَوْ لَا يَفُوتُ قَبْلَهُ فَإِنْ فَاتَ قَبْلَهُ حَنِثَ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ لَا تَفِي بِالدَّيْنِ، وَلَمْ يُكَمِّلْ الْحَالِفُ لِلْغَرِيمِ بَقِيَّةَ حَقِّهِ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ لَا تَفِي بِالدَّيْنِ وَلَمْ يُكْمِلْ الْحَالِفُ لِلْغَرِيمِ بَقِيَّةَ حَقِّهِ قَبْلَ الْأَجَلِ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ تَفِي بِالدَّيْنِ أَوْ أَكْمَلَ الْحَالِفُ لِلْغَرِيمِ بَقِيَّةَ حَقِّهِ قَبْلَ الْأَجَلِ فَلَا حِنْثَ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ، وَإِنْ لَمْ يَفُتْ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْأَجَلِ، سَوَاءٌ فَاتَ بَعْدَهُ أَوْ لَمْ يَفُتْ أَصْلًا فَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ قَالَ سَحْنُونٌ يَحْنَثُ مُطْلَقًا، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ التَّفْصِيلَ، وَهُوَ الْحِنْثُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْقِيمَةِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ، وَعَدَمُ الْحِنْثِ إنْ كَانَ فِيهَا وَفَاءٌ بِهِ، وَاعْتَرَضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ بِأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّ هَذَا اخْتِيَارُ اللَّخْمِيِّ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ لَمَّا كَانَ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْقَوْلَيْنِ كَانَ مُخْتَارًا مِنْ الْخِلَافِ.
(قَوْلُهُ: وَبِهِبَتِهِ لَهُ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ لِأَجَلِ كَذَا فَوَهَبَهُ لَهُ رَبُّ الدَّيْنِ، وَقَبِلَ الْحَالِفُ الْهِبَةَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْفَعُهُ إلَخْ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَعَلَى الْحِنْثِ فَهَلْ يَحْنَثُ بِنَفْسِ قَبُولِ الْهِبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ الْأَجَلُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْبَغُ وَابْنُ حَبِيبٍ أَوْ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ، وَلَمْ يَقْضِهِ الدَّيْنَ، وَلَوْ قَضَاهُ إيَّاهُ بَعْدَ الْقَبُولِ، وَقَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَمْ يَحْنَثْ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَشْهَبَ. اهـ. قَالَ ح، وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَأَشْهَبَ حَمَلَ بَهْرَامُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ. اهـ. وَذَكَرَ تت فِي كَبِيرِهِ عَنْ ابْنِ نَاجِيٍّ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ فَالصَّوَابُ حَمْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ وَحَنِثَ الْمَدِينُ الْحَالِفُ لَأَقْضِيَنَّ حَقَّ فُلَانٍ إلَى أَجَلِ كَذَا فَوَهَبَهُ لَهُ رَبُّ الدَّيْنِ، وَقَبِلَ الْحَالِفُ الْهِبَةَ، وَمَضَى الْأَجَلُ، وَلَمْ يَقْضِهِ الدَّيْنَ خِلَافًا لعبق وَتَبِعَهُ شَارِحُنَا وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَلَا يَنْفَعُهُ دَفْعُهُ لَهُ بَعْدَ الْقَبُولِ، لَا يُسَلَّمُ بَلْ الْحَقُّ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ دَفْعُهُ لَهُ بَعْدَ الْقَبُولِ قَبْلَ الْأَجَلِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ دَفْعٌ قَرِيبٌ عَنْهُ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَأَقْضِيَنَّك حَقَّك فَدَفَعَ الْحَقَّ لِرَبِّهِ قَرِيبُ الْحَالِفِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّ الْحَالِفَ لَا يَبَرُّ، سَوَاءٌ دَفَعَ ذَلِكَ الْقَرِيبُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مَالِ الْحَالِفِ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى قَرِيبٍ غَيْرِ وَكِيلٍ أَوْ وَكِيلِ تَقَاضٍ لَهُ أَوْ ضَيْعَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَمَّا لَوْ كَانَ وَكِيلَ قَضَاءٍ أَوْ مُفَوَّضًا فَإِنَّهُ يَبَرُّ بِدَفْعِهِ أَمَرَهُ أَمْ لَا عَلِمَ بِذَلِكَ وَسَكَتَ أَمْ لَا اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ: إلَّا بِدَفْعِهِ ثُمَّ أَخَذَهُ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَأَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ رَبَّهُ قَبَضَهُ أَوْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِالْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَبَرُّ بِذَلِكَ، وَلَا يَبَرُّ إلَّا بِدَفْعِ الْحَقِّ، وَإِذَا دَفَعَهُ فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْجِعْ فَقَوْلُهُ ثُمَّ أَخَذَهُ يُقْرَأُ فِعْلًا مَاضِيًا أَيْ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ إذَا دَفَعَهُ أَخَذَهُ أَوْ يُقْرَأُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ ثُمَّ لَهُ أَخْذُهُ، وَلَا يُقْرَأُ بِالْجَرِّ لِئَلَّا يُوهِمَ تَوَقُّفَ الْبِرِّ عَلَى الدَّفْعِ وَالْأَخْذِ مَعًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْبِرُّ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ ابْنُ عَاشِرٍ، وَهَذَا إنْ قَبِلَ الْمَحْلُوفُ لَهُ قَبْضَ الْمَالِ فَإِنْ أَبَى، وَقَالَ لَا حَقَّ لِي لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبْضِهِ، وَيَقَعُ الْحِنْثُ، وَقَالَ بْن إنْ أَبَى لَهُ أَنْ يَدْفَعَ لِلْحَاكِمِ لِيَبَرَّ ثُمَّ يَأْخُذَهُ، وَاسْتَظْهَرَ عج جَبْرَ رَبِّ الْحَقِّ عَلَى قَبُولِهِ إنْ أَبَى مِنْهُ لِأَجْلِ أَنْ يَبَرَّ الْحَالِفُ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يَبَرَّ بِدَفْعِ الْحَاكِمِ) بَلْ بِدَفْعِ وَلِيِّهِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ يَبَرُّ بِدَفْعِ الْحَاكِمِ، وَلَوْ كَانَ لِلْمَجْنُونِ وَلِيٌّ أَوْ وَكِيلٌ؛ لِأَنَّهُ انْعَزَلَ بِجُنُونِهِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلِّ بِرِّهِ حَيْثُ لَمْ يُفِقْ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِهِ لَهُ ثُمَّ أَخْذِهِ. اهـ. شَيْخُنَا عَدَوِيٌّ (قَوْلُهُ: فَقَوْلَانِ بِالْحِنْثِ، وَعَدَمِهِ) الْأَوَّلُ قَوْلُ أَصْبَغَ نَظَرًا إلَى حِينِ الْيَمِينِ، وَالثَّانِي قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ نَظَرًا إلَى حِينِ -
مَثَلًا لِتَعَلُّقِ الْحِنْثِ بِالْغَدِ لَا بِتَسْمِيَتِهِ الْيَوْمِ، وَهُوَ يَقَعُ بِأَدْنَى سَبَبٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ غَدًا (لَا) يَحْنَثُ (إنْ قَضَى قَبْلَهُ) ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ عَدَمُ الْمَطْلِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى غَدٍ الْمَطْلَ فَيَحْنَثُ بِالتَّعْجِيلِ (بِخِلَافِ) حَلِفِهِ عَلَى طَعَامٍ (لَآكُلَنَّهُ) غَدًا فَأَكَلَهُ قَبْلَهُ فَيَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ قَدْ يَقْصِدُ بِهِ الْيَوْمَ.
(وَلَا) يَحْنَثُ (إنْ بَاعَهُ بِهِ) أَيْ بِالْحَقِّ الَّذِي حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ إيَّاهُ (عَرَضًا) ، وَكَانَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يَقْصِدْ عَيْنَهَا بَلْ قَصَدَ وَفَاءَ الْحَقِّ، وَكَانَتْ قِيمَتُهُ قَدْرَ الْحَقِّ لَا أَقَلَّ (وَبَرَّ) الْحَالِفُ لَيَقْضِيَنَّ الْحَقَّ لِأَجَلِ كَذَا (إنْ غَابَ) الْمَحْلُوفُ لَهُ (بِقَضَاءِ وَكِيلِ تَقَاضٍ) لِدَيْنِهِ (أَوْ مُفَوَّضٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ مَعْطُوفٌ عَلَى تَقَاضٍ أَيْ، وَكِيلِ تَفْوِيضٍ، وَلَيْسَ اسْمَ مَفْعُولٍ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَمْنَعُ مِنْهُ (وَهَلْ ثَمَّ) عِنْدَ فَقْدِهِمَا يَبَرُّ بِقَضَاءٍ (وَكِيلُ ضَيْعَةٍ) وُجِدَ الْحَاكِمُ أَوْ عُدِمَ لِكَوْنِهِ فِي رُتْبَةِ الْحَاكِمِ عِنْدَ وُجُودِهِ فَأَيُّهُمَا قَضَى لَهُ صَحَّ (أَوْ) مَحَلُّ الْبِرِّ بِهِ (إنْ عُدِمَ الْحَاكِمِ) الْعَادِلُ (وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ تَأْوِيلَانِ) الرَّاجِحُ الثَّانِي فَعُلِمَ أَنَّ وَكِيلَ الضَّيْعَةِ مُسَاوٍ لِلْحَاكِمِ عَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ لَا أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي يَقُولُ الْحَاكِمُ مُقَدَّمٌ وَالْمُرَادُ بِوَكِيلِ الضَّيْعَةِ غَيْرُ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ كُلِّ مَنْ يَتَعَاطَى أُمُورَهُ وَلَمَّا كَانَ الْبِرُّ مِنْ الْيَمِينِ حَاصِلًا بِقَضَاءِ شَخْصٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ حَاصِلَةٌ بِالْأَوَّلَيْنِ دُونَ الثَّالِثِ، وَفِي الرَّابِعِ تَفْصِيلٌ أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (وَبَرِئَ) الْحَالِفُ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا بَرِئَ مِنْ الْيَمِينِ (فِي) دَفْعِهِ إلَى (الْحَاكِمِ) عِنْدَ فَقْدِ الْأَوَّلَيْنِ (إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ جَوْرُهُ) بِأَنْ تَحَقَّقَ عَدْلُهُ أَوْ شَكَّ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَحَقَّقَ جَوْرُهُ (بَرَّ) فِي يَمِينِهِ فَقَطْ فَلَا يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ إلَّا لِوَكِيلِ التَّقَاضِي أَوْ الْمُفَوَّضِ أَوْ الْحَاكِمِ حَيْثُ لَمْ يَتَحَقَّقْ جَوْرُهُ دُونَ وَكِيلِ الضَّيْعَةِ وَشَبَّهَ فِي الْبِرِّ دُونَ الْبَرَاءَةِ قَوْلُهُ:(كَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ) حَيْثُ لَا وَكِيلَ، وَلَا حَاكِمَ عَادِلًا أَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ، وَمِنْهُمْ وَكِيلُ الضَّيْعَةِ، وَأَرَادَ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ اثْنَيْنِ عَدْلَيْنِ فَأَكْثَرَ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ عَدَالَةٌ فَالْجَمْعُ عَلَى أَصْلِهِ (يُشْهِدُهُمْ) عَلَى إحْضَارِ الْحَقِّ، وَعَدَدِهِ وَوَزْنِهِ وَصِفَتِهِ، وَأَنَّهُ اجْتَهَدَ فِي الطَّلَبِ فَلَمْ يَجِدْهُ لِسَفَرٍ أَوْ تَغَيُّبٍ، وَيَتْرُكُهُ عِنْدَ عَدْلٍ مِنْهُمْ أَوْ عِنْدَ الْحَالِفِ نَفْسِهِ حَتَّى يَأْتِيَ رَبُّهُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
النُّفُوذِ.
(قَوْلُهُ: لِتَعَلُّقِ الْحِنْثِ بِالْغَدِ) أَيْ الَّذِي هُوَ الْيَوْمُ التَّالِي لِيَوْمِهِ، وَقَوْلُهُ لَا بِتَسْمِيَتِهِ الْيَوْمِ أَيْ لَا بِتَسْمِيَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الطَّعَامَ قَدْ يُقْصَدُ بِهِ الْيَوْمَ) قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ حُمِلَ فِي الطَّعَامِ عَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَفِي الدَّيْنِ عَلَى الْمَقْصِدِ وَلِذَا لَوْ قَصَدَ فِي الدَّيْنِ اللَّدَدَ بِالتَّأْخِيرِ، وَفِي الطَّعَامِ الرَّغْبَةَ فِي أَكْلِهِ لِكَوْنِهِ مَرِيضًا لَانْعَكَسَ الْحُكْمُ.
(قَوْلُهُ: وَكَانَ دَنَانِيرَ إلَخْ) أَيْ، وَكَانَ الْحَقُّ دَنَانِيرَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَكَانَتْ قِيمَتُهُ قَدْرَ الْحَقِّ) رَدَّهُ اللَّقَانِيُّ قَائِلًا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْمَبِيعِ أَنْ تُسَاوِيَ قِيمَتَهُ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَتَقْيِيدُ تت لَهُ بِذَلِكَ أَيْ بِمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ قَدْرَ الْحَقِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ. اهـ. عَدَوِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا أَقَلَّ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَرَضِ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ لَمْ يَبَرَّ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَزْيَدَ مِنْ قِيمَتِهِ بِأَنْ بَاعَهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ: إنْ غَابَ الْمَحْلُوفُ لَهُ) أَيْ أَوْ كَانَ حَاضِرًا، وَلَكِنْ اخْتَفَى وَاجْتَهَدَ الْحَالِفُ فِي طَلَبِهِ فَلَمْ يَجِدْهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَمْنَعُ مِنْهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ وَكِيلٍ إلَيْهِ تَمْنَعُ مِنْهُ، وَقَدْ يُقَالُ يُمْكِنُ عَطْفُ مُفَوَّضٌ عَلَى وَكِيلٍ أَيْ، أَوْ وَكِيلٌ مُفَوَّضٌ فَحُذِفَ الْمَوْصُوفُ وَأُقِيمَتْ صِفَتُهُ مَقَامَهُ فَلَا حَاجَةَ لِجَعْلِ مُفَوَّضٌ بِمَعْنَى تَفْوِيضٍ (قَوْلُهُ: وَكِيلُ ضَيْعَةٍ) أَيْ، وَهُوَ الَّذِي وَكَّلَهُ عَلَى قَبْضِ خَرَاجِهَا وَالضَّيْعَةُ فِي الْأَصْلِ هِيَ الْعَقَارُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَذَكَرَ ابْنُ مَرْزُوقٍ أَنَّ وَكِيلَ الضَّيْعَةِ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى شِرَاءَ النَّفَقَةِ لِلْبَيْتِ مِنْ لَحْمٍ وَخُضَارٍ وَصَابُونٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِ شَارِحِنَا وَالْمُرَادُ بِوَكِيلِ الضَّيْعَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: تَأْوِيلَانِ) الْأَوَّلُ لِابْنِ رُشْدٍ وَالثَّانِي لِابْنِ لُبَابَةَ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. اهـ. بْن (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ أَنَّ وَكِيلَ الضَّيْعَةِ إلَخْ) .
اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُحْتَمِلٌ لِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ مِنْ مُسَاوَاةِ الْحَاكِمِ وَوَكِيلِ الضَّيْعَةِ، وَمِنْ تَقْدِيمِ وَكِيلِ الضَّيْعَةِ عَلَى الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ، وَهَلْ ثَمَّ وَكِيلُ ضَيْعَةٍ إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ مَرْتَبَةَ وَكِيلِ الضَّيْعَةِ بَعْدَ مَا قَبْلَهُ، وَهَلْ الْحَاكِمُ مُسَاوٍ لَهُ أَوْ مُؤَخَّرٌ عَنْهُ مُحْتَمَلٌ، وَلَكِنَّ النَّقْلَ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ يَقُولُ بِتَسَاوِيهِمَا وَالتَّأْوِيلَ الثَّانِيَ يَقُولُ بِتَقْدِيمِ الْحَاكِمِ عَلَى وَكِيلِ الضَّيْعَةِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ لَا أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ أَيْ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُحْتَمِلًا لِذَلِكَ (قَوْلُهُ: مِنْ الْأَرْبَعَةِ) أَيْ، وَكِيلِ التَّقَاضِي وَالْمُفَوَّضِ وَوَكِيلِ الضَّيْعَةِ وَالْحَاكِمِ.
(قَوْلُهُ: بِالْأَوَّلَيْنِ) أَيْ بِالدَّفْعِ لَهُمَا، وَهُمَا وَكِيلُ التَّقَاضِي وَالْمُفَوَّضُ (قَوْلُهُ: دُونَ الثَّالِثِ) أَيْ، وَهُوَ، وَكِيلُ الضَّيْعَةِ أَيْ دُونَ الدَّفْعِ لَهُ، وَقَوْلُهُ، وَفِي الرَّابِعِ أَيْ، وَفِي الدَّفْعِ لِلرَّابِعِ، وَهُوَ الْحَاكِمُ تَفْصِيلٌ (قَوْلُهُ: وَأَرَادَ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ اثْنَيْنِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ الْعُدُولِ لَا يَكْفِي وَاَلَّذِي فِي كَبِيرِ خش وشب نَقْلًا أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَشْهَدُهُمْ يَكْفِي (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ عَدَالَةٌ فَالْجَمْعُ عَلَى أَصْلِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْعَدَدِ تُجْبِرُ خَلَلَ الشُّهُودِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِثَلَاثَةٍ مِنْ غَيْرِ الْعُدُولِ، وَلَا يُسَلَّمُ هَذَا بَلْ إذَا عُدِمَتْ الْعُدُولُ يَسْتَكْثِرُ مِنْ الشُّهُودِ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ الصِّدْقُ الْمُتَأَتِّي بِالْعُدُولِ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ: جَمَاعَةٌ يُشْهِدُهُمْ أَنَّهُ لَا يَبَرُّ بِجَعْلِهِ عِنْدَ عَدْلٍ مِنْ غَيْرِ إشْهَادِ عَدْلَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الَّذِي فِي ح عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ الْحَقَّ لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَوْقَفَهُ عَلَى يَدَيْهِ فَإِنَّهُ يَبَرُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْحَقِّ وَكِيلٌ، وَلَا سُلْطَانٌ، وَمِثْلُهُ فِي بَهْرَامَ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فَقَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدَ، وَلَا يَبَرُّ بِلَا إشْهَادٍ إمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا أَبْقَاهُ تَحْتَ يَدِهِ أَوْ أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِمَا فِي ح
وَلَا يَبَرُّ بِلَا إشْهَادٍ
(وَلَهُ يَوْمٌ، وَلَيْلَةٌ) الْأَوْلَى، وَلَهُ لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ مِنْ الشَّهْرِ (فِي) حَلِفِهِ لَأَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فِي (رَأْسِ الشَّهْرِ) الْفُلَانِيِّ (أَوْ عِنْدَ رَأْسِهِ أَوْ إذَا اسْتَهَلَّ) ، وَمِثْلُهُ عِنْدَ انْسِلَاخِهِ، وَكَذَا فِي رَأْسِ الْعَامِ أَوْ عِنْدَ رَأْسِهِ أَوْ إذَا اسْتَهَلَّ (وَ) لَهُ فِي حَلِفِهِ لَيَقْضِيَنَّهُ (إلَى رَمَضَانَ أَوْ لِاسْتِهْلَالِهِ شَعْبَانَ) أَيْ فَالْأَجَلُ شَعْبَانُ فَقَطْ، وَمِثْلُهُ إلَى اسْتِهْلَالِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِاسْتِهْلَالِهِ فَضَعِيفٌ إذْ الْمُعْتَمَدُ لَهُ لَيْلَةٌ، وَيَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ بِخِلَافِ إلَى فَفَرْقٌ بَيْنَ جَرِّهِ بِاللَّامِ وَجَرِّهِ بِإِلَى.
(وَ) حَنِثَ (بِجَعْلِ ثَوْبٍ قَبَاءً) بِالْمَدِّ ثَوْبٌ مُفَرَّجٌ (أَوْ عِمَامَةً فِي) حَلِفِهِ (لَا أَلْبَسُهُ) ، وَلَبِسَهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ وَضَعَهُ عَلَى كَتِفِهِ أَوْ اتَّزَرَ بِهِ (لَا) يَحْنَثُ بِجَعْلِهِ قَبَاءً أَوْ عِمَامَةً (إنْ كَرِهَهُ لِضِيقِهِ) أَوْ لِسُوءِ صَنْعَتِهِ أَيْ إنْ كَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى الْحَلِفِ ذَلِكَ (وَلَا وَضَعَهُ) عَطْفٌ عَلَى جَعَلَهُ الْمُقَدَّرُ بَعْدَ لَا مِنْ قَوْلِهِ لَا إنْ كَرِهَهُ عَلَى كَرِهَهُ لِفَسَادِ الْمَعْنَى (عَلَى فَرْجِهِ) لَيْلًا أَوْ نَهَارًا مِنْ غَيْرِ لَفٍّ وَلَا إدَارَةٍ.
(وَ) حَنِثَ (بِدُخُولِهِ مِنْ بَابٍ غُيِّرَ) عَنْ حَالَتِهِ الْأُولَى كَأَنْ وَسَّعَهُ أَوْ عَلَّاهُ مَعَ بَقَائِهِ فِي مَحَلِّهِ الْأَوَّلِ (فِي) حَلِفِهِ (لَا أَدْخُلُهُ) أَيْ لَا أَدْخُلُ مِنْهُ لِلدَّارِ (إنْ لَمْ يُكْرَهْ ضِيقُهُ) فَإِنْ كَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى الْيَمِينِ كَرَاهَةَ ضِيقِهِ أَوْ نَحْوِهِ فَغَيَّرَ الْحَالَةَ زَالَ مَعَهَا مَا كَرِهَ فَلَا حِنْثَ.
(وَ) حَنِثَ (بِقِيَامِهِ عَلَى ظَهْرِهِ) أَيْ ظَهْرِ الْبَيْتِ (وَبِمُكْتَرٍ) أَوْ مُعَارٍ (فِي) حَلِفِهِ (لَا أَدْخُلُ لِفُلَانٍ بَيْتًا) ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ يُنْسَبُ لِسَاكِنِهِ وَالِاسْتِقْرَارُ عَلَى ظَهْرِهِ، وَلَوْ مُرُورًا دُخُولٌ
(وَبِأَكْلٍ مِنْ وَلَدٍ) لِلْحَالِفِ بِأَنْ لَا يَأْكُلَ شَيْئًا مِنْ طَعَامِ فُلَانٍ (دَفَعَ لَهُ) أَيْ لِلْوَلَدِ (مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ) شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ كَرَغِيفٍ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) الْحَالِفُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ دَفَعَ لِوَلَدِهِ هَذَا الرَّغِيفَ (إنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ) أَيْ الْوَلَدِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَبِيهِ الْحَالِفِ لِفَقْدِ الْوَلَدِ، وَيُسْرِ أَبِيهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَدْفُوعِ لِلْوَلَدِ يَسِيرًا، وَإِلَّا لَمْ يَحْنَثْ
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ: وَلَا يَبَرُّ بِلَا إشْهَادٍ) أَيْ لَا يَبَرُّ بِإِحْضَارِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ إخْبَارِهِمْ بِأَنَّهُ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ لِأَجَلِ كَذَا، وَأَنَّهُ أَحْضَرَ الْحَقَّ قَبْلَ الْأَجَلِ فَلَمْ يَجِدْهُ، وَلَمْ يُشْهِدْهُمْ عَلَى إحْضَارِ الْحَقِّ، وَعَدَدِهِ وَوَزْنِهِ.
(قَوْلُهُ: الْأَوْلَى) أَيْ؛ لِأَنَّ لَيْلَةَ كُلِّ يَوْمٍ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: مِنْ الشَّهْرِ) أَيْ الثَّانِي فَإِذَا مَضَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُوَفِّهِ حَقَّهُ كَانَ حَانِثًا (قَوْلُهُ: وَلَهُ فِي حَلِفِهِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ إلَى رَمَضَانَ أَوْ إلَى اسْتِهْلَالِ رَمَضَانَ فَظَرْفُ الْقَضَاءِ شَعْبَانُ لَا غَيْرُ فَبِمُجَرَّدِ انْسِلَاخِ شَعْبَانَ وَاسْتِهْلَالِ رَمَضَانَ، وَلَمْ يُوَفِّهِ حَقَّهُ كَانَ حَانِثًا، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَأَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ لِاسْتِهْلَالِ رَمَضَانَ فَلَهُ يَوْمٌ، وَلَيْلَةٌ مِنْ رَمَضَانَ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا مَرَّ وَلَمْ يُوَفِّهِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ لِاسْتِهْلَالِهِ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ إلَى رَمَضَانَ (قَوْلُهُ: بَيْنَ جَرِّهِ) أَيْ الِاسْتِهْلَالِ بِاللَّامِ وَجَرِّهِ بِإِلَى.
(قَوْلُهُ: وَلَبِسَهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ مُجَرَّدَ الْجَعْلِ، وَإِنْ لَمْ يَلْبَسْ إذْ لَا حِنْثَ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَا إنْ كَرِهَهُ لِضِيقِهِ) عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ إنْ كَرِهَهُ لِذَاتِهِ لَا إنْ كَرِهَهُ لِضِيقِهِ أَيْ لَا إنْ كَانَ الْحَامِلُ عَلَى حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ لُبْسِهِ ضِيقَهُ أَوْ سُوءَ صَنْعَتِهِ فَقَطَعَهُ وَجَعَلَهُ قَبَاءً أَوْ عِمَامَةً، وَلَبِسَهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مِمَّا يُلْبَسُ كَأَنْ كَانَ قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُلْبَسُ بِوَجْهٍ مِثْلُ الشُّقَّةِ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُهَا ثُمَّ قَطَعَهَا، وَلَبِسَهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَا يَنْوِي أَنَّهُ أَرَادَ ضِيقَهَا قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ (قَوْلُهُ: وَلَا وَضَعَهُ إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ الثَّوْبَ الْفُلَانِيَّ فَوَضَعَهُ عَلَى فَرْجِهِ مِنْ غَيْرِ لَفٍّ، وَلَا إدَارَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ (قَوْلُهُ: لِفَسَادِ الْمَعْنَى) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ لَا يَحْنَثُ بِجَعْلِهِ قَبَاءً أَوْ عِمَامَةً إنْ كَانَ قَدْ وَضَعَهُ عَلَى فَرْجِهِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ لَا أَدْخُلُ مِنْهُ لِلدَّارِ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ أَيْ أَنَّهُ حَذَفَ مِنْهُ الْجَارَّ، وَأَوْصَلَ الضَّمِيرَ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: كَرَاهَةَ ضِيقِهِ أَوْ نَحْوِهِ) أَيْ كَمُرُورِهِ عَلَى مَا لَا يُحِبُّ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ فَلَا حِنْثَ أَيْ بِدُخُولِهِ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ بَعْدَ تَغْيِيرِهِ.
(قَوْلُهُ: وَبِقِيَامِهِ عَلَى ظَهْرِهِ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا يَسْكُنُهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِقِيَامِهِ أَيْ عُلُوِّهِ، وَلَوْ مُرُورًا عَلَى ظَهْرِ ذَلِكَ الْبَيْتِ الَّذِي سَكَنَهُ فُلَانٌ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ بِأَنْ نَزَلَ عَلَى سَطْحِهِ مِنْ سَطْحِ الْجَارِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْرَارَ عَلَى ظَهْرِهِ، وَلَوْ مُرُورًا يُعَدُّ دُخُولًا، وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ عَلَى فُلَانٍ بَيْتَهُ فَاسْتَعْلَى عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ فَإِنَّهُ لَا يَبَرُّ بِذَلِكَ احْتِيَاطًا كَمَا فِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ يَقَعُ بِأَدْنَى سَبَبٍ، وَالْبِرُّ يُحْتَاطُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَبِمُكْتَرًى إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا أَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا أَوْ بَيْتَهُ الَّذِي يَسْكُنُهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ فِي بَيْتٍ سَاكِنٍ فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَالِكًا لِرَقَبَتِهِ أَوْ مَنْفَعَتِهِ فَقَطْ بِكِرَاءٍ أَوْ إعَارَةٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ لِسَاكِنِهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِمِلْكِهِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَا أَدْخُلُ لِفُلَانٍ بَيْتًا يَمْلِكُهُ فَلَا حِنْثَ بِدُخُولِ بَيْتِ الْكِرَاءِ أَوْ الْإِعَارَةِ.
(قَوْلُهُ: وَبِأَكْلٍ إلَخْ) أَيْ وَحَنِثَ الْحَالِفُ بِأَكْلِهِ مِنْ وَلَدِهِ طَعَامًا دَفَعَهُ لَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ لَهُ طَعَامًا، وَكَذَا لَوْ دَفَعَهُ لِوَالِدِ الْحَالِفِ غَيْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ أَرْسَلَهُ الْوَلَدُ مَعَ الرَّسُولِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) أَيْ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ) هَذَا شَرْطٌ أَوَّلٌ فِي الْحِنْثِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ إلَخْ شَرْطٌ ثَانٍ فِيهِ فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْهُمَا فَلَا حِنْثَ، وَهَذَانِ الْقَيْدَانِ قَيَّدَ بِهِمَا بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ قَوْلَ الْإِمَامِ بِالْحِنْثِ (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَدْفُوعِ لِلْوَلَدِ يَسِيرًا) أَيْ، وَهُوَ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا فِي الْوَقْتِ كَالْكِسْرَةِ
إذْ لَيْسَ لِلْأَبِ رَدُّ الْكَثِيرِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْأَبِ رَدُّهُ فَكَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ، وَالْعَبْدُ كَالْوَلَدِ إلَّا أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مِمَّا دَفَعَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا بِخِلَافِ الْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجَةِ.
(وَ) حَنِثَ (بِالْكَلَامِ) مَثَلًا (أَبَدًا) أَيْ فِي جَمِيعِ مَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الزَّمَانِ (فِي) حَلِفِهِ (لَا أُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ أَوْ الشُّهُورَ) أَوْ السِّنِينَ حَمْلًا لِأَلْ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ حَيْثُ لَا نِيَّةَ (وَ) لَزِمَهُ (ثَلَاثَةٌ) أَيْ تَرْكُ الْكَلَامِ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْ الْأَيَّامِ أَوْ الشُّهُورِ أَوْ السِّنِينَ (فِي) حَلِفِهِ عَلَيَّ (كَأَيَّامٍ) بِالتَّنْكِيرِ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ، وَلَا يُحْسَبُ يَوْمُ الْحَلِفِ لَكِنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُ فِيهِ (وَهَلْ كَذَلِكَ) أَيْ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَقَطْ (فِي) حَلِفِهِ (لَأَهْجُرَنَّهُ) وَأُطْلِقَ حَمْلًا لَهُ عَلَى الْهِجْرَانِ الْجَائِزِ (أَوْ) يَلْزَمُهُ (شَهْرٌ) رَعْيًا لِلْعُرْفِ (قَوْلَانِ و) لَزِمَ (سَنَةٌ) مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ (فِي حِينٍ وَزَمَانٍ، وَعَصْرٍ وَدَهْرٍ) ، وَلَا فَرْقَ فِي الْأَوَّلِ بَيْنَ تَعْرِيفِهِ وَتَنْكِيرِهِ بِخِلَافِ الْأَخِيرَةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي تَعْرِيفِهَا الْأَبَدُ.
(وَ) حَنِثَ (بِمَا) أَيْ بِنِكَاحٍ (يُفْسَخُ) أَبَدًا أَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ قَبْلَ مُضِيِّهِ فَفُسِخَ (أَوْ) بِتَزَوُّجِهِ (بِغَيْرِ نِسَائِهِ) أَيْ بِمَا لَا تُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ مِنْ النِّسَاءِ اللَّاتِي شَأْنُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْهُنَّ لِدَنَاءَتِهَا عَنْهُنَّ (فِي) حَلِفِهِ (لَأَتَزَوَّجَنَّ) إنْ لَمْ يُقَيِّدْ يَمِينَهُ بِأَجَلٍ، وَمَعْنَى حِنْثِهِ أَنَّهُ لَمْ يَبَرَّ فَإِنْ قَيَّدَ بِأَجَلٍ حَنِثَ بِانْقِضَائِهِ حَقِيقَةً فَإِنْ كَانَ يَمْضِي بِالدُّخُولِ أَوْ بِالطُّولِ وَاطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ مُضِيِّهِ بَرَّ إنْ أَطْلَقَ أَوْ أَجَّلَ، وَلَمْ يَنْقَضِ الْأَجَلُ إلَّا بَعْدَ الْمُضِيِّ.
(وَ) حَنِثَ (بِضَمَانِ الْوَجْهِ فِي) حَلِفِهِ (لَا أَتَكَفَّلُ) بِمَالٍ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ لِلْمَالِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْغَرِيمِ (إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ عَدَمُ الْغُرْمِ) عِنْدَ تَعَذُّرِهِ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ضَمَانَ طَلَبٍ، وَهُوَ لَا يَحْنَثُ بِهِ فَإِنْ حَلَفَ لَا أَتَكَفَّلُ، وَأَطْلَقَ حَنِثَ بِأَنْوَاعِ الضَّمَانِ كُلِّهَا
ــ
[حاشية الدسوقي]
(قَوْلُهُ: إذْ لَيْسَ لِلْأَبِ رَدُّ الْكَثِيرِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِي رَدِّهِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ نَفَقَةُ وَلَدِي عَلَيَّ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْمِلَ عَنِّي مِنْهَا شَيْئًا (قَوْلُهُ: عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ) أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَالْعَبْدُ كَالْوَلَدِ) أَيْ فَكَمَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِالْأَكْلِ مِنْ طَعَامِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ الْمَدْفُوعِ لِوَلَدِهِ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مِنْهُ إذَا كَانَ مَدْفُوعًا لِعَبْدِهِ (قَوْلُهُ: وَالْعَبْدُ كَالْوَلَدِ) ظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ مُكَاتَبًا قَالَ شَيْخُنَا وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ مَا يَئُولُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مِمَّا دُفِعَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا) أَيْ؛ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ رَدُّ مَا وَهَبَ لِعَبْدِهِ، سَوَاءٌ كَانَ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ كَذَا عَلَّلُوا لَكِنْ اُنْظُرْهُ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فِي الْهِبَةِ وَلِغَيْرِ مَنْ أَذِنَ لَهُ الْقَبُولُ بِلَا إذْنٍ فَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَنَّ مَا بِيَدِ الْعَبْدِ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّ لَهُ انْتِزَاعَهُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْوَالِدَيْنِ) أَيْ اللَّذَيْنِ تَجِبُ نَفَقَتُهُمَا عَلَى الْحَالِفِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْأَكْلِ مِمَّا دَفَعَ لَهُمْ، سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّ الْوَالِدَيْنِ لَيْسَا مَحْجُورًا عَلَيْهِمَا لِلْوَلَدِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ الْعِلَّةُ الْجَارِيَةُ فِي إعْطَاءِ الْيَسِيرِ لِلْوَلَدِ الْفَقِيرِ تَجْرِي فِي إعْطَاءِ الْيَسِيرِ لِلْوَالِدَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ فَمَا الْفَرْقُ. وَحَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّ الْوَلَدَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِلْوَالِدِ دُونَ الْعَكْسِ. اهـ عَدَوِيٌّ.
(تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْوَالِدَيْنِ أَيْ وَكَذَا وَلَدُ الْوَلَدِ لِعَدَمِ وُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: مَثَلًا) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِلْكَلَامِ بِهَذَا الْحُكْمِ بَلْ مِثْلُهُ لَا أَلْبَسُهُ أَوْ لَا أَرْكَبُهُ الْأَيَّامَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: لَا أُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ إلَخْ) مِثْلُهُ لَا أُكَلِّمُهُ فَقَطْ حَيْثُ لَا بِسَاطَ، وَلَا نِيَّةَ إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي حَلِفِهِ عَلَيَّ كَأَيَّامٍ) أَيْ بِأَنْ حَلَفَ لَا أُكَمِّلُهُ أَيَّامًا أَوْ شُهُورًا أَوْ سَنِينًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ) أَوْ رُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُ أَبَدًا، وَأَنَّ التَّنْكِيرَ كَالتَّعْرِيفِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْعُرْفَ جَرَى فِي التَّنْكِيرِ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِغْرَاقِ فَإِنَّهُ يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ مَعْنَى لَا أُكَلِّمُهُ أَيَّامًا لَأَتْرُكَنَّ كَلَامَهُ أَيَّامًا (قَوْلُهُ: وَلَا يُحْسَبُ يَوْمُ الْحَلِفِ) أَيْ لَا يُحْسَبُ يَوْمُ الْحَلِفِ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ سَبَقَ الْيَمِينَ بِالْفَجْرِ لَكِنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُ فِيهِ فَإِنْ كَلَّمَهُ فِيهِ حَنِثَ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَقِيلَ: إنَّ يَوْمَ الْحَلِفِ لَا يُلْغَى بَلْ تَكْمُلُ بَقِيَّتُهُ مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي يَلِي الْيَوْمَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ، وَظَاهِرُ مَا فِي كِتَابِ النُّذُورِ تَرْجِيحُهُ، وَكَلَامُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِنْ وَقَعَ الْحَلِفُ لَيْلًا اُعْتُبِرَتْ صَبِيحَةُ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ قَوْلًا وَاحِدًا. اهـ. عَدَوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: قَوْلَانِ) الْأَوَّلُ لِلْعُتْبِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ وَالثَّانِي لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَقْدِيمِ الْمَقْصِدِ الشَّرْعِيِّ عَلَى الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ، وَالثَّانِي بِالْعَكْسِ وَالرَّاجِحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلُ كَمَا فِي المج (قَوْلُهُ: وَسَنَةٌ فِي حِينٍ إلَخْ) لَعَلَّ هَذَا إذَا اشْتَهَرَ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عُرْفًا فِي السَّنَةِ، وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ أَقَلُّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ لُغَةً. اهـ.
بْن (قَوْلُهُ: فِي حِينٍ) أَيْ فِي حَلِفِهِ لَا أُكَلِّمُهُ حِينًا أَوْ زَمَانًا أَوْ عَصْرًا أَوْ دَهْرًا.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْأَخِيرَةِ) أَيْ بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ، وَهِيَ زَمَانٌ وَعَصْرٌ وَدَهْرٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ فِي تَعْرِيفِهَا الْأَبَدُ رَعْيًا لِلْعُرْفِ، وَإِنْ كَانَ الزَّمَانُ هُوَ الْحِينَ لُغَةً فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِالْوَاوِ وَفِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ حِينًا وَزَمَانًا، وَعَصْرًا وَدَهْرًا حُمِلَ عَلَى التَّأْكِيدِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهَا بِالْفَاءِ أَوْ ثُمَّ فَلِلْمُغَايَرَةِ، وَإِنْ قَالَ أَحْيَانَا أَوْ زَمَانًا أَوْ عَصْرًا أَوْ دَهْرًا لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ سِنِينَ.
(قَوْلُهُ: أَوْ بِتَزَوُّجِهِ بِغَيْرِ نِسَائِهِ إلَخْ) أَيْ، وَلَوْ دَخَلَ بِهَا (قَوْلُهُ: لِدَنَاءَتِهَا عَنْهُنَّ) أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْعُرْفِ كَالْكِتَابِيَّةِ وَالْفَقِيرَةِ وَالزَّانِيَةِ (قَوْلُهُ: وَمَعْنَى حِنْثِهِ أَنَّهُ لَمْ يَبَرَّ) أَيْ أَوْ يُحْمَلُ حِنْثُهُ عَلَى مَا إذَا عَزَمَ عَلَى الضِّدِّ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْوَاعِ الضَّمَانِ كُلِّهَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ضَمَانَ غُرْمٍ أَوْ ضَمَانَ وَجْهٍ أَوْ ضَمَانَ طَلَبٍ وَبِهَذَا قَيَّدَ التَّكَفُّلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْمَالِ كَمَا قَيَّدَتْ بِهِ الْمُدَوَّنَةُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا أَتَكَفَّلُ بِمَالٍ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِضَمَانِ الْغُرْمِ أَوْ بِضَمَانِ الْوَجْهِ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ عَدَمُ الْغُرْمِ، وَلَا يَحْنَثُ بِضَمَانِ الطَّلَبِ، وَأَمَّا إذَا حَلَفَ لَا أَتَكَفَّلُ
(وَ) حَنِثَ (بِهِ) أَيْ بِالضَّمَانِ (لِوَكِيلٍ) عَنْ شَخْصٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهُ وَكِيلُهُ (فِي) حَلِفِهِ (لَا أَضْمَنُ لَهُ) أَيْ لِلشَّخْصِ (إنْ كَانَ) الْوَكِيلُ الْمَضْمُونُ لَهُ (مِنْ نَاحِيَتِهِ) أَيْ لِلشَّخْصِ كَقَرِيبِهِ وَصَدِيقِهِ (وَهَلْ) الْحِنْثُ (إنْ عَلِمَ) الْحَالِفُ أَنَّهُ مِنْ نَاحِيَتِهِ لِيَكُونَ بِذَلِكَ كَأَنَّهُ عَلِمَ بِالْوَكَالَةِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا حِنْثَ أَوْ الْحِنْثُ مُطْلَقًا عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ نَاحِيَتِهِ أَوْ لَا (تَأْوِيلَانِ) أَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ وَكِيلٌ فَالْحِنْثُ اتِّفَاقًا.
(وَ) حَنِثَ الْحَالِفُ الْمُخْبَرُ بِفَتْحِ الْبَاءِ (بِقَوْلِهِ مَا ظَنَنْته) أَيْ ذَلِكَ الشَّخْصَ (قَالَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْخَبَرَ (لِغَيْرِي) أَوْ لِأَحَدٍ بِدُونِ غَيْرِي (لِمُخْبِرٍ) بِالْكَسْرِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَيْ بِقَوْلِهِ لِمَنْ أَخْبَرَ بِخَبَرٍ نَاقِلًا لَهُ عَنْ شَخْصٍ كَانَ قَدْ أَسَرَّ بِهِ الْحَالِفُ وَحَلَّفَهُ لَيَكْتُمَنَّهُ وَلَا يُبْدِيهِ لِأَحَدٍ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (فِي) حَلِفِهِ (لَيُسِرَّنَّهُ)، وَلَا يُخْبِرُ بِهِ أَحَدًا فَنَزَلَ قَوْلُهُ: مَا ظَنَنْته. . . إلَخْ مَنْزِلَةَ الْإِخْبَارِ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ يَقَعُ بِأَدْنَى سَبَبٍ.
(وَ) حَنِثَ (بِاذْهَبِي) أَيْ بِقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ مَثَلًا اذْهَبِي أَوْ انْصَرِفِي (الْآنَ) ظَرْفٌ لَحَنِثَ الْمُقَدَّرِ، وَلَوْ حَذَفَهُ مَا ضَرَّ (إثْرَ) أَيْ عَقِبَ حَلِفِهِ (لَا كَلَّمْتُك حَتَّى تَفْعَلِي) كَذَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اذْهَبِي كَلَامٌ قَبْلَ الْفِعْلِ
(وَلَيْسَ قَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَى تَرْكِ كَلَامِهِ (لَا أُبَالِي) بِك (بَدَأَ) يُوجِبُ حَلَّ الْيَمِينِ (لِقَوْلٍ آخَرَ) فِي حَلِفِهِ (لَا كَلَّمْتُك حَتَّى تَبْدَأَنِي) لِلِاحْتِيَاطِ فِي جَانِبِ الْبِرِّ.
(وَ) حَنِثَ بَائِعٌ سِلْعَةٍ بِثَمَنٍ لَمْ يَقْبِضْهُ مِنْ الْمُشْتَرِي (بِالْإِقَالَةِ فِي) حَلِفِهِ حِينَ سَأَلَهُ الْمُشْتَرِي حَطِيطَةَ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ (لَا تَرَكَ مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا إنْ لَمْ تَفِ) قِيمَةُ السِّلْعَةِ بِالثَّمَنِ الَّذِي يَبْعَثُ بِهِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الْمُشْتَرِي مَا نَقَصْته، وَمَفْهُومُ إنْ لَمْ تَفِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَأَطْلَقَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِأَنْوَاعِ الضَّمَانِ الثَّلَاثَةِ كُلِّهَا.
(قَوْلُهُ: وَحَنِثَ بِهِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا أَضْمَنُ فُلَانًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِضَمَانِهِ لِوَكِيلِهِ فِيمَا اشْتَرَاهُ أَوْ اقْتَرَضَهُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِوَكَالَتِهِ لَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَكِيلُ الْمَضْمُونُ فِي الْوَاقِعِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُوَكِّلِ صَدِيقًا مُلَاطِفًا أَوْ قَرِيبًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ نَاحِيَتِهِ فَلَا حِنْثَ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ لِفُلَانٍ بِكَفَالَةٍ فَتَكَفَّلَ لِوَكِيلِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِوَكَالَتِهِ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ مِنْ سَبَبِ فُلَانٍ وَنَاحِيَتِهِ لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ. اهـ.، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ كَانَ مِنْ سَبَبِ فُلَانٍ وَنَاحِيَتِهِ فَإِنَّ الْحَالِفَ يَحْنَثُ (قَوْلُهُ: تَأْوِيلَانِ) سَبَبُهُمَا أَنَّ ابْنَ الْمَوَّازِ قَيَّدَ الْحِنْثَ نَقْلًا عَنْ مَالِكٍ وَأَشْهَبَ بِمَا إذَا عَلِمَ الْحَالِفُ أَنَّهُ مِنْ نَاحِيَتِهِ بِأَنْ عَلِمَ بِقَرَابَتِهِ أَوْ صَدَاقَتِهِ لَهُ فَذَكَرَ عِيَاضٌ عَنْ ابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ حَمَلَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ وَحَمَلَهَا هُوَ عَلَى ظَاهِرِهَا عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ نَاحِيَتِهِ أَمْ لَا، وَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ إذَا ادَّعَى الْحَالِفُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ الْوَكِيلَ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ كَانَتْ يَمِينُهُ بِاَللَّهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ إنْ كَانَ غَيْرَ مَشْهُورٍ بِأَنَّهُ مِنْ نَاحِيَتِهِ فَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِأَنَّهُ مِنْ نَاحِيَتِهِ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مَعَ الْمُرَافَعَةِ، وَتُقْبَلُ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِغَيْرِهِمَا أَوْ بِهِمَا مَعَ الْفَتْوَى اهـ. بْن (قَوْلُهُ: أَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ وَكِيلٌ فَالْحِنْثُ اتِّفَاقًا) الْأَوْلَى مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نَاحِيَتِهِ أَوْ لَا عَلِمَ بِأَنَّهُ مِنْ نَاحِيَتُهُ أَوْ لَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِالْوَكَالَةِ فَالْحِنْثُ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ نَاحِيَتِهِ فِي الْوَاقِعِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِأَنَّهُ مِنْ نَاحِيَتِهِ أَوْ لَا. خِلَافٌ، وَكُلُّ هَذَا إذَا ضَمِنَ الْوَكِيلُ فِيمَا اشْتَرَاهُ أَوْ اقْتَرَضَهُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ ضَمِنَ الْحَالِفُ الْوَكِيلَ فِيمَا اشْتَرَاهُ أَوْ اقْتَرَضَهُ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ عَلِمَ حِينَ الضَّمَانِ أَنَّهُ وَكِيلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَبِقَوْلِهِ إلَخْ) صُورَتُهَا أَعْلَمَ زَيْدٌ خَالِدًا بِأَمْرٍ وَاسْتَحْلَفَهُ عَلَى كِتْمَانِهِ ثُمَّ إنَّ زَيْدًا أَسَرَّهُ لِغَيْرِ خَالِدٍ فَأَسَرَّهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ لِخَالِدٍ، وَأَخْبَرَهُ بِهِ فَقَالَ خَالِدٌ لِلْمُخْبِرِ لَهُ مَا ظَنَنْت أَنَّ زَيْدًا قَالَ ذَلِكَ الْأَمْرَ لِغَيْرِي فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِذَلِكَ لِتَنْزِيلِ قَوْلِهِ مَا ظَنَنْته قَالَهُ لِغَيْرِي مَنْزِلَةَ الْإِخْبَارِ.
(قَوْلُهُ: وَبِاذْهَبِي إلَخْ) صُورَتُهَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ كَلَّمْتُك قَبْلَ أَنْ تَفْعَلِي الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا اذْهَبِي فَإِنَّهُ يَحْنَثُ الْآنَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اذْهَبِي كَلَامٌ قَبْلَ أَنْ تَفْعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَى فِعْلِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ كِنَانَةَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَمِثْلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا إذَا حَلَفَ لَا كَلَّمْتِينِي حَتَّى تَقُولِي أُحِبُّكَ فَقَالَتْ: لَهُ: عَفَا اللَّهُ عَنْك إنِّي أُحِبُّك فَيَحْنَثُ بِقَوْلِهَا عَفَا اللَّهُ عَنْك؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ صَدَرَ مِنْهَا قَبْلَ قَوْلِهَا أُحِبُّك (قَوْلُهُ: ظَرْفٌ فَحَنِثَ الْمُقَدَّرُ) أَيْ أَنَّهُ يَحْنَثُ مِنْ الْآنَ عَقِبَ قَوْلِهِ اذْهَبِي، وَلَا يَتَوَقَّفُ الْحِنْثُ عَلَى كَلَامٍ آخَرَ خِلَافًا لِابْنِ كِنَانَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ظَرْفٌ لِاذْهَبِي تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ قَوْلُهُ: لَا أُبَالِي إلَخْ) صُورَتُهُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا مَثَلًا حَتَّى يَبْدَأَهُ بِالْكَلَامِ فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ إذًا وَاَللَّهِ لَا أُبَالِي بِك فَإِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ تَبْدِئَةً مُعْتَدًّا بِهَا فِي حِلِّ الْيَمِينِ فَإِنْ كَلَّمَهُ قَبْلَ صُدُورِ كَلَامٍ غَيْرِ هَذَا حَنِثَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ قَوْلَهُ لَا أُبَالِي بِك كَلَامًا؛ لِأَنَّهُ فِي جَانِبِ الْبِرِّ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِكَلَامٍ مُعْتَدٍّ بِهِ، وَجَعَلَ قَوْلَهُ اذْهَبِي كَلَامًا؛ لِأَنَّهُ فِي جَانِبِ الْحِنْثِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِأَدْنَى سَبَبٍ ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَهُ أَنْ لَا أُبَالِيَ لَا يُعَدُّ بَدْءًا مُعْتَدًّا بِهِ، وَلَوْ كَرَّرَ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُبَالِي، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ نَقْلًا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ
(قَوْلُهُ: وَبِالْإِقَالَةِ إلَخْ) .
حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً لِشَخْصٍ بِثَمَنٍ لَمْ يَقْبِضْهُ مِنْ الْمُشْتَرِي ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِي سَأَلَهُ فِي حَطِّ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فَحَلَفَ الْبَائِعُ لَا تَرَكَ مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا فَتَقَايَلَا فِي السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا حِينَ الْإِقَالَةِ قَدْرَ الثَّمَنِ الَّذِي بِيعَتْ فَأَكْثَرَ تَحْقِيقًا فَلَا حِنْثَ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْهُ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ لَهُ الْمُشْتَرِي مَا نَقَصَتْهُ الْقِيمَةُ، وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ مَا لَمْ يَكُنْ الدَّفْعُ عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ، وَإِلَّا
أَنَّهَا إنْ وَفَتْ بِأَنْ كَانَتْ وَقْتَ الْإِقَالَةِ قَدْرَ الثَّمَنِ فَأَكْثَرَ فَلَا حِنْثَ (لَا إنْ)(أَخَّرَ الثَّمَنَ) فِي حَلِفِهِ لَا تَرَكَ مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ حَطٍّ فَلَا حِنْثَ (عَلَى الْمُخْتَارِ) ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا وَقَعَ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا بَعْدَ تَقَرُّرِهِ فَلَيْسَ مِنْ الْوَضِيعَةِ بَلْ مِنْ حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ
(وَلَا إنْ)(دَفَنَ مَالًا) ثُمَّ طَلَبَهُ (فَلَمْ يَجِدْهُ) حَالَ طَلَبِهِ (ثُمَّ وَجَدَهُ مَكَانَهُ) الَّذِي دَفَنَهُ فِيهِ وَأَوْلَى فِي غَيْرِهِ إنْ كَانَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهَا (فِي) حَلِفِهِ، وَلَوْ بِطَلَاقٍ، وَعِتْقٍ مُعَيَّنٍ لَقَدْ (أَخَذْتِيهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ إنْ كَانَ أُخِذَ لَمْ يَأْخُذْهُ غَيْرُك فَإِنْ وَجَدَهُ عِنْدَ غَيْرِهَا حَنِثَ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مُعَيَّنٍ
(وَ) حَنِثَ زَوْجٌ (بِتَرْكِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (عَالِمًا) بِخُرُوجِهَا بِلَا إذْنٍ، وَأَوْلَى إنْ لَمْ يَعْلَمْ (فِي) حَلِفِهِ (لَا خَرَجْتِ) مَثَلًا (إلَّا بِإِذْنِي) فَلَيْسَ عِلْمُهُ بِخُرُوجِهَا إذْنًا مِنْهُ فَإِنْ أَذِنَ اُشْتُرِطَ عِلْمُهَا بِإِذْنِهِ كَمَا مَرَّ.
(لَا) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْذَنُ لِزَوْجَتِهِ إلَّا فِي كَذَا كَبَيْتِ أَبِيهَا (إنْ أَذِنَ) لَهَا فِي الْخُرُوجِ (لِأَمْرٍ) مُعَيَّنٍ مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ كَبَيْتِ أَبِيهَا (فَزَادَتْ) عَلَى مَا أَذِنَ لَهَا فِيهِ (بِلَا عِلْمٍ) مِنْهُ حَالَ الزِّيَادَةِ فَعَلِمَهُ بَعْدَ الزِّيَادَةِ لَا يُوجِبُ حِنْثًا فَإِنْ عَلِمَ حَالَ الزِّيَادَةِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ بِالزِّيَادَةِ حَالَهَا إذْنٌ مِنْهُ فِيهَا، وَقَدْ حَلَفَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهَا إذْ الْمَوْضُوعُ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَأْذَنُ لَهَا إلَّا فِي نَوْعٍ مُعَيَّنٍ فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تَتِمَّةِ مَا قَبْلَهَا بَلْ هِيَ مُسْتَقِلَّةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بِلَا عِلْمٍ. وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا خَرَجْتِ إلَّا بِإِذْنِي فَأَذِنَ لَهَا فِي أَمْرٍ فَزَادَتْ فَالْحِنْثُ مُطْلَقًا عَلِمَ بِالزِّيَادَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ إذْ لَمْ يَأْذَنْ إلَّا فِي خَاصٍّ لَا فِي الزَّائِدِ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
فَيَحْنَثُ. اهـ. شَيْخُنَا عَدَوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَنَّهَا إنْ وَفَّتْ إلَخْ) اشْتِرَاطُ الْوَفَاءِ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهَا رَدٌّ لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَلَا حِنْثَ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ حِينَ الْإِقَالَةِ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ بِسَاطَ يَمِينِهِ إنْ ثَبَتَ لِي حَقٌّ فَلَا أَضَعُ مِنْهُ شَيْئًا وَحَيْثُ انْحَلَّ الْبَيْعُ وَرُدَّ فَلَمْ يَثْبُتْ لِلْبَائِعِ حَقٌّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ: لَا إنْ أَخَّرَ الثَّمَنَ) عَطْفُك بِحَسَبِ الْمَعْنَى عَلَى قَوْلِهِ وَبِالْإِقَالَةِ أَيْ لَا بِتَأْخِيرِ الثَّمَنِ (قَوْلُهُ: إذَا وَقَعَ ابْتِدَاءً) أَيْ إذَا اشْتَرَطَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَقَوْلُهُ، وَأَمَّا بَعْدَ تَقَرُّرِهِ أَيْ الثَّمَنِ، وَقَوْلُهُ فَلَيْسَ أَيْ الْأَجَلُ مِنْ الْوَضِيعَةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا إنْ دَفَنَ مَالًا) لَا مَفْهُومَ لِلدَّفْنِ بَلْ مِثْلُهُ الْوَضْعُ بِلَا دَفْنٍ (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَجِدْهُ حَالَ طَلَبِهِ) أَيْ لِنِسْيَانِهِ الْمَكَانَ الَّذِي دَفَنَهُ أَوْ وَضَعَهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ وَجَدَهُ مَكَانَهُ) أَيْ ثُمَّ أَمْعَنَ فِيهِ النَّظَرَ ثَانِيًا فَوَجَدَهُ فِي مَكَانِهِ الَّذِي دَفَنَهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَأَوْلَى فِي غَيْرِهِ) وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ عُذْرُهُ فِي الْجُمْلَةِ إذَا نَقَلَ عَنْ مَكَانِهِ وَاحْتَمَلَ أَنَّهَا النَّاقِلَةُ لَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ تَسَاوِي الْحَالَتَيْنِ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ هُوَ مَا لِلَّخْمِيِّ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ خِلَافًا لِابْنِ بَشِيرٍ حَيْثُ قَالَ بِالْحِنْثِ فِي الثَّانِيَةِ لِتَفْرِيطِهِ. اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ.
وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَقَامِ أَنَّهُ لَا حِنْثَ إذَا وَجَدَهُ فِي مَحَلِّهِ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا أَخَذَتْهُ لِوُجُودِهِ فِي مَكَان مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ حِينَ الْحَلِفِ مُعْتَقِدًا أَنَّهَا أَخَذَتْهُ أَوْ ظَانًّا أَوْ شَاكًّا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَلِفُ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً لَا حِنْثَ فِيهَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى يَمِينِهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَدْ أُخِذَ لَمْ يَأْخُذْهُ غَيْرُكِ أَيْ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُؤْخَذْ أَوْ أَنَّهَا أَخَذَتْهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ حِينَ الْحَلِفِ جَازِمًا بِعَدَمِ الْأَخْذِ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي مَوْضِعِهِ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا أَخَذَتْهُ فَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ طَلَاقًا حَنِثَ، وَإِنْ كَانَتْ بِاَللَّهِ كَانَتْ غَمُوسًا لَا كَفَّارَةَ فِيهَا فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ تَضُمُّ لِلِاثْنَيْ عَشَرَ الْمُتَقَدِّمَةِ فَالْجُمْلَةُ سِتَّةَ عَشَرَ، وَأَمَّا إنْ تَبَيَّنَ أَنَّ غَيْرَهَا أَخَذَهُ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَإِنْ كَانَ حِينَ الْيَمِينِ جَازِمًا بِعَدَمِ أَخْذِهَا لَهُ أَوْ ظَانًّا عَدَمَهُ أَوْ شَاكًّا فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ حَنِثَ، وَإِنْ كَانَتْ بِاَللَّهِ كَانَتْ غَمُوسًا لَا كَفَّارَةَ فِيهَا فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشَرَةَ صُورَةً، وَإِنْ كَانَ حِينَ الْيَمِينِ جَازِمًا بِأَخْذِهَا لَهُ أَوْ ظَانًّا لَهُ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَخْذُ أَحَدٍ لَهُ فَلَا حِنْثَ كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ غَيْرَهَا أَخَذَهُ حَنِثَ إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَا حِنْثَ إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ؛ لِأَنَّهَا لَغْوٌ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَحْوَالَ أَرْبَعَةٌ تَارَةً يُوجَدُ الْمَالُ فِي مَكَانِهِ وَتَارَةً يُوجَدُ عِنْدَهَا وَتَارَةً يُوجَدُ عِنْدَ غَيْرِهَا وَتَارَةً لَا يُوجَدُ أَصْلًا، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ حِينَ الْحَلِفِ جَازِمًا بِأَنَّهَا أَخَذَتْهُ أَوْ بِأَنَّهَا لَمْ تَأْخُذْهُ أَوْ ظَانًّا أَخْذَهَا لَهُ أَوْ شَاكًّا فِيهِ فَهَذِهِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَالْجُمْلَةُ اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ صُورَةً، وَقَدْ عَلِمْتهَا.
(قَوْلُهُ: مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهَا) أَيْ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْمَرْأَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا أَخَذَتْهُ.
(قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِطَلَاقٍ إلَخْ) أَيْ لَا إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِاَللَّهِ أَوْ بِصِفَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ، وَاللَّغْوُ لَا يُفِيدُ فِي غَيْرِ اللَّهِ، وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ حَلَفَ مُعْتَقِدًا أَخَذَهَا أَوْ ظَانًّا لَهُ.
(قَوْلُهُ: وَبِتَرْكِهَا عَالِمًا) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا خَرَجْتِ أَوْ لَا فَعَلْتِ كَذَا إلَّا بِإِذْنِي فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِخُرُوجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، سَوَاءٌ عَلِمَ بِخُرُوجِهَا، وَلَمْ يَمْنَعْهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِخُرُوجِهَا، أَمَّا حِنْثُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِخُرُوجِهَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا حِنْثُهُ إذَا عَلِمَ بِخُرُوجِهَا، وَلَمْ يَمْنَعْهَا فَلِأَنَّ عِلْمَهُ بِخُرُوجِهَا، وَعَدَمَ مَنْعِهَا مِنْهُ لَيْسَ إذْنًا فِي الْخُرُوجِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ الصَّرِيحِ، وَلَا يَكْفِي الْعِلْمُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ هُنَا فِي جَانِبِ الْبِرِّ، وَالْبِرُّ يُحْتَاطُ فِيهِ فَلِذَا كَانَ الْعِلْمُ بِخُرُوجِهَا غَيْرَ كَافٍ فِيهِ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْإِذْنِ الصَّرِيحِ بِخِلَافِ الْإِذْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فَإِنَّهُ فِي جَانِبِ الْحِنْثِ، وَهُوَ يَقَعُ بِأَدْنَى سَبَبٍ فَالْعِلْمُ فِيهِ بِمَثَابَةِ الْإِذْنِ فَلِذَا حَنِثَ بِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَذِنَ اُشْتُرِطَ) أَيْ فِي بِرِّهِ عِلْمُهَا بِإِذْنِهِ قَبْلَ خُرُوجِهَا.
(قَوْلُهُ: لَا إنْ أَذِنَ لِأَمْرٍ إلَخْ) صُورَتُهُ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَأْذَنُ لِزَوْجَتِهِ فِي الْخُرُوجِ إلَّا لِبَيْتِ أَبِيهَا مَثَلًا فَأَذِنَ لَهَا فِي ذَلِكَ فَزَادَتْ عَلَيْهِ بِأَنْ ذَهَبَتْ لِغَيْرِهِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ اقْتَصَرَتْ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ حَالَ الزِّيَادَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ زَادَتْ، وَهُوَ عَالِمٌ بِزِيَادَتِهَا، وَلَمْ يَمْنَعْهَا فَإِنَّهُ
وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْإِذْنُ قَدْ حَصَلَ، وَلَا دَخْلَ لِلزِّيَادَةِ فِي الْحِنْثِ، وَلَا عَدَمِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهَا لَا آذَنُ لَك فِي غَيْرِهِ، وَإِلَّا حَنِثَ مُطْلَقًا.
(وَ) حِنْث (بِعَوْدِهِ) أَيْ الْحَالِفِ (لَهَا) أَيْ لِلدَّارِ عَلَى وَجْهِ السُّكْنَى (بَعْدَ) أَيْ بَعْدَ خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ (بِمِلْكٍ آخَرَ) بِالْإِضَافَةِ، وَالْبَاءُ ظَرْفِيَّةٌ أَيْ حَالَ كَوْنِهَا فِي مِلْكِ شَخْصٍ آخَرَ (فِي) حَلِفِهِ (لَا سَكَنْت هَذِهِ الدَّارَ) ، وَهِيَ فِي مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ فَبَاعَهَا وَسَكَنَهَا الْحَالِفُ فِي مِلْكِ مَنْ اشْتَرَاهَا (أَوْ) حَلِفِهِ لَا سَكَنْتُ (دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَا دَامَتْ لَهُ) يَصِحُّ رُجُوعُ الشَّرْطِ لِلْأُولَى أَيْضًا إذَا كَانَتْ الدَّارُ لِغَيْرِهِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى أَيْ مَا دَامَتْ لِلْمَالِكِ (لَا) يَحْنَثُ إنْ حَلَفَ لَا سَكَنْتُ (دَارَ فُلَانٍ) بِدُونِ اسْمِ إشَارَةٍ وَخَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ فَسَكَنَهَا إنْ لَمْ يَنْوِ عَيْنَهَا
(وَلَا) يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ (إنْ) دَخَلَهَا بَعْدَ أَنْ (خَرِبَتْ وَصَارَتْ طَرِيقًا) أَوْ بُنِيَتْ مَسْجِدًا فَإِنْ بُنِيَتْ بَعْدَ صَيْرُورَتِهَا طَرِيقًا بَيْتًا حَنِثَ (إنْ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ) أَيْ بِالتَّخْرِيبِ فَإِنْ أَمَرَ بِهِ حَنِثَ مُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُسَلَّمٌ تَجِبُ بِهِ الْفَتْوَى، وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُتَعَلِّقًا بِالْإِكْرَاهِ لِقَوْلِهَا وَإِنْ دَخَلَهَا مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِذَلِكَ.
(وَ) حَنِثَ (فِي) حَلِفِهِ (لَا بَاعَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ زَيْدٍ مَثَلًا (أَوْ) حَلِفِهِ لَا بَاعَ (لَهُ) لَا أَتَوَلَّى لَهُ بَيْعًا بِسَمْسَرَةٍ (بِالْوَكِيلِ) أَيْ بِالْبَيْعِ أَوْ السَّمْسَرَةِ لِوَكِيلِ زَيْدٍ (إنْ كَانَ) ذَلِكَ الْوَكِيلُ (مِنْ نَاحِيَتِهِ) ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ وَكِيلٌ، وَإِلَّا حَنِثَ مُطْلَقًا كَانَ مِنْ نَاحِيَتِهِ أَوْ لَا
ــ
[حاشية الدسوقي]
يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ كَإِذْنِهِ، وَقَدْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَأْذَنُ لَهَا فِي ذَلِكَ الزَّائِدِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا) أَيْ عَلِمَ بِالزِّيَادَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ سَمَاعُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي نَقُلْ الْوَاضِحَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا خَرَجَتْ ابْتِدَاءً لِمَا أَذِنَ لَهَا فِيهِ ثُمَّ زَادَتْ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ ذَهَبَتْ لِغَيْرِ مَا أَذِنَ لَهَا فِيهِ ابْتِدَاءً ثُمَّ ذَهَبَتْ لِمَا أَذِنَ لَهَا فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ اتِّفَاقًا، سَوَاءٌ عَلِمَ بِالزِّيَادَةِ أَمْ لَا، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا مَا لَمْ يَقُلْ لَهَا لَا آذَنُ لَك فِي غَيْرِهِ، وَإِلَّا حَنِثَ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا.
(قَوْلُهُ: وَبِعَوْدِهِ لَهَا) أَيْ طَائِعًا لَا مُكْرَهًا؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ بِرٍّ، وَلَا حِنْثَ فِيهَا بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَى تَرْكِهِ كُرْهًا بِالْقُيُودِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَاعْتَرَضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي تَعْبِيرِهِ بِالْعَوْدِ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ لَا يَتَقَيَّدُ بِمَا إذَا كَانَ سَاكِنًا ثُمَّ عَادَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَوْدَ قَدْ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الدُّخُولِ أَوْ لَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [إبراهيم: 13] أَيْ لَتَدْخُلُنَّ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا أَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ الدَّارَ الْفُلَانِيَّةَ وَالْحَالُ أَنَّهَا فِي مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ ثُمَّ انْتَقَلَتْ لِمِلْكِ شَخْصٍ آخَرَ فَسَكَنَهَا بَعْدَ انْتِقَالِهَا لِمِلْكِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَنْوِ مَا دَامَتْ فِي مِلْكِي أَوْ فِي مِلْكِ فُلَانٍ، وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ فِي سُكْنَاهَا بَعْدَ انْتِقَالِهَا لِمِلْكِ آخَرَ.
(قَوْلُهُ: أَيْ لِلدَّارِ) أَيْ الْمَفْهُومَةِ مِنْ قَوْلِهِ لَا سَكَنْت هَذِهِ الدَّارَ (قَوْلُهُ: أَيْ بَعْدَ خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ) أَيْ أَوْ مِلْكِ صَاحِبِهَا غَيْرِهِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: فَبَاعَهَا) أَيْ صَاحِبُهَا وَسَكَنَهَا الْحَالِفُ (قَوْلُهُ: أَوْ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ) أَيْ فَبَاعَهَا فُلَانٌ صَاحِبُهَا وَسَكَنَهَا الْحَالِفُ، وَهِيَ فِي مِلْكِ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا حَنِثَ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لِمَا فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنْ التَّعْيِينِ فَلَا يُزِيلُهُ انْتِقَالُ الْمِلْكِ، وَإِتْيَانُهُ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ يُقَوِّي أَنَّهُ إنَّمَا كَرِهَ تِلْكَ.
(قَوْلُهُ: أَيْ مَا دَامَتْ لِلْمَالِكِ) أَيْ، وَهُوَ فُلَانٌ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الْحَالِفُ أَوْ غَيْرُهُ فِي الْأُولَى، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ لِذَلِكَ التَّكَلُّفِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ رُجُوعُهُ لِلثَّانِيَةِ إذْ مُقْتَضَى رُجُوعِهِ لِلْأُولَى أَنْ يُقَالَ مَا دَامَتْ فِي مِلْكِي أَوْ لَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ الْحِنْثُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا دَامَتْ لَهُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَكَذَا الْأَوْلَى الْحِنْثُ فِيهَا مَا لَمْ يَنْوِ مَا دَامَتْ لِي اتِّفَاقًا إنْ كَانَتْ الدَّارُ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ فَقِيلَ يَحْنَثُ مُطْلَقًا، وَلَوْ نَوَى مَا دَامَتْ لَهُ، وَقِيلَ يَحْنَثُ مَا لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ إذَا عَلِمْت هَذَا تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَا دَامَتْ لَهُ يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِلْأُولَى مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَتْ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا إنْ دَخَلَهَا بَعْدَ أَنْ خَرِبَتْ) أَيْ لِزَوَالِ اسْمِ الدَّارِ عَنْهَا، وَمِنْ هَذَا إذَا خَرِبَ الْمَسْجِدُ لَا يُطْلَبُ لَهُ تَحِيَّةٌ كَمَا فِي ح، وَمُقْتَضَاهُ زَوَالُ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِيَّةِ لَا أَصْلُ الْحَبْسِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَصَارَتْ طَرِيقًا) هَذَا فَرْضُ مِثَالٍ وَزِيَادَةُ بَيَانٍ لَا شَرْطٌ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ، وَذَكَرَ ح الْخِلَافَ فِيمَنْ تَرَكَ دَارِهِ طَرِيقًا مُدَّةً طَوِيلَةً هَلْ تَصِيرُ وَقْفًا عَلَيْهِ أَمْ لَا. (قَوْلُهُ: أَوْ بُنِيَتْ مَسْجِدًا) أَيْ بَعْدَ خَرَابِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْحِنْثِ إذَا دَخَلَهَا بَعْدَ أَنْ خَرِبَتْ وَصَارَتْ طَرِيقًا أَوْ بُنِيَتْ مَسْجِدًا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ حَلِفُهُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا كَرَاهِيَةً فِي صَاحِبِهَا أَوْ فِي بِنَائِهَا الَّذِي قَدْ زَالَ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ حَلِفُهُ كَرَاهِيَةً فِي الْبُقْعَةِ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا مُطْلَقًا، وَلَوْ خَرِبَتْ وَصَارَتْ طَرِيقًا أَوْ بُنِيَتْ مَسْجِدًا. (قَوْلُهُ: إنَّ هَذَا الْحُكْمَ) أَيْ، وَهُوَ الْحِنْثُ إذَا دَخَلَهَا بَعْدَ التَّخْرِيبِ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَ بِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُتَعَلِّقًا بِالْإِكْرَاهِ) أَيْ لَا بِالتَّخْرِيبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ، وَيُمْكِنُ جَعْلُ الضَّمِيرِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَائِدًا عَلَى الْإِكْرَاهِ بِارْتِكَابِ تَقْدِيرٍ فِي الْكَلَامِ، وَالْأَصْلُ وَلَا إنْ خَرِبَتْ وَصَارَتْ طَرِيقًا أَوْ بُنِيَتْ وَدَخَلَهَا مُكْرَهًا إنْ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ أَيْ بِالْإِكْرَاهِ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُوَافِقًا لِكَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهَا إلَخْ) نَصُّهَا: وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ هَذِهِ الدَّارَ فَهُدِمَتْ أَوْ خَرِبَتْ حَتَّى صَارَتْ طَرِيقًا لَمْ يَحْنَثْ فَإِنْ بُنِيَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَدْخُلُهَا فَإِنْ دَخَلَهَا مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِذَلِكَ فَيَقُولُ احْمِلُونِي فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ.
(قَوْلُهُ: إنْ كَانَ ذَلِكَ الْوَكِيلُ مِنْ نَاحِيَتِهِ) أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِأَنْ
وَيَحْنَثُ (وَإِنْ قَالَ) الْبَائِعُ (حِينَ الْبَيْعِ أَنَا حَلَفْت) أَنْ لَا أَبِيعَ لِزَيْدٍ وَخَافَ أَنْ تَكُونَ وَكِيلَهُ (فَقَالَ هُوَ) أَيْ الْبَيْعُ (لِي) لَا لَهُ (ثُمَّ صَحَّ) أَيْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ (أَنَّهُ ابْتَاعَ) أَوْ بَاعَ (لَهُ) أَيْ لِزَيْدٍ، وَلَوْ حَذَفَ ابْتَاعَ لَكَانَ أَخْصَرَ، وَأَشْمَلَ (حَنِثَ، وَلَزِمَ الْبَيْعُ) لِلْحَالِفِ مَعَ الْحِنْثِ مَا لَمْ يَقُلْ الْحَالِفُ إنْ كُنْت تَشْتَرِي لَهُ فَلَا بَيْعَ بَيْنِي وَبَيْنَك لَمْ يَحْنَثْ، وَلَمْ يَلْزَمْ الْبَيْعُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
(، وَأَجْزَأَ) الْحَالِفَ فَلَا يَحْنَثُ (تَأْخِيرُ الْوَارِثِ) أَيْ وَارِثِ الْمَحْلُوفِ لَهُ إنْ كَانَ الْوَارِثُ رَشِيدًا (فِي) حَلِفِهِ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ لَأَقْضِيَنَّك حَقَّك إلَى أَجَلِ كَذَا (إلَّا أَنْ تُؤَخِّرَنِي) فَمَاتَ رَبُّ الْحَقِّ الْمَحْلُوفِ لَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ يُورَثُ
(لَا) إذْنُهُ (فِي) حَلِفِهِ عَلَى (دُخُولِ دَارٍ) لَا أَدْخُلُهَا إلَّا بِإِذْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ غَيْرُ رَبِّهَا فَمَاتَ زَيْدٌ فَأَذِنَ وَارِثُهُ فِي الدُّخُولِ فَلَا يَكْفِي إذْ الْإِذْنُ لَيْسَ بِحَقٍّ يُورَثُ فَلَوْ كَانَ زَيْدٌ رَبَّهَا كَفَى إذْنُ وَارِثِهِ، وَلَا مَفْهُومَ لِلدُّخُولِ (وَ) أَجْزَأَ (تَأْخِيرُ وَصِيٍّ) فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ إذَا كَانَ الْوَارِثُ غَيْرَ رَشِيدٍ، وَأَخَّرَ وَصِيَّهُ (بِالنَّظَرِ) لِلصَّغِيرِ كَكَوْنِ التَّأْخِيرِ يَسِيرًا أَوْ خَوْفَ جَحْدٍ أَوْ لَدَدٍ أَوْ مُخَاصَمَةٍ فَإِنْ أَخَّرَ لِغَيْرِ نَظَرٍ أَجْزَأَ الْحَالِفُ، وَإِنْ حَرَّمَ عَلَى الْوَصِيِّ فَالتَّقْيِيدُ بِالنَّظَرِ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى التَّأْخِيرِ، وَلَوْ حَذَفَهُ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَقَوْلُهُ (وَلَا دَيْنَ) أَيْ مُحِيطٌ عَلَى الْمَيِّتِ قُيِّدَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَارِثِ وَالْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ إحَاطَةِ الدَّيْنِ إنَّمَا هُوَ لِلْغَرِيمِ لَا لِلْوَارِثِ وَالْوَصِيِّ، وَلِذَا قَالَ.
(وَ) أَجْزَأَ (تَأْخِيرُ غَرِيمٍ) لِلْمَحْلُوفِ لَهُ (إنْ أَحَاطَ) الدَّيْنُ بِمَالِهِ (وَأَبْرَأَ) الْغَرِيمُ ذِمَّةَ الْمَدِينِ الْمَحْلُوفِ لَهُ مِنْ الْقَدْرِ الَّذِي أَخَّرَ بِهِ الْحَالِفُ حَتَّى يَكُونَ كَالْقَابِضِ مِنْ الْمَدِينِ الْحَالِفِ فَإِنْ لَمْ يُحِطْ فَلَا يُجْزِي تَأْخِيرُ الْغَرِيمِ، وَلَوْ أَبْرَأَ ذِمَّةَ الْمَدِينِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
كَانَ ذَلِكَ الْوَكِيلُ قَرِيبًا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ صَدِيقًا مُلَاطِفًا لَهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْوَكِيلُ لَيْسَ مِنْ نَاحِيَتِهِ فَلَا يَحْنَثَ، وَهَلْ يَتَوَقَّفُ الْحِنْثُ عَلَى عِلْمِ الْبَائِعِ أَنَّهُ مِنْ نَاحِيَتِهِ أَوْ لَا يَتَوَقَّفُ قَوْلَانِ وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِهِمَا فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ ذِكْرِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِمُوَافَقَتِهَا لَهَا فِي الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَهَا.
(قَوْلُهُ: وَيَحْنَثُ) أَيْ، وَإِذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَحْنَثُ، وَإِنْ قَالَ إلَخْ فَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الْحِنْثِ.
(قَوْلُهُ: بِالْبَيِّنَةِ) احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ قَالَ الْوَكِيلُ أَشْتَرِي لِنَفْسِي ثُمَّ بَعْدَ الشِّرَاءِ قَالَ اشْتَرَيْتُ لِفُلَانٍ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ الْحَالِفُ بِذَلِكَ لِكَوْنِ الْوَكِيلِ غَيْرَ مُصَدَّقٍ فِيمَا يَدَّعِيهِ كَذَا فِي خش وعبق نَقْلًا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ التُونُسِيِّ، وَمِثْلُهُ كَمَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا السَّيِّدُ الْبُلَيْدِيُّ عَنْ شَيْخِهِ سَيِّدِي مُحَمَّدٍ الزَّرْقَانِيِّ إذَا حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ بِطَلَاقٍ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ حَمَّامًا مَثَلًا فَقَالَتْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ دَخَلْتُهُ فَلَا تُصَدَّقُ، وَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُعْتَمَدِ) ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ وَالتُّونُسِيِّ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ وَيَحْنَثُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ أَيْ فِي حَالِ الْبَيْعِ إنْ لَمْ تَأْتِ بِالثَّمَنِ إلَى أَجَلِ كَذَا فَلَا بَيْعَ بَيْنِي وَبَيْنَك كَانَ الْبَيْعُ مَاضِيًا وَالشَّرْطُ بَاطِلًا اُنْظُرْ بْن.
(قَوْلُهُ: قَبْلَ الْأَجَلِ) أَيْ، وَأَخَّرَهُ الْوَارِثُ أَجَلًا ثَانِيًا فَلَا يَحْنَثُ بِفَرَاغِ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ فَلَوْ لَمْ يُؤَخِّرْهُ الْوَارِثُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِفَرَاغِ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ حَارِثٍ عَنْ الْمَجْمُوعَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَأَقْضِيَنَّك حَقَّك إلَى أَجَلِ كَذَا، وَمَاتَ رَبُّهُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَقَضَى الْحَالِفُ وَرَثَتَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ لَمْ يَحْنَثْ ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ إجْزَاءِ تَأْخِيرِ الْوَارِثِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْوَارِثُ رَشِيدًا، وَكَانَ الْمَيِّتُ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَإِلَّا كَانَ تَأْخِيرُهُ غَيْرَ مُجْزٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الدَّيْنِ حَقٌّ يُورَثُ فَلِلْوَارِثِ أَنْ يُؤَخِّرَ قَبْضَهُ كَمَا كَانَ لِمُوَرِّثِهِ.
(قَوْلُهُ: لَا إذْنُهُ) أَيْ لَا يُجْزِئُ إذْنُ الْوَارِثِ فِي دُخُولِ دَارٍ حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا إلَّا بِإِذْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ غَيْرُ رَبِّهَا فَمَاتَ زَيْدٌ فَأَذِنَ لَهُ وَارِثُهُ فِي الدُّخُولِ فَإِذَا دَخَلَهَا مُسْتَنِدًا لِإِذْنِ الْوَارِثِ حَنِثَ إلَّا لِبِسَاطٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ أَمْتِعَةُ زَيْدٍ فِي الدَّارِ فَحَلَفَ لِذَلِكَ فَكَفَى إذْنُ وَارِثِهِ الَّذِي وَرِثَ الْأَمْتِعَةَ (قَوْلُهُ: كَفَى إذْنُ وَارِثِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَرِثَهَا صَارَ الْإِذْنُ حَقًّا يُورَثُ فَيَكْفِي إذْنُهُ (قَوْلُهُ: وَلَا مَفْهُومَ لِلدُّخُولِ) أَيْ بَلْ الْمُرَادُ سَائِرُ الْحُقُوقِ الَّتِي لَا تُورَثُ (قَوْلُهُ: وَأَجْزَأَ تَأْخِيرُ وَصِيٍّ بِالنَّظَرِ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا إلَّا أَنْ يُؤَخِّرَهُ فَمَاتَ رَبُّ الْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ وَوَرَثَتُهُ صِغَارٌ فَأَخَّرَهُ الْمُوصَى عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ الْحَالِفَ، وَلَا يَحْنَثُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُحِيطٌ، وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِتَأْخِيرِ الْغُرَمَاءِ وَسَوَاءٌ كَانَ تَأْخِيرُ الْوَصِيِّ لِنَظَرٍ كَخَوْفِ لَدَدٍ أَوْ خِصَامٍ أَوْ كَانَ لِغَيْرِ نَظَرٍ غَايَتُهُ أَنَّ تَأْخِيرَ الْوَصِيِّ إنْ كَانَ لِغَيْرِ نَظَرٍ كَانَ مُوجِبًا لِإِثْمِهِ فَقَطْ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ الدَّيْنُ حَالًا فَتَقْيِيدُ الْمُؤَلِّفِ تَأْخِيرَ الْوَصِيِّ بِالنَّظَرِ لِأَجَلِ جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى التَّأْخِيرِ لَا لِإِجْزَائِهِ، وَلَوْ حَذَفَ الْمُؤَلِّفِ قَوْلَهُ: بِالنَّظَرِ، لَوَافَقَ النَّقْلَ (قَوْلُهُ: أَيْ مُحِيطٌ) أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ الدَّيْنِ أَصْلًا بَلْ نَفْيُ الْمُحِيطِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحِيطٍ فَالْكَلَامُ لِلْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ، وَإِنْ كَانَ مُحِيطًا فَالْكَلَامُ لِلْغُرَمَاءِ فَقَطْ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ.
(قَوْلُهُ: وَتَأْخِيرُ غَرِيمٍ إلَخْ) صُورَتُهُ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا إلَّا أَنْ يُؤَخِّرَهُ فَمَاتَ رَبُّ الدَّيْنِ قَبْلَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ فَأَخَّرَهُ بِذَلِكَ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِي إنْ أَبْرَءُوا ذِمَّةَ الْمَيِّتِ مِنْ الْقَدْرِ الَّذِي أَخَّرُوا بِهِ الْحَالِفَ، وَمَحَلُّ إجْزَاءِ تَأْخِيرِ الْغَرِيمِ إذَا وَقَعَ التَّأْخِيرُ مِنْ جَمِيعِ الْغُرَمَاءِ، وَأَمَّا لَوْ أَخَّرَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ وَجَبَ التَّعْجِيلُ لِمَنْ لَمْ يُؤَخِّرْهُ، وَكَذَا الْوَرَثَةُ، وَمَنْ غَابَ فَالْحَاكِمُ يَقُومُ مَقَامَهُ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى يَكُونَ كَالْقَابِضِ مِنْ الْمَدِينِ الْحَالِفِ)
(وَفِي بِرِّهِ فِي) حَلِفِهِ بِالطَّلَاقِ مَثَلًا (لَأَطَأَنَّهَا) اللَّيْلَةَ مَثَلًا فَحَاضَتْ (فَوَطِئَهَا حَائِضًا) أَوْ صَائِمَةً أَوْ مُحْرِمَةً حَمْلًا لِلَّفْظِ عَلَى مَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ وَعَدَمُ بِرِّهِ حَمْلًا لَهُ عَلَى الْمَدْلُولِ الشَّرْعِيِّ وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حَسًّا قَوْلَانِ فَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا حِينَئِذٍ حَنِثَ قَطْعًا كَمَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ وَحَنِثَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا بِسَاطٌ بِفَوْتِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَوْ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ.
(وَفِي) بِرِّهِ فِي حَلِفُهُ لِزَوْجَتِهِ فِي قِطْعَةِ لَحْمٍ (لَتَأْكُلَنَّهَا فَخَطَفَتْهَا هِرَّةٌ) عِنْدَ مُنَاوَلَتِهِ إيَّاهَا وَابْتَلَعَتْهَا (فَشَقَّ جَوْفَهَا) عَاجِلًا، وَأُخْرِجَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَحَلَّلَ فِي جَوْفِهَا مِنْهَا شَيْءٌ (وَأَكَلَتْ) أَيْ أَكَلَتْهَا الْمَرْأَةُ وَحِنْثِهِ قَوْلَانِ مَعَ التَّوَانِي فِي أَخْذِهَا مِنْهُ أَرْجَحُهُمَا الْحِنْثُ فَإِنْ لَمْ تَتَوَانَ لَمْ يَحْنَثْ اتِّفَاقًا (أَوْ) لَمْ تَخْطَفْهَا الْهِرَّةُ، وَلَكِنْ أَكَلَتْهَا (بَعْدَ فَسَادِهَا) بِأَنْ تَرَكَتْهَا بَعْدَ الْيَمِينِ حَتَّى فَسَدَتْ (قَوْلَانِ) فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ، وَمَحَلُّ الْقَوْلَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ (إلَّا أَنْ تَتَوَانَى) فِي شَقِّ جَوْفِهَا حَتَّى تَحَلَّلَ فِي جَوْفِهَا مِنْهَا شَيْءٌ فَإِنْ تَوَانَتْ فَالْحِنْثُ قَطْعًا
(وَفِيهَا)(الْحِنْثُ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ الثَّوْبَيْنِ (فِي) حَلِفِهِ (لَا كَسَوْتُهَا) إيَّاهُمَا (وَنِيَّتُهُ الْجَمْعُ) بَيْنَهُمَا أَيْ عَدَمِهِ أَيْ لَا يَكْسُوهَا الثَّوْبَيْنِ مَعًا (وَاسْتُشْكِلَ) حِنْثُهُ بِكِسْوَتِهِ أَحَدَهُمَا بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِنِيَّتِهِ. .
ــ
[حاشية الدسوقي]
الْأَوْلَى مِنْ الْمَيِّتِ الْمَحْلُوفِ لَهُ أَيْ فَيَتَمَحَّضُ الْحَقُّ لِلْغَرِيمِ فَيُعْتَبَرُ إذْنُهُ وَتَأْخِيرُهُ.
(قَوْلُهُ: فِي حَلِفِهِ لَأَطَأَنَّهَا) أَيْ سَوَاءٌ قَيَّدَ بِاللَّيْلَةِ مَثَلًا أَوْ أَطْلَقَ، وَقَوْلُهُ فَوَطِئَهَا حَائِضًا أَيْ فَوَطِئَهَا وَطْئًا حَرَامًا مِثْلَ أَنْ تَكُونَ حَائِضًا إلَخْ، وَقَوْلُهُ وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا إلَخْ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ (قَوْلُهُ: قَوْلَانِ) الْقَوْلَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِابْنِ الْقَاسِمِ الْأَوَّلُ نَقْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْهُ وَالثَّانِي سَمَاعُ عِيسَى عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذَا حَلَفَ لَيَطَأَنَّهَا اللَّيْلَةَ فَوَجَدَهَا حَائِضًا وَاسْتَمَرَّ الْحَيْضُ حَتَّى فَاتَ الْوَقْتُ حَنِثَ قَطْعًا فَالْحِنْثُ إذَا قَيَّدَ، وَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ فَإِنَّهُ يَطَأُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ، وَلَا حِنْثَ (قَوْلُهُ: كَمَا قَدَّمَهُ إلَخْ) أَيْ فِيمَا تَقَدَّمَ تَكَلَّمَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ مَعَ الْمَانِعِ وَفَاتَ، وَهُنَا تَكَلَّمَ عَلَى مَا إذَا فَعَلَهُ مَعَ الْمَانِعِ قَبْلَ الْفَوَاتِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ فِيمَا تَقَدَّمَ حَنِثَ إنْ لَمْ يَطَأْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ، وَأَمَّا إنْ وَطِئَ فَقَوْلَانِ.
(قَوْلُهُ: لَتَأْكُلِنَّهَا) أَصْلُهُ لَتَأْكُلِينَنْهُ حُذِفَتْ نُونُ الرَّفْعِ لِتَوَالِي الْأَمْثَالِ ثُمَّ الْيَاءُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ (قَوْلُهُ: فَخَطِفَتْهَا) بِكَسْرِ الطَّاءِ كَمَا هُوَ الْأَجْوَدُ قَالَ تَعَالَى {إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} [الصافات: 10]، وَفِيهِ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ كَضَرَبَ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ (قَوْلُهُ: قَوْلَانِ) أَيْ بِالْحِنْثِ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَدَمِهِ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَصَحَّحَ ابْنُ رُشْدٍ الْأَوَّلَ لِجَرَيَانِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ حَمْلِ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمَقَاصِدِ، وَالثَّانِي جَارٍ عَلَى مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ، كَذَا فِي ح (قَوْلُهُ: مَعَ التَّوَانِي) أَيْ مَعَ تَوَانِي الْمَرْأَةِ فِي أَخْذِهَا مِنْهُ حَتَّى خَطِفَتْهَا الْهِرَّةُ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَمِينِهِ وَبَيْنَ أَخْذِ الْهِرَّةِ الْبِضْعَةَ قَدْرُ مَا تَتَنَاوَلُهَا الْمَرْأَةُ وَتَحُوزُهَا دُونَهَا فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ فَهُوَ عَدَمُ التَّوَانِي هَذَا هُوَ الَّذِي فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ كَمَا فِي نَقْلِ ح وَغَيْرِهِ، وَبِهِ يُعْلَمُ بُطْلَانُ مَا فَسَّرَهُ بِهِ خش مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّوَانِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَمِينِهِ وَبَيْنَ أَخْذِ الْهِرَّةِ الْبِضْعَةَ مَا يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ مَا تَتَنَاوَلُهَا الْمَرْأَةُ، وَعَدَمُ التَّوَانِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْيَمِينِ وَأَخْذِ الْهِرَّةِ قَدْرُ مَا تَتَنَاوَلُهَا الْمَرْأَةُ قَائِلًا كَمَا يُفِيدُهُ الْمَوَّاقُ مَعَ أَنَّ الَّذِي نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ سَمَاعَ أَبِي زَيْدٍ الْمُتَقَدِّمَ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ تَتَوَانَ لَمْ يَحْنَثْ اتِّفَاقًا) أَيْ، وَلَوْ لَمْ تَشُقَّ جَوْفَ الْهِرَّةِ وَتُخْرِجَهَا (قَوْلُهُ: قَوْلَانِ) الْقَوْلَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَوَافَقَهُ عَلَى الْحِنْثِ مَالِكٌ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ سَحْنُونٌ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ الْقَوْلَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ إلَّا أَنْ تَتَوَانَى إلَخْ) أَشَارَ الشَّارِحُ لِمَا هُوَ الصَّوَابُ مِنْ رُجُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ لِلْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْهِرَّةِ لَكِنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّوَانِي هُنَا التَّوَانِي بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ مَعَ عَدَمِ التَّوَانِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ عَدَمُ الْحِنْثِ حِينَئِذٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَمَا اعْتَرَضَ بِذَلِكَ الشَّارِحُ وح عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ هُنَا التَّوَانِي فِي شَقِّ جَوْفِ الْهِرَّةِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ تَتَوَانَ الْبِضْعَةُ فِي جَوْفِ الْهِرَّةِ حَتَّى تَحَلَّلَ بَعْضُهَا، وَإِلَّا حَنِثَ عِنْدَهُ أَيْضًا كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ الشَّارِحِ وح.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى طَرَفَيْنِ وَوَاسِطَةُ إنْ لَمْ تَتَوَانَ الْمَرْأَةُ فِي أَخْذِهَا لَمْ يَحْنَثْ اتِّفَاقًا، وَلَوْ تَوَانَتْ فِي شَقِّ جَوْفِهَا أَوْ تَرَكَتْهُ مِنْ غَيْرِ شَقٍّ، وَإِنْ تَوَانَتْ فِي أَخْذِهَا وَتَوَانَتْ فِي شَقِّ جَوْفِ الْهِرَّةِ حَنِثَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ تَوَانَتْ فِي أَخْذِهَا لَكِنْ لَمْ تَتَوَانَ فِي شَقِّ جَوْفِ الْهِرَّةِ فَقَوْلَانِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَتَوَانَى رَاجِعًا لِلْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْفَسَادِ خِلَافًا لخش وعبق لِقَوْلِ التَّوْضِيحِ وَحَكَى اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الطَّعَامَ فَتَرَكَهُ حَتَّى فَسَدَ ثُمَّ أَكَلَهُ قَوْلَانِ فَحَكَى الْقَوْلَيْنِ مَعَ التَّوَانِي لَا مَعَ عَدَمِ التَّوَانِي.
(قَوْلُهُ: وَفِيهَا الْحِنْثُ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ بِكِسْوَتِهَا أَحَدُهُمَا (قَوْلُهُ: وَنِيَّتُهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ، وَأَوْلَى فِي الْحِنْثِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَصْلًا.
(قَوْلُهُ: أَيْ عَدَمُهُ) أَيْ وَنِيَّتُهُ عَدَمُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الْكِسْوَةِ لَا فِي الزَّمَانِ بِأَنْ نَوَى أَنَّهُ لَا يَكْسُوهَا بِهِمَا مَعًا فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ أَوْ زَمَنَيْنِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِنِيَّتِهِ) ظَاهِرُهُ؛ لِأَنَّ كِسْوَتَهَا أَحَدَهُمَا مُخَالِفٌ لِنِيَّتِهِ، وَفِيهِ أَنَّ نِيَّتَهُ أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَ الثَّوْبَيْنِ فِي كِسْوَتِهَا، وَإِذَا كَسَاهَا أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الثَّوْبَيْنِ فِي كِسْوَتِهَا، فَأَيْنَ الْمُخَالَفَةُ؟ ،. فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِنِيَّتِهِ وَتَوْضِيحُهُ أَنَّهُ اسْتَشْكَلَ عَدَمُ