المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل) عقد الجزية - الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي - جـ ٢

[محمد بن أحمد الدسوقي]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابٌ فِي أَحْكَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ]

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌[شُرُوط وُجُوب الْحَجّ]

- ‌[أَرْكَانُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ]

- ‌[سُنَن الْإِحْرَامِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُحَرِّمَ بِالْإِحْرَامِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَوَانِعِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ]

- ‌(بَابُ الذَّكَاةِ)

- ‌[بَابُ الْمُبَاحِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[الْمُحَرَّمُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[الْمَكْرُوهُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[بَابٌ الْأُضْحِيَّةِ]

- ‌ الْعَقِيقَةِ وَحُكْمِهَا

- ‌[بَابُ الْأَيْمَانِ]

- ‌[الِاسْتِثْنَاء فِي الْيَمِين وَشَرَائِطه]

- ‌[كَفَّارَة الْيَمِين]

- ‌(فَصْلٌ) فِي النَّذْرِ، وَأَحْكَامِهِ

- ‌[بَابٌ الْجِهَادَ]

- ‌(فَصْلٌ) عَقْدُ الْجِزْيَةِ

- ‌[بَابٌ الْمُسَابَقَةُ]

- ‌[بَاب بَعْضُ مَا اخْتَصَّ بِهِ النَّبِيُّ مِنْ الْأَحْكَامِ]

- ‌(بَابٌ) فِي النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ

- ‌[أَرْكَان النِّكَاح]

- ‌[أَقْسَام النِّكَاح الْفَاسِد]

- ‌[الْكِفَاءَة فِي النِّكَاح]

- ‌ مَوَانِعِ النِّكَاحِ

- ‌[فَصَلِّ خِيَار أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إذَا وَجَدَ عَيْبًا وَالْعُيُوبِ الَّتِي تُوجِبُ الْخِيَارَ فِي الرَّدِّ]

- ‌ مَا يَتَرَتَّبُ لِلْمَرْأَةِ إذَا حَصَلَ الرَّدُّ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ مِنْ الصَّدَاقِ

- ‌[فَصْل وَجَازَ لِمَنْ كَمُلَ عِتْقُهَا وَهِيَ تَحْتَ عَبْدٍ فِرَاقهُ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الصَّدَاقِ

- ‌[الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ لِخَلَلِ فِي شُرُوط الصَّدَاق]

- ‌[فَصْل حُكْم تَنَازُع الزَّوْجَيْنِ فِي النِّكَاح وَالصَّدَاق أَوْ مَتَاع الْبَيْت وَمَا يَتَعَلَّق بِذَلِكَ]

- ‌[فَصَلِّ الْوَلِيمَة]

- ‌[فَصَلِّ الْقَسْم بَيْن الزَّوْجَات فِي الْمَبِيت]

- ‌ الْكَلَامِ عَلَى أَحْكَامِ النُّشُوزِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكَلَام عَلَى الْخُلْعِ]

- ‌(فَصْلٌ طَلَاقُ السُّنَّةِ)

- ‌[فَصَلِّ أَرْكَان الطَّلَاق]

- ‌[فَصْل حُكْم النِّيَابَةِ فِي الطَّلَاقِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي رَجْعَةِ الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا غَيْرَ بَائِنٍ)

- ‌(بَابُ الْإِيلَاءِ

- ‌[بَاب الظِّهَار وَأَرْكَانَهُ وَكَفَّارَتَهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌[كِنَايَات الظِّهَار]

- ‌[بَاب اللِّعَان وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌ أَسْبَابُ اللِّعَانِ

- ‌[عدة الْحُرَّة]

- ‌(فَصْلٌ) لِذِكْرِ الْمَفْقُودِ وَأَقْسَامِهِ

- ‌[فَصْلٌ الِاسْتِبْرَاءُ]

- ‌بَابِ تَدَاخُلِ الْعَدَدِ

- ‌[بَاب أَحْكَامِ الرَّضَاعِ]

- ‌[بَاب أَسْبَابَ النَّفَقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ النَّفَقَةِ بِالْمِلْكِ وَالْقَرَابَةُ]

- ‌[فَصَلِّ الْحَضَانَةِ]

الفصل: ‌(فصل) عقد الجزية

(وَهَذَمَ) أَيْ قَطَعَ (السَّبْيُ) مِنَّا لِزَوْجَيْنِ كَافِرَيْنِ (النِّكَاحَ) بَيْنَهُمَا سُبِيَا مَعًا أَوْ مُتَرَتِّبَيْنِ أَوْ سُبِيَتْ هِيَ فَقَطْ قَبْلَ إسْلَامِهِ أَوْ سُبِيَ هُوَ فَقَطْ، وَعَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ؛ لِأَنَّهَا أَمَةٌ (إلَّا أَنْ تُسْبَى وَتُسْلِمَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ إسْلَامِ زَوْجِهَا وَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلَيْنِ يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ زَوْجُهَا الْحَرْبِيُّ أَوْ الْمُسْتَأْمِنُ ثُمَّ سُبِيَتْ وَأَسْلَمَتْ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَلَا يَهْذِمُ سَبْيُهَا النِّكَاحَ وَتَصِيرُ أَمَةً مُسْلِمَةً تَحْتَ حُرٍّ مُسْلِمٍ، وَمَحَلُّهُ إنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ حَيْضَةٍ (وَوَلَدُهُ) أَيْ الْحَرْبِيُّ الَّذِي أَسْلَمَ وَفَرَّ إلَيْنَا أَوْ بَقِيَ حَتَّى غَزَا الْمُسْلِمُونَ بَلَدَهُ فَغَنِمُوهُ إنْ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ قَبْلَ إسْلَامِ أَبِيهِ (وَمَالُهُ فَيْءٌ) أَيْ غَنِيمَةٌ فَإِنْ حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ إسْلَامِ أَبِيهِ فَحُرٌّ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا زَوْجَتُهُ فَغَنِيمَةٌ اتِّفَاقًا، وَأُقِرَّ عَلَيْهَا إنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ حَيْضَةٍ كَمَا مَرَّ (مُطْلَقًا) كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا (لَا وَلَدٌ صَغِيرٌ لِكِتَابِيَّةٍ) حُرَّةٍ (سُبِيَتْ) أَيْ سَبَاهَا حَرْبِيٌّ فَأَوْلَدَهَا (أَوْ) وَلَدٌ صَغِيرُ مِنْ (مُسْلِمَةٍ) سُبِيَتْ أَيْ سَبَاهَا حَرْبِيٌّ فَأَوْلَدَهَا ثُمَّ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ الْكِتَابِيَّةَ وَالْمُسْلِمَةَ وَأَوْلَادَهُمَا الصِّغَارَ فَالْأَوْلَادُ أَحْرَارٌ تَبَعًا لِأُمِّهِمْ، وَأَمَّا الْكِبَارُ فَرِقٌّ إنْ كَانُوا مِنْ كِتَابِيَّةٍ (وَهَلْ)(كِبَارُ) أَوْلَادِ الْحُرَّةِ (الْمُسْلِمَةِ)(فَيْءٌ) أَيْ غَنِيمَةٌ كَكِبَارِ أَوْلَادِ الْكِتَابِيَّةِ مُطْلَقًا (أَوْ) فَيْءٌ (إنْ قَاتَلُوا تَأْوِيلَانِ)(وَوَلَدُ الْأَمَةِ) الَّتِي سَبَاهَا الْحَرْبِيُّونَ مِنَّا فَوَلَدَتْ عِنْدَهُمْ (لِمَالِكِهَا) صِغَارًا أَوْ كِبَارًا مِنْ زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ.

ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْجِزْيَةِ وَأَحْكَامِهَا فَقَالَ دَرْسٌ ‌

(فَصْلٌ) عَقْدُ الْجِزْيَةِ

(عَقْدُ الْجِزْيَةِ)

ــ

[حاشية الدسوقي]

تَبِعَ فِيهِ تت قَالَ طفى: وَهُوَ رَكِيكٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْعَبْدِ وَأَنَّ الْمُرَادَ لَا يَكُونُ الْعَبْدُ حُرًّا بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِ بَلْ حَتَّى يَفِرَّ أَوْ يُغْنَمَ فَالْمُؤَلِّفُ أَرَادَ اخْتِصَارَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَلَا يَكُونُ حُرًّا بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِ عَطْفٌ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ خَرَجَ لَا عَلَى بَعْدُ أَيْ لَا بِخُرُوجِهِ وَلَا بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ تَكْرَارًا مَعَ مَفْهُومِ قَوْلِهِ إنْ فَرَّ أَوْ بَقِيَ لَكِنْ أَتَى بِهِ لِنُكْتَةٍ وَهِيَ الرَّدُّ عَلَى مُخَالَفَةِ سَحْنُونٍ وَأَشْهَبَ حَيْثُ قَالَ لَا يَكُونُ حُرًّا بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ.

(قَوْلُهُ: وَهَذَمَ) بِالْمُعْجَمَةِ بِمَعْنَى قَطَعَ وَبِالْمُهْمَلَةِ بِمَعْنَى أَسْقَطَ وَنَقَضَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ: أَوْ سُبِيَتْ هِيَ فَقَطْ قَبْلَ إسْلَامِهِ) أَيْ، وَقَبْلَ قُدُومِهِ بِأَمَانٍ أَوْ قَبْلَ إسْلَامِهِ وَبَعْدَ قُدُومِهِ بِأَمَانٍ (قَوْلُهُ: أَوْ سُبِيَ هُوَ فَقَطْ) أَيْ قَبْلَ إسْلَامِهَا وَقَبْلَ قُدُومِهَا بِأَمَانٍ، أَوْ قَبْلَ إسْلَامِهَا وَبَعْدَ قُدُومِهَا بِأَمَانٍ، وَظَاهِرُ الشَّارِحِ أَنَّهُمَا إذَا سُبِيَا مَرَّتَيْنِ يَنْهَدِمُ نِكَاحُهُمَا سَوَاءٌ حَصَلَ إسْلَامٌ مِنْ أَحَدِهِمَا بَيْنَ سَبْيِهِمَا أَوْ حَصَلَ بَعْدَهُ، وَالثَّانِي كَمَا لَوْ سُبِيَ أَوَّلًا وَبَقِيَ عَلَى كُفْرِهِ ثُمَّ سُبِيَتْ وَأَسْلَمَا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ بِالْعَكْسِ.

وَالْأَوَّلُ كَمَا لَوْ سُبِيَ وَأَسْلَمَ ثُمَّ سُبِيَتْ هِيَ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَأَسْلَمَتْ أَوْ بِالْعَكْسِ فَيَنْهَدِمُ النِّكَاحُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَا تَدْخُلُ هَذِهِ الصُّورَةُ الْأُولَى تَحْتَ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ تُسْبَى وَتُسْلِمَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُسْتَثْنَى مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ أَسْلَمَ مِنْ غَيْرِ سَبْيٍ وَهُوَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ مُؤْمِنٌ كَمَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ، وَقَرَّرَهُ الشَّارِحُ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ الَّتِي انْهَدَمَ فِيهَا النِّكَاحُ إذَا أَرَادَ السَّابِي وَطْأَهَا (قَوْلُهُ: وَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلَيْنِ) أَيْ لِتَنَازُعِهِمَا فِيهِ فَهُمَا طَالِبَانِ لَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ فِيهِ أَحَدَهُمَا (قَوْلُهُ: فَلَا يَهْدِمُ سَبْيُهَا النِّكَاحَ) وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهَا وَتَصِيرُ أَمَةً مُسْلِمَةً تَحْتَ حُرٍّ وَالرَّاجِحُ كَمَا قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي إقْرَارِهِ عَلَيْهَا مَا اشْتَرَطَ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ مِنْ عَدَمِ الطَّوْلِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَالدَّوَامُ لَيْسَ كَالِابْتِدَاءِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلتَّوْضِيحِ وح. اهـ بْن.

(قَوْلُهُ: إنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ حَيْضَةٍ) مَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ حَيْضَةٍ انْهَدَمَ نِكَاحُهَا لِخُرُوجِهَا مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ.

(قَوْلُهُ: وَمَالُهُ فَيْءٌ) أَيْ مَالُهُ الَّذِي فِي بِلَادِ الْحَرْبِ، وَالْمُوجِبُ لِكَوْنِهِ غَنِيمَةً كَوْنُهُ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا: وَمَلَكَ بِإِسْلَامِهِ غَيْرَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَالٍ قَدِمَ بِهِ إلَيْنَا لَا عَلَى الَّذِي أَبْقَاهُ (قَوْلُهُ: وَمَالُهُ فَيْءٌ) ظَاهِرُهُ أَنَّ مَالَهُ يَكُونُ غَنِيمَةً مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَنَا وَتَرَكَ مَالَهُ فِي بَلَدِهِ أَوْ كَانَ بَاقِيًا بِدَارِ الْحَرْبِ مَعَ مَالِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ خِلَافُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ أَنَّهُ يَكُونُ غَنِيمَةً أَيْضًا، وَقَالَ التُّونُسِيُّ إنَّهُ يَكُونُ لَهُ وَهُمَا تَأْوِيلَانِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ أَشَارَ لِذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ. اهـ بْن.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا زَوْجَتُهُ) أَيْ الْحَرْبِيِّ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ الَّذِي أَسْلَمَ، وَفَرَّ إلَيْنَا وَقَوْلُهُ: فَغَنِيمَةٌ اتِّفَاقًا أَيْ وَكَذَا مُؤَخَّرُ صَدَاقِهَا؛ لِأَنَّ صَدَاقَ الزَّوْجَةِ مَالٌ لَهَا وَالزَّوْجَةُ رَقِيقَةٌ لِلْجَيْشِ وَمَالُ الرَّقِيقِ لِسَيِّدِهِ (قَوْلُهُ: تَأْوِيلَانِ) قَالَ فِيهَا وَأَمَّا الْكِبَارُ إذَا بَلَغُوا وَقَاتَلُوا فَهُمْ فَيْءٌ فَحَمَلَهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَلَى ظَاهِرَهَا وَرَأَى ابْنُ شَبْلُونٍ أَنَّ الشَّرْطَ لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَكُونُوا عَلَى حَالٍ يُمْكِنُهُمْ الْقِتَالُ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ (قَوْلُهُ: لِمَالِكِهَا) أَيْ لِتَبَعِيَّةِ الْوَلَدِ لِأُمِّهِ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَلِأَبِيهِ فِي الدِّينِ وَأَدَاءِ الْجِزْيَةِ.

[فَصْلٌ عَقْدُ الْجِزْيَةِ]

(فَصْلٌ: عَقْدُ الْجِزْيَةِ)(قَوْلُهُ: عَقْدُ الْجِزْيَةِ إلَخْ) الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى اللَّازِمِ أَيْ الْعَقْدُ الْمَنْسُوبُ لِلْجِزْيَةِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ الْجِزْيَةُ اصْطِلَاحًا هِيَ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ فَلَا مَعْنَى لِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهِ وَإِضَافَةُ الْعَقْدِ لِلْجِزْيَةِ مِنْ إضَافَةِ الْمَشْرُوطِ لِلشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَقْدِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ الْتِزَامُ تَقْرِيرِهِمْ فِي دَارِنَا وَحِمَايَتِهِمْ وَالذَّبِّ

ص: 200

(إذْنُ الْإِمَامِ لِكَافِرٍ) ، وَلَوْ قُرَشِيًّا (صَحَّ سِبَاؤُهُ) بِالْمَدِّ أَيْ أَسْرُهُ وَخَرَجَ بِالْإِمَامِ غَيْرُهُ فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ صَحَّ سِبَاؤُهُ الْمُرْتَدُّ فَلَا يَصِحُّ سِبَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى رِدَّتِهِ وَالْمُعَاهِدُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عَهْدِهِ وَالرَّاهِبُ وَالرَّاهِبَةُ الْحُرَّانِ (مُكَلَّفٍ) فَلَا تُؤْخَذُ مِنْ صَغِيرٍ، وَمَجْنُونٍ (حُرٍّ) لَا مِنْ عَبْدٍ فَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أُخِذَتْ مِنْهُ وَلَا يُنْتَظَرُ حَوْلٌ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ، وَمَحَلُّ أَخْذِهَا مِنْهُمْ إنْ تَقَدَّمَ لِضَرْبِهَا عَلَى الْأَحْرَارِ حَوْلٌ فَأَكْثَرُ وَتَقَدَّمَ لَهُ، هُوَ عِنْدَنَا حَوْلٌ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا (قَادِرٍ) عَلَى أَدَائِهَا وَلَوْ بَعْضًا فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مُعْدِمٍ شَيْءٌ مِنْهَا (مُخَالِطٍ) لِأَهْلِ دِينِهِ وَلَوْ رَاهِبَ كَنِيسَةٍ أَوْ شَيْخًا فَانِيًا أَوْ زَمِنًا أَوْ أَعْمَى لَا مِنْ رَاهِبٍ مُنْعَزِلٍ بِدَيْرٍ مَثَلًا لَا رَأْيَ لَهُ وَإِلَّا قُتِلَ، وَلَا يَبْقَى حَتَّى تُضْرَبَ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ (لَمْ يُعْتِقْهُ مُسْلِمٌ) بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ كَافِرٌ أَوْ مُسْلِمٌ بِبَلَدِ الْحَرْبِ أُخِذَتْ مِنْهُ (سُكْنَى) مَعْمُولُ أَذِنَ أَيْ أَذِنَ الْإِمَامُ فِي سُكْنَى (غَيْرِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ) ، وَمَا فِي حُكْمِهِمَا مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ (وَالْيَمَنِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ» (وَلَهُمْ الِاجْتِيَازُ) بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ غَيْرِ مُقِيمِينَ وَكَذَا لَهُمْ إقَامَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِمَصَالِحِهِمْ إنْ دَخَلُوا لِمَصْلَحَةٍ كَجَلْبِ طَعَامٍ (بِمَالٍ) مُتَعَلِّقٌ بِسُكْنَى أَيْ أَذِنَ الْإِمَامُ لِكَافِرٍ أَنْ يَسْكُنَ فِي غَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ عَلَى مَا يَبْذُلُونَهُ لَهُ بَلْ فِي الْحَقِيقَةِ الْجِزْيَةُ نَفْسُ الْمَالِ الْمَضْرُوبِ عَلَيْهِمْ لِاسْتِقْرَارِهِمْ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَصَوْنِهِمْ (لِلْعَنَوِيِّ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ) شَرْعِيَّةٌ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ (أَوْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) شَرْعِيًّا إنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْفِضَّةِ، وَأَهْلُ مِصْرَ أَهْلُ ذَهَبٍ، وَإِنْ تُعُومِلَ فِيهَا بِالْفِضَّةِ

ــ

[حاشية الدسوقي]

عَنْهُمْ بِشَرْطِ بَذْلِ الْجِزْيَةِ وَالْجِزْيَةُ الْعَنْوِيَّة مَا لَزِمَ الْكَافِرَ مِنْ مَالٍ لِأَمْنِهِ بِاسْتِقْرَارِهِ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَصَوْنِهِ (قَوْلُهُ: إذْنِ الْإِمَامِ) لَا بُدَّ فِي الْكَلَامِ مِنْ حَذْفٍ لِأَجْلِ صِحَّةِ الْإِخْبَارِ أَيْ سَبَبُ عَقْدِ الْجِزْيَةِ إذْنُ الْإِمَامِ، أَوْ عَقْدُ الْجِزْيَةِ سَبَبُهُ إذْنُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبُهُ بِلَفْظٍ أَوْ إشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قُرَشِيًّا) أَيْ فَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْهُمْ عَلَى الرَّاجِحِ قَالَ الْمَازِرِيُّ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ وَلِابْنِ رُشْدٍ طَرِيقَةٌ أُخْرَى لَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ إجْمَاعًا إمَّا لِمَكَانَتِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ؛ لِأَنَّ قُرَيْشًا أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُمْ كَافِرٌ فَمُرْتَدٌّ، وَإِذَا ثَبَتَتْ الرِّدَّةُ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ) أَيْ: لَكِنَّهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ إلَّا أَنَّهُ يَمْنَعُ الْقَتْلَ وَالْأَسْرَ وَحِينَئِذٍ فَيُرَدُّ لِمَأْمَنِهِ حَتَّى يَعْقِدَهَا مَعَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ سِبَاؤُهُ) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالْمُعَاهِدُ) أَيْ وَخَرَجَ الْمُعَاهِدُ، وَهُوَ الَّذِي دَخَلَ بِلَادَنَا بِأَمَانٍ لِقَضَاءِ غَرَضٍ ثُمَّ يَرْجِعُ لِبِلَادِهِ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ سِبَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ الرَّاهِبُ (قَوْلُهُ: حُرٍّ) لَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَغْنَى بِتَذْكِيرِ الْأَوْصَافِ عَنْ اشْتِرَاطِ الذُّكُورِيَّةِ، وَإِلَّا فَالْأُنْثَى لَا تُضْرَبُ الْجِزْيَةُ عَلَيْهَا خِلَافًا لِظَاهِرِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنْتَظَرُ حَوْلٌ) أَيْ تَمَامُ الْحَوْلِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا مَا بَعْدَهُ) أَيْ، وَلَا بَعْدَ الْإِفَاقَةِ، وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ أَخْذِهَا مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ، وَالْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ، وَالْعَبْدِ إذَا عَتَقَ، وَلَا يُنْتَظَرُ حَوْلٌ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ تَقَدَّمَ إلَخْ فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ الشَّرْطَيْنِ انْتَظَرَ الْحَوْلَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ وَالْعِتْقِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا قُتِلَ) أَيْ: وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ لَهُ رَأْيٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَبْقَى إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ لِلْإِمَامِ الِاجْتِهَادُ فِيهِ بِالْقَتْلِ وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ بْن.

(قَوْلُهُ: لَمْ يُعْتِقْهُ مُسْلِمٌ) اعْلَمْ أَنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إذَا عَتَقَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُعْتَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَهَذَا تُضْرَبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ؛ لِأَنَّهُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُ حَرْبِيٌّ أَوْ ذِمِّيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ، وَإِمَّا أَنْ يُعْتَقَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا إذَا أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ لَا تُضْرَبُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا حَارَبَ وَأُسِرَ، وَهَذَا خَارِجٌ بِقَوْلِهِ صَحَّ سِبَاؤُهُ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ ذِمِّيٌّ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ تَبَعًا لِسَيِّدِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ سِبَاؤُهُ، وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ فَلَوْ قَالَ صَحَّ سَبْيُهُ أَوْ أَعْتَقَهُ ذِمِّيٌّ لِوَفِيَ بِهِ، إذَا عَلِمْت هَذَا فَقَوْلُهُ: لَمْ يُعْتِقْهُ مُسْلِمٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ صَحَّ سِبَاؤُهُ لِإِغْنَائِهِ عَنْهُ بَلْ هُوَ مُضِرٌّ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ عَتِيقَ الْمُسْلِمِ إذَا حَارَبَ لَا تُضْرَبُ عَلَيْهِ. اهـ. بْن.

(قَوْلُهُ: وَأُخِذَتْ مِنْهُ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ فَلَا تُضْرَبُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا حَارَبَ وَأُسِرَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ الْيَمَنَ (قَوْلُهُ: وَلَهُمْ الِاجْتِيَازُ) أَيْ الْمُرُورُ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ كَكَوْنِ طَرِيقِهِ مِنْ غَيْرِهَا أَقْرَبُ.

قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَهُمْ إقَامَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لَيْسَ هَذَا تَحْدِيدًا بَلْ لَهُمْ إقَامَةُ الْأَيَّامِ الْقَلَائِلِ بِنَظَرِ الْإِمَامِ إنْ احْتَاجُوا لِذَلِكَ وَكَانَ دُخُولُهُمْ لِمَصْلَحَةٍ كَمَا لَوْ دَخَلُوا بِطَعَامٍ وَاحْتَاجُوا لِإِقَامَةِ الْأَيَّامِ لِاسْتِيفَاءِ ثَمَنِهِ وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ (قَوْلُهُ: لِلْعَنَوِيِّ) أَيْ عَلَى الْعَنْوِيِّ، وَهُوَ نِسْبَةٌ لِلْعَنْوَةِ، وَهِيَ الْقَهْرُ وَالْغَلَبَةُ (قَوْلُهُ: أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ شَرْعِيَّةٌ) أَيْ، وَهِيَ أَكْبَرُ مِنْ دَنَانِيرِ مِصْرَ لِأَنَّ الدِّينَارَ الشَّرْعِيَّ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ حَبَّةَ خَرُّوبٍ وَسُبْعُ حَبَّةٍ وَنِصْفُ سُبْعِ حَبَّةٍ، وَأَمَّا الدِّينَارُ الْمِصْرِيُّ فَثَمَانِ عَشْرَةَ حَبَّةً فَتَكُونُ الْأَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ الشَّرْعِيَّةُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ مِصْرِيَّةً وَثُلُثَيْ دِينَارٍ وَثَلَاثَةَ أَسْبَاعِ تُسْعِ دِينَارٍ (قَوْلُهُ: أَوْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا شَرْعِيًّا) أَيْ، وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ دَرَاهِمِ مِصْرَ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الشَّرْعِيَّ أَرْبَعَةَ عَشْرَةَ خَرُّوبَةً وَثَمَانِيَةُ أَعْشَارِ خَرُّوبَةٍ وَنِصْفُ عُشْرِ خَرُّوبَةٍ وَالْمِصْرِيُّ سِتَّ عَشْرَةَ خَرُّوبَةٍ فَزِيَادَةُ الْأَرْبَعِينَ الْمِصْرِيَّةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ الشَّرْعِيَّةِ سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ خَرُّوبَةً، وَهِيَ

ص: 201

(فِي) كُلِّ (سَنَةٍ) قَمَرِيَّةٍ (وَالظَّاهِرُ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ أَخْذُهَا (آخِرَهَا) أَيْ السَّنَةِ كَمَا هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ الْقِيَاسُ كَالزَّكَاةِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلَهَا، وَكَذَلِكَ الصُّلْحِيَّةُ إذَا وَقَعَتْ مُبْهَمَةً (وَنَقَّصَ الْفَقِيرَ) ، وَأَخَذَ مِنْهُ (بِوُسْعِهِ) ، وَلَوْ دِرْهَمًا فَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ مَا نَقَصَ لِضِيقِهِ (وَلَا يُزَادُ) عَلَى مَا ذَكَرَ لِكَثْرَةِ يَسَارٍ (وَلِلصُّلْحِيِّ) ، وَهُوَ مَنْ فُتِحَتْ بَلَدُهُ صُلْحًا (مَا شَرَطَ) وَرَضِيَ بِهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْإِمَامُ فَلَهُ مُقَاتَلَتُهُ وَلَوْ بَذَلَ أَضْعَافَ الْعَنْوِيِّ (وَإِنْ أَطْلَقَ) فِي صُلْحِهِ (فَكَالْأَوَّلِ) أَيْ فَعَلَيْهِ بَذْلُ مَا يَلْزَمُ الْعَنْوِيَّ (وَالظَّاهِرُ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ (إنْ)(بَذَلَ) الصُّلْحِيُّ الْقَدْرَ (الْأَوَّلَ)(حَرُمَ قِتَالُهُ) وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْإِمَامُ، وَهَذَا مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ وَلِلصُّلْحِيِّ مَا شَرَطَ أَيْ مَعَ رِضَا الْإِمَامِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَعْبُرَ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ لَا مِنْ الْخِلَافِ.

وَتُؤْخَذُ كُلٌّ مِنْ الْجِزْيَتَيْنِ (مَعَ الْإِهَانَةِ) أَيْ الْإِذْلَالِ وُجُوبًا (عِنْدَ أَخْذِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] ، وَيُصْفَعُ عَلَى قَفَاهُ عِنْدَ أَخْذِهَا، وَلَا يُقْبَلُ مِنْ النَّائِبِ بَلْ كُلُّ أَحَدٍ مِنْهُمْ يُعْطِيهَا بِنَفْسِهِ لِأَجَلِ إهَانَتِهِ عَسَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِدُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ (وَسَقَطَتَا بِالْإِسْلَامِ) وَبِالْمَوْتِ، وَلَوْ مُتَجَمِّدَةً عَنْ سِنِينَ ثُمَّ شَبَّهَ فِي السُّقُوطِ لَا بِقَيْدِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ قَوْلُهُ:(كَأَرْزَاقِ الْمُسْلِمِينَ) الَّتِي قَدَّرَهَا عَلَيْهِمْ الْفَارُوقُ مَعَ الْجِزْيَةِ فَإِنَّهَا سَاقِطَةٌ عَنْهُمْ وَلَا تُؤْخَذُ، وَهِيَ عَلَى مَنْ بِالشَّامِ وَالْحِيرَةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مُدْيَانِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَثَلَاثَةُ أَقْسَاطِ زَيْتٍ وَالْقِسْطُ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ، وَعَلَى مَنْ بِمِصْرَ كُلَّ شَهْرٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ إرْدَبُّ حِنْطَةٍ وَلَا أَدْرِي كَمْ مِنْ الْوَدَكِ وَالْعَسَلِ وَالْكِسْوَةِ، وَعَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا مِنْ التَّمْرِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَعَ كِسْوَةٍ كَانَ يَكْسُوهَا عُمَرُ لِلنَّاسِ لَا أَدْرِي مَا هِيَ قَالَهُ مَالِكٌ (وَإِضَافَةِ) (الْمُجْتَازِ) عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (ثَلَاثًا) مِنْ الْأَيَّامِ وَإِنَّمَا سَقَطَتْ عَنْهُمْ (لِلظُّلْمِ) الْحَادِثِ عَلَيْهِمْ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ لَكِنَّ وُلَاةَ مِصْرَ قَوِيَتْ شَوْكَتُهُمْ بِاِتِّخَاذِ الْكَتَبَةِ مِنْهُمْ وَاسْتَأْمَنُوهُمْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَحَرِيمِهِمْ {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] .

(وَالْعَنَوِيُّ) بَعْدَ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ (حُرٌّ) فَعَلَى قَاتِلِهِ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ هِبَةِ أَمْوَالِهِمْ وَالصَّدَقَةِ بِهَا، وَلَا مِنْ الْوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ مَا لِهُمْ

ــ

[حاشية الدسوقي]

دِرْهَمَانِ بِالْمِصْرِيِّ وَسَبْعَةُ أَثْمَانِ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ الْأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا شَرْعِيَّةً سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ مِصْرِيَّةً وَثُمْنُ دِرْهَمٍ (قَوْلُهُ: فِي كُلِّ سَنَةٍ قَمَرِيَّةٍ) أَيْ لَا شَمْسِيَّةٍ لِئَلَّا تَضِيعَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَنَةٌ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً (قَوْلُهُ: وَنَقَّصَ الْفَقِيرَ) أَيْ عِنْدَ الْأَخْذِ لَا عِنْدَ الضَّرْبِ لِأَنَّهَا لَا تُضْرَبُ إلَّا كَامِلَةً قَالَهُ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: مُبْهَمَةً) أَيْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَقْتُهَا فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ آخِرَ السَّنَةِ (قَوْلُهُ: لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ مَا نَقَصَ لِضِيقِهِ) أَيْ مَا نَقَصْنَاهُ أَوَّلًا لِأَجْلِ ضِيقِهِ.

(قَوْلُهُ: وَلِلصُّلْحِيِّ) أَيْ، وَعَلَى الصُّلْحِيِّ فَاللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى، وَقَوْلُهُ: مَا شَرَطَ يُحْتَمَلُ جَعْلُ ضَمِيرِ شَرَطَ رَاجِعًا لِلْإِمَامِ أَيْ عَلَى الصُّلْحِيِّ الْمَالُ الَّذِي شَرَطَهُ الْإِمَامُ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَحْتَاجُ لِزِيَادَةٍ وَرَضِيَ بِهِ الْإِمَامُ، وَيُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ لِلصُّلْحِيِّ، وَعَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ الْقَيْدِ، وَلَا قَرِينَةَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ فَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا قَالَ اللَّقَانِيِّ (قَوْلُهُ: فَلَهُ مُقَاتَلَتُهُ) أَيْ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ الْبَدْرُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَطْلَقَ فِي صُلْحِهِ) أَيْ لَمْ يُعَيِّنْ قَدْرًا مَعْلُومًا بِأَنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الْجِزْيَةِ مُبْهَمَةً، (وَقَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ بَذْلُ مَا يَلْزَمُ الْعَنْوِيَّ) أَيْ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ أَوْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فِي كُلِّ سَنَةٍ. (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ) أَيْ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْضَ الْإِمَامُ بِمَا بَذَلَهُ فَلَهُ مُقَاتَلَتُهُ سَوَاءٌ بَذَلَ الْقَدْرَ الْأَوَّلَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِمَامَ تَارَةً يُصَالِحُهُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ مُبْهَمَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ قَدْرَهَا، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَلْزَمُهُ قَبُولُ جِزْيَةِ الْعَنْوِيِّ إذَا بَذَلُوهَا، وَتَارَةً يَتَرَاضَى مَعَهُمْ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَلْزَمُهُمْ مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ مَعَهُ، وَتَارَةً لَا يَتَرَاضَوْنَ مَعَهُ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ وَلَا عَلَى الْجِزْيَةِ مُبْهَمَةً، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ إذَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ الْعَنْوِيَّةَ هَلْ يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا أَوْ لَا قَوْلَانِ الْأَوَّلُ لِابْنِ رُشْدٍ وَرَجَّحَهُ بْن وَالثَّانِي لِابْنِ حَبِيبٍ وَرَجَّحَهُ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يُقْبَلُ) أَيْ إعْطَاؤُهَا مِنْ النَّائِبِ (قَوْلُهُ: وَسَقَطَتَا بِالْإِسْلَامِ إلَخْ) ، وَفِي سُقُوطِهَا بِالتَّرَهُّبِ الطَّارِئِ وَعَدَمِ سُقُوطِهَا قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْأَخَوَيْنِ قَالَ ابْنُ شَاسٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ، وَمَنْ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ جِزْيَةُ سِنِينَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِفِرَارِهِ بِهَا أُخِذَتْ مِنْهُ لِمَا مَضَى وَإِنْ كَانَ لِعُسْرِهِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ وَلَا يُطَالَبُ بِهَا بَعْدَ غِنَاهُ. اُنْظُرْ ح.

(قَوْلُهُ: الْفَارُوقُ) هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (قَوْلُهُ: وَالْحِيرَةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُون الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مَدِينَةٌ بِقُرْبِ الْكُوفَةِ (قَوْلُهُ: مُدْيَانِ) تَثْنِيَةُ مُدْيٍ، وَهُوَ مِكْيَالٌ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَنِصْفَ صَاعٍ كَمَا فِي بْن نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَعَ كِسْوَةٍ) أَيْ فِي كُلِّ شَهْرٍ (قَوْلُهُ: وَإِضَافَةِ الْمُجْتَازِ) أَيْ الْمَارِّ عَلَيْهِمْ بِمِصْرَ خَاصَّةً كَمَا فِي الْمَوَّاقِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا سَقَطَتْ عَنْهُمْ) أَيْ الْأَرْزَاقُ وَإِضَافَةُ الْمُجْتَازُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: لِلظُّلْمِ) فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ أَرَى أَنْ تُوضَعَ عَنْهُمْ الْيَوْمَ الضِّيَافَةُ وَالْأَرْزَاقُ لِمَا حَدَثَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْجَوْرِ قَالَ الْبِسَاطِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَقَاصِدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَفَى الظُّلْمُ وَكَانُوا هُمْ الظُّلْمَةَ كَمَا فِي نَصَارَى مِصْرَ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُغَلَّظَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يُزَادَ عَلَى مَا كَانَ مُقَرَّرًا عَلَيْهِمْ اهـ. وَمَا قَالَهُ صَوَابٌ صَحِيحٌ قَالَهُ شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ: وَالْعَنَوِيُّ حُرٌّ) أَيْ لِأَنَّهُ أُحْرِزَ بِضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ؛ وَلِأَنَّ إقْرَارَهُ فِي الْأَرْضِ لِعِمَارَتِهَا مِنْ نَاحِيَةِ الْمَنِّ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ} [محمد: 4] وَالْمَنُّ الْعَتَاقَةُ (قَوْلُهُ: فَعَلَى قَاتِلِهِ إلَخْ)

ص: 202

إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَارِثٌ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ، وَكَانَ مِيرَاثُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ (وَإِنْ)(مَاتَ) الْأَوْلَى التَّفْرِيعُ بِالْفَاءِ (وَأَسْلَمَ)(فَالْأَرْضُ) الْمَعْهُودَةُ فِي قَوْلِهِ وَوُقِفَتْ الْأَرْضُ (فَقَطْ) دُونَ مَالِهِ (لِلْمُسْلِمِينَ) لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ تَعَلُّقٌ بِهَا بَلْ يُعْطِيهَا السُّلْطَانُ لِمَنْ شَاءَ وَخَرَاجُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَأَمَّا مَالُهُ وَمِنْهُ الْأَرْضُ الَّتِي أَحْيَاهَا مِنْ مَوَاتٍ فَهُوَ لِوَارِثِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ عِنْدَهُمْ فَلِلْمُسْلِمِينَ هَذَا حُكْمُ أَرْضِ الْعَنْوِيِّ وَمَالِهِ.

(وَ) الْحُكْمُ (فِي) أَهْلِ (الصُّلْحِ) لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ إمَّا أَنْ تُضْرَبَ عَلَيْهِمْ مُجْمَلَةً عَلَى الْأَرْضِ وَالرِّقَابِ أَوْ مُفَصَّلَةً عَلَى الرِّقَابِ فَقَطْ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ فَقَطْ أَوْ عَلَيْهِمَا فَ (إنْ)(أُجْمِلَتْ) عَلَى الْأَرْضِ وَالرِّقَابِ بِأَنْ ضُرِبَتْ عَلَى الْبَلَدِ بِمَا حَوَتْ مِنْ أَرْضٍ وَرِقَابٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ مَا يَخُصُّ كُلَّ شَخْصٍ، وَمَا يَخُصُّ الرِّقَابَ مِنْ الْأَرْضِ (فَلَهُمْ أَرْضُهُمْ) يُقَسِّمُونَهَا وَيَبِيعُونَهَا وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ فِيهَا وَلَا يُزَادُ فِي الْجِزْيَةِ بِزِيَادَتِهِمْ وَلَا تَنْقُصُ بِنَقْصِهِمْ.

(وَ) لَهُمْ (الْوَصِيَّةُ بِمَالِهِمْ) كُلِّهِ، وَأَوْلَى بِبَعْضِهِ (وَوَرِثُوهَا) أَيْ الْأَرْضَ وَكَذَا مَالَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَارِثٌ عِنْدَهُمْ لِأَهْلِ دِينِهِمْ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَوْنَهُ عِنْدَهُمْ (وَإِنْ)(فُرِّقَتْ) جِزْيَتُهُمْ (عَلَى الرِّقَابِ) فَقَطْ كَعَلَى كُلِّ رَأْسٍ كَذَا سَوَاءٌ أُجْمِلَتْ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ سَكَتَ عَنْهَا، وَكَذَا إنْ فُرِّقَتْ عَلَى الْأَرْضِ وَأُجْمِلَتْ عَلَى الرِّقَابِ كَعَلَى كُلِّ فَدَّانٍ كَذَا أَوْ فُرِّقَتْ عَلَيْهَا مَعًا (فَهِيَ) أَيْ الْأَرْضُ، وَكَذَا مَالُهُمْ (لَهُمْ) يَبِيعُونَهَا وَيَرِثُونَهَا كَمَالِهِمْ وَتَكُونُ لَهُمْ إنْ أَسْلَمُوا (إلَّا أَنْ يَمُوتَ) وَاحِدٌ مِنْهُمْ (بِلَا وَارِثٍ) فِي دِينِهِمْ (فَلِلْمُسْلِمِينَ) أَرْضُهُ وَمَالُهُ (وَوَصِيَّتُهُمْ فِي الثُّلُثِ) فَقَطْ حَيْثُ لَا وَارِثَ عِنْدَهُمْ، وَمَا بَقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ مَاتَ وَلَهُ وَارِثٌ فَلَهُ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِ مَالِهِ إذْ لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ حِينَئِذٍ فَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ عَلَى الرِّقَابِ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَشْمَلَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنْ فُرِّقَتْ عَلَيْهَا إلَخْ فَهُوَ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَخَرَاجِهَا وَلِذَا قَالَ (وَإِنْ)(فُرِّقَتْ) الْجِزْيَةُ (عَلَيْهَا) أَيْ الْأَرْضِ كَعَلَى كُلِّ فَدَّانٍ أَوْ زَيْتُونِهِ أَوْ ذِرَاعٍ كَذَا سَوَاءٌ أُجْمِلَتْ عَلَى الرِّقَابِ أَوْ سَكَتَ عَنْهَا (أَوْ) فُرِّقَتْ (عَلَيْهِمَا) كَعَلَى كُلِّ فَدَّانٍ كَذَا، وَعَلَى كُلِّ رَأْسٍ كَذَا (فَلَهُمْ بَيْعُهَا) أَيْ الْأَرْضِ (وَخَرَاجُهَا) فِي كُلِّ سَنَةٍ (عَلَى الْبَائِعِ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُسْلِمَ فَتَسْقُطَ عَنْهُ، وَعَنْ الْمُشْتَرِي فَإِنْ أَسْلَمَ الصُّلْحِيُّ فَأَرْضُهُ وَمَالُهُ مِلْكٌ لَهُ وَسَقَطَ مَا ضُرِبَ عَلَيْهِ.

(وَلِلْعَنَوِيِّ)(إحْدَاثُ كَنِيسَةٍ) بِبَلَدِ الْعَنْوَةِ (إنْ شَرَطَ) الْإِحْدَاثَ عِنْدَ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ أَيْ إنْ سَأَلَ الْإِمَامَ فَأَجَابَهُ لِذَلِكَ، وَإِلَّا فَلِلْعَنَوِيِّ مَقْهُورٌ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ شَرْطٌ (وَإِلَّا فَلَا) ، وَهَذَا ضَعِيفٌ

ــ

[حاشية الدسوقي]

أَيْ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَقْتُولُ ذَكَرًا أَوْ كَانَ كِتَابِيًّا (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَارِثٌ إلَخْ) أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَارِثٌ فَلَا يُمْكِنُ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ مَالِهِ بَلْ بِالثُّلُثِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: الْأَوْلَى التَّفْرِيعُ بِالْفَاءِ) أَيْ؛ لِأَنَّ هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَالتَّفْرِيعُ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِ قَوْلِهِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: فَالْأَرْضُ الْمَعْهُودَةُ) أَيْ، وَهِيَ أَرْضُ الزِّرَاعَةِ الَّتِي فِي بِلَادِهِ الْمَفْتُوحَةِ عَنْوَةً بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ (قَوْلُهُ: دُونَ مَالِهِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ بَلْ هُوَ لَهُ إنْ أَسْلَمَ وَلِوَارِثِهِ إنْ مَاتَ كَانَ الْمَالُ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا أَوْ حَيَوَانًا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَالِ الَّذِي اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْفَتْحِ أَوْ قَبْلَهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ الَّذِي يَكُونُ لِلْعَنَوِيِّ إذَا أَسْلَمَ وَلِوَارِثِهِ إذْ مَاتَ مَا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَأَمَّا مَا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْفَتْحِ فَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ كَالْأَرْضِ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ إقْرَارَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ إنْ كَانَتْ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَنِّ فَمَالُهُمْ لَهُمْ وَلِوَرَثَتِهِمْ مُطْلَقًا إذَا مَاتُوا أَوْ أَسْلَمُوا وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ الْمَالُ مُطْلَقًا وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِتِلْكَ التَّفْرِقَةِ.

(قَوْلُهُ: لِلْمُسْلِمِينَ) أَيْ لِأَنَّهَا صَارَتْ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الْفَتْحِ، وَإِنَّمَا أُقِرَّتْ تَحْتَ يَدِهِ لِأَجْلِ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا إعَانَةً عَلَى الْجِزْيَةِ.

(قَوْلُهُ: لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ) أَيْ، وَفِي الْجَمِيعِ لَهُمْ أَرْضُهُمْ وَمَالُهُمْ فَيَهَبُونَ وَيَقْسِمُونَ وَيَبِيعُونَ وَيُورَثُ عَنْهُمْ إلَّا أَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ يَفْتَرِقُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بِلَا وَارِثٍ فَأَرْضُهُ وَمَالُهُ لِأَهْلِ دِينِهِ، وَلَهُ الْوَصِيَّةُ حِينَئِذٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ وَارِثٍ فَمَالُهُ وَأَرْضُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَوَصِيَّتُهُمْ فِي الثُّلُثِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ، وَإِذَا فُصِلَتْ الْجِزْيَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَالرِّقَابِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ دُونَ الرِّقَابِ فَاخْتَلَفَ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ فَقِيلَ يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِهَا، وَقِيلَ بِجَوَازِهِ، وَخَرَاجُهَا يَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْمَشْهُورُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ جَوَازُ بَيْعِهَا وَالْخَرَاجُ عَلَى الْبَائِعِ وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ هَذَا حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا تَتَعَرَّضُ لَهُمْ فِيهَا) أَيْ لَا بِضَرْبٍ خَرَاجٍ، وَلَا بِأَخْذِ عُشْرِ الزَّرْعِ، وَلَا غَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يُزَادُ فِي الْجِزْيَةِ بِزِيَادَتِهِمْ إلَخْ)، وَكَذَا لَا يَبْرَأُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا بِأَدَاءِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُمْ حُمَلَاءُ (قَوْلُهُ: وَلَهُمْ الْوَصِيَّةُ بِمَالِهِمْ كُلِّهِ وَأَوْلَى بِبَعْضِهِ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ (قَوْلُهُ: وَوَصِيَّتُهُمْ فِي الثُّلُثِ فَقَطْ) أَيْ؛ لِأَنَّ لَنَا حَظًّا فِي مَالِهِمْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الثُّلُثِ يَكُونُ لَنَا فَيُحْجَرُ عَلَيْهِمْ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُجْمِلَتْ أَوْ فُصِّلَتْ، وَكَانَ لَهُمْ وَارِثٌ فَلَا كَلَامَ لَنَا مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَنَا حِينَئِذٍ فِي مَالِهِمْ (قَوْلُهُ: وَمَا بَقِيَ) أَيْ بَعْدَ الثُّلُثِ الَّذِي خَرَجَ وَصِيَّةً (قَوْلُهُ: فَلَهُمْ بَيْعُهَا) ، وَقِيلَ لَيْسَ لَهُمْ بَيْعُهَا، وَقَوْلُهُ: وَخَرَاجُهَا عَلَى الْبَائِعِ، أَيْ وَقِيلَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَالْمُرَادُ بِخَرَاجِهَا مَا ضُرِبَ عَلَيْهَا مِنْ الْجِزْيَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ.

(قَوْلُهُ: إحْدَاثُ كَنِيسَةٍ بِبَلَدِ الْعَنْوَةِ) أَيْ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا مُسْلِمُونَ أَمْ لَا، وَأَمَّا الْقَدِيمَةُ الْمَوْجُودَةُ

ص: 203

وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْإِحْدَاثُ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ شَرَطَ أَوْ لَا (كَرَمِّ الْمُنْهَدِمِ) تَشْبِيهٌ بِقَوْلِهِ فَلَا، فَيُمْنَعُ مِنْ الرَّمِّ مُطْلَقًا شَرَطَ أَوْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَأَمَّا الْبَلَدُ الَّتِي اخْتَطَّهَا الْمُسْلِمُونَ كَالْقَاهِرَةِ فَلَا يَجُوزُ الْإِحْدَاثُ فِيهَا بِاتِّفَاقٍ كَمَا يَأْتِي لَكِنَّ مُلُوكَ مِصْرَ لِضَعْفِ إيمَانِهِمْ وَحُبِّهِمْ الْفَانِي مَكَّنُوهُمْ مِنْ ذَلِكَ (وَلِلصُّلْحِيِّ الْإِحْدَاثُ) شَرَطَ أَوْ لَا لَكِنْ فِي بَلَدٍ لَمْ يَخْتَطَّهَا الْمُسْلِمُونَ مَعَهُمْ (وَ) لِلصُّلْحِيِّ (بَيْعُ عَرْصَتِهَا) أَيْ عَرْصَةِ كَنِيسَتِهِ (أَوْ) بَيْعِ (حَائِطٍ) لَهَا، وَأَمَّا الْعَنْوِيُّ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا وَقْفٌ بِالْفَتْحِ (لَا) يَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْ الْعَنْوِيِّ وَالصُّلْحِيِّ إحْدَاثٌ (بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ) ، وَلَوْ اخْتَطَّهَا مَعَهُ الْكَافِرُ عَنَوِيًّا أَوْ صُلْحِيًّا (إلَّا لِمَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ) مِنْ الْإِحْدَاثِ فَلَا يُمْنَعُ ارْتِكَابًا لِأَخَفَّ الضَّرَرَيْنِ.

(وَمُنِعَ) الذِّمِّيُّ عَنَوِيًّا أَوْ صُلْحِيًّا (رُكُوبَ الْخَيْلِ) نَفِيسَةً أَمْ لَا (وَالْبِغَالِ) النَّفِيسَةِ (وَالسُّرُوجِ) وَالْبَرَاذِعِ النَّفِيسَةِ وَلَوْ عَلَى الْحَمِيرِ وَإِنَّمَا يَرْكَبُونَ عَلَى الْحَمِيرِ فَقَطْ أَوْ الْإِبِلِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي رُكُوبِهَا عِزٌّ كَالْخَيْلِ كَمَا هُوَ فِي عُرْفِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ وَيَجْعَلُ رِجْلَيْهِ فِي جَانِبِ الدَّابَّةِ (وَ) مُنِعَ (جَادَّةَ الطَّرِيقِ) أَيْ وَسَطَهَا بَلْ عَلَى جَانِبِهَا إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بِهَا أَحَدٌ (وَأُلْزِمَ بِلُبْسٍ يُمَيِّزُهُ) عَنْ الْمُسْلِمِينَ يُؤْذِنُ بِذُلِّهِ كَعِمَامَةٍ زَرْقَاءِ وَبُرْنِيطَةٍ وَطُرْطُورٍ (وَعُزِّرَ لِتَرْكِ الزُّنَّارِ) بِضَمِّ الزَّايِ خُيُوطٌ مُتَلَوِّنَةٌ بِأَلْوَانٍ شَتَّى يَشُدُّ بِهَا وَسَطَهُ عَلَامَةً عَلَى ذُلِّهِ.

(وَ) عُزِّرَ عَلَى (ظُهُورِ) أَيْ إظْهَارِ (السُّكْرِ) بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ (وَ) عَلَى إظْهَارِ (مُعْتَقَدِهِ) فِي الْمَسِيحِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (وَ) عَلَى (بَسْطِ لِسَانِهِ) عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ بِحَضْرَتِهِ (وَأُرِيقَتْ الْخَمْرُ) إنْ أَظْهَرَهَا (وَكُسِرَ النَّاقُوسُ) إنْ أَظْهَرُوهُ.

(وَيُنْتَقَضُ) عَهْدُهُ (بِقِتَالٍ) عَامٍّ لِلْمُسْلِمِينَ يَقْتَضِي خُرُوجَهُ عَنْ الذِّمَّةِ لَا مَا كَانَ فِيهِ ذَبٌّ عَنْ نَفْسِهِ (وَمَنْعِ جِزْيَةٍ وَتَمَرُّدٍ عَلَى الْأَحْكَامِ) الشَّرْعِيَّةِ بِأَنْ يُظْهِرَ عَدَمَ الْمُبَالَاةِ (وَبِغَصْبِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ) عَلَى الزِّنَا وَزَنَى بِهَا بِالْفِعْلِ، وَلَا بُدَّ مِنْ شُهُودٍ أَرْبَعَةٍ عَلَى زِنَاهُ يَرَوْنَ الْمِرْوَدَ فِي الْمُكْحُلَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ

ــ

[حاشية الدسوقي]

قَبْلَ الْفَتْحِ فَإِنَّهَا تَبْقَى، وَلَوْ بِلَا شَرْطٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَوْ أَكَلَ الْبَحْرُ كَنِيسَتَهُمْ فَهَلْ لَهُمْ أَنْ يَنْقُلُوهَا أَوْ يَفْصِلُ بَيْنَ كَوْنِهِمْ شَرَطُوا ذَلِكَ أَمْ لَا وَهُوَ الظَّاهِرُ كَذَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَنْ كَبِيرِ خش (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ إلَخْ) تَبِعَ فِيمَا قَالَهُ الْبِسَاطِيَّ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ قَوْلُهُ: ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ اُنْظُرْ ح وَالْمَوَّاقَ. اهـ. بْن (قَوْلُهُ: فَيُمْنَعُ مِنْ الرُّمِّ مُطْلَقًا) فِي بْن مَا ذَكَرَهُ مِنْ مَنْعِ تَرْمِيمِ الْمُنْهَدِمِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ غَيْرَ صَحِيحٍ لِتَصْرِيحِ أَبِي الْحَسَنِ فِي الْعَنْوِيِّ بِجَوَازِ رَمِّ الْمُنْهَدِمِ وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا شَرَطَ ذَلِكَ أَمْ لَا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُدَوَّنَةَ قَالَتْ لَيْسَ لَهُمْ شَرْطُ ذَلِكَ أَمْ لَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُدَوَّنَةَ قَالَتْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحْدِثُوا الْكَنَائِسَ فِي بِلَادِ الْعَنْوَةِ؛ لِأَنَّهَا فَيْءٌ، وَلَا تُورَثُ عَنْهُمْ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُمْ الْإِحْدَاثُ فِي بَلَدِ الْعَنْوَةِ مَفْهُومُهُ أَنَّ لَهُمْ أَنْ يَرُمُّوا مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ التَّرْمِيمُ لِلصُّلْحِيِّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يُمْنَعُونَ مِنْ التَّرْمِيمِ إلَّا بِشَرْطٍ فَتَبَيَّنَ أَنَّ لِلصُّلْحِيِّ الْإِحْدَاثَ وَرَمَّ الْمُنْهَدِمِ مُطْلَقًا شَرَطَ ذَلِكَ أَمْ لَا عَلَى قَوْلِهِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَعَلَّ نَاسِخَ الْمُبَيَّضَةِ قَدَّمَ قَوْلَهُ كَرَمِّ الْمُنْهَدِمِ، وَأَصْلُهُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلِلصُّلْحِيِّ الْإِحْدَاثُ. اُنْظُرْ طفى وَالْمَوَّاقَ.

(قَوْلُهُ: شَرَطَ) أَيْ التَّرْمِيمَ أَيْ اسْتَأْذَنَ الْإِمَامَ فِي ذَلِكَ، وَإِذْنُهُ أَوَّلًا (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي بَلَدٍ إلَخْ) أَيْ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْبَلَدُ اخْتَطَّهَا الْمُسْلِمُونَ مَعَهُمْ فَفِي جَوَازِ إحْدَاثِهَا وَعَدَمِهِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشَونِ كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَنْوِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْإِحْدَاثِ فِي بَلَدِ الْعَنْوَةِ سَوَاءٌ كَانَ أَهْلُهَا كُفَّارًا أَوْ سَكَنَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُمْ فِيهَا إلَّا بِشَرْطٍ، وَأَمَّا رَمُّ الْمُنْهَدِمِ فَجَائِزٌ مُطْلَقًا وَأَمَّا الصُّلْحِيُّ فَيُمَكَّنُ مِنْ الْإِحْدَاثِ فِي بَلَدٍ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ فِيهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُطْلَقًا بِشَرْطٍ وَبِغَيْرِهِ، وَكَذَا إنْ كَانَ مَعَهُمْ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَكَذَا يُمَكَّنُونَ مِنْ رَمِّ الْمُنْهَدِمِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مُطْلَقًا.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ اخْتَطَّهَا) أَيْ أَنْشَأَهَا مَعَ الْمُسْلِمِ الْكَافِرُ عَنَوِيًّا أَوْ صُلْحِيًّا، وَهَذَا مَا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَأَمَّا عَلَى مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ إذَا اخْتَطَّهَا فَيَجُوزُ لَهُ الْإِحْدَاثُ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مُسْلِمٌ، هَذَا وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ حَذْفَ الْمُبَالَغَةِ وَيَقُولُ: فِي حِلِّ الْمَتْنِ لَا يَجُوزُ لِلْكُفَّارِ الْإِحْدَاثُ بِبَلَدٍ انْفَرَدَ الْمُسْلِمُونَ بِاخْتِطَاطِهَا ثُمَّ انْتَقَلَ الْكُفَّارُ إلَيْهَا وَسَكَنُوا فِيهَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ

(قَوْلُهُ: وَأُرِيقَتْ الْخَمْرُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا تُكْسَرُ أَوَانِيهَا، وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهَا تُكْسَرُ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَكَذَلِكَ الْمَوَّاقُ، وَكَذَلِكَ صَرَّحَ الْبُرْزُلِيُّ فِي نَوَازِلِهِ نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ بِكَسْرِهَا، وَإِنَّمَا أُرِيقَتْ الْخَمْرُ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَشْتَهِيهَا وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ لَهُ إرَاقَتُهَا، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْحَاكِمِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ إنْ أَظْهَرَهَا أَيْ أَوْ حَمَلَهَا مِنْ بَلَدٍ لِآخَرَ فَإِنْ لَمْ يُظْهِرْهَا، وَأَرَاقَهَا مُسْلِمٌ ضَمِنَ لَهُ قِيمَتَهَا لِتَعَدِّيهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: إنْ أَظْهَرُوهُ) أَيْ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ كَسَرَهُ، وَكَذَلِكَ الصَّلِيبُ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ.

(قَوْلُهُ: وَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُ) أَيْ أَمَانُهُ، وَقَوْلُهُ: بِقِتَالِ عَامٍّ أَيْ غَيْرِ مُخْتَصٍّ بِوَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَمَنْعِ جِزْيَةٍ) يُقَيَّدُ كَمَا قَالَ الْبَدْرُ بِمَنْعِهَا تَمَرُّدًا أَوْ نَبْذًا لِلْعَهْدِ لَا مُجَرَّدَ بُخْلٍ فَيُجْبَرُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَبِغَصْبِ حُرَّةٍ) ، وَأَمَّا زِنَاهُ بِهَا طَائِعَةً فَإِنَّمَا يُوجِبُ تَعْزِيرَهُ وَحُدَّتْ هِيَ، وَكَذَا لَوْ زَنَى بِأَمَةٍ مُسْلِمَةٍ أَوْ بِحُرَّةٍ كَافِرَةٍ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ نَاقِضًا لِعَهْدِهِ.

ص: 204

وَقِيلَ يَكْفِي هُنَا اثْنَانِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا عَلَى نَقْضِ الْعَهْدِ (وَغُرُورِهَا) بِإِخْبَارِهِ إيَّاهَا أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَتَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا (وَتَطَلُّعِهِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ) يَعْنِي يُطْلِعُ الْحَرْبِيِّينَ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ كَأَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ كِتَابًا أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا بِأَنَّ الْمَحَلَّ الْفُلَانِيَّ لِلْمُسْلِمِينَ لَا حَارِسَ فِيهِ مَثَلًا لِيَأْتُوا مِنْهُ (وَسَبِّ نَبِيٍّ) مُجْمَعٍ عَلَى نُبُوَّتِهِ عِنْدَنَا (بِمَا لَمْ يَكْفُرْ بِهِ) أَيْ بِمَا نُقِرُّهُمْ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ لَا بِمَا كَفَرَ بِهِ كَلَمْ يُرْسِلْ إلَيْنَا أَوْ عِيسَى ابْنٌ لِلَّهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّا أَقْرَيْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ نَعَمْ إنْ ظَهَرَ ذَلِكَ يُوجَعُ ضَرْبًا.

(قَالُوا) أَيْ الْأَشْيَاخُ فِي بَيَانِ مَا لَمْ يَكْفُرْ بِهِ (كَلَيْسَ بِنَبِيٍّ أَوْ لَمْ يُرْسَلْ أَوْ لَمْ يُنْزَلْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ أَوْ تَقَوَّلَهُ) أَيْ اخْتَلَقَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ (أَوْ عِيسَى خَلَقَ مُحَمَّدًا أَوْ) قَالَ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ نَصَارَى مِصْرَ لَعَنَهُ اللَّهُ (مِسْكِينٌ مُحَمَّدٌ يُخْبِركُمْ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ مَا لَهُ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسَهُ حِينَ أَكَلَتْهُ الْكِلَابُ) يُرِيدُ عَضَّتْهُ فِي سَاقَيْهِ قَالَ مَالِكٌ حِينَ سُئِلَ عَنْ هَذَا اللَّعِينِ: أَرَى أَنْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ (وَقُتِلَ إنْ لَمْ يُسْلِمْ) ، وَيَتَعَيَّنُ فِي السَّبِّ، وَفِي غَصْبِ الْمُسْلِمَةِ وَغُرُورِهَا، وَأَمَّا فِي التَّطَلُّعِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَ قَتْلِهِ، وَأَسْرِهِ، وَأَمَّا فِي قِتَالِهِ فَيَنْظُرُ فِيهِ بِالْأُمُورِ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْأَسْرَى.

(وَإِنْ)(خَرَجَ) ذِمِّيٌّ (لِدَارِ الْحَرْبِ) نَاقِضًا بِخُرُوجِهِ الْعَهْدَ (وَأُخِذَ)(اُسْتُرِقَّ) أَيْ جَازَ اسْتِرْقَاقُهُ إذْ الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَيْنَ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَالِاسْتِرْقَاقِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الِاسْتِرْقَاقِ لِلرَّدِّ عَلَى أَشْهَبَ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَرْجِعُ رَقِيقًا (إنْ لَمْ يُظْلَمْ، وَإِلَّا) بِأَنْ خَرَجَ لِظُلْمٍ لَحِقَهُ (فَلَا) يُسْتَرَقُّ، وَيُرَدُّ لِجِزْيَتِهِ وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ خَرَجَ لِظُلْمٍ، وَصَرَّحَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ لِيُشَبِّهَ بِهِ قَوْلَهُ:(كَمُحَارَبَتِهِ) بِدَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ مُظْهِرٍ لِلْخُرُوجِ عَنْ الذِّمَّةِ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ الْمُحَارِبِ أَيْ قَاطِعِ الطَّرِيقِ لِأَخْذِ مَالٍ أَوْ مَنْعِ سُلُوكٍ.

(وَإِنْ ارْتَدَّ جَمَاعَةٌ) بَعْدَ إسْلَامِهِمْ (وَحَارَبُوا) الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ قَدَرْنَا عَلَيْهِمْ (فَكَالْمُرْتَدِّينَ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْأَصْلِيِّينَ يُسْتَتَابُ كِبَارُهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ تَابُوا، وَإِلَّا قُتِلُوا، وَمَالُهُمْ فَيْءٌ، وَيُجْبَرُ صِغَارُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ، وَقَالَ أَصْبَغُ كَالْكُفَّارِ الْحَرْبِيِّينَ يُسْتَرَقُّونَ وَأَوْلَادُهُمْ.

(وَ) يَجُوزُ (لِلْإِمَامِ) ، وَيَنْبَغِي أَوْ نَائِبِهِ فَقَطْ (الْمُهَادَنَةُ)

ــ

[حاشية الدسوقي]

قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَكْفِي هُنَا اثْنَانِ) أَيْ يَشْهَدَانِ عَلَى الْغَصْبِ، وَإِنْ لَمْ يُعَايِنَا الْوَطْءَ، وَقَوْلُهُ: عَلَى نَقْضِ الْعَهْدِ أَيْ لَا عَلَى الزِّنَا (قَوْلُهُ: فَتَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا) وَأَمَّا لَوْ تَزَوَّجَهَا مَعَ عِلْمِهَا بِكُفْرِهِ مِنْ غَيْرِ غُرُورٍ فَلَا يَكُونَ نَقْضًا لِعَهْدِهِ، وَيَلْزَمُهُ الْأَدَبُ فَقَطْ (قَوْلُهُ: كَأَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ كِتَابًا إلَخْ) فَفِي الْمَوَّاقِ عَنْ سَحْنُونٍ إنْ وَجَدْنَا فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ ذِمِّيًّا كَاتِبًا لِأَهْلِ الشِّرْكِ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ قُتِلَ لِيَكُونَ نَكَالًا لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: مُجْمَعٌ عَلَى نُبُوَّتِهِ عِنْدَنَا) أَيْ مَعْشَرِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ أَنْكَرَهَا الْيَهُودُ كَنُبُوَّةِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مَجْمَعٌ إلَخْ عَمَّا اُخْتُلِفَ فِي نُبُوَّتِهِ عِنْدَنَا كَالْخَضِرِ وَلُقْمَانَ فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِسَبِّهِ (قَوْلُهُ: بِمَا لَمْ يَكْفُرْ بِهِ) أَيْ بِمَا لَمْ يَكْفُرْ بِهِ الْكُفْرَ الَّذِي يُقَرُّ عَلَيْهِ بِأَنْ كَفَرَ بِهِ الْكُفْرَ الَّذِي لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ كَذَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا لَمْ يَكْفُرْ بِهِ مَا لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِمَا كَفَرَ بِهِ مَا أَقْرَرْنَاهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: يُرِيدُ عَضَّتَهُ فِي سَاقَيْهِ) فِيهِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِهَذَا التَّفْسِيرِ إذْ لَا حَقِيقَةَ لِهَذَا الْكَلَامِ حَتَّى يُبَيِّنَ، وَإِنَّمَا وَقَعَ مِنْ مَلْعُونٍ مِنْ نَصَارَى مِصْرَ أَنَّهُ قَالَ مِسْكِينٌ مُحَمَّدٌ يُخْبِرُكُمْ بِأَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ مَا لَهُ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسَهُ إذْ كَانَتْ الْكِلَابُ تَأْكُلُ سَاقَيْهِ فَأَرْسَلَ لِمَالِكٍ الِاسْتِفْتَاءَ فِيهِ فَقَالَ أَرَى أَنْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ اُكْتُبْ، وَيُحْرَقُ بِالنَّارِ فَقَالَ إنَّهُ لَحَقِيقٌ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَكَتَبْتُهَا وَنَفَذَتْ الصَّحِيفَةُ بِذَلِكَ فَفُعِلَ بِهِ ذَلِكَ.

قَالَ عِيَاضٌ: وَيَجُوزُ إحْرَاقُ السَّابِّ حَيًّا، وَمَيِّتًا (قَوْلُهُ: وَقُتِلَ إنْ لَمْ يُسْلِمْ) ضَمِيرُ قُتِلَ رَاجِعٌ لِلنَّاقِضِ (قَوْلُهُ: وَفِي غَصْبِ الْمُسْلِمَةِ وَغُرُورِهَا) أَمَّا تَعَيُّنِهِ أَيْ الْقَتْلِ فِي السَّبِّ فَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الرِّسَالَةِ وَصَدَّرَ بِهِ فِي الْجَوَاهِرِ وَحَكَى عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقَ، وَأَمَّا تَعَيُّنُهُ فِي غَصْبِ الْحُرَّةِ وَغُرُورِهَا فَهُوَ فِي نَقْلِ ابْنِ شَاسٍ وَغَيْرِهِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ قَتَلَ عُمَرُ رضي الله عنه عِلْجًا نَخَسَ بَغْلًا عَلَيْهِ امْرَأَةٌ فَسَقَطَتْ فَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهَا (قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي قِتَالِهِ فَيُنْظَرُ فِيهِ إلَخْ) ، وَمِثْلُ الْقِتَالِ التَّمَرُّدُ عَلَى الْأَحْكَامِ، وَمَنْعُ الْجِزْيَةِ مِنْ كَوْنِهِ يَنْظُرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْأُمُورِ الْخَمْسَةِ، وَمَا قَالَهُ شَارِحُنَا هُوَ الصَّوَابُ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ، وَقُتِلَ إنْ لَمْ يُسْلِمْ رَاجِعٌ لِلسَّابِّ خَاصَّةً، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ النَّقْضِ فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِيهِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ السَّابِقَةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَقْضَ الْعَهْدِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ لِلْأَصْلِ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأُمُورِ السَّابِقَةِ.

(قَوْلُهُ: إذْ الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَيْنَ الْمَنِّ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ (قَوْلُهُ: الْقَائِلُ بِأَنَّ الْحُرَّ إلَخْ) أَيْ الْقَائِلُ إنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ مَا عَدَا الِاسْتِرْقَاقَ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَرْجِعُ رَقِيقًا، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ الذِّمَّةَ هَلْ تَقْتَضِي الْحُرِّيَّةَ بِدَوَامِ الْعَهْدِ فَقَطْ أَوْ أَبَدًا.

(قَوْلُهُ وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ خَرَجَ لِظُلْمٍ) أَيْ سَوَاءٌ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى صِدْقِهِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: كَمُحَارَبَتِهِ) أَيْ قَطْعِهِ الطَّرِيقَ لِأَخْذِ مَالٍ أَوْ مَنْعِ سُلُوكٍ فَلَا يُسْتَرَقُّ وَإِنَّمَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي الْمُحَارِبِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ الْمُحَارِبِ) أَيْ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] الْآيَةَ، وَإِذَا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُحَارِبِ الْمُسْلِمِ فَلَا يُسْتَرَقُّ.

(قَوْلُهُ: فَكَالْمُرْتَدِّينَ) أَيْ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا كَالْحَرْبِيِّينَ كَمَا قَالَ أَصْبَغُ.

(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَوْ نَائِبِهِ) أَيْ أَوْ يُقَالُ قَوْلُهُ: لِلْإِمَامِ أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَيَدْخُلُ نُوَّابُهُ فَالْحَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ تَقْدِيمِ الْخَبَرِ بِالنِّسْبَةِ لِآحَادِ النَّاسِ فَإِنْ وَقَعَتْ الْمُهَادَنَةُ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ

ص: 205

أَيْ صُلْحُ الْحَرْبِيِّ مُدَّةً لَيْسَ هُوَ فِيهَا تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ (

لِمَصْلَحَةٍ

) كَالْعَجْزِ عَنْ قِتَالِهِمْ مُطْلَقًا أَوْ فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ وَتَعَيَّنَتْ إنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي عَدَمِهَا امْتَنَعَتْ فَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ لَا لِلتَّخْيِيرِ (إنْ خَلَا) عَقْدُ الْمُهَادَنَةِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ إنْ خَلَتْ بِالتَّأْنِيثِ (عَنْ) شَرْطٍ فَاسِدٍ فَإِنْ لَمْ تَخْلُ عَنْهُ لَمْ تَجُزْ (كَشَرْطِ بَقَاءِ مُسْلِمٍ) أُسِرَ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ أَوْ قَرْيَةٍ لَنَا خَالِيَةً لَهُمْ أَوْ شَرْطِ حُكْمٍ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ بِحُكْمِهِمْ (وَإِنْ بِمَالٍ) مُبَالَغَةٌ إمَّا فِي مَفْهُومِ الشَّرْطِ أَيْ فَإِنْ لَمْ تَخْلُ عَنْ شَرْطٍ فَاسِدٍ لَمْ تَجُزْ وَإِنْ بِمَالٍ يَدْفَعُهُ أَهْلُ الْكُفْرِ لَنَا، وَإِمَّا فِي مَنْطُوقِهِ أَيْ: وَإِنْ بِمَالٍ يَدْفَعُهُ الْإِمَامُ لَهُمْ (إلَّا لِخَوْفٍ) مِمَّا هُوَ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ دَفْعِ الْمَالِ مِنْهُمْ أَوْ لَهُمْ سَوَاءٌ جُعِلَتْ الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَفْهُومِ أَوْ الْمَنْطُوقِ (وَلَا حَدَّ) وَاجِبٌ لِمُدَّتِهَا بَلْ عَلَى حَسَبِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ (وَنُدِبَ أَنْ لَا تَزِيدَ) مُدَّتُهَا (عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) لِاحْتِمَالِ حُصُولِ قُوَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا إذَا اسْتَوَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَغَيْرِهَا، وَإِلَّا تَعَيَّنَ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ.

(وَإِنْ)(اسْتَشْعَرَ) الْإِمَامُ أَيْ ظَنَّ (خِيَانَتَهُمْ) قَبْلَ الْمُدَّةِ بِظُهُورِ أَمَارَتِهَا (نَبَذَهُ) وُجُوبًا، وَإِنَّمَا سَقَطَ الْعَهْدُ الْمُتَيَقَّنُ بِالظَّنِّ الَّذِي ظَهَرَتْ عَلَامَاتُهُ لِلضَّرُورَةِ (وَأَنْذَرَهُمْ) وُجُوبًا بِأَنَّهُ لَا عَهْدَ لَهُمْ فَإِنْ تَحَقَّقَ خِيَانَتُهُمْ نَبَذَهُ بِلَا إنْذَارٍ (وَوَجَبَ الْوَفَاءُ) بِمَا عَاهَدُونَا عَلَيْهِ (وَإِنْ) كَانَ عَهْدُنَا لَهُمْ (بِرَدِّ رَهَائِنَ) كُفَّارٍ عِنْدَنَا (وَلَوْ أَسْلَمُوا) حَيْثُ وَقَعَ اشْتِرَاطُ رَدِّهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الرَّدِّ إنْ أَسْلَمُوا (كَمَنْ أَسْلَمَ) أَيْ كَشَرْطِ رَدِّ مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ وَأَسْلَمَ وَلَيْسَ رَهْنًا فَإِنَّهُ يُوفَى بِهِ (وَإِنْ رَسُولًا) ، وَمَحَلُّ الرَّدِّ (إنْ كَانَ) مَنْ ذُكِرَ مِنْ الرَّهَائِنِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا

ــ

[حاشية الدسوقي]

وَنُوَّابِهِ مَضَتْ عَلَى مَا قَالَهُ سَحْنُونٌ إنْ كَانَتْ صَوَابًا فَلَيْسَتْ كَالْجِزْيَةِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا إنْ وَقَعَتْ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ وَنُوَّابِهِ كَانَتْ بَاطِلَةً (قَوْلُهُ: أَيْ صُلْحُ الْحَرْبِيِّ) أَيْ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ وَالْجِهَادِ (قَوْلُهُ: إنْ خَلَا إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْمُهَادَنَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِشُرُوطِ أَرْبَعَةٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ لَهَا الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ. الثَّانِي أَنْ يَكُونُ لِمَصْلَحَةٍ. الثَّالِثُ أَنْ يَخْلُوَ عَقْدُهَا عَنْ شَرْطٍ فَاسِدٍ. الرَّابِعُ أَنْ تَكُونَ مُدَّتُهَا مُعَيَّنَةً يُعَيِّنُهَا الْإِمَامُ بِاجْتِهَادِهِ وَنُدِبَ أَنْ لَا تَزِيدَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي عَدَمِهَا امْتَنَعَتْ) أَيْ وَإِنْ اسْتَوَتْ الْمَصْلَحَةُ فِيهَا وَفِي عَدَمِهَا جَازَتْ، وَقَوْلُهُ: فَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ أَيْ وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِلْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ وَقَوْلُهُ: لَا لِلتَّخْيِيرِ أَيْ وَإِلَّا كَانَ قَاصِرًا عَلَى الْأَخِيرِ مِنْهَا كَمَا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِمَعْنَى عَلَى كَانَ قَاصِرًا عَلَى الْأَوَّلِ فَقَطْ.

(قَوْلُهُ: أَوْ قَرْيَةٍ) أَيْ أَوْ شَرْطِ بَقَاءِ قَرْيَةٍ لَنَا حَالَةُ كَوْنِهَا خَالِيَةً مِنَّا لَهُمْ يَسْكُنُونَ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ بِمَالٍ يَدْفَعُهُ أَهْلُ الْكُفْرِ لَنَا) أَيْ: وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ مُصَاحِبًا لِمَالٍ يَدْفَعُهُ أَهْلُ الْكُفْرِ لَنَا، وَلَا يُغْتَفَرُ ذَلِكَ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ لِأَجْلِ الْمَالِ الَّذِي يَدْفَعُونَهُ لَنَا أَوْ: وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ بِسَبَبِ إعْطَاءِ مَالٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي مَنْطُوقِهِ) أَيْ، وَهُوَ الْخُلُوُّ عَنْ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَالْمَعْنَى وَجَازَ لِلْإِمَامِ الْمُهَادَنَةُ إنْ خَلَتْ عَنْ شَرْطٍ فَاسِدٍ وَإِنْ بِمَالٍ يَدْفَعُهُ الْإِمَامُ لَهُمْ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ فِيهِ نَظَرٌ لِاقْتِضَائِهِ جَوَازَ عَقْدِهَا عَلَى إعْطَاءِ مَالٍ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَيْضًا مَتَى دُفِعَ لَهُمْ مَالٌ لَمْ تَخْلُ عَنْ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ فَلَا تَصِحُّ الْمُبَالَغَةُ.

فَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَإِمَّا فِي شَيْءٍ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْمَنْطُوقِ، وَهُوَ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ أَيْ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ مُصَوَّرًا إلَخْ بِسَبَبِ مَالٍ (قَوْلُهُ: إلَّا لِخَوْفٍ مِمَّا هُوَ أَشَدُّ إلَخْ) أَيْ كَاسْتِيلَائِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَجُوزُ دَفْعُ الْمَالِ لَهُمْ أَوْ مِنْهُمْ فَقَدْ «شَاوَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَحَاطَتْ الْقَبَائِلُ بِالْمَدِينَةِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي أَنْ يَتْرُكَ لِلْمُشْرِكِينَ ثُلُثَ الثِّمَارِ لَمَّا خَافَ أَنْ يَكُونَ الْأَنْصَارُ مَلَّتْ الْقِتَالَ فَقَالَا إنْ كَانَ هَذَا مِنْ اللَّهِ فَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا رَأْيًا فَمَا أَكَلُوا مِنْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثَمَرَةً إلَّا بِشِرَاءٍ أَوْ قِرًى فَكَيْفَ وَقَدْ أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ عَزْمَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ تَرَكَ ذَلِكَ» فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْإِعْطَاءُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ جَائِزًا مَا شَاوَرَ رَسُولًا لِلَّهِ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا حَدَّ وَاجِبٌ لِمُدَّتِهَا) لَا يُقَالُ هَذَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْمُهَادَنَةِ أَنْ تَكُونَ مُدَّتُهَا مُعَيَّنَةً؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ أَنَّ شَرْطَهَا أَنْ يَكُونَ فِي مُدَّةٍ بِعَيْنِهَا لَا عَلَى التَّأْبِيدِ، وَلَا عَلَى الْإِبْهَامِ ثُمَّ تِلْكَ الْمُدَّةُ لَا حَدَّ لَهَا بَلْ يُعَيِّنُهَا الْإِمَامُ بِاجْتِهَادِهِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ نَدْبُ عَدَمِ الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ: نَبَذَهُ) أَيْ الْعَهْدَ الْوَاقِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَلَى الْمُهَادَنَةِ وَتَرْكِ الْجِهَادِ (قَوْلُهُ: لِلضَّرُورَةِ) أَيْ خَوْفِ الْوُقُوعِ فِي الْهَلَاكِ بِالتَّمَادِي عَلَى الْعَهْدِ (قَوْلُهُ: وَوَجَبَ الْوَفَاءُ إلَخْ) يَعْنِي إذَا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَى الْمُهَادَنَةِ وَتَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةً وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ رَهَائِنَ وَاشْتَرَطُوا عَلَيْنَا أَنَّهُ إذَا فَرَغَتْ مُدَّةُ الْمُهَادَنَةِ نَرُدُّ لَهُمْ رَهَائِنَهُمْ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا الْوَفَاءُ بِذَلِكَ فَنَرُدُّهُمْ لَهُمْ وَلَوْ أَسْلَمُوا عِنْدَنَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطُوا إلَخْ) أَيْ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لِجَوَازِ أَنْ يَفِرَّ مَنْ عِنْدَهُمْ، وَيَرْجِعُ لَنَا أَوْ نَفْدِيهِ مِنْهُمْ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا نَرُدُّ لَهُمْ الرَّهَائِنَ وَلَا الرُّسُلَ إذَا أَسْلَمُوا وَلَوْ اشْتَرَطُوا رَدَّهُمْ، وَقِيلَ إنْ اشْتَرَطُوا رَدَّهُمْ، وَلَوْ أَسْلَمُوا رُدُّوا، وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: كَمَنْ أَسْلَمَ) أَيْ كَشَرْطِهِمْ رَدَّ مَنْ جَاءَ إلَيْنَا مِنْهُمْ، وَأَسْلَمَ فَإِنَّهُ يُوَفَّى بِهِ هَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ رَسُولٍ بَلْ وَإِنْ كَانَ رَسُولًا جَاءَنَا بِاخْتِيَارِهِمْ وَبَالَغَ عَلَى الرَّسُولِ لِمُخَالَفَةِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيهِ وَلِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ شَرْطَهُمْ قَاصِرٌ عَلَى مَنْ

ص: 206

أَوْ مِمَّنْ أَسْلَمَ (ذَكَرًا) فَإِنْ كَانَ أُنْثَى لَمْ تُرَدَّ وَلَوْ مَعَ شَرْطِ رَدِّهَا صَرِيحًا (وَفُدِيَ) مَنْ أَسْلَمَ وَرُدَّ لِلْكُفَّارِ مِنْ رَهَائِن أَوْ غَيْرِهِمْ، وَأَوْلَى الْمُسْلِمُ الْأَصْلِيُّ الْأَسِيرُ (بِالْفَيْءِ) أَيْ بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وُجُوبًا عَلَى الْإِمَامِ (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ أَوْ لَمْ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ أَوْ قَصَرَ مَا فِيهِ عَنْ الْكِفَايَةِ فُدِيَ (بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ) عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِمْ وَالْأَسِيرُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ (ثُمَّ) إنْ تَعَذَّرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فُدِيَ (بِمَالِهِ) إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ (وَرَجَعَ) الْفَادِي الْمُعَيَّنُ سَوَاءٌ اتَّحَدَ أَوْ تَعَدَّدَ عَلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَفْدِيهِ مِنْ الْفَيْءِ وَلَا يَجْبِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَا يَفْدِيهِ بِهِ (بِمِثْلِ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةِ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ، وَهُوَ الْمُقَوَّمُ (عَلَى الْمَلِيِّ) يُؤْخَذُ مِنْهُ الْآنَ (وَالْمُعْدِمِ) بِاتِّبَاعِ ذِمَّتِهِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ إنْ أَيْسَرَ، وَمَحَلُّ رُجُوعِ الْفَادِي (إنْ لَمْ يَقْصِدْ صَدَقَةً) بِأَنْ قَصَدَ الرُّجُوعَ أَوْ لَا قَصَدَ لَهُ وَصُدِّقَ إنْ ادَّعَى عَدَمَ الصَّدَقَةِ (وَلَمْ يُمْكِنْ الْخَلَاصُ بِدُونِهِ) فَإِنْ أَمْكَنَ بِدُونِ شَيْءٍ أَوْ بِأَقَلِّ مِمَّا فُدِيَ بِهِ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْأُولَى بِشَيْءٍ، وَيَرْجِعُ فِي الثَّانِيَةِ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُ بِهِ الْخَلَاصُ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ الْفَادِي أَوْ الْمَفْدِيُّ (مَحْرَمًا) مِنْ النَّسَبِ (أَوْ) يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا (زَوْجًا) لِلْآخَرِ فَلَا رُجُوعَ (إنْ عَرَفَهُ) شَرَطَ فِيهِمَا، وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ (أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ) ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ، وَهُوَ شَرْطٌ فِي الْمَحْرَمِ فَقَطْ (إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ بِهِ) مُسْتَثْنًى مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ قَبْلَهُ أَيْ إلَّا أَنْ يَأْمُرَ الْمَفْدِيُّ الْفَادِي بِالْفِدَاءِ فَيَرْجِعُ وَلَوْ مَحْرَمًا أَوْ زَوْجًا (وَيَلْتَزِمُهُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ إذْ الْأَمْرُ بِالْفِدَاءِ كَافٍ فِي الرُّجُوعِ وَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ (وَقُدِّمَ) الْفَادِي بِمَا فُدِيَ (عَلَى غَيْرِهِ) مِنْ أَرْبَابِ الدُّيُونِ (وَلَوْ فِي) مَالٍ بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ (غَيْرِ مَا بِيَدِهِ) مِمَّا قَدِمَ بِهِ مِنْ بَلَدِ الْعَدُوِّ، وَيُفَضُّ الْفِدَاءُ (عَلَى الْعَدَدِ) بِالسَّوِيَّةِ (إنْ جَهِلُوا) أَيْ الْعَدُوُّ (قَدْرَهُمْ) أَيْ الْأُسَارَى مِنْ غِنًى وَفَقْرٍ وَشَرَفٍ وَوَضَاعَةٍ فَإِنْ عَلِمُوهُ فُضَّ عَلَى قَدْرِ مَا يُفْدَى بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ عَادَتِهِمْ كَثَلَاثَةٍ يُفْدَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَادَةً بِعَشَرَةٍ وَآخَرُ بِعِشْرِينَ

ــ

[حاشية الدسوقي]

جَاءَ مِنْهُمْ هَارِبًا لَا طَائِعًا أَوْ رَسُولًا فَأَفَادَ أَنَّ الْحُكْمَ عَامٌّ.

(قَوْلُهُ: أَوْ مِمَّنْ أَسْلَمَ) أَيْ أَوْ مِمَّنْ جَاءَ مِنْهُمْ إلَيْنَا وَأَسْلَمَ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ أُنْثَى لَمْ تُرَدَّ) أَيْ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] ، وَلَعَلَّهُ إلَّا لِمَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ، وَيَنْبَغِي عَدَمُ الرَّدِّ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَلَوْ كَانَ لَنَا عِنْدَهُمْ مُسْلِمَةٌ وَأَسَرُوهَا وَتَوَقَّفَ تَخْلِيصُهَا عَلَى رَدِّ الَّتِي أَسْلَمَتْ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: وأَوْلَى الْمُسْلِمُ الْأَصْلِيُّ الْأَسِيرُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَسْرُهُ ابْتِدَاءً أَوْ انْتِهَاءً فَيَشْمَلُ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِمْ طَوْعًا فَقَبَضُوا عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَفُدِيَ بِالْفَيْءِ إلَخْ) هَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ، وَقِيلَ يَبْدَأُ بِمَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ فَمَالُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ حَارِثٍ عَنْ ابْنِ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونٍ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ. اهـ. بْن (قَوْلُهُ: ثُمَّ بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ الَّذِينَ يُمْكِنُ الْأَخْذُ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ قُطْرِهِ فَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ وُسْعِهِ، وَيَتَوَلَّى الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ جِبَايَةَ ذَلِكَ، وَقَالَ أَشْهَبُ يُفْدَى بِأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ أَتَى عَلَى جَمِيعِهَا ابْنُ عَرَفَةَ مَا لَمْ يَخْشَ اسْتِيلَاءَ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ بِأَنْ لَا يُوجَدُ عِنْدَهَا مَا يَشْتَرُونَ بِهِ سِلَاحًا وَلَا بَارُودًا، وَكُلُّ مَنْ دَفَعَ شَيْئًا مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهِ عَلَى الْأَسِيرِ الْمَفْدِيِّ وَلَوْ دَفَعَ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ بِخِلَافِ الْفَادِي الْمُعَيَّنِ.

(قَوْلُهُ: وَرَجَعَ بِمِثْلِ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةِ غَيْرِهِ إلَخْ) مِثْلُهُ لِلْبَاجِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْأَظْهَرُ الْمِثْلِيُّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَرْضٌ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْأَظْهَرُ إنْ كَانَ الْفِدَاءُ بِقَوْلِ الْمَفْدِيُّ أَفْدِنِي وَأُعْطِيك الْفِدَاءَ فَالْمِثْلُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَرْضٌ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَرْضٌ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ فَقَوْلُ الْبَاجِيَّ لِأَنَّ السِّلْعَةَ الْمُفْدَى بِهَا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا تَقَرُّرٌ فِي الذِّمَّةِ وَلَا الْتِزَامٌ قَبْلَ صَرْفِهَا فِي الْفِدَاءِ فَصَارَ دَفْعُهَا فِي الْفِدَاءِ هَلَاكًا لَهَا فَيَرْجِعُ لِقِيمَتِهَا. اهـ بْن. (قَوْلُهُ: إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِرَجَعَ، وَأَمَّا إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنّ أَوْ شَكَّ أَنَّ الْإِمَامَ يَفْدِيهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِمَّا يَجْمَعُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَفَدَاهُ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ لِحَمْلِهِ عَلَى التَّبَرُّعِ وَالتَّفْرِيطِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرُّجُوعَ الْفَادِيَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ مُعَيَّنًا، وَكَانَ غَيْرَ بَيْتِ الْمَالِ، وَكَانَ عَالِمًا أَوْ ظَانًّا أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَفْدِيهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا مِمَّا يَجْبِيهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ لَا يَقْصِدَ بِذَلِكَ الْفِدَاءِ صَدَقَةً، وَأَنْ لَا يُمْكِنُ الْخَلَاصُ بِدُونِهِ فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ لَا قَصَدَ لَهُ) أَيْ لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَدْفَعُ مَالَهُ إلَّا بِقَصْدِ الرُّجُوعِ (قَوْلُهُ: الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ) لَا دَاعِيَ لِذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا هَلْ لَا بُدَّ فِي الرُّجُوعِ مِنْ الِالْتِزَامِ مَعَ الْأَمْرِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ افْدِنِي وَأُعْطِيك الْفِدَاءَ أَوْ يَكْفِي فِي الرُّجُوعِ الْأَمْرُ بِالْفِدَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَنُسِبَ الْأَوَّلُ لِفَضْلٍ، وَالثَّانِي لِابْنِ حَبِيبٍ فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ الْوَاوَ عَلَى بَابِهَا، وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ مَشَى عَلَى قَوْلِ فَضْلٍ، وَعِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَلَا رُجُوعَ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ مُلْتَزِمًا. اهـ. وَهِيَ تُفِيدُ أَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ عَلَى بَابِهَا، وَقَرَّرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَنَسَبَهُ لِنَقْلِ الْبَاجِيَّ عَنْ سَحْنُونٍ. اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ: وَقُدِّمَ عَلَى غَيْرِهِ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ فَدَى أَسِيرًا مِنْ الْعَدُوِّ، وَعَلَى ذَلِكَ الْأَسِيرِ دَيْنٌ فَإِنَّ الْفَادِيَ يُقَدَّمُ عَلَى أَرْبَابِ الدُّيُونِ لِأَنَّ الْفِدَاءَ آكَدُ مِنْ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّ الْأَسِيرَ لَمَّا جُبِرَ عَلَى الْفِدَاءِ دَخَلَ دَيْنُ الْفِدَاءِ فِي ذِمَّتِهِ جَبْرًا عَلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِهِ الَّذِي دَخَلَ فِي ذِمَّتِهِ طَوْعًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَالِ الْأَسِيرِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ مِنْ بِلَادِ الْحَرْبِ وَمَالِهِ الَّذِي بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ فِي أَنَّ الْفَادِيَ يُقَدَّمُ عَلَى أَرْبَابِ الدُّيُونِ فِي الْجَمِيعِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ دَيْنَ غَيْرِهِ فِيهِ رَهْنٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الظَّاهِرِ (قَوْلُهُ: وَيُفَضُّ الْفِدَاءُ عَلَى الْعَدَدِ) فَإِذَا فَدَى شَخْصٌ جَمَاعَةً كَخَمْسِينَ أَسِيرًا بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ وَفِيهِمْ

ص: 207