الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(إنْ أَضَرَّ) الصَّوْمُ (بِهِ فِي عَمَلِهِ) لِلسَّيِّدِ لِإِدْخَالِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الرُّبُعِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْمُخْتَصَرِ شَرَعَ فِي الرُّبُعِ الثَّانِي وَبَدَأَ مِنْهُ بِالذَّكَاةِ فَقَالَ دَرْسٌ
(بَابُ الذَّكَاةِ)
بِمَعْنَى التَّذْكِيَةِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ ذَبْحٌ وَنَحْرٌ، وَعَقْرٌ، وَمَا يَمُوتُ بِهِ نَحْوُ الْجَرَادِ، وَأَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (قَطْعُ مُمَيِّزٍ) تَحْقِيقًا لَا غَيْرُهُ مِنْ صَغِيرٍ، وَمَجْنُونٍ وَسَكْرَانَ (يُنَاكَحُ) أَيْ تُنْكَحُ أُنْثَاهُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى فَدَخَلَ الْكِتَابِيُّ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَلَوْ أَمَةً فَالْمُفَاعَلَةُ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا (تَمَامَ) أَيْ جَمِيعَ (الْحُلْقُومِ) ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى، وَهُوَ الْقَصَبَةُ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا النَّفَسُ فَلَوْ انْحَازَتْ الْجَوْزَةُ كُلُّهَا إلَى الْبَدَنِ لَمْ تُؤْكَلْ عَلَى الرَّاجِحِ، وَذَهَبَ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ إلَى جَوَازِ أَكْلِهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَقَطْعُ الْحُلْقُومِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُمْ كَذَا قِيلَ لَكِنَّ الْمَوْجُودَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ فَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْجَوْزَةِ مَعَ الرَّأْسِ قَدْرُ حَلْقَةِ الْخَاتَمِ أُكِلَتْ قَطْعًا وَلَوْ بَقِيَ قَدْرُ نِصْفِ الدَّائِرَةِ بِأَنْ كَانَ الْمُنْحَازُ إلَى الرَّأْسِ مِثْلَ الْقَوْسِ، جَرَى عَلَى قَوْلِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ فِي الِاكْتِفَاءِ بِنِصْفِ الْحُلْقُومِ، وَعَدَمِهِ (وَ) قَطْعُ جَمِيعِ (الْوَدَجَيْنِ) ، وَهُمَا عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ يَتَّصِلُ بِهِمَا أَكْثَرُ عُرُوقِ الْبَدَنِ، وَيَتَّصِلَانِ بِالدِّمَاغِ فَلَوْ قَطَعَ أَحَدَهُمَا، وَأَبْقَى الْآخَرَ أَوْ بَعْضَهُ لَمْ تُؤْكَلْ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَطْعُ الْمَرِيءِ بِهَمْزٍ فِي آخِرِهِ وَقِيلَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ بِوَزْنِ عَلِيٍّ، وَهُوَ عِرْقٌ أَحْمَرُ تَحْتَ الْحُلْقُومِ مُتَّصِلُ بِالْفَمِ وَرَأْسِ الْمَعِدَةِ وَالْكَرِشِ يَجْرِي فِيهِ الطَّعَامُ إلَيْهَا، وَيُسَمَّى الْبُلْعُومُ وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيُّ قَطْعَهُ (مِنْ الْمُقَدَّمِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَطْعٍ فَلَا يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ مِنْ الْقَفَا، وَكَذَا إذَا لَمْ تُسَاعِدْهُ السِّكِّينُ عَلَى قَطْعِ مَا ذَكَرَهُ فَقَلَّبَهَا، وَأَدْخَلَهَا تَحْتَ الْأَوْدَاجِ، وَقَطَعَ بِهَا مَا ذُكِرَ لَمْ تُؤْكَلْ كَمَا قَالَهُ سَحْنُونٌ وَغَيْرُهُ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ لَمْ تُسَاعِدْهُ السِّكِّينُ، وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ ذَلِكَ مِنْ الْجَهَلَةِ فِي ذَبْحِ الطَّيْرِ (بِلَا رَفْعٍ) لِلْآلَةِ (قَبْلَ التَّمَامِ) فَإِنْ رَفَعَ يَدَهُ قَبْلَهُ ثُمَّ عَادَ لَمْ تُؤْكَلْ إنْ طَالَ، وَسَوَاءٌ رَفَعَ يَدَهُ اخْتِيَارًا أَوْ اضْطِرَارًا فَإِنْ عَادَ عَنْ قُرْبٍ أُكِلَتْ رَفَعَ يَدَهُ اخْتِيَارًا أَوْ اضْطِرَارًا، وَالْقُرْبُ وَالْبُعْدُ بِالْعُرْفِ فَالْقُرْبُ مِثْلُ أَنْ يَسُنَّ السِّكِّينَ أَوْ يَطْرَحَهَا وَيَأْخُذَ أُخْرَى مِنْ حِزَامِهِ أَوْ قَرَّبَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ أَنْفَذَ بَعْضَ الْمَقَاتِلِ كَأَنْ قَطَعَ بَعْضَ الْوَدَجَيْنِ أَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ أَنْفَذَ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ لَوْ تُرِكَتْ لَعَاشَتْ فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ مُطْلَقًا رَجَعَ عَنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ؛ لِأَنَّهَا ابْتِدَاءُ ذَكَاةٍ مُسْتَقِلَّةٍ حِينَئِذٍ لَكِنْ إنْ عَادَ عَنْ بُعْدٍ
ــ
[حاشية الدسوقي]
الشَّرْطِيَّةُ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ أَذِنَ إلَخْ جَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فَعَلَ كَمَا قَدَّرَ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: إنْ أَضَرَّ بِهِ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ فِي عَمَلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الذَّكَاةِ]
(بَابُ الذَّكَاةِ)(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى التَّذْكِيَةِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الذَّكَاةَ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَالْمُرَادُ الذَّكَاةُ الْمُتَحَقِّقَةُ فِي الذَّبْحِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْعَقْرَ وَالنَّحْرَ مِنْ أَفْرَادِ الذَّكَاةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ، وَخَرَجَ عَنْ قَوْلِهِ قَطْعُ الْخَنْقُ وَالنَّهْشُ فَلَا يُسَمَّى ذَبْحًا، وَقَوْلُهُ لَا غَيْرُهُ أَيْ لَا قَطْعُ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: تُنْكَحُ أُنْثَاهُ) أَيْ يَجُوزُ لَنَا نِكَاحُ أُنْثَاهُ، وَقَوْلُهُ فَدَخَلَ الْكِتَابِيُّ أَيْ وَخَرَجَ الْمَجُوسِيُّ؛ لِأَنَّ الْكِتَابِيَّ يَجُوزُ لَنَا نِكَاحُ أُنْثَاهُ بِخِلَافِ الْمَجُوسِيِّ (قَوْلُهُ: لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا) أَيْ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمَعْنَى يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ أُنْثَانَا، وَيَجُوزُ لَنَا نِكَاحُ أُنْثَاهُ، وَإِلَّا لَخَرَجَ الْكِتَابِيُّ مَعَ أَنَّ ذَبْحَهُ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ: فَلَوْ بَقِيَ إلَخْ) هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى كَلَامِ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: فِي الِاكْتِفَاءِ إلَخْ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ فَالِاكْتِفَاءُ رَاجِعٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَدَمُهُ رَاجِعٌ لِسَحْنُونٍ (قَوْلُهُ: فَلَا يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ مِنْ الْقَفَا) أَيْ، وَلَا مِنْ إحْدَى صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ؛ لِأَنَّهُ نُخِعَ قَبْلَ تَمَامِ الذَّكَاةِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ قُطِعَ النُّخَاعُ قَبْلَ تَمَامِ الذَّكَاةِ، وَالنُّخَاعُ مُخٌّ أَبْيَضُ فِي فَقَارِ الْعُنُقِ وَالظَّهْرِ، وَقَوْلُهُ فَلَا يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ مِنْ الْقَفَا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الذَّبْحُ فِي ضَوْءٍ أَوْ ظَلَامٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ لَوْ ذَبَحَ مِنْ الْقَفَا فِي ظَلَامٍ، وَظَنَّ أَنَّهُ أَصَابَ وَجْهَ الذَّبْحِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ خِلَافُ ذَلِكَ لَمْ تُؤْكَلْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي النَّوَادِرِ، وَقَوْلُهُ مِنْ الْمُقَدَّمِ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ إحْدَى صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ، وَلَا مِنْ الْمُؤَخَّرِ فَلَا يَضُرُّ انْحِرَافُ الْقَطْعِ مِنْ الْمُقَدَّمِ لِلْحُلْقُومِ حَيْثُ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ أَنَّ الذَّبْحَ مِنْ الصَّفْحَةِ كَمَا فِي بْن (قَوْلُهُ: وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ لَمْ تُسَاعِدْهُ) أَيْ بَلْ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً مَعَ كَوْنِ السِّكِّينِ حَادَّةً لَمْ تُؤْكَلْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِمُخَالَفَةِ سُنَّةِ الذَّكَاةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَادَ عَنْ قُرْبٍ أُكِلَتْ رَفَعَ يَدَهُ اخْتِيَارًا أَوْ اضْطِرَارًا) أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ رَفَعَ يَدَهُ بَعْدَ إنْفَاذِ مَقَاتِلِهَا بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَتْ لَمْ تَعِشْ، وَمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ لَمْ تَعْمَلْ فِيهِ ذَكَاةٌ هُوَ فِي مَنْفُوذِهَا بِغَيْرِ ذَكَاةٍ، وَمَا هُنَا بِذَكَاةٍ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ أَحَدُ أَقْوَالٍ خَمْسَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَرَجَّحَهُ ابْنُ سِرَاجٍ قِيَاسًا عَلَى مَنْ سَلَّمَ سَاهِيًا، وَعَادَ عَنْ قُرْبٍ، وَأَصْلَحُهَا كَمَا فِي الْمَوَّاقِ الثَّانِي قَوْلُ سَحْنُونٍ لَا تُؤْكَلُ إذَا رَفَعَ يَدَهُ قَبْلَ التَّمَامِ عَادَ عَنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ مَتَى رَفَعَ الذَّابِحُ يَدَهُ قَبْلَ التَّمَامِ لَمْ تُؤْكَلْ عَادَ لَهَا عَنْ بُعْدٍ أَوْ قُرْبٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ح، وَقِيلَ يُكْرَهُ أَكْلُهَا مُطْلَقًا عَادَ لَهَا عَنْ قُرْبٍ أَوْ عَنْ بُعْدٍ، وَقِيلَ إنْ رَفَعَ مُعْتَقِدًا التَّمَامَ لَمْ تُؤْكَلْ أَوْ مُخْتَبِرًا أُكِلَتْ، وَقِيلَ عَكْسُهُ. اهـ. بْن (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَ) أَيْ رَفَعَ اخْتِيَارًا أَوْ اضْطِرَارًا.
فَعُلِمَ أَنَّ أَقْسَامَ الْمَسْأَلَةِ ثَمَانِيَةٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ رَفْعَ يَدِهِ قَبْلَ تَمَامِ التَّذْكِيَةِ
فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَالتَّسْمِيَةِ رَفَعَ اخْتِيَارًا أَوْ اضْطِرَارًا، وَلَا يُحَدُّ الْقُرْبُ بِثَلَثِمِائَةِ بَاعٍ كَمَا قِيلَ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُوَافِقُهُ عَقْلٌ، وَلَا نَقْلٌ إذْ الثَّلَثُمِائَةِ بَاعٍ أَلْفٌ وَمِائَتَا ذِرَاعٍ؛ لِأَنَّ الْبَاعَ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ فَكَيْفَ يَسَعُ الْعَاقِلَ أَنْ يَقُولَ إنَّ هَذَا مِنْ الْقَرِيبِ بَلْ الْمِائَةُ بَاعٍ مِنْ الطُّولِ الَّذِي لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
فَإِنْ قُلْت يُحْمَلُ الْحَالُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ انْقِلَابِ الثَّوْرِ مِنْ الْجَزَّارِ مُنْطَلِقًا فِي غَايَةِ سُرْعَةِ الْجَرْيِ وَالْجَزَّارُ خَلْفَهُ كَذَلِكَ فَالزَّمَنُ حِينَئِذٍ يَسِيرٌ قُلْنَا بَطَلَ التَّحْدِيدُ بِمَا ذُكِرَ وَرَجَعَ الْأَمْرُ إلَى الْعُرْفِ تَأَمَّلْ، وَلَا تَغْتَرَّ.
(وَ) الذَّكَاةُ (فِي النَّحْرِ)(طَعْنٌ) مِنْ مُمَيِّزٍ يُنَاكَحُ (بِلَبَّةٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ بِلَا رَفْعٍ قَبْلَ التَّمَامِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ شَيْئًا مِنْ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ مُقَابِلَ الْأَرْجَحِ بِقَوْلِهِ (وَشُهِّرَ أَيْضًا) تَشْهِيرًا لَا يُسَاوِي الْأَوَّلَ (الِاكْتِفَاءُ) فِي الذَّبْحِ (بِنِصْفِ الْحُلْقُومِ، وَ) جَمِيعِ (الْوَدَجَيْنِ) فَلَوْ قَطَعَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ مَعَ تَمَامِ الْوَدَجَيْنِ لَمْ يُكْتَفَ بِهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَمَا أَنَّ مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ، وَلَمْ يَبْلُغْ التَّمَامَ، لَمْ يُكْتَفَ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْمُعْتَمَدِ وَتَصِحُّ ذَكَاةُ الْمُمَيِّزِ (وَإِنْ) كَانَ (سَامِرِيًّا) نِسْبَةٌ لِلسَّامِرَةِ فِرْقَةٌ مِنْ الْيَهُودِ (أَوْ مَجُوسِيًّا تَنَصَّرَ) أَوْ تَهَوَّدَ رَاجِعٌ لِلْمَجُوسِيِّ فَقَطْ.
(وَذَبْحُ) الْكِتَابِيِّ أَصَالَةً أَوْ انْتِقَالًا فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى يُنَاكَحُ يَعْنِي أَنَّهُ يَصِحُّ ذَبْحُهُ أَوْ نَحْرُهُ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ أَشَارَ لِأَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ (لِنَفْسِهِ) أَيْ مَا يَمْلِكُهُ لَا إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِمُسْلِمٍ فَيُكْرَهُ لَنَا أَكْلُهُ عَلَى أَرْجَحِ الْقَوْلَيْنِ الْآتِيَيْنِ وَلِثَانِيهَا بِقَوْلِهِ (مُسْتَحَلُّهُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ مَا يُحَلُّ لَهُ بِشَرْعِنَا
ــ
[حاشية الدسوقي]
إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ إنْفَاذِ شَيْءٍ مِنْ الْمَقَاتِلِ أَوْ قَبْلَ إنْفَاذِ شَيْءٍ مِنْهَا، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَعُودَ عَنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّفْعُ اخْتِيَارًا أَوْ اضْطِرَارًا فَتُؤْكَلُ فِي سِتَّةٍ مِنْهَا دُونَ اثْنَيْنِ. وَهُمَا مَا إذَا كَانَ الرَّفْعُ بَعْدَ إنْفَاذِ شَيْءٍ مِنْ الْمَقَاتِلِ، وَعَادَ عَنْ بُعْدٍ كَانَ رَفَعَهُ اخْتِيَارًا أَوْ اضْطِرَارًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الرَّاجِعُ ثَانِيًا هُوَ الْأَوَّلَ أَوْ غَيْرَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَالتَّسْمِيَةِ إنْ عَادَ عَنْ بُعْدٍ مُطْلَقًا أَوْ عَنْ قُرْبٍ، وَكَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ لِذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الطِّخِّيخِيُّ (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ) أَيْ، وَأَمَّا إنْ عَادَ عَنْ قُرْبٍ فَلَا يَحْتَاجُ لِتَجْدِيدِ النِّيَّةِ وَالتَّسْمِيَةِ إنْ كَانَ الرَّاجِعُ ثَانِيًا هُوَ الْأَوَّلَ أَمَّا إنْ كَانَ غَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِهِمَا (قَوْلُهُ: وَلَا يُحَدُّ الْقُرْبُ إلَخْ) أَيْ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ عِنْدَ عَدَمِ إنْفَاذِ الْمَقَاتِلِ وَتُؤْكَلُ فِيهِ عِنْدَ إنْفَاذِهَا، وَهَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ سَابِقًا، وَالْقُرْبُ وَالْبُعْدُ بِالْعُرْفِ (قَوْلُهُ: كَمَا قِيلَ) أَيْ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَخْذًا مِنْ فَتْوَى ابْنِ قَدَّاحٍ فِي ثَوْرٍ أَضْجَعَهُ الْجَزَّارُ وَجَرَحَهُ فَقَامَ هَارِبًا وَالْجَزَّارُ وَرَاءَهُ ثُمَّ أَضْجَعَهُ ثَانِيًا، وَكَمَّلَ ذَبْحَهُ فَأَفْتَى ابْنُ قَدَّاحٍ بِأَكْلِهِ، وَكَانَتْ مَسَافَةُ الْهُرُوبِ ثَلَثُمِائَةِ بَاعٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ فَتْوَى ابْنِ قَدَّاحٍ بِالْأَكْلِ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ تَقْتَضِي أَنَّ حَدَّ الْقُرْبِ ثَلَثُمِائَةِ بَاعٍ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِمَا قَالَ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّحْدِيدَ لَا يُوَافِقُهُ عَقْلٌ وَلَا نَقْلٌ، عَلَى أَنَّ فَتْوَى ابْنِ قَدَّاحٍ هَذِهِ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى التَّحْدِيدِ لِمَسَافَةِ الْقُرْبِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الذَّبِيحَةُ فِي تِلْكَ النَّازِلَةِ لَوْ تُرِكَتْ لَعَاشَتْ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهَا تُؤْكَلُ مُطْلَقًا عَادَ عَنْ قُرْبٍ أَوْ عَنْ بُعْدٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بَطَلَ التَّحْدِيدُ) أَيْ بَطَلَ تَحْدِيدُ الْقُرْبِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الثَّلَثِمِائَةِ بَاعٍ.
(قَوْلُهُ: وَالذَّكَاةُ فِي النَّحْرِ) أَيْ الْمُتَحَقِّقَةِ فِي النَّحْرِ مِنْ تَحْقِيقِ الْكُلِّيِّ فِي جُزْأَيْهِ (قَوْلُهُ: مِنْ مُمَيِّزٍ يُنَاكَحُ) اسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ ذِكْرِ التَّمْيِيزِ وَكَوْنُهُ يُنَاكَحُ هُنَا، لِذِكْرِهِمَا فِي الذَّبْحِ فَلَعَلَّ أَصْلَهُ طَعَنَهُ أَيْ طَعَنَ مَنْ تَقَدَّمَ فَحَذَفَ فَاعِلَ الْمَصْدَرِ اتِّكَالًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَشُهِرَ أَيْضًا إلَخْ) لَمَّا قَدَّمَ الْقَوْلَ الْمُعْتَمَدَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ، وَهُوَ مَذْهَبُ سَحْنُونٍ وَالرِّسَالَةِ أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِنِصْفِ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ (قَوْلُهُ: وَالْوَدَجَيْنِ) عَطْفٌ عَلَى نِصْفِ الْحُلْقُومِ أَيْ الِاكْتِفَاءِ بِنِصْفِ الْحُلْقُومِ وَتَمَامِ الْوَدَجَيْنِ كَذَا قَرَّرَ ابْنُ غَازِيٍّ وَتَبِعَهُ شَارِحُنَا فَجَعَلَا الْكَلَامَ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ حَكَى ابْنُ بَزِيزَةَ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ التَّشْهِيرَ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ نِصْفُ الْحُلْقُومِ فَقَطْعٌ مَعَ تَمَامِ الْوَدَجَيْنِ، وَفِي تَمَامِ الْحُلْقُومِ مَعَ نِصْفِ كُلِّ وَدَجٍ، وَفِي نِصْفِ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَأَمَّا قَطْعُ الْحُلْقُومِ مَعَ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ فَقَطْ فَلَمْ يُشْهَرْ الْأَكْلُ، وَقَدْ قَرَّرَ الشَّارِحُ بَهْرَامُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ بَزِيزَةَ فَقَالَ وَشُهِرَ الِاكْتِفَاءُ بِنِصْفِ الْحُلْقُومِ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ يَعْنِي مَعَ تَمَامِ الْوَدَجَيْنِ، وَقَوْلُهُ وَالْوَدَجَيْنِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى يَعْنِي نِصْفَ الْوَدَجَيْنِ مَعَ تَمَامِ الْحُلْقُومِ أَوْ مَعَ نِصْفِهِ، وَمِنْ هَذَا تَعْلَمُ أَنَّ مَا قَرَّرَ بِهِ الشَّارِحُ بَهْرَامُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُوَ الْأَوْلَى اُنْظُرْ بْن.
(قَوْلُهُ: أَوْ انْتِقَالًا) أَيْ كَالْمَجُوسِيِّ إذَا تَنَصَّرَ (قَوْلُهُ: فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى يُنَاكَحُ) أَيْ لَا عَلَى تَنَصَّرَ أَيْ لِإِيهَامِهِ قَصْرَ هَذِهِ الشُّرُوطِ عَلَى الْمَجُوسِيِّ مَعَ أَنَّهَا شُرُوطٌ فِي إبَاحَةِ ذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ (قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّهُ يَصِحُّ ذَبْحُهُ) أَيْ الْكِتَابِيُّ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي فَإِنْ وُجِدَتْ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ جَازَ ذَبْحُهُ أَيْ جَازَ أَكْلُ مَذْبُوحِهِ وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ لَا إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِمُسْلِمٍ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ فَإِنَّ الْكَرَاهَةَ تُجَامِعُ الصِّحَّةَ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ جَعْلُ قَوْلِهِ لِنَفْسِهِ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ (قَوْلُهُ: لَا إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِمُسْلِمٍ) أَيْ أَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ: عَلَى أَرْجَحِ الْقَوْلَيْنِ الْآتِيَيْنِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ، وَفِي ذَبْحِ كِتَابِيٍّ لِمُسْلِمٍ قَوْلَانِ، وَفِيهِ أَنَّ كَلَامَهُ هُنَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقَوْلَيْنِ الْآتِيَيْنِ بِالْكَرَاهَةِ وَالْمَنْعِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا حَلَّ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي فَإِنَّهُ حَمَلَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْجَوَازِ
لَا إنْ ذَبَحَ الْيَهُودِيُّ ذَا الظُّفُرِ فَلَا يَحِلُّ لَنَا أَكْلُهُ، الثَّالِثُ أَنْ لَا يَذْبَحُهُ لِصَنَمٍ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا فَإِنْ وُجِدَتْ الشُّرُوطَ جَازَ ذَبْحُهُ أَوْ نَحْرُهُ (وَإِنْ أَكَلَ الْمَيْتَةَ) أَيْ اسْتَحَلَّ أَكْلَهَا (إنْ لَمْ يَغِبْ) عَلَى الذَّبِيحَةِ عِنْدَ ذَبْحِهَا بِأَنْ ذَبَحَهَا بِحَضْرَةِ مُسْلِمٍ عَارِفٍ بِالذَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ.
(لَا)(صَبِيٍّ) مُمَيِّزٍ (ارْتَدَّ) أَيْ لَا تَصِحُّ ذَكَاتُهُ لِاعْتِبَارِ رِدَّتِهِ، وَعَدَمِ مُنَاكَحَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَأَوْلَى الْكَبِيرُ
(وَ) لَا (ذِبْحَ) بِكَسْرِ الذَّالِ أَيْ مَذْبُوحٍ (لِصَنَمٍ) فَلَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ بِأَنْ قَصَدَ التَّقَرُّبَ أَيْ التَّعَبُّدَ لَهُ لِكَوْنِهِ إلَهًا كَمَا يَقْصِدُ الْمُسْلِمُ التَّقَرُّبَ لِلْإِلَهِ الْحَقِّ.
(أَوْ) ذِبْحَ (غَيْرِ حِلٍّ لَهُ)(إنْ ثَبَتَ) تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِ (بِشَرْعِنَا)، وَهُوَ ذُو الظُّفُرِ فِي حَقِّ الْيَهُودِ الثَّابِتِ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146] فَيَحْرُمُ عَلَيْنَا أَكْلُ مَا ذَبَحَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَهِيَ الْإِبِلُ وَالنَّعَامُ وَالْإِوَزُّ لَا الدَّجَاجُ (وَإِلَّا) يَثْبُتُ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمْ بِشَرْعِنَا بَلْ هُمْ الَّذِينَ أَخْبَرُونَا بِأَنَّ هَذَا الْحَيَوَانَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ فِي شَرْعِهِمْ (كُرِهَ) أَكْلُهُ لَنَا وَشِرَاؤُهُ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَفْسَخْ (كَجِزَارَتِهِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ جَعْلِهِ جَزَّارًا فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي الْبُيُوتِ فَيُكْرَهُ، وَكَذَا بَيْعُهُ فِي الْأَسْوَاقِ لِعَدَمِ نُصْحِهِ.
(وَ) كُرِهَ لَنَا (بَيْعُ) الطَّعَامِ أَوْ غَيْرِهِ كَثِيَابٍ (وَإِجَارَةُ) الدَّوَابِّ وَسَفِينَةٍ وَغَيْرِهَا (لِعِيدِهِ) أَيْ الْكَافِرِ، وَكَعِيدِهِ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ كُلِّ مَا يَعْظُمُ بِهِ شَأْنُهُ.
(وَ) كُرِهَ لَنَا (شِرَاءُ ذِبْحِهِ) أَيْ مَا ذَبَحَهُ لِنَفْسِهِ مِمَّا يُبَاحُ لَهُ أَكْلُهُ عِنْدَنَا بِخِلَافِ مَا ذَبَحَهُ لِغَيْرِهِ مِمَّا يَحِلُّ ذَبْحُهُ لَهُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَالْمَنْعِ نَعَمْ كُلٌّ مِنْ الْحِلَّيْنِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ: لَا إنْ ذَبَحَ الْيَهُودِيُّ إلَخْ) ، وَأَمَّا لَوْ ذَبَحَهُ نَصْرَانِيٌّ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَنَا أَكْلُهُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُسْتَحِلُّهُ خَاصٌّ بِالْيَهُودِيِّ، وَالشَّرْطُ الَّذِي قَبْلَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: لِنَفْسِهِ، وَمَا يَأْتِي مِنْ عَدَمِ الذَّبْحِ لِلصَّنَمِ عَامٌّ فِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَغِبْ عَلَى الذَّبِيحَةِ) أَيْ فَإِنْ غَابَ عَلَيْهَا لَمْ تُؤْكَلْ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ ابْنُ رَاشِدٍ الْقِيَاسُ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَسْتَحِلُّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ أَنَّهُ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَلَوْ لَمْ يَغِبْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ، وَإِذَا اسْتَحَلَّ الْمَيْتَةَ فَكَيْفَ يَنْوِي الذَّكَاةَ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ نَوَاهَا فَكَيْفَ يَصْدُقُ، وَقَبِلَهُ الْبَاجِيَّ وَابْنُ عَرَفَةَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ، وَإِنْ أَكَلُوا الْمَيْتَةَ إنْ لَمْ يَغِيبُوا عَلَيْهَا بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّ نِيَّةَ الذَّكَاةِ لَا تُشْتَرَطُ مِنْ الْكَافِرِ، وَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ عَدَمِ الْأَكْلِ مُطْلَقًا غَابُوا عَلَيْهَا أَمْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ نِيَّةَ الذَّكَاةِ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي حَقِّ كُلِّ مُذَكٍّ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ الْخِلَافُ.
(قَوْلُهُ: لَا صَبِيٍّ ارْتَدَّ) عَطْفٌ عَلَى يُنَاكَحُ أَيْ قَطْعُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ يُنَاكَحُ لَا قَطْعُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ ارْتَدَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَنَا نِكَاحُ أُنْثَاهُ أَوْ أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ قَطْعُ مُمَيِّزٍ بَاقٍ عَلَى دِينِهِ لَا قَطْعُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ ارْتَدَّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ، وَإِنْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ يُنَاكَحُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يُقْتَلُ حَالًا بِرِدَّتِهِ كَانَتْ رِدَّتُهُ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ، وَأَنَّ ذَكَاتَهُ صَحِيحَةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَعَدَمِ مُنَاكَحَتِهِ) أَيْ، وَعَدَمُ جَوَازِ نِكَاحِ أُنْثَاهُ.
(قَوْلُهُ: لِصَنَمٍ) أَرَادَ بِهِ كُلَّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ بِحَيْثُ يَشْمَلُ الصَّنَمَ وَالصَّلِيبَ وَغَيْرَهُمَا كَعِيسَى (قَوْلُهُ: بِأَنْ قَصْدَ التَّقَرُّبَ لَهُ) أَيْ، وَأَمَّا مَا ذَبَحُوهُ بِقَصْدِ أَكْلِهِمْ مِنْهُ، وَلَوْ فِي أَعْيَادِهِمْ، وَلَكِنْ سُمِّيَ عَلَيْهِ اسْمُ عِيسَى أَوْ الصَّنَمُ تَبَرُّكًا فَهَذَا يُكْرَهُ أَكْلُهُ، وَهُوَ الْآتِي فِي الْمُصَنَّفِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ ذَبْحَ أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا قَصَدُوا بِهِ التَّقَرُّبَ لِآلِهَتِهِمْ بِأَنْ ذَبَحُوهُ لِآلِهَتِهِمْ قُرْبَانًا وَتَرَكُوهُ لَهَا لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَنَا أَكْلُهُ إذْ لَيْسَ مِنْ طَعَامِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَأَمَّا مَا يَأْتِي مِنْ الْكَرَاهَةِ فِي ذَبْحٍ لِصَلِيبٍ فَالْمُرَادُ مَا ذَبَحُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ بِقَصْدِ أَكْلِهِمْ مِنْهُ، وَلَوْ فِي أَعْيَادِهِمْ لَكِنْ سَمُّوا عَلَيْهِ اسْمَ آلِهَتِهِمْ مَثَلًا تَبَرُّكًا فَهَذَا يُؤْكَلُ بِكُرْهٍ؛ لِأَنَّهُ تَنَاوَلَهُ عُمُومُ {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ بْن فَلَمْ يُعَوِّلُ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَلَا عَلَى ذِكْرِ آلِهَتِهِمْ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَشْيَاخُنَا الْمِصْرِيُّونَ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَبْحِ الْكِتَابِيِّ لِلصَّنَمِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ هُوَ الَّذِي ذُكِرَ اسْمُ الصَّنَمِ عِنْدَ ذَبْحِهِ بِأَنْ قِيلَ بِاسْمِ الصَّنَمِ مَثَلًا بَدَلَ بِسْمِ اللَّهِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ مُحَلِّلًا كَاَللَّهِ أَوْ مُتَبَرَّكًا بِهِ تَبَرُّكَ الْأُلُوهِيَّةِ، وَأَمَّا مَا ذُبِحَ لِلصَّنَمِ قَاصِدًا إهْدَاءَ ثَوَابِهِ لَهُ كَذَبْحِ الْمُسْلِمِينَ لِأَوْلِيَائِهِمْ، وَالْحَالُ أَنَّهُ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَهُوَ الْمَكْرُوهُ الْآتِي فِي قَوْلِهِ، وَذَبْحٍ لِصَلِيبٍ أَوْ عِيسَى، وَكَلَامُ شَارِحِنَا يَمِيلُ فِيمَا يَأْتِي لِمَا قَالَهُ الْمِصْرِيُّونَ، وَلَعَلَّ كَلَامَهُمْ هُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَا يَتْرُكُونَ مَا يَذْبَحُونَهُ قُرْبَانًا لِآلِهَتِهِمْ هَدَرًا بَلْ يُطْعِمُونَهُ لِفُقَرَائِهِمْ عَلَى أَنَّ كَلَامَ بْن يَقْتَضِي عَدَمَ الْأَكْلِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَوْ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ خِلَافُ عُمُومِ «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» كَمَا أَنَّهُ يَقْتَضِي الْأَكْلَ مِنْ الثَّانِي، وَلَوْ ذَكَرَ اسْمَ آلِهَتِهِمْ فَقَطْ، وَهُوَ خِلَافُ عُمُومِ {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] .
(قَوْلُهُ: وَهِيَ الْإِبِلُ) أَيْ، وَكَذَا حِمَارُ الْوَحْشِ وَالْمُرَادُ بِذِي الظُّفُرِ كُلُّ مَا كَانَ لَيْسَ بِمَشْقُوقِ الْخُفِّ، وَلَا مُنْفَرِجِ الْأَصَابِعِ فَخَرَجَ الدَّجَاجُ لِانْفِرَاجِ أَصَابِعِهَا، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: كُلُّ ذِي ظُفُرٍ أَيْ كُلُّ ذِي مِخْلَبٍ وَحَافِرٍ، وَيُسَمَّى الْحَافِرُ ظُفُرًا مَجَازًا، وَلِذَلِكَ دَخَلَتْ حُمُرُ الْوَحْشِ (قَوْلُهُ: وَشِرَاؤُهُ مِنْهُمْ) مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ كَرَاهَةِ شِرَاءِ ذَلِكَ مِنْهُمْ هُوَ الصَّوَابُ خِلَافًا لِمَا فِي خش مِنْ الْحُرْمَةِ (قَوْلُهُ: كَجِزَارَتِهِ) الضَّمِيرُ لِلْمُمَيِّزِ الَّذِي يُنَاكَحُ أَيْ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَهُ جَزَّارًا أَيْ ذَبَّاحًا يَذْبَحُ مَا يَسْتَحِلُّهُ لِيَبِيعَهُ فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: وَفِي الْبُيُوتِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى كَرَاهَةِ اسْتِنَابَتِهِ، وَقَوْلُهُ، وَكَذَا بَيْعُهُ أَيْ لِلَّحْمِ أَوْ غَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ مَا يُعَظَّمُ بِهِ شَأْنُهُ)
فَلَا يُكْرَهُ الشِّرَاءُ مِنْ الْمُسْلِمِ الْمَذْبُوحِ لَهُ.
(وَ) كُرِهَ لَنَا (تَسَلُّفُ ثَمَنِ خَمْرٍ) مِنْ كَافِرٍ بَاعَهُ أَوْ مُسْلِمٍ لَكِنَّ هَذَا أَشَدُّ كَرَاهَةً (وَ) كُرِهَ لَنَا (بَيْعُ) السِّلْعَةِ (بِهِ) أَيْ بِثَمَنِ الْخَمْرِ (لَا)(أَخْذُهُ) أَيْ ثَمَنِ الْخَمْرِ مِنْ كَافِرٍ (قَضَاءً) عَنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ أَصْلُهُ بَيْعًا.
(وَ) كُرِهَ لَنَا (شَحْمُ يَهُودِيٍّ) أَيْ أَكْلُهُ مِنْ بَقَرٍ وَغَنَمٍ ذَبَحَهُمَا لِنَفْسِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الشَّحْمُ الْخَالِصُ كَالثَّرْبِ بِمُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ شَحْمٌ رَقِيقٌ يَغْشَى الْكَرِشَ وَالْأَمْعَاءَ لَا مَا اخْتَلَطَ بِالْعَظْمِ، وَلَا الْحَوَايَا، وَهِيَ الْأَمْعَاءُ.
(وَ) كُرِهَ لَنَا (ذِبْحُ) أَيْ مَا ذَبَحَهُ النَّصْرَانِيُّ (لِصَلِيبٍ أَوْ عِيسَى) عليه السلام أَيْ لِأَجْلِ التَّقَرُّبِ بِنَفْعِهِمَا كَمَا يَقْصِدُ الْمُسْلِمُ الذَّبْحَ لِوَلِيٍّ لِلَّهِ أَيْ لِنَفْعِهِ بِالثَّوَابِ، وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَا تُشْتَرَطُ مِنْ كَافِرٍ فَلِذَا لَوْ قَصَدَ بِالصَّلِيبِ أَوْ عِيسَى التَّعَبُّدَ لَمُنِعَ كَالصَّنَمِ أَوْ النَّفْعَ لِلصَّنَمِ لَكُرِهَ، وَيُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ (وَ) كُرِهَ لَنَا (قَبُولُ مُتَصَدِّقٍ بِهِ لِذَلِكَ) أَيْ لِلصَّلِيبِ أَوْ عِيسَى وَأَوْلَى لِأَمْوَاتِهِمْ، وَكَذَا قَبُولُ مَا يَهْدُونَهُ فِي أَعْيَادِهِمْ مِنْ نَحْوِ كَعْكٍ وَبَيْضٍ.
(وَ) كُرِهَ (ذَكَاةُ خُنْثَى وَخَصِيٍّ) ، وَأَوْلَى مَجْبُوبٍ (وَفَاسِقٍ) لِنُفُورِ النَّفْسِ مِنْ فِعْلِهِمْ ذَكَّى كُلٌّ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ، وَلَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا وَالصَّبِيُّ وَالْكَافِرُ إنْ ذَبَحَ لِنَفْسِهِ مَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ بِشَرْعِنَا.
(وَفِي) حِلِّ (ذِبْحِ كِتَابِيٍّ) حَيَوَانًا مَمْلُوكًا (لِمُسْلِمٍ) ، وَكَّلَهُ عَلَى ذَبْحِهِ فَيَجُوزُ أَكْلُهَا وَعَدَمُ حِلِّهِ فَلَا يَجُوزُ (قَوْلَانِ) .
ثُمَّ ذَكَرَ النَّوْعَ الثَّالِثَ، وَهُوَ الصَّيْدُ بِقَوْلِهِ (وَجَرْحُ) شَخْصٍ (مُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى
ــ
[حاشية الدسوقي]
أَيْ مِثْلَ صَبْغِ الْبَيْضِ فِي أَيَّامِ أَعْيَادِهِمْ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يُكْرَهُ الشِّرَاءُ مِنْ الْمُسْلِمِ الْمَذْبُوحِ لَهُ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مَوْضُوعُ الْخِلَافِ الْآتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَفِي ذَبْحِ كِتَابِيٍّ لِمُسْلِمٍ قَوْلَانِ وَتَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْهُمَا الْكَرَاهَةُ.
(قَوْلُهُ: وَتَسَلُّفُ ثَمَنِ خَمْرٍ مِنْ كَافِرٍ) أَيْ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْخَمْرُ لِمُسْلِمٍ فَبَاعَهُ فَيَحْرُمُ تَسَلُّفُ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إذْ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ ثَمَنِهِ لِلْمُشْتَرِي، وَإِرَاقَتُهُ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ هَذَا) أَيْ لَكِنَّ تَسَلُّفَ هَذَا الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ لِلْمُسْلِمِ أَشَدُّ كَرَاهَةً مِمَّا إذَا كَانَ بَاعَهُ بِهِ لِكَافِرٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ أَصْلُهُ) أَيْ الدَّيْنِ، وَقَوْلُهُ بَيْعًا أَيْ مِنْ بَيْعٍ
(قَوْلُهُ: وَشَحْمُ يَهُودِيٍّ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَتَبَعَّضُ أَيْ لَا تَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ الشَّاةِ مَثَلًا دُونَ بَعْضٍ فَلَمَّا صَحَّتْ ذَكَاتُهُ فِي اللَّحْمِ شَمَلَتْ الْكُلَّ فَلَمْ يَحْرُمْ الشَّحْمُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مُذَكًّى، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ أَنَّ فِي شُحُومِ الْيَهُودِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْإِجَازَةُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْمَنْعُ، وَأَنَّهَا تَرْجِعُ لِقَوْلَيْنِ الْمَنْعُ وَالْإِجَازَةُ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ مِنْ قَبِيلِ الْإِجَازَةِ قَالَ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ سبحانه وتعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] هَلْ الْمُرَادُ بِذَلِكَ ذَبَائِحُهُمْ أَوْ مَا يَأْكُلُونَ فَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ ذَبَائِحُهُمْ أَجَازَ أَكْلَ شُحُومِهِمْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ذَبَائِحِهِمْ، وَمُحَالٌ أَنْ تَقَعَ الذَّكَاةُ عَلَى بَعْضِ الشَّاةِ دُونَ بَعْضٍ قَالَ: وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَأْكُلُونَ لَمْ يُجِزْ أَكْلَ شُحُومِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ فَلَيْسَتْ مِمَّا يَأْكُلُونَ.
(قَوْلُهُ: أَيْ لِأَجْلِ التَّقَرُّبِ بِنَفْعِهِمَا) أَيْ بِثَوَابِهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عَلَيْهِ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ بَلْ ذَكَرَ عَلَيْهِ اسْمَ اللَّهِ فَقَطْ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ عَلَيْهِ اسْمَ اللَّهِ، وَلَا غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: لِذَلِكَ) أَيْ لِأَجْلِ ذَلِكَ أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يَعُودَ ثَوَابُ الصَّدَقَةِ لِمَنْ ذَكَرَ.
(قَوْلُهُ: وَفَاسِقٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ بِالْجَارِحَةِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ أَوْ بِالِاعْتِقَادِ كَبِدْعِيٍّ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ كُفْرِهِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ ذَكَاتِهِمَا قَالَ ح هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ كَرَاهَةُ ذَبْحِهِمَا، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَصَرَّحَ فِي آخِرِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالْجَوَازِ فِيهِمَا، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ إلَخْ أَيْ بِخِلَافِ الْأَغْلَفِ فَلَا تُكْرَهُ ذَكَاتُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ح قَالَ وَحُكِيَ فِي الْبَيَانِ كَرَاهَةَ ذَكَاتِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا) مِثْلُ الْحَائِضِ النُّفَسَاءُ فِي جَوَازِ ذَبْحِهَا كَمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ (قَوْلُهُ: وَالْكَافِرُ إنْ ذَبَحَ لِنَفْسِهِ إلَخْ) أَيْ فَلَا يُكْرَهُ لَنَا أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ كَوْنُهُ جَزَّارًا فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْعُمُومِ، وَأَمَّا جَزْرُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي حِلِّ إلَخْ) عِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ، وَفِي إبَاحَةِ مَا ذَبَحُوهُ لِمُسْلِمٍ وَمَنْعِهِ قَوْلَانِ، وَعِبَارَةُ التَّوْضِيحِ فَفِي جَوَازِ أَكْلِهَا، وَمَنْعِهِ قَوْلَانِ وَجَعَلَ ابْنُ عَرَفَةَ الْكَرَاهَةَ قَوْلًا ثَالِثًا، وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصِّ ابْنِ عَرَفَةَ، وَفِي حِلِّ ذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ لِمُسْلِمٍ مَلَكَهُ بِإِذْنِهِ وَحُرْمَتِهَا ثَالِثُهَا يُكْرَهُ. اهـ. وَالرَّاجِحُ مِنْ تِلْكَ الْأَقْوَالِ بِالْكَرَاهَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ جَارٍ فِي ذَبْحِ الْكِتَابِيِّ مَا يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ بِتَمَامِهِ أَوْ جُزْءًا مِنْهُ بِأَنْ كَانَ شَرِكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِتَابِيِّ الذَّابِحِ أَمَّا ذَبْحُ الْكِتَابِيِّ لِكَافِرٍ آخَرَ، وَهُوَ مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَسْلَمَ فَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ ذَبَحَ مَا لَا يَحِلُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اُتُّفِقَ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ ذَبْحِهِ، وَإِنْ ذَبَحَ مَا يَحِلُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اُتُّفِقَ عَلَى صِحَّةِ ذَبْحِهِ فَإِنْ ذَبَحَ مَا يَحِلُّ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ حَالِ الذَّابِحِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ.
(قَوْلُهُ: مُسْلِمٌ مُمَيِّزٌ) الْمُرَادُ مُسْلِمٌ حَالَ إرْسَالِ السَّهْمِ أَوْ الْحَيَوَانِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي التَّمْيِيزِ فَإِنْ تَخَلَّفَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَعْدَ الْإِرْسَالِ، وَقَبْلَ الْوُصُولِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِمْ فِي الْجِنَايَةِ مَعْصُومًا مِنْ حِينِ الرَّمْيِ لِلْإِصَابَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَأْكُلُهُ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا أَخَفُّ أَلَا تَرَى الْخِلَافَ هُنَا فِي اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَصْلِهِ فَإِنَّ أَشْهَبَ وَابْنَ وَهْبٍ لَا يَشْتَرِطَانِ
أَيْ إدْمَاؤُهُ، وَلَوْ بِإِذْنٍ، وَلَوْ لَمْ يَنْشَقَّ الْجِلْدُ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ إدْمَاءٌ لَمْ يُؤْكَلْ، وَلَوْ شُقَّ الْجِلْدُ، وَأَمَّا صَيْدُ الْكَافِرِ وَلَوْ كِتَابِيًّا فَلَا يُؤْكَلُ أَيْ إنْ مَاتَ مِنْ جُرْحِهِ أَوْ أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ فَلَوْ جَرَحَهُ مِنْ غَيْرِ إنْفَاذِ مَقْتَلٍ ثُمَّ أُدْرِكَ فَذُكِّيَ أُكِلَ، وَلَوْ بِذَكَاةِ الْكِتَابِيِّ (مُمَيِّزٍ) لَا غَيْرُهُ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَسَكْرَانَ حَيَوَانًا (وَحْشِيًّا، وَإِنْ) كَانَ (تَأَنَّسَ) ثُمَّ تَوَحَّشَ (عَجَزَ عَنْهُ) صِفَةٌ لِوَحْشِيًّا أَيْ وَحْشِيًّا مَعْجُوزًا عَنْهُ لَا إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ (إلَّا بِعُسْرٍ) قَالَ فِيهَا مَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَثْخَنَهُ حَتَّى صَارَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْفِرَارِ ثُمَّ رَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ أَيْ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَسِيرًا مَقْدُورًا عَلَيْهِ (لَا نَعَمٍ شَرَدَ) بِالْجَرِّ أَيْ لَا جُرْحِ نَعَمٍ شَرَدَ فَحَذَفَ الْمَعْطُوفَ، وَأَبْقَى الْمُضَافَ إلَيْهِ عَلَى جَرِّهِ، وَأَرَادَ بِهِ مَا قَابَلَ الْوَحْشِيَّ فَيَشْمَلُ الْإِوَزَّ وَالْحَمَامَ الْبَيْتِيَّ فَلَا يُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ وَلَوْ تَوَحَّشَ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فَلَوْ قَالَ لَا إنْسِيٍّ لَكَانَ أَبَيْنَ (أَوْ) نَعَمٍ (تَرَدَّى) أَيْ هَلَكَ (بِكَوَّةٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا أَيْ طَاقَةٍ يَعْنِي أَنَّ الْإِنْسِيَّ إذَا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فِي حُفْرَةٍ وَنَحْوِهَا كَالطَّاقَةِ فِي الْحَائِطِ وَعَجَزَ عَنْ إخْرَاجِهِ فَلَا يُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ (بِسِلَاحٍ مُحَدَّدٍ) أَيْ بِشَيْءٍ لَهُ حَدٌّ، وَلَوْ حَجَرًا لَهُ حَدٌّ، وَعَلِمَ إصَابَتَهُ بِحَدِّهِ لَا خُصُوصَ الْحَدِيدِ لِمَا يَأْتِي مِنْ نَدْبِهِ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ نَحْوِ الْعَصَا وَالْبُنْدُقِ أَيْ الْبِرَامِ الَّذِي يُرْمَى بِالْقَوْسِ، وَأَمَّا الرَّصَاصُ فَيُؤْكَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ السِّلَاحِ كَذَا اعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ (وَحَيَوَانٍ) طَيْرًا أَوْ غَيْرِهِ (عُلِّمَ) بِالْفِعْلِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ كَالنَّمِرِ وَالْمُعَلَّمُ هُوَ الَّذِي إذَا أُرْسِلَ أَطَاعَ
ــ
[حاشية الدسوقي]
الْإِسْلَامَ (قَوْلُهُ: أَيْ إدْمَاؤُهُ، وَلَوْ بِإِذْنٍ) وَالْحَالُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ الْجُرْحِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَقَّ الْجِلْدَ إلَخْ) ، وَهَذَا إذَا كَانَ الصَّيْدُ صَحِيحًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَرِيضًا فَشَقُّ الْجِلْدِ مِنْ غَيْرِ إدْمَاءٍ كَافٍ (قَوْلُهُ: عَجَزَ عَنْهُ) أَيْ عَجَزَ عَنْ تَحْصِيلِهِ فِي كُلِّ حَالٍ إلَّا فِي حَالِ الْعُسْرِ وَالْمَشَقَّةِ (قَوْلُهُ: لَا إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ) كَمَا لَوْ أَمْسَكَ صَيْدًا بِحِبَالَةٍ مَثَلًا، وَصَارَ تَحْتَ يَدِهِ ثُمَّ رَمَاهُ آخَرُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ فَلَا يُؤْكَلُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ صَارَ أَسِيرًا مَقْدُورًا عَلَيْهِ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ كَالشَّاةِ، وَيَضْمَنُ هَذَا الَّذِي رَمَاهُ فَقَتَلَهُ لِلْأَوَّلِ قِيمَتَهُ مَجْرُوحًا (قَوْلُهُ: بِالْجَرِّ) أَيْ بِمُضَافٍ مُقَدَّرٍ بِدَلِيلِ كَلَامِهِ بَعْدُ، وَذَلِكَ الْمُضَافُ الْمُقَدَّرُ مَعْطُوفٌ عَلَى جُرْحِ مُسْلِمٍ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَبَقِيَ الْمُضَافُ إلَيْهِ عَلَى جَرِّهِ، وَيُمْكِنُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ حُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَارْتَفَعَ ارْتِفَاعَهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ (قَوْلُهُ: وَأَرَادَ بِهِ) أَيْ بِالنَّعَمِ (قَوْلُهُ: فَيَشْمَلُ الْإِوَزَّ) أَيْ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْإِبِلَ الْمُتَأَنَّسَةَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَمِيعَ الْحَيَوَانَاتِ الْمُتَأَنَّسَةِ إذَا نَدَّتْ فِيهَا فَإِنَّهَا لَا تُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ إنْ نَدَّ غَيْرُ الْبَقَرِ لَمْ يُؤْكَلْ بِالْعَقْرِ، وَإِنْ نَدَّ الْبَقَرُ جَازَ أَكْلُهُ بِالْعَقْرِ؛ لِأَنَّ الْبَقَرَ لَهَا أَصْلٌ فِي التَّوَحُّشِ تَرْجِعُ إلَيْهِ لِشَبَهِهَا بِبَقَرِ الْوَحْشِ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ.
(قَوْلُهُ: وَالْحَمَامُ الْبَيْتِيُّ) فِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ الْحَجِّ أَنَّ الْحَمَامَ كُلَّهُ صَيْدٌ وَحِينَئِذٍ إذَا تَوَحَّشَ أُكِلَ بِالْعَقْرِ بِخِلَافِ النَّعَمِ فَإِنَّهَا لَا تُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ، وَلَوْ تَوَحَّشَتْ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهَا، وَقَدْ نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ. اهـ. بْن وَرَدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَكْلِ حَمَامِ الْبُيُوتِ بِالْعَقْرِ إذَا تَوَحَّشَتْ قَوْلٌ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ صَيْدًا فِي الْحَجِّ أَنْ يَكُونَ صَيْدًا هُنَا عَمَلًا بِالْأَحْوَطِ فِي الْبَابَيْنِ فَالْحَقُّ مَعَ الشَّارِحِ تَأَمَّلْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَيَوَانَ إمَّا وَحْشِيٌّ أَصَالَةً أَوْ إنْسِيٌّ أَصَالَةً، وَكُلٌّ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ فَالْأَوَّلُ إنْ كَانَ تَوَحُّشُهُ دَائِمًا أَوْ تَأَنَّسَ ثُمَّ تَوَحَّشَ يُؤْكَلُ بِالْجَرْحِ، وَإِنْ تَأَنَّسَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى تَأَنُّسِهِ كَالنَّعَامَةِ فِي الْقُرَى لَا يُؤْكَلُ بِالْجَرْحِ بَلْ بِالذَّبْحِ، وَإِلَى الْأَوَّلَيْنِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَحْشِيًّا، وَإِنْ تَأَنَّسَ، وَإِلَى الثَّالِثِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي، وَذَبْحُ غَيْرِهِ.
النَّوْعُ الثَّانِي الْإِنْسِيُّ أَصَالَةً إنْ اسْتَمَرَّ دَائِمًا عَلَى تَأَنُّسِهِ أَوْ تَوَحَّشَ ثُمَّ تَأَنَّسَ أَوْ تَوَحَّشَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى تَوَحُّشِهِ لَا يُؤْكَلُ بِالْجَرْحِ بَلْ بِالذَّبْحِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لَا نَعَمٍ شَرَدَ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ وَلَوْ تَوَحَّشَ دَائِمًا (قَوْلُهُ: بِكُوَّةٍ) أَيْ بِسَبَبِ إدْخَالِ رَأْسِهِ فِي كُوَّةٍ، وَقَوْلُهُ هَلَكَ أَيْ أَشْرَفَ عَلَى الرَّدَى وَالْهَلَاكِ، وَقَوْلُهُ أَوْ نَعَمٍ تَرَدَّى، الْأَوْلَى أَوْ حَيَوَانٍ تَرَدَّى أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ وَحْشِيًّا أَوْ غَيْرَ وَحْشِيٍّ فَفِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَأَصْبَغَ مَا اضْطَرَّهُ الْجَارِحُ لِحُفْرَةٍ لَا خُرُوجَ مِنْهَا أَوْ انْكَسَرَتْ رِجْلُهُ فَكَنَعَمٍ أَيْ لَا يُؤْكَلُ إلَّا بِالذَّكَاةِ، وَلَا يُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ (قَوْلُهُ: فِي حُفْرَةٍ) أَيْ بِسَبَبِ وُقُوعِهِ فِي حُفْرَةٍ، وَقَوْلُهُ كَالطَّاقَةِ أَيْ يُدْخِلُ رَأْسَهُ فِيهَا، وَقَوْلُهُ فَلَا يُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ أَيْ بِالطَّعْنِ بِحَرْبَةٍ مَثَلًا فِي غَيْرِ مَحَلِّ الذَّكَاةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذَكَاتِهِ بِالذَّبْحِ أَوْ النَّحْرِ إنْ كَانَ مِمَّا يُنْحَرُ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ أَكْلِ الْمُتَرَدِّي بِالْعَقْرِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُؤْكَلُ الْحَيَوَانُ الْمُتَرَدِّي الْمَعْجُوزُ عَنْ ذَكَاتِهِ مُطْلَقًا بَقَرًا أَوْ غَيْرَهُ بِالْعَقْرِ
صِيَانَةً لِلْأَمْوَالِ
(قَوْلُهُ: بِسِلَاحٍ مُحَدَّدٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَجُرْحُ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ: عَنْ نَحْوِ الْعَصَا وَالْبُنْدُقِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْرَحُ، وَإِنَّمَا يَرَضُّ، وَيَكْسِرُ (قَوْلُهُ: فَيُؤْكَلُ بِهِ) أَيْ فَيُؤْكَلُ مَا صِيدَ بِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ السِّلَاحِ) أَيْ فِي إنْهَارِ الدَّمِ وَالْإِجْهَازِ بِسُرْعَةِ الَّذِي شُرِعَتْ الذَّكَاةُ مِنْ أَجْلِهِ.
(قَوْلُهُ: كَذَا اعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ) الْحَاصِلُ أَنَّ الصَّيْدَ بِبُنْدُقِ الرَّصَاصِ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ نَصٌّ لِلْمُتَقَدِّمِينَ لِحُدُوثِ الرَّمْيِ بِهِ بِحُدُوثِ الْبَارُودِ فِي وَسَطِ الْمِائَةِ الثَّامِنَةِ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْمَنْعِ قِيَاسًا عَلَى بُنْدُقِ الطِّينِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ كَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقُورِيِّ وَابْنِ غَازِيٍّ وَالشَّيْخُ الْمَنْجُورُ وَسَيِّدِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْفَاسِيُّ وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ الْفَاسِيُّ
وَإِذَا زُجِرَ انْزَجَرَ (بِإِرْسَالٍ) لَهُ (مِنْ يَدِهِ) مَعَ نِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ فَلَوْ كَانَ مَفْلُوتًا فَأَرْسَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ، وَلَوْ كَانَ لَا يَذْهَبُ إلَّا بِإِرْسَالِهِ، وَيَدُ خَادِمِهِ كَيَدِهِ، وَكَفَتْ نِيَّةُ الْآمِرِ وَتَسْمِيَتُهُ وَحْدَهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ يَدَ غُلَامِهِ كَيَدِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ مُسْلِمًا فِيمَا يَظْهَرُ (بِلَا ظُهُورِ تَرْكٍ) مِنْ الْجَارِحِ قَبْلَ الْوُصُولِ فَإِنْ اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ قَبْلَهُ ثُمَّ انْطَلَقَ فَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا بِذَكَاةٍ (وَلَوْ تَعَدَّدَ مَصْيَدُهُ) أَيْ الْجَارِحُ إنْ نَوَى الصَّائِدُ الْجَمِيعَ فَلَوْ صَادَ شَيْئًا لَمْ يَنْوِهِ الصَّائِدُ
لَمْ يُؤْكَلْ بِصَيْدِهِ.
(أَوْ) ، وَلَوْ (أَكَلَ) الْجَارِحُ شَيْئًا مِنْ الصَّيْدِ، وَلَوْ جُلَّهُ.
(أَوْ) وَلَوْ (لَمْ يَرَ) أَيْ يَعْلَمْ الصَّيْدَ (بِغَارٍ) نَقْبٌ فِي الْجَبَلِ (أَوْ غَيْضَةٍ) شَجَرٍ مُلْتَفٍّ تُسَمَّى أَجَمَةً فَأَوْلَى إنْ عَلِمَ بِهِ فِيهِمَا تَنْزِيلًا لِلْغَالِبِ مَنْزِلَةَ الْمَعْلُومِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمَا مَنْفَذٌ آخَرُ، وَإِلَّا كَانَ مِنْ إفْرَادِ قَوْلِهِ أَوْ قَصْدِ مَا وُجِدَ.
ــ
[حاشية الدسوقي]
لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِنْهَارِ وَالْإِجْهَازِ بِسُرْعَةِ الَّذِي شُرِعَتْ الذَّكَاةُ لِأَجْلِهِ، وَقِيَاسُهُ عَلَى بُنْدُقِ الطِّينِ فَاسِدٌ لِوُجُودِ الْفَارِقِ، وَهُوَ وُجُودُ الْخَرْقِ وَالنُّفُوذِ فِي الرَّصَاصِ تَحْقِيقًا، وَعَدِمَ ذَلِكَ فِي بُنْدُقِ الطِّينِ، وَإِنَّمَا شَأْنُهُ الرَّضُّ وَالْكَسْرُ، وَمَا كَانَ هَذَا شَأْنُهُ لَا يُسْتَعْمَلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَقْذِ الْمُحَرَّمِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. اهـ. بْن ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْعَصَا وَبُنْدُقِ الطِّينِ إذَا لَمْ يُؤْخَذْ الصَّيْدُ حَيًّا غَيْرَ مَنْفُوذِ مَقْتَلٍ، وَيُذَكَّى، وَيُسَمَّى ثَانِيًا عِنْدَ ذَكَاتِهِ، وَإِلَّا أَكَلَ فَإِذَا نَفَذَ مَقْتَلٌ مِنْ مَقَاتِلِهِ لَمْ يُؤْكَلْ عِنْدَنَا، وَلَوْ أُدْرِكَ حَيًّا وَذُكِّيَ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَا أُدْرِكَ حَيًّا، وَلَوْ مَنْفُوذَ جَمِيعِ الْمَقَاتِلِ، وَذُكِّيَ يُؤْكَلُ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي أَنَّ مَا مَاتَ بِهِ لَا يُؤْكَلُ، وَفِي أَنَّ مَا لَمْ يَنْفُذْ بِسَبَبِهِ مَقْتَلٌ مِنْ مَقَاتِلِهِ، وَأُدْرِكَ حَيًّا، وَذُكِّيَ يُؤْكَلُ فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِذَا زَجَرَ انْزَجَرَ) هَذَا الشَّرْطُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْبَازِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ بَلْ رَجَّحَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ اعْتِبَارِ الِانْزِجَارِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْجَارِحَ لَا يَرْجِعُ بَعْدَ اسْتِيلَائِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ عِصْيَانَ الْمُعَلَّمِ مَرَّةً لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا كَمَا لَا يَكُونُ مُعَلَّمًا بِإِطَاعَتِهِ مَرَّةً بَلْ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ (قَوْلُهُ: بِإِرْسَالٍ لَهُ مِنْ يَدِهِ إلَخْ) الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ أَوْ حَيَوَانٌ إنْ عَلِمَ مُتَلَبِّسٌ بِإِرْسَالٍ مِنْ يَدِهِ أَيْ مِنْ يَدِ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ وَالْمُرَادُ بِالْيَدِ حَقِيقَتُهَا، وَمِثْلُهَا إرْسَالُهُ مِنْ حِزَامِهِ أَوْ مِنْ تَحْتِ قَدَمِهِ لَا الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ أَوْ الْمِلْكُ فَقَطْ ثُمَّ إنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِرْسَالِ مِنْ يَدِهِ وَنَحْوِهَا، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَفْلُوتًا فَأَرْسَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ، وَكَانَ يَقُولُ أَوْ لَا يُؤْكَلُ، وَلَوْ أَرْسَلَهُ مِنْ غَيْرِ يَدِهِ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاخْتَارَ غَيْرُ وَاحِدٍ كَاللَّخْمِيِّ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَهُ ابْنُ نَاجِيٍّ، وَكَانَ حَقُّ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَهُ لِقُوَّتِهِ. اهـ.
بْن (قَوْلُهُ: وَكَفَتْ نِيَّةُ الْآمِرِ) أَيْ سَيِّدِ الْغُلَامِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ مُسْلِمًا) أَيْ؛ لِأَنَّ النَّاوِيَ الْمُسَمِّيَ هُوَ سَيِّدُهُ فَالْإِرْسَالُ مِنْهُ حُكْمًا (قَوْلُهُ: بِلَا ظُهُورِ تَرْكٍ) الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ مُلْتَبِسٌ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ بِعَدَمِ ظُهُورِ التَّرْكِ مِنْهُ لِمَا أُرْسِلَ عَلَيْهِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُنْبَعِثًا مِنْ حِينِ الْإِرْسَالِ إلَى حِينِ أَخْذِهِ الصَّيْدَ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ أَكْلِ الصَّيْدِ إذَا قَتَلَهُ الْجَارِحُ أَنْ يَكُونَ مُنْبَعِثًا مِنْ حِينِ الْإِرْسَالِ إلَى حِينِ أَخْذِ الصَّيْدِ فَلَوْ ظَهَرَ فِيهِ تَشَاغُلٌ بِغَيْرِ الصَّيْدِ ثُمَّ انْبَعَثَ ثَانِيًا فَلَا يُؤْكَلُ وَظَاهِرُهُ كَالْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ التَّشَاغُلِ، وَكَثِيرِهِ وَرَأْيُ اللَّخْمِيِّ أَنَّ قَلِيلَ التَّشَاغُلِ لَا يَضُرُّ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْوُصُولِ) أَيْ لِلصَّيْدِ (قَوْلُهُ: بِشَيْءٍ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَعَدَّدَ مَصِيدُهُ) مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ وَحْشِيًّا أَيْ هَذَا إذَا كَانَ الْمَصِيدُ الْوَحْشِيُّ وَاحِدًا بَلْ، وَلَوْ تَعَدَّدَ ذَلِكَ الْمَصِيدُ أَيْ إنْ نَوَى الْجَمِيعَ كَذَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يُؤْكَلُ إلَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِلَوْ قَالَ عج فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي وَاحِدٍ، وَلَا فِي الْجَمِيعِ لَمْ يُؤْكَلْ شَيْءٌ، وَقَالَ جَدّ عج يُؤْكَلُ جَمِيعُ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ أَيْضًا فَأَدْخَلَهَا فِي تَصْوِيرِ الْمُصَنِّفِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَمَحَلُّ قَوْلِهِ الْآتِي أَوْ قَصْدُ مَا وُجِدَ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ وَالْمَوْضُوعُ هُنَا تَحَقُّقُهَا فَلَوْ نَوَى وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا إيَّاهُ، وَإِنْ عَرَفَ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا الْأَوَّلُ أَيْضًا فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ، وَلَوْ شَكَّ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ. اهـ. بْن (قَوْلُهُ: فَلَوْ صَادَ شَيْئًا لَمْ يَنْوِهِ) أَيْ بِأَنْ نَوَى مُعَيَّنًا فَأَتَى بِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لَمْ يُؤْكَلْ بِصَيْدِهِ) أَيْ، وَإِنَّمَا يُؤْكَلُ بِذَكَاةٍ
(قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَرَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ بَازَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى غَارٍ أَوْ غَيْضَةٍ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِيهَا صَيْدًا وَنَوَى ذَكَاةَ مَا وَجَدَهُ فِيهَا فَدَخَلَ ذَلِكَ الْكَلْبُ أَوْ الْبَازُ الْغَارَ أَوْ الْغَيْضَةَ فَوَجَدَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ تَنْزِيلًا لِلْغَالِبِ مَنْزِلَةَ الْمَعْلُومِ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا عَلِمَ أَنَّ فِي الْغَارِ أَوْ الْغَيْضَةِ صَيْدًا، وَلَمْ يَرَهُ بِبَصَرِهِ، وَمَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ عِلْمُهُ وَإِبْصَارُهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَالْمُبَالَغُ عَلَيْهِ انْتِفَاؤُهُمَا فَالْمَعْنَى إذَا كَانَ الصَّائِدُ الَّذِي هُوَ الْمُسْلِمُ الْمُمَيِّزُ عَالِمًا بِالصَّيْدِ وَرَآهُ أَوْ عَلِمَ بِهِ بِدُونِ رُؤْيَةٍ بِأَنْ أَخْبَرَهُ بِهِ مُخْبِرٌ، بَلْ وَلَوْ انْتَفَى كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ حَالَةَ كَوْنِهِ بِغَارٍ أَوْ غَيْضَةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِيهِ شَيْئًا لَكِنْ نَوَى إنْ أَتَى مِنْهُ بِشَيْءٍ فَهُوَ مُذَكًّى فَأَرْسَلَ الْجَارِحُ فَوَجَدَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ، وَمَحَلُّ جَوَازِ أَكْلِ الصَّيْدِ فِي حَالَتَيْ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْغَارِ أَوْ لِلْغَيْضَةِ مَنْفَذٌ آخَرُ
(أَوْ لَمْ يَظُنَّ نَوْعَهُ) أَيْ لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهُ أَيَّ نَوْعٍ هُوَ (مِنْ) أَنْوَاعِ (الْمُبَاحِ) بِأَنْ شَكَّ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُبَاحِ فَإِنْ تَرَدَّدَ هَلْ هُوَ مُبَاحٌ كَظَبْيٍ أَوْ حَرَامٌ كَخِنْزِيرٍ فَصَادَهُ فَإِذَا هُوَ مُبَاحٌ لَمْ يُؤْكَلْ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا
(أَوْ) أَرْسَلَهُ عَلَى مُعَيَّنٍ ظَنَّهُ ظَبْيًا ثُمَّ (ظَهَرَ خِلَافَهُ) مِنْ الْمُبَاحِ كَبَقَرٍ فَيُؤْكَلُ (لَا إنْ ظَنَّهُ) حَالَ الْإِرْسَالِ أَوْ شَكَّ أَوْ تَوَهَّمَهُ (حَرَامًا) كَخِنْزِيرٍ فَإِذَا هُوَ حَلَالٌ فَلَا يُؤْكَلُ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ (أَوْ)(أَخَذَ) الْجَارِحُ أَوْ السَّهْمُ (غَيْرَ مُرْسَلٍ عَلَيْهِ) تَحْقِيقًا أَوْ شَكًّا.
(أَوْ)(لَمْ يَتَحَقَّقْ) صَائِدُهُ أَوْ غَيْرُهُ (الْمُبِيحَ) لِأَكْلِهِ (فِي) حَالِ (شَرِكَةِ غَيْرٍ) أَيْ غَيْرِ الْمُبِيحِ لِلْمُبِيحِ فِي قَتْلِهِ فَلَا يُؤْكَلُ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْمُحَرِّمِ، وَمَثَّلَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ (كَمَاءٍ) أَيْ كَشَرِكَةِ مَاءٍ بِأَنْ جَرَحَهُ الْمُسْلِمُ الْمُمَيِّزُ فَتَحَامَلَ الصَّيْدُ وَوَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ رَمَاهُ، وَهُوَ فِي الْمَاءِ فَمَاتَ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ هَلْ هُوَ الْجُرْحُ أَوْ الْمَاءُ (أَوْ) شَرِكَةِ سُمٍّ فِي (ضَرْبٍ) لَهُ (بِمَسْمُومٍ) أَيْ بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ وَلَمْ يَنْفُذْ مَقْتَلُهُ بِالسَّهْمِ فَمَاتَ قَبْلَ ذَكَاتِهِ (أَوْ) شَرِكَةِ (كَلْبٍ مَجُوسِيٍّ) لِكَلْبِ الْمُسْلِمِ، وَمِثْلُ الْكَلْبِ السَّهْمُ وَلَوْ قَالَ كَافِرٌ بَدَلَ مَجُوسِيٍّ كَانَ أَحْسَنَ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ كَلْبَ الْمُسْلِمِ هُوَ الَّذِي أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ أَوَّلًا أَكَلَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (أَوْ) شَرِكَةُ نَهْشِ جَارِحٍ لِلذَّكَاةِ (بِنَهْشِهِ) أَيْ الْجَارِحِ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى عِنْدَ (مَا) أَيْ صَيْدًا (قَدَرَ) الصَّائِدُ (عَلَى خَلَاصِهِ) أَيْ خَلَاصِ الصَّيْدِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْجَارِحِ فَتَرَكَ تَخْلِيصَهُ مِنْهُ حَتَّى مَاتَ فَلَا يُؤْكَلُ (أَوْ أَغْرَى) الصَّائِدُ جَارِحَهُ بَعْدَ انْبِعَاثِهِ بِنَفْسِهِ (فِي الْوَسَطِ) أَيْ أَثْنَاءَ إطْلَاقِهِ بَلْ، وَلَوْ أَغْرَاهُ ابْتِدَاءً حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ، وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ عُطِفَ عَلَى ظَنِّهِ فَلَيْسَ مِنْ أَمْثِلَةِ الشَّرِكَةِ لَا مَصْدَرٌ مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى مَاءٍ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَمْثِلَةِ الشَّرِكَةِ (أَوْ)(تَرَاخَى) الصَّائِدُ (فِي اتِّبَاعِهِ) أَيْ اتِّبَاعِ الْجَارِحِ بَعْدَ إرْسَالِهِ حَتَّى وَجَدَهُ مَيْتًا فَلَا يُؤْكَلُ لِاحْتِمَالِ إدْرَاكِ ذَكَاتِهِ لَوْ جَدَّ (إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ) إنْ جَدَّ (لَا يَلْحَقُهُ) حَيًّا (أَوْ حَمَلَ الْآلَةَ) لِلذَّبْحِ (مَعَ غَيْرٍ) ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْبِقُ ذَلِكَ الْغَيْرَ (أَوْ) وَضَعَهَا (بِخَرْجٍ) وَنَحْوِهِ مِمَّا يَسْتَدْعِي طُولًا فَمَاتَ بِنَفْسِهِ بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ أَوْ حِزَامِهِ لَأَدْرَكَهُ (أَوْ)(بَاتَ) الصَّيْدُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَإِلَّا لَمْ يُؤْكَلْ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الصَّيْدِ مَيْتَا.
(قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَظُنَّ إلَخْ) صُورَتُهُ أَرْسَلَ جَارِحَهُ أَوْ سَهْمَهُ عَلَى صَيْدٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُبَاحٌ، وَلَكِنْ لَمْ يَظُنَّ نَوْعَهُ أَيْ لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهُ أَيُّ نَوْعٍ هُوَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُبَاحِ بِأَنْ شَكَّ فِيهِ وَتَرَدَّدَ هَلْ هُوَ بَقَرُ وَحْشٍ أَوْ حِمَارُهُ فَإِنْ أَخَذَ الْجَارِحُ صَيْدًا، وَقَتَلَهُ جَازَ أَكْلُهُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ أَكْلِ الصَّيْدِ الْعِلْمُ بِنَوْعِهِ حِينَ الْإِرْسَالِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ شَكَّ) أَيْ فِي أَنَّ الصَّيْدَ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُبَاحِ أَيْ الَّتِي لَا تُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ كَمَا إذَا جَزَمَ بِأَنَّهُ مُبَاحٌ وَتَرَدَّدَ فِي كَوْنِهِ حِمَارَ وَحْشٍ أَوْ بَقَرَ وَحْشٍ أَوْ ظَبْيًا فَأَرْسَلَ الْجَارِحَ فَقَتَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ حَيْثُ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُبَاحِ الَّتِي تُؤْكَلُ بِالْعَقْرِ فَإِنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ مُبَاحٌ، وَتَرَدَّدَ هَلْ هُوَ نَعَمٌ أَوْ حِمَارُ وَحْشٍ أَوْ غَزَالٌ لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُبَاحُ بِالْعَقْرِ (قَوْلُهُ: لَمْ يُؤْكَلْ) أَيْ مَا لَمْ يُدْرِكْ مَا ظَنَّهُ حَرَامًا غَيْرَ مَنْفُوذِ الْمَقَاتِلِ، وَيُذَكِّيهِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ حَلَالٌ، وَإِلَّا أَكَلَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدْرَكَهُ غَيْرَ مَنْفُوذِ الْمَقَاتِلِ مَعَ اعْتِقَادِ حُرْمَتِهِ، وَأَنَّ الذَّكَاةَ تَعْمَلُ فِي مُحَرَّمِ الْأَكْلِ فَلَمَّا ذَكَّاهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَلَالٌ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ.
(قَوْلُهُ: لَا إنْ ظَنَّهُ حَرَامًا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَلَوْ تَعَدَّدَ مَصِيدُهُ، وَمِثْلُ ظَنِّهِ حَرَامًا ظَنُّهُ حَجَرًا أَوْ خَشَبَةً (قَوْلُهُ: أَوْ أَخَذَ الْجَارِحُ أَوْ السَّهْمُ غَيْرَ مُرْسَلٍ عَلَيْهِ تَحْقِيقًا) بِأَنْ صَادَ مَا نَوَاهُ، وَمَا لَمْ يَنْوِهِ أَوْ مَا لَمْ يَنْوِهِ فَقَطْ تَحْقِيقًا، وَقَوْلُهُ أَوْ شَكَّ كَمَا لَوْ نَوَى وَاحِدًا مُعَيَّنًا مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّيْدِ ثُمَّ بَعْدَ وُقُوعِهِ مَيِّتًا شَكَّ فِي أَنَّهُ هَلْ هَذَا هُوَ الَّذِي نَوَاهُ أَوْ غَيْرُهُ.
(قَوْلُهُ: فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ هَلْ هُوَ الْجُرْحُ أَوْ الْمَاءُ) مَحَلُّ عَدَمِ الْأَكْلِ حَيْثُ لَمْ يَنْفُذْ شَيْءٌ مِنْ الْمَقَاتِلِ، وَأَمَّا إذَا نَفَذَتْ مَقَاتِلُهُ ثُمَّ شَارَكَ الْمُبِيحَ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ (قَوْلُهُ: فَمَاتَ قَبْلَ ذَكَاتِهِ) أَيْ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ هَلْ مَاتَ مِنْ الْجُرْحِ أَوْ السُّمِّ (قَوْلُهُ: أَوْ شَرِكَةِ كَلْبٍ مَجُوسِيٍّ) أَيْ كَلْبٍ أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ، وَقَوْلُهُ لِكَلْبِ الْمُسْلِمِ أَيْ لِلْكَلْبِ الَّذِي أَرْسَلَهُ الْمُسْلِمُ كَانَ مِلْكًا لَهُ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: كَانَ أَحْسَنَ) أَيْ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِمَجُوسِيٍّ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُؤْكَلُ إذَا شَارَكَ كَلْبُ الْكِتَابِيِّ كَلْبَ الْمُسْلِمِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَوْ شَرِكَةِ نَهْشٍ) أَيْ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ إنْ شَارَكَ نَهْش الْجَارِحِ الذَّكَاةَ كَمَا لَوْ نَهَشَ الْجَارِحُ صَيْدًا قَدَرَ الصَّائِدُ عَلَى خَلَاصِهِ مِنْهُ فَتَرَكَ تَخْلِيصَهُ مِنْهُ حَتَّى مَاتَ، وَالْحَالُ أَنَّهُ جَرَحَهُ أَوَّلًا قَبْلَ النَّهْشِ، وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ مَاتَ مِنْ نَهْشِهِ لَهُ بَعْدَ الْجُرْحِ أَوْ لَا أَوْ مَاتَ مِنْ الْجُرْحِ الَّذِي حَصَلَتْ لَهُ بِهِ الذَّكَاةُ أَوْ لَا؟ . وَكَذَا لَوْ ذَبَحَهُ فِي حَالِ نَهْشِ الْجَارِحِ لَهُ، وَالْحَالُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى خَلَاصِ الصَّيْدِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ إذَا ذَكَّاهُ، وَهُوَ مُجْتَمَعُ الْحَيَاةِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى خَلَاصِهِ مِنْ الْجَارِحِ حَتَّى مَاتَ مِنْ نَهْشِهِ أُكِلَ إنْ كَانَ الْجَارِحُ قَدْ جَرَحَهُ.
(قَوْلُهُ: بِنَهْشِهِ) أَيْ، وَذَلِكَ عِنْدَ نَهْشِ الْجَارِحِ صَيْدًا قَدَرَ إلَخْ (قَوْلُهُ: عُطِفَ عَلَى ظَنِّهِ إلَخْ) أَيْ فَالْمَعْنَى لَا إنْ ظَنَّهُ حَرَامًا، وَلَا إنْ أَغْرَى الصَّائِدُ جَارِحَهُ فِي الْوَسَطِ أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ سَوَاءٌ زَادَهُ الْإِغْرَاءُ قُوَّةً وَاسْتِيلَاءً أَمْ لَا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي حِلِّ الصَّيْدِ مِنْ إرْسَالِ الصَّائِدِ الْجَارِحَ مِنْ يَدِهِ إمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ، وَلَوْ أَرْسَلَهُ مِنْ غَيْرِ يَدِهِ أَوْ أَغْرَاهُ فِي الْوَسَطِ بَعْدَ انْبِعَاثِهِ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: مِمَّا يَسْتَدْعِي طُولًا) أَيْ فِي إخْرَاجِهَا مِنْهُ (قَوْلُهُ: حَتَّى وَجَدَهُ مَيْتًا) ظَاهِرُهُ، وَلَوْ وَجَدَ السَّهْمَ فِي مَقَاتِلِهِ، وَقَدْ أَنْفَذَهَا، وَهُوَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ غَوْصِ السَّهْمِ فِي الْمَقَاتِلِ بِحَرَكَاتِ الصَّيْدِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا أَنْفَذَ السَّهْمُ مَقَاتِلَهُ وَإِنْ بَاتَ قَالَهُ أَصْبَغُ قَالَ
ثُمَّ وَجَدَهُ مِنْ الْغَدِ مَيْتًا لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْهَوَامِّ مَثَلًا (أَوْ)(صَدَمَ أَوْ عَضَّ) الْجَارِحُ الصَّيْدَ (بِلَا جُرْحٍ) فِيهِمَا أَيْ بِلَا إدْمَاءٍ، وَلَوْ مَعَ شَقٍّ لِجِلْدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّيْدُ مَرِيضًا فَشَقَّ جِلْدَهُ، وَلَمْ يَنْزِلْ مِنْهُ دَمٌ فَيَكْفِي (أَوْ) أَرْسَلَهُ عَلَى غَيْر مَرْئِي، وَلَيْسَ الْمَكَانُ مَحْصُورًا أَوْ (قَصَدَ مَا وَجَدَ) جَارِحُهُ أَوْ سَهْمُهُ فِي طَرِيقِهِ (أَوْ) أَرْسَلَ جَارِحًا فَمَسَكَ الصَّيْدَ ثُمَّ (أَرْسَلَ) جَارِحًا (ثَانِيًا بَعْدَ مَسْكٍ أَوَّلٍ) لِلصَّيْدِ (وَقَتَلَ) الثَّانِي أَوْ قَتَلَا جَمِيعًا فَلَا يُؤْكَلُ لِلشَّكِّ فِي الْمُبِيحِ (أَوْ)(اضْطَرَبَ) الْجَارِحُ (فَأَرْسَلَ) الصَّائِدُ جَارِحَهُ عَلَيْهِ (وَلَمْ يُرَ) الصَّيْدُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَلَيْسَ الْمَكَانُ مَحْصُورًا مِنْ غَارٍ أَوْ غَيْضَةٍ فَصَادَ شَيْئًا لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمُضْطَرِبِ عَلَيْهِ وَصَيْدُهُ غَيْرُ مَنْوِيٍّ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُضْطَرَبَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ الْمُضْطَرَبَ عَلَيْهِ (وَغَيْرَهُ فَتَأْوِيلَانِ) بِالْأَكْلِ إذْ صَيْدُهُ مَنْوِيٌّ حِينَئِذٍ، وَعَدَمُهُ إذْ شَرْطُهُ الرُّؤْيَةُ أَوْ انْحِصَارُ الْمَكَانِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
(وَوَجَبَ) فِي الذَّكَاةِ بِأَنْوَاعِهَا (نِيَّتُهَا) أَيْ قَصْدُهَا، وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْ حِلِّيَّةٌ الْأَكْلِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ ضَرَبَ حَيَوَانًا بِآلَةٍ فَأَصَابَتْ مَنْحَرَهُ أَوْ أَصَابَتْ صَيْدًا أَوْ قَصَدَا مُجَرَّدَ إزْهَاقِ رُوحِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ تَذْكِيَةٍ لَمْ يُؤْكَلْ (وَتَسْمِيَةٌ) عِنْدَ التَّذْكِيَةِ وَعِنْدَ الْإِرْسَالِ فِي الْعَقْرِ (إنْ ذَكَرَ) ، وَقَدَرَ فَلَا تَجِبُ عَلَى نَاسٍ، وَلَا أَخْرَسَ، وَلَا مُكْرَهَ فَالشَّرْطُ رَاجِعٌ لِلتَّسْمِيَةِ فَقَطْ وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِهَا إنْ كَانَ الْمُذَكِّي مُسْلِمًا، وَأَمَّا النِّيَّةُ أَيْ قَصْدُ الْفِعْلِ لِتُؤْكَلَ لَا قَتْلُهَا أَيْ مُجَرَّدُ إزْهَاقِ رُوحِهَا
ــ
[حاشية الدسوقي]
لِأَنَّهُ أَمِنَ عَلَيْهِ مِمَّا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ بِسَبَبِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ السَّهْمِ قَالَ: وَلَمْ نَجِدْ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذِهِ عَنْ مَالِكٍ ذِكْرًا فِي كِتَابِ السَّمَاعِ، وَلَا رَوَاهَا عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَمْ نَشُكَّ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ وَهِمَ فِيهَا ابْنُ الْمَوَّازِ وَبِهِ أَقُولُ ابْنُ يُونُسَ، وَهُوَ الصَّوَابُ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ قَالَ سُلَيْمَانُ الْبَاجِيَّ، وَقَالَهُ سَحْنُونٌ، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا. اهـ. مَوَّاقٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ وَجَدَهُ مِنْ الْغَدِ مَيْتًا) الْغَدُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ مُدَّةً مِنْ اللَّيْلِ فِيهَا طُولٌ بِحَيْثُ يَلْتَبِسُ الْحَالُ، وَلَا يَدْرِي هَلْ مَاتَ مِنْ الْجَارِحِ أَوْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ شَيْءٌ مِنْ الْهَوَامِّ الَّتِي تَظْهَرُ فِيهِ كَالْأَفَاعِي فَلَوْ رَمَاهُ فَغَابَ عَنْهُ يَوْمًا كَامِلًا ثُمَّ وَجَدَهُ مَيْتًا فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ حَيْثُ لَمْ يَتَرَاخَ فِي اتِّبَاعِهِ، وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ بَاتَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَنَّ الصَّيْدَ يَمْنَعُ نَفْسَهُ مِنْ الْهَوَامِّ فِي النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ فَإِذَا غَابَ لَيْلًا احْتَمَلَ مُشَارَكَةَ الْهَوَامِّ الَّتِي تَظْهَرُ فِيهِ لِلسَّهْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا غَابَ نَهَارًا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ) كَذَا عَلَّلُوا عَدَمَ الْأَكْلِ وَحِينَئِذٍ فَالْأَحْسَنُ لَوْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْفَرْعَ وَجَعَلَهُ مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِهِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْمُبِيحُ فِي شَرِكَةٍ (قَوْلُهُ: أَوْ صُدِمَ) أَيْ بِأَنْ ضَرَبَهُ فَرَمَاهُ وَصَارَ يُمَرِّغُهُ حَتَّى مَاتَ (قَوْلُهُ: بِلَا جُرْحٍ فِيهِمَا) أَيْ، وَمَاتَ الصَّيْدُ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِلَا جُرْحٍ هُنَا مُكَرَّرًا مَعَ مَنْطُوقِ قَوْلِهِ سَابِقًا وَجُرْحُ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ غَيْرُ شَرْطٍ، وَهُوَ لَا يَعْتَبِرُهُ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ الْأَوْلَى إسْقَاطُ قَوْلِهِ بِلَا جُرْحٍ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: أَوْ صُدِمَ أَوْ عُضَّ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ جُرْحٍ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَجُرْحُ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ: عَلَى غَيْرِ مَرْأًى) أَيْ فَذَهَبَ الْجَارِحُ فَأَتَى بِصَيْدٍ مَيِّتٍ فَلَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْأَكْلِ رُؤْيَةُ الصَّيْدِ وَقْتَ الْإِرْسَالِ أَوْ كَوْنُ الْمَكَانِ الَّذِي أُرْسِلَ فِيهِ الْجَارِحُ مَحْصُورًا، وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَقُتِلَ الثَّانِي) إنَّمَا لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ قَتَلَ الصَّيْدَ، وَهُوَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ حِينَ إرْسَالِهِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَ أَكْلِ الصَّيْدِ بِالْعَقْرِ أَنْ يَكُونَ مَعْجُوزًا عَنْهُ حِينَ الْإِرْسَالِ فَلَوْ أُرْسِلَ ثَانِيًا بَعْدَ مَسْكِ الْأَوَّلِ لَهُ فَقَتَلَهُ الْأَوَّلُ قَبْلَ وُصُولِ الثَّانِي إلَيْهِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُؤْكَلُ لِلْعَجْزِ عَنْهُ حِينَ إرْسَالِ قَاتِلِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ الثَّانِيَ قَبْلَ مَسْكِ الْأَوَّلِ فَقَتَلَهُ الثَّانِي قَبْلَ مَسْكِ الْأَوَّلِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ قَتَلَاهُ مَعًا (قَوْلُهُ: لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) هَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِمَالِكٍ وَالثَّانِي يُؤْكَلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ كَالْمُحَقَّقِ إذْ الْغَالِبُ أَنَّ الْجَارِحَ إنَّمَا أَخَذَ مَا اضْطَرَبَ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ الْأَكْلِ، وَهُوَ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ حَيْثُ قَالَتْ، وَلَوْ رَأَى الْجَارِحُ مُضْطَرِبًا، وَلَمْ يَرَ الصَّائِدُ شَيْئًا فَأَرْسَلَهُ فَصَادَ شَيْئًا فَلَا أُحِبُّ أَكْلَهُ، وَكَلَامُهَا هُوَ مَحَلُّ التَّأْوِيلَيْنِ؛ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ حَمَلَهَا عَلَى مَا إذَا نَوَى الْمُضْطَرِبُ عَلَيْهِ فَقَطْ قَالَ فَإِنْ نَوَاهُ وَغَيْرَهُ أَكَلَ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ إنْ نَوَى جَمَاعَةً وَمَا وَرَاءَهَا مِمَّا لَمْ يَرَهُ أَكَلَ الْجَمِيعَ، وَحَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى خِلَافِ الْمُدَوَّنَةِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ لَيْسَا عَلَى إصْلَاحِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا عَلَى الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنَّمَا هُمَا عَلَى قَوْلِ الْعُتْبِيَّةِ لَا أُحِبُّ أَكْلَهُ هَلْ هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَيَكُونُ بَيْنَ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ خِلَافٌ أَوْ هُوَ مُقَيَّدٌ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا وِفَاقٌ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُضْطَرِبُ عَلَيْهِ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُضْطَرِبُ هُوَ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ فَنَائِبُ الْفَاعِلِ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ لَا مَحْذُوفٌ.
(قَوْلُهُ: وَوَجَبَ نِيَّتُهَا) أَيْ وُجُوبًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِذِكْرٍ، وَلَا غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ بِأَنْوَاعِهَا أَيْ الْأَرْبَعَةِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْ حِلِّيَّةٌ الْأَكْلِ إلَّا أَنَّ الْوَاجِبَ نِيَّةُ الْفِعْلِ لَا نِيَّةُ التَّحْلِيلِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ التَّذْكِيَةِ) أَيْ فِي الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ (قَوْلُهُ: فَلَا تَجِبُ عَلَى نَاسٍ إلَخْ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيُقَيَّدُ بِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] أَيْ لَا تَأْكُلُوا مِمَّا تُرِكَتْ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ عَمْدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا مَا تُرِكَتْ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ نِسْيَانًا أَوْ عَجْزًا فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ
فَلَا بُدَّ مِنْهُمَا حَتَّى مِنْ الْكِتَابِيِّ وَالْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ ذِكْرُ اللَّهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا خُصُوصَ بِاسْمِ اللَّهِ، وَلَكِنَّهُ الْأَفْضَلُ، وَكَذَا زِيَادَةُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ.
(وَ) وَجَبَ (نَحْرُ إبِلٍ) وَزَرَافَةٍ (وَ) وَجَبَ (ذَبْحُ)(غَيْرِهِ) مِنْ غَنَمٍ وَطَيْرٍ، وَلَوْ نَعَامَةً فَإِنْ نُحِرَتْ، وَلَوْ سَهْوًا لَمْ تُؤْكَلْ (إنْ قَدَرَ وَجَازَا لِلضَّرُورَةِ) أَيْ جَازَ الذَّبْحُ فِي الْإِبِلِ وَالنَّحْرِ فِي غَيْرِهَا لِلضَّرُورَةِ كَوُقُوعٍ فِي مُهْوَاةٍ أَوْ عَدَمِ آلَةِ ذَبْحٍ أَوْ نَحْرٍ وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ، وَذَبْحُ غَيْرِهِ قَوْلُهُ:(إلَّا)(الْبَقَرَ فَيُنْدَبُ) فِيهَا (الذَّبْحُ)(كَالْحَدِيدِ) فَإِنَّهُ يُنْدَبُ فِي سَائِرِ أَنْوَاعِ الذَّكَاةِ حَتَّى الْعَقْرِ، وَأَجْزَأَ بِحَجَرٍ مَحْدُودٍ وَزُجَاجٍ وَغَيْرِهِمَا (وَإِحْدَادُهُ) أَيْ سَنَّهُ يُنْدَبُ (وَقِيَامُ إبِلٍ) حَالَ نَحْرِهَا مُقَيَّدَةً أَوْ مَعْقُولَةَ الْيُسْرَى لِعُذْرٍ يُنْدَبُ (وَضَجْعُ ذِبْحٍ) بِفَتْحِ الضَّادِ، وَكَسْرِ الذَّالِ أَيْ مَذْبُوحٍ مِنْ بَقَرٍ وَغَنَمٍ وَغَيْرِهِمَا (عَلَى) شِقِّهِ الـ (أَيْسَرِ) ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ لِلذَّابِحِ (وَتَوَجُّهُهُ) لِلْقِبْلَةِ (وَإِيضَاحُ الْمَحَلِّ) أَيْ مَحَلِّ الذَّبْحِ مِنْ صُوفٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى تَظْهَرَ الْبَشَرَةُ (وَفَرْيُ وَدَجَيْ صَيْدٍ أَنْفَذَ مَقْتَلَهُ) أَيْ يُنْدَبُ لِإِرَاحَتِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْ فَرْيِ الْوَدَجَيْنِ قَطْعُ الْحُلْقُومِ فَالْمُرَادُ تَذْكِيَتُهُ فَلَوْ عَبَّرَ بِهَا كَانَ أَوْضَحَ وَأَخْصَرَ
، وَفِي جَوَازِ (الذَّبْحِ بِالْعَظْمِ) أَرَادَ بِهِ الظُّفُرَ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعَبِّرَ بِهِ، وَأَمَّا لَوْ ذَكَّى بِقِطْعَةِ عَظْمٍ مُحَدَّدَةٍ فَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ (وَالسِّنِّ) مُطْلَقًا مُتَّصِلَيْنِ أَوْ مُنْفَصِلَيْنِ (أَوْ) مَحَلُّ الْجَوَازِ بِهِمَا (إنْ انْفَصِلَا أَوْ) الْجَوَازِ (بِالْعَظْمِ) أَيْ الظُّفُرِ مُطْلَقًا إلَّا بِالسِّنِّ مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ يَعْنِي يُكْرَهُ كَمَا هُوَ الْمَنْقُولُ (وَمَنْعُهُمَا) فَلَا يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ بِهِمَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (خِلَافُ) مَحَلِّهِ إنْ وُجِدَتْ آلَةٌ غَيْرُ الْحَدِيدِ فَإِنْ وُجِدَ الْحَدِيدُ تَعَيَّنَ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمَا جَازَ بِهِمَا جَزْمًا كَذَا قِيلَ.
(وَحُرِّمَ) عَلَى الْمُكَلَّفِ (اصْطِيَادُ مَأْكُولٍ) مِنْ طَيْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَا بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ) .
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَالْجَاهِلُ بِالْحُكْمِ كَالْعَامِدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ، وَلَيْسَتْ التَّسْمِيَةُ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الذَّكَاةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] أَيْ لَا تَأْكُلُوا الْمَيْتَةَ الَّتِي لَمْ تُقْصَدْ ذَكَاتُهَا؛ لِأَنَّهَا فِسْقٌ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ عز وجل {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118] أَيْ كُلُوا مِمَّا قُصِدَتْ ذَكَاتُهُ فَكَنَّى عز وجل عَنْ التَّذْكِيَةِ بِذِكْرِ اسْمِهِ كَمَا كَنَّى عَنْ رَمْيِ الْجِمَارِ بِذِكْرِهِ حَيْثُ قَالَ {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] لِلْمُصَاحَبَةِ بَيْنَهُمَا وَحِينَئِذٍ فَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ التَّسْمِيَةِ فِي الذَّكَاةِ بَلْ تَصْدُقُ، وَلَوْ بِالسُّنِّيَّةِ (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْهَا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ النِّيَّةَ الْمَطْلُوبَةَ فِي الذَّكَاةِ قِيلَ هِيَ قَصْدُ الْفِعْلِ أَيْ قَصْدُ الذَّكَاةِ احْتِرَازًا عَنْ قَصْدِ الْقَتْلِ، وَإِزْهَاقِ الرُّوحِ، وَعَلَى هَذَا فَالنِّيَّةُ لَا بُدَّ مِنْهَا حَتَّى فِي الْكِتَابِيِّ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُتَأَتِّيَةٌ مِنْهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَنَسَبَ عج لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ عَدَمَ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ مِنْ الْكِتَابِيِّ، وَمَذْهَبُ الْحَفِيدِ كَمَا كَتَبَ السَّيِّدُ الْبُلَيْدِيُّ نَقْلًا عَنْ الْبَدْرِ أَنَّ النِّيَّةَ الْمَطْلُوبَةَ نِيَّةُ التَّحْلِيلِ، وَهُوَ قَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ وَجَنَحَ لَهُ الْبَدْرُ فَهُوَ الَّذِي لَا يُشْتَرَطُ فِي الْكِتَابِيِّ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَمَتَى قَصَدَ الْفِعْلَ أَيْ الذَّكَاةَ الشَّرْعِيَّةَ كَانَ نَاوِيًا لِلتَّحْلِيلِ حُكْمًا إذْ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الذَّكَاةِ شَرْعِيَّةً إلَّا كَوْنَهَا السَّبَبَ الْمُبِيحَ لِأَكْلِ الْحَيَوَانِ، وَالنِّيَّةُ الْحُكْمِيَّةُ كَافِيَةٌ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةِ التَّحْلِيلِ، وَلَوْ حُكْمًا فَإِنْ شَكَّ فِي التَّحْلِيلِ ارْتَدَّ، وَإِنْ نَفَاهُ عَمْدًا عَنْ قَصْدِهِ مَعَ اعْتِقَادِهِ فَمُتَلَاعِبٌ، وَكِلَاهُمَا لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمُسْلِمِ مِنْ نِيَّةِ التَّحْلِيلِ كَمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي إبَاحَةِ الصَّيْدِ لَمْ يُؤْكَلْ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ، وَأَمَّا الْكِتَابِيُّ فَيَكْفِي مِنْهُ قَصْدُ الْفِعْلِ الْمَعْهُودِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ التَّحْلِيلَ فِي قَلْبِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اعْتَقَدَ حِلَّ الْمَيْتَةِ أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ حَيْثُ لَمْ يَغِبْ عَلَيْهَا. انْتَهَى. عَدَوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَكِنَّهُ الْأَفْضَلُ، وَكَذَا زِيَادَةُ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ، وَلَكِنَّهُ الْأَفْضَلُ مَعَ زِيَادَةٍ إلَخْ وَنَصُّ التَّوْضِيحِ ابْنُ حَبِيبٍ، وَإِنْ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ فَقَطْ أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَطْ أَوْ لَا حَوْلَ، وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ أَجْزَأَهُ، وَلَكِنْ مَا مَشَى عَلَيْهِ النَّاسُ أَحْسَنُ، وَهُوَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ نُحِرَتْ، وَلَوْ سَهْوًا) أَيْ مَعَ عِلْمِهِ بِصِفَةِ الذَّبْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَدَمُ آلَةِ ذَبْحٍ أَوْ نَحْرٍ) أَيْ، وَكَجَهْلِ صِفَةِ الذَّبْحِ لَا نِسْيَانِهَا أَوْ جَهْلِ حُكْمِهَا (قَوْلُهُ: إلَّا الْبَقَرَ فَيَنْدُبُ فِيهَا الذَّبْحُ) أَيْ وَنَحْوُهَا خِلَافُ الْأَوْلَى، وَمِنْ الْبَقَرِ الْجَامُوسُ وَبَقَرُ الْوَحْشِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ كُلٌّ مِنْ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ فِيهِمَا وَمِثْلُ الْبَقَرِ فِي جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ، وَنُدِبَ ذَبْحُ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ حِمَارِ الْوَحْشِ وَالتَّيْتَلِ وَالْخَيْلِ عَلَى الْقَوْلِ بِحِلِّ أَكْلِهَا، وَكَذَلِكَ الْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ الْإِنْسِيَّةُ عَلَى الْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ أَكْلِهَا كَمَا قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ (قَوْلُهُ: وَأَجْزَأَ بِحَجَرٍ) أَيْ أَجْزَأَ سَائِرُ أَنْوَاعِ الذَّكَاةِ بِحَجَرٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَإِحْدَادُهُ) إنَّمَا نُدِبَ لِأَجْلِ سُرْعَةِ قَطْعِهِ فَيَكُونُ أَهْوَنَ عَلَى الْمَذْبُوحِ لِخُرُوجِ رُوحِهِ بِسُرْعَةٍ فَتَحْصُلُ لَهُ الرَّاحَةُ (قَوْلُهُ: وَتَوَجُّهَهُ) أَيْ مَا يُذَكَّى (قَوْلُهُ:، وَإِيضَاحُ الْمَحَلِّ) أَيْ بِنَتْفٍ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَفَرْيُ) أَيْ قَطْعُ (قَوْلُهُ: فَلَوْ عَبَّرَ بِهَا إلَخْ) قَدْ يُقَالُ إنَّمَا عَبَّرَ بِفَرْيٍ إشَارَةً إلَى تَحَقُّقِ الذَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ أَوَّلًا بِإِنْفَاذِ مَقْتَلِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مُجَرَّدُ الْفَرْيِ وَالْقَطْعِ تَسْهِيلًا.
(قَوْلُهُ: أَوْ مَحَلُّ الْجَوَازِ بِهِمَا إنْ انْفَصَلَا) أَيْ، وَأَمَّا إنْ اتَّصَلَا بِأَنْ كَانَا مُرَكَّبَيْنِ فَيُكْرَهُ الذَّبْحُ بِهِمَا (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا، وَكَذَا يُقَالُ فِي السِّنِّ بَعْدَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: خِلَافُ) الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ لِمَالِكٍ وَالْأَوَّلُ اخْتَارَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ وَالثَّانِي صَحَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالثَّالِثُ شَهَرَهُ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ وَالرَّابِعُ صَحَّحَهُ الْبَاجِيَّ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ (قَوْلُهُ: مَحَلُّهُ إنْ وُجِدَتْ آلَةٌ غَيْرُ الْحَدِيدِ) أَيْ مَعَهُمَا كَحَجَرٍ مَحْدُودٍ وَقَزَازٍ، وَهَذَا الْكَلَامُ لعبق
بَلْ بِلَا نِيَّةِ شَيْءٍ أَوْ نِيَّةِ حَبْسِهِ أَوْ الْفُرْجَةِ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ نِيَّةِ الذَّكَاةِ الْقِنْيَةُ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ أَيْ جَائِزٍ شَرْعًا، وَكُرِهَ لِلَّهْوِ وَجَازَ لِتَوْسِعَةٍ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ كَأَكْلِ الْفَوَاكِهِ وَنُدِبَ لِتَوْسِعَةٍ مُعْتَادَةٍ أَوْ سَدِّ خَلَّةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ أَوْ كَفِّ وَجْهٍ عَنْ سُؤَالٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَوَجَبَ لِسَدِّ خَلَّةٍ وَاجِبَةٍ فَتَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ الِاصْطِيَادُ مُتَعَلِّقًا (بِكَخِنْزِيرٍ) مِمَّا لَا يُؤْكَلُ (فَيَجُوزُ) إذَا كَانَ بِنِيَّةِ قَتْلِهِ، وَلَيْسَ مِنْ الْعَبَثِ، وَأَمَّا بِنِيَّةٍ غَيْرِ ذَلِكَ كَحَبْسِهِ أَوْ الْفُرْجَةِ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اصْطِيَادُ الْقِرْدِ وَالدُّبِّ لِأَجْلِ التَّفَرُّجِ عَلَيْهِ وَالتَّمَعُّشِ بِهِ لِإِمْكَانِ التَّمَعُّشِ بِغَيْرٍ، وَيَحْرُمُ التَّفَرُّجُ عَلَيْهِ، نَعَمْ يَجُوزُ صَيْدُهُ لِلتَّذْكِيَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ أَكْلِهِ (كَذَكَاةِ مَا لَا يُؤْكَلُ) كَحِمَارٍ وَبَغْلٍ (إنْ أَيِسَ مِنْهُ) فَيَجُوزُ تَذْكِيَتُهُ بَلْ يَنْدُبُ لِإِرَاحَتِهِ.
(وَكُرِهَ)(ذَبْحُ بِدَوْرِ حُفْرَةٍ) لِعَدَمِ الِاسْتِقْبَالِ فِي بَعْضِ مَا يُذْبَحُ وَلِنَظَرِ بَعْضِهَا بَعْضًا حَالَ الذَّبْحِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ.
(وَ) كُرِهَ (سَلْخٌ أَوْ قَطْعٌ) لِعُضْوٍ مَثَلًا مِنْ الذَّبِيحِ (قَبْلَ الْمَوْتِ)(كَقَوْلِ مُضَحٍّ) حَالَ ذَبْحِ أُضْحِيَّتِهِ (اللَّهُمَّ مِنْكَ) هَذَا أَيْ مِنْ فَضْلِكَ، وَإِحْسَانِك (وَإِلَيْك) التَّقَرُّبُ بِهِ بِلَا رِيَاءٍ، وَلَا سُمْعَةٍ فَيُكْرَهُ إنْ قَالَهُ اسْتِنَانًا لَا إنْ قَصَدَ الدُّعَاءَ وَالشُّكْرَ فَيُؤْجَرُ قَائِلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ (وَتَعَمُّدُ)(إبَانَةِ رَأْسٍ) لِلذَّبِيحَةِ أَيْ، وَأَبَانَهَا بِالْفِعْلِ فَيُكْرَهُ وَتُؤْكَلُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَاعْتَرَضَهُ بْن بِأَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ بَلْ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا فَقَدَ الْحَدِيدَ، وَلَوْ وُجِدَتْ آلَةٌ غَيْرُهُمَا فَمَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ بِهِمَا يُسَوِّيهِمَا مَعَ غَيْرِهِمَا غَيْرَ الْحَدِيدِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ وُجِدَ الْحَدِيدُ تَعَيَّنَ الذَّبْحُ بِهِ أَيْ نُدِبَ نَدْبًا مُؤَكَّدًا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ حَدِيدٌ سَوَاءٌ وُجِدَتْ آلَةٌ غَيْرُهُمَا أَوْ لَمْ تُوجَدْ فَالْخِلَافُ خِلَافًا لعبق فِي أَنَّهُ إذَا لَمْ تُوجَدْ آلَةٌ غَيْرُهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ الذَّبْحُ بِهِمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اتِّفَاقًا، وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى التَّبَرِّي مِنْ هَذَا الْكَلَامِ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْبَحْثِ فِيهِ بِقَوْلِهِ كَذَا قِيلَ.
(قَوْلُهُ: بَلْ بِلَا نِيَّةِ شَيْءٍ) أَيْ أَوْ بِنِيَّةِ قَتْلِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ نِيَّةِ حَبْسِهِ) أَيْ بِقَفَصٍ، وَلَوْ لِذِكْرِ اللَّهِ أَوْ لِسَمَاعِ صَوْتِهِ كَدُرَّةٍ، وَقُمْرِيٍّ وَكَرَوَانٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُمْنَعُ شِرَاءَ دُرَّةٍ أَوْ قُمْرِيٍّ أَوْ كَرَوَانٍ أَوْ بُلْبُلٍ مُعَلَّمٍ لِيَحْبِسَهَا لِذِكْرِ اللَّهِ أَوْ لِسَمَاعِ صَوْتِهَا كَالِاصْطِيَادِ لِذَلِكَ، وَلَا يَحْرُمُ عِتْقُهَا خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ عبق، وَفِي تَعْلِيلِهِ بِأَنَّهَا مِنْ السَّائِبَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ السَّائِبَةَ مَخْصُوصَةٌ بِالْأَنْعَامِ (قَوْلُهُ: أَوْ الْفُرْجَةِ عَلَيْهِ) أَيْ أَوْ بِنِيَّةِ الْفُرْجَةِ عَلَيْهِ كَغَزَالٍ أَوْ قِرْدٍ أَوْ نَسْنَاسٍ لَكِنْ فِي ح مَا يُفِيدُ جَوَازَ اصْطِيَادِ الصَّيْدِ بِنِيَّةِ الْفُرْجَةِ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا تَعْذِيبَ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ أَخَذَ الْجَوَازَ مِنْ حَدِيثِ «يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» كَمَا فِي شَمَائِلِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ نِيَّةِ الذَّكَاةِ) أَيْ مِثْلُ اصْطِيَادِهِ بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ فِي الْجَوَازِ اصْطِيَادُهُ بِنِيَّةِ الْقِنْيَةُ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ كَتَعْلِيمِهِ الذَّهَابَ لِبَلَدٍ بِكِتَابٍ يُعَلَّقُ بِجَنَاحِهِ أَوْ لِيُنَبِّهَ عَلَى مَا يَقَعُ فِي الْبَيْتِ مِنْ مَفْسَدَةٍ أَوْ تَعْلِيمِ الْبَازِي أَوْ غَيْرِهِ الِاصْطِيَادَ (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ) أَيْ الِاصْطِيَادُ لِلَّهْوِ، وَهَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَحُرِّمَ اصْطِيَادُ مَأْكُولٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: مِمَّا لَا يُؤْكَلُ) أَيْ فَيَجُوزُ اصْطِيَادُهُ لَا بِنِيَّةِ ذَكَاتِهِ بَلْ بِنِيَّةِ قَتْلِهِ.
وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ إلَّا فِي اصْطِيَادِ الْمَأْكُولِ، وَمَا بَعْدَهَا غَيْرُ مَأْكُولٍ، وَأُدْخِلَ بِالْكَافِ فِي قَوْلِهِ إلَّا بِكَخِنْزِيرٍ الْفَوَاسِقُ الْخَمْسُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ صَيْدُهَا بِنِيَّةِ قَتْلِهَا لَا ذَكَاتِهَا، وَإِنْ جَازَ أَكْلُهَا (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ مِنْ الْعَبَثِ) أَيْ، وَلَيْسَ صَيْدُهُ بِنِيَّةِ قَتْلِهِ مِنْ الْعَبَثِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ أَكْلِهِ) الَّذِي ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ أَنَّ الْقِرْدَ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ أَكْلِهِ يَجُوزُ التَّمَعُّشِ بِهِ بِتَلْعِيبِهِ وَالْفُرْجَةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ التَّمَعُّشُ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ح (قَوْلُهُ: كَذَكَاةٍ إلَخْ) هَذَا تَشْبِيهٌ فِي الْجَوَازِ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ الذَّكَاةَ هُنَا بِمَعْنَى الذَّبْحِ لَا بِمَعْنَاهَا الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ السَّبَبُ الْمُبِيحُ لِأَكْلِ الْحَيَوَانِ بَعْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ. (قَوْلُهُ: مَا لَا يُؤْكَلُ) أَيْ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ كَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَلَا يَجُوزُ لِشَرَفِهِ (قَوْلُهُ: إنْ أَيِسَ مِنْهُ) أَيْ أَيِسَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ حَقِيقَةً لِمَرَضٍ أَوْ عَمًى أَوْ حُكْمًا بِأَنْ كَانَ فِي مَغَارَةٍ مِنْ الْأَرْضِ لَا عَلَفَ فِيهَا، وَلَا يُرْجَى أَخْذُ أَحَدٍ لَهُ.
(قَوْلُهُ: بِدَوْرٍ إلَخْ) أَيْ كُرِهَ ذَبْحٌ اجْتَمَعُوا فِيهِ عَلَى دَوْرٍ حُفْرَةٍ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بَلَغَ مَالِكًا أَنَّ الْجَزَّارِينَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى الْحُفْرَةِ يَدُورُونَ بِهَا فَيَذْبَحُونَ حَوْلَهَا فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَأَمَرَهُمْ بِتَوْجِيهِهَا لِلْقِبْلَةِ (قَوْلُهُ: وَلِنَظَرِ بَعْضِهَا بَعْضًا) أَيْ فَالْكَرَاهَةُ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ فَتَشْتَدُّ الْكَرَاهَةُ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا وَتَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَائِهِمَا.
(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ سَلْخٌ أَوْ قَطْعٌ) أَيْ، وَكَذَا حَرْقٌ بِالنَّارِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْمَوْتِ) أَيْ قَبْلَ خُرُوجِ الرُّوحِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّعْذِيبِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ، وَأَنْ تُتْرَكَ حَتَّى تَبْرُدَ إلَّا السَّمَكَ فَيَجُوزُ تَقْطِيعُهُ، وَكَذَلِكَ إلْقَاؤُهُ فِي النَّارِ قَبْلَ مَوْتِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يَحْتَاجُ لِذَكَاةٍ صَارَ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الْإِبْقَاءِ وَمَا مَعَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا وَقَعَ فِي غَيْرِهِ بَعْدَ تَمَامِ ذَكَاتِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ فَضْلِك، وَإِحْسَانِك) أَيْ لَا مِنْ حَوْلِي، وَقُوَّتِي، وَقَوْلُهُ، وَإِلَيْك التَّقَرُّبُ بِهِ أَيْ لَا إلَى مَنْ سِوَاك (قَوْلُهُ: لَا إنْ قَصَدَ الدُّعَاءَ وَالشُّكْرَ) أَيْ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْإِمَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
(قَوْلُهُ: وَتَعَمُّدُ إبَانَةِ رَأْسٍ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا تَعَمَّدَ إبَانَةَ الرَّأْسِ، وَأَبَانَهَا فَهَلْ تُؤْكَلُ تِلْكَ الذَّبِيحَةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْ لَا تُؤْكَلُ أَصْلًا قَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَوَّلُهُمَا لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنَّمَا حَكَمَ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ
لَا إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ أَوْ لَمْ يُبِنْهَا بِالْفِعْلِ، وَأَشَارَ لِمُقَابِلِ الرَّاجِحِ بِقَوْلِهِ (وَتَأَوَّلَتْ أَيْضًا عَلَى عَدَمِ الْأَكْلِ إنْ قَصَدَهُ) أَيْ إبَانَةَ الرَّأْسِ بِمَعْنَى انْفِصَالِهَا (أَوَّلًا) أَيْ قَبْلَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ أَيْ، وَأَبَانَهَا بِالْفِعْلِ (وَدُونَ نِصْفٍ) مِنْ صَيْدٍ كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ جَنَاحٍ (أُبِينَ) أَيْ أَبَانَهُ الْجَارِحُ أَوْ السَّهْمُ، وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ تَعَلَّقَ بِيَسِيرِ جِلْدٍ أَوْ لَحْمٍ (مَيْتَةٌ) لَا يُؤْكَلُ، وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهُ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَحْصُلْ بِذَلِكَ الدُّونِ إنْفَاذُ مَقْتَلِ، وَإِلَّا أَكَلَ كَالْبَاقِي، وَصَارَ كَالرَّأْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (إلَّا الرَّأْسَ) فَلَيْسَ بِمَيْتَةٍ.
(وَمَلَكَ الصَّيْدَ الْمُبَادِرُ) لَهُ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ أَوْ حَوْزِهِ فِي دَارِهِ أَوْ كَسْرِ رِجْلِهِ، وَإِنْ رَآهُ غَيْرُهُ قَبْلَهُ، وَهَمَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ، وَكُلُّ سَابِقٍ لِمُبَاحٍ فَهُوَ لَهُ.
(وَإِنْ تَنَازَعَ قَادِرُونَ) يَعْنِي تَدَافَعُوا عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ لَا التَّنَازُعُ بِالْقَوْلِ فَقَطْ فَهُوَ لِلْمُبَادِرِ (فَبَيْنَهُمْ) يُقَسَّمُ، وَلَوْ دَفَعَ أَحَدُهُمْ الْآخَرَ وَوَقَعَ عَلَيْهِ إذْ لَيْسَ وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ مِنْ الْمُبَادَرَةِ بِخِلَافِ الْمُسَابَقَةِ بِلَا تَدَافُعٍ فَلَوْ جَاءَ غَيْرُ الْمُتَدَافِعِينَ حَالَ التَّدَافُعِ، وَأَخَذَهُ لَاخْتُصَّ بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
(وَإِنْ نَدَّ) أَيْ شَرَدَ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْ صَاحِبِهِ بَلْ (وَلَوْ مِنْ مُشْتَرٍ) لَهُ مِنْ صَاحِبِهِ فَاصْطَادَهُ غَيْرُهُ (فَلِلثَّانِي)
ــ
[حاشية الدسوقي]
الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ إبَانَةَ الرَّأْسِ بَعْدَ تَمَامِ الذَّكَاةِ بِمَثَابَةِ قَطْعِ عُضْوٍ بَعْدَ انْتِهَاءِ الذَّبْحِ، وَقَبْلَ الْمَوْتِ، وَهَذَا مَكْرُوهٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِمَالِكٍ وَاخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ هَلْ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ خِلَافٌ أَوْ وِفَاقٌ؟ . فَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَحَمَلَهُمَا بَعْضُهُمْ عَلَى الْوِفَاقِ وَرُدَّ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لِقَوْلِ مَالِكٍ فَحَمَلَهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْإِبَانَةَ ابْتِدَاءً بَلْ تَعَمَّدَهَا بَعْدَ الذَّكَاةِ، وَأَمَّا لَوْ تَعَمَّدَهَا ابْتِدَاءً فَلَا تُؤْكَلُ كَمَا يَقُولُ مَالِكٌ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَتَعَمُّدُ إبَانَةِ رَأْسٍ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ، وَقَوْلُهُ وَتُؤُوِّلَتْ هَذَا إشَارَةٌ لِلْقَوْلِ بِالْوِفَاقِ (قَوْلُهُ: لَا إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ أَوْ لَمْ يُبِنْهَا) أَيْ فَلَا كَرَاهَةَ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى انْفِصَالِهَا) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ ذَكَرَ الضَّمِيرَ الْعَائِدَ عَلَى الْإِبَانَةِ نَظَرًا لِكَوْنِهَا بِمَعْنَى الِانْفِصَالِ (قَوْلُهُ: وَدُونَ نِصْفٍ إلَخْ) الصَّوَابُ أَنَّ دُونَ هُنَا لِلْمَكَانِ الْمَجَازِيِّ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ فَإِنْ رُفِعَ كَانَ مُبْتَدَأً، وَإِنْ نُصِبَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صِلَةٌ لِمَوْصُولٍ مُقَدَّرٍ أَيْ، وَمَا هُوَ دُونَ نِصْفِ مَيْتَةٍ. اهـ. بْن وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ وَدُونَ نِصْفٍ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الْجَارِحُ الطَّيْرَ نِصْفَيْنِ مِنْ وَسَطِهِ أُكِلَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ كَذَلِكَ فِيهِ إنْفَاذُ مَقْتَلٍ كَذَا قَالُوا، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ الْأَكْلُ لِلنِّصْفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نِصْفٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ إنْفَاذِ مَقْتَلِهِ فَالْمَدَارُ عَلَى إنْفَاذِ الْمَقْتَلِ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَبَانَ الْجَارِحُ أَوْ السَّهْمُ دُونَ النِّصْفِ، وَأَنْفَذَ مَقْتَلًا أُكِلَ ذَلِكَ الدُّونُ كَالْبَاقِي كَمَا قَالَ الشَّارِحُ فَلَوْ أَبَانَ الْجَارِحُ أَوْ السَّهْمُ ثُلُثًا ثُمَّ سُدُسًا فَهَلْ يُؤْكَلَانِ أَوْ الْأَخِيرُ أَوْ يَطْرَحَانِ؟ لَا نَصَّ، وَقَدْ يُقَالُ الْمَدَارُ عَلَى إنْفَاذِ الْمَقَاتِلِ فَاَلَّذِي نَفَذَ بِهِ مَقْتَلٌ يُؤْكَلُ، وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ إنَّ الْفَرْعَ مُقَيَّدٌ بِمَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ أَمَّا الْجَرَادُ مَثَلًا إذَا قُطِعَ جَنَاحُهُ فَمَاتَ أُكِلَ الْجَمِيعُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ ذَكَاتُهُ (قَوْلُهُ: إلَّا الرَّأْسَ) أَيْ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ نِصْفُ الرَّأْسِ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَمَلَكَ الصَّيْدَ) أَيْ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْ عَلَيْهِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ (قَوْلُهُ: أَوْ كَسَرَ رِجْلَهُ) أَيْ أَوْ قَفَلَ مَطْمُورَةً أَوْ سَدَّ جُحْرَهُ عَلَيْهِ فَلَوْ سَدَّ جُحْرَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَأْتِيَ بِمَا يَحْفِرُ بِهِ فَجَاءَ آخَرُ فَفَتَحَهُ، وَأَخَذَهُ فَهُوَ لِمَنْ سَدَّهُ كَمَا أَنَّ مَا فِي الْحِبَالَةِ بِغَيْرِ طَرْدِ أَحَدٍ يَكُونُ لِمَالِكِهَا إلَّا لِمَنْ سَبَقَ بِالْأَخْذِ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ رَآهُ غَيْرُهُ قَبْلَهُ إلَخْ) فَإِنْ أَخَذَ الصَّيْدَ إنْسَانٌ فَنَازَعَهُ آخَرُ وَادَّعَى أَنَّهُ وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ فَعَلَى مُدَّعِي وَضْعِ الْيَدِ إثْبَاتُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ كَمَالٍ تَنَازَعَهُ اثْنَانِ كَذَا قَالَهُ تت، وَقَالَ بْن: الْمُطَابِقُ لِلْقَوَاعِدِ أَنَّهُ يَكُونُ لِلْآخِذِ فَقَطْ لِحِيَازَتِهِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْيَمِينُ لِمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَاضِعٌ الْيَدَ أَوْ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ تَنَازَعَ قَادِرُونَ) أَيْ عَلَى الْمُبَادَرَةِ فَبَيْنَهُمْ يُقَسَّمُ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا إذَا كَانَ الصَّيْدُ بِمَحَلٍّ غَيْرِ مَمْلُوكٍ وَأَمَّا بِمَمْلُوكٍ فَلِرَبِّهِ. اهـ. وَهَذَا مَا لَمْ يَقَعْ فِي حِجْرِ شَخْصٍ جَالِسٍ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ الْمَمْلُوكِ، وَإِلَّا كَانَ لَهُ؛ لِأَنَّ حَوْزَهُ أَخَصُّ وَصَاحِبُ الْحَوْزِ الْأَخَصِّ، وَهُوَ مَا انْتَقَلَ الْمَحُوزِ بِانْتِقَالِهِ يُقَدَّمُ عَلَى صَاحِبِ الْحَوْزِ الْأَعَمِّ. اهـ. شَيْخُنَا عَدَوِيٌّ قَالَ عبق، وَأَخَصُّ مِنْ تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ الْمَذْكُورِ مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ مَا تَكَرَّرَتْ شَكْوَى شَخْصٍ لِآخَرَ فَإِنَّ لِلْمَشْكُوِّ أَنْ يَرْفَعَ الشَّاكِيَ لِلْحَاكِمِ، وَيَقُولَ إنْ كَانَ لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ فَيَدَّعِي بِهِ فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ حُكِمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ شَكْوَى قَطْعًا لِلنِّزَاعِ، وَقَدْ حَكَمَ بِهَا الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ وَالْبَرْمُونِيُّ، وَقَالَا هِيَ مَشْهُورَةٌ فِي الْمُحَاكِمِ بِمَسْأَلَةِ قَطْعِ النِّزَاعِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ (قَوْلُهُ: لَا التَّنَازُعِ بِالْقَوْلِ) أَيْ بِأَنْ رَآهُ اثْنَانِ فَحَازَهُ أَحَدُهُمَا وَتَنَازَعَا فَصَارَ الْحَائِزُ يَدَّعِي أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ لِحَوْزِهِ وَالثَّانِي يَدَّعِي أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ رَآهُ أَوَّلًا، وَكَانَ هَامًّا عَلَى أَخْذِهِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُسَابَقَةِ بِلَا تَدَافُعٍ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا تَسَابَقُوا مِنْ غَيْرِ تَدَافُعٍ فَإِنَّ وَضْعَ يَدِ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِ قَبْلَ الْآخَرِ مِنْ الْمُبَادَرَةِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ صَاحِبِهِ) أَيْ الَّذِي مَلَكَهُ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ أَوَّلًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ مُشْتَرٍ) رَدَّ بِلَوْ قَوْلَ ابْنِ الْكَاتِبِ إنَّهُ لِلْأَوَّلِ أَيْ الْمُشْتَرِي قِيَاسًا عَلَى مَنْ أَحْيَا أَرْضًا بَعْدَ انْدِرَاسِ بِنَاءِ الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مَلَكَهَا بِإِحْيَاءٍ فَلِلثَّانِي، وَإِنْ كَانَ مَلَكَهَا بِاشْتِرَاءِ عَمَّنْ أَحْيَاهَا فَهِيَ لِذَلِكَ الْمُشْتَرِي
وَلَوْ لَمْ يَلْتَحِقْ بِالْوَحْشِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ تَأَنَّسَ عِنْدَ الْأَوَّلِ (لَا إنْ) كَانَ (تَأَنَّسَ) عِنْدَ الْأَوَّلِ فَنَدَّ مِنْهُ (وَلَمْ يَتَوَحَّشْ) بَعْدَ نُدُودِهِ أَيْ لَمْ يَصِرْ وَحْشِيًّا بِأَنْ لَمْ يَتَطَبَّعْ بِطِبَاعِ الْوَحْشِ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ، وَلِلثَّانِي أُجْرَةُ تَحْصِيلِهِ فَقَطْ.
(وَاشْتَرَكَ) فِي الصَّيْدِ (طَارِدٌ) لَهُ (مَعَ ذِي حِبَالَةٍ) بِالْكَسْرِ شَبَكَةٍ أَوْ فَخٍّ أَوْ حُفْرَةٍ جُعِلَتْ لِلصَّيْدِ (قَصَدَهَا) الطَّارِدُ لِإِيقَاعِ الصَّيْدِ فِيهَا (وَلَوْلَاهُمَا) أَيْ الطَّارِدُ، وَذُو الْحِبَالَةِ (لَمْ يَقَعْ) الصَّيْدُ فِيهَا فَالطَّارِدُ آيَسَ مِنْهُ لَوْلَاهَا (بِحَسَبِ) أَيْ بِقَدْرِ أُجْرَةٍ (فَعَلَيْهِمَا) مُتَعَلِّقٌ بِاشْتِرَاكٍ فَإِذَا كَانَتْ أُجْرَةُ الطَّارِدِ دِرْهَمَيْنِ وَأُجْرَةُ الْحِبَالَةِ دِرْهَمًا كَانَ لِلطَّارِدِ الثُّلُثَانِ وَلِصَاحِبِ الْحِبَالَةِ الثُّلُثُ (وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ) الطَّارِدُ الْحِبَالَةَ (وَأَيِسَ) الطَّارِدُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الصَّيْدِ فَوَقَعَ فِيهَا (فَلِرَبِّهَا) ، وَلَا شَيْءَ لِلطَّارِدِ (وَ) إنْ كَانَ الطَّارِدُ (عَلَى تَحْقِيقٍ) مِنْ أَخْذِهِ (بِغَيْرِهَا) أَيْ بِغَيْرِ الْحِبَالَةِ، وَسَوَاءٌ قَصَدَهَا أَوْ لَا فَهُوَ مَفْهُومٌ لَوْلَاهُمَا لَمْ يَقَعْ (فَلَهُ) دُونَ رَبِّهَا (كَالدَّارِ) أَيْ أَنَّ مَنْ طَرَدَ صَيْدَ الدَّارِ وَنَحْوِهَا فَأَدْخَلَهُ فِيهَا فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ، وَلَا شَيْءَ لِرَبِّ الدَّارِ أَمْكَنَهُ أَخْذُهُ بِدُونِهَا أَوْ لَا إذْ لَيْسَتْ مُعَدَّةً لِلصَّيْدِ كَالْحِبَالَةِ (إلَّا أَنْ لَا يَطْرُدَهُ لَهَا) أَيْ لِلدَّارِ بِأَنْ طَرَدَهُ لِغَيْرِهَا فَهَرَبَ مِنْهُ وَدَخَلَهَا، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى تَحْقِيقٍ مِنْ أَخْذِهِ بِدُونِهَا (فَلِرَبِّهَا) أَيْ مَالِكِ ذَاتِ الدَّارِ لَا مَالِكِ مَنْفَعَتِهَا مَسْكُونَةً أَوْ خَالِيَةً خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ فَإِنْ كَانَ عَلَى تَحْقِيقٍ مِنْ أَخْذِهِ بِغَيْرِهَا فَهُوَ لِلطَّارِدِ.
(وَضَمِنَ)(مَارٌّ) عَلَى صَيْدٍ مَجْرُوحٍ لَمْ يَنْفُذْ مَقْتَلَهُ (أَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ) بِوُجُودِ آلَةٍ، وَعِلْمِهِ بِهَا، وَهُوَ مِمَّنْ تَصِحُّ ذَكَاتُهُ، وَلَوْ كِتَابِيًّا (وَتَرَكَ) تَذْكِيَتَهُ حَتَّى مَاتَ قِيمَتَهُ مَجْرُوحًا لِتَفْوِيتِهِ عَلَى رَبِّهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَارُّ غَيْرَ بَالِغٍ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَانْدِرَاسُهَا لَا يُخْرِجُهَا عَنْ مِلْكِهِ. اهـ.
بْن (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَلْتَحِقْ بِالْوَحْشِ) أَيْ هَذَا إذَا اُلْتُحِقَ فِي حَالِ نُدُودِهِ بِالْوَحْشِ بِأَنْ تَطَبَّعَ بِطِبَاعِهَا بَلْ وَلَوْ لَمْ يَلْتَحِقْ بِالْوَحْشِ وَالْأَوْلَى إسْقَاطُ هَذَا التَّعْمِيمِ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ كَمَا قَالَ بَعْدُ إنَّهُ لَمْ يَتَأَنَّسْ، وَإِذَا كَانَ لَمْ يَتَأَنَّسْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى تَطَبُّعِهِ بِطِبَاعِ الْوَحْشِ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَاشْتَرَكَ طَارِدٌ إلَخْ) أَيْ، وَلَوْ كَانَ طَرْدُهُ لَهَا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا (قَوْلُهُ: وَأَيِسَ الطَّارِدُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الصَّيْدِ) أَيْ، وَذَلِكَ بِأَنْ أَعْيَا الصَّيْدُ الطَّارِدَ وَانْقَطَعَ الطَّارِدُ عَنْهُ فَهَرَبَ حَيْثُ شَاءَ فَسَقَطَ فِي الْحِبَالَةِ فَهُوَ لِرَبِّهَا، وَلَوْ كَانَ الطَّارِدُ قَصَدَهَا فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الطَّارِدُ إلَخْ) ، وَذَلِكَ بِأَنْ أَعْيَا الصَّائِدَ الصَّيْدُ وَصَارَ الصَّائِدُ عَلَى تَحْقِيقٍ أَوْ غَلَبَةِ ظَنٍّ مِنْ إمْسَاكِهِ بِغَيْرِ الْحِبَالَةِ فَقَدَّرَ اللَّهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِيهَا بِقَصْدِهِ أَوْ بِغَيْرِ قَصْدِهِ فَهُوَ لِلطَّارِدِ خَاصَّةً، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِصَاحِبِ الْحِبَالَةِ نَعَمْ إذَا قَصَدَ الطَّارِدُ إيقَاعَهُ فِيهَا لِأَجْلِ إرَاحَةِ نَفْسِهِ مِنْ التَّعَبِ لَزِمَهُ أُجْرَتُهَا لِصَاحِبِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْلَاهُمَا لَمْ يَقَعْ مَفْهُومُهُ أَمْرَانِ الْأَوَّلُ مَا لَوْ كَانَ السَّبَبُ فِي الْوُقُوعِ الْحِبَالَةَ فَقَطْ، وَهَذِهِ هِيَ الْمُشَارُ لَهَا بِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَيِسَ إلَخْ وَالثَّانِي أَنْ لَا تَكُونَ الْآلَةُ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهَا الْوُقُوعُ، وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِقَوْلِهِ، وَعَلَى تَحْقِيقِ إلَخْ (قَوْلُهُ: كَالدَّارِ) تَشْبِيهٌ فِي اخْتِصَاصِ الطَّارِدِ كَالَّتِي قَبْلَهَا (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ لِرَبِّ الدَّارِ) أَيْ لَا يَلْزَمُ الطَّارِدَ أُجْرَتُهَا نَظَرًا لِمَا خَفَّفَتْهُ عَنْهُ مِنْ التَّعَبِ خِلَافًا لِابْنِ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ لِأَجْلِ الصَّيْدِ، وَلَمْ يَقْصِدْ بَانِيهَا تَحْصِيلَهُ بِهَا.
(قَوْلُهُ: أَيْ مَالِكُ ذَاتِ الدَّارِ) أَرَادَ الْمَالِكُ، وَلَوْ حُكْمًا لِيَشْمَلَ الْوَاقِفَ وَنَاظِرَ الْوَقْفِ فِي الْبُيُوتِ الْمُرْصَدَةِ عَلَى عَمَلٍ فَمَا يَقَعُ مِنْ الطَّيْرِ فِيهَا، وَالْحَالُ أَنَّهُ غَيْرُ مَطْرُودٍ إلَيْهَا مِنْ أَحَدٍ يَكُونُ لِلْوَاقِفِ أَوْ النَّاظِرِ يَصْرِفُهُ فِي مَصَالِحِ الْوَقْفِ، وَلَا يَكُونُ لِلْمُرْصِدِ عَلَيْهِمْ الْبَيْتَ مِنْ إمَامٍ، وَمُؤَذِّنٍ مَثَلًا كَذَا يَنْبَغِي قَالَهُ عج (قَوْلُهُ: أَوْ خَالِيَةً) بَلْ، وَلَوْ خَرَابًا كَمَا فِي بْن (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ) أَيْ حَيْثُ قَالَ فَلِمَالِك الدَّارِ أَيْ مَالِكِ مَنْفَعَتِهَا سَوَاءٌ مَلَكَ الذَّاتَ أَيْضًا أَمْ لَا.
(قَوْلُهُ: وَضَمِنَ مَارٌّ) أَيْ تَعَلَّقَ ضَمَانُ الصَّيْدِ بِالْمَارِّ إذَا أَمْكَنَهُ ذَكَاتُهُ وَتَرَكَهَا، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْكَ فِعْلٌ أَيْ أَنَّ التَّرْكَ كَفِعْلِ التَّفْوِيتِ، وَقِيلَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْكَ لَيْسَ فِعْلًا، وَلَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ، وَعَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ فَيَأْكُلُهُ رَبُّهُ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الضَّمَانِ فَلَا يَأْكُلُهُ رَبُّهُ، وَلَا يَنْتَفِي الضَّمَانُ عَنْ التَّارِكِ، وَلَوْ أَكَلَهُ رَبُّهُ غَفْلَةً عَنْ كَوْنِهِ مَيْتَةً أَوْ عَمْدًا أَوْ ضِيَافَةً؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَوَّلٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكَلَ إنْسَانٌ مَالَهُ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ ضِيَافَةً فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ عج وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ مَشَايِخِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيِّ عَدَمَ ضَمَانِ الْمَارِّ إذَا أَكَلَهُ رَبُّهُ وَاعْتَمَدَ الْأَوَّلَ اللَّقَانِيُّ (قَوْلُهُ: أَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ) أَنَّثَ الْفِعْلَ وَجَعَلَ الْفَاعِلَ الذَّكَاةَ وَضَمِيرَ الْمَارِّ مَفْعُولًا، وَلَمْ يُجَرِّدْ الْفِعْلَ مِنْ التَّاءِ، وَيَجْعَلُ الذَّكَاةَ مَفْعُولًا وَضَمِيرَ الْمَارِّ فَاعِلًا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ إذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ الْإِسْنَادِ لِلْمَعْنَى وَالذَّاتِ فَالْإِسْنَادُ لِلْمَعْنَى أَوْلَى مِنْ الْإِسْنَادِ لِلذَّاتِ فَيُقَالُ أَمْكَنَنِي السَّفَرُ دُونَ أَمْكَنْت السَّفَرَ (قَوْلُهُ: بِوُجُودِ آلَةٍ) أَيْ بِوُجُودِ مَا يُذَكِّي بِهِ فَإِذَا كَانَ لَيْسَ مَعَهُ مَا يُذَكِّي بِهِ إلَّا الظُّفُرَ أَوْ السِّنَّ وَتَرَكَ التَّذْكِيَةَ بِهِمَا ضَمِنَ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مِمَّنْ تَصِحُّ إلَخْ) أَيْ، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا تَرَكَ، نَعَمْ إذَا ذَكَّاهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُهُ بِذَكَاتِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كِتَابِيًّا) أَيْ فَالْكِتَابِيُّ كَالْمُسْلِمِ فِي وُجُوبِ ذَكَاةِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهَا ذَكَاةٌ لَا عَقْرٌ، وَلَا يَأْتِي الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ، وَفِي ذَبْحِ كِتَابِيٍّ لِمُسْلِمٍ قَوْلَانِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ حِفْظِ مَالِ الْغَيْرِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ يَضْمَنُ بِتَرْكِهِ (قَوْلُهُ: لِتَفْوِيتِهِ عَلَى رَبِّهِ) ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَارَّ لَمَّا أَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ نُزِّلَ
لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ، وَأَمَّا غَيْرُ الصَّيْدِ فَإِنْ خِيفَ مَوْتُهُ، وَلَهُ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَكَاتُهُ كَالصَّيْدِ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى خَوْفِ مَوْتِهِ ضَمِنَهُ إنْ ذَكَّاهُ وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ خَافَ عَلَيْهِ الْهَلَاكَ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى صِدْقِهِ إلَّا الرَّاعِيَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ مُطْلَقًا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَصُدِّقَ إنْ ادَّعَى خَوْفَ مَوْتٍ فَنَحَرَ، وَشُبِّهَ فِي الضَّمَانِ قَوْلُهُ:(كَتَرْكِ تَخْلِيصِ مُسْتَهْلَكٍ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ) قَدَرَ عَلَى تَخْلِيصِهِ (بِيَدِهِ) أَيْ قُدْرَتِهِ أَوْ جَاهِهِ أَوْ مَالِهِ فَيَضْمَنُ النَّفْسَ فِي الدِّيَةِ، وَفِي الْمَالِ الْقِيمَةَ (أَوْ) تَرَكَ التَّخْلِيصَ بِ (شَهَادَتِهِ) أَيْ بِتَرْكِهَا حَيْثُ طُلِبَتْ مِنْهُ أَوْ عَلِمَ أَنَّ تَرْكَهَا يُؤَدِّي لِلْهَلَاكِ، وَكَذَا إنْ تَرَكَ تَجْرِيحَ شَاهِدِ الزُّورِ (أَوْ) تَرَكَ التَّخْلِيصَ (بِإِمْسَاكِ وَثِيقَةٍ) بِمَالٍ أَوْ بِعَفْوٍ عَنْ دَمٍ، وَهَذَا إذَا كَانَ شَاهِدُهَا لَا يَشْهَدُ لَا بِهَا أَوْ نَسِيَ الشَّاهِدُ مَا يَشْهَدُ بِهِ، وَلَا يَذْكُرُ الْوَاقِعَةَ إلَّا بِهَا (أَوْ تَقْطِيعَهَا) أَيْ الْوَثِيقَةِ فَضَاعَ الْحَقُّ فَيَضْمَنُهُ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سِجِلٌّ، وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ إلَّا مَا يَغْرَمُهُ عَلَى إخْرَاجِهَا.
(وَفِي)(قَتْلِ شَاهِدَيْ حَقٍّ) عَمْدًا أَوْ خَطَأً حَتَّى فَاتَ الْحَقُّ بِقَتْلِهِمَا (تَرَدُّدٌ) فِي ضَمَانِ قَاتِلِهِمَا لِتَفْوِيتِهِ عَلَى رَبِّهِ، وَيُعْلَمُ كَوْنُهُمَا شَاهِدَيْ حَقٍّ بِإِقْرَارِ الْقَاتِلِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِقَتْلِهِمَا إبْطَالَ الْحَقِّ بَلْ لِلْعَدَاوَةِ وَلِذَا لَوْ قَصَدَ بِقَتْلِهِمَا ضَيَاعَ الْحَقِّ لَضَمِنَ قَطْعًا وَالْأَظْهَرُ مِنْ التَّرَدُّدِ ضَمَانُ الْمَالِ، وَمِثْلُ قَتْلِهِمَا قَتْلُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ عِنْدَ ابْنِ مُحْرِزٍ.
(وَ) يَضْمَنُ بِسَبَبِ (تَرْكِ مُوَاسَاةٍ وَجَبَتْ بِخَيْطٍ) وَنَحْوَهُ (لِجَائِفَةٍ) بِعَاقِلٍ إنْ خَاطَ بِهِ سَلِمَ فَتَرَكَ الْمُوَاسَاةَ حَتَّى تَلِفَ، وَمِثْلُ الْخَيْطِ الْإِبْرَةُ، وَمِثْلُ الْجَائِفَةِ كُلُّ جَرْحٍ يُخْشَى مِنْهُ الْمَوْتُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
مَنْزِلَةَ رَبِّهِ، وَهُوَ لَوْ أَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ فَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ بَلْ يَكُونُ مَيْتَةً (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ التَّرْكَ سَبَبًا فِي الضَّمَانِ فَيَتَنَاوَلُ الْبَالِغَ وَغَيْرَهُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا ضَمِنَهُ) أَيْ، وَإِلَّا يُذْكِهِ ضَمِنَهُ (قَوْلُهُ: عَلَى خَوْفِ مَوْتِهِ) أَيْ فَالْوَاجِبُ تَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ وَضَمِنَهُ إنْ ذَكَّاهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَارِّ وَالْوَدِيعِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ) أَيْ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ خَافَ عَلَيْهِ الْهَلَاكَ فَذَبَحَ لِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى صِدْقِهِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: كَتَرْكِ تَخْلِيصِ مُسْتَهْلَكٍ) أَيْ مُتَوَقَّعٍ لِلْهَلَاكِ، وَلَوْ كَانَ التَّارِكُ لِلتَّخْلِيصِ صَبِيًّا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ كَمَا عَلِمْتَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ تَخْلِيصُ الْمُسْتَهْلَكِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَلَوْ بِدَفْعِ مَالٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى رَبِّهِ حَيْثُ تَوَقَّفَ الْخَلَاصُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ، وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّهُ فِي دَفْعِ الْمَالِ لِخَلَاصِهِ، وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَالْأَحْسَنُ فِي الْمُفْدَى مِنْ لِصٍّ أَخْذُهُ بِالْفِدَاءِ. اهـ. شَيْخُنَا عَدَوِيٌّ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ دَفَعَ غَرَامَةً عَنْ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَ لِلدَّافِعِ الرُّجُوعُ بِمَا دَفَعَهُ عَلَى الْمَدْفُوعِ عَنْهُ إنْ حَمَى بِتِلْكَ الْغَرَامَةِ مَالَهُ، وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: فَيَضْمَنُ فِي النَّفْسِ إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ تَخْلِيصَ الْمَالِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى خَلَاصِهِ بِجَاهِهِ أَوْ مَالِهِ حَتَّى ضَاعَ ذَلِكَ الْمَالُ عَلَى رَبِّهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لَهُ قِيمَةَ ذَلِكَ الْمَالِ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا، وَمِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَأَمَّا إذَا تَرَكَ تَخْلِيصَ النَّفْسِ حَتَّى قُتِلَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ إنْ تَرَكَ التَّخْلِيصَ عَمْدًا، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ تَرَكَهُ مُتَأَوِّلًا، وَلَا يُقْتَلُ بِهِ، وَلَوْ تَرَكَ التَّخْلِيصَ عَمْدًا هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَازَالَ الشُّيُوخُ يُنْكِرُونَ حِكَايَتَهُ عَنْ مَالِكٍ، وَيَقُولُونَ إنَّهُ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ نَقَلَهُ ح، وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ خَرَجَ ذَلِكَ عَنْ الْخِلَافِ فِيمَنْ تَعَمَّدَ الزُّورَ فِي شَهَادَتِهِ حَتَّى قُتِلَ بِهَا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ قَالَ فَقَدْ قِيلَ يُقْتَلُ الشَّاهِدُ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لَا قَتْلَ عَلَيْهِ. اهـ. وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ خش، وَلَوْ كَانَ مُتَعَمِّدًا لِإِهْلَاكِهِ بِتَرْكِ تَخْلِيصِهِ قُتِلَ غَيْرُ صَوَابٍ. اهـ.
بْن (قَوْلُهُ: أَوْ عَلِمَ) أَيْ، وَلَمْ تُطْلَبْ مِنْهُ، وَلَكِنْ عَلِمَ إلَخْ، وَقَوْلُهُ يُؤَدِّي لِلْهَلَاكِ أَيْ هَلَاكِ الْحَقِّ أَوْ النَّفْسِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَقْطِيعُهَا) قَالَ طفى تَقْطِيعُ الْوَثِيقَةِ، وَقَتْلُ شَاهِدَيْ الْحَقِّ لَيْسَا مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا هَلْ التَّرْكُ يُوجِبُ الضَّمَانَ أَوْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَالْأَوْلَى تَأْخِيرُهُمَا كَمَا فَعَلَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَلَا يُخَلَّلُ بِهِمَا الْمَسَائِلُ الْجَارِيَةُ عَلَى الْقَانُونِ الْمَذْكُورِ.
(قَوْلُهُ: عَمْدًا أَوْ خَطَأً) أَيْ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ: وَيُعْلَمُ كَوْنُهُمَا شَاهِدَيْ حَقٍّ بِإِقْرَارِ الْقَاتِلِ بِذَلِكَ) أَيْ، وَكَذَا بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ بِأَنَّهُمَا شَاهِدَا حَقٍّ حَيْثُ لَا يَشْهَدُ الِاثْنَانِ بِهِ لِعَدَمِ عِلْمِهِمَا بِقَدْرِهِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ قَتْلِهِمَا) أَيْ فِي جَرَيَانِ التَّرَدُّدِ قَتْلُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ اكْتِسَابُهُ فَفِي تَضْمِينِ الْقَاتِلِ لَهُ الْحَقُّ، وَعَدَمُ تَضْمِينِهِ تَرَدُّدٌ، وَالْأَظْهَرُ تَضْمِينُهُ، قَالُوا: وَمِثْلُ قَتْلِهِمَا قَتْلُ أَحَدِهِمَا حَيْثُ كَانَ الْحَقُّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ أَيْ فَيَكُونُ الْأَظْهَرُ غُرْمَهُ جَمِيعَ الْحَقِّ اُنْظُرْ بْن.
(قَوْلُهُ: كُلُّ جُرْحٍ إلَخْ) أَيْ فَإِذَا جُرِحَ إنْسَانٌ جُرْحًا يُخْشَى مِنْهُ الْمَوْتُ سَوَاءٌ كَانَ جَائِفَةً أَفَضْت لِجَوْفِهِ أَوْ غَيْرَ جَائِفَةٍ، وَاقْتَضَى الْحَالُ خِيَاطَتَهُ بِفَتْلَةِ خَيْطٍ أَوْ حَرِيرٍ وَجَبَ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ مَعَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ حَالًا وَمَآلًا أَوْ كَانَ مُحْتَاجًا لَهُ الثَّوْبُ أَوْ لِجَائِفَةِ دَابَّةٍ لَا يَمُوتُ بِمَوْتِهَا أَوْ كَانَ مَعَهُ الْإِبْرَةُ، وَكَانَ مُوَاسَاةُ الْمَجْرُوحِ بِذَلِكَ فَإِنْ تَرَكَ مُوَاسَاتَهُ بِمَا ذُكِرَ، وَمَاتَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَمَحَلُّ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَجْرُوحُ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ بِتَرْكِ الْمُوَاسَاةِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْأَدَبُ بِتَرْكِهَا، وَالدِّيَةُ أَوْ الْقِصَاصُ عَلَى الْجَارِحِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ رَبُّ الْخَيْطِ مُحْتَاجًا لَهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ دَابَّةٍ يَمُوتُ بِمَوْتِهَا وَتَرَكَ الْإِعْطَاءَ
(وَ) تَرْكُ (فَضْلٍ) أَيْ زَائِدِ (طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ) عَمَّا يُمْسِكُ الصِّحَّةَ لَا فَاضِلٍ عَنْ الْعَادَةِ، وَهُوَ الشِّبَعُ فِي الْأَكْلِ (لِمُضْطَرٍّ) حَتَّى مَاتَ فَيَضْمَنُ دِيَةُ خَطَإٍ إنْ تَأَوَّلَ فِي الْمَنْعِ، وَإِلَّا اُقْتُصَّ مِنْهُ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِرَاحِ (وَ) بِتَرْكِ دَفْعِ (عُمُدٍ وَخَشَبٍ) لِمَنْ طَلَبَ مِنْهُ ذَلِكَ لِإِسْنَادِ جِدَارٍ مَائِلٍ (فَيَقَعَ) بِالنَّصْبِ لِعَطْفِهِ عَلَى الِاسْمِ الْخَالِصِ أَيْ تَرْكِ (الْجِدَارِ) فَيَضْمَنُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَائِلًا، وَمَهْدُومًا (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُوَاسِي (الثَّمَنُ) أَيْ ثَمَنُ مَا وَاسَى بِهِ مِنْ خَيْطٍ، وَمَا بَعْدَهُ وَقْتَ الدَّفْعِ (إنْ وَجَدَ) الثَّمَنَ عِنْدَ الْمُضْطَرِّ حَالَ الِاضْطِرَارِ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا بِبَلَدِهِ أَوْ أَيْسَرَ بَعْدُ، وَالْمُرَادُ بِالثَّمَنِ مَا يَشْمَلُ الْأُجْرَةَ فِي الْعُمُدِ وَالْخَشَبِ.
(وَأَكْلُ الْمُذَكَّى) ، (وَإِنْ أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ) بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَ لَمَاتَ بِسَبَبِ مَرَضٍ أَوْ تَرْدِيَةٍ مِنْ شَاهِقٍ لَمْ يَنْفُذْ مَقْتَلُهُ أَوْ أَكْلِهِ عُشْبًا فَانْتَفَخَ (بِتَحَرُّكٍ قَوِيٍّ) كَخَبْطِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (مُطْلَقًا) صَحِيحَةٍ أَوْ مَرِيضَةٍ، وَأَمَّا غَيْرُ الْقَوِيِّ كَحَرَكَةِ الِارْتِعَاشِ أَوْ حَرَكَةِ طَرَفِ عَيْنِهَا أَوْ مَدِّ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ قَبْضِ وَاحِدَةٍ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ بِخِلَافِ مَدٍّ وَقَبْضٍ مَعًا فَيُعْتَبَرُ بَلْ قِيلَ بِاعْتِبَارِ قَبْضِ أَوْ مَدِّ وَاحِدَةٍ فَقَطْ (وَسَيْلِ دَمٍ) ، وَلَوْ بِلَا شَخْبٍ (إنْ صَحَّتْ) الذَّبِيحَةُ لَا إنْ كَانَتْ مَرِيضَةً أَيْ أَضْنَاهَا الْمَرَضُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْمُوَاسَاةِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ.
(قَوْلُهُ: وَتَرْكُ فَضْلٍ إلَخْ) أَيْ وَتَرْكُ إعْطَاءِ طَعَامِ فَاضِلٍ وَزَائِدٍ عَمَّا يُمْسِكُ صِحَّتَهُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّخْصَ إذَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ الشَّرَابِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا يُمْسِكُ صِحَّتَهُ، وَكَانَ مَعَهُ مُضْطَرٌّ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مُوَاسَاتُهُ بِذَلِكَ الزَّائِدِ فَإِنْ مَنَعَ، وَلَمْ يَدْفَعْ لَهُ حَتَّى مَاتَ ضَمِنَ (قَوْلُهُ: عَمَّا يُمْسِكُ الصِّحَّةَ) قَالَ خش أَيْ فَاضِلًا عَمَّا يُمْسِكُ الصِّحَّةَ حَالًا، وَمَآلًا إلَى مَحَلٍّ يُوجَدُ فِيهِ الطَّعَامُ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ اعْتِبَارُ الْفَضْلِ عَنْهُ وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَمَنْ فِي عِيَالِهِ لَا عَنْهُ فَقَطْ (قَوْلُهُ: لَا فَاضِلَ عَنْ الْعَادَةِ) أَيْ عَنْ عَادَتِهِ فِي الْأَكْلِ، وَهُوَ الْفَاضِلُ بَعْدَ شِبَعِهِ (قَوْلُهُ: لِمُضْطَرٍّ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ آدَمِيًّا أَوْ حَيَوَانًا غَيْرَ آدَمِيٍّ، وَلَا مَفْهُومَ لِطَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ بَلْ وَكَذَا فَضْلُ لِبَاسٍ أَوْ رَكُوبٍ بِأَنْ كَانَ لَوْ لَمْ يُدْفِئْهُ أَوْ يُرْكِبْهُ يَمُوتُ، وَانْظُرْ هَلْ لَا بُدَّ فِي الضَّمَانِ مِنْ سُؤَالِ الْمُضْطَرِّ أَوْ يَكْفِي الْعِلْمُ بِاضْطِرَارِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ: فَيَضْمَنُ) هَذَا يُقَالُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي تَقَدَّمَتْ.
وَقَوْلُهُ دِيَةُ خَطَإٍ إنْ تَأَوَّلَ فِي الْمَنْعِ أَيْ أَنَّهُ إذَا تَأَوَّلَ فِي الْمَنْعِ لَزِمَهُ دِيَةُ خَطَإٍ فَتَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْمَانِعُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا اقْتَصَّ مِنْهُ) أَيْ، وَإِلَّا يَتَأَوَّلُ فِي الْمَنْعِ بَلْ مَنَعَ عَمْدًا قَاصِدًا قَتْلَهُ اقْتَصَّ مِنْهُ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الْمُعْتَمَدَةُ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّأْوِيلِ، وَعَدَمِهِ، وَأَنَّ عَلَى الْمَانِعِ الدِّيَةَ فِي الْحَالَتَيْنِ (قَوْلُهُ: فَيَضْمَنُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ إلَخْ) ، وَكَذَا يَضْمَنُ رَبُّ الْعُمُدِ وَالْخَشَبِ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِ الْجِدَارِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ لَكِنْ بِشَرْطَيْنِ أَنْ يُنْذِرَ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مِنْ حِينِ الْإِنْذَارِ إلَى حِينِ سُقُوطِ الْجِدَارِ يُمْكِنُ فِيهِ إسْنَادُ الْجِدَارِ، وَلَوْ مَكَّنَ رَبُّ الْعُمُدِ وَالْخَشَبِ مِنْهَا (قَوْلُهُ: مِنْ خَيْطٍ، وَمَا بَعْدَهُ) أَيْ مِنْ فَضْلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ الَّذِي دَفَعَهُ لِلْمُضْطَرِّ، وَالْعُمُدُ وَالْخَشَبُ الَّتِي دَفَعَهَا لِمَنْ طَلَبَهَا مِنْهُ لِإِسْنَادِهِ جِدَارَهُ الْمَائِلِ (قَوْلُهُ: إنْ وُجِدَ الثَّمَنُ عِنْدَ الْمُضْطَرِّ إلَخْ) أَيْ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْجُودُ مَعَهُ عُرُوضًا أَوْ حَيَوَانَاتٍ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ، وَإِلَّا يُوجَدُ الثَّمَنُ عِنْدَ الْمُضْطَرِّ لِلْخَيْطِ أَوْ الْإِبْرَةِ أَوْ لِفَضْلِ الطَّعَامِ أَوْ الشَّرَابِ أَوْ الْعُمُدِ أَوْ الْخَشَبِ وَقْتَ اضْطِرَارِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُحَاسَبُ عَلَى مَا مَضَى أَمَّا مِنْ وَقْتِ الْيَسَارِ فَقَدْ زَالَتْ الضَّرُورَةُ فَتَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْعُمُدِ وَالْخَشَبِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ، وَلَهُ الثَّمَنُ إنْ وَجَدَ كَذَا ذَكَرَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ عبق تَبَعًا لِشَيْخِهِ عج أَنَّهُ إذَا لَمْ تُوجَدْ الْأُجْرَةُ عِنْدَهُ وَقْتَ الِاضْطِرَارِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ أَصْلًا، وَلَوْ أَيْسَرَ لَا عَنْ مُدَّةِ الْإِعْسَارِ، وَلَا عَنْ مُدَّةِ الْيَسَارِ نَظَرًا لِكَوْنِهِ أَخَذَهُ مَجَّانًا بِوَجْهٍ مَأْذُونٍ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ) دَخَلَ فِيمَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ مُحَقَّقُ الْحَيَاةِ، وَمَرْجُوُّهَا وَمَشْكُوكُهَا، وَلَوْ عَبَّرَ بِلَوْ لَأَفَادَ رَدَّ قَوْلِ مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ لَا تَصِحُّ ذَكَاةُ الْمَيْئُوسِ مِنْ حَيَاتِهِ التَّوْضِيحِ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَذْكِيَةٍ لَمَاتَ (قَوْلُهُ: بِتَحَرُّكٍ قَوِيٍّ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَوْ بِمَعْنَى مَعَ، وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ التَّحَرُّكُ مِنْ أَعَالِيهَا، وَمِنْ أَسَافِلِهَا سَوَاءٌ سَالَ دَمٌ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ التَّحَرُّكُ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى مَا لِابْنِ غَازِيٍّ وَسَوَاءٌ كَانَتْ صَحِيحَةً أَوْ مَرِيضَةً (قَوْلُهُ: فَلَا عِبْرَةَ بِهِ) أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ سَيَلَانُ دَمٍ أَوْ لَا وَالْفَرْضُ أَنَّهُ مَيْئُوسٌ مِنْهَا، وَقَوْلُهُ بَعْدُ بَلْ قِيلَ إلَخْ مُقَابِلٌ لِلْمَشْهُورِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَظْهَرُ (قَوْلُهُ: وَسَيْلُ دَمٍ إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ لِمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَنَصُّهَا وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ شَاةٍ وُضِعَتْ لِلذَّبْحِ فَذُبِحَتْ، وَسَالَ دَمُهَا فَلَمْ يَتَحَرَّكْ مِنْهَا شَيْءٌ هَلْ تُؤْكَلُ قَالَا نَعَمْ تُؤْكَلُ إذَا كَانَتْ حِينَ تَذْبَحُ حَيَّةً فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ ثَقِيلَ الْيَدِ عِنْدَ الذَّبْحِ حَتَّى لَا تَتَحَرَّكَ الذَّبِيحَةُ وَآخَرُ يَذْبَحُ فَتَقُومُ الذَّبِيحَةُ تَمْشِي ابْنُ رُشْدٍ، وَهَذَا فِي الصَّحِيحَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِلَا شَخْبٍ) الشَّخْبُ خُرُوجُ الدَّمِ بِصَوْتٍ وَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَحْذِفَ قَوْلَهُ، وَلَوْ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ سَيَلَانَ الدَّمِ بِالشَّخْبِ فِي الْمَرِيضَةِ لَا يَكْفِي فِي الْمَرِيضَةِ الْمَيْئُوسِ مِنْهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ تَجْعَلَ الْوَاوَ لِلْحَالِ، وَلَوْ زَائِدَةً (قَوْلُهُ: إنْ صَحَّتْ) الْمُرَادُ بِهَا غَيْرُ الْمَيْئُوسِ مِنْهَا فَالْمَرِيضَةُ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَيْئُوسٍ مِنْهَا فَهِيَ كَالصَّحِيحَةِ تُؤْكَلُ بِسَيَلَانِ الدَّمِ أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّكْ، وَإِذَا كَانَتْ مَيْئُوسًا مِنْهَا فَفِي إعْمَالِ الذَّكَاةِ فِيهَا خِلَافٌ، وَعَلَى
فَلَا يَكْفِي فِيهَا سَيْلُ الدَّمِ، وَلَمَّا أَوْهَمَ قَوْلُهُ: وَإِنْ أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ شُمُولَهُ لِمَنْفُوذَةِ الْمَقَاتِلِ مَعَ أَنَّ ذَكَاتَهَا لَغْوٌ اتِّفَاقًا اسْتَثْنَاهَا مُشِيرًا لِتَفْسِيرِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ (إلَّا الْمَوْقُوذَةَ) أَيْ الْمَضْرُوبَةَ بِحَجَرٍ أَوْ عَصًا (وَمَا) ذُكِرَ (مَعَهَا) فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا كَالْمُنْخَنِقَةِ بِحَبْلٍ وَنَحْوِهِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ مِنْ شَاهِقٍ أَوْ فِي بِئْرٍ أَوْ حُفْرَةٍ وَالنَّطِيحَةِ مِنْ أُخْرَى، وَمَا أَكَلَ بَعْضَهَا السَّبُعُ (الْمَنْفُوذَةَ) بَعْضَ (الْمَقَاتِلِ) فَلَا تَعْمَلُ فِيهَا الذَّكَاةُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَنْفُوذَةَ مَقْتَلٍ عَمِلَتْ فِيهَا وَجَرَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحَرَكَةِ الْقَوِيَّةِ وَسَيْلِ الدَّمِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهَا تَعْمَلُ فِيهَا الذَّكَاةُ مُطْلَقًا مَنْفُوذَةَ الْمَقَاتِلِ أَمْ لَا مَتَى كَانَ فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ثُمَّ بَيَّنَ مَنْفُوذَةَ الْمَقْتَلِ بِقَوْلِهِ (بِقَطْعِ نُخَاعٍ) مُثَلَّثُ النُّونِ الْمُخُّ الَّذِي فِي فَقَارِ الْعُنُقِ وَالظَّهْرِ بِفَتْحِ الْفَاءِ جَمْعُ فَقَرَةٍ فَكَسْرُ الصُّلْبِ دُونَ قَطْعِ النُّخَاعِ لَيْسَ بِمَقْتَلٍ (وَنَثْرُ دِمَاغٍ) ، وَهُوَ مَا تَحُوزُهُ الْجُمْجُمَةُ لَا شَدْخُ الرَّأْسِ، وَلَا خَرْقُ خَرِيطَتِهِ دُونَ انْتِثَارٍ (وَ) نَثْرُ (حُشْوَةٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَكَسْرِهَا وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ كُلُّ مَا حَوَاهُ الْبَطْنُ مِنْ كَبِدٍ وَطِحَالٍ وَأَمْعَاءٍ وَقَلْبٍ، أَيْ إزَالَةِ مَا ذُكِرَ عَنْ مَوْضِعِهِ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ فِي مَوْضِعِهِ عَلَى وَجْهٍ يَعِيشُ مَعَهُ (وَفَرْيِ وَدَجٍ) أَيْ إبَانَةِ بَعْضِهِ عَنْ بَعْضٍ (وَثَقْبِ) أَيْ خَرْقِ (مُصْرَانٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ جَمْعُ مَصِيرٍ كَرَغِيفٍ وَرُغْفَانٍ وَجَمْعُ الْجَمْعِ مَصَارِينُ كَسُلْطَانٍ وَسَلَاطِينَ، وَأَحْرَى قَطْعُهُ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ شَقِّهِ فَلَيْسَ بِمَقْتَلٍ وَاحْتَرَزَ بِالْمُصْرَانِ عَنْ ثَقْبِ الْكَرْشِ فَلَيْسَ بِمَقْتَلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَالْبَهِيمَةُ الْمُنْتَفِخَةُ إذَا ذُكِّيَتْ ثُمَّ وُجِدَتْ مَثْقُوبَةَ الْكَرْشِ تُؤْكَلُ عَلَى الصَّوَابِ (وَفِي)(شَقِّ الْوَدَجِ) مِنْ غَيْرِ إبَانَةِ بَعْضِهِ مِنْ بَعْضٍ (قَوْلَانِ) لَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ مَقْتَلٌ فِي الْوَدَجَيْنِ مَعًا، وَأَنَّهُ فِي الْوَاحِدِ غَيْرُ مَقْتَلٍ.
ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ دَلِيلًا لِقَوْلِهِ وَأَكْلُ الْمُذَكَّى، وَإِنْ أَيِسَ مِنْهُ وَلِقَوْلِهِ إلَّا الْمَوْقُوذَةَ إلَخْ بِقَوْلِهِ (وَفِيهَا) يَجُوزُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
الْقَوْلِ الْمُعْتَمَدِ بِأَنَّ الذَّكَاةَ تَعْمَلُ فِيهَا، وَهُوَ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَأَكْلُ الْمُذَكِّي، وَإِنْ أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ فَإِنْ شَخَبَ دَمُهَا أُكِلَتْ كَمَا تُؤْكَلُ بِالْحَرَكَةِ الْقَوِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ السَّيَلَانُ فَقَطْ لَمْ تُؤْكَلْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسِيلُ مِنْهَا بَعْدَ الْمَوْتِ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ (قَوْلُهُ: فَلَا يَكْفِي فِيهَا سَيْلُ الدَّمِ) أَيْ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ التَّحَرُّكِ الْقَوِيِّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَرَكَةِ الْقَوِيَّةِ وَشَخْبِ الدَّمِ يَكْفِي فِي الصَّحِيحَةِ وَالْمَرِيضَةِ كَانَ مَرْجُوًّا حَيَاتُهَا أَوْ مَشْكُوكًا فِي حَيَاتِهَا أَوْ مَيْئُوسًا مِنْ حَيَاتِهَا، وَالْحَالُ أَنَّهَا غَيْرُ مَنْفُوذَةِ الْمَقَاتِلِ، وَأَمَّا سَيَلَانُ الدَّمِ، وَكَذَلِكَ الْحَرَكَةُ غَيْرُ الْقَوِيَّةِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا لَا يَكْفِي ذَلِكَ إلَّا فِي الصَّحِيحَةِ وَالْمُلْتَحَقِ بِهَا، وَهِيَ الْمَرِيضَةُ غَيْرُ الْمَيْئُوسِ مِنْهَا، وَلَا يَكْفِي ذَلِكَ فِي الْمَرِيضَةِ الْمَيْئُوسِ مِنْهَا (قَوْلُهُ: الْمَنْفُوذَةَ الْمَقَاتِلِ) صِفَةٌ لِلْمَوْقُوذَةِ، وَمَا مَعَهَا وَجَمْعُ الْمَقَاتِلِ نَظَرًا لِلْمَوْقُوذَةِ، وَمَا مَعَهَا فَهُوَ مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ فَتَقْتَضِي انْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَنْفُوذَةَ مَقْتَلٍ عَمِلَتْ فِيهَا) أَيْ اتِّفَاقًا إنْ كَانَتْ مَرْجُوَّةَ الْحَيَاةَ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ مَيْئُوسًا مِنْهَا أَوْ مَشْكُوكًا فِيهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا تَعْمَلُ فِيهَا الذَّكَاةُ، ثَالِثُهَا تَعْمَلُ فِي الْمَشْكُوكِ فِيهَا دُونَ الْمَيْئُوسِ مِنْهَا، وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ. اهـ. بْن (قَوْلُهُ: وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) أَيْ، وَعَلَيْهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] مُتَّصِلٌ أَيْ إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ مِنْهَا، وَعِنْدَنَا الِاسْتِثْنَاءُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا أَيْ إلَّا مَا كَانَتْ ذَكَاتُكُمْ عَامِلَةً فِيهِ مِنْهَا وَاَلَّذِي تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ مِنْهَا هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْفُذْ مَقَاتِلُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا وَالْمَعْنَى لَكِنَّ مَا ذَكَّيْتُمْ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْكُمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ لَيْسَ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْمَنْسُوبَ لِلشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهَا تَعْمَلُ فِيهَا الذَّكَاةُ مُطْلَقًا هُوَ مَذْهَبُهُ حَقِيقَةً خِلَافًا لِمَا يَقَعُ فِيهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ نِسْبَةِ غَيْرِ ذَلِكَ لَهُ، وَعَلَامَةُ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ انْفِتَاحُ الْعَيْنِ وَحَرَكَةُ الْأَطْرَافِ. وَأَمَّا الْحَيَاةُ الْمُسْتَمِرَّةُ فَهِيَ الَّتِي لَوْ تُرِكَ صَاحِبُهَا بِلَا ذَكَاةٍ لَعَاشَ. (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ فِي مَوْضِعِهِ عَلَى وَجْهٍ يَعِيشُ مَعَهُ) أَيْ بِأَنْ يُزِيلَ الْتِزَاقَ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ أَوْ يُزِيلَ الْتِزَاقَهَا بِمُعْقِرِ الْبَطْنِ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ شَقِّ الْبَطْنِ وَظُهُورِ الْأَمْعَاءِ فَلَيْسَ بِمَقْتَلٍ لِحُصُولِ الْحَيَاةِ إذَا خُيِّطَتْ الْبَطْنُ (قَوْلُهُ: وَثَقْبُ مُصْرَانٍ) خِلَافًا لِمَا فِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ مِنْ أَنَّ ثَقْبَ الْمُصْرَانِ وَشَقَّهُ لَيْسَ بِمَقْتَلٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَلْتَئِمُ، وَإِنَّمَا الْمَقْتَلُ فِيهِ قَطْعُهُ وَانْتِشَارُهُ هَذَا وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَثَقْبُ مَصِيرٍ؛ لِأَنَّ مُصْرَانًا جَمْعُ مَصِيرٍ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ فَتَعْبِيرُهُ بِالْجَمْعِ يَقْتَضِي أَنَّ خَرْقَ الْوَاحِدِ لَا يَضُرُّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ اللِّيَّةَ الْوَاحِدَةَ يُقَالُ لَهَا مَصِيرٌ وَاللِّيَّتَانِ يُقَالُ لَهُمَا مَصِيرَانِ بِالتَّثْنِيَةِ وَالثَّلَاثَةُ يُقَالُ لَهَا مُصْرَانٌ وَخَرْقُ الْمَصِيرِ مُضِرٌّ مُطْلَقًا كَانَ مِنْ أَسْفَلِهِ أَوْ مِنْ أَعْلَاهُ أَوْ مِنْ وَسَطِهِ (قَوْلُهُ: عَنْ ثَقْبِ الْكَرْشِ) أَيْ خَرْقِهَا، وَأَوْلَى شَقِّهَا (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ فِي الْوَاحِدِ غَيْرُ مَقْتَلٍ) أَيْ، وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ مَوْجُودًا فِي الْوَاحِدِ أَيْضًا كَمَا فِي الْمَوَّاقِ عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَطْعِ فِي الْوَدَجِ الْوَاحِدِ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ مَقْتَلٌ قَوْلًا وَاحِدًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي شَقِّ الْوَدَجَيْنِ قَوْلَيْنِ، وَكَذَا فِي شَقِّ الْوَدَجِ وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْخِلَافِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَا عَلِمْته مِنْ الشَّارِحِ، وَهُوَ أَنَّ الشَّقَّ فِي الْوَدَجَيْنِ مَقْتَلٌ، وَفِي الْوَاحِدِ غَيْرُ مَقْتَلٍ بِخِلَافِ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ مَقْتَلٌ اتِّفَاقًا، وَلَوْ فِي وَدَجٍ وَاحِدٍ، وَفِي الْمِعْيَارِ، وَلَمْ يَعُدُّوا جُرْحَ الْقَلْبِ مِنْ الْمَقَاتِلِ، وَاَلَّذِي انْفَصَلَ الْبَحْثُ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْهَا فَإِذَا وُجِدَتْ الذَّبِيحَةُ مَجْرُوحَةَ الْقَلْبِ فَإِنَّهَا لَا تُؤْكَلُ وَالْكُلْيَتَانِ وَالرِّئَةُ فِي مَعْنَى الْقَلْبِ فَإِذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْهَا مَجْرُوحًا
(أَكْلُ مَا دُقَّ عُنُقُهُ أَوْ مَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ) ، وَهَذَا شَاهِدُ الْأَوَّلِ (إنْ لَمْ يَنْخَعْهَا) أَيْ يَقْطَعْ نُخَاعَهَا، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ نَخَعَهَا لَمْ تَعْمَلْ فِيهَا الذَّكَاةُ، وَهُوَ شَاهِدٌ لِلثَّانِي
(وَذَكَاةُ الْجَنِينِ) يُوجَدُ مَيْتًا بِسَبَبِ ذَكَاةِ أُمِّهِ تَحْقِيقًا أَوْ شَكًّا لَا إنْ كَانَ مَيْتًا مِنْ قِبَلِ حَاصِلِهِ (بِذَكَاةِ أُمِّهِ) فَذَكَاةُ أُمِّهِ ذَكَاةٌ لَهُ (إنْ تَمَّ) خَلْقُهُ أَيْ اسْتَوَى خَلْقُهُ، وَلَوْ كَانَ نَاقِصَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (بِشَعْرٍ) أَيْ مَعَ نَبَاتِ شَعْرِهِ أَيْ شَعْرِ جَسَدِهِ، وَلَوْ بَعْضَهُ لَا شَعْرِ عَيْنَيْهِ أَوْ رَأْسِهِ أَوْ حَاجِبِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ (وَإِنْ)(خَرَجَ) تَامًّا بِشَعْرِهِ (حَيًّا) حَيَاةً مُحَقَّقَةً أَوْ مَشْكُوكَةً (وَذُكِّيَ) وُجُوبًا، وَإِلَّا لَمْ يُؤْكَلْ (إلَّا أَنْ يُبَادَرَ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ إلَّا أَنْ يُسَارَعَ لِذَكَاتِهِ (فَيَفُوتُ) أَيْ يُسْبَقُ بِالْمَوْتِ فَيُؤْكَلُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ حَيَاتَهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِضَعْفِهَا بِأَخْذِهِ فِي السِّيَاقِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَمْ وُجِدَ مَيْتًا فَعُلِمَ أَنَّهُ إنْ وُجِدَ حَيًّا لَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ مَا لَمْ يُبَادَرْ فَيَفُوتُ فَإِنْ لَمْ يُبَادَرْ حَتَّى مَاتَ، وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ بُودِرَ لَمْ يُدْرَكْ كُرِهَ أَكْلُهُ (وَذُكِّيَ) الْجَنِينُ (الْمُزْلِقُ) ، وَهُوَ مَا أَلْقَتْهُ أُمُّهُ فِي حَيَاتِهَا لِعَارِضٍ (إنْ حَيِيَ مِثْلُهُ) أَيْ إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَعِيشُ بِأَنْ كَانَ تَامَّ الْخِلْقَةِ مَعَ نَبَاتِ شَعْرٍ، وَكَانَتْ حَيَاتُهُ مُحَقَّقَةً أَوْ مَظْنُونَةً لَا مَشْكُوكَةً (وَافْتَقَرَ) عَلَى الْمَشْهُورِ (نَحْوُ الْجَرَادِ) مِنْ كُلِّ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ (لَهَا) أَيْ لِلذَّكَاةِ بِنِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ لَكِنَّ ذَكَاتَهُ (بِمَا) أَيْ بِأَيِّ فِعْلٍ (يَمُوتُ بِهِ) إنْ عَجَّلَ الْمَوْتَ كَقَطْعِ الرَّقَبَةِ بَلْ (وَلَوْ لَمْ يُعَجِّلْ) أَيْ كَانَ شَأْنُهُ عَدَمَ تَعْجِيلِهِ (كَقَطْعِ جَنَاحٍ) أَوْ رِجْلٍ أَوْ إلْقَاءٍ فِي مَاءٍ بَارِدٍ، وَلَا يُؤْكَلُ مَا قُطِعَ مِنْهُ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ الْمَوْتِ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ تَعْجِيلٌ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَكَاةٍ أُخْرَى بِنِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ، كَذَا قَيَّدَهَا أَبُو الْحَسَنِ وَاعْتَمَدَ بَعْضُهُمْ الْإِطْلَاقَ. وَلَمَّا كَانَتْ الذَّكَاةُ سَبَبًا فِي إبَاحَةِ أَكْلِ الْحَيَوَانِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى سَائِرِ الْمُبَاحَاتِ فَقَالَ.
ــ
[حاشية الدسوقي]
أَوْ مُنْقَطِعًا أَوْ مُفَرَّقًا لَمْ تُؤْكَلْ (قَوْلُهُ: أُكِلَ مَا دُقَّ عُنُقُهُ) أَيْ بِضَرْبٍ بِعَصَا أَوْ بِتَرَدٍّ مِنْ شَاهِقِ جَبَلٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ مَا عُلِمَ أَيْ أَوْ أَصَابَهُ مَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: شَاهِدٌ لِلثَّانِي) فَأَوَّلُ الْكَلَامِ دَلِيلٌ لِمَنْطُوقِهِ لِلْجَوَازِ وَآخِرُهُ دَلِيلٌ لِمَفْهُومِهِ لِلْمَنْعِ.
(قَوْلُهُ: لَا إنْ كَانَ مَيْتًا مِنْ قَبْلِ) أَيْ مِنْ قَبْلِ ذَكَاةِ أُمِّهِ فَلَا يُؤْكَلُ (قَوْلُهُ: فَذَكَاةُ أُمِّهِ ذَكَاةٌ لَهُ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيُؤْكَلُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ اكْتِفَاءً بِذَكَاةِ أُمِّهِ، وَفِي الْمَشِيمَةِ، وَهِيَ وِعَاؤُهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا أَنَّهَا تَبَعٌ لِلْوَلَدِ إنْ أُكِلَ الْوَلَدُ أُكِلَتْ، وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا بَيْضُ الدَّجَاجَةِ الْمُذَكَّاةِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ، وَلَوْ لَمْ يَتِمَّ (قَوْلُهُ: إنْ تَمَّ) أَيْ، وَإِلَّا فَلَا يُؤْكَلُ (قَوْلُهُ: أَيْ مَعَ نَبَاتِ شَعْرِهِ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى مَعَ وَالْقَيْدُ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى تَمَّ خَلْقُهُ نَبَتَ شَعْرُهُ عَادَةً فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ جَعْلُ الْبَاءِ لِلْمَعِيَّةِ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ انْفِرَادُ تَمَامِ الْخَلْقِ عَنْ نَبَاتِ الشَّعْرِ وَانْفِرَادِ نَبَاتِ الشَّعْرِ عَنْ تَمَامِ الْخَلْقِ مَعَ أَنَّهُ مَتَى نَبَتَ شَعْرُهُ لَزِمَ تَمَامُ خَلْقِهِ وَالْعَكْسُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا) أَيْ بَعْدَ ذَكَاةِ أُمِّهِ (قَوْلُهُ: حَيَاةً مُحَقَّقَةً أَوْ مَشْكُوكَةً) لَوْ قَالَ كَغَيْرِهِ حَيَاةً مُحَقَّقَةً أَوْ مَشْكُوكًا فِيهَا أَوْ مَيْئُوسًا مِنْهَا كَانَ أَوْلَى، وَقَوْلُهُ ذُكِّيَ وُجُوبًا أَيْ فِي الْمَرْجُوِّ وَالْمَشْكُوكِ وَاسْتِحْبَابًا فِي الْمَيْئُوسِ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ، وَإِلَّا يُذَكَّ لَمْ يُؤْكَلْ أَيْ فِي الْأَوَّلَيْنِ كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُبَادِرَ) أَيْ إلَّا أَنْ يُبَادِرَ إلَيْهِ فَهُوَ مِنْ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ حَيَاتُهُ ضَعِيفَةً بِأَنْ كَانَتْ مَيْئُوسًا مِنْهَا (قَوْلُهُ: مَا لَوْ وُجِدَ مَيْتًا) أَيْ بِمَنْزِلَةِ مَا نَزَلَ مَيْتًا مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ بَعْدَ ذَكَاتِهَا فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّ ذَكَاتَهُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ (قَوْلُهُ: لَمْ يُدْرَكْ) أَيْ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ بُودِرَ لَأُدْرِكَ فَلَا يُؤْكَلُ، وَذَلِكَ فِي حَالَةِ الرَّجَاءِ وَالشَّكِّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجَنِينَ إذَا خَرَجَ حَيًّا بَعْدَ ذَكَاةِ أُمِّهِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ حَيَاتُهُ مَرْجُوًّا بَقَاؤُهَا أَوْ مَشْكُوكًا فِي بَقَائِهَا أَوْ مَيْئُوسًا مِنْ بَقَائِهَا فَفِي الْأَوَّلَيْنِ تَجِبُ ذَكَاتُهُ، وَلَا يُؤْكَلُ إذَا مَاتَ بِدُونِهَا، وَفِي الثَّالِثِ تُنْدَبُ ذَكَاتُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ، وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ نَقْلًا عَنْ عِيسَى مَتَى خَرَجَ حَيًّا لَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا شَامِلٌ لِلْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ أَيْ إنْ خَرَجَ حَيًّا حَيَاةً مَرْجُوًّا بَقَاؤُهَا أَوْ مَشْكُوكًا فِي بَقَائِهَا أَوْ مَيْئُوسًا مِنْ بَقَائِهَا، وَقَوْلُهُ ذُكِّيَ أَيْ وُجُوبًا فِي الْأَوَّلَيْنِ وَنَدْبًا فِي الثَّالِثِ، وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُبَادِرَ خَاصٌّ بِالْمَيْئُوسِ مِنْهُ أَيْ إلَّا أَنْ يُبَادِرَ لِذَكَاتِهِ فَيَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يُذَكَّى فَيَفُوتُ نَدْبُ ذَكَاتِهِ، وَيُؤْكَلُ بِدُونِهَا فَإِنْ لَمْ يُبَادِرْ إلَيْهِ حَتَّى مَاتَ كُرِهَ أَكْلُهُ (قَوْلُهُ: إنْ حَيِيَ إلَخْ) أَيْ فَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ لَا يَحْيَا أَوْ شُكَّ فِي أَمْرِهِ هَلْ تَسْتَمِرُّ حَيَاتُهُ أَمْ لَا لَمْ يُؤْكَلْ، وَلَوْ ذُكِّيَ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْإِزْلَاقِ، وَقَوْلُهُ، وَكَانَتْ حَيَاتُهُ مُحَقَّقَةً أَوْ مَظْنُونَةً لَا مَشْكُوكَةً يَعْنِي أَنَّهُ تَحَقَّقَ اسْتِمْرَارُ حَيَاتِهِ أَوْ ظَنَّ ذَلِكَ لَا إنْ شَكَّ فِي اسْتِمْرَارِهَا، وَعَدَمِهِ، وَأَوْلَى إذَا تَوَهَّمَ اسْتِمْرَارَهَا فَلَا يُؤْكَلُ، وَلَوْ ذُكِّيَ (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْكَلُ مَا قُطِعَ مِنْهُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ دُونَ نِصْفٍ أُبِينَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّأْسُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ لَكِنْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ عبق أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَدُونَ نِصْفٍ أُبِينَ مَيْتَةٌ مَخْصُوصٌ بِمَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ الْمَوْتِ بِهِ) أَيْ بِمَا شَأْنُهُ أَنْ يُعَجِّلَ الْمَوْتَ كَذَا قَالَ الشَّارِحُ تَبَعًا لعبق قَالَ بْن، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَمْ يَرَ مَنْ ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْإِطْلَاقُ. اهـ كَلَامُهُ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَمْ يُرِدْ التَّعْجِيلَ الْحَقِيقِيَّ بَلْ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَوْتَ مِنْهُ لَا مِنْ إنْزَائِهِ (قَوْلُهُ: كَذَا قَيَّدَهَا) أَيْ بِقَوْلِهِ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ الْمَوْتِ.