الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَذَا فِي الْحَرْبِ عِنْدَ الرَّمْيِ (وَالتَّسْمِيَةُ) لِنَفْسِهِ كَأَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ أَوْ أَنَا فُلَانٌ أَبُو فُلَانٍ (وَالصِّيَاحُ) حَالُ الرَّمْيِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْجِيعِ، وَإِرَاحَةِ النَّفْسِ مِنْ التَّعَبِ (وَالْأَحَبُّ) أَيْ وَالْأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ (ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى) عِنْدَ الرَّمْيِ مِنْ تَكْبِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَا)(حَدِيثُ الرَّامِي) أَيْ تَكَلُّمُهُ بِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَ فَلَا يَجُوزُ بَلْ يَحْرُمُ إنْ كَانَ فُحْشًا مِنْ الْقَوْلِ أَوْ يُكْرَهُ (وَلَزِمَ الْعَقْدُ) إذَا وَقَعَ بِجُعْلٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا حَلَّهُ إلَّا بِرِضَاهُمَا مَعًا (كَالْإِجَارَةِ) أَيْ كَلُزُومِ عَقْدِهَا بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ كَالرُّشْدِ وَالتَّكْلِيفِ فَتَجْرِي هُنَا.
دَرْسٌ (بَابُ الْخَصَائِصِ) ذُكِرَ فِيهِ بَعْضُ مَا اخْتَصَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْأَحْكَامِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: وَاجِبَةٌ وَمُحَرَّمَةٌ وَمُبَاحَةٌ وَالْأَوَّلُ قِسْمَانِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَوَاجِبٌ لَهُ عَلَيْنَا كَإِجَابَةِ الْمُصَلِّي إذَا دَعَاهُ. وَالثَّانِي قِسْمَانِ أَيْضًا حَرَامٌ عَلَيْهِ كَأَكْلِهِ الثُّومَ وَحَرَامٌ عَلَيْنَا لَهُ كَنِدَائِهِ بِاسْمِهِ وَمَا أُبِيحَ لَهُ دُونَنَا كَتَزَوُّجِهِ زِيَادَةً عَلَى أَرْبَعَةٍ، فَالْأَقْسَامُ خَمْسَةٌ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ (خُصَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أُمَّتِهِ وَيُحْتَمَلُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ خُصَّ بِجَمِيعِ مَا يَأْتِي بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي الْجَمِيعِ بَلْ فِي الْبَعْضِ (بِوُجُوبِ) صَلَاةِ (الضُّحَى) وَأَقَلُّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنْهُ رَكْعَتَانِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عَلَيْهِ.
(وَ) وُجُوبِ (الْأَضْحَى) أَيْ الضَّحِيَّةِ (وَ) وُجُوبِ (التَّهَجُّدِ) صَلَاةِ اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ وَقِيلَ: يُسَمَّى تَهَجُّدًا مُطْلَقًا (وَ) وُجُوبِ (الْوِتْرِ بِحَضَرٍ) رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ (وَ) وُجُوبِ (السِّوَاكِ) لِكُلِّ صَلَاةٍ (وَتَخْيِيرِ نِسَائِهِ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِقَامَةِ مَعَهُ طَلَبًا لِلْآخِرَةِ وَمُفَارَقَتِهِ طَلَبًا لِلدُّنْيَا فَمَنْ اخْتَارَتْ الدُّنْيَا بَانَتْ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَأَشَارَ لِلْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا وَجَبَ عَلَيْنَا لَهُ بِقَوْلِهِ (وَطَلَاقِ مَرْغُوبَتِهِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ أَيْ خُصَّ بِوُجُوبِ طَلَاقِنَا مَنْ رَغِبَ فِيهَا أَيْ فِي نِكَاحِهَا لَوْ وَقَعَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام أَيْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ أَنَّهُ رَغِبَ فِي امْرَأَةِ رَجُلٍ وَطَلَّقَهَا لَهُ.
(وَإِجَابَةِ الْمُصَلِّي) أَيْ خُصَّ بِأَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُصَلِّي إجَابَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا دَعَاهُ حَالَ الصَّلَاةِ وَهَلْ تَبْطُلُ قَوْلَانِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
الْمُتَسَابِقَيْنِ وَالْمُتَنَاضَلِينَ وَكَذَا فِي الْحَرْبِ عِنْدَ الرَّمْيِ، وَالْمُرَادُ إنْشَادُ الشِّعْرِ مُطْلَقًا لَا خُصُوصُ الشَّعْرِ الَّذِي مِنْ بَحْرِ الرَّجَزِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ مَا يَقَعُ فِي الْحَرْبِ الْإِنْشَادَ مِنْهُ كَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام يَوْمَ حُنَيْنٍ «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ» ؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْحَرَكَةِ وَالِاضْطِرَابِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي الْحَرْبِ) أَيْ، وَكَذَا يَجُوزُ الِافْتِخَارُ وَالرَّجَزُ فِي الْحَرْبِ عِنْدَ الرَّمْيِ (قَوْلُهُ: وَالتَّسْمِيَةُ لِنَفْسِهِ) أَيْ حَالَ الْحَرْبِ، وَكَذَا فِي حَالَ الْمُسَابَقَةِ (قَوْلُهُ: التَّشْجِيعِ) أَيْ تَحْصِيلِ الشَّجَاعَةِ (قَوْلُهُ: وَلَزِمَ الْعَقْدُ) أَيْ إذَا كَانَا رَشِيدَيْنِ طَائِعَيْنِ (قَوْلُهُ: كَالْإِجَارَةِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمُتَسَابِقَيْنِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ فِيهِ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُسَابَقَةِ مِنْ الْإِجَارَةِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ تَشْبِيهِ الْجُزْئِيِّ بِالْكُلِّيِّ
[بَاب بَعْضُ مَا اخْتَصَّ بِهِ النَّبِيُّ مِنْ الْأَحْكَامِ]
(بَابُ الْخَصَائِصِ) .
(قَوْلُهُ: بَعْضُ مَا اخْتَصَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْبَابِ جَمِيعَ مَا اخْتَصَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَلْ بَعْضَهُ.
(قَوْلُهُ: عَلَى هَذَا الْقَوْلِ) أَيْ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ الضُّحَى عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَضْحَى) هُوَ لُغَةً فِي الضَّحِيَّةِ وَمَحَلُّ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ إذَا كَانَ غَيْرَ حَاجٍّ، وَإِلَّا كَانَ مُسَاوِيًا لِغَيْرِهِ فِي وُجُوبِ الْهَدْيِ وَعَدَمِ وُجُوبِهَا.
(قَوْلُهُ: وَالتَّهَجُّدِ) أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] أَيْ فَتَهَجَّدْ بِهِ حَالَةَ كَوْنِهِ زِيَادَةً لَك فِي الِافْتِرَاضِ عَلَى الْفَرَائِضِ الْخَمْسَةِ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُسَمَّى) أَيْ صَلَاةُ اللَّيْلِ تَهَجُّدًا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ بَعْدَ نَوْمٍ أَوْ قَبْلَهُ.
(قَوْلُهُ: رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ) الضَّحِيَّةِ وَالتَّهَجُّدِ وَالْوِتْرِ فَكُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا لَا مُسَافِرًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ فِي السَّفَرِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ إيتَارُهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَلَوْ كَانَ فَرْضًا مَا فَعَلَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يُفْعَلُ عَلَى الدَّابَّةِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ.
(قَوْلُهُ: لِكُلِّ صَلَاةٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ حَضَرِيَّةً أَوْ سَفَرِيَّةً، وَانْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ كُلُّ صَلَاةِ فَرِيضَةٍ أَوْ، وَلَوْ نَافِلَةً، كَذَا نَظَرَ ابْنُ الْمُلَقَّنِ فِي قَوْلِهِمْ: يَجِبُ السِّوَاكُ عَلَيْهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» .
(قَوْلُهُ: بَانَتْ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْأَصَحُّ أَنَّ مَنْ اخْتَارَتْ الدُّنْيَا يُطَلِّقُهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي فَصْلِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 28] اهـ بْن.
وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ صلى الله عليه وسلم اخْتَارَتْ الدُّنْيَا بَلْ كُلُّهُنَّ اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ وَمَا قِيلَ: إنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ الضَّحَّاكِ اخْتَارَتْ الدُّنْيَا فَكَانَتْ تَلْتَقِطُ الْبَعْرَ وَتَقُولُ: هِيَ الشَّقِيَّةُ، فَقَدْ رَدَّهُ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّهَا اسْتَعَاذَتْ بِاَللَّهِ مِنْهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهَا قَالَتْ: اخْتَرْت الدُّنْيَا وَأَنَّ آيَةَ التَّخْيِيرِ إنَّمَا نَزَلَتْ وَفِي عِصْمَتِهِ التِّسْعُ اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُنَّ.
(قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ) أَيْ وَأَمَّا تَزَوُّجُهُ بِزَوْجَةِ غَيْرِهِ بِأَمْرِ اللَّهِ لَهُ بِزَوَاجِهَا إذَا طَلَّقَهَا فَوَاقِعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] .
الْأَظْهَرُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّ إجَابَتَهُ إجَابَةٌ لِلَّهِ وَهِيَ لَا تُبْطِلُ (وَالْمُشَاوَرَةِ) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فَالْأُولَى تَقْدِيمُهُ عَلَى مَا يَجِبُ عَلَيْنَا لَهُ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ مُشَاوَرَةُ أَصْحَابِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْآرَاءِ وَالْحُرُوبِ تَطْيِيبًا لِخَوَاطِرِهِمْ وَتَأْلِيفًا لَهُمْ لَا لِيَسْتَفِيدَ مِنْهُمْ عِلْمًا أَوْ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ سَيِّدُ الْعَالَمِينَ وَقُدْوَةُ الْعَارِفِينَ.
(وَقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ) أَوْ الْحَيِّ (الْمُعْسِرِ) الْمُسْلِمِ مِنْ مَالِهِ الْخَاصِّ بِهِ (وَإِثْبَاتِ عَمَلِهِ) أَيْ الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَقْطَعُهُ رَأْسًا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ قَدْ كَانَ يَتْرُكُ بَعْضَ الْعَمَلِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَوْ لِغَرَضٍ مِنْ الْأَغْرَاضِ الشَّرْعِيَّةِ (وَمُصَابَرَةِ الْعَدُوِّ الْكَثِيرِ) ، وَلَوْ أَهْلَ الْأَرْضِ فَلَا يَفِرُّ مِنْهُمْ، إذْ مَنْصِبُهُ الشَّرِيفُ يَجِلُّ عَنْ أَنْ يَنْهَزِمَ (وَ) بِوُجُوبِ (تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ) ، إذْ سُكُوتُهُ عَلَى فِعْلِ أَمْرٍ تَقْرِيرٌ لَهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ فَيَلْزَمُ انْقِلَابُ الْحَرَامِ جَائِزًا.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ قِسْمَيْ الْحَرَامِ أَيْ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْنَا فَمِنْ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ: (وَحُرْمَةِ الصَّدَقَتَيْنِ) عَطْفٌ عَلَى وُجُوبٍ أَيْ خُصَّ بِحُرْمَةِ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَمِنْهَا الْكَفَّارَةُ وَالتَّطَوُّعُ (عَلَيْهِ) صَوْنًا لِمَنْصِبِهِ الشَّرِيفِ عَنْ الْإِذْلَالِ (وَعَلَى آلِهِ) بَنِي هَاشِمٍ فَقَطْ، وَلَوْ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ حُرْمَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الْآلِ وَمَحَلُّ حُرْمَةِ الْفَرْضِ إنْ أُعْطُوا مِنْ الْفَيْءِ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ وَإِلَّا جَازَ إنْ أُضِرَّ الْفَقِيرُ بِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَصِلُوا إلَى حَدِّ أَكْلِ الْمَيْتَةِ (وَ) حُرْمَةِ (أَكْلِهِ كَثُومٍ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ مِنْ كُلِّ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ كَبَصَلٍ وَفُجْلٍ (أَوْ) أَكْلِهِ (مُتَّكِئًا) أَيْ مَائِلًا عَلَى شِقٍّ، وَقِيلَ مُتَرَبِّعًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالشُّكْرِ (وَ) حُرْمَةِ (إمْسَاكِ كَارِهَتِهِ) فِي عِصْمَتِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَاقُهَا؛ لِخَبَرِ «الْعَائِذَةِ الْقَائِلَةِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك فَقَالَ: لَقَدْ اسْتَعَذْت بِمَعَاذٍ الْحَقِي بِأَهْلِك» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَاسْمُهَا أُمَيْمَةُ بِنْتُ النُّعْمَانِ وَقِيلَ: مُلَيْكَةُ اللَّيْثِيَّةُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
(قَوْلُهُ: الْأَظْهَرُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ) أَيْ سَوَاءٌ أَجَابَهُ الْمُصَلِّي بِنَحْوِ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ بِنَحْوِ مَا فَعَلْت الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَوَابًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام هَلْ فَعَلْته.
(قَوْلُهُ: فِي الْآرَاءِ وَالْحُرُوبِ) الْأَوْلَى فِي الْآرَاءِ فِي الْحُرُوبِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُهِمَّاتِ، وَأَفَادَ بِهَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا كَانَ يُشَاوِرُ فِي الْآرَاءِ فِي الْحُرُوبِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَأَمَّا مَا فِيهِ حُكْمٌ فَلَا يُشَاوِرُ لِأَنَّهُ يُلْتَمَسُ الْعِلْمُ مِنْهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ أَعْلَمَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إنَّ لَهُ أَنْ يُشَاوِرَ فِي الْأَحْكَامِ وَهَذِهِ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى يَقُولُ {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] الْآيَةَ، وَأَمَّا غَيْرُ الْأَحْكَامِ فَرُبَّمَا رَأَوْا بِأَعْيُنِهِمْ أَوْ سَمِعُوا بِآذَانِهِمْ شَيْئًا لَمْ يَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَسْمَعْهُ فَإِنْ قُلْت: مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يُشَاوِرُ فِي الْآرَاءِ لَا فِي الْأَحْكَامِ، يَرِدُ عَلَيْهِ مُشَاوَرَتُهُ فِي الْأَذَانِ وَفِعْلُهُ قَبْلَ الْوَحْيِ بِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ مُشَاوَرَتَهُ فِي الشَّرَائِعِ كَانَ جَائِزًا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْمُشَاوَرَةِ فِي غَيْرِ الشَّرَائِعِ فَقَطْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَذَانَ كَانَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ وَنُزُولَ قَوْله تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالْمُشَاوَرَةُ فِي الشَّرَائِعِ كَانَتْ أَوَّلًا جَائِزَةً، ثُمَّ نُسِخَتْ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ بِالْأَمْرِ بِالْمُشَاوَرَةِ فِي غَيْرِهَا فَقَطْ، كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: أَوْ الْحَيِّ) نَحْوُهُ فِي خش وعبق قَالَ بْن: وَهُوَ فِي عُهْدَتِهِمَا، إذْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْحَيَّ كَالْمَيِّتِ، وَظَاهِرُ نُصُوصِهِمْ وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِي ح وَالْمَوَّاقِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَيِّتِ كَالْمُصَنِّفِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ «مَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَعَلَيَّ وَإِلَيَّ» أَيْ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَإِلَيَّ كَفَالَةُ عِيَالِهِ.
(قَوْلُهُ: الْمُعْسِرِ الْمُسْلِمِ) وَهَذَا كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ فَتْحِ الْفُتُوحَاتِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِوُجُوبِ قَضَائِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
(قَوْلُهُ: وَمُصَابَرَةِ الْعَدُوِّ) أَيْ وَالصَّبْرِ عَلَى مُقَاتَلَةِ الْعَدُوِّ الْكَثِيرِ بِخَوْفِ أُمَّتِهِ فَإِنَّهُ إذَا زَادَ الْعَدُوُّ عَلَى الضِّعْفِ لَمْ يَجِبْ الصَّبْرُ.
(قَوْلُهُ: إذْ مَنْصِبُهُ الشَّرِيفُ يَجِلُّ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَهُ بِالْعِصْمَةِ بِقَوْلِهِ {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] أَيْ مِنْ قَتْلِهِمْ لَك فَلَا يُنَافِي أَنَّهُمْ شَجُّوا وَجْهَهُ وَكَسَرُوا رُبَاعِيَّتَهُ، أَوْ أَنَّ الْعِصْمَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ الشَّجِّ وَكَسْرِ الرُّبَاعِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالْعِصْمَةِ مِنْ الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ إلَخْ) قَالَ ح مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا، وَاَلَّذِي فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْمَشْهُورَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا اهـ اُنْظُرْ بْن.
(قَوْلُهُ: وَإِمْسَاكِ كَارِهَتِهِ) أَيْ إذَا كَانَتْ كَارِهَةً بَقَاءَهَا تَحْتَهُ لِغَيْرِهِ، وَأَمَّا كَرَاهَةُ ذَاتِهِ فَهُوَ كُفْرٌ تَبَيَّنَ بِمُجَرَّدِهِ.
(قَوْلُهُ: لَقَدْ اسْتَعَذْت بِمَعَاذٍ) أَيْ بِمَنْ يُسْتَعَاذُ بِهِ وَيُلْجَأُ إلَيْهِ وَهُوَ اللَّهُ سبحانه وتعالى، وَقَوْلُهُ: بِمَعَاذٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَصْدَرٌ أَوْ اسْمُ مَكَان كَمَا فِي النِّهَايَةِ أَيْ تَحَصَّنْت بِمَلَاذٍ وَمَلْجَأٍ وَضَبَطَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ بِاَلَّذِي يُسْتَعَاذُ بِهِ وَالْحَقِي بِأَهْلِك ثُلَاثِيٌّ هَمْزَتُهُ وَصْلٌ مِنْ لَحِقَ كَفَرِحَ، وَقَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: كَوْنُهُ رُبَاعِيًّا بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ مِنْ أَلْحَقَ بِمَعْنَى لَحِقَ لُغَةً فِيهِ اهـ بْن.
(قَوْلُهُ: لِخَبَرِ الْعَائِذَةِ) رَاجِعٌ لِحُرْمَةِ إمْسَاكِ الْكَارِهَةِ وَجَعْلُهَا كَارِهَةً بِالنَّظَرِ لِلَفْظِهَا وَإِلَّا فَهِيَ مَعْذُورَةٌ لَا كَرَاهَةَ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا خُدِعَتْ لِغَفْلَةِ رَأْيِهَا وَكَانَتْ جَمِيلَةً جِدًّا فَغَارَتْ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَحْظَى بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَفُوتُهُنَّ كَثْرَةُ مُشَاهَدَةِ طَلْعَتِهِ وَرُؤْيَةُ عِبَادَتِهِ عِنْدَهُنَّ لَيْلًا وَمَا يُتْلَى فِي بُيُوتِهِنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةُ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ، فَسَأَلَتْهُنَّ مَاذَا يُعْجِبُهُ؟ فَقُلْنَ لَهَا: يُعْجِبُهُ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا حُجْرَتَهَا
(وَتَبَدُّلِ أَزْوَاجِهِ) اللَّاتِي اخْتَرْنَهُ (وَنِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ) الْحُرَّةِ (وَالْأَمَةِ) الْمُسْلِمَةِ (وَ) خُصَّ بِحُرْمَةِ (مَدْخُولَتِهِ) الَّتِي طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا (لِغَيْرِهِ) أَيْ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَا الَّتِي مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَا مَفْهُومَ لِمَدْخُولَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَوْتِ وَمَاتَ صلى الله عليه وسلم عَنْ تِسْعَةِ نِسْوَةٍ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ تِسْعِ نِسْوَةِ
…
إلَيْهِنَّ تُعْزَى الْمُكْرَمَاتُ وَتُنْسَبُ
فَعَائِشَةٌ مَيْمُونَةُ وَصَفِيَّةُ
…
وَحَفْصَةُ تَتْلُوهُنَّ هِنْدٌ وَزَيْنَبُ
جُوَيْرِيَةٌ مَعَ رَمْلَةٍ، ثُمَّ سَوْدَةُ
…
ثَلَاثٌ وَسِتٌّ نَظْمُهُنَّ مُهَذَّبُ
(وَ) حُرْمَةِ (نَزْعٍ لِأُمَّتِهِ) بِالْهَمْزِ وَهِيَ آلَةُ الْحَرْبِ مِنْ سَيْفٍ أَوْ غَيْرِهِ (حَتَّى يُقَاتِلَ) الْعَدُوَّ أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْقِتَالُ بِالْفِعْلِ (وَالْمَنِّ) أَيْ الْإِعْطَاءِ (لِيَسْتَكْثِرَ) أَيْ لِيَطْلُبَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى لِإِخْلَالِهِ بِمَنْصِبِهِ الشَّرِيفِ الْمُقْتَضِي لِلزُّهْدِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا (وَخَائِنَةِ الْأَعْيُنِ) بِأَنْ يُظْهِرَ خِلَافَ مَا يُضْمِرُ.
(وَالْحُكْمِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَارِبِهِ) أَيْ خُصَّ بِأَنْ يَحْرُمَ عَلَيْنَا أَنْ نَحْكُمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَ) حُرْمَةِ (رَفْعِ الصَّوْتِ عَلَيْهِ) ، وَكَذَا يَحْرُمُ رَفْعُهُ عِنْدَ قِرَاءَةِ حَدِيثِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ رَفْعِ الصَّوْتِ عَلَيْهِ (وَنِدَائِهِ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ) أَيْ الْمَحَلِّ الَّذِي يَحْتَجِبُ عَنْ النَّاسِ فِيهِ بِحَائِطٍ وَنَحْوِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ (وَبِاسْمِهِ) كَيَا مُحَمَّدٍ فِي حَيَاتِهِ، وَكَذَا بَعْدَ وَفَاتِهِ إلَّا إذَا اقْتَرَنَ بِمَا يُفِيدُ التَّعْظِيمَ مِنْ صَلَاةٍ عَلَيْهِ أَوْ سِيَادَةٍ.
ثُمَّ ذَكَرَ قِسْمَ الْمُبَاحِ لَهُ بِقَوْلِهِ (وَإِبَاحَةِ الْوِصَالِ) بِأَنْ يُتَابِعَ الصَّوْمَ مِنْ غَيْرِ إفْطَارٍ وَيُكْرَهَ لِغَيْرِهِ (وَدُخُولِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ)
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَالَتْ لَهُ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَتَبَدُّلِ أَزْوَاجِهِ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَدِّلَ أَزْوَاجَهُ اللَّاتِي خَيَّرَهُنَّ فَاخْتَرْنَهُ بِغَيْرِهِنَّ مُكَافَأَةً لَهُنَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} [الأحزاب: 52] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْ لَا يَحِلُّ لَك أَنْ تُطَلِّقَ امْرَأَةً مِنْ أَزْوَاجِك وَتَنْكِحَ غَيْرَهَا وَهَذَا لَمْ يُنْسَخْ وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّهُ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50] أَيْ إنَّا أَحْلَلْنَا لَك كُلَّ زَوْجَةٍ دَفَعْت صَدَاقَهَا لِأَجْلِ أَنْ يَكُونَ لَك الْمِنَّةُ عَلَيْهِنَّ بِتَرْكِ التَّزَوُّجِ عَلَيْهِنَّ مَعَ كَوْنِهِ حَلَالًا لَك، وَعَلَى هَذَا فَحُرْمَةُ تَبَدُّلِ الْأَزْوَاجِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ أَوَّلًا قَبْلَ النَّسْخِ.
(قَوْلُهُ: وَنِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ الْحُرَّةِ) وَكَذَا الْأَمَةُ فَلَا مَفْهُومَ لِلْحُرَّةِ، إذْ الْكِتَابِيَّةُ يَحْرُمُ نِكَاحُهَا مُطْلَقًا حُرَّةً أَوْ أَمَةً لَكِنَّ حُرْمَةَ نِكَاحِ الْحُرَّةِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ وَحُرْمَةَ نِكَاحِ الْأَمَةِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ بَلْ وَكَذَلِكَ أَمَتُهُ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ) أَيْ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُصَّ بِحُرْمَةِ نِكَاحِهَا عَلَى الدَّوَامِ لِانْتِفَاءِ شَرْطَيْ جَوَازِ نِكَاحِهَا بِالنِّسْبَةِ لَهُ وَهُمَا خَشْيَةُ الْعَنَتِ وَعَدَمُ وُجُودِ طَوْلِ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومُ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ مَهْرٍ وَمُنِعَ نِكَاحُهَا فِي حَقِّنَا فَلَيْسَ أَبَدِيًّا، إذْ يَجُوزُ مَعَ وُجُودِ الشَّرْطَيْنِ وَيُمْنَعُ مَعَ فَقْدِهِمَا، وَأَمَّا وَطْؤُهُ لَهَا بِالْمِلْكِ فَجَائِزٌ، وَأَمَّا وَطْءُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ بِالْمِلْكِ فَفِي عبق أَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: فَلَا مَفْهُومَ إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ عَنْهَا فَلَا تَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ بَنَى بِهَا أَوْ لَا، وَأَمَّا الَّتِي طَلَّقَهَا فَإِنْ كَانَ قَدْ وَطِئَهَا حَرُمَتْ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ لَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَذَلِكَ كَالْعَائِذَةِ فَإِنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا وَتَزَوَّجَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِالْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، هَذَا وَفِي ح الصَّحِيحُ أَنَّ مَدْخُولَتَهُ الَّتِي طَلَّقَهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا لِلْقُرْطُبِيِّ وَابْنِ شَاسٍ قَالَهُ عج وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الَّتِي اخْتَلَى بِهَا وَلَمْ يَمَسَّهَا، وَأَمَّا مَنْ مَسَّهَا فَلَا خِلَافَ فِي حُرْمَتِهَا عَلَى غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ) أَيْ يَصْلُحَ عَلَى شَيْءٍ يُؤْخَذُ مِنْ الْعَدُوِّ كُلَّ سَنَةٍ كَالْجِزْيَةِ أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ بِهَزْمِ الْعَدُوِّ، وَقَوْلُهُ: فَلَا يَتَعَيَّنُ الْقِتَالُ بِالْفِعْلِ أَيْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ.
(قَوْلُهُ: لِيَسْتَكْثِرَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6] فَقَدْ قِيلَ: إنَّ مَعْنَاهُ لَا تُعْطِ عَطِيَّةً لِتَطْلُبَ أَكْثَرَ مِنْهَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تُعْطِ عَطِيَّةً مُسْتَكْثِرًا لَهَا أَيْ تَعُدُّهَا كَثِيرَةً أَيْ لَا تَسْتَكْثِرْ مَا تَمُنُّ بِهِ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يُظْهِرَ خِلَافَ مَا يُضْمِرُ) أَيْ فَشُبِّهَ مَا يُضْمِرُهُ الْمُظْهِرُ لِخِلَافِهِ بِالْخِيَانَةِ لِإِخْفَائِهِ وَحُرْمَةِ إظْهَارِ خِلَافِ مَا يُبْطِنُ فِي حَقِّهِ عليه الصلاة والسلام بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْحُرُوبِ، وَأَمَّا فِيهَا فَقَدْ أُبِيحَ لَهُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ سَفَرًا لِغَزْوِ مَحَلٍّ يُورَى بِغَيْرِهِ بِأَنْ يَسْأَلَ عَنْ طَرِيقِ مَحَلٍّ آخَرَ وَعَنْ سُهُولَتِهَا وَعَنْ حَالِ الْمَاءِ فِيهَا لِيُوهِمَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ لِذَلِكَ الْمَحَلِّ الَّذِي يَسْأَلُ عَنْ طَرِيقِهِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ عَازِمٌ عَلَى السَّفَرِ لِغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: وَالْحُكْمِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَارِبِهِ) هَذَا شُرُوعٌ فِي الْمُحَرَّمِ عَلَيْنَا لِأَجْلِهِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ غَيْرِهِ عَدَاوَةٌ أَيْ خُصُومَةٌ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَهُمَا بِالصُّلْحِ بِحَيْثُ يَحْكُمُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِشَيْءٍ أَوْ يُصْلِحُ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ حُكْمِ شَيْءٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنَّ الَّذِي يَسْعَى بِالصُّلْحِ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَكُونُ لَهُ شَأْنٌ عَلَيْهِمَا
(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ إفْطَارٍ) أَيْ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ وَيَدُلُّ لِإِبَاحَةِ الْوِصَالِ لَهُ وَكَرَاهَتِهِ لِغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: عليه الصلاة والسلام حِين نَهَى عَنْهُ وَفَعَلَهُ وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ «لَسْت كَأَحَدِكُمْ إنِّي أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي» اهـ. وَهِيَ عِنْدِيَّةٌ مَكَانَةً لَا عِنْدِيَّةُ مَكَان وَهَلْ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ حَقِيقَةً أَوْ كِنَايَةً عَنْ إعْطَاءِ الْقُوَّةِ وَالْأَوَّلُ لِلسُّيُوطِيِّ فَقَالَ: إنَّهُ يُطْعَمُ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ وَيُسْقَى مِنْ مَائِهَا وَطَعَامُهَا لَا يُفْطِرُ.
(قَوْلُهُ: وَدُخُولِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَحَصْرِ عَدُوٍّ بِأَنْ يَدْخُلَهَا لِتِجَارَةٍ مَثَلًا، وَأَمَّا جَوَازُ دُخُولِهَا بِلَا إحْرَامٍ لِعُذْرٍ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ