الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ) فِي النَّذْرِ، وَأَحْكَامِهِ
(النَّذْرُ الْتِزَامُ مُسْلِمٍ) فَلَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَوْ أَسْلَمَ لَكِنْ يُنْدَبُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ (كُلِّفَ) لَا صَبِيٍّ وَنُدِبَ الْوَفَاءُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَمَجْنُونٍ، وَشَمَلَ الْمُكَلَّفُ الرَّقِيقَ وَلِرَبِّهِ مَنْعُهُ فِي غَيْرِ الْمَالِ إنْ أَضَرَّ بِهِ فِي عَمَلِهِ، وَعَلَيْهِ إنْ عَتَقَ مَالًا أَوْ غَيْرَهُ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ إبْطَالُهُ بِخِلَافِ غَيْرِ النَّذْرِ، وَشَمَلَ السَّفِيهَ فَيَلْزَمُهُ غَيْرُ الْمَالِ (وَلَوْ) كَانَ النَّاذِرُ (غَضْبَانَ) خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَأَنْ يَقُولَ حَالَ غَضَبِهِ إنْ دَخَلْت دَارَ زَيْدٍ فَعَلَيَّ كَذَا، وَمِنْهُ نَذْرُ اللَّجَاجِ، وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ وَمُعَاقَبَتَهَا نَحْوُ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَيَلْزَمُهُ النَّذْرُ، وَهَذَا مِنْ أَقْسَامِ الْيَمِينِ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفُ يَرَى أَنَّهُ مِنْ النَّذْرِ (وَإِنْ قَالَ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي) أَنْ لَا أَفْعَلَ أَوْ إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ) إلَّا أَنْ (أَرَى خَيْرًا مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَنْذُورِ (بِخِلَافٍ) عَلَيَّ كَذَا (إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَبِمَشِيئَتِهِ) مِنْ حِلٍّ أَوْ عَقْدٍ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ فَإِنْ مَاتَ إنْ شَاءَ أَوْ لَمْ تُعْلَمْ مَشِيئَتُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى النَّاذِرِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَبُولِ نِيَّتِهِ بِأَنَّهَا مُسَاوِيَةٌ لِلَفْظِهِ، وَالنِّيَّةُ الْمُسَاوِيَةُ لِلَفْظٍ تُقْبَلُ مُطْلَقًا فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ، وَلَوْ بِطَلَاقٍ وَعِتْقٍ مُعَيَّنٍ مَعَ الْمُرَافَعَةِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ مُسَاوَاةَ نِيَّتِهِ لِلَفْظِهِ بَلْ نِيَّتُهُ مُخَالِفَةٌ لِلَفْظِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا كِسْوَتُهَا إيَّاهُمَا كَمَا يُحْتَمَلُ لَا كِسْوَتُهَا إيَّاهُمَا جَمِيعًا يُحْتَمَلُ لَا كَسَوْتهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ صَارَتْ النِّيَّةُ مُخَالِفَةً لِظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَالنِّيَّةُ إذَا كَانَتْ تُقْبَلُ عِنْدَ الْمُفْتِي مُطْلَقًا كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَلَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْقَاضِي مَعَ الْمُرَافَعَةِ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مُعَيَّنٍ، وَالْحِنْثُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ يَمِينُهُ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مُعَيَّنٍ وَرُفِعَ لِلْقَاضِي، وَأَمَّا لَوْ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا قُبِلَتْ نِيَّتُهُ اتِّفَاقًا.
[فَصْلٌ فِي النَّذْرِ وَأَحْكَامِهِ]
(فَصْلٌ فِي النَّذْرِ) أَيْ فِي أَرْكَانِهِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الصِّيغَةُ وَسَتَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ ضَحِيَّةٌ وَالشَّيْءُ الْمُلْتَزَمُ وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ وَالشَّخْصُ الْمُلْتَزِمُ، وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ النَّذْرُ الْتِزَامُ مُسْلِمٍ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَشَمَلَ الْمُكَلَّفُ الرَّقِيقَ) أَيْ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَهُ مَالًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: وَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ تَعْجِيلِ الْوَفَاءِ بِهِ وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْمَالِ أَيْ بِأَنْ كَانَ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى غَيْرِ الْمَالِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ إنْ أَضَرَّ بِهِ فِي عَمَلِهِ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ وَلِرَبِّهِ مَنْعُهُ مِنْ الْوَفَاءِ بِهِ إنْ كَانَ مَالًا أَوْ كَانَ غَيْرَهُ إنْ أَضَرَّ بِهِ فِي عَمَلِهِ كَانَ أَظْهَرُ.
وَحَاصِلُ مَا لِابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الرَّقِيقَ إذَا نَذَرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِجَسَدِهِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالسَّيِّدِ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ تَعْجِيلِهِ، وَإِنْ أَضَرَّ بِهِ فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ تَعْجِيلِهِ، وَيَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ نَذَرَ مَالًا كَانَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْ الْوَفَاءِ بِهِ فِي حَالِ الرِّقِّ فَإِنْ عَتَقَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَهُ فَإِنْ رَدَّهُ السَّيِّدُ، وَأَبْطَلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِمَا فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ مِنْهَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ إبْطَالُهُ أَيْ فَإِنْ أَبْطَلَهُ بَطَلَ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ وَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى مَا عَلِمْت مِنْ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ غَيْرِ النَّذْرِ) أَيْ كَالدَّيْنِ فَإِنَّ لِلسَّيِّدِ إبْطَالَهُ.
(قَوْلُهُ: وَشَمَلَ السَّفِيهَ) أَيْ وَشَمَلَ أَيْضًا الزَّوْجَةَ وَالْمَرِيضَ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْوَفَاءُ بِمَا نَذْرَاهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مَالٍ أَوْ مَالًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَانَ لِلزَّوْجِ رَدُّ الْجَمِيعِ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ لَزِمَهَا، وَكَانَ لِلْوَارِثِ رَدُّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَذْرَ الزَّوْجَةِ وَالْمَرِيضِ فِي زَائِدِ الثُّلُثِ لَازِمٌ لَهُمَا مَا لَمْ يُرِدْ الزَّوْجُ وَالْوَارِثُ وَرَدُّهُمَا إبْطَالٌ وَالْعَبْدُ يَلْزَمُهُ مَا نَذَرَهُ سَوَاءٌ كَانَ مَالًا أَوْ غَيْرَهُ فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهُ السَّيِّدُ فَعَلَيْهِ إنْ عَتَقَ مَالًا أَوْ غَيْرَهُ، وَالسَّفِيهُ لَا يَلْزَمُهُ مَا نَذَرَهُ إذَا كَانَ مَالًا وَلِوَلِيِّهِ رَدُّهُ، وَلَهُ هُوَ أَيْضًا رَدُّهُ بَعْدَ رُشْدِهِ.
(قَوْلُهُ فَيَلْزَمُهُ غَيْرُ الْمَالِ) أَيْ، وَأَمَّا مَا نَذَرَهُ مِنْ الْمَالِ فَلَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا (قَوْلُهُ، وَلَوْ غَضْبَانَ) مُبَالَغَةٌ فِي مَحْذُوفٍ أَيْ، وَهُوَ لَازِمٌ وَلَوْ غَضْبَانَ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إلَخْ) أَيْ، وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ نَذْرُ اللَّجَاجِ) أَيْ وَمِنْ نَذْرِ الْغَضْبَانِ نَذْرُ اللَّجَاجِ فَيَكُونُ لَازِمًا وَنَذْرُ اللَّجَاجِ مَا يَحْصُلُ لِأَجْلِ قَطْعِ لِجَاجِ نَفْسِهِ فَأَرَادَ بِالْغَضَبِ أَوَّلًا غَيْرَ ذَلِكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغَضْبَانَ مَا كَانَ نَذْرُهُ مِنْ أَجْلِ غَضَبِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَاللِّجَاجُ مَا كَانَ مِنْ نَفْسِهِ وَقَدْ ذَكَرَ ح مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ النَّذْرَ الْمَنْدُوبَ لَازِمٌ بِخِلَافِ نَذْرِ الْمَكْرُوهِ فَلَا يَلْزَمُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى الْمُبَالَغِ عَلَيْهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَبِمَشِيئَتِهِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا لَهُمْ فِي الطَّلَاقِ إنَّ التَّقْيِيدَ فِيهِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ لَا يَنْفَعُ وَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ سَوَاءٌ كَانَ شَرْطًا نَحْوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ كَانَ اسْتِثْنَاءً نَحْوَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، وَأَنَّ التَّقْيِيدَ فِيهِ بِمَشِيئَةِ الْغَيْرِ نَافِعٌ لِتَوَقُّفِ لُزُومِهِ عَلَى مَشِيئَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ سَوَاءٌ كَانَ شَرْطًا نَحْوَ إنْ شَاءَ فُلَانٌ أَوْ كَانَ اسْتِثْنَاءً نَحْوَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ، وَأَنَّ التَّقْيِيدَ فِيهِ بِمَشِيئَتِهِ هُوَ غَيْرُ نَافِعٍ إنْ كَانَ اسْتِثْنَاءً نَحْوَ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي هَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا أَوْ مُطْلَقًا وَجُعِلَ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعًا لِلْمُعَلَّقِ أَوْ لِكُلٍّ مِنْ الْمُعَلِّقِ وَالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَمَّا إنْ جُعِلَ رَاجِعًا لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَقَطْ فَإِنَّهُ يَنْفَعُهُ كَمَا يَنْفَعُهُ إنْ كَانَ شَرْطًا نَحْوَ إنْ شِئْت فَيَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ عَلَى مَشِيئَتِهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَمَا نَقَلَهُ ح فِي الطَّلَاقِ عِنْدَ قَوْلِهِ بِخِلَافِ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي إلَخْ وَمِثْلُ الطَّلَاقِ فِي ذَلِكَ
(وَإِنَّمَا)(يَلْزَمُ بِهِ) أَيْ بِالنَّذْرِ (مَا نُدِبَ) أَيْ طُلِبَ طَلَبًا غَيْرَ جَازِمٍ فَيَشْمَلُ السُّنَّةَ وَالرَّغِيبَةَ وَسَوَاءٌ أَطْلَقَهُ (كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ) بِدُونِ لِلَّهِ (ضَحِيَّةٌ) أَوْ رَكْعَتَا الْفَجْرِ أَوْ الضُّحَى أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ عُمْرَةٌ أَوْ مَشْيٌ لِمَكَّةَ، وَلَوْ لَمْ يَلْفِظْ بِالنَّذْرِ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ عَلَّقَهُ عَلَى وَاجِبٍ أَوْ حَرَامٍ أَوْ مَنْدُوبٍ أَوْ مَكْرُوهٍ أَوْ مُبَاحٍ أَوْ غَيْرُهَا نَحْوُ لِلَّهِ عَلَيَّ إنْ صَلَّيْت الظُّهْرَ فِي وَقْتِهِ أَوْ إنْ شَرِبْت خَمْرًا أَوْ إنْ صَلَّيْت الضُّحَى أَوْ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ فَرْضِ الْعَصْرِ أَوْ إنْ أَكَلْت هَذَا الرَّغِيفَ أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي لَأَتَصَدَّقَنَّ بِدِرْهَمٍ أَوْ لَأَزُورَنَّ وَلِيًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَيَلْزَمُهُ إنْ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ وَمَفْهُومُ مَا نُدِبَ أَنَّ نَذْرَ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ وَالْمُبَاحِ لَا يَلْزَمُ، وَكَذَا الْوَاجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ بِنَفْسِهِ وَنَذْرُ الْمُحَرَّمِ مُحَرَّمٌ، وَكَذَا الْمَكْرُوهُ وَالْمُبَاحُ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ مِثْلُهُمَا.
(وَنُدِبَ) النَّذْرُ (الْمُطْلَقُ) وَهُوَ مَا لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ عَلَى شَيْءٍ، وَلَا مُكَرَّرٍ، وَهُوَ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى نِعْمَةٍ وَقَعَتْ كَمَنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضَهُ أَوْ رُزِقَ وَلَدًا أَوْ زَوْجَةً فَنَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَوْ يَتَصَدَّقَ وَكَذَا مَا لَيْسَ شُكْرًا عَلَى شَيْءٍ حَصَلَ (وَكُرِهَ الْمُكَرَّرُ) كَنَذْرِ صَوْمِ كُلِّ خَمِيسٍ أَيْ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قُرْبَةً لِثِقَلِهِ عِنْدَ فِعْلِهِ فَيَكُونُ إلَى عَدَمِ الطَّاعَةِ أَقْرَبَ وَلِخَوْفِ تَفْرِيطِهِ فِي وَفَائِهِ (وَفِي كُرْهِ الْمُعَلَّقِ) كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ إنْ رَزَقَنِي كَذَا فَعَلَيَّ صَدَقَةٌ بِدِينَارٍ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ أَتَى بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ لَا الْقُرْبَةِ الْمَحْضَةِ (تَرَدُّدٌ) وَهُوَ لَازِمٌ بَعْدَ الْوُقُوعِ كَالْمُكَرَّرِ، وَمَحَلُّ التَّرَدُّدِ إنْ عَلَّقَهُ بِمَحْبُوبٍ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ كَمَا مَثَّلْنَا فَإِنْ كَانَ مِنْ فِعْلِهِ كُرِهَ اتِّفَاقًا كَذَا ذَكَرُوا لَكِنْ مَا كَانَ فِعْلًا لَهُ قَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا، وَمُبَاحًا وَمَكْرُوهًا، وَمُحَرَّمًا وَالظَّاهِرُ النَّدْبُ فِي الْأَوَّلِ وَالْحُرْمَةُ فِي الْأَخِيرِ (وَلَزِمَ الْبَدَنَةُ) ، وَهِيَ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَالتَّاءُ فِيهَا لِلْوَحْدَةِ لَا التَّأْنِيبِ (بِنَذْرِهَا)
ــ
[حاشية الدسوقي]
التَّفْصِيلِ الْعِتْقُ، وَلَمْ أَرَ نَصًّا مُصَرِّحًا بِذَلِكَ فِي بَابِ النَّذْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ جَمِيعَ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ يَجْرِي هُنَا فِي النَّذْرِ خِلَافًا لِمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ عبق مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَالْمَسْأَلَةُ فِي كُلٍّ مِنْ الْبَابَيْنِ عَلَى طَرَفَيْنِ وَوَاسِطَةٍ. اهـ. بْن
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ) أَيْ بِالنَّذْرِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ مَا نَدَبَ ابْنُ عَاشِرٍ يَعْنِي مِمَّا لَا يَصِحُّ أَنْ يَقَعَ إلَّا قُرْبَةً، وَأَمَّا مَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ تَارَةً قُرْبَةً وَتَارَةً غَيْرَهَا فَلَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ، وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا كَالنِّكَاحِ وَالْهِبَةِ. اهـ. بْن وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ لُزُومِ الْمَنْدُوبِ بِالنَّذْرِ ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَطْلَقَ فِي نَذْرِهِ أَوْ عَلَّقَ فِيهِ عَلَى وَاجِبٍ أَوْ حَرَامٍ أَوْ مَنْدُوبٍ أَوْ مَكْرُوهٍ أَوْ مُبَاحٍ كَقَوْلِهِ إنْ صَلَّيْت الظُّهْرَ مَثَلًا أَوْ إنْ شَرِبْت الْخَمْرَ أَوْ إنْ صَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَوْ إنْ صَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ إنْ مَشَيْت إلَى مَحَلِّ كَذَا فَعَلَيَّ صَدَقَةٌ بِدِينَارٍ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إذَا وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ فَلَا يَلْزَمُهُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَا نُدِبَ أَيْ فِي الْمُعَلِّقِ لَا فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَالْعِبْرَةُ بِالْمُسَبَّبِ لَا بِالسَّبَبِ، وَلَا تَفْهَمُ مِنْ لُزُومِ الْمَنْذُورِ أَنَّهُ يَقْضِي بِهِ إذْ لَا يَقْضِي بِهِ، وَلَوْ لِمُعَيَّنٍ وَلَوْ عِتْقًا بَلْ يَجِبُ عَلَى الشَّخْصِ تَنْفِيذُ الْمَنْذُورِ مِنْ نَفْسِهِ، وَمَا، وَقَعَ فِي الْتِزَامَاتِ ح مِنْ الْقَضَاءِ بِالْمَنْذُورِ إذَا كَانَ لِمُعَيَّنٍ دُونَ غَيْرِهِ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ (قَوْلُهُ: كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ ضَحِيَّةٌ) أَتَى بِكَافٍ التَّمْثِيلِ إشَارَةً إلَى عَدَمِ انْحِصَارِ الصِّيغَةِ فِي لِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ كَذَا فَيَلْزَمُ بِكُلِّ لَفْظٍ فِيهِ إلْزَامٌ مِثْلُ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ نَجَوْت مِنْ أَمْرِ كَذَا وَكَذَا فَأَنَا أَصُومُ يَوْمَيْنِ أَوْ أُصَلِّي كَذَا أَوْ أَتَصَدَّقُ بِكَذَا قَالَهُ طفى قَالَ وَنَبَّهْت عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْقَاصِرِينَ تَوَهَّمَ أَنَّ النَّذْرَ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ عَلَيَّ كَذَا اغْتِرَارٌ مِنْهُ بِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَيَّ ضَحِيَّةٌ) إنْ قُلْت جَعْلُهُ الضَّحِيَّةَ هُنَا تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ، وَلَا تَجِبُ إلَّا بِالذَّبْحِ قُلْت كَلَامُهُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ أَنَّهَا تَجِبُ بِالنَّذْرِ وَتَتَعَيَّنُ بِهِ، وَمَا تَقَدَّمَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بِالذَّبْحِ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ أَيْ غَيْرُ الضَّحِيَّةِ كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ، وَفِي بْن الْحَقُّ أَنَّ الضَّحِيَّةَ تَجِبُ بِالنَّذْرِ فِي الشَّاةِ الْمُعَيَّنَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنَّ مَعْنَى وُجُوبِهَا بِالنَّذْرِ فِي الْمُعَيَّنَةِ مَنْعُ الْبَيْعِ وَالْبَدَلُ فِيهَا بَعْدَهُ لَا إنَّ الْوُجُوبَ بِاعْتِبَارِ الْعَيْبِ الطَّارِئِ بَعْدَ النَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فِيهَا وَقَوْلُهُمْ إنَّهَا لَا تَجِبُ بِالنَّذْرِ الْمَنْفِيِّ وُجُوبَ تَعْيِينٍ يُؤَدِّي إلَى إلْغَاءِ الْعَيْبِ الطَّارِئِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمَكْرُوهُ وَالْمُبَاحُ) أَيْ نَذْرُهُمَا حَرَامٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ عَظَّمَ مَا لَمْ يُعَظِّمْهُ الشَّرْعُ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ مِثْلُهُمَا) أَيْ نَذَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلَ نَفْسِهِ فَنَذْرُ الْمَكْرُوهِ مَكْرُوهٌ وَنَذْرُ الْمُبَاحِ مُبَاحٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُقَدِّمَاتِ بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ الْقُدُومُ عَلَى نَذْرِ الْوَاجِبِ هَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى. اهـ. عَدَوِيٌّ
(قَوْلُهُ: وَنُدِبَ الْمُطْلَقُ) أَيْ نُدِبَ الْقُدُومُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ خِلَافًا لِمَا فِي عبق تَبَعًا لح مِنْ إبَاحَةِ الْقُدُومِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا مَا لَيْسَ شُكْرًا عَلَى شَيْءٍ حَصَلَ) أَيْ فَالْقُدُومُ عَلَيْهِ مَنْدُوبٌ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَفِي كُرْهِ الْمُعَلِّقِ) أَيْ فِي كُرْهِ الْقُدُومِ عَلَيْهِ، وَإِبَاحَتِهِ تَرَدُّدٌ الْكَرَاهَةُ لِلْبَاجِيِّ وَابْنِ شَاسٍ وَالْإِبَاحَةُ لِابْنِ رُشْدٍ (قَوْلُهُ كَمَا مَثَّلْنَا) أَيْ بِإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ نَجَوْت مِنْ الْأَمْرِ الْفُلَانِيِّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مِنْ فِعْلِهِ) أَيْ فَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِهِ بِأَنْ يَقُولُ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ كَذَا، وَقَوْلُهُ كُرِهَ اتِّفَاقًا أَيْ فَيُوَافِقُ ابْنُ رُشْدٍ غَيْرَهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ: وَلَزِمَ الْبَدَنَةُ بِنَذْرِهَا) بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ بَدَنَةٌ أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ إنْ نَجَوْت مِنْ كَذَا فَعَلَيَّ بَدَنَةٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ النَّذْرِ مُطْلَقًا أَوْ مُعَلَّقًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ هَدْيُ بَدَنَةٍ فِي الْمُطْلَقِ بِمُجَرَّدِ نَذْرِهَا، وَفِي الْمُعَلَّقِ إذَا حَصَلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، وَكَلَامُ
وَذَكَرَ الْبَدَنَةَ لِيُرَتَّبَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْهَا (فَبَقَرَةٌ) تَلْزَمُهُ بَدَلُهَا (ثُمَّ) إنْ عَجَزَ لِعَدَمِ وُجُودِهَا أَوْ لِعَدَمِ ثَمَنِهَا لَزِمَهُ (سَبْعُ شِيَاهٍ) كُلُّ شَاةٍ تُجْزِئُ ضَحِيَّةٌ (لَا غَيْرُ) الشِّيَاهِ فَلَا يُجْزِئُ إطْعَامٌ أَوْ صِيَامٌ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا بَلْ يَصْبِرُ لِوُجُودِ الْأَصْلِ أَوْ بَدَلِهِ أَوْ بَدَلِ بَدَلِهِ، وَيُحْتَمَلُ لَا غَيْرَ السَّبْعِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَكْثَرَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ
(وَ) لَزِمَ (صِيَامٌ) نَذْرَهُ (بِثَغْرٍ) بِمُثَلَّثَةٍ مَوْضِعُ مَخَافَةِ الْعَدُوِّ مِنْ فُرُوجِ الْبُلْدَانِ كِدِمْيَاطَ وَإِسْكَنْدَرِيَّة، وَمِثْلُ الصَّوْمِ الصَّلَاةُ وَأَوْلَى الرِّبَاطُ (وَ) لَزِمَ النَّاذِرَ (ثُلُثُهُ) أَيْ ثُلُثُ مَالِهِ الْمَوْجُودِ (حِينَ يَمِينِهِ) لَا مَا زَادَ بَعْدَهُ (إلَّا أَنْ يُنْقِصَ) يَوْمَ الْحِنْثِ عَنْ يَوْمَ الْيَمِينِ (فَمَا بَقِيَ) أَيْ يَلْزَمُهُ ثُلُثُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى بِرٍّ أَوْ حِنْثٍ كَانَ النَّقْصُ قَبْلَ الْحِنْثِ أَوْ بَعْدَهُ بَعْدَ أَنْ يَحْسِبَ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ، وَلَوْ مُؤَجَّلًا كَمَهْرِ زَوْجَتِهِ (بِمَالِي) أَيْ يَلْزَمُهُ الثُّلُثُ بِقَوْلِهِ مَالِي (فِي كَسَبِيلِ اللَّهِ) وَدَخَلَ بِالْكَافِ مَالِي لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ الْمُجَاوِرِينَ أَوْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ أَوْ هَدِيَّةٌ لَهُمْ أَوْ هَدْيٌ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْهُ وَحَنِثَ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ مَالِي فِي كَسَبِيلِ اللَّهِ وَلَمْ يُعَلِّقْهُ وَحَصَلَ فِيهِ نَقْصٌ فَيَلْزَمُهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ النَّقْصُ بِتَلَفٍ، وَلَوْ بِتَفْرِيطٍ، وَإِنْ كَانَ بِاتِّفَاقٍ لَزِمَهُ ثُلُثُ مَا أَنْفَقَهُ أَيْضًا خِلَافًا لِمَنْ جَعَلَهُ شَامِلًا لِلْيَمِينِ وَغَيْرِهِ (وَ) سَبِيلُ اللَّهِ (هُوَ الْجِهَادُ وَالرِّبَاطُ بِمَحَلٍّ خِيفَ) مِنْهُ الْعَدُوُّ (وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الثُّلُثِ الَّذِي لَزِمَهُ بِقَوْلِهِ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ (مِنْ غَيْرِهِ) مِنْ بَاقِي مَالِهِ لَا مِنْهُ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
الْمُصَنِّفُ فِيمَنْ نَذَرَ بِلَفْظِ الْبَدَنَةِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَأَمَّا لَوْ نَذَرَ بِلَفْظِ الْهَدْيِ كَلِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيٌ أَوْ إنْ نَجَوْت مِنْ كَذَا فَعَلَيَّ هَدْيٌ فَإِنْ نَوَى نَوْعًا لَزِمَهُ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ الْبَدَنَةُ. اهـ. وَانْظُرْ مَنْ نَذَرَ بَقَرَةً، وَعَجَزَ عَنْهَا هَلْ يَلْزَمُهُ سَبْعُ شِيَاهٍ كَمَا هُنَا وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ يُجْزِئُهُ دُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَةَ الَّتِي تَقُومُ مَقَامَهَا الشِّيَاهُ السَّبْعُ هِيَ الَّتِي وَقَعَتْ عِوَضًا عَنْ الْبَدَنَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ النَّذْرُ بِالْبَقَرَةِ. اهـ. شَيْخُنَا عَدَوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْبَدَنَةَ) أَيْ خَصَّهَا بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ غَيْرَهَا كَالشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ كَذَلِكَ تَلْزَمُ بِنَذْرِهَا (قَوْلُهُ: فَلَا يُجْزِئُ إطْعَامٌ إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إذَا عَجَزَ عَنْ السَّبْعِ شِيَاهٍ، وَمَا قَبْلَهَا صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَقِيلَ شَهْرَيْنِ (قَوْلُهُ: بَلْ يَصْبِرُ لِوُجُودِ الْأَصْلِ) فَلَوْ قَدَرَ عَلَى دُونِ السَّبْعَةِ مِنْ الْغَنَمِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَالْمَوَّاقِ بَلْ يَصْبِرُ لِوُجُودِ الْأَصْلِ أَوْ بَدَلِهِ أَوْ بَدَلِ بَدَلِهِ بِتَمَامِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ مَا هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ ثُمَّ يُكْمِلُ مَا بَقِيَ عِنْدَ الْيُسْرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا كُلَّهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَعَلَى هَذَا الثَّانِي فَلَوْ قَدَرَ عَلَى بَاقِي الشِّيَاهِ وَالْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ أَوْ وَجَدَهَا كُلَّهَا فَهَلْ يُكْمِلُ عَلَى الشِّيَاهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ يَرْجِعُ لِلْأَصْلِ، وَهُوَ الْبَدَنَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ. اهـ. عج (قَوْلُهُ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ) أَيْ مِنْ الشِّيَاهِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَلَى الْبَقَرَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ السَّبْعِ
(قَوْلُهُ وَصِيَامٌ بِثَغْرٍ) أَيْ مَنْ نَذَرَ صَوْمًا بِثَغْرٍ مِنْ الثُّغُورِ كَمَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِدِمْيَاطَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِ، وَإِنْ مِنْ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ عِبَادَةِ الرِّبَاطِ، وَيَأْتِي إلَيْهِ رَاكِبًا، وَمَفْهُومُ الثَّغْرِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الصَّوْمَ بِمَوْضِعٍ غَيْرَ ثَغْرٍ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَيَصُومُ فِي مَكَانِهِ إذْ لَا قُرْبَةَ فِي صَوْمِهِ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ (قَوْلُهُ، وَمِثْلُ الصَّوْمِ الصَّلَاةُ) أَيْ فَيَلْزَمُهُ إتْيَانُ الثَّغْرِ لِفِعْلِهَا، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا نَذَرَ صَلَاةً يُمْكِنُ مَعَهَا الْحِرَاسَةُ كَمَا إذَا نَذَرَ الْإِتْيَانَ لِلثَّغْرِ لِصَلَاةِ قِيَامِ رَمَضَانَ مُدَّتَهُ، وَأَمَّا إذَا نَذَرَ إتْيَانَ الثَّغْرِ لِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَعُودُ مِنْ فَوْرِهِ فَلْيُصَلِّ بِمَوْضِعِهِ، وَلَا يَأْتِيهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ اُنْظُرْ طفى، وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ كَلَامُ خش وتت (قَوْلُهُ: وَأَوْلَى الرِّبَاطُ) أَيْ وَأَوْلَى فِي لُزُومِ الْإِتْيَانِ لِلثَّغْرِ مَنْ نَذَرَ الْإِتْيَانَ لِلثَّغْرِ مَنْ نَذَرَ رِبَاطًا فِيهِ (قَوْلُهُ ثُلُثُ مَالِهِ الْمَوْجُودِ حِينَ يَمِينِهِ) أَيْ مِنْ عَيْنٍ وَعَدَدِ دِينٍ حَالٍّ، وَقِيمَةِ مُؤَجَّلٍ مَرْجُوَّيْنِ، وَقِيمَةِ عَرَضٍ وَقِيمَةِ كِتَابَةِ مُكَاتَبٍ (قَوْلُهُ لَا مَا زَادَ بَعْدَهُ) أَيْ بِهِبَةٍ أَوْ نَمَاءٍ أَوْ وِلَادَةٍ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُنْقِصَ يَوْمَ الْحِنْثِ) أَيْ، وَلَوْ كَانَ النَّقْصُ بِإِنْفَاقٍ أَوْ بِتَلَفٍ بِتَفْرِيطٍ (قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ يَحْسِبَ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَقِيَ (قَوْلُهُ: بِمَالِي فِي كَسَبِيلِ اللَّهِ) لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا نَصُّهُ، وَفِي جَوَازِ الصَّدَقَةِ بِكُلِّ الْمَالِ نَقْلًا اللَّخْمِيُّ وَرِوَايَةُ مُحَمَّدٍ، وَقَوْلُ سَحْنُونٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَنْ تَصَدَّقَ بِكُلِّ مَالِهِ، وَلَمْ يَبْقَ مَا يَكْفِيهِ رُدَّتْ صَدَقَتُهُ اهـ ثُمَّ اعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَ الثَّانِي فَانْظُرْهُ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ الْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يُبْقِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا. اهـ. بْن (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بِإِنْفَاقٍ لَزِمَهُ ثُلُثُ مَا أَنْفَقَهُ أَيْضًا) مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثُلُثُ مَا أَنْفَقَهُ فِي النَّذْرِ دُونَ الْيَمِينِ أَصْلُهُ لِلشَّيْخِ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ وَتَبِعَهُ عج قَالَ طفى، وَلَمْ أَرَ هَذَا التَّفْرِيقَ لِغَيْرِهِمَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فَلَا يَلْزَمُهُ ثُلُثُ مَا أَنْفَقَهُ لَا فِي النَّذْرِ، وَلَا فِي الْيَمِينِ. اهـ. بْن (قَوْلُهُ وَسَبِيلُ اللَّهِ) أَيْ الَّذِي يُدْفَعُ لَهُ ثُلُثُ مَالِ الْحَالِفِ أَوْ النَّاذِرِ الْمُتَقَدِّمِ هُوَ الْجِهَادُ وَقَوْلُهُ بِمَحَلٍّ خِيفَ إلَخْ هَذَا تَحْقِيقٌ لِلرِّبَاطِ لَا إنَّهُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ لَا يُعْطَى مِنْهُ مُقْعَدٌ وَلَا أَعْمَى، وَلَا امْرَأَةٌ، وَلَا صَبِيٌّ، وَلَا قَاتِلٌ، وَلَا مَرِيضٌ مَيْئُوسٌ مِنْهُ، وَلَا مَفْلُوجٌ، وَلَا شَبَهُهُ، وَلَا أَقْطَعُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ الْيَدِ الْيُسْرَى اهـ وَالظَّاهِرُ أَوْلَوِيَّةُ الْيَمِينِ. اهـ. عَدَوِيٌّ (قَوْلُهُ بِمَحَلٍّ خِيفَ مِنْهُ الْعَدُوُّ) ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْإِقَامَةَ بِمَحِلٍّ يُخَافُ فِيهِ مِنْ الْعَدُوِّ رِبَاطٌ
فَإِنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ اتِّفَاقًا (إلَّا لِمُتَصَدِّقٍ بِهِ) أَيْ بِمَالِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ مَالِي (عَلَى مُعَيَّنٍ) بِالشَّخْصِ كَزَيْدٍ أَوْ بِالْوَصْفِ كَبَنِي زَيْدٍ (فَالْجَمِيعُ) حِينَ الْيَمِينِ لِذَلِكَ الْمُعَيَّنِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ فَمَا بَقِيَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ، وَمَا سَمَّى، وَإِنْ مُعَيَّنًا، وَيَتْرُكُ لَهُ مَا يَتْرُكُ لِلْمُفْلِسِ (وَكَرَّرَ) نَاذِرُ الصَّدَقَةِ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ الْحَالِفِ بِذَلِكَ إخْرَاجُ الثُّلُثِ لِكُلِّ يَمِينٍ فَيُخْرِجُ الثُّلُثَ لِلْيَمِينِ الْأُولَى ثُمَّ ثُلُثَ الْبَاقِي وَهَكَذَا (إنْ أَخْرَجَ) الثُّلُثَ الْأَوَّلَ لِلْيَمِينِ الْأُولَى بَعْدَ لُزُومِهِ، وَقَبْلَ إنْشَاءِ الثَّانِيَةِ، وَشَمَلَ اللُّزُومُ النَّذْرَ وَالْيَمِينَ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّذْرَ يَلْزَمُ بِاللَّفْظِ وَالْيَمِينِ بِالْحِنْثِ فِيهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَخْرُجْ الْأَوَّلُ حَتَّى أَنْشَأَ الثَّانِي نَذْرًا أَوْ يَمِينًا وَتَحْتَ الْيَمِينِ صُورَتَانِ مَا إذَا أَنْشَأَ الثَّانِيَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ فِي الْأُولَى أَوْ بَعْدَهُ (فَقَوْلَانِ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ بِالتَّكْرَارِ، وَعَدَمِهِ بِأَنْ يَكْفِيَ ثُلُثٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِ الْأَيْمَانِ (وَ) لَزِمَ (مَا سَمَّى) مِنْ مَالِهِ إذَا كَانَ شَائِعًا كَسُدُسِهِ أَوْ تِسْعَةِ أَعْشَارِهِ بَلْ (وَإِنْ) كَانَ الْمُسَمَّى (مُعَيَّنًا) أَتَى ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ (عَلَى الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ مَالِهِ كَعَبْدِي وَدَارِي وَفَرَسِي، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ (وَ) لَزِمَ (بَعْثُ فَرَسٍ وَسِلَاحٍ) نَذَرَهُمَا أَوْ حَلَفَ بِهِمَا وَحَنِثَ (لِمَحَلِّهِ) أَيْ الْجِهَادِ (إنْ وَصَلَ) إنْ أَمْكَنَ وُصُولُهُ (وَإِنْ لَمْ يَصِلْ) أَيْ لَمْ يُمْكِنْ وُصُولُهُ (بِيعَ، وَعُوِّضَ) بِثَمَنِهِ مِثْلِهِ مِنْ خَيْلِ أَوْ سِلَاحٍ فَإِنْ جَعَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَيْسَ بِفَرَسٍ وَسِلَاحٍ كَعَبْدِي أَوْ ثَوْبِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِيعَ وَدُفِعَ ثَمَنُهُ لِمَنْ يَغْزُو بِهِ (كَهَدْيٍ) نَذَرَهُ فَإِنَّهُ يَبْعَثُهُ لِمَحَلِّهِ مَكَّةَ أَوْ مِنًى إنْ أَمْكَنَ وُصُولُهُ وَإِلَّا بِيعَ، وَعُوِّضَ بِثَمَنِهِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا وَلَزِمَهُ بَعْثُهُ (، وَلَوْ مَعِيبًا) إنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَعَلَيَّ نَذْرُ هَذِهِ الْبَدَنَةِ وَهِيَ عَوْرَاءُ مَثَلًا مِمَّا لَا يُهْدِي؛ لِأَنَّ السَّلَامَةَ إنَّمَا تُطْلَبُ فِي الْوَاجِبِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَلَوْ كَانَتْ الْإِقَامَةُ بِالْأَهْلِ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْبَاجِيَّ، وَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَ بِرِبَاطٍ. اهـ. بْن (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ الثُّلُثِ فِي إيصَالٍ لِلْمُجَاهِدِينَ وَالْمُرَابِطِينَ.
(قَوْلُهُ: أَيْ بِمَالِهِ الْمُتَقَدِّمِ) فِي قَوْلِهِ مَالِي فَإِذَا قَالَ مَالِي صَدَقَةٌ لِزَيْدٍ أَوْ لِبَنِي فُلَانٍ لَزِمَهُ إخْرَاجُ جَمِيعِ مَالِهِ لِزَيْدٍ لَا ثُلُثِهِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ إلَّا لَتَصَدَّقَ إلَخْ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنْ إذَا تَصَدَّقَ بِهِ مُعَيَّنٌ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْمَالِ لَا ثُلُثُهُ فَقَطْ.
(قَوْلُهُ: وَنَاذِرُ الصَّدَقَةِ بِجَمِيعِ مَالِهِ إلَخْ) كَالْقَائِلِ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ثُلُثُ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ الْحَالِفُ بِذَلِكَ أَيْ بِكُلِّ مَالِهِ أَوْ ثُلُثِهِ كَالْقَائِلِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَمَالِي كُلُّهُ أَوْ ثُلُثُهُ صَدَقَةٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ ثُلُثُ الْبَاقِي) أَيْ لِلْيَمِينِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ: فَقَوْلَانِ) الْأَوَّلُ نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ الثَّانِي أَيْضًا عَنْ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ كَوْنُهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ ابْنِ كِنَانَةَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ. اهـ. بْن (قَوْلُهُ: وَلَزِمَ مَا سَمَّى) تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا قَالَ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ صَدَقَةٌ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ إخْرَاجُ ثُلُثِهِ.
وَأَمَّا إذَا سَمَّى شَيْئًا بِأَنْ قَالَ سُدُسُ مَالِي صَدَقَةٌ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ عَيَّنَهُ بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ صَدَقَةً لِلْفُقَرَاءِ أَوْ عَبِيدِي أَوْ دَارِي أَوْ فَرَسِي صَدَقَةٌ لِلْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ مَا سَمَّاهُ أَوْ عَيَّنَهُ، وَإِنْ اسْتَغْرَقَ الَّذِي سَمَّاهُ جَمِيعَ مَالِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا سَمَّى مُعَيَّنًا، وَأَتَى عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا ثُلُثُ مَالِهِ وَلِمَا حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ سَحْنُونٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا لَا يُجْحِفُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ مُعَيَّنًا) الْمُرَادُ بِالْمُعَيَّنِ فِي كَلَامِهِ مَا قَابَلَ الشَّائِعَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَمَا سَمَّى يَشْمَلُ ثَلَاثَ صُوَرٍ الْجَزَاءُ الشَّائِعُ كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثُ وَالْعَدَدُ الْمُعَيَّنُ كَمِائَةٍ أَوْ أَلْفٍ، وَمَا عُيِّنَ بِالذَّاتِ كَالْعَبْدِ وَالدَّارِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَا عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ فَلِذَا بَالَغَ عَلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ: وَإِنْ مُعَيَّنًا أَيْ لَزِمَهُ مَا سَمَّاهُ هَذَا إذَا كَانَ شَائِعًا بَلْ، وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا هَذَا إذَا لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ بَلْ، وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ (قَوْلُهُ: نَذَرَهُمَا) بِأَنْ قَالَ فَرَسِي أَوْ سَيْفِي أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ نَذَرَ لِلَّهِ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: أَوْ حَلَفَ بِهِمَا وَحَنِثَ) أَيْ بِأَنْ قَالَ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَفَرَسِي أَوْ سَيْفِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ كَلَّمَهُ (قَوْلُهُ أَيْ لَمْ يُمْكِنْ وُصُولُهُ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُبَلِّغْهُ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ (قَوْلُهُ بِيعَ) أَيْ هُنَا، وَأَرْسَلَ ثَمَنَهُ لِمَحَلِّ الْجِهَادِ يَشْتَرِي بِثَمَنِهِ مِثْلَهُ هُنَاكَ، وَلَا يَشْتَرِي بِثَمَنِ الْفَرَسِ سِلَاحًا وَلَا عَكْسُهُ لِاخْتِلَافِ مَنْفَعَتِهِمَا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنُ مَا بِيعَ شِرَاءَ مِثْلِهِ اشْتَرَى بِالثَّمَنِ أَقْرَبَ شَيْءٍ لِلْمَبِيعِ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ دَفَعَ ثَمَنَهُ لِلْغَازِي، وَلَا يَجْعَلُ فِي شِقْصِ مِثْلِهِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ.
(قَوْلُهُ: كَهَدْيٍ نَذَرَهُ) تَشْبِيهٌ فِي لُزُومِ الْإِرْسَالِ فَإِذَا قَالَ هَذِهِ الْبَدَنَةُ هَدْيٌ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ الْإِهْدَاءُ بِهَذِهِ الْبَقَرَةِ أَوْ الْخَرُوفِ أَوْ الْبَعِيرِ، وَكَذَا إذَا حَلَفَ بِهِ وَحَنِثَ كَإِنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ الْإِهْدَاءُ بِهَذَا الْخَرُوفِ أَوْ بِهَذِهِ الْبَقَرَةِ أَوْ فَعَلَيَّ بَدَنَةٌ أَوْ خَرُوفٌ هَدْيًا ثُمَّ كَلَّمَهُ، وَلَزِمَهُ إرْسَالُهُ لِمَكَّةَ أَوْ مِنًى، وَلَا يَجُوزُ إرْسَالُ قِيمَتِهِ إنْ أَمْكَنَ وُصُولُهُ (قَوْلُهُ، وَلَزِمَهُ بَعْثُهُ، وَلَوْ مَعِيبًا) أَيْ هَذَا إذَا كَانَ سَلِيمًا بَلْ، وَلَوْ كَانَ مَعِيبًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَهَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ، وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ الْمَوَّازِ مِنْ أَنَّهُ يَبِيعُهُ هُنَا، وَيُرْسِلُ ثَمَنَهُ يَشْتَرِي بِهِ هُنَاكَ سَالِمًا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا فِي الْمُعَيَّنِ أَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ كَمَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيٌ مَعِيبٌ أَوْ بَدَنَةٌ عَوْرَاءُ وَلَمْ يُعِنْهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ شِرَاءُ هَدْيٍ سَالِمٍ بِاتِّفَاقِهِمَا كَذَا فِي عبق وَاَلَّذِي فِي التَّوْضِيحِ عَنْ التُّونِسِيِّ الْأَشْبَهُ فِي الْمَعِيبِ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ نَذَرَ هَدْيَ مَا لَا يَصِحُّ هَدْيًا كَمَنْ نَذَرَ صَلَاةً فِي وَقْتٍ لَا يَجُوزُ، وَمَا ذَكَرَهُ أَشْهَبُ مِنْ لُزُومِ إرْسَالِ الْهَدْيِ الْمَعِيبِ الْمُعَيَّنِ إذَا كَانَ يُمْكِنُ وُصُولُهُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وُصُولُهُ وَجَبَ إبْدَالُهُ بِالسَّلِيمِ بِأَنْ
الْمُطْلَقِ (عَلَى الْأَصَحِّ) . وَمُقَابِلُهُ يُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ سَلِيمٌ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ كَعَلَيَّ بَدَنَةٌ عَوْرَاءُ فَيَلْزَمُهُ سَلِيمٌ اتِّفَاقًا.
(وَ) جَازَ (لَهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْهَدْيِ (إذَا بِيعَ) لِتَعَذُّرِ إرْسَالِهِ (الْإِبْدَالُ بِالْأَفْضَلِ) دُونَ الْأَدْنَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ بَقَرًا أَوْ إبِلًا بَدَلُ غَنَمٍ (وَإِنْ كَانَ) الْمَنْذُورُ هَدِيَّةً مِمَّا لَا يُهْدَى (كَثَوْبٍ) وَعَبْدٍ (بِيعَ) وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهِ هَدْيٌ (وَكُرِهَ بَعْثُهُ) لِمَا فِيهِ إيهَامُ تَغْيِيرِ سُنَّةِ الْهَدْيِ (وَأُهْدِيَ بِهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ لِيَشْمَلَ رَبَّ الثَّوْبِ وَغَيْرَهُ، وَهُوَ رَاجِعٌ لِلصُّورَتَيْنِ قَبْلَهُ أَيْ بِيعَ وَأُهْدِيَ بِهِ، وَكُرِهَ بَعْثُهُ أَيْ فَإِنْ بَعَثَهُ بِيعَ وَأُهْدِيَ بِهِ ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَا لَا يُهْدَى يُبَاعُ، وَيُبْعَثُ ثَمَنُهُ لَيُشْتَرَى بِهِ هَدْيٌ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ هُنَا، وَهُوَ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْبَيْعِ وَظَاهِرُهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَمَوْضِعٌ آخَرُ مِنْ النُّذُورِ جَوَازُ تَقْوِيمِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَإِخْرَاجُ قِيمَتِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْعُتْبِيَّةِ، وَإِلَى كَوْنِ مَا فِي حَجِّهَا مَعَ الْعُتْبِيَّةِ، وَمَا فِيهَا هُنَا مُتَخَالَفِينَ أَوْ مُتَوَافِقِينَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَهَلْ اُخْتُلِفَ) قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِمَا أَيْ هَلْ حَمَلَ مَا فِيهِمَا عَلَى الْخِلَافِ، وَكَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ، وَفِي أَيِّ شَيْءٍ اُخْتُلِفَ فَقَالَ (هَلْ يُقَوِّمُهُ) عَلَى نَفْسِهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ (أَوْ لَا) يُقَوِّمُهُ بَلْ يَبِيعُهُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ هُنَا (أَوْ لَا) اخْتِلَافَ بَلْ بَيْنَهُمَا وِفَاقٌ بِأَنْ يَبِيعَهُ (نَدْبًا) لَا وُجُوبًا، وَمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ الْجَوَازِ لَا يُنَافِي النَّدْبَ.
(أَوْ) التَّقْوِيمُ الْوَاقِعُ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَحَلُّهُ (إذَا كَانَ بِيَمِينٍ) حَنِثَ فِيهَا إذْ الْحَالِفُ لَا يَقْصِدُ قُرْبَةً وَالْبَيْعُ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَا إذَا الْتَزَمَ بِغَيْرِ يَمِينٍ فَهُوَ قَاصِدُ الْقُرْبَةِ (تَأْوِيلَاتٌ) ثَلَاثٌ وَاحِدٌ بِالِاخْتِلَافِ وَاثْنَانِ بِالْوِفَاقِ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَكُرِهَ بَعْثُهُ وَفِيهَا أَيْضًا مَعَ الْعُتْبِيَّةِ لَهُ تَقْوِيمُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَلْ خِلَافٌ أَوْ لَا فَيُبَاعُ نَدْبًا أَوْ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْيَمِينِ تَأْوِيلَاتٌ لَكَانَ أَوْضَحُ (فَإِنْ عَجَزَ) أَيْ قَصُرَ ثَمَنُ الْهَدْيِ الَّذِي لَا يَصِلُ أَوْ مَا لَا يُهْدَى عَنْ هَدْيٍ أَعْلَى (عُوِّضَ الْأَدْنَى) بِأَنْ يَشْتَرِي بِهِ شَاةً إنْ أَمْكَنَ (ثُمَّ) إنْ قَصَرَ عَنْ الْأَدْنَى دَفَعَ ثَمَنَ الْهَدْيِ الَّذِي لَا يَصِلُ أَوْ مَا لَا يُهْدَى (لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ) جَمْعُ خَازِنٍ أَيْ خَدَمَتُهَا، وَهُمْ بَنُو شَيْبَةَ (يُصْرَفُ فِيهَا) أَيْ يَصْرِفُونَهُ فِي مَصَالِحِهَا (إنْ احْتَاجَتْ، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَحْتَجْ (تَصَدَّقَ بِهِ) النَّاذِرُ أَوْ غَيْرُهُ حَيْثُ شَاءَ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَسْأَلَةٍ لَيْسَتْ مِنْ النَّذْرِ اسْتِطْرَادًا، وَكَأَنَّهُ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُشْرِكَهُمْ فِي خِدْمَتِهَا غَيْرُهُمْ فَقَالَ (وَأَعْظَمَ) أَيْ اسْتَعْظَمَ وَمَنَعَ (مَالِكٌ) رضي الله عنه (أَنْ يَشْرَكَ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ (مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّهَا) أَيْ خِدْمَةُ الْكَعْبَةِ (وِلَايَةٌ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام وَ) لَزِمَ (الْمَشْيُ لِمَسْجِدِ مَكَّةَ) لِحِنْثِ يَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بَلْ.
ــ
[حاشية الدسوقي]
يُبَاعَ هُنَا، وَيُرْسَلَ ثَمَنُهُ ثُمَّ يُشْتَرَى بِهِ سَلِيمٌ (قَوْلُهُ: الْمُطْلَقِ) أَيْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ.
(قَوْلُهُ: وَجَازَ لَهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْهَدْيِ سَوَاءٌ كَانَ سَلِيمًا أَوْ مَعِيبًا إذَا بِيعَ لِتَعَذُّرِ إرْسَالِهِ الْإِبْدَالُ بِالْأَفْضَلِ أَيْ بِنَوْعٍ أَفْضَلَ مِنْ نَوْعِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ فَرَسِي أَوْ سَيْفِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَتَعَذَّرَ إرْسَالُهُ لِمَحَلِّ الْجِهَادِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ هُنَا، وَيُعَوَّضُ بِثَمَنِهِ فِي مَحَلِّهِ مِثْلُهُ مِنْ خَيْلٍ أَوْ سِلَاحٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَوَّضَ بِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الْهَدْيِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ اللَّحْمُ تَوْسِعَةً لِلْفُقَرَاءِ وَلَحْمُ الْإِبِلِ أَكْثَرُ بِخِلَافِ مَنْفَعَةِ الْفَرَسِ وَالسِّلَاحِ فَإِنَّهُمَا مُتَنَافِيَانِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ الْإِبْدَالِ بِالْأَفْضَلِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ يَتَعَيَّنُ الشِّرَاءُ مِنْ نَوْعِ الْأَوَّلِ، وَلَا يُخَالِفُ إلَى الْأَفْضَلِ (قَوْلُهُ: دُونَ الْأَدْنَى) أَيْ فَلَا يَجُوزُ مَا لَمْ يَعْجِزْ الثَّمَنَ عَنْ شِرَاءِ هَدْيٍ مِنْ نَوْعِ الْأَوَّلِ، وَمِنْ الْأَفْضَلِ مِنْهُ، وَإِلَّا اشْتَرَى هَدْيًا أَدْنَى مِنْ الْأَوَّلِ فِي الْجِنْسِ فَإِنْ قَصُرَ الثَّمَنُ عَنْ شِرَاءِ الْأَدْنَى دَفَعَ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يَصْرِفُونَهَا فِي مَصَالِحِهَا إنْ احْتَاجَتْ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ فِي أَيِّ مَحَلٍّ كَانَ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَشْتَرِيَ بَقَرًا أَوْ إبِلًا بَدَلَ غَنَمٍ) هَذَا تَصْوِيرٌ لِلْإِبْدَالِ بِالْأَفْضَلِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَفْضَلِيَّةُ مِنْ حَيْثُ النَّوْعُ.
(قَوْلُهُ: كَثَوْبٍ، وَعَبْدٍ) بِأَنْ قَالَ ثَوْبِي أَوْ عَبْدِي هَدْيٌ (قَوْلُهُ: وَإِخْرَاجُ قِيمَتِهِ) أَيْ لِيُشْتَرَى بِهَا هَدْيٌ (قَوْلُهُ أَوْ مَا لَا يُهْدَى) أَيْ أَوْ قَصُرَ ثَمَنُ مَا لَا يُهْدَى وَقَوْلُهُ عُوِّضَ الْأَدْنَى أَيْ عُوِّضَ بِالْأَدْنَى (قَوْلُهُ: ثُمَّ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ) هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ الْحَاجِبِ، فَإِنْ قَصُرَ عَنْ التَّعْوِيضِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَتَصَدَّقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَ، وَفِيهَا أَيْضًا يَبْعَثُهُ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَقِيلَ يَخْتَصُّ أَهْلُ الْحَرَمِ بِالثَّمَنِ اهـ وَهَذَا الثَّالِثُ قَوْلُ أَصْبَغَ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ ابْتِدَاءً لَكِنْ خَالَفَهُ فِي تَخْصِيصِهِ الصَّدَقَةَ بِمَسَاكِينِ مَكَّةَ وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَتْبَعْ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَا أَصْبَغَ وَإِنَّمَا تَبِعَ قَوْلَ مَالِكٍ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ بِقَوْلِهِ إنْ احْتَاجَتْ (قَوْلُهُ أَنْ يَشْرَكَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ) أَيْ فِي خِدْمَتِهَا وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهَا وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا وَالْحُكْمِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا نَزْعُهَا مِنْهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ فَقَدْ نَصَّ الْحَدِيثُ عَلَى مَنْعِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ خِدْمَتَهُمْ إيَّاهَا وِلَايَةٌ أَيْ بِتَوْلِيَةٍ وَتَمْكِينٍ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام، وَذَلِكَ لِأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى مَفَاتِيحَهَا لِجَدِّهِمْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ، وَقَالَ لَا يَنْزِعُ هَذَا الْمِفْتَاحَ مِنْكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ إلَّا ظَالِمٌ» وَنَصَّ الْإِمَامُ عَلَى مَنْعِ التَّشْرِيكِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمَمْنُوعَ إنَّمَا هُوَ نَزْعُهَا مِنْهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ. (تَنْبِيهٌ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى حُرْمَةِ أَخْذِ خَدَمَةِ الْكَعْبَةِ أُجْرَةً عَلَى فَتْحِهَا لِدُخُولِ النَّاسِ خِلَافًا لِمَا يَعْتَقِدُهُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ مِنْ أَنَّهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ بِالْبَيْتِ مَا شَاءُوا قَالَهُ ح (قَوْلُهُ: فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَشْيِ أَيْ لَزِمَ الْمَشْيُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لِمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ لِمَسْجِدِ مَكَّةَ أَوْ حَلَفَ بِهِ وَحَنِثَ، وَهَذَا إذَا نَذَرَ
(وَلَوْ) نَذَرَ الْمَشْيَ (لِصَلَاةٍ) فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (وَخَرَجَ) إلَى الْحِلِّ (مَنْ) نَذَرَ الْمَشْيَ لِمَكَّةَ وَهُوَ (بِهَا، وَأَتَى بِعُمْرَةٍ) مِنْ طَرَفِ الْحِلِّ مَاشِيًا (كَمَكَّةَ) أَيْ كَنَاذِرِ الْمَشْيِ لَهَا (أَوْ) إلَى (الْبَيْتِ) أَيْ الْكَعْبَةِ (أَوْ جُزْئِهِ) الْمُتَّصِلِ بِهِ كَبَابِهِ وَرُكْنِهِ وَحَطِيمِهِ وَشَاذَرْوَانِهِ (لَا غَيْرُ) أَيْ لَا غَيْرُ الْبَيْتِ وَجُزْئِهِ مِمَّا هُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ كَزَمْزَمَ وَالْمَقَامِ وَقُبَّةِ الشَّرَابِ وَأَوْلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةُ وَعَرَفَةُ، وَمَحَلُّ عَدَمِ اللُّزُومِ (إنْ لَمْ يَنْوِ نُسُكًا) حَجًّا أَوْ عُمْرَةً فَإِنْ نَوَاهُ لَزِمَهُ الْمَشْيُ كَالْمُتَّصِلِ فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ وَأَتَى بِعُمْرَةٍ كَمَا مَرَّ ثُمَّ لُزُومُ الْمَشْيِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ (مِنْ حَيْثُ نَوَى) النَّاذِرُ أَوْ الْحَالِفُ الْمَشْيَ مِنْهُ إنْ كَانَ لَهُ نِيَّةٌ (وَإِلَّا) يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَزِمَهُ الْمَشْيُ مِنْ حَيْثُ (حَلَفَ) كَوَاللَّهِ لَأَحُجَّنَّ مَاشِيًا أَوْ نَذَرَ كَلِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ (أَوْ) يَمْشِي مَنْ (مِثْلَهُ) أَيْ مِثْلَ مَوْضِعِ حَلِفِهِ فِي الْبُعْدِ (إنْ حَنِثَ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْمُمَاثِلِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَحْنَثْ بِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ الْمِثْلُ وَمَحَلُّ إجْزَاءِ الْمِثْلِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ إذَا لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِالْمَشْيِ مِنْ مَحَلٍّ خَاصٍّ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْمَشْيُ مِنْهُ فَلَوْ قَالَ، وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ جَرَى الْعُرْفُ، وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ حَلَفَ أَوْ نَذَرَ لِطَابَقِ النَّقْلِ وَلَمْ يَحْتَجَّ لِقَوْلِهِ (وَتَعَيَّنَ) لِابْتِدَاءِ مَشْيِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ (مَحَلٌّ اُعْتِيدَ) لِلْحَالِفِينَ مِنْ بَلَدٍ أَوْ نَوَاحِيهَا.
(وَرَكِبَ) جَوَازًا (فِي) إقَامَةِ (الْمَنْهَلِ) أَيْ مَحَلِّ النُّزُولِ كَانَ بِهِ مَاءٌ أَوْ لَا (وَلِحَاجَةٍ) بِغَيْرِ الْمَنْهَلِ قَبْلَ نُزُولِهِ كَحَاجَةٍ نَسِيَهَا فَعَادَ إلَيْهَا (كَطَرِيقٍ) أَيْ كَمَا يَجُوزُ لَهُ مَشْيٌ فِي طَرِيقٍ (قُرْبَى اُعْتِيدَتْ) لِلْحَالِفِينَ فَقَطْ أَوْ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ فَإِنْ اُعْتِيدَتْ الْبُعْدَى لِلْحَالِفِينَ وَالْقُرْبَى لِغَيْرِهِمْ تَعَيَّنَتْ الْبُعْدَى (وَ) رَكِبَ (بَحْرًا اُضْطُرَّ لَهُ) كَكَوْنِهِ فِي طَرِيقِهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ لِمَكَّةَ إلَّا بِرُكُوبِهِ (لَا اُعْتِيدَ) لِغَيْرِ الْحَالِفِينَ وَاعْتِيدَ لِلْحَالِفِينَ غَيْرُهُ فَلَا يَرْكَبُهُ (عَلَى الْأَرْجَحِ) فَإِنْ اُعْتِيدَ لِلْحَالِفِينَ فَقَطْ أَوْ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ رَكِبَ ثُمَّ لُزُومُ الْمَشْيِ مِنْهُ (لِتَمَامِ) طَوَافِ (الْإِفَاضَةِ) لِمَنْ قَدَّمَ السَّعْيَ (وَسَعْيُهَا) لِمَنْ لَمْ يُقَدِّمْهُ وَيُحْتَمَلُ عَوْدُ ضَمِيرِ سَعْيِهَا لِلْعُمْرَةِ، وَعَلَى كُلٍّ يَفُوتُهُ الْكَلَامُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى
ــ
[حاشية الدسوقي]
الْمَشْيَ أَوْ حَلَفَ بِهِ لِذَلِكَ بَلْ، وَلَوْ نَذَرَهُ أَوْ حَلَفَ بِهِ لِصَلَاةٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ لِصَلَاةٍ) أَشَارَ بِلَوْ لِخِلَافِ الْقَاضِي إسْمَاعِيلَ الْقَائِلِ إنَّ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِلصَّلَاةِ لَا لِلنُّسُكِ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ، وَيَرْكَبُ إنْ شَاءَ، وَقَدْ اعْتَمَدَهُ ابْنُ يُونُسَ، وَلَمْ يَحْكِ لَهُ مُقَابِلًا وَنَقَلَهُ الْمَوَّاقُ مُعْتَرِضًا بِهِ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لَكِنْ لَمَّا تَعَقَّبَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ، وَكَلَامُ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ إسْمَاعِيلَ الْقَاضِي مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ تَبِعَ هُنَا مَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ طفى وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي الْإِكْمَالِ وَنَقَلَ الْأَبِيُّ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ مَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ بِأَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مَاشِيًا إنَّمَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ إنَّ قَوْلَ إسْمَاعِيلَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ وَنَصُّ كَلَامِ الْأَبِيِّ عَنْ الْمَازِرِيِّ اخْتَصَّتْ الْمَسَاجِدُ الثَّلَاثَةُ لِعِظَمِهَا عَلَى غَيْرِهَا بِأَنَّ مَنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا وَنَذَرَ الصَّلَاةَ بِأَحَدِهَا أَتَاهَا فَإِنْ قَالَ مَاشِيًا فَقَالَ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي لَمْ يَلْزَمْهُ، وَيَأْتِي رَاكِبًا فِي الْجَمِيعِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي الْجَمِيعِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَطْ. اهـ. فَقَدْ تَبَيَّنَ مِمَّا تَقَدَّمَ تَشْهِيرُ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، وَأَنَّ عَلَى الْمُؤَلِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِخِلَافِ. اهـ بْن.
(قَوْلُهُ: وَخَرَجَ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ لِمَكَّةَ) أَيْ أَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ لِمَسْجِدِهَا أَوْ لِلْبَيْتِ أَوْ لِجُزْئِهِ الْمُتَّصِلِ (قَوْلُهُ: كَمَكَّةَ) أَيْ كَمَا أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ لِمَكَّةَ أَوْ لِلْمَسْجِدِ أَوْ لِلْبَيْتِ أَوْ لِجُزْئِهِ كَلِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ لِبَابِ الْبَيْتِ أَوْ رُكْنِهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكَّةَ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ لِمَكَّةَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ عَدَمِ اللُّزُومِ) أَيْ مَحَلُّ عَدَمِ لُزُومِ الْمَشْيِ لِمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ لِلْمُنْفَصِلِ عَنْ الْبَيْتِ أَوْ حَلَفَ بِهِ، وَحَنِثَ إذَا لَمْ يَنْوِ نُسُكًا (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ إجْزَاءِ الْمِثْلِ إلَخْ) الْأَوْلَى، وَمَحَلُّ إجْزَاءِ الْمَشْيِ مِنْ مَحَلِّ الْحَلِفِ وَالْمِثْلِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِالْمَشْيِ) أَيْ إنْ لَمْ يَجْرِ عُرْفُ الْحَالِفِينَ بِالْمَشْيِ وَالنَّاذِرِينَ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ خَاصٍّ (قَوْلُهُ: وَلَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ لِمَكَّةَ إلَّا بِرُكُوبِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ الْوُصُولُ بِالتَّحْلِيقِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الرُّكُوبُ وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ التَّحْلِيقُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَشَقَّةٌ فَادِحَةٌ بِالتَّحْلِيقِ، وَإِلَّا جَازَ الرُّكُوبُ. اهـ عَدَوِيٌّ.
(قَوْلُهُ لَا اُعْتِيدَ عَلَى الْأَرْجَحِ) حَاصِلُ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ كَمَا نَقَلَهُ طفى أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُجِيزُ رُكُوبَ الْبَحْرِ الْمُعْتَادِ لِلْحُجَّاجِ مُطْلَقًا الْحَالِفِينَ وَغَيْرَهُمْ وَأَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ يَمْنَعُ الرُّكُوبَ الْمُعْتَادَ وَأَنَّ ابْنَ يُونُسَ قَيَّدَ الْجَوَازَ بِمَا إذَا كَانَ مُعْتَادٌ لِلْحَالِفِينَ اُعْتِيدَ لِغَيْرِهِمْ أَيْضًا أَمْ لَا فَإِنْ اُعْتِيدَ لِغَيْرِهِمْ فَقَطْ لَمْ يَجُزْ عَلَى هَذَا فَعَلَى الْمُصَنِّفِ الدَّرْكُ فِي نِسْبَةِ إطْلَاقِ الْمَنْعِ لِابْنِ يُونُسَ وَتَعْبِيرُهُ عَنْ تَرْجِيحِهِ بِالِاسْمِ. اهـ بْن.
وَأَجَابَ شَارِحُنَا عَنْ الِاعْتِرَاضِ الْأَوَّلِ بِمَا قَرَّرَ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ لُزُومُ الْمَشْيِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي نَوَى الْمَشْيَ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْمُعْتَادِ لِلْحَالِفِينَ الْمَشْيُ مِنْهُ أَوْ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ أَوْ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ لِتَمَامِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيَرْكَبُ فِي رُجُوعِهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى، وَفِي رَمْيِ الْجِمَارِ وَأَمَّا إنْ أَخَّرَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ بَعْدَ الرَّمْيِ فَإِنَّهُ يَمْشِي فِي حَالِ الرَّمْيِ.
(قَوْلُهُ: لِمَنْ لَمْ يُقَدِّمْهُ) أَيْ، وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ يَكُونُ الْمُصَنِّفُ سَاكِتًا عَنْ غَايَةِ لُزُومِ الْمَشْيِ فِي الْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ عَوْدُ ضَمِيرِ سَعْيِهَا لِلْعُمْرَةِ) أَيْ الْمَفْهُومَةِ مِنْ الْكَلَامِ، وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ يَكُونُ الْمُصَنِّفُ سَاكِتًا عَنْ غَايَةِ الْمَشْيِ إذَا أَخَّرَ السَّعْيَ عَنْ الْإِفَاضَةِ فِي الْحَجِّ (قَوْلُهُ: وَعَلَى كُلٍّ) أَيْ مِنْ جَعْلِ الضَّمِيرِ
(وَرَجَعَ) وُجُوبًا لِمَكَّةَ مِنْ بَعْضِ الْمَشْيِ فَيَمْشِي الْأَمَاكِنَ الَّتِي رَكِبَهَا (وَأَهْدَى) لِتَبْعِيضِ الْمَشْيِ، وَأَخَّرَ هَدْيَهُ لِعَامِ رُجُوعِهِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْجَابِرِ النُّسُكِيِّ وَالْمَالِيِّ فَإِنْ قَدَّمَهُ فِي عَامِ مَشْيِهِ الْأَوَّلِ أَجْزَأَهُ (إنْ رَكِبَ كَثِيرًا) فِي نَفْسِهِ لَا قَلِيلًا فَيُهْدِي فَقَطْ (بِحَسَبِ الْمَسَافَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِكَثِيرًا أَيْ أَنَّ الْكَثْرَةَ وَالْقِلَّةَ بِاعْتِبَارِ الْمَسَافَةِ صُعُوبَةً وَسُهُولَةً وَمِسَاحَةً.
(أَوْ) رَكِبَ (الْمَنَاسِكَ) ، وَهِيَ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى رُجُوعِهِ لِمِنًى (وَالْإِفَاضَةَ) أَيْ الرُّجُوعَ مِنْ مِنًى لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ، وَكَذَا الْمَنَاسِكُ فَقَطْ فَيَرْجِعُ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةً فِي نَفْسِهَا إلَّا أَنَّهَا كَثِيرَةٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ بِالذَّاتِ، وَأَمَّا رُكُوبُ الْإِفَاضَةِ فَقَطْ فَلَا رُجُوعَ فِيهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي كَالْإِفَاضَةِ فَفِي مَفْهُومِهِ تَفْصِيلٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ كَلَامِهِ (نَحْوُ الْمِصْرِيِّ) فَاعِلُ رَجَعَ بَلْ تُنَازِعُهُ رَجَعَ، وَأَهْدَى وَرَكِبَ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ تَوَسَّطَتْ دَارُهُ وَأَوْلَى مَنْ قَرُبَتْ كَالْمَدَنِيِّ وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْبَعِيدِ جِدًّا كَالْإِفْرِيقِيِّ فَيَلْزَمُهُ الْهَدْيُ فَقَطْ (قَابِلًا) ظَرْفُ رَجَعَ أَيْ زَمَنًا قَابِلًا (فَيَمْشِي مَا رَكِبَ) إنْ عَلِمَهُ، وَإِلَّا مَشَى الْجَمِيعَ (فِي مِثْلِ الْمُعَيَّنِ) مُتَعَلِّقٌ بِرَجَعَ أَيْ يَرْجِعُ مُحْرِمًا بِمَا أَحْرَمَ بِهِ أَوَّلًا، وَعَيَّنَهُ فِي نَذْرِهِ أَوْ يَمِينِهِ بِلَفْظِهِ أَوْ نِيَّتِهِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَا يَرْجِعُ بِعُمْرَةٍ إنْ كَانَ عَيَّنَ أَوَّلًا حَجًّا، وَلَا عَكْسِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدًا مِنْهُمَا بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ حِينَ نَذْرِهِ أَوْ حَلِفِهِ بَلْ نَذَرَ الْمَشْيَ مُبْهَمًا وَصَرَفَهُ فِي أَحَدِهِمَا (فَلَهُ) فِي عَامِ رُجُوعِهِ (الْمُخَالَفَةُ) لِمَا أَحْرَمَ بِهِ أَوَّلًا، وَمَحَلُّ الرُّجُوعِ (إنْ)(ظَنَّ) النَّاذِرُ أَوْ الْحَالِفُ (أَوَّلًا) أَيْ حِينَ خُرُوجِهِ (الْقُدْرَةَ) عَلَى مَشْيِ جَمِيعِ الْمَسَافَةِ، وَلَوْ فِي عَامَيْنِ فَخَالَفَ ظَنَّهُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
لِلْإِفَاضَةِ أَوْ لِلْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ: وَرَجَعَ وُجُوبًا) ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ عَلَى الْفَوْرِ، وَقَوْلُهُ مِنْ بَعْضِ الْمَشْيِ أَيْ بِأَنْ مَشَى بَعْضَ الطَّرِيقِ وَرَكِبَ بَعْضَهَا، وَكَانَ مَا رَكِبَهُ كَثِيرًا فِي نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: فَيَمْشِي الْأَمَاكِنَ الَّتِي رَكِبَهَا) أَيْ فَقَطْ، وَلَوْ كَانَتْ جُلَّ الطَّرِيقِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يَرْجِعُ فَيَمْشِي جَمِيعَ الطَّرِيقِ إنْ كَانَ رَكِبَ الْجُلَّ أَوْ لَا، وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ وَلَوْ رَكِبَ كَثِيرًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْشِيَ عِدَّةَ أَيَّامِ رُكُوبِهِ إذْ قَدْ يَرْكَبُ أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ أَوْ لَا وَحِينَئِذٍ فَلَا مَعْنَى لِرُجُوعِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَشْيِهِ أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ، وَهَذَا إذَا عَلِمَ أَمَاكِنَ الرُّكُوبِ، وَإِلَّا مَشَى الطَّرِيقَ كُلَّهَا عَامَ رُجُوعِهِ.
(قَوْلُهُ: وَأَخَّرَ هَدْيَهُ) أَيْ نَدْبًا، وَقَوْلُهُ بَعْدُ: أَجْزَأَهُ أَيْ مَعَ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ: الْجَابِرِ النُّسُكِيِّ) أَيْ، وَهُوَ رُجُوعُهُ لِلْعُمْرَةِ أَوْ الْحَجِّ وَالْجَابِرُ الْمَالِيُّ، وَهُوَ الْهَدْيُ (قَوْلُهُ: إنْ رَكِبَ كَثِيرًا) أَيْ فِي غَيْرِ الْمَنَاسِكِ وَسَوَاءٌ كَانَ مُخْتَارًا فِي رُكُوبِهِ أَوْ مُضْطَرًّا (قَوْلُهُ: فِي نَفْسِهِ) أَيْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَثِيرًا أَكْثَرَ الْمَسَافَةِ فَقَطْ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ النِّصْفَ مِنْ حَيِّزِ الْيَسِيرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَيُهْدِي فَقَطْ) أَيْ، وَلَا يَمْشِي مَا رَكِبَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ أَنَّ الْكَثْرَةَ وَالْقِلَّةَ) يَعْنِي فِي النَّفْسِ مَنْظُورٌ فِيهَا لِاعْتِبَارِ الْمَسَافَةِ سُهُولَةً وَصُعُوبَةً (قَوْلُهُ: وَمِسَاحَةً) أَيْ أَوْ مِسَاحَةً فَقَطْ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الطُّرُقُ صُعُوبَةً وَسُهُولَةً اُعْتُبِرَتْ الْكَثْرَةُ فِيهِمَا مَعَ الْمِسَاحَةِ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا صَعْبَةً أَوْ سَهْلَةً اُعْتُبِرَتْ الْكَثْرَةُ فِي الْمِسَاحَةِ فَقَطْ، وَإِذَا عَلِمْت أَنَّ كَثْرَةَ الرُّكُوبِ فِي نَفْسِهِ مَنْظُورٌ فِيهَا لِصُعُوبَةِ الْمَسَافَةِ وَقِلَّتِهَا فَقَدْ يَكُونُ الرُّكُوبُ كَثِيرًا فِي نَفْسِهِ بِالنَّظَرِ لِمَسَافَةٍ وَقَلِيلًا بِالنَّظَرِ لِمَسَافَةٍ أُخْرَى كَالرُّكُوبِ لِلْعَقَبَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمِصْرِيِّ وَالْإِفْرِيقِيِّ.
(قَوْلُهُ: أَوْ الْمَنَاسِكَ وَالْإِفَاضَةَ) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بِوُصُولِهِ لِمَكَّةَ بَرَّ وَإِلَيْهَا كَانَتْ الْيَمِينُ اُنْظُرْ الْمَوَّاقَ. اهـ. بْن (قَوْلُهُ: إلَى رُجُوعِهِ لِمِنًى) أَيْ لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى مَعَ) أَيْ لَا بِمَعْنَى أَوْ لِئَلَّا يُنَافِيَهُ قَوْلُهُ: الْآتِي كَالْإِفَاضَةِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمَنَاسِكُ) أَيْ وَكَذَا إذَا رَكِبَ الْمَنَاسِكَ فَقَطْ (قَوْلُهُ: فَيَرْجِعُ) أَيْ وُجُوبًا فِي الْعَامِ الْقَابِلِ لِيَمْشِيَ مَا رَكِبَهُ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمَنَاسِكِ مَعَ الْإِفَاضَةِ أَوْ الْمَنَاسِكِ فَقَطْ وَمَحَلُّ وُجُوبِ الرُّجُوعِ لِلْمَشْيِ الْمَذْكُورِ إنْ كَانَ قَدْ ذَهَبَ لِبَلَدِهِ، وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ هُنَا اسْتِحْبَابًا، وَأَمَّا إذَا مَكَثَ فِي مَكَّةَ لِلْعَامِ الْقَابِلِ فَحَجَّ، وَمَشَى الْمَنَاسِكَ الَّتِي رَكِبَهَا أَوَّلًا فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ (قَوْلُهُ: فَلَا رُجُوعَ) أَيْ إذَا ذَهَبَ لِبَلَدِهِ (قَوْلُهُ: فَفِي مَفْهُومِهِ تَفْصِيلٌ) أَيْ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ رَكِبَ الْمَنَاسِكَ مَعَ الْإِفَاضَةِ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا رَكِبَ الْمَنَاسِكَ فَقَطْ فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ إذَا ذَهَبَ لِبَلَدِهِ، وَإِنْ رَكِبَ الْإِفَاضَةَ فَقَطْ فَلَا رُجُوعَ أَصْلًا (قَوْلُهُ: نَحْوَ الْمِصْرِيِّ) أَيْ، وَكَذَا الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ مِصْرَ وَإِفْرِيقِيَّةَ وَأَوْلَى الْقَرِيبُ مِنْ مِصْرَ، وَأَمَّا الْقَرِيبُ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ فَيُعْطَى حُكْمَهَا أَفَادَهُ عج.
(قَوْلُهُ: تَوَسَّطَتْ دَارُهُ) أَيْ كَانَتْ دَارُهُ بَعِيدَةً مِنْ مَكَّةَ بُعْدًا مُتَوَسِّطًا (قَوْلُهُ: فَيَلْزَمُهُ الْهَدْيُ فَقَطْ) أَيْ، وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ فَنَاذِرُ الْمَشْيِ أَحْوَالُهُ ثَلَاثَةٌ إمَّا أَنْ تَكُونَ بَلَدُهُ قَرِيبَةً مِنْ مَكَّةَ كَالْمَدَنِيِّ أَوْ بَعِيدَةً عَنْهَا بُعْدًا مُتَوَسِّطًا كَالْمِصْرِيِّ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بَعِيدَةً جِدًّا كَالْأَفْرِيقِيِّ (قَوْلُهُ: أَيْ زَمَنًا قَابِلًا) وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ فَوْرًا (قَوْلُهُ: وَعَيَّنَهُ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ عَيَّنَّهُ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ الرُّجُوعِ) أَيْ مَحَلُّ رُجُوعِ مَنْ رَكِبَ كَثِيرًا لِيَمْشِيَ أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ (قَوْلُهُ: إنْ ظَنَّ أَوَّلًا أَيْ حِينَ خُرُوجِهِ) أَيْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى الْقُدْرَةُ أَيْ أَوْ جَزَمَ بِهَا، وَقَوْلُهُ: فَخَالَفَ ظَنَّهُ أَيْ أَوْ جَزَمَهُ وَتَبَيَّنَ عَجْزُهُ فَرَكِبَ كَثِيرًا، وَهَاتَانِ الْحَالَتَانِ تُضْرَبَانِ فِي حَالَاتِ النَّذْرِ أَوْ الْيَمِينِ الْخَمْسَةِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ حِينَ النَّذْرِ أَوْ الْيَمِينِ مُعْتَقِدًا الْقُدْرَةَ عَلَى مَشْيِ جَمِيعِ الْمَسَافَةِ أَوْ ظَانًّا الْقُدْرَةَ أَوْ شَاكًّا فِيهَا أَوْ مُتَوَهِّمًا لَهَا أَوْ جَازِمًا بِعَدَمِهَا فَهَذِهِ عَشَرَةُ أَحْوَالٍ يَتَعَيَّنُ فِيهَا الرُّجُوعُ لِيَمْشِيَ أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ وَالْهَدْيُ
(وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَظُنَّ الْقُدْرَةَ حِينِ خُرُوجِهِ أَيْ، وَقَدْ ظَنَّ الْقُدْرَةَ حِينَ يَمِينِهِ عَلَى مَشْيِ الْجَمِيعِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ بِأَنَّ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ حِينَ خُرُوجِهِ الْعَجْزَ (مَشَى) إذَا خَرَجَ (مَقْدُورَهُ) ، وَلَوْ نِصْفَ مِيلٍ (وَرَكِبَ) مَعْجُوزَهُ (وَأَهْدَى فَقَطْ) مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ ثَانِيًا أَمَّا مَنْ ظَنَّ الْعَجْزَ حِينَ يَمِينِهِ أَوْ نَوَى أَنْ لَا يَمْشِيَ إلَّا مَا يُطِيقُهُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ أَوَّلَ عَامٍ، وَيَمْشِي مَقْدُورَهُ، وَيَرْكَبُ مَعْجُوزَهُ وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ، وَلَا هَدْيَ. ثُمَّ شَبَّهَ فِي لُزُومِ الْهَدْيِ وَعَدَمِ الرُّجُوعِ قَوْلُهُ:(كَأَنْ قَلَّ) رُكُوبُهُ بِحَسَبِ مَسَافَتِهِ فَالْهَدْيُ فَقَطْ (وَلَوْ) كَانَ (قَادِرًا) عَلَى الْمَشْيِ (كَالْإِفَاضَةِ) أَيْ رَكِبَ فِي مَسِيرِهِ مِنْ مِنًى لِمَكَّةَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ (فَقَطْ) مِنْ غَيْرِ ضَمِيمَةَ الْمَنَاسِكِ، وَأَمَّا الْمَنَاسِكُ فَقَطْ فَيَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَكَعَامٍ عُيِّنَ) لِلْمَشْيِ فِيهِ فَرَكِبَ فِيهِ وَأَدْرَكَ الْحَجَّ أَوْ فَاتَهُ لِعُذْرٍ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ فِيهِ أَصْلًا لِعُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ (وَلْيَقْضِهِ) إنْ لَمْ يَخْرُجْ لَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَوْ خَرَجَ وَفَاتَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَيَقْضِيهِ وَلَوْ رَاكِبًا (أَوْ لَمْ يَقْدِرْ) عَطْفٌ عَلَى مَا لَا رُجُوعَ فِيهِ أَيْ أَوْ ظَنَّ فِي الْعَامِ الثَّانِي أَنَّهُ إنْ خَرَجَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَشْيِ مَا رَكِبَ فِيهِ فَلَا يَخْرُجُ بَلْ يَهْدِي فَقَطْ (وَكَإِفْرِيقِيٍّ) مِنْ كُلِّ مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ جِدًّا فَلَا يَرْجِعُ بَلْ يَهْدِي فَقَطْ وَهَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ نَحْوُ الْمِصْرِيِّ (وَكَأَنْ فَرَّقَهُ) أَيْ الْمَشْيَ فِي الزَّمَانِ تَفْرِيقًا غَيْرَ مُعْتَادٍ، وَمَشَى الْجَمِيعَ (وَلَوْ) فَرَّقَ (بِلَا عُذْرٍ) فَالْهَدْيُ فَقَطْ، وَأَثِمَ بِخِلَافِ الْمُعْتَادِ كَالْمَغْرِبِيِّ يُقِيمُ بِمِصْرَ الشَّهْرَ وَنَحْوَهُ حَتَّى يَأْتِيَ إبَّانُ الْحَجِّ، وَكَالْإِقَامَةِ بِالْعَقَبَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ، وَلَا إثْمَ وَاعْتَرَضَ الْحَطَّابُ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ مَنْ صَرَّحَ بِوُجُوبِ الْهَدْيِ بَلْ ظَاهِرُ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَفِي لُزُومِ) مَشْيِ (الْجَمِيعِ) فِي رُجُوعِهِ لِبُطْلَانِهِ (بِمَشْيِ عُقْبَةٍ) فِي ذَهَابِهِ أَوَّلًا، وَهِيَ سِتَّةِ أَمْيَالٍ وَالْمُرَادُ مَسَافَةُ نَظِيرِ الَّتِي رَكِبَهَا (وَرُكُوبُ) عُقْبَةٍ (أُخْرَى) لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الرَّاحَةِ بِالرُّكُوبِ الْمُعَادِلَةِ لِلْمَشْيِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَمْشِ أَصْلًا وَعَدَمُ لُزُومِ مَشْيِ الْجَمِيعِ بَلْ مَشَى أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ فَقَطْ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ (تَأْوِيلَانِ) مَحَلُّهُمَا إذَا عَرَفَ أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ وَمَشْيِهِ، وَإِلَّا مَشَى الْجَمِيعَ اتِّفَاقًا.
(وَالْهَدْيُ) مَتَى قُلْنَا بِهِ وَجَبَ مَعَهُ رُجُوعٌ أَمْ لَا (وَاجِبٌ إلَّا فِيمَنْ)(شَهِدَ) أَيْ رَكِبَ (الْمَنَاسِكَ) أَوْ الْإِفَاضَةَ أَوْ هُمَا (فَنَدْبٌ)
ــ
[حاشية الدسوقي]
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا مَشَى مَقْدُورَهُ) أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ ظَانًّا الْقُدْرَةَ وَلَا جَازِمًا بِهَا حِينَ خُرُوجِهِ بَلْ كَانَ مُتَوَهِّمًا لَهَا أَوْ شَاكًّا فِيهَا أَوْ جَازِمًا بِعَدَمِهَا، وَقَدْ كَانَ حَالَ الْيَمِينِ أَوْ النَّذْرِ جَازِمًا بِالْقُدْرَةِ أَوْ ظَانًّا لَهَا فَهَذِهِ سِتَّةٌ يَمْشِي فِيهَا مَقْدُورَهُ، وَيُهْدِي، وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِنَا قَدْ كَانَ حِينَ الْيَمِينِ أَوْ النَّذْرِ جَازِمًا بِالْقُدْرَةِ أَوْ ظَانًّا لَهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ حِينَ الْيَمِينِ أَوْ النَّذْرِ شَاكًّا فِي الْقُدْرَةِ أَوْ تَوَهَّمَهَا أَوْ جَزَمَ بِعَدَمِهَا وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ فِي حَالِ الْخُرُوجِ شَكَّ فِي الْقُدْرَةِ أَوْ تَوَهَّمَهَا أَوْ جَزَمَ بِعَدَمِهَا فَإِنَّهُ يَمْشِي أَوَّلًا عَامَّ مَقْدُورِهِ، وَلَا رُجُوعَ وَلَا هَدْيَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ التِّسْعِ فَجُمْلَةُ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا مَنْ ظَنَّ الْعَجْزَ حِينَ يَمِينِهِ) أَيْ بِأَنْ تَوَهَّمَ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَشْيِ، وَكَذَا إذَا شَكَّ فِيهَا أَوْ جَزَمَ بِعَدَمِهَا وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ حِينَ الْخُرُوجِ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ الْعَجْزَ، وَعَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَشْيِ الْجَمِيعِ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِحَسَبِ مَسَافَتِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ لَهُ بَالٌ فِي نَفْسِهِ كَمَا عَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِلْمُدَوَّنَةِ (قَوْلُهُ: كَالْإِفَاضَةِ) تَشْبِيهٌ فِي عَدَمِ الرُّجُوعِ وَالْهَدْيِ، وَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ فِي الْأَوَّلِ وَاجِبًا، وَفِي الثَّانِي مَنْدُوبًا، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ الْعَطْفِ لِلتَّشْبِيهِ لِأَجْلِ أَنْ يَرْجِعَ قَوْلُهُ: فَقَطْ إلَى مَا بَعْدَ الْكَافِ، وَيَعْطِفُ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَنَاسِكُ فَقَطْ) أَيْ، وَأَمَّا إذَا رَكِبَ الْمَنَاسِكَ فَقَطْ دُونَ الْإِفَاضَةِ، وَقَوْلُهُ: فَيَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ أَيْ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ بَلْ يُسْتَحَبُّ فَقَطْ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ إنَّ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ لِمَكَّةَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ لَهَا مَاشِيًا، وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِالْمَنَاسِكِ، وَلَا بِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ.
(قَوْلُهُ: وَكَعَامِ إلَخْ) هَذَا تَشْبِيهٌ فِي لُزُومِ الْهَدْيِ فَقَطْ، وَعَدَمِ الرُّجُوعِ فَإِذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ مَاشِيًا فِي عَامِ كَذَا فَرَكِبَ فِيهِ وَأَدْرَكَ الْحَجَّ، أَوْ رَكِبَ فِيهِ وَفَاتُهُ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ أَصْلًا لِعُذْرٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ فِي عَامٍ آخَرَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ فَقَطْ فَلَوْ تَرَكَ الْحَجَّ فِي هَذَا الْعَامِ الْمُعَيَّنِ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ أَوْ خَرَجَ لَهُ وَلَوْ مَاشِيًا وَتَرَاخَى حَتَّى فَاتَهُ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ، وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ، وَلَوْ رَاكِبًا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلْيَقْضِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَقْدِرْ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا مُعَارِضًا لِقَوْلِهِ سَابِقًا: وَإِلَّا مَشَى مَقْدُورَهُ إلَخْ؛ لِأَنَّ مَا مَرَّ ظَنَّ أَوَّلًا أَيْ حِينَ خُرُوجِهِ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ عَدَمَ الْقُدْرَةِ، وَمَا هُنَا ظَنُّ عَدَمِ الْقُدْرَةِ فِي الْعَامِ الثَّانِي كَمَا قَالَ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: وَكَأَنْ فَرَّقَهُ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْزِلَ بِمَحَلَّاتٍ وَيَقْعُدُ فِي كُلِّ مَحَلٍّ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ، وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِعَدَمِ النُّزُولِ بِهَا ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْإِجْزَاءِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الَّذِي فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَمُقَابِلُهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ وَصَوَّبَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَوْلَ بِالْإِجْزَاءِ، وَصَوَّبَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَدَمَهُ اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ: وَاعْتَرَضَ ح إلَخْ) أَيْ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ بِالْإِجْزَاءِ وَلُزُومِ الْهَدْيِ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ مَنْ قَالَ بِلُزُومِ الْهَدْيِ أَيْ عَلَى مَنْ فَرَّقَ الْمَشْيَ فِي الزَّمَانِ تَفْرِيقًا غَيْرَ مُعْتَادٍ، وَلَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ بِلُزُومِ الْهَدْيِ وَحِينَئِذٍ فَلَا اعْتِرَاضَ اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ: وَرُكُوبِ عُقْبَةٍ أُخْرَى) أَيْ وَهَكَذَا طُولُ الطَّرِيقِ، وَقَوْلُهُ: لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الرَّاحَةِ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَفِي لُزُومِ مَشْيِ الْجَمِيعِ فِي رُجُوعِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي التَّنْصِيفِ أَيْ مَا إذَا كَانَ أَمَاكِنُ رُكُوبِهِ نِصْفَ الطَّرِيقِ، وَأَمَاكِنُ مَشْيِهِ نِصْفَهَا، وَأَمَّا إنْ رَكِبَ كَثِيرًا رَجَعَ، وَمَشَى أَمَاكِنَ الرُّكُوبِ اتِّفَاقًا، وَأَهْدَى أَوْ قَلِيلًا أَهْدَى فَقَطْ (قَوْلُهُ: تَأْوِيلَانِ) سَبَبُهُمَا قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ
(وَلَوْ مَشَى) فِي رُجُوعِهِ (الْجَمِيعَ) مُبَالَغَةٌ فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ (وَلَوْ)(أَفْسَدَ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ مَا أَحْرَمَ بِهِ ابْتِدَاءً مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِكَوَطْءٍ (أَتَمَّهُ) فَاسِدًا (وَمَشَى فِي قَضَائِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ) الشَّرْعِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ قَبْلَهُ، وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ (وَإِنْ فَاتَهُ) الْحَجُّ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ وَقَدْ كَانَ نَذَرَ مَشْيًا مُبْهَمًا أَوْ حَلَفَ بِهِ أَيْ لَمْ يُعَيِّنْ حَجًّا، وَلَا عُمْرَةً (جَعَلَهُ فِي عُمْرَةٍ) أَيْ تَحَلَّلَ مِنْهُ بِفِعْلِهَا ثُمَّ قَضَى الْحَجَّ الَّذِي فَاتَهُ عَلَى حُكْمِ الْفَوَاتِ (وَرَكِبَ) أَيْ جَازَ لَهُ الرُّكُوبُ (فِي قَضَائِهِ) لِأَنَّ النَّذْرَ قَدْ انْقَضَى وَهَذَا إنَّمَا هُوَ لِلْفَوَاتِ.
(وَإِنْ)(حَجَّ) نَاذِرُ الْمَشْيِ مُبْهَمًا أَوْ مَنْ عَيَّنَ الْحَجَّ بِمَشْيِهِ، وَكَانَ صَرُورَةً فِيهِمَا (نَاوِيًا نَذْرَهُ وَفَرْضَهُ) مَعًا (مُفْرَدًا) كَانَ (أَوْ قَارِنًا) شَمَلَ صُورَتَيْنِ بِأَنْ نَوَى بِالْحَجِّ الَّذِي فِي ضِمْنِ إحْرَامِهِ فَرْضَهُ وَنَذْرَهُ أَوْ نَوَى بِالْحَجِّ فَرْضَهُ فَقَطْ وَبِالْعُمْرَةِ نَذْرَهُ (أَجْزَأَ عَنْ النَّذْرِ) فَقَطْ (وَهَلْ) مَحَلُّ الْإِجْزَاءِ عَنْ النَّذْرِ (إنْ لَمْ يَنْذُرْ حَجًّا) بَلْ نَذَرَ الْمَشْيَ مُطْلَقًا أَوْ حَلَفَ كَذَلِكَ وَجَعَلَهُ فِي حَجٍّ فَإِنْ نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا أَوْ حَلَفَ بِهِ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّشْرِيكِ بِهِ أَوْ الْإِجْزَاءِ عَنْ النَّذْرِ مُطْلَقًا وَلَوْ نَذَرَ حَجًّا (تَأْوِيلَانِ، وَ) يَجِبُ (عَلَى الصَّرُورَةِ) إذَا نَذَرَ مُبْهَمًا أَوْ حَلَفَ بِهِ وَحَنِثَ (جَعْلُهُ) أَيْ جَعْلُ مَشْيِهِ (فِي عُمْرَةٍ ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ مَكَّةَ عَلَى الْفَوْرِ) ، وَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِشَرْطِهِ (وَعَجَّلَ الْإِحْرَامَ) نَاذِرُهُ أَوْ الْحَالِفُ بِهِ وَحَنِثَ وُجُوبًا (فِي) قَوْلِهِ (أَنَا مُحْرِمٌ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ (أَوْ أَحْرَمَ) بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ (وَإِنْ)(قَيَّدَ) لَفْظًا أَوْ نِيَّةً (بِيَوْمِ كَذَا) أَوْ مَكَانِ كَذَا نَحْو لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُحْرِمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوَّلَ رَجَبٍ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الرُّجُوعِ ثَانِيَةً، وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا أَنْ يَمْشِيَ الطَّرِيقَ كُلَّهُ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ مَا يُعَارِضُهَا وَنَصُّهَا: وَإِنْ كَانَ مَا رَكِبَ مُتَنَاصِفًا كَأَنْ يَرْكَبَ عُقْبَةً وَيَمْشِي أُخْرَى فَلَا يُجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَمْشِيَ الطَّرِيقَ كُلَّهَا فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ وَجَعَلَ أَبُو الْحَسَنِ كَلَامَ الْمَوَّازِيَّةِ تَقْيِيدًا لِلْمُدَوَّنَةِ بِحَمْلِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَنْ رَكِبَ دُونَ النِّصْفِ، وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَكَذَا ابْنُ عَرَفَةَ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ ضَبْطُ مَوَاضِعِ مَشْيِهِ مِنْ أَمَاكِنِ رُكُوبِهِ، وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَنْ تَحَقَّقَ ضَبْطُ أَمَاكِنِ مَشْيِهِ مِنْ أَمَاكِنِ رُكُوبِهِ فَهُمَا تَأْوِيلَانِ كِلَاهُمَا بِالْوِفَاقِ الْأَوَّلِ لِأَبِي الْحَسَنِ وَالثَّانِي لِلْمُؤَلِّفِ وَابْنِ عَرَفَةَ. اهـ. طفى فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَفِي لُزُومِ مَشْيِ الْجَمِيعِ بِمَشْيِ عُقْبَةٍ وَرُكُوبِ أُخْرَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَيْنَهُمَا وِفَاقًا وَقَوْلُ الشَّارِحِ، وَعَدَمُ لُزُومِ مَشْيِ الْجَمِيعِ أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَيْنَهُمَا خِلَافًا، وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مَشَى الْجَمِيعَ إلَخْ) رَدَّ بِلَوْ قَوْلَ ابْنِ الْمَوَّازِ إنْ مَشَى الطَّرِيقَ كُلَّهُ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ مَشْيَهُ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ وَتَعَقَّبَهُ الْأَشْيَاخُ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَسْقُطُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْهَدْيِ فِي ذِمَّتِهِ بِمَشْيٍ غَيْرِ وَاجِبٍ (قَوْلُهُ: أَتَمَّهُ فَاسِدًا) أَيْ، وَلَوْ رَاكِبًا؛ لِأَنَّ إتْمَامَهُ لَيْسَ مِنْ النَّذْرِ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ لِإِتْمَامِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ: وَمَشَى فِي قَضَائِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ) أَيْ إنْ كَانَ أَحْرَمَ مِنْهُ عَامَ الْفَسَادِ وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ الْمِيقَاتِ فِي عَامِ الْفَسَادِ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ أَيْ، وَإِلَّا مَشَى فِي قَضَائِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ أَوَّلًا عَامَ الْفَسَادِ لِتَسَلُّطِ الْفَسَادِ عَلَى مَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَإِنْ كَانَ يُؤَخِّرُ الْإِحْرَامَ عَامَ الْقَضَاءِ لِلْمِيقَاتِ وَبَعْدَ هَذَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِحْرَامِ وَالْمَشْيِ يُؤَخَّرُ فِي عَامِ الْقَضَاءِ لِلْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا وَالْإِحْرَامُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: أَيْ تَحَلَّلَ مِنْهُ بِفِعْلِهَا) أَيْ مَاشِيًا لِتَمَامِ سَعْيِهَا لِيَخْلُصَ مِنْ نَذْرِ الْمَشْيِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَاتَهُ الْحَجُّ وَجَعَلَهُ فِي عُمْرَةٍ فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ فِيهَا ابْتِدَاءً وَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ: أَيْ جَازَ الرُّكُوبُ يَعْنِي جَمِيعَ الطَّرِيقِ فِي قَضَائِهِ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي الْمَنَاسِكِ أَوْ لَا قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ سَحْنُونٍ وَمَالِكٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ النَّذْرَ قَدْ انْقَضَى) أَيْ بِمَشْيِهِ فِي الْعُمْرَةِ الَّتِي تَحَلَّلَ بِهَا مِنْ الْحَجِّ الْفَائِتِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ حَجَّ نَاذِرُ الْمَشْيِ مُبْهَمًا) أَيْ، وَإِنْ حَجَّ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ لِمَكَّةَ وَلَمْ يُعَيِّنْ حَجًّا، وَلَا عُمْرَةً ثُمَّ جَعَلَهُ فِي حَجٍّ، وَقَوْلُهُ: أَوْ مَنْ عَيَّنَ الْحَجَّ بِمَشْيِهِ أَيْ أَوْ حَجَّ مَنْ عَيَّنَ الْحَجَّ بِمَشْيِهِ (قَوْلُهُ: الَّذِي فِي ضِمْنِ إحْرَامِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ مُحْرِمٌ بِهِمَا فَالْحَجُّ وَحْدَهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي ضِمْنِ إحْرَامِهِ بِالْقِرَانِ (قَوْلُهُ: أَجْزَأَ عَنْ النَّذْرِ فَقَطْ) أَيْ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْفَرْضِ وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَقِيلَ إنَّهُ يُجْزِئُ عَنْهُمَا وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي الشَّامِلِ.
(قَوْلُهُ: لِلتَّشْرِيكِ) أَيْ لِأَنَّهُ شَرَكَ فِي الْحَجِّ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْفَرْضِ، وَفِيهِ أَنَّ التَّشْرِيكَ مَوْجُودٌ حَالَ الْإِطْلَاقِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِقُوَّةِ النَّذْرِ بِالتَّعْيِينِ فَشَابَهَ الْفَرْضَ الْأَصْلِيَّ (قَوْلُهُ: تَأْوِيلَانِ) الْأَوَّلُ لِابْنِ يُونُسَ وَالثَّانِي لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الصَّرُورَةِ جَعْلُهُ فِي عُمْرَةٍ) أَيْ عَلَيْهِ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ وَكَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ وَالْجَلَّابِ يُفِيدُ أَنَّ جَعْلَهُ فِي عُمْرَةٍ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي، وَمَفْهُومُ الصَّرُورَةِ أَنَّ غَيْرَهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ جَعَلَ مَشْيَهُ الَّذِي قَصَدَ بِهِ أَدَاءَ نَذْرِهِ فِي عُمْرَةٍ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ فِي حَجٍّ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَغْرِبِيًّا أَوْ لَا (قَوْلُهُ: إذَا نَذَرَ مُبْهَمًا) أَيْ مَشْيًا مُبْهَمًا (قَوْلُهُ: أَيْ جَعَلَ مَشْيَهُ) أَيْ الَّذِي قَصَدَ بِهِ أَدَاءَ نَذْرِهِ (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِشَرْطِهِ) أَيْ، وَهُوَ كَوْنُ حَجِّهِ فِي الْعَامِ الَّذِي اعْتَمَرَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَعَجَّلَ الْإِحْرَامَ) أَيْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَقَوْلُهُ: نَاذِرُهُ أَيْ نَاذِرُ الْإِحْرَامِ وَالْمُرَادُ بِتَعْجِيلِهِ إنْشَاؤُهُ (قَوْلُهُ: لَفْظًا أَوْ نِيَّةً) هَذَا صَحِيحٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ قَائِلًا، وَقَدْ
أَوْ مِنْ بَرَكَةِ الْحَجِّ نَحْوَ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أُحْرِمُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ كَذَلِكَ فَحَنِثَ بِأَنْ كَلَّمَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْشِئَ الْإِحْرَامَ أَوَّلَ رَجَبٍ أَوْ مِنْ الْبَرَكَةِ، وَلَا يُؤَخِّرُ لِلْمِيقَاتِ الزَّمَانِيِّ، وَهُوَ أَشْهُرُ الْحَجِّ، وَلَا لِلْمَكَانِيِّ هَذَا مُرَادُهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَعْجِيلَهُ الْآنَ بِمُجَرَّدِ النَّذْرِ أَوْ الْحِنْثِ (كَالْعُمْرَةِ) أَيْ كَمَا يُعَجِّلُ إحْرَامَهَا حَالَ كَوْنِهِ (مُطْلِقًا) بِالْكَسْرِ أَيْ غَيْرَ مُقَيِّدٍ لَهَا بِوَقْتٍ أَوْ مَكَان (إنْ لَمْ يَعْدَمْ) فِي الْعُمْرَةِ الْمُطْلَقَةِ (صَحَابَةً) فَالْمُقَيَّدَةُ كَالْحَجِّ الْمُقَيَّدِ يُعَجِّلُ الْإِحْرَامَ فِيهَا، وَلَوْ عَدِمَ صَحْبًا يَسِيرُ مَعَهُمْ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْإِحْرَامِ.
(لَا) نَاذِرَ (الْحَجِّ) الْمُطْلَقِ أَوْ الْحَالِفِ بِهِ فَحَنِثَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ فَلَا يُعَجِّلُهُ قَبْلَهَا (وَ) لَا نَاذِرَ (الْمَشْيِ) الْمُطْلَقِ أَيْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِعَامٍ وَلَا حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ فَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّعْجِيلِ، وَإِذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ (فَلِأَشْهُرِهِ) أَيْ فَيَلْزَمُهُ التَّعْجِيلُ فِيهِمَا عِنْدَ أَشْهُرِ الْحَجِّ (إنْ) كَانَ إذَا خَرَجَ فِي أَشْهُرِهِ (وَصَلَ) لِمَكَّةَ وَأَدْرَكَ الْحَجَّ لَكِنْ فِي الْحَجِّ يُحْرِمُ مِنْ مَكَانِهِ، وَيَخْرُجُ وَفِي الْمَشْيِ الْمُطْلَقِ مِنْ الْمِيقَاتِ (وَإِلَّا) يَصِلُ فِيهَا كَإِفْرِيقِيٍّ (فَمِنْ حَيْثُ) أَيْ فَيُحْرِمُ مِنْ الزَّمَانِ الَّذِي إذَا خَرَجَ فِيهِ (عَلَى الْأَظْهَرِ) حَقُّهُ عَلَى الْأَرْجَحِ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَلْزَمُ) النَّذْرُ (فِي) قَوْلِهِ (مَالِي فِي الْكَعْبَةِ أَوْ بَابِهَا) حَيْثُ أَرَادَ صَرْفَهُ فِي بِنَائِهَا إنْ هُدِمَتْ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنْ أَرَادَ كِسْوَتَهَا وَطِيبَهَا وَنَحْوَهُمَا لَزِمَهُ ثُلُثُ مَالِهِ لِلْحَجَبَةِ يَصْرِفُونَهُ فِيهَا
ــ
[حاشية الدسوقي]
صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّ النِّيَّةَ مُسَاوِيَةٌ لِلَّفْظِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ قَصْرِهِ عَلَى اللَّفْظِ. اهـ. بْن (قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ بَرَكَةِ الْحَجِّ) أَيْ إذَا أَتَيْتهَا (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ أَوْ مِنْ بَرَكَةِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ: وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْشِئَ الْإِحْرَامَ إلَخْ) سَوَاءٌ وَجَدَ صُحْبَةً يَسِيرُ مَعَهَا أَوْ عَدِمَهَا (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤَخِّرُ لِلْمِيقَاتِ) أَيْ، وَلَا لِوُجُودِ رُفْقَةٍ؛ لِأَنَّ الْقَيْدَ قَرِينَةٌ عَلَى الْفَوْرِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَخْ) أَيْ بَلْ الْمُرَادُ إنْشَاؤُهُ إذَا حَصَلَ الْوَقْتُ أَوْ الْفِعْلُ الَّذِي قَيَّدَ بِهِ (قَوْلُهُ: كَالْعُمْرَةِ) أَيْ كَمَا يُعَجِّلُ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ نَاذِرُهَا حَالَةَ كَوْنِهِ مُطْلِقًا أَيْ غَيْرَ مُقَيِّدٍ لَهَا بِوَقْتٍ إنْ وَجَدَ صُحْبَةً فَإِذَا قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنَا مُحْرِمٌ بِعُمْرَةٍ وَكَلَّمَهُ عَجَّلَ الْإِحْرَامَ بِهَا مِنْ يَوْمِ الْحِنْثِ، وَإِذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ فَإِنَّهُ يُعَجِّلُ الْإِحْرَامَ بِهَا مِنْ حِينِ نَذْرِهِ إنْ وَجَدَ صُحْبَةً، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ بِهَا (قَوْلُهُ: بِالْكَسْرِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ عَلَى فَتْحِ اللَّامِ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْإِطْلَاقِ: سَوَاءٌ قُيِّدَتْ بِالزَّمَنِ أَوْ لَا وَالتَّشْبِيهُ يَقْتَضِي تَخْصِيصَهَا بِغَيْرِ الْمُقَيَّدَةِ لِدُخُولِ الْمُقَيَّدَةِ فِيمَا قَبْلَهُ وَأَيْضًا الْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ إنْ لَمْ يَعْدَمْ صَحَابَةً يَجْرِي فِي الْعُمْرَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِالزَّمَانِ، وَمَا قَبْلَ الْكَافِ يَقْتَضِي عَدَمَ جَرَيَانِهِ فِيهَا لِشُمُولِهِ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَتَنَاقَضَا، وَلَا يَصِحُّ الْإِطْلَاقُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَ الْكَافِ خَاصًّا بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ لَمْ يَعْدَمْ صَحَابَةً إنَّمَا هُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْعُمْرَةِ الْمُطْلَقَةِ دُونَ الْمُقَيَّدَةِ فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ كَسْرُ اللَّامِ فِي مُطْلِقًا (قَوْلُهُ: أَيْ غَيْرَ مُقَيِّدٍ لَهَا بِوَقْتٍ أَوْ مَكَان) أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِلَفْظِ الْإِحْرَامِ كَمَا فَرَضَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُقَيِّدْهَا نَحْوَ قَوْلِهِ فِي نَذْرٍ أَوْ يَمِينٍ عَلَى عُمْرَةٍ فَلَا يَلْزَمُهُ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ بَلْ يُسْتَحَبُّ فَقَطْ كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَكَذَا قَوْلُهُ: لَا الْحَجُّ الْمُطْلَقُ يَعْنِي مُقَيَّدًا بِالْإِحْرَامِ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ بَلْ يُسْتَحَبُّ فَقَطْ، وَكَذَا فَرَضَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَوَاهِرِ وَابْنِ عَرَفَةَ فِي الْمُقَيَّدِ بِالْإِحْرَامِ قَالَهُ طفى وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّذْرَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُقَيَّدٌ بِالزَّمَانِ وَالْإِحْرَامِ، وَمُقَيَّدٌ بِالْإِحْرَامِ فَقَطْ، وَغَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْإِحْرَامِ وَلَا بِالزَّمَانِ فَالْأَوَّلُ كَإِنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا مُحْرِمٌ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ أُحْرِمُ يَوْمَ كَذَا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ.
وَمِثْلُهُ غَيْرُ الْمُعَلَّقِ كَأَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أُحْرِمُ يَوْمَ كَذَا أَوْ مِنْ مَكَانِ كَذَا إذَا أَتَيْته فَهَذَا يَلْزَمُ فِيهِ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ إذَا حَصَلَ الْوَقْتُ أَوْ الْفِعْلُ الَّذِي قَيَّدَ بِهِ وَلَوْ عَدِمَ صُحْبَةً، وَالثَّانِي إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجٍّ فَهَذَا يَلْزَمُهُ فِي الْعُمْرَةِ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ بِهَا إنْ وَجَدَ صُحْبَةً وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الْحَجِّ يُؤَخِّرُ الْإِحْرَامَ لِأَشْهُرِهِ إنْ وَصَلَ وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ يَصِلُ، وَالثَّالِثُ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ عُمْرَةٌ أَوْ حَجٌّ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا، وَكَلَّمَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ بَلْ يُسْتَحَبُّ فَقَطْ كَانَ الْإِحْرَامُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَجَدَ صُحْبَةً أَوْ لَا كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَعْدَمْ) أَيْ فَإِنْ عَدِمَ الصُّحْبَةَ أَخَّرَ الْإِحْرَامَ لِوُجُودِهَا (قَوْلُهُ: فَالْمُقَيَّدَةُ) أَيْ بِالزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ.
(قَوْلُهُ: لَا نَاذِرَ الْحَجِّ الْمُطْلَقِ) أَيْ الَّذِي لَمْ يُقَيِّدْ بِوَقْتٍ، وَلَا بِمَكَانٍ (قَوْلُهُ: فِي الصُّورَتَيْنِ) أَيْ صُورَةِ نَذْرِ الْحَجِّ الْمُطْلَقِ وَصُورَةِ نَذْرِ الْمَشْيِ الْمُطْلَقِ فَالْأَوَّلُ كَأَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أَنَا أُحْرِمُ لِلَّهِ بِحَجٍّ أَوْ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنَا مُحْرِمٌ أَوْ أُحْرِمُ بِحَجٍّ، وَكَلَّمَهُ وَالثَّانِيَةُ كَلِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ لِمَكَّةَ أَوْ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ الْمَشْيُ لِمَكَّةَ، وَكَلَّمَهُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَشْيِ الْمُطْلَقِ مِنْ الْمِيقَاتِ) أَيْ، وَفِي نَذْرِ الْمَشْيِ الْمُطْلَقِ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَهُ أَجْزَأَ (قَوْلُهُ: حَقُّهُ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ الَّذِي اخْتَارَ ذَلِكَ ابْنُ يُونُسَ لَا ابْنُ رُشْدٍ إذْ لَا اخْتِيَارَ لَهُ هُنَا وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَقَامِ أَنَّ الَّذِي قَالَ يُحْرِمُ مِنْ حَيْثُ يَصِلُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَقَالَ الْقَابِسِيُّ يَخْرُجُ مِنْ بَلَدِهِ غَيْرَ مُحْرِمٍ، وَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْهُ أَشْهُرُ الْحَجِّ أَحْرَمَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَالرَّاجِحُ مَذْهَبُ أَبِي مُحَمَّدٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ الظَّاهِرُ، فَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ أَرَادَ تَرْجِيحَ ابْنِ يُونُسَ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى الْأَرْجَحِ، وَإِنْ أَرَادَ اسْتِظْهَارَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْمُسْتَحْسَنِ أَوْ الْمُصَحَّحِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ النَّذْرُ فِي مَالِي فِي الْكَعْبَةِ حَيْثُ أَرَادَ صَرْفَهُ فِي بِنَائِهَا) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ النَّاذِرَ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ، وَلَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ لُزُومِ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَإِنَّمَا كَانَ النَّذْرُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ
إنْ احْتَاجَتْ (أَوْ)(كُلُّ مَا أَكْتَسِبُهُ) فِي الْكَعْبَةِ أَوْ بَابِهَا إنْ فَعَلْت كَذَا وَفَعَلَهُ (أَوْ) نَذْرٍ (هَدْيٍ) بِلَفْظِهِ أَوْ بَدَنَةٌ بِلَفْظِهَا (لِغَيْرِ مَكَّةَ) كَقَبْرِهِ عليه الصلاة والسلام فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِيهِمَا لَا بَعْثُهُ، وَلَا ذَكَاتُهُ بِمَوْضِعِهِ بَلْ يُمْنَعُ بَعْثُهُ وَلَوْ قَصَدَ الْفُقَرَاءَ الْمُلَازِمِينَ لِلْقَبْرِ الشَّرِيفِ أَوْ لِقَبْرِ الْوَلِيِّ، لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ سَوْقُ الْهَدَايَا لِغَيْرِ مَكَّةَ ضَلَالٌ أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ مَعَالِمِ الشَّرِيعَةِ، فَإِنْ عَبَّرَ بِغَيْرِ لَفْظِ هَدْيٍ أَوْ بَدَنَةٍ كَلَفْظِ بَعِيرٍ أَوْ خَرُوفٍ فَلَا يَبْعَثُهُ بَلْ يَذْبَحُهُ بِمَوْضِعِهِ، وَبَعْثُهُ أَوْ اسْتِصْحَابُهُ مِنْ الضَّلَالِ أَيْضًا، وَلَا يَضُرُّ قَصْدُ زِيَارَةِ وَلِيٍّ وَاسْتِصْحَابُ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ مَعَهُمْ لِيُذْبَحَ هُنَاكَ لِلتَّوَسُّعَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى فُقَرَاءِ الْمَحَلِّ مِنْ غَيْرِ نَذْرٍ وَلَا تَعْيِينٍ فِيمَا يَظْهَرُ. وَأَمَّا نَذْرُ جِنْسِ مَا لَا يُهْدَى كَالثَّوْبِ وَالدَّرَاهِمِ وَالطَّعَامِ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْفُقَرَاءَ الْمُلَازِمِينَ لِلْمَحَلِّ أَوْ الْخَدَمَةِ وَجَبَ بَعْثُهُ، وَإِنْ أَرَادَ مُجَرَّدَ الثَّوَابِ لِلنَّبِيِّ أَوْ الْوَلِيِّ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ تَصَدَّقَ بِهِ فِي أَيِّ مَحَلٍّ شَاءَ، وَلَا يَلْزَمُ بَعْثُ شَمْعٍ، وَلَا زَيْتٍ يُوقَدُ عَلَى الْقَبْرِ، وَكَذَا لَا يَلْزَمُ بَلْ يَحْرُمُ نَذْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَنَحْوِهِمَا لِتَزْيِينِ بَابٍ أَوْ تَابُوتِ وَلِيٍّ أَوْ سَقْفِ مَسْجِدٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَيَاعِ الْمَالِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ دُنْيَا وَأُخْرَى، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَجَازَ لِرَبِّهِ أَوْ لِوَارِثِهِ الرُّجُوعُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِيمَا يَظْهَرُ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مَالِكُهُ فَحَقُّهُ بَيْتُ الْمَالِ (أَوْ) نَذَرَ (مَالَ غَيْرٍ) مِنْ عَبْدِهِ أَوْ دَارِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا (إنْ لَمْ يُرِدْ) بِنَذْرِهِ إيَّاهُ (إنْ مَلَكَهُ) فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ لَزِمَهُ حِينَ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ (أَوْ عَلَى نَحْرِ فُلَانٍ) فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ (وَلَوْ) كَانَ فُلَانٌ (قَرِيبًا) لَهُ كَوَلَدِهِ (إنْ لَمْ يَلْفِظْ) فِي نَذْرِهِ أَوْ تَعْلِيقِهِ (بِالْهَدْيِ) فَإِنْ لَفَظَ بِهِ كَعَلَيَّ هَدْيُ فُلَانٍ أَوْ نَحْرُهُ هَدْيًا فَعَلَيْهِ هَدْيٌ (أَوْ) لَمْ (يَنْوِهِ) أَيْ الْهَدْيُ فَإِنْ نَوَاهُ فَكَلَفْظِهِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
نَذْرٌ لَا قُرْبَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْقُضُ فَتُبْنَى كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ (قَوْلُهُ: إنْ احْتَاجَتْ) أَيْ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ حَيْثُ شَاءَ، وَمِثْلُ مَا إذَا قَالَ مَالِي فِي الْكَعْبَةِ، وَأَرَادَ صَرْفَهُ فِي كِسْوَتِهَا فِي لُزُومِ ثُلُثِ مَالِهِ لِلْحَجَبَةِ مَا إذَا قَالَ مَالِي فِي كِسْوَتِهَا أَوْ طِيبِهَا (قَوْلُهُ: أَوْ كُلُّ مَا أَكْتَسِبُهُ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ بَابِهَا) أَيْ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِلْمَشَقَّةِ الْحَاصِلَةِ بِتَشْدِيدِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ كَمَنْ عَمَّمَ فِي الطَّلَاقِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان، وَأَمَّا إذَا قَيَّدَ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان بِأَنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَكُلُّ مَا أَكْتَسِبُهُ أَوْ أَسْتَفِيدُهُ فِي مُدَّةِ كَذَا أَوْ فِي بَلَدِ كَذَا فَهُوَ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ فِي بَابِهَا أَوْ صَدَقَةٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فَقَوْلَانِ قِيلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهُوَ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ جَمِيعِ مَا يَسْتَفِيدُهُ أَوْ يَكْتَسِبُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ الْأَجْلِ أَوْ فِي تِلْكَ الْبَلَدِ وَالْأَوَّلُ ضَعِيفٌ وَالثَّانِي هُوَ الرَّاجِحُ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ هُوَ الْقِيَاسُ وَلِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ إنَّهُ الصَّوَابُ اُنْظُرْ بْن.
هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الصِّيغَةُ يَمِينًا فَإِنْ كَانَتْ نَذْرًا بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ التَّصَدُّقُ بِكُلِّ مَا أَكْتَسِبُهُ أَوْ أَسْتَفِيدُهُ فَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِزَمَنٍ أَوْ بَلَدٍ لَزِمَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ مَا يَكْتَسِبُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا ثُلُثُ مَالِهِ، وَإِنْ قَيَّدَ لَزِمَهُ جَمِيعُ مَا يَكْتَسِبُهُ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي صِيغَتَيْ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمَدْفُوعَ لَهُ وَأَمَّا إنْ عَيَّنَهُ كَلِلَّهِ عَلَيَّ التَّصَدُّقُ عَلَى فُلَانٍ بِكُلِّ مَا أَكْتَسِبُهُ أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَكُلُّ مَا أَكْتَسِبُهُ لِفُلَانٍ لَزِمَهُ جَمِيعُ مَا يَكْتَسِبُهُ سَوَاءٌ عَيَّنَ زَمَانًا أَوْ مَكَانًا أَوْ لَا كَانَتْ الصِّيغَةُ نَذْرًا أَوْ يَمِينًا (قَوْلُهُ: أَوْ نَذْرُ هَدْيٍ) أَيْ لَا يَلْزَمُ نَذْرُ حَيَوَانٍ كَعَجِلٍ أَوْ خَرُوفٍ نَذَرَهُ بِلَفْظِ الْهَدْيِ أَوْ بِلَفْظِ الْبَدَنَةِ لِغَيْرِ مَكَّةَ كَأَنْ يَقُولُ لِلَّهِ عَلَيَّ عِجْلٌ هَدْيًا لِلْمَدِينَةِ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ بَدَنَةٌ لِطَنْدَتَا (قَوْلُهُ: كَلَفْظِ بَعِيرٍ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يَقُولُ لِلَّهِ عَلَيَّ عِجْلٌ أَوْ خَرُوفٌ أَوْ جَزُورٌ لِلْوَلِيِّ الْفُلَانِيِّ أَوْ لِلنَّبِيِّ أَوْ لِلْمَدِينَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَبْعَثُهُ) أَيْ، وَلَوْ قَصَدَ بِهِ الْفُقَرَاءَ الْمُلَازِمِينَ لِقَبْرِ الْوَلِيِّ أَوْ لِقَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ: بَلْ يَذْبَحُهُ) أَيْ النَّاذِرُ أَوْ الْحَالِفُ بِمَوْضِعِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى فُقَرَاءِ مَحَلِّهِ، وَكَمَا لَهُ ذَبْحُهُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَيَدْفَعَ لِفُقَرَاء مَوْضِعِهِ بَدَلَهُ مِثْلَ مَا فِيهِ مِنْ اللَّحْمِ.
(قَوْلُهُ: وَبَعْثُهُ أَوْ اسْتِصْحَابُهُ) ، وَكَذَا بَعْثُ لَحْمِهِ مِنْ الضَّلَالِ أَيْضًا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ؛ لِأَنَّ فِي بَعْثِهِ شَبَهًا بِسَوْقِ الْهَدْيِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ لِغَيْرِ مَكَّةَ مِنْ الضَّلَالِ، وَمُقَابِلُهُ لِمَالِكٍ فِي الْمُوَازَنَةِ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ جَوَازُ بَعْثِهِ أَوْ اسْتِصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ إطْعَامَ الْمَسَاكِينِ بِأَيِّ بَلْدَةٍ طَاعَةٌ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ. اهـ. بْن (قَوْلُهُ: وَأَمَّا نَذْرُ جِنْسِ مَا لَا يُهْدَى) أَيْ نَذَرَهُ لِغَيْرِ مَكَّةَ كَلِلَّهِ عَلَيَّ لِلنَّبِيِّ أَوْ لِلْوَلِيِّ الْفُلَانِيِّ دِينَارٌ صَدَقَةً أَوْ سِتْرٌ أَوْ أَرْدَبُّ حِنْطَةٍ أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ مَا ذُكِرَ وَحَنِثَ، وَأَمَّا نَذْرُ ذَلِكَ بِمَكَّةَ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُبَاعُ، وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ هَدْيٌ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ بَعْثُ شَمْعٍ، وَلَا زَيْتٍ) أَيْ نَذَرَهُ أَوْ حَلَفَ بِهِ وَحَنِثَ (قَوْلُهُ: يُوقَدُ عَلَى الْقَبْرِ) أَيْ قَبْرُ الْوَلِيِّ أَوْ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ إيقَادَهُ عَلَى الْقَبْرِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافُ مَالٍ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَنْتَفِعُ بِالْوَقِيدِ، وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ وَيَلْزَمُ إرْسَالُهُ (قَوْلُهُ: لِتَزْيِينِ بَابٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَابَ الْكَعْبَةِ أَوْ بَابَ وَلِيٍّ. (قَوْلُهُ: فِيمَا يَظْهَرُ) الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا أَنَّ رَبَّهُ إذَا أَعْرَضَ عَنْهُ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَالُ غَيْرِ) عَطْفٌ عَلَى مَالِي مِنْ قَوْلِهِ، وَلَا يَلْزَمُ فِي مَالِي فِي الْكَعْبَةِ أَيْ لَا يَلْزَمُهُ فِي مَالِي وَلَا يَلْزَمُ فِي مَالِ غَيْرٍ أَيْ لَا يَلْزَمُ فِي مَالِ غَيْرٍ كَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ عَبْدِ فُلَانِ أَوْ التَّصَدُّقُ بِمَالِهِ أَوْ دَارِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ هَدْيٌ) أَيْ إذَا قَصَدَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ هَدْيُ فُلَانٍ الْقُرْبَةَ، وَكَذَا إذَا كَانَ لَا نِيَّةَ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَمَّا إذَا قَصَدَ الْمَعْصِيَةَ يَعْنِي ذَبْحَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَكُلُّ هَذَا إذَا كَانَ فُلَانٌ الَّذِي نُذِرَ نَحْرُهُ هَدْيًا
(أَوْ) لَمْ (يَذْكُرْ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ) أَوْ يَنْوِهِ أَوْ يَذْكُرْ مَكَانًا مِنْ الْأَمْكِنَةِ الَّتِي يَذْبَحُ فِيهَا كَمِنًى أَوْ مَوْضِعٍ مِنْ مَكَّةَ، وَأَوْ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْوَاوِ أَيْ فَلَا يُبْرِيهِ إلَّا نَفْيُ الثَّلَاثَةِ، وَاللُّزُومُ عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِهَا (وَالْأَحَبُّ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ لَفَظَ بِالْهَدْيِ أَوْ نَوَاهُ أَوْ ذَكَرَ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ أَوْ نَوَاهُ (كَنَذْرِ الْهَدْيِ) تَشْبِيهٌ لِإِفَادَةِ الْحُكْمِ أَيْ كَمَا يُسْتَحَبُّ فِي نَذْرِ الْهَدْيِ الْمُطْلَقِ نَحْوُ لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيٌ (بَدَنَةٌ ثُمَّ) عِنْدَ فَقْدِهَا (بَقَرَةٌ) فَإِنْ عَجَزَ فَشَاةٌ وَاحِدَةٌ وَالْأَحَبِّيَّةُ مُنَصَّبَةٌ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَإِلَّا فَالْهَدْيُ فِي نَفْسِهِ وَاجِبٌ (كَنَذْرِ الْحَفَاءِ) بِالْمَدِّ، وَهُوَ الْمَشْيُ بِلَا نَعْلٍ أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ الْحَفَاءُ فِي نَذْرِهِ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ حَفَاءً أَوْ حَبْوًا أَوْ زَحْفًا مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ حَرَجٌ، وَمَزِيدُ مَشَقَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ بَلْ يَمْشِي مُنْتَعِلًا عَلَى الْعَادَةِ وَيُنْدَبُ لَهُ الْهَدْيُ (أَوْ) نَذَرَ (حَمْلَ فُلَانٍ) عَلَى عُنُقِهِ لِمَكَّةَ (إنْ نَوَى التَّعَبَ) لِنَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ هُوَ مَاشِيًا، وَيَهْدِي نَدْبًا (وَإِلَّا) يَنْوِ التَّعَبَ بَلْ نَوَى بِحَمْلِهِ إحْجَاجَهُ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ (رَكِبَ) هُوَ فِي حَجِّهِ جَوَازًا (وَحَجَّ بِهِ) أَيْ الْمَحْلُوفِ بِحَمْلِهِ مَعَهُ إنْ رَضِيَ، وَإِلَّا حَجَّ وَحْدَهُ (بِلَا هَدْيٍ) عَلَيْهِ فِيهِمَا (وَلَغَا) بِالْفَتْحِ كَوَهَى فِعْلٌ لَازِمٌ يَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ يُقَالُ أَلْغَيْت الشَّيْءَ أَبْطَلْته أَيْ وَبَطَلَ قَوْلُ الشَّخْصِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ (عَلَيَّ الْمَسِيرُ) أَوْ الْإِتْيَانُ أَوْ الِانْطِلَاقُ (وَالذَّهَابُ وَالرُّكُوبُ لِمَكَّةَ) إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إتْيَانَهَا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فَيَلْزَمُ الْإِتْيَانُ وَيَرْكَبُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَاشِيًا فَيَلْزَمُ، وَإِنَّمَا لَغَا مَا ذَكَرَ دُونَ الْمَشْيِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا جَرَى بِلَفْظِ الْمَشْيِ دُونَ غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ الْوَارِدُ فِي السُّنَّةِ.
(وَ) لَغَا (مُطْلَقُ الشَّيْءِ) مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَكَّةَ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً كَأَنْ يَقُولُ لِلَّهِ عَلَيَّ مَشْيٌ أَوْ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ مَشْيٌ (وَ) لَغَا قَوْلُهُ: عَلَيَّ (مَشْيٌ) أَيْ إتْيَانٌ (لِمَسْجِدٍ) غَيْرَ الثَّلَاثَةِ (وَإِنْ لِاعْتِكَافٍ) فِيهِ (إلَّا الْقَرِيبَ جِدًّا) بِأَنْ يَكُونَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَدُونَ (فَقَوْلَانِ) فِي لُزُومِ الْإِتْيَانِ لَهُ مَاشِيًا لِلصَّلَاةِ أَوْ الِاعْتِكَافِ وَعَدَمِ الْإِتْيَانِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يَجِبُ فِعْلُ مَا نَذَرَهُ بِمَوْضِعِهِ كَمَنْ نَذَرَهُمَا بِمَسْجِدٍ بَعِيدٍ (تَحْتَمِلُهُمَا) أَيْ الْمُدَوَّنَةَ
ــ
[حاشية الدسوقي]
حُرًّا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ عَبْدًا لِغَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحُرِّ وَعَبْدِ الْغَيْرِ أَنَّ الْعَبْدَ يَصِحُّ مِلْكُهُ فَيُخْرِجُ عِوَضَهُ وَهُوَ قِيمَتُهُ، وَأَمَّا الْحُرُّ فَلَيْسَ مِمَّا يَصِحُّ مِلْكُهُ، وَلَا يُخْرِجُ عِوَضَهُ فَجَعَلَ عَلَيْهِ فِيهِ هَدْيٌ إذَا قَصَدَ الْقُرْبَةَ. اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَذْكُرْ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ) أَيْ فَإِنْ ذَكَرَهُ لَزِمَهُ هَدْيٌ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولُ لِلَّهِ عَلَيَّ نَحْرُ فُلَانٍ عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ أَوْ فِي مَكَّةَ أَوْ فِي مِنًى وَالْمُرَادُ بِمَقَامِ إبْرَاهِيمَ مَقَامُ الصَّلَاةِ، وَهُوَ الْحَجَرُ الَّذِي، وَقَفَ عَلَيْهِ عِنْدَ بِنَاءِ الْبَيْتِ، كَذَا قِيلَ، وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ يَدُلُّ لِذَلِكَ وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ الذِّكْرُ اللِّسَانِيُّ، وَقِيلَ إنَّ الْمُرَادَ بِمَقَامِ إبْرَاهِيمَ قِصَّتُهُ مَعَ وَلَدِهِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِذِكْرِهَا مُلَاحَظَتُهَا فَمَنْ لَاحَظَ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْهَدْيُ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَوْ يَنْوِهِ أَوْ يَذْكُرْ مَكَّةَ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى التَّقْرِيرِ الْأَوَّلِ لَا عَلَى الثَّانِي. اهـ عَدَوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَأَوْ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْوَاوِ) أَيْ إنَّ أَوْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ مَقَامَ إبْرَاهِيمِ بِمَعْنَى الْوَاوِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ لُزُومِ الْهَدْيِ عِنْدَ انْتِقَاءِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ لَا عِنْدَ انْتِفَاءِ أَحَدِهَا وَاللُّزُومُ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهَا كَذَا قَالَ الشَّارِحُ، وَلَا حَاجَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ أَوْ بَعْدَ النَّفْيِ لِنَفْيِ الْأَحَدِ الدَّائِرِ وَنَفْيُهُ بِانْتِفَاءِ الْجَمِيعِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَرِيبِ فِي عَدَمِ لُزُومِ الْهَدْيِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَلُزُومِهِ إنْ وُجِدَ أَحَدُهَا، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْبَاجِيَّ وَذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَخَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ ذَلِكَ التَّفْصِيلَ بِالْقَرِيبِ، وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَلَا يَلْزَمُهُ فِيهِ شَيْءٌ، وَلَوْ ذَكَرَ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ بِالْهَدْيِ أَوْ نَوَاهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْأَجْنَبِيِّ فِي لُزُومِ الْهَدْيِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ وَقَدْ رَدَّ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهَا بِلَوْ فِي قَوْلِهِ، وَلَوْ قَرِيبًا، اُنْظُرْ ح. (قَوْلُهُ: فَلَا يُبْرِيهِ) أَيْ مِنْ لُزُومِ النَّذْرِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالْهَدْيُ فِي نَفْسِهِ وَاجِبٌ) أَيْ إنْ لَفَظَ بِالْهَدْيِ أَوْ نَوَاهُ أَوْ ذَكَرَ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ أَوْ نَوَاهُ (قَوْلُهُ: كَنَذْرِ الْحَفَاءِ) تَشْبِيهٌ بِقَوْلِهِ، وَلَا يَلْزَمُ بِمَالِي إلَخْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا رَكِبَ وَحَجَّ بِهِ) إنَّمَا يُحْمَلُ هَذَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَمَّا إذَا نَوَى إحْجَاجَهُ فَإِنَّ الْحَالِفَ لَا يَلْزَمُهُ حَجٌّ بَلْ يَدْفَعُ لِلرَّجُلِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مُؤْنَةِ الْحَجِّ فَقَطْ كَمَا فِي أَبِي الْحَسَنِ.
وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ تَارَةً يَحُجُّ الْحَالِفُ وَحْدَهُ، وَهَذَا إذَا أَرَادَ الْمَشَقَّةَ عَلَى نَفْسِهِ بِحَمْلِهِ عَلَى عُنُقِهِ وَتَارَةً يَحُجُّ الْمَحْلُوفُ بِهِ وَحْدَهُ إذَا أَرَادَ إحْجَاجَهُ مِنْ مَالِهِ وَتَارَةً يَحُجَّانِ جَمِيعًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَا فِي الْكَلَامِ الشَّارِحُ تَبَعًا لعبق اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ: فِيهِمَا) أَيْ فِيمَا إذَا رَضِيَ بِالْحَجِّ مَعَهُ أَوْ لَمْ يَرْضَ وَحَجَّ النَّادِرُ وَحْدَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَغَا مَا ذَكَرَ دُونَ الْمَشْيِ) أَيْ مَعَ أَنَّ الْمَسِيرَ وَالذَّهَابَ مُسَاوِيَانِ لَهُ فِي الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ مُطْلَقُ الْوُصُولِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعُرْفَ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ جَرَى عُرْفٌ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَمْ يَكُنْ لَغْوٌ قَالَهُ شَيْخُنَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ أَصْلَ الْإِلْغَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَقَدْ اعْتَبَرَهَا أَشْهَبُ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَسَحْنُونٌ وَاللَّخْمِيُّ، وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ اعْتِبَارُ الرُّكُوبِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِمَكَّةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا قَيَّدَ بِالْكَعْبَةِ لَزِمَ، وَهُوَ فَهْمُ ابْنِ يُونُسَ لِكَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ (قَوْلُهُ: وَلَغَا مُطْلَقُ الْمَشْيِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ بِانْفِرَادِهِ لَا طَاعَةَ فِيهِ، وَأَلْزَمُهُ أَشْهَبُ الْمَشْيَ لِمَكَّةَ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَكَّةَ) أَيْ فَإِنْ قَيَّدَ بِهَا لَزِمَهُ الْمَشْيُ سَوَاءٌ نَوَى صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ اعْتِكَافًا أَوْ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا بَلْ نَوَى مُطْلَقَ الْمَشْيِ لِمَكَّةَ (قَوْلُهُ: وَمَشْيٌ لِمَسْجِدٍ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ لِمَسْجِدٍ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لِاعْتِكَافٍ أَوْ صَلَاةٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ لِذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَيَفْعَلُ تِلْكَ الْعِبَادَةَ بِمَحَلِّهِ لِخَبَرِ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي