الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ (إلَّا أَنْ يُعْرَفَ) الْإِشْهَادُ أَيْ يَجْرِيَ بِهِ الْعُرْفُ، أَوْ يُشْتَرَطَ فَيَلْزَمَهُ فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا وَهُوَ مُتَّهَمٌ لَزِمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ بِهِ عُرْفٌ وَأَشَارَ إلَى الْمَضْمُونَةِ فِي الذِّمَّةِ بِقَوْلِهِ (وَقَامَ وَارِثُهُ) أَيْ وَارِثُ الْأَجِيرِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ (مَقَامَهُ) أَيْ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ أَيْ إنْ شَاءَ (فِي) قَوْلِ الْمُوصِي (مَنْ يَأْخُذُهُ) أَيْ الْأَجْرَ، أَوْ ادْفَعُوهُ لِمَنْ يَأْخُذُهُ (فِي حَجَّةٍ) فَيَرْضَى إنْسَانٌ وَإِنَّمَا قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ لِأَنَّهُ كِرَاءٌ مَضْمُونٌ لَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ (وَلَا يَسْقُطُ فَرْضُ مَنْ حُجَّ عَنْهُ) وَلَا يُكْتَبُ لَهُ نَافِلَةً أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ (وَلَهُ) أَيْ لِمَنْ حُجَّ عَنْهُ (أَجْرُ النَّفَقَةِ) الَّتِي أَخَذَهَا الْأَجِيرُ (وَ) لَهُ أَجْرُ (الدُّعَاءِ) الْوَاقِعِ مِنْ الْأَجِيرِ لَهُ وَلَهُ أَيْضًا أَجْرٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُتَسَبِّبٌ فِي الْخَيْرِ وَيَقَعُ لِلْأَجِيرِ نَافِلَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى حُكْمِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَشَرْطِ صِحَّتِهِمَا وَشَرْطِ وُجُوبِ الْحَجِّ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ مِنْهُمَا وَهُوَ أَرْكَانُهُمَا وَوَاجِبَاتُهُمَا وَسُنَنُهُمَا وَمَنْدُوبَاتُهُمَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فَقَالَ:
(وَرُكْنُهُمَا) أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ثَلَاثَةٌ وَيَخْتَصُّ الْحَجُّ بِرَابِعٍ وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، الْأَوَّلُ (الْإِحْرَامُ) وَهُوَ نِيَّةُ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ مَعَ قَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ مُتَعَلِّقَيْنِ بِهِ كَالتَّلْبِيَةِ وَالتَّجَرُّدِ مِنْ الْمَخِيطِ كَمَا يَأْتِي وَالرَّاجِحُ النِّيَّةُ فَقَطْ وَلَهُ مِيقَاتَانِ زَمَانِيٌّ وَمَكَانِيٌّ أَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (وَوَقْتُهُ) أَيْ ابْتِدَاءُ وَقْتِهِ بِالنِّسْبَةِ (لِلْحَجِّ شَوَّالٌ) لِفَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَيَمْتَدُّ زَمَنُ الْإِحْلَالِ مِنْهُ (لِآخِرِ الْحَجَّةِ) وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ جَمِيعَ الزَّمَنِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَقْتٌ لِجَوَازِ الْإِحْرَامِ كَمَا يُوهِمُهُ لَفْظُهُ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ بَعْضَ هَذَا الزَّمَنِ وَقْتٌ لِجَوَازِ ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ بِهِ وَهُوَ مِنْ شَوَّالٍ لِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، بَعْضُهُ وَقْتٌ لِجَوَازِ التَّحَلُّلِ وَهُوَ مِنْ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لِآخِرِ الْحَجَّةِ وَالْأَفْضَلُ لِأَهْلِ مَكَّةَ الْإِحْرَامُ مِنْ أَوَّلِ الْحَجَّةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَقَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ (وَكُرِهَ) الْإِحْرَامُ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ شَوَّالٍ
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ) أَيْ وَلَمْ يَقْبِضْهَا وَكَانَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ) إنْ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ كُلَّهَا، أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهَا وَإِنْ أَبَى فَإِنَّهُ يَسْتَأْجِرُ مِنْ تَرِكَةِ ذَلِكَ الْأَجِيرِ مَنْ يَحُجُّ بِأُجْرَةٍ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِتَلَفِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ أَيْ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا لَا إنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَسْقُطُ فَرْضُ مَنْ حُجَّ عَنْهُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَجْرُ الدُّعَاءِ) أَيْ ثَوَابُهُ وَفِيهِ أَنَّ ثَوَابَ الدُّعَاءِ لِلدَّاعِي وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ ثَوَابُ الْإِعَانَةِ عَلَى التَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ فِي الدُّعَاءِ وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ شَيْخُنَا جَعْلُ الدُّعَاءِ عَطْفًا عَلَى " أَجْرُ " أَيْ وَلَهُ الدُّعَاءُ أَيْ لَهُ بَرَكَتُهُ وَهُوَ الْمَدْعُوُّ بِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْأَجِيرُ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْ فُلَانًا، أَوْ اغْفِرْ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَعِبَارَةُ ابْنِ فَرْحُونٍ كَمَا فِي ح وَثَوَابُ الْحَجِّ لِلْحَاجِّ لَا لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ بَرَكَةُ الدُّعَاءِ وَثَوَابُ الْمُسَاعَدَةِ.
[أَرْكَانُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ]
(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَرْكَانُهُمَا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الرُّكْنَ هُوَ مَا لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا يُجْزِئُ بَدَلًا عَنْهُ دَمٌ وَلَا غَيْرُهُ وَهِيَ الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَيَزِيدُ الْحَجُّ عَلَى الْعُمْرَةِ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَهِيَ ثَلَاثُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَفُوتُ الْحَجُّ بِتَرْكِهِ وَلَا يُؤْمَرُ بِشَيْءٍ وَهُوَ الْإِحْرَامُ، وَقِسْمٌ يَفُوتُ الْحَجُّ بِفَوَاتِهِ وَيُؤْمَرُ بِالتَّحَلُّلِ بِعُمْرَةٍ وَبِالْقَضَاءِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ وَهُوَ الْوُقُوفُ، وَقِسْمٌ لَا يَفُوتُ الْحَجُّ بِفَوَاتِهِ وَلَا يَتَحَلَّلُ مِنْ الْإِحْرَامِ وَلَوْ وَصَلَ لِأَقْصَى الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ رَجَعَ لِمَكَّةَ لِيَفْعَلَهُ وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيُ. (قَوْلُهُ: وَوَاجِبَاتُهُمَا) هِيَ مَا يُطْلَبُ بِالْإِتْيَانِ بِهَا فَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا لَزِمَهُ دَمٌ كَطَوَافِ الْقُدُومِ وَالتَّلْبِيَةِ وَرَمْيِ الْعَقَبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَجَزَمَ ابْنُ الْحَاجِّ وَابْنُ فَرْحُونٍ بِالتَّأْثِيمِ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْهَا وَتَرَدَّدَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي الْإِثْمِ. (قَوْلُهُ: وَسُنَنُهُمَا) هِيَ مَا يُطْلَبُ بِالْإِتْيَانِ بِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَرْكِهَا. (قَوْلُهُ: ثَلَاثَةٌ) هِيَ الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ. (قَوْلُهُ: وَيَخْتَصُّ الْحَجُّ بِرَابِعٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَرْكَانَ الْأَرْبَعَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ لِلْحَجِّ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَهِيَ الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ وَالطَّوَافُ وَأَمَّا السَّعْيُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ رُكْنٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَرَوَى ابْنُ الْقَصَّارِ أَنَّهُ وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِالدَّمِ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزَادَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْأَرْكَانِ الْوُقُوفَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَرَمْيَ الْعَقَبَةِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمَا غَيْرُ رُكْنَيْنِ بَلْ الْأَوَّلُ مُسْتَحَبٌّ وَالثَّانِي وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِالدَّمِ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلًا بِرُكْنِيَّةِ طَوَافِ الْقُدُومِ وَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ بَلْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِالدَّمِ وَاخْتُلِفَ فِي اثْنَيْنِ خَارِجَ الْمَذْهَبِ وَهُمَا النُّزُولُ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالْحِلَاقُ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ يُجْبَرَانِ بِالدَّمِ فَهَذِهِ تِسْعَةُ أَرْكَانٍ بَيْنَ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٍ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ وَخَارِجِهِ قَالَ ح يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ إذَا أَتَى بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَنْوِيَ الرُّكْنِيَّةَ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ وَلِيَكْثُرَ الثَّوَابُ أَشَارَ لَهُ الشَّبِيبِيُّ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ النِّيَّةُ فَقَطْ) أَيْ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي حُرُمَاتِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ الْمُنْسَحِبَةِ حُكْمًا لِآخِرِ النُّسُكِ وَأَمَّا التَّلْبِيَةُ وَالتَّجَرُّدُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا وَاجِبٌ عَلَى حِدَتِهِ يُجْبَرُ بِالدَّمِ. (قَوْلُهُ: وَوَقْتُهُ) أَيْ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. (قَوْلُهُ: لِفَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ) الْأَوْلَى إلَى قَدْرِ الْوُقُوفِ قَبْلَ الْفَجْرِ لَيْلَةَ النَّحْرِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَيَمْتَدُّ زَمَنُ الْإِحْلَالِ مِنْهُ لِآخِرِ الْحَجَّةِ) أَيْ مِنْ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لِآخِرِ الْحَجَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ جَمِيعَ الزَّمَنِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَقْتٌ لِجَوَازِ الْإِحْرَامِ) أَيْ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ بَعْدَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إحْرَامٌ لِلْعَامِ الْقَابِلِ قَبْلَ وَقْتِهِ فَيُكْرَهُ. (قَوْلُهُ: بَلْ الْمُرَادُ إلَخْ) هَذَا الْمُرَادُ، وَإِنْ انْدَفَعَ بِهِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ لَكِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ الْوَقْتِ الَّذِي يُبْتَدَأُ فِيهِ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ لَا وَقْتِ التَّحَلُّلِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَالْأَفْضَلُ لِأَهْلِ مَكَّةَ الْإِحْرَامُ مِنْ أَوَّلِ الْحَجَّةِ إلَخْ) .
وَانْعَقَدَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ (كَمَكَانِهِ) أَيْ كَمَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ قَبْلَ مَكَانِهِ الْآتِي بَيَانُهُ (وَفِي) كَرَاهَةِ الْإِحْرَامِ بِهِمَا مِنْ (رَابِغٍ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا قَبْلَ الْجُحْفَةِ، وَعَدَمِ كَرَاهَتِهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْجُحْفَةِ وَمُتَّصِلٌ بِهَا وَهُوَ الْأَرْجَحُ (تَرَدُّدٌ وَصَحَّ) الْإِحْرَامُ قَبْلَ مِيقَاتِهِ الزَّمَانِيِّ وَالْمَكَانِيِّ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ كَمَالٍ لَا وَقْتُ وُجُوبٍ (وَ) وَقْتُهُ بِالنِّسْبَةِ (لِلْعُمْرَةِ أَبَدًا) أَيْ فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْ السَّنَةِ (إلَّا لِمُحْرِمٍ بِحَجٍّ فَلِتَحَلُّلِهِ) مِنْهُ بِالْفَرَاغِ مِنْ جَمِيعِ أَفْعَالِهِ مِنْ طَوَافٍ وَسَعْيٍ وَرَمْيِ الرَّابِعِ، أَوْ قَدْرِ رَمْيِهِ لِمَنْ تَعَجَّلَ بِأَنْ يَمْضِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ مَا يَسَعُ الرَّمْيَ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَنْعَقِدْ (وَكُرِهَ) الْإِحْرَامُ بِهَا (بَعْدَهُمَا) أَيْ بَعْدَ التَّحَلُّلَيْنِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ وَالْأَوْلَى بَعْدَهُ بِالْإِفْرَادِ أَيْ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْفَرَاغُ مِنْ جَمِيعِ أَفْعَالِ الْحَجِّ (وَقَبْلَ غُرُوبِ) الْيَوْمِ (الرَّابِعِ) فَإِنْ أَحْرَمَ صَحَّ إحْرَامُهُ بِهَا لَكِنْ لَا يَفْعَلُ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَإِلَّا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ حَتَّى لَوْ تَحَلَّلَ مِنْهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ وَوَطِئَ أَفْسَدَهَا وَقَضَاهَا بَعْدَ إتْمَامِهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ. .
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْمِيقَاتِ الزَّمَانِيِّ شَرَعَ فِي الْمَكَانِيِّ عَاطِفًا لَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَقْتُهُ فَقَالَ (وَمَكَانُهُ) أَيْ الْإِحْرَامِ (لَهُ) أَيْ لِلْحَجِّ غَيْرَ قِرَانٍ بِالنِّسْبَةِ (لِلْمُقِيمِ) بِمَكَّةَ مُتَوَطِّنًا بِهَا أَمْ لَا، كَانَتْ الْإِقَامَةُ تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ أَمْ لَا، (بِمَكَّةَ) أَيْ الْأَوْلَى لِغَيْرِ ذِي النَّفْسِ لَا الْمُتَعَيَّنُ فَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ، أَوْ مِنْ الْحَرَمِ خَالَفَ الْأَوْلَى وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَمِثْلُ الْمُقِيمِ بِهَا مَنْ مَنْزِلُهُ بِالْحَرَمِ كَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ (وَنُدِبَ) لَهُ الْإِحْرَامُ (بِالْمَسْجِدِ) أَيْ فِي جَوْفِهِ مَوْضِعِ صَلَاتِهِ وَيُلَبِّي وَهُوَ جَالِسٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ مِنْ مُصَلَّاهُ وَلَا أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى جِهَةِ الْبَيْتِ وَشُبِّهَ فِي الِاسْتِحْبَابِ قَوْلُهُ (كَخُرُوجِ) الْمُقِيمِ بِهَا الْآفَاقِيِّ (ذِي التَّفَثِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ مَعَهُ سَعَةُ زَمَنٍ يُمْكِنُهُ فِيهِ الْخُرُوجُ لِمِيقَاتِهِ، وَإِدْرَاكُ الْحَجِّ فَيُنْدَبُ لَهُ الْخُرُوجُ (لِمِيقَاتِهِ وَ) لِأَنَّ مَكَانَ الْإِحْرَامِ (لَهَا) أَيْ لِلْعُمْرَةِ لِمَنْ بِمَكَّةَ (وَلِلْقِرَانِ الْحِلُّ) لِيَجْمَعَ فِي إحْرَامِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فِي الصُّورَتَيْنِ كَمَا هُوَ الشَّرْطُ فِي كُلِّ إحْرَامٍ، وَلَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحَرَمِ، وَانْعَقَدَ إنْ وَقَعَ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ لِلْحِلِّ كَمَا يَأْتِي (وَالْجِعْرَانَةُ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمُهْمَلَةِ، وَبِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ (أَوْلَى) مِنْ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْحِلِّ بِالْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ مِنْهَا لِاعْتِمَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ اعْتَمَرَ مِنْهَا ثَلَثُمِائَةِ نَبِيٍّ (ثُمَّ) يَلِيهَا فِي الْفَضْلِ (التَّنْعِيمُ) الْمُسَمَّى الْآنَ بِمَسَاجِدِ عَائِشَةَ رضي الله عنها بِالنِّسْبَةِ لِلْعُمْرَةِ أَيْضًا وَأَمَّا الْقِرَانُ فَلَا يُطْلَبُ فِيهِ مَكَانٌ مُعَيَّنٌ فَإِنْ أَحْرَمَ لَهَا فِي الْحَرَمِ خَرَجَ لِلْحِلِّ لِيَجْمَعَ فِي إحْرَامِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ.
ــ
[حاشية الدسوقي]
أَيْ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَوَقْتُهُ لِلْحَجِّ شَوَّالٌ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِمْ. (قَوْلُهُ: وَانْعَقَدَ) أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَنْ مَالِكٍ عَدَمُ انْعِقَادِهِ كَذَا فِي عبق وَمِثْلُهُ فِي ح عَنْ ابْنِ فَرْحُونٍ. (قَوْلُهُ: تَرَدُّدٌ) أَيْ بَيْنَ شَيْخَيْ الْمُصَنِّفِ فَالْأَوَّلُ لِسَيِّدِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ وَالثَّانِي لِسَيِّدِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ نَقْلًا عَنْ شَيْخِهِ الزَّوَاوِيِّ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ الْإِحْرَامُ قَبْلَ مِيقَاتِهِ الزَّمَانِيِّ) أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَوْلُهُ " وَالْمَكَانِيِّ " أَيْ اتِّفَاقًا وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ كَمَالٍ إلَخْ أَيْ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَفْسُدُ قَبْلَ وَقْتِهَا لِأَنَّهُ وَقْتُ وُجُوبٍ، ثُمَّ إنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَصَحَّ " لَزِمَ وَأَتَى بِهِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ قَطْعِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ زَمَانِهِ، أَوْ مَكَانِهِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَالصَّلَاةِ بِوَقْتِ نَهْيٍ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَصَحَّ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ الْكَرَاهَةِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَلِتَحَلُّلِهِ) أَيْ فَمِنْ وَقْتِ تَحَلُّلِهِ مِنْهُ وَقَوْلُهُ: بِالْفَرَاغِ إلَخْ تَصْوِيرٌ لِلتَّحَلُّلِ مِنْهُ وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ بِحَجٍّ وَلَوْ قَالَ إلَّا لِمُحْرِمٍ بِنُسُكٍ كَانَ أَوْلَى إذْ لَا تَنْعَقِدُ عُمْرَةٌ عَلَى حَجٍّ وَلَا عَلَى عُمْرَةٍ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ) أَيْ وَهُمَا رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى بَعْدَهُ) لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِهَا بَعْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَبَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَقَبْلَ رَمْيِ الرَّابِعِ، أَوْ مُضِيِّ قَدْرِهِ تَكُونُ صَحِيحَةً مَعَ الْكَرَاهَةِ مَعَ أَنَّهَا فَاسِدَةٌ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: صَحَّ إحْرَامُهُ بِهَا) أَيْ مَعَ الْكَرَاهَةِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ تَحَلَّلَ مِنْهَا) أَيْ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا وَقَوْلُهُ: لَكِنْ لَا يَفْعَلُ مِنْهَا شَيْئًا إلَخْ مِنْ جُمْلَةِ عَمَلِهَا الدُّخُولُ لِلْحَرَمِ بِسَبَبِهَا فَإِذَا دَخَلَهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ لِأَجْلِهَا أَعَادَهُ.
(قَوْلُهُ: غَيْرَ قِرَانٍ) أَيْ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْإِحْرَامِ غَيْرَ قِرَانٍ أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَنْ بِمَكَّةَ أَرَادَ الْإِحْرَامَ عَلَى وَجْهِ الْقِرَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ لِلْحِلِّ وَيُحْرِمُ مِنْهُ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: أَيْ الْأَوْلَى لِغَيْرِ ذِي النَّفْسِ) أَيْ مَكَانُهُ الْأَوْلَى لَا الْمُتَعَيَّنُ وَقَوْلُهُ: لِغَيْرِ ذِي النَّفْسِ أَيْ وَأَمَّا ذُو النَّفْسِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ لِمِيقَاتِهِ لِيُحْرِمَ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: لِغَيْرِ ذِي النَّفْسِ) أَيْ لِغَيْرِ الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ الْآفَاقِيِّ ذِي النَّفْسِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ أَحْرَمَ) أَيْ الْمُقِيمُ بِمَكَّةَ مِنْ الْحِلِّ وَقَوْلُهُ: أَوْ مِنْ الْحَرَمِ أَيْ غَيْرِ مَكَّةَ كَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ. (قَوْلُهُ: وَنُدِبَ لَهُ) أَيْ لِلْمُقِيمِ بِمَكَّةَ وَقَوْلُهُ: " الْإِحْرَامُ بِالْمَسْجِدِ " أَيْ الْإِحْرَامُ فِيهِ وَقَوْلُهُ: " مَوْضِعِ صَلَاتِهِ " أَيْ الَّتِي يُحْرِمُ بَعْدَهَا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا. (قَوْلُهُ: أَنْ يَقُومَ مِنْ مُصَلَّاهُ) أَيْ ثُمَّ يُلَبِّي بَعْدَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: الْحِلُّ) الْمُرَادُ بِهِ مَا جَاوَزَ الْحَرَمَ. (قَوْلُهُ: لِيَجْمَعَ إلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْعُمْرَةِ وَأَمَّا فِي الْقِرَانِ فَالْجَمْعُ بِالنِّسْبَةِ لِلْعُمْرَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا الْقِرَانُ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لِعَرَفَةَ إنَّمَا هُوَ لِلْحَجِّ فَقَطْ لَكِنْ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ الْقَارِنُ لِلْحِلِّ لَكَفَاهُ خُرُوجُهُ لِعَرَفَةَ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لِلْحِلِّ ابْتِدَاءً وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ الشَّرْطُ) أَيْ وَلَا يَرِدُ إحْرَامُ الْمُفْرِدِ لِلْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ لِعَرَفَةَ وَهِيَ فِي الْحِلِّ فَقَدْ جَمَعَ فِي إحْرَامِهِ لِلْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَلِيهَا إلَخْ) تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ مَا فِي النَّوَادِرِ لَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ كَمَا قَالَ بَهْرَامُ وَابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ لَا أَفْضَلِيَّةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ كَمَا فِي (قَوْلِهِ: الْمُسَمَّى الْآنَ بِمَسَاجِدِ عَائِشَةَ) قِيلَ إنَّمَا سُمِّيَ التَّنْعِيمُ بِذَلِكَ -.
(وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ أَعَادَ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ) إنْ فَعَلَهُمَا قَبْلَ خُرُوجِهِ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ خُرُوجِهِ لِلْحِلِّ وَرُجُوعِهِ لِفَسَادِهِمَا قَبْلَ الْخُرُوجِ (وَأَهْدَى إنْ حَلَقَ) بَعْدَ سَعْيِهِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهُ حَلَقَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَالتَّعْبِيرُ بِأَهْدَى تَجَوُّزٌ عَنْ افْتَدَى وَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ بِالْقِرَانِ مِنْ الْحَرَمِ فَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ لِلْحِلِّ أَيْضًا لَكِنَّهُ لَا يَطُوفُ وَيَسْعَى بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، وَالسَّعْيَ بَعْدَهُ يَنْدَرِجُ فِيهِمَا طَوَافُ وَسَعْيُ الْعُمْرَةِ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى خَرَجَ لِعَرَفَةَ فَطَافَ لِلْإِفَاضَةِ وَسَعَى فَاسْتُظْهِرَ الْإِجْزَاءُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ قَبْلَ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لِعَرَفَةَ لَمْ يَكُنْ لِلْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالْحَجِّ وَإِنَّمَا أَجْزَأَ؛ لِأَنَّ طَوَافَهَا لَمَّا انْدَرَجَ فِي طَوَافِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الشَّرْطِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ أَغْنَى عَنْ طَوَافِهَا وَكَذَا السَّعْيُ (وَإِلَّا) يَكُنْ مُقِيمًا بِمَكَّةَ وَمَا فِي حُكْمِهَا مِمَّا سَبَقَ (فَلَهُمَا) أَيْ فَالْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (ذُو الْحُلَيْفَةِ) تَصْغِيرُ حَلْفَةَ، لِلْمَدَنِيِّ وَمَنْ وَرَاءَهُ (وَالْجُحْفَةُ) لِأَهْلِ مِصْرَ وَالْمَغْرِبِ وَالتَّكْرُورِ وَالشَّامِ وَالرُّومِ (وَيَلَمْلَمُ) لِأَهْلِ الْيَمَنِ وَالْهِنْدِ (وَقَرْنٌ) لِأَهْلِ نَجْدِ الْيَمَنِ وَنَجْدِ الْحِجَازِ (وَذَاتُ عِرْقٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَفَارِسَ وَخُرَاسَانَ وَالْمَشْرِقِ وَمَنْ وَرَاءَهُمْ.
(وَ) مَكَانُهُ لَهُمَا (مَسْكَنٌ دُونَهَا) أَيْ الْمَوَاقِيتِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِأَنْ كَانَ الْمَسْكَنُ أَقْرَبَ لِمَكَّةَ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ فَيُحْرِمُ مِنْ مَسْكَنِهِ أَوْ مَسْجِدِهِ إنْ أَفْرَدَ كَأَنْ قَرَنَ أَوْ اعْتَمَرَ وَكَانَ بِالْحِلِّ فَإِنْ كَانَ بِالْحَرَمِ خَرَجَ لِلْحِلِّ عَلَى مَا مَرَّ وَمَسْكَنٌ بِالتَّنْوِينِ (وَ) مَكَانُهُ لَهُمَا أَيْضًا (حَيْثُ) أَيْ مَكَانٌ (حَاذَى) أَيْ قَابَلَ فِيهِ (وَاحِدًا) مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ (أَوْ مَرَّ) بِهِ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْمُحَاذِي مُسَافِرًا (بِبَحْرٍ) لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ تَقْيِيدُهُ بِبَحْرِ الْقُلْزُمِ وَهُوَ بَحْرُ السُّوَيْسِ وَهُوَ نَاحِيَةُ مِصْرَ حَيْثُ يُحَاذِي بِهِ الْجُحْفَةَ فَإِنْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْهُ لِلْبَرِّ لَزِمَهُ دَمٌ وَأَمَّا بَحْرُ عَيْذَابٍ وَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ الْيَمَنِ وَالْهِنْدِ فَلَا يَلْزَمُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ بِمُحَاذَاةِ الْمِيقَاتِ أَيْ الْجُحْفَةِ أَيْضًا لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ أَنَّ الرِّيحَ تَرُدُّهُ فَيَجُوزُ أَنْ يُؤَخِّرَ لِلْبَرِّ
ــ
[حاشية الدسوقي]
لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُخْرِجَ أُخْتَهُ عَائِشَةَ لَهُ لِتُحْرِمَ مِنْهُ» . (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) أَيْ لِلْحِلِّ مَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْحَرَمِ أَعَادَ (طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ) بَعْدَ خُرُوجِهِ لِلْحِلِّ وَرُجُوعِهِ مِنْهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ أَحْرَمَ بِالْقِرَانِ مِنْ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ لِلْحِلِّ حَتَّى خَرَجَ لِعَرَفَةَ وَطَافَ وَسَعَى فَإِنَّهُ يَجْزِيهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ كَمَا فِي ح وشب. (قَوْلُهُ: لِفَسَادِهِمَا قَبْلَ الْخُرُوجِ) أَيْ لِأَنَّهُمَا فُعِلَا بِغَيْرِ شَرْطِهِمَا. (قَوْلُهُ: عَنْ " افْتَدَى ") أَيْ لِأَنَّ الْحِلَاقَ لَا هَدْيَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ فِيمَا يَتَرَفَّهُ بِهِ، أَوْ يُزِيلُ أَذًى، وَالْحِلَاقُ يَتَرَفَّهُ بِهِ وَقَدْ يُزِيلُ أَذًى كَمَا لَوْ كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَى بَقَاءِ الشَّعْرِ حُصُولُ صُدَاعٍ وَكَانَ الْحِلَاقُ يُزِيلُهُ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ لَا يَطُوفُ وَيَسْعَى بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ خُرُوجِهِ وَالْأَوْلَى حَذْفُ هَذَا؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ فِي الْقَارِنِ الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ وَهَذَا لَا يَكُونُ سَعْيُهُ إلَّا بَعْدَ الْإِفَاضَةِ إذْ لَا قُدُومَ عَلَيْهِ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْخُرُوجِ لِعَرَفَةَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا الِاسْتِدْرَاكِ فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَجْزَأَ) أَيْ خُرُوجُهُ لِعَرَفَةَ مَعَ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْحَجِّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَقْصُودُ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْحَجَّ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا السَّعْيُ) أَيْ وَكَذَلِكَ سَعْيُهَا لَمَّا كَانَ مُنْدَرِجًا فِي سَعْيِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الشَّرْطِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ أَغْنَى عَنْ سَعْيِهَا. (قَوْلُهُ: وَمَا فِي حُكْمِهَا) أَيْ وَهُوَ الَّذِي مَنْزِلُهُ بِالْحَرَمِ كَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَغَيْرِهِمَا.
(قَوْلُهُ: دُونَهَا) نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٍ لِمَسْكَنٍ أَيْ مَسْكَنٌ كَائِنٌ دُونَهَا وَقَوْلُهُ: وَمَسْكَنٌ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ ذُو الْحُلَيْفَةِ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ وَقَوْلُهُ " وَمَسْكَنٌ دُونَهَا " أَيْ لِجِهَةِ مَكَّةَ بِأَنْ يَكُونَ الْمِيقَاتُ خَلْفَ مَنْزِلِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ دُونَهَا جِهَةَ الذَّاهِبِ لِمَكَّةَ بِحَيْثُ يَكُونُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَوَاقِيتِ كَقُدَيْدٍ وَعُسْفَانَ وَمَرِّ الظَّهْرَانِ الْمُسَمَّى الْآنَ بِوَادِي فَاطِمَةَ فَمِيقَاتُهُ مَنْزِلُهُ، أَوْ مَسْجِدُهُ إنْ أَفْرَدَ وَتَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ عَنْ مَنْزِلِهِ كَتَأْخِيرِهِ عَنْ الْمَوَاقِيتِ فِي لُزُومِ الدَّمِ. (قَوْلُهُ: وَحَيْثُ حَاذَى وَاحِدًا) حَيْثُ: اسْمُ مَكَان مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَطْفًا عَلَى ذُو مِنْ " ذُو الْحُلَيْفَةِ " أَيْ وَمَكَانٌ حَاذَى فِيهِ وَاحِدًا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَكَانُ الْمُحَاذِي مَسْكَنًا لِذَلِكَ الْمُحْرِمِ أَوْ كَانَ الْمُحْرِمُ مَارًّا فِي ذَلِكَ الْمُحَاذِي. (قَوْلُهُ: أَيْ قَابَلَ فِيهِ وَاحِدًا) الْأَوْلَى سَامَتَ فِيهِ وَاحِدًا أَيْ بِمَيَامِنِهِ، أَوْ مَيَاسِرِهِ وَأَمَّا إذَا حَاذَاهُ بِمُقَابَلَةٍ فَلَا يُحْرِمُ إلَّا إذَا أَتَاهُ بِالْفِعْلِ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَرَّ) عَطْفٌ عَلَى حَاذَى أَيْ وَمَكَانُهُ لَهُمَا مَكَانٌ مَرَّ بِهِ مِنْهُمَا وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ فَغَايَرَ قَوْلَهُ: وَإِلَّا فَلَهُمَا ذُو الْحُلَيْفَةِ إلَخْ، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ تَقْيِيدُهُ إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّ الْمُسَافِرَ فِي الْبَحْرِ يُحْرِمُ إذَا حَاذَى الْمِيقَاتَ وَلَا يُؤَخِّرُ إلَى الْبَرِّ سَوَاءٌ كَانَ بَحْرَ الْقُلْزُمِ، أَوْ بَحْرَ عَيْذَابٍ وَقَوْلُهُ: لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ تَقْيِيدُهُ إلَخْ هَذَا التَّفْصِيلُ لِسَنَدٍ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وح وَقَالَ: إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ يُحَاذِي بِهِ) أَيْ فِيهِ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ دَمٌ) فِي بْن خِلَافُهُ وَأَنَّ رَاكِبَ الْبَحْرِ يُرَخَّصُ لَهُ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ لِلْبَرِّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا فِي بَحْرِ الْقُلْزُمِ، أَوْ بَحْرِ عَيْذَابٍ نَعَمْ إذَا أَرَادَ الْأَوَّلُ أَنْ يُقَدِّمَ الْإِحْرَامَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ لِلْبَرِّ فَالْمَكَانُ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْهُ الْمَكَانُ الْمُحَاذِي لِمِيقَاتِهِ الَّذِي هُوَ الْجُحْفَةُ. (قَوْلُهُ: عَيْذَابٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَقِيلَ: إنَّهُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ. (قَوْلُهُ: بِمُحَاذَاةِ الْمِيقَاتِ) بَلْ يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْبَرَّ. (قَوْلُهُ: الْجُحْفَةِ أَيْضًا) فِيهِ أَنَّ مِيقَاتَهُ الَّذِي يُحَاذِيهِ يَلَمْلَمُ. (قَوْلُهُ: أَنَّ الرِّيحَ تَرُدُّهُ) وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّفَرَ مِنْهُ -.
بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (إلَّا كَمِصْرِيٍّ) وَمَغْرِبِيٍّ وَشَامِيٍّ (يَمُرُّ بِالْحُلَيْفَةِ) قَاصِدًا الْمُرُورَ بِالْجُحْفَةِ، أَوْ مُحَاذَاتَهَا (فَهُوَ) أَيْ إحْرَامُهُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ (أَوْلَى) فَقَطْ لَا وَاجِبٌ لِأَنَّ مِيقَاتَهُ أَمَامَهُ.
(وَإِنْ لِحَيْضٍ) أَيْ أَوْلَى، وَإِنْ لِذَاتِ حَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ (رُجِيَ رَفْعُهُ) قَبْلَ الْجُحْفَةِ فَالْأَوْلَى لَهَا الْإِحْرَامُ مِنْ الْحُلَيْفَةِ، وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى إحْرَامِهَا الْآنَ بِلَا صَلَاةٍ؛ لِأَنَّهَا تُقِيمُ فِي الْعِبَادَةِ أَيَّامًا قَبْلَ أَنْ تَصِلَ لِلْجُحْفَةِ فَلَا يَفِي رُكُوعُهَا لِلْإِحْرَامِ الْمُتَأَخِّرِ بِفَضْلِ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ مَعَ كَوْنِ إحْرَامِهَا الْمُتَقَدِّمِ مِنْ مِيقَاتِهِ عليه الصلاة والسلام فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمَارُّ بِالْحُلَيْفَةِ الْمُرُورَ بِالْجُحْفَةِ وَلَا مُحَاذَاتِهَا وَجَبَ إحْرَامُهُ مِنْ الْحُلَيْفَةِ وَشُبِّهَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ قَوْلُهُ (كَإِحْرَامِهِ) أَيْ مُرِيدِ الْإِحْرَامِ مِنْ أَيِّ مِيقَاتٍ (أَوَّلَهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُبَادَرَةِ لِلطَّاعَةِ إلَّا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَالْأَفْضَلُ الْإِحْرَامُ مِنْ مَسْجِدِهَا، أَوْ فِنَائِهِ لَا مِنْ أَوَّلِهِ (وَ) كَ (إزَالَةِ شَعَثِهِ) مِنْ تَقْلِيمِ ظُفُرٍ وَقَصِّ شَارِبٍ وَحَلْقِ عَانَةٍ وَنَتْفِ إبِطٍ وَإِزَالَةِ شَعْرِ بَدَنِهِ إلَّا شَعْرَ رَأْسِهِ فَالْأَفْضَلُ إبْقَاؤُهُ طَلَبًا لِلشَّعْثِ فِي الْحَجِّ وَالشَّعَثُ الدَّرَنُ وَالْوَسَخُ وَالْقَشَفُ (وَتَرْكِ اللَّفْظِ بِهِ) أَيْ بِالْإِحْرَامِ بِأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى النِّيَّةِ أَوْلَى كَالصَّلَاةِ.
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْمِيقَاتِ وَأَهْلِهِ شَرَعَ فِي تَقْسِيمِ الْمَارِّ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ إحْرَامِهِ وَعَدَمِهِ إلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مُرِيدٌ لِمَكَّةَ، أَوْ لَا، وَالْمُرِيدُ إمَّا أَنْ يَتَرَدَّدَ، أَوْ لَا فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا بِالْحَجِّ، أَوْ لَا فَقَالَ:
(وَالْمَارُّ بِهِ) أَيْ بِالْمِيقَاتِ (إنْ لَمْ يُرِدْ مَكَّةَ) بِأَنْ كَانَتْ حَاجَتُهُ دُونَهَا، أَوْ فِي جِهَةٍ أُخْرَى كَانَ مِمَّنْ يُخَاطَبُ بِالْحَجِّ، أَوْ لَا (أَوْ) يُرِيدُهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِالْحَجِّ (كَعَبْدٍ) وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، أَوْ يُخَاطَبُ بِهِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ كَكَافِرٍ (فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ) فِي مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ حَلَالًا (وَإِنْ) بَدَا لَهُ دُخُولُهَا بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ، أَوْ أَذِنَ الْوَلِيُّ لِلْعَبْدِ، أَوْ الصَّبِيِّ، أَوْ أُعْتِقَ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ، أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَ (أَحْرَمَ) وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِفَرْضٍ، أَوْ نَفْلٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُمْ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُمْ جَاوَزُوا الْمِيقَاتَ قَبْلَ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ الْكَافِرِ، وَالْكَافِرُ جَاوَزَهُ فِي وَقْتٍ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِحْرَامُ.
(إلَّا الصَّرُورَةَ الْمُسْتَطِيعَ) الَّذِي أَحْرَمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بَعْدَ تَعَدِّي الْمِيقَاتِ حَلَالًا وَكَانَ حَالَ مُرُورِهِ غَيْرَ مُخَاطَبٍ لِعَدَمِ إرَادَتِهِ الدُّخُولَ (فَتَأْوِيلَانِ) فِي لُزُومِ الدَّمِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ بِإِحْرَامِهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ مُرِيدِ الْإِحْرَامِ حَالَ الْمُرُورِ، وَعَدَمُ لُزُومِهِ.
ــ
[حاشية الدسوقي]
فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ لَا مَعَ السَّاحِلِ فَإِذَا خَرَجَتْ عَلَيْهِ الرِّيحُ رَدَّتْهُ فَيَبْقَى مُحْرِمًا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ لِلْبَرِّ وَلِذَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي حَاذَى فِيهِ الْمِيقَاتَ بَلْ يُؤَخِّرُ إحْرَامَهُ حَتَّى يَصِلَ لِلْبَرِّ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَيْ لِأَنَّ السَّيْرَ فِيهِ مَعَ السَّاحِلِ فَيُمْكِنُهُ إذَا خَرَجَتْ عَلَيْهِ الرِّيحُ النُّزُولُ إلَى الْبَرِّ فَلِذَا تَعَيَّنَ إحْرَامُهُ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي يُحَاذِي فِيهِ الْمِيقَاتَ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ النُّزُولُ لِلْبَرِّ لَكِنَّ فِيهِ مَضَرَّةً بِمُفَارَقَةِ رَحْلِهِ فَلِذَا قِيلَ: إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي حَاذَى فِيهِ الْمِيقَاتَ بَلْ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَهُ حَتَّى يَصِلَ لِلْبَرِّ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إلَّا كَمِصْرِيٍّ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ مَرَّ بِهِ أَيْ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الْمَارِّ مِنْ الْمِيقَاتِ يَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ مِيقَاتُهُ أَمَامَهُ كَمِصْرِيٍّ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: الْآنَ) أَيْ مِنْ الْحُلَيْفَةِ. (قَوْلُهُ: أَوَّلَهُ) أَيْ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ لِآخِرِ الْمِيقَاتِ. (قَوْلُهُ: مِنْ مَسْجِدِهَا) أَيْ لِأَنَّهُ مَحَلُّ إحْرَامِهِ عليه الصلاة والسلام. (قَوْلُهُ: وَكَإِزَالَةِ شَعَثِهِ) أَيْ عِنْدَ التَّلَبُّسِ بِالْإِحْرَامِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى النِّيَّةِ) أَيْ نِيَّةِ الدُّخُولِ فِي حُرُمَاتِ الْحَجِّ، أَوْ الْعُمْرَةِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا بِالْحَجِّ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ السِّتَّةِ أَنَّ الْمَارَّ بِالْمِيقَاتِ إنْ لَمْ يُرِدْ مَكَّةَ سَوَاءٌ كَانَ مُخَاطَبًا بِالْحَجِّ، أَوْ لَا أَوْ أَرَادَهَا وَكَانَ غَيْرَ مُتَرَدِّدٍ وَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالْحَجِّ، أَوْ أَرَادَهَا وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ سَوَاءٌ كَانَ مُخَاطَبًا بِهِ أَوْ لَا فَفِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الْخَمْسَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ وَلَا دَمَ فِي مُجَاوَزَتِهِ حَلَالًا وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ لِمَكَانٍ قَرِيبٍ عَازِمًا عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ لَهَا وَلَوْ أَقَامَ بِهِ كَثِيرًا، ثُمَّ عَادَ لِأَمْرٍ عَاقَهُ عَنْ السَّفَرِ، أَوْ خَرَجَ لِمَكَانٍ قَرِيبٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْعَوْدَ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ كَثِيرًا وَأَمَّا إذَا أَرَادَهَا وَهُوَ مِمَّنْ يُخَاطَبُ بِالْحَجِّ وَكَانَ غَيْرَ مُتَرَدِّدٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَأَثِمَ إنْ جَاوَزَهُ حَلَالًا وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ أَرَادَهَا لِغَيْرِ نُسُكٍ كَتِجَارَةٍ، أَوْ لِكَوْنِهَا بَلَدَهُ فَإِنْ كَانَ أَرَادَهَا لِنُسُكٍ لَزِمَهُ الدَّمُ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ حَلَالًا إذَا لَمْ يَرْجِعْ لَهُ، وَيُحْرِمُ مِنْهُ فَإِذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ حَلَالًا وَأَحْرَمَ بَعْدَهُ ثُمَّ رَجَعَ لِلْمِيقَاتِ فَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ عَنْهُ وَلَا يَنْفَعُهُ رُجُوعُهُ لِلْمِيقَاتِ فِي سُقُوطِ الدَّمِ إلَّا إذَا رَجَعَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: كَانَ مِمَّنْ يُخَاطَبُ بِهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ حُرًّا مُكَلَّفًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَدَا لَهُ دُخُولُهَا) هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ وَلَا دَمَ وَهَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يُرِدْ مَكَّةَ، أَوْ " أَذِنَ إلَخْ " رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ، " أَوْ يُرِيدُهَا إلَخْ " فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَذِنَ الْوَلِيُّ لِلْعَبْدِ، أَوْ الصَّبِيِّ) أَيْ فِي الْإِحْرَامِ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَأَحْرَمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِفَرْضٍ، أَوْ نَفْلٍ) أَيْ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ.
. (قَوْلُهُ: إلَّا الصَّرُورَةَ إلَخْ) هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ الْمُبَالَغِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا إذَا أَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ لِلْمِيقَاتِ وَالتَّأْوِيلُ بِلُزُومِ الدَّمِ لِابْنِ شَبْلُونٍ وَالتَّأْوِيلُ بِعَدَمِ لُزُومِهِ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ، وَمَحَلُّ التَّأْوِيلَيْنِ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ أَرْبَعَةٍ: أَنْ يَحْصُلَ مِنْ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ حَلَالًا إحْرَامُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَنْ يَكُونَ صَرُورَةً، وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَطِيعًا، وَأَنْ يَكُونَ حِينَ مُرُورِهِ غَيْرَ مُخَاطَبٍ -.
نَظَرًا لِحَالِ مُرُورِهِ وَالرَّاجِحُ الثَّانِي فَإِنْ أَحْرَمَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَا دَمَ اتِّفَاقًا كَأَنْ لَمْ يَكُنْ صَرُورَةً، أَوْ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ.
(وَمُرِيدُهَا) أَيْ مَكَّةَ لَا يَخْلُو (إنْ تَرَدَّدَ) لَهَا مُتَسَبِّبًا بِفَاكِهَةٍ، أَوْ حَطَبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا (أَوْ عَادَ لَهَا) مِنْ قَرِيبٍ كَمَسَافَةِ قَصْرٍ فَدُونَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا لَا يُرِيدُ الْعَوْدَ وَلَوْ أَقَامَ بِهِ كَثِيرًا (لَأَمْرٍ) عَاقَهُ عَنْ السَّفَرِ، أَوْ يُرِيدُ الْعَوْدَ وَرَجَعَ مِنْ مَكَان قَرِيبٍ وَلَمْ يُقِمْ فِيهِ كَثِيرًا وَلَوْ لِغَيْرِ عَائِقٍ (فَكَذَلِكَ) أَيْ كَالْمَارِّ الَّذِي لَمْ يُرِدْهَا لَا يَلْزَمُهُ إحْرَامٌ وَلَا دَمٌ، وَإِنْ أَحْرَمَ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَرَادَهَا لِنُسُكٍ أَوْ تِجَارَةٍ، أَوْ لِأَنَّهَا بَلَدُهُ أَوْ عَادَ عَنْ بُعْدٍ فَإِنْ زَادَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، أَوْ عَادَ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَتَرْكِ السَّفَرِ (وَجَبَ) عَلَيْهِ (الْإِحْرَامُ) مِنْ الْمِيقَاتِ إنْ وَصَلَهُ، وَإِلَّا فَدُونَهُ (وَأَسَاءَ) أَيْ أَثِمَ (تَارِكُهُ) مِنْهُ وَلَا حَاجَةَ لَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَجَبَ بَلْ هُوَ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ؛ إذْ كَثِيرًا مَا يَسْتَعْمِلُ أَسَاءَ فِي الْكَرَاهَةِ فَيُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ التَّأْكِيدُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَمَا فِي الشُّرَّاحِ مَمْنُوعٌ وَلَمَّا أَوْهَمَ قَوْلُهُ وَجَبَ الْإِحْرَامُ إلَخْ أَنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ فِي مُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ حَلَالًا مُطْلَقًا مَعَ أَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلَا دَمَ) عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ وَلَوْ صَرُورَةً (إنْ لَمْ يَقْصِدْ) حَالَ مُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ بِدُخُولِهِ مَكَّةَ (نُسُكًا) بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ بِأَنْ قَصَدَ بِدُخُولِهِ التِّجَارَةَ مَثَلًا وَلَوْ بَدَا لَهُ النُّسُكُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَحْرَمَ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ مَكَّةَ لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ قَصْدَ مَكَّةَ كَقَصْدِ النُّسُكِ فِي لُزُومِ الدَّمِ وَاعْتَمَدُوهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَصَدَ نُسُكًا (رَجَعَ) وُجُوبًا لِلْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ (وَإِنْ شَارَفَهَا) أَيْ مَكَّةَ بَلْ، وَإِنْ دَخَلَهَا مَا لَمْ يُحْرِمْ فَلَوْ قَالَ، وَإِنْ دَخَلَهَا كَانَ أَخْصَرَ وَأَفْيَدَ وَأَسْلَمَ مِنْ الْإِيهَامِ (وَلَا دَمَ) عَلَيْهِ إذَا رَجَعَ قَبْلَ إحْرَامِهِ إنْ جَهِلَ حُرْمَةَ تَعَدِّي الْمِيقَاتِ حَلَالًا بَلْ
(وَإِنْ عَلِمَ) حُرْمَةَ ذَلِكَ وَمَحَلُّ الرُّجُوعِ (مَا لَمْ يَخَفْ) قَاصِدُ النُّسُكِ بِرُجُوعِهِ (فَوْتًا) لِنُسُكِهِ أَوْ رُفْقَتِهِ، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّجُوعِ لِكَمَرَضٍ فَإِنْ خَافَ مَا ذُكِرَ (فَالدَّمُ) وَيُحْرِمُ مِنْ مَكَانِهِ وَيَتَمَادَى (كَرَاجِعٍ) أَيْ كَلُزُومِ الدَّمِ لِرَاجِعٍ لِلْمِيقَاتِ وَقَدْ تَعَدَّاهُ حَلَالًا، ثُمَّ أَحْرَمَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ (بَعْدَ إحْرَامِهِ) وَلَا يُسْقِطُهُ عَنْهُ رُجُوعُهُ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ (وَلَوْ أَفْسَدَ) حَجَّهُ وَأَوْلَى إنْ لَمْ يَرْجِعْ (لَا) إنْ (فَاتَ) وَتَحَلَّلَ مِنْهُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ فَيَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَعَدَّى الْمِيقَاتَ غَيْرَ قَاصِدٍ نُسُكًا، ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ لِانْقِلَابِ حَجِّهِ لَهَا وَلَمْ
ــ
[حاشية الدسوقي]
بِالْإِحْرَامِ لِعَدَمِ إرَادَتِهِ دُخُولَ مَكَّةَ فَإِنْ انْتَفَى قَيْدٌ مِنْ هَذِهِ الْقُيُودِ فَلَا دَمَ اتِّفَاقًا فِي الثَّلَاثَةِ فِي الْأَوَّلِ وَيَلْزَمُهُ الدَّمُ اتِّفَاقًا فِي الْأَخِيرِ. (قَوْلُهُ: نَظَرًا لِحَالِ مُرُورِهِ) أَيْ عَدَمِ إرَادَتِهِ الدُّخُولَ.
(قَوْلُهُ: وَمُرِيدُهَا إنْ تَرَدَّدَ) اللَّخْمِيُّ: يُحْرِمُ الْمُتَرَدِّدُ أَوَّلَ مَرَّةٍ اسْتِحْبَابًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَالتَّوْضِيحُ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَمُرِيدُهَا إلَخْ لَيْسَ فِي مُتَعَدِّي الْمِيقَاتِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي دُخُولِ مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ مِنْ مَكَان قَرِيبٍ وَأَمَّا الْمَارُّ عَلَى الْمِيقَاتِ إذَا أَرَادَ مَكَّةَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمُتَرَدِّدِ وَغَيْرِهِ كَمَا تُفِيدُهُ الْمُدَوَّنَةُ اُنْظُرْ طفى اهـ بْن. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقَامَ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْقَرِيبِ. (قَوْلُهُ: لِأَمْرٍ عَاقَهُ عَنْ السَّفَرِ إلَخْ) أَيْ فَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا لَا يُرِيدُ الْعَوْدَ لَهَا وَرَجَعَ مِنْ مَكَان قَرِيبٍ لِغَيْرِ عَائِقٍ أَحْرَمَ، وَإِلَّا وَجَبَ الدَّمُ بِخِلَافِ مَنْ خَرَجَ مِنْهَا يُرِيدُ الْعَوْدَ هَذَا مَا حَصَّلَهُ ابْنُ رُشْدٍ اُنْظُرْ ح وَحَاصِلُ مَا فِي الْمُقَامِ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ لِمَحَلٍّ بَعِيدٍ زَائِدٍ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، ثُمَّ رَجَعَ لَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِحْرَامِ أَقَامَ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ قَلِيلًا، أَوْ كَثِيرًا، رَجَعَ لِأَمْرٍ عَاقَهُ عَنْ السَّفَرِ أَمْ لَا كَانَ حِينَ خُرُوجِهِ نَاوِيًا الْعَوْدَ لِمَكَّةَ أَمْ لَا فَهَذِهِ صُوَرٌ ثَمَانِيَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْمَتْنِ وَأَمَّا إنْ خَرَجَ مِنْهَا لِمَحَلٍّ قَرِيبٍ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَقَلَّ فَإِنْ كَانَ نِيَّتُهُ الْعَوْدَ لَهَا وَرَجَعَ فَلَا بُدَّ مِنْ إحْرَامِهِ إنْ أَقَامَ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ كَثِيرًا، رَجَعَ لِأَمْرٍ عَاقَهُ أَمْ لَا، وَإِنْ أَقَامَ بِهِ قَلِيلًا فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ رَجَعَ لِأَمْرٍ عَاقَهُ أَمْ لَا فَهَذِهِ صُوَرٌ أَرْبَعَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ الْمَتْنِ أَيْضًا فَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا لِمَحَلٍّ قَرِيبٍ وَلَيْسَ نِيَّتُهُ الْعَوْدَ إلَيْهَا، ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا فَإِنْ كَانَ عَوْدُهُ لِأَمْرٍ عَاقَهُ عَنْ السَّفَرِ فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ مَكَثَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ قَلِيلًا، أَوْ كَثِيرًا وَهَاتَانِ الصُّورَتَانِ مَنْطُوقُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ عَادَ لَا لِأَمْرٍ عَاقَهُ عَنْ السَّفَرِ بَلْ لِكَوْنِهِ بَدَا لَهُ عَدَمُ السَّفَرِ رَجَعَ بِإِحْرَامٍ، أَقَامَ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ قَلِيلًا، أَوْ كَثِيرًا وَبَقِيَ مَا إذَا خَرَجَ مِنْهَا وَلَا نِيَّةَ لَهُ بِالْعَوْدِ وَلَا بِعَدَمِهِ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ بُعْدٍ أَحْرَمَ وَإِنْ رَجَعَ عَنْ قُرْبٍ فَمَحَلُّ نَظَرٍ كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ مُرِيدُهَا مُتَرَدِّدًا إلَيْهَا وَلَا عَائِدًا إلَيْهَا لِأَمْرٍ عَاقَهُ بِأَنْ أَرَادَهَا لِنُسُكٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَادَ عَنْ بُعْدٍ) أَيْ أَوْ عَادَ لِمَكَّةَ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ سَوَاءٌ خَرَجَ مِنْهَا نَاوِيًا الْعَوْدَ لَهَا أَمْ لَا. (قَوْلُهُ: أَوْ عَادَ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ عَوْدُهُ مِنْ مَكَان قَرِيبٍ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَدُونَهُ) أَيْ وَإِلَّا أَحْرَمَ دُونَهُ أَيْ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَلَمْ يَصِلْ لِلْمِيقَاتِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا فَإِنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي وَصَلَ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَمَا فِي الشُّرَّاحِ مَمْنُوعٌ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ التَّأَكُّدُ الصَّادِقُ بِالنَّدْبِ وَأَنَّ قَوْلَهُ وَأَسَاءَ تَارِكُهُ أَيْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا. (قَوْلُهُ: وَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ) أَيْ فِي تَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَرُورَةً) أَيْ هَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ صَرُورَةٍ بَلْ وَلَوْ كَانَ صَرُورَةً وَسَوَاءٌ أَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ، أَوْ لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا وَهَذَا أَحَدُ أَقْوَالٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الدَّمُ مُطْلَقًا صَرُورَةً أَمْ لَا أَحْرَمَ أَمْ لَا وَقِيلَ إنْ كَانَ صَرُورَةً فَالدَّمُ، أَحْرَمَ أَمْ لَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ صَرُورَةٍ فَلَا دَمَ، أَحْرَمَ أَمْ لَا وَقِيلَ عَلَيْهِ الدَّمُ إنْ كَانَ صَرُورَةً وَأَحْرَمَ، وَإِنْ انْتَفَى الْأَمْرَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا دَمَ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَكَّةَ) أَيْ أَوْ قَصَدَ مَكَّةَ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى " تِجَارَةٍ ".
(قَوْلُهُ: لَا إنْ فَاتَ) أَيْ حَجُّهُ الَّذِي أَحْرَمَ لَهُ بَعْدَ تَعَدِّي الْمِيقَاتِ حَلَالًا.
يَتَسَبَّبْ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ تَسَبَّبَ فِي إفْسَادِهِ فَإِنْ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ لِقَابِلٍ فَعَلَيْهِ الدَّمُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَفُتْهُ.
ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِحْرَامُ بِقَوْلِهِ (وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ) الْإِحْرَامُ بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ (بِالنِّيَّةِ) إنْ وَافَقَهَا لَفْظُهُ بَلْ (وَإِنْ خَالَفَهَا لَفْظُهُ) كَأَنْ نَوَى الْإِفْرَادَ وَتَلَفَّظَ بِالْقِرَانِ أَوْ عَكْسَهُ (وَلَا دَمَ) لِهَذِهِ الْمُخَالَفَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِشَيْءٍ آخَرَ كَمَا إذَا نَوَى الْقِرَانَ وَتَلَفَّظَ بِالْإِفْرَادِ فَفِيهِ الدَّمُ بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ وَيَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ (وَإِنْ) حَصَلَتْ (بِجِمَاعٍ) أَيْ فِي حَالَةِ الْجِمَاعِ وَيَنْعَقِدُ فَاسِدًا وَيُتِمُّهُ وَيَقْضِيهِ وَيُهْدِي، وَمَصَبُّ الْحَصْرِ قَوْلُهُ (مَعَ قَوْلٍ) كَالتَّلْبِيَةِ وَالتَّهْلِيلِ (أَوْ فِعْلٍ) كَالتَّوَجُّهِ فِي الطَّرِيقِ وَالتَّجَرُّدِ مِنْ الْمَخِيطِ وَالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ حَالَ الْجِمَاعِ يُمْكِنُهُ الْقَوْلُ، أَوْ الْفِعْلُ بِأَنْ يُجَامِعَ عَلَى دَابَّتِهِ حَالَ التَّوَجُّهِ (تَعَلَّقَا بِهِ) أَيْ بِالْإِحْرَامِ مِنْ تَعَلُّقِ الْجُزْءِ بِالْكُلِّ إذْ كُلٌّ مِنْ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ جُزْءٌ مِنْ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ النِّيَّةِ مَعَ قَوْلٍ، أَوْ مَعَ فِعْلٍ فَتَأَمَّلْ، ثُمَّ الرَّاجِحُ أَنَّ الْإِحْرَامَ هُوَ النِّيَّةُ فَقَطْ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ضَعِيفٌ، وَيَنْعَقِدُ بِمَا ذُكِرَ سَوَاءٌ (بَيَّنَ) مَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ هُمَا (أَوْ أَبْهَمَ) أَيْ لَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا كَأَحْرَمْتُ لِلَّهِ لَكِنْ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا إلَّا بَعْدَ التَّعْيِينِ.
وَيُنْدَبُ صَرْفُهُ لِلْإِفْرَادِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَصَرَفَهُ) نَدْبًا (لِحَجٍّ) مُفْرَدٍ إنْ وَقَعَ الصَّرْفُ قَبْلَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَقَدْ أَحْرَمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا صَرَفَهُ نَدْبًا لِعُمْرَةٍ، وَكُرِهَ لِحَجٍّ فَإِنْ طَافَ وَجَبَ صَرْفُهُ لِلْإِفْرَادِ.
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ: فَإِنْ بَقِيَ) أَيْ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَالْحَالُ أَنَّهُ أَحْرَمَ بَعْدَ تَعَدِّي الْمِيقَاتِ قَاصِدًا نُسُكًا.
(قَوْلُهُ: إنْ وَافَقَهَا لَفْظُهُ) أَيْ بِأَنْ نَوَى الْإِفْرَادَ، أَوْ الْقِرَانَ وَتَلَفَّظَ بِمَا نَوَاهُ. (قَوْلُهُ: بَلْ، وَإِنْ خَالَفَهَا لَفْظُهُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَمْدًا فَلَيْسَ كَالصَّلَاةِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا دَمَ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ وَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ أَنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ وَعَلَى الثَّانِي هَلْ الدَّمُ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّفْظُ مَقْصُورٌ عَلَى مَا إذَا لَفَظَ بِقِرَانٍ، أَوْ مُطْلَقًا احْتِمَالَانِ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَعَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا يَدُلُّ كَلَامُ الْجَوَاهِرِ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَكْسَهُ) أَيْ كَمَا لَوْ نَوَى الْقِرَانَ وَتَلَفَّظَ بِالْإِفْرَادِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَقَدْ إلَخْ) أَيْ وَإِلَّا نَقُلْ الْمَنْفِيُّ لُزُومُ الدَّمِ لِهَذِهِ الْمُخَالِفَةِ بَلْ الْمَنْفِيُّ لُزُومُهُ مُطْلَقًا فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَصَلَتْ بِجِمَاعٍ) أَيْ وَإِنْ حَصَلَتْ النِّيَّةُ مَعَ جِمَاعٍ فَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ وَأَمَّا لَوْ نَوَى الْإِحْرَامَ عَلَى شَرْطِ أَنَّهُ يُجَامِعُ وَأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْءٌ وَلَا إنْزَالٌ فَهَذَا لَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ وَإِنْ لَمْ يُجَامِعْ بِالْفِعْلِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَلَا مِنْ لَوَازِمِ الْإِحْرَامِ بِهِمَا شَيْءٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ مُنَاقِضٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ كَذَا فِي ح عَنْ طُرَرِ التَّلْقِينِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ كَمَا فِي الْبَدْرِ الْقَرَافِيِّ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الِانْعِقَادُ وَسُقُوطُ الشَّرْطِ كَمَا مَرَّ فِي الِاعْتِكَافِ وَإِنْ اشْتَرَطَ سُقُوطَ الْقَضَاءِ لَمْ يُفِدْهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا رَيْبَ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ اعْتِرَاضِ ابْنِ غَازِيٍّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنْ بِجِمَاعٍ يَقْتَضِي أَنَّ النِّيَّةَ وَحْدَهَا كَافِيَةٌ فِي انْعِقَادِهِ فِي حَالَةِ الْجِمَاعِ مَعَ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُصَاحِبَهَا قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ تَعَلَّقَا بِهِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مَعَ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ إلَخْ مَصَبُّ الْحَصْرِ فَهُوَ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ بِالنِّيَّةِ وَبِقَوْلِهِ، وَإِنْ بِجِمَاعٍ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْقَوْلُ حَالَةَ الْجِمَاعِ بِأَنْ يُجَامِعَ وَهُوَ يُلَبِّي وَيُمْكِنُهُ الْفِعْلُ حَالَةَ الْجِمَاعِ أَيْضًا بِأَنْ يُجَامِعَ عَلَى دَابَّتِهِ وَهِيَ مُتَوَجِّهَةٌ فِي الطَّرِيقِ. (قَوْلُهُ: تَعَلَّقَا بِهِ) احْتَرَزَ مِنْ غَيْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ كَالْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنَّ الرَّاجِحَ إلَخْ) أَيْ كَمَا هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَبِهِ صُرِّحَ فِي التَّلْقِينِ وَالْمُعَلِّمِ وَالْقَبَسِ. (قَوْلُهُ: هُوَ النِّيَّةُ فَقَطْ) أَيْ بِأَنْ يَنْوِيَ فِي قَلْبِهِ الدُّخُولَ فِي حُرُمَاتِ الْحَجِّ، أَوْ الْعُمْرَةِ، أَوْ هُمَا، وَأَمَّا التَّلْبِيَةُ وَالتَّجَرُّدُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا وَاجِبٌ عَلَى حِدَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ) أَيْ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ وَابْنِ بَشِيرٍ وَاللَّخْمِيِّ مِنْ أَنَّ النِّيَّةَ إذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْحَجِّ لَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْإِحْرَامَ مُرَكَّبًا مِنْ النِّيَّةِ وَالْقَوْلِ، أَوْ الْفِعْلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ بِالنِّيَّةِ لِلْآلَةِ وَإِنْ جُعِلَتْ لِلتَّصْوِيرِ كَانَتْ الْمُصَاحَبَةُ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ شَرْطَ صِحَّةٍ لَا شَرْطَ كَمَالٍ كَمَا هُوَ الْقَوْلُ الْمُقَابِلُ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا) أَيْ كَأَنْ يَنْوِيَ الدُّخُولَ فِي حُرُمَاتِ نُسُكٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ) أَيْ إحْرَامُهُ قَبْلَهَا أَيْ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ. (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ لِحَجٍّ) أَيْ وَكُرِهَ صَرْفُهُ لِحَجٍّ؛ لِأَنَّهُ إحْرَامٌ قَبْلَ وَقْتِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ طَافَ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَصْرِفَ إحْرَامَهُ لِشَيْءٍ سَوَاءٌ كَانَ أَحْرَمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمْ لَا. (قَوْلُهُ: وَجَبَ صَرْفُهُ لِلْإِفْرَادِ) أَيْ وَيَكُونُ هَذَا الطَّوَافُ الْوَاقِعُ قَبْلَ الصَّرْفِ وَالتَّعْيِينِ طَوَافَ الْقُدُومِ وَهُوَ لَيْسَ رُكْنًا مِنْ الْحَجِّ فَلَا يَضُرُّ وُقُوعُهُ قَبْلَ الصَّرْفِ وَلَا يَصِحُّ صَرْفُ ذَلِكَ الْإِحْرَامِ لِعُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ رُكْنٌ مِنْهَا وَقَدْ وَقَعَ قَبْلَ تَعْيِينِهَا وَاعْتَرَضَ بْن مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْوُجُوبِ بِأَنَّ هَذَا الْفَرْعَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الصَّرْفُ بَعْدَ الطَّوَافِ إنَّمَا نُقِلَ عَنْ سَنَدٍ وَالْقَرَافِيِّ وَهُمَا لَمْ يَذْكُرَا فِيهِ وُجُوبَ الصَّرْفِ لِحَجٍّ، وَإِنَّمَا قَالَا الصَّوَابُ أَنْ يُجْعَلَ حَجًّا وَهَذَا لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ اهـ وَقَدْ يُقَالُ هَذَا مُسَلَّمٌ إلَّا أَنَّ تَعْلِيلَهُمَا عَدَمَ صَرْفِ ذَلِكَ الْإِحْرَامِ لِعُمْرَةٍ بِمَا عَلَّلْنَا بِهِ يَقْتَضِي وُجُوبَ صَرْفِهِ لِلْحَجِّ -.
(وَالْقِيَاسُ) صَرْفُهُ (لِقِرَانٍ) لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى النُّسُكَيْنِ.
(وَإِنْ) عَيَّنَ وَ (نَسِيَ) مَا أَحْرَمَ بِهِ أَهُوَ إفْرَادٌ أَوْ عُمْرَةٌ، أَوْ قِرَانٌ (فَقِرَانٌ) أَيْ يَعْمَلُ عَمَلَهُ وَيُهْدِي لَهُ، لَا أَنَّهُ يَنْوِيهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (وَنَوَى الْحَجَّ) فَقَطْ وُجُوبًا أَيْ يُحْدِثُ نِيَّتَهُ وَيَعْمَلُ عَمَلَ الْقِرَانِ احْتِيَاطًا فَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِحَجٍّ، أَوْ قِرَانٍ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِعُمْرَةٍ فَقَدْ أَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَيْهَا (وَبَرِئَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحَجِّ (فَقَطْ) لَا مِنْ الْعُمْرَةِ فَيَأْتِي بِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ الْأَوَّلُ بِإِفْرَادٍ وَشَبَّهَ فِي قَوْلِهِ وَنَوَى الْحَجَّ وَبَرِئَ مِنْهُ فَقَطْ قَوْلَهُ (كَشَكِّهِ أَفْرَدَ، أَوْ تَمَتَّعَ) أَيْ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ أَحْرَمَ بِإِفْرَادٍ، أَوْ عُمْرَةٍ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالتَّمَتُّعِ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْعُمْرَةِ كَانَ أَحْسَنَ فَإِنَّهُ يَنْوِي الْحَجَّ وَيَبْرَأُ مِنْهُ فَقَطْ وَيَأْتِي بِعُمْرَةٍ لِمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا تَشْبِيهًا لَا تَمْثِيلًا؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَفِي هَذِهِ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ قِرَانًا.
(وَلَغَا عُمْرَةٌ) لَغَا بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ كَرَمَى فِعْلٌ لَازِمٌ بِمَعْنَى بَطَلَ وَعُمْرَةٌ فَاعِلُهُ أَيْ وَبَطَلَتْ عُمْرَةٌ أُرْدِفَتْ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَجِّ لِضَعْفِهَا وَقُوَّتِهِ (كَالثَّانِي فِي حِجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ) لِأَنَّ الثَّانِيَ حَاصِلٌ بِالْأَوَّلِ وَأَمَّا إرْدَافُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَيَصِحُّ لِقُوَّتِهِ وَضَعْفِهَا (وَ) لَغَا (رَفْضُهُ) أَيْ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، أَوْ الْعُمْرَةِ وَلَوْ حَصَلَ الرَّفْضُ فِي الْأَثْنَاءِ.
(وَفِي) جَوَازِ إحْرَامِ شَخْصٍ (كَإِحْرَامِ زَيْدٍ) وَيَلْزَمُ مِنْ الْجَوَازِ الصِّحَّةُ وَمِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ (تَرَدُّدٌ) حَقُّهُ قَوْلَانِ فَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يُحْرِمْ لَزِمَهُ هُوَ الْإِحْرَامُ وَيَكُونُ مُطْلَقًا يُخَيَّرُ فِي صَرْفِهِ فِيمَا شَاءَ وَكَذَا لَوْ مَاتَ زَيْدٌ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَا أَحْرَمَ بِهِ، أَوْ وَجَدَهُ مُحْرِمًا بِالْإِطْلَاقِ عَلَى مَا اُسْتُظْهِرَ.
وَلَمَّا كَانَتْ أَوْجُهُ الْإِحْرَامِ ثَلَاثَةً إفْرَادٌ وَقِرَانٌ وَتَمَتُّعٌ بَيَّنَ الْأَفْضَلَ مِنْهَا بِقَوْلِهِ (وَنُدِبَ إفْرَادٌ) أَيْ فُضِّلَ
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ صَرْفُهُ لِقِرَانٍ) أَيْ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي صَرْفَهُ لِقِرَانٍ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلنَّصِّ؛ لِأَنَّ النَّصَّ صَرَفَهُ لِإِفْرَادٍ إذَا أَبْهَمَ.
(قَوْلُهُ: وَنَوَى الْحَجَّ فَقَطْ وُجُوبًا) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ مَنْ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ لَزِمَهُ عَمَلُ الْقِرَانِ سَوَاءٌ نَوَى الْحَجَّ أَيْ أَحْدَثَ نِيَّتَهُ أَمْ لَا وَبَرَاءَتُهُ مِنْ الْحَجِّ إنَّمَا تَكُونُ إذَا أَحْدَثَ نِيَّتَهُ فَإِذَا أَرَادَ الْبَرَاءَةَ مِنْهُ أَحْدَثَ نِيَّتَهُ فَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْ عُهْدَةِ الْحَجِّ وَلَا مِنْ الْعُمْرَةِ أَيْضًا إذْ لَيْسَ مُحَقَّقًا عِنْدَهُ حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ اُنْظُرْ ابْنَ غَازِيٍّ وَحِّ اهـ بْن وَمَحَلُّ إحْدَاثِهِ لِنِيَّةِ الْحَجِّ إذَا شَكَّ فِيمَا أَحْرَمَ بِهِ حَيْثُ حَصَلَ شَكُّهُ فِي وَقْتٍ يَصِحُّ فِيهِ الْإِرْدَافُ كَمَا لَوْ وَقَعَ قَبْلَ الطَّوَافِ، أَوْ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، أَوْ فِي أَثْنَاءِ السَّعْيِ فَلَا يَنْوِي الْحَجَّ إذْ لَا يَصِحُّ إرْدَافُهُ عَلَى الْعُمْرَةِ إذْ ذَاكَ بَلْ يَلْزَمُهُ عُمْرَةٌ فَيَسْتَمِرُّ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ السَّعْيِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَكَانَ مُتَمَتِّعًا إنْ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) وَهُوَ قَوْلُهُ " لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَوَّلًا إلَخْ " وَالْأَوْلَى لِنَظِيرِ مَا مَرَّ لِأَنَّهُ يُقَالُ هُنَا: لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَوَّلًا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَقَدْ أَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْحَجِّ لَمْ يَضُرَّهُ إحْدَاثُ نِيَّةِ الْحَجِّ.
(قَوْلُهُ: وَلَغَا عُمْرَةٌ عَلَيْهِ كَالثَّانِي فِي حَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ) الْمُرَادُ بِلَغْوِهِ عَدَمُ انْعِقَادِهِ فَلَا يَلْزَمُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ أَصْلًا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ تَفْسِيرُ الشَّارِحِ بِالْبُطْلَانِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَصَلَ الرَّفْضُ فِي الْأَثْنَاءِ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَإِذَا رَفَضَ إحْرَامَهُ فِي أَثْنَائِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِبَقِيَّةِ أَفْعَالِ الْحَجِّ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ كَالسَّعْيِ وَالطَّوَافِ، ثُمَّ أَتَى بِهَا لَمْ يُرْتَفَضْ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا أَتَى بِهَا بِنِيَّتِهِ، أَوْ بِغَيْرِ نِيَّتِهِ وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الرَّفْضُ فِي أَثْنَاءِ الْأَفْعَالِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ اُرْتُفِضَ ذَلِكَ الْفِعْلُ فَقَطْ وَيَكُونُ كَالتَّارِكِ لَهُ فَيُطَالَبُ بِغَيْرِهِ وَأَصْلُ الْإِحْرَامِ لَمْ يُرْتَفَضْ وَنَصَّ عَبْدُ الْحَقِّ فَإِذَا رَفَضَ إحْرَامَهُ، ثُمَّ عَادَ لِلْمَوَاضِعِ الَّتِي يُخَاطَبُ بِهَا فَفَعَلَهَا لَمْ يَحْصُلْ لِرَفْضِهِ حُكْمٌ وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي حِينِ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ نَوَى الرَّفْضَ وَفَعَلَهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَالطَّوَافِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يُعَدُّ كَالتَّارِكِ لِذَلِكَ اُنْظُرْ بْن.
(قَوْلُهُ: حَقُّهُ قَوْلَانِ) أَيْ لِأَنَّ الْجَوَازَ نَقَلَهُ سَنَدٌ وَالْقَرَافِيُّ عَنْ أَشْهَبَ وَالْمَنْعَ نَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ تَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي النَّقْلِ عَنْ وَاحِدٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ كَأَنْ يَنْقُلَ جَمَاعَةٌ عَنْهُ، أَوْ عَنْهُمْ الْجَوَازَ وَيَنْقُلَ آخَرُونَ عَنْهُ، أَوْ عَنْهُمْ الْمَنْعَ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا نَقْلُ جَمَاعَةٍ عَنْ وَاحِدٍ الْجَوَازَ وَنَقَلَ آخَرُونَ عَنْ آخَرَ الْمَنْعَ، ثُمَّ إنَّ الْمُعْتَمَدَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ كَمَا فِي المج فَإِنْ قُلْتَ لِمَ جَرَى هُنَا خِلَافٌ دُونَ الصَّلَاةِ حَيْثُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَجَازَ لَهُ دُخُولٌ عَلَى مَا أَحْرَمَ بِهِ الْإِمَامُ قُلْتُ لِأَنَّ الْإِبْهَامَ هُنَا أَشَدُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَا أَحْرَمَ بِهِ حَجًّا، أَوْ عُمْرَةً وَالْحَجُّ يَحْتَمِلُ الْإِفْرَادَ وَالْقِرَانَ وَالتَّمَتُّعَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَمَعْلُومٌ أَنَّهَا فَرْضٌ، وَإِنَّمَا الشَّكُّ فِي عَيْنِ الصَّلَاةِ فَخَفَّ الْإِبْهَامُ فِيهَا وَاشْتَدَّ فِي الْحَجِّ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ تَبَيَّنَ إلَخْ) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْإِحْرَامِ وَانْعِقَادِهِ وَقَوْلُهُ وَيَكُونُ مُطْلَقًا يُخَيَّرُ إلَخْ قِيلَ الْحَقُّ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى الْإِبْهَامِ السَّابِقِ فَيَصْرِفُهُ وُجُوبًا لِلْحَجِّ خَاصَّةً - وَإِنْ وَقَعَ الصَّرْفُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، أَوْ لَا - وَنَدْبًا إنْ كَانَ قَبْلَهُ وَوَقَعَ الْإِحْرَامُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنْ وَقَعَ فِي غَيْرِهَا كُرِهَ صَرْفُهُ لِحَجٍّ وَنُدِبَ صَرْفُهُ لِعُمْرَةٍ كَمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ: أَيْ فُضِّلَ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ خِلَافًا لِمَا رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ مُرَاهَقًا فَالْإِفْرَادُ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ وَأَمَّا مَنْ قَدِمَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ طُولُ زَمَانٍ وَخَافَ قِلَّةَ الصَّبْرِ فَالتَّمَتُّعُ أَوْلَى لَهُ وَلِمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ وَلِمَا قَالَهُ أَشْهَبُ وَأَبُو حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ؛ لِأَنَّ.
عَلَى قِرَانٍ وَتَمَتُّعٍ بِأَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، ثُمَّ إذَا فَرَغَ مِنْهُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ (ثُمَّ) يَلِي الْإِفْرَادَ فِي الْفَضْلِ (قِرَانٌ) لِأَنَّ الْقَارِنَ فِي عَمَلِهِ كَالْمُفْرِدِ، وَالْمُشَابِهُ لِلْأَفْضَلِ يَعْقُبُهُ فِي الْفَضْلِ، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ (بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا) مَعًا بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ بِأَنْ يَنْوِيَ الْقِرَانَ، أَوْ الْإِحْرَامَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، أَوْ نِيَّةٍ مُرَتَّبَةٍ (وَقَدَّمَهَا) أَيْ قَدَّمَ نِيَّةَ الْعُمْرَةِ وُجُوبًا فِي تَرْتِيبِهِمَا لِيَرْتَدِفَ الْحَجُّ عَلَيْهَا وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا نَعَمْ يُتَصَوَّرُ تَقْدِيمُ لَفْظِهَا إنْ تَلَفَّظَ وَهُوَ حِينَئِذٍ مُسْتَحَبٌّ.
(أَوْ) يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ وَ (يُرْدِفُهُ) أَيْ الْحَجَّ عَلَيْهَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِهَا وَقَبْلَ طَوَافِهَا، أَوْ (بِطَوَافِهَا) أَيْ فِيهِ قَبْلَ تَمَامِهِ (إنْ صَحَّتْ) هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْإِرْدَافِ مُطْلَقًا بِجَمِيعِ صُوَرِهِ أَيْ إنَّ شَرْطَ الْإِرْدَافِ صِحَّةُ الْعُمْرَةِ فَإِنْ فَسَدَتْ لَمْ يَصِحَّ (وَكَمَّلَهُ) أَيْ الطَّوَافَ الَّذِي أَرْدَفَ الْحَجَّ فِيهِ وُجُوبًا وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ (وَلَا يَسْعَى) لِلْعُمْرَةِ بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ لِوُجُوبِ إيقَاعِ السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافٍ وَاجِبٍ بِالْإِرْدَافِ سَقَطَ طَوَافُ الْقُدُومِ عَنْهُ وَصَارَ طَوَافُهُ تَطَوُّعًا لِأَنَّهُ صَارَ كَمَنْ أَنْشَأَ الْحَجَّ وَهُوَ بِمَكَّةَ، أَوْ الْحَرَمِ فَيُؤَخِّرُ السَّعْيَ لِلْإِفَاضَةِ (وَتَنْدَرِجُ) الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ أَيْ يَسْتَغْنِي بِطَوَافِهِ وَسَعْيِهِ وَحِلَاقِهِ عَمَّا وَافَقَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِهَا.
(وَكُرِهَ) الْإِرْدَافُ بَعْدَ الطَّوَافِ وَ (قَبْلَ الرُّكُوعِ) وَيَصِحُّ إرْدَافُهُ (لَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَلَا يَصِحُّ وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ لَا بَعْدَهُ بِصِحَّتِهِ فِي الرُّكُوعِ.
(وَصَحَّ) إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ (بَعْدَ سَعْيٍ) لِلْعُمْرَةِ قَبْلَ حَلْقِهَا، ثُمَّ إنْ أَتَمَّ عُمْرَتَهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ يَكُونُ مُفْرِدًا، وَإِنْ فَعَلَ بَعْضَ رُكْنِهَا فِي وَقْتِهِ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا.
(وَحَرُمَ) عَلَيْهِ (الْحَلْقُ) لِلْعُمْرَةِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حَجِّهِ (وَأَهْدَى لِتَأْخِيرِهِ) أَيْ لِوُجُوبِ تَأْخِيرِهِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُطْلَبُ بِتَقْدِيمِهِ، وَإِنْ أَخَّرَهُ أَهْدَى (وَلَوْ فَعَلَهُ) بِأَنْ قَدَّمَ الْحَلْقَ فَلَا يُفِيدُهُ،
ــ
[حاشية الدسوقي]
عِبَادَتَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى قِرَانٍ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْقِرَانُ يَسْقُطُ بِهِ الطَّلَبُ عَنْهُ بِالنُّسُكَيْنِ وَالْإِفْرَادُ إنَّمَا يَسْقُطُ بِهِ الطَّلَبُ بِالْحَجِّ فَقَطْ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْمَفْضُولِ مَا لَا يَكُونُ فِي الْفَاضِلِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إذَا فَرَغَ مِنْهُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِفْرَادَ لَا يَكُونُ أَفْضَلَ إلَّا إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ وَلَوْ لَمْ يَعْتَمِرْ بَعْدَهُ فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَتَرَكَ الْعُمْرَةَ فَقَدْ تَرَكَ سُنَّةً وَلَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي حَقِيقَةِ الْمَحْكُومِ لَهُ بِالْأَفْضَلِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِ وَالْمُصَنِّفِ فِي الْمَنَاسِكِ حَيْثُ قَالَ الْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا، ثُمَّ إذَا فَرَغَ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ نِيَّةٍ مُرَتَّبَةٍ) الْأَوْلَى: أَوْ نِيَّتَيْنِ مُرَتَّبَتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ يُتَصَوَّرُ تَقْدِيمُ لَفْظِهَا) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ حِينَئِذٍ مُسْتَحَبٌّ) أَيْ أَنَّ تَقْدِيمَهَا فِي التَّسْمِيَةِ مُسْتَحَبٌّ إذَا كَانَ أَحْرَمَ بِهِمَا بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ عَكَسَ فِي التَّسْمِيَةِ صَحَّ.
. (قَوْلُهُ: أَوْ يُرْدِفُهُ) إشَارَةٌ لِلنَّوْعِ الثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ الْقِرَانِ وَهُوَ الْإِرْدَافُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا تَحْتَهُ أَقْسَامٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِطَوَافِهَا قَبْلَ تَمَامِهِ) أَيْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ الْقَائِلِ إذَا شَرَعَ فِي الطَّوَافِ فَاتَ الْإِرْدَافُ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ بِطَوَافِهَا كَانَ أَبْيَنَ وَكَانَ مُشِيرًا لِلْخِلَافِ فِي الْإِرْدَافِ فِي الطَّوَافِ. (قَوْلُهُ: إنْ صَحَّتْ) أَيْ وَأَمَّا إنْ فَسَدَتْ فَلَا يَرْتَدِفُ الْحَجَّ عَلَيْهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيهِ قَالَهُ سَنَدٌ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى عُمْرَتِهِ وَلَا يَحُجُّ حَتَّى يَقْضِيَهَا فَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ تَمَامِهَا وَقَبْلَ قَضَائِهَا صَحَّ حَجُّهُ وَلَوْ فَسَدَتْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ قَبْلَ قَضَائِهَا فَمُتَمَتِّعٌ وَحَجُّهُ تَامٌّ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ عُمْرَتِهِ اهـ عج. (قَوْلُهُ: وَكَمَّلَهُ وُجُوبًا) أَيْ عَلَى أَنَّهُ تَطَوُّعٌ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ إكْمَالَهُ لِأَنَّ الطَّوَافَ يَجِبُ إتْمَامُهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ وَلَيْسَ إكْمَالُهُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْإِرْدَافِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَا لِأَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إكْمَالُهُ قَالَ طفى: إنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. (قَوْلُهُ: وَصَارَ طَوَافُهُ تَطَوُّعًا) أَيْ بَعْدَ أَنْ كَانَ وَاجِبًا فَقَدْ انْقَلَبَتْ صِفَتُهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ بِمَكَّةَ) أَيْ وَهُوَ لَا قُدُومَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فَيُؤَخِّرُ السَّعْيَ لِلْإِفَاضَةِ) وَيَنْدَرِجُ طَوَافُهَا فِي الْإِفَاضَةِ. (قَوْلُهُ: وَتَنْدَرِجُ) أَتَى بِهَا لِلرَّدِّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي إيجَابِهِ عَلَى الْقَارِنِ طَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ الْقَارِنَ أَنْ يَسْتَحْضِرَ عِنْدَ إتْيَانِهِ بِالْأَفْعَالِ - الَّتِي يَشْتَرِكُ فِيهَا الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ - أَنَّهَا لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بَلْ لَوْ لَمْ يَسْتَشْعِرْ الْعُمْرَةَ أَجْزَأَهُ فَلَوْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْعُمْرَةَ وَذَكَرَ ذَلِكَ وَهُوَ بِمَكَّةَ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ كَمَا ح فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى رَجَعَ لِبَلَدِهِ أَجْزَأَهُ.
(قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ إرْدَافُهُ) أَيْ وَيَرْكَعُ لِذَلِكَ الطَّوَافِ وَيَسْعَى بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَتَنْقَلِبُ صِفَةُ ذَلِكَ الطَّوَافِ فَبَعْدَ أَنْ كَانَ وَاجِبًا صَارَ تَطَوُّعًا.
. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ بَعْدَ سَعْيٍ) أَيْ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ الْقُدُومُ عَلَى ذَلِكَ لِاسْتِلْزَامِهِ تَأْخِيرَ حَلْقِ الْعُمْرَةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بَعْدَ سَعْيِهَا كَانَ غَيْرَ قَارِنٍ، وَفِي تَسْمِيَتِهِ ذَلِكَ إرْدَافًا تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ هَذَا حَجٌّ مُؤْتَنَفٌ بَعْدَ عُمْرَةٍ تَمَّتْ وَلِذَا جَعَلَ الشَّارِحُ ضَمِيرَ " صَحَّ " رَاجِعًا لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ لَا لِلْإِرْدَافِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ أَتَمَّ) أَيْ ثُمَّ إنْ كَانَ هَذَا الَّذِي أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ سَعْيِ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ حَلْقِهَا أَتَمَّ عُمْرَتَهُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَأَهْدَى لِتَأْخِيرِهِ) أَيْ لِفَرَاغِ الْحَجِّ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ حَلَقَ بِالْقُرْبِ كَمَنْ اعْتَمَرَ فِي آخِرِ يَوْمِ عَرَفَةَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَحْلِقْ حَتَّى وَصَلَ لِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ فَحَلَقَ وَهُوَ كَذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ لِلنُّسُكِ الثَّانِي كَمَا فِي ح عَنْ الطِّرَازِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فَعَلَهُ) أَيْ الْحَلْقَ بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَقَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ أَعْمَالِهِ رَدَّ بِلَوْ قَوْلَ أَصْحَابِ ابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ تَخْرِيجًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ.
وَلَا بُدَّ مِنْ الْهَدْيِ وَعَلَيْهِ حِينَئِذٍ فِدْيَةٌ أَيْضًا.
(ثُمَّ) يَلِي الْقِرَانَ فِي النَّدْبِ (تَمَتُّعٌ) وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ (بِأَنْ) يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ يُحِلَّ مِنْهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ (يَحُجَّ بَعْدَهَا) بِإِفْرَادٍ بَلْ (وَإِنْ بِقِرَانٍ) فَيَصِيرَ مُتَمَتِّعًا قَارِنًا وَلَزِمَهُ هَدْيَانِ لِتَمَتُّعِهِ وَقِرَانِهِ وَسُمِّيَ الْمُتَمَتِّعُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ تَمَتَّعَ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ سَفَرَيْنِ أَوْ لِأَنَّهُ تَمَتَّعَ مِنْ عُمْرَتِهِ بِالنِّسَاءِ وَالطِّيبِ.
(وَشَرْطُ) وُجُوبِ (دَمِهِمَا) أَيْ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ (عَدَمُ إقَامَةٍ) لِلْمُتَمَتِّعِ، أَوْ الْقَارِنِ (بِمَكَّةَ، أَوْ ذِي طُوًى) مُثَلَّثُ الطَّاءِ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ ثَمَّ (وَقْتَ فِعْلِهِمَا) أَيْ وَقْتَ إحْرَامِهِ بِهِمَا فَالْمُقِيمُ لَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ إقَامَتُهُ أَصْلِيًّا بَلْ (وَإِنْ) كَانَتْ (بِانْقِطَاعٍ) أَيْ بِسَبَبِ انْقِطَاعٍ (بِهَا) أَيْ بِمَكَّةَ، أَوْ ذِي طُوًى وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ بِأَنْ انْتَقَلَ إلَيْهَا وَسَكَنَهَا بِنِيَّةِ عَدَمِ الِانْتِقَالِ مِنْهَا وَأَمَّا الْمُجَاوِرُ بِهَا الَّذِي نِيَّتُهُ الِانْتِقَالُ مِنْهَا، أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ (أَوْ) كَانَ مُتَوَطِّنًا بِهَا وَ (خَرَجَ) مِنْهَا (لِحَاجَةٍ) مِنْ غَزْوٍ، أَوْ تِجَارَةٍ وَنِيَّتُهُ الرُّجُوعُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ رَجَعَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ، أَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا قَارِنًا (لَا) إنْ (انْقَطَعَ بِغَيْرِهَا) أَيْ بِغَيْرِ مَكَّةَ وَمَا فِي حُكْمِهَا رَافِضًا سُكْنَاهَا (أَوْ قَدِمَ بِهَا)" أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ أَيْ وَقَدِمَ بِالْعُمْرَةِ (يَنْوِي الْإِقَامَةَ) بِمَكَّةَ وَمَا فِي حُكْمِهَا، وَأَوْلَى إنْ لَمْ يَنْوِهَا فَعَلَيْهِ الدَّمُ إنْ تَمَتَّعَ، أَوْ قَرَنَ.
(وَنُدِبَ) دَمُ التَّمَتُّعِ (لِذِي أَهْلَيْنِ) أَهْلٍ بِمَكَّةَ وَأَهْلٍ بِغَيْرِهَا مِمَّا لَيْسَ فِي حُكْمِهَا (وَهَلْ) نَدْبُهُ مُطْلَقًا، أَوْ (إلَّا أَنْ يُقِيمَ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الْمَكَانَيْنِ (أَكْثَرَ) مِنْ إقَامَتِهِ بِالْآخَرِ (فَيُعْتَبَرُ) الْأَكْثَرُ فَيَجِبَ إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ بِغَيْرِ مَكَّةَ وَمَا فِي حُكْمِهَا، وَلَا يَجِبُ إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ بِمَكَّةَ (تَأْوِيلَانِ) الْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ (وَ) شَرْطُ دَمِهِمَا (حَجَّ مِنْ عَامِهِ) فِيهِمَا.
(وَ) يُشْتَرَطُ (لِلتَّمَتُّعِ) زِيَادَةً عَلَى الشَّرْطَيْنِ السَّابِقَيْنِ الْمُشْتَرَكَيْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِرَانِ (عَدَمُ عَوْدِهِ لِبَلَدِهِ، أَوْ مِثْلِهِ) فِي الْبُعْدِ.
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ رَجَعَ فَجَلَسَ أَنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ بِرُجُوعِهِ مَا كَانَ لَازِمًا لَهُ مِنْ السُّجُودِ الْقَبْلِيِّ وَقَوْلُهُ: بِأَنْ قَدَّمَ الْحَلْقَ أَيْ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ. (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ الْهَدْيِ) أَيْ لِتَرْكِ الْأَمْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَأْخِيرُ الْحِلَاقِ وَقَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ أَيْ لِحَلْقِهِ الَّذِي فَعَلَهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاجِبَ أَصَالَةً تَرْكُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ حَتَّى يَحْلِقَ لِلْعُمْرَةِ فَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ الْوَاجِبَ وَأَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ حِلَاقِهَا لَزِمَهُ تَأْخِيرُ الْحَلْقِ لِلْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ وَأَهْدَى، لِتَرْكِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ فَإِنْ قَدَّمَ الْحَلْقَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ لَزِمَهُ هَدْيٌ لِتَرْكِ التَّأْخِيرِ الْوَاجِبِ وَالْفِدْيَةُ لِإِزَالَةِ الْأَذَى.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ يُحِلَّ مِنْهَا إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعُمْرَةُ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً. (قَوْلُهُ: فَيَصِيرَ مُتَمَتِّعًا قَارِنًا) أَيْ وَلَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ فِعْلُ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَهَدْيٌ وَاحِدٌ يُجْزِئُهُ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَمَتَّعَ) أَيْ انْتَفَعَ وَقَوْلُهُ: مِنْ عُمْرَتِهِ أَيْ بَعْدَ عُمْرَتِهِ وَفِيهِ أَنَّ كُلَّ مُعْتَمِرٍ يَتَمَتَّعُ بَعْدَ عُمْرَتِهِ بِالنِّسَاءِ وَالطِّيبِ سَوَاءٌ حَجَّ بَعْدَهَا، أَوْ لَمْ يَحُجَّ بَعْدَهَا تَحَلَّلَ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، أَوْ لَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَمَتِّعًا إلَّا أَنْ يُقَالَ عِلَّةُ التَّسْمِيَةِ لَا تَقْتَضِي التَّسْمِيَةَ.
(قَوْلُهُ: وَشَرْطُ دَمِهِمَا إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ شُرُوطًا فِي التَّسْمِيَةِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَقِيلَ إنَّهَا شُرُوطٌ فِي التَّسْمِيَةِ وَالدَّمِ مَعًا وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ، أَوْ قَارِنٌ وَلَمْ يَسْتَوْفِ الشُّرُوطَ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَحْنَثُ عَلَى الثَّانِي. (قَوْلُهُ: عَدَمُ إقَامَةٍ) الْمُرَادُ بِهَا الِاسْتِيطَانُ وَهُوَ الْإِقَامَةُ بِنِيَّةِ عَدَمِ الِانْتِقَالِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ شَرْطَ دَمِهِمَا أَنْ لَا يَكُونَ مُقِيمًا وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِهِمَا بِمَكَّةَ وَلَا بِمَا فِي حُكْمِهَا مِمَّا لَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ مِنْهَا حَتَّى يُجَاوِزَهُ. (قَوْلُهُ: مَكَانٌ مَعْرُوفٌ ثَمَّ) أَيْ هُنَاكَ وَهُوَ مَا بَيْنَ الثَّنِيَّةِ الَّتِي يَهْبِطُ مِنْهَا الْمُقْبِرَةُ مَكَّةَ وَالثَّنِيَّةِ الْأُخْرَى الَّتِي إلَى جِهَةِ الزَّاهِرِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِذِي طُوًى بَلْ الْمُرَادُ كُلُّ مَكَان فِي حُكْمِ مَكَّةَ مِمَّا لَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ مِنْهَا حَتَّى يُجَاوِزَهُ. (قَوْلُهُ: أَيْ وَقْتَ إحْرَامِهِ بِهِمَا) أَيْ بِالْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْمُرَادُ وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ فَلَوْ قَدِمَ آفَاقِيٌّ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَنِيَّتُهُ السُّكْنَى بِمَكَّةَ أَوْ بِمَا فِي حُكْمِهَا، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ هَدْيُ التَّمَتُّعِ وَلَيْسَ كَالْمُقِيمِ. (قَوْلُهُ: بَلْ وَإِنْ كَانَتْ بِانْقِطَاعٍ) أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْمُبَالَغَةَ رَاجِعَةٌ لِلْمَفْهُومِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ انْتَقَلَ إلَخْ) تَصْوِيرٌ لِلِانْقِطَاعِ بِهَا. (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ مُتَوَطِّنًا بِهَا) أَيْ بِمَكَّةَ سَوَاءٌ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا اسْتَوْطَنَهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِأَهْلِهِ أَوْ بِغَيْرِهِمْ وَقَوْلُهُ: أَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ عَطْفٌ عَلَى مَا فِي حَيِّزِ إنْ. (قَوْلُهُ: لَا إنْ انْقَطَعَ) أَيْ الْمَكِّيُّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا انْقَطَعَ بِغَيْرِ مَكَّةَ رَافِضًا سُكْنَاهَا فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ قَدِمَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ فَيَلْزَمُهُ دَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَرْفُضْ سُكْنَاهَا فَهُوَ قَوْلُهُ: أَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ. (قَوْلُهُ: وَقَدِمَ بِالْعُمْرَةِ) أَيْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ ضَمِيرَ بِهَا لِأَشْهُرِ الْحَجِّ وَالْبَاءَ لِلْمُلَابَسَةِ عَلَى الْأَوَّلِ وَعَلَى الثَّانِي بِمَعْنَى فِي وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ قَدِمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إلَّا إذَا كَانَ قُدُومُهُ بِعُمْرَةٍ لَا إنْ كَانَ بِحَجٍّ.
(قَوْلُهُ: وَنُدِبَ دَمُ التَّمَتُّعِ) أَيْ وَكَذَلِكَ الْقِرَانُ. (قَوْلُهُ: تَأْوِيلَانِ) الْإِطْلَاقُ لِلتُّونُسِيِّ وَالتَّقْيِيدُ لِلَّخْمِيِّ وَقَوْلُهُ الْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ اعْتَرَضَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْمِسْنَاوِيُّ قَائِلًا لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَذْهَبُ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: وَشُرِطَ دَمُهُمَا) أَيْ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ. (قَوْلُهُ: وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ) أَيْ فَلَوْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ لَمْ يَحُجَّ إلَّا مِنْ قَابِلٍ، أَوْ فَاتَ الْمُتَمَتِّعَ الْحَجُّ، أَوْ الْقَارِنَ وَتَحَلَّلَا بِعُمْرَةٍ كَمَا هُوَ الْأَفْضَلُ فَلَا دَمَ فَلَوْ بَقِيَ الْقَارِنُ عَلَى إحْرَامِهِ لِقَابِلٍ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الدَّمُ.
(قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ لِلتَّمَتُّعِ) أَيْ لِدَمِهِ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِتَقْدِيرِ يُشْتَرَطُ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ " وَلِلتَّمَتُّعِ إلَخْ ".
إذَا كَانَ الْعَوْدُ لِمِثْلِ بَلَدِهِ بِغَيْرِ الْحِجَازِ بَلْ (وَلَوْ) كَانَ (بِالْحِجَازِ) فَإِنْ عَادَ إلَى مِثْلِهِ بَعْدَ أَنْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ بِمَكَّةَ، ثُمَّ دَخَلَهَا مُحْرِمًا بِحَجٍّ فِي عَامِهِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَتَّعْ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ (لَا) إنْ عَادَ إلَى (أَقَلَّ) مِنْ أُفُقِهِ، أَوْ بَلَدِهِ أَوْ مِثْلِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ.
(وَ) شُرِطَ لِتَمَتُّعِهِ (فِعْلُ بَعْضِ رُكْنِهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ (فِي وَقْتِهِ) أَيْ الْحَجِّ وَيَدْخُلُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ رَمَضَانَ فَإِنْ حَلَّ مِنْهَا الْغُرُوبَ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا.
(وَفِي شَرْطِ كَوْنِهِمَا) أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (عَنْ) شَخْصٍ (وَاحِدٍ) - فَلَوْ كَانَا عَنْ اثْنَيْنِ كَأَنْ اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ وَحَجَّ عَنْ غَيْرِهِ، أَوْ عَكْسِهِ أَوْ اعْتَمَرَ عَنْ زَيْدٍ وَحَجَّ عَنْ عَمْرٍو فَلَا دَمَ -، وَعَدَمِ شَرْطِهِ فَيَجِبُ الدَّمُ وَهُوَ الرَّاجِحُ (تَرَدُّدٌ) .
(وَدَمُ التَّمَتُّعِ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ) إذْ لَا يَتَحَقَّقُ التَّمَتُّعُ إلَّا بِهِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ الْآتِي، وَإِنْ مَاتَ مُتَمَتِّعٌ فَالْهَدْيُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إنْ رَمَى الْعَقَبَةَ، أَيْ فَإِنْ لَمْ يَرْمِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ هَدْيٌ أَصْلًا لَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَلَا مِنْ ثُلُثِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَا طَرِيقَةٌ وَمَا يَأْتِي طَرِيقَةٌ أُخْرَى وَهِيَ الرَّاجِحَةُ وَبِأَنَّ مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى الْوُجُوبِ الْمُوَسَّعِ وَالتَّحَتُّمِ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَهُوَ مَا يَأْتِي وَمِثْلُ رَمْيِهَا بِالْفِعْلِ فَوَاتُ وَقْتِهِ (وَأَجْزَأَ) دَمُ التَّمَتُّعِ بِمَعْنَى تَقْلِيدِهِ، وَإِشْعَارِهِ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ، وَلَوْ حَالَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ، بَلْ وَلَوْ سَاقَهُ فِيهَا تَطَوُّعًا، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَجْزَأَ نَحْوُ دَمِ التَّمَتُّعِ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ؛ إذْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.
(ثُمَّ الطَّوَافُ) عَطْفٌ عَلَى الْإِحْرَامِ أَيْ وَرُكْنُهُمَا الطَّوَافُ، فَقَوْلُهُ (لَهُمَا) مُسْتَغْنًى عَنْهُ وَلِلطَّوَافِ مُطْلَقًا رُكْنًا، أَوْ وَاجِبًا، أَوْ مَنْدُوبًا شُرُوطٌ أَوَّلُهَا كَوْنُهُ أَشْوَاطًا (سَبْعًا) وَابْتِدَاؤُهُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَاجِبٌ
ــ
[حاشية الدسوقي]
مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ. (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ الْعَوْدُ لِمِثْلِ بَلَدِهِ بِغَيْرِ الْحِجَازِ بَلْ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُبَالَغَةَ رَاجِعَةٌ لِمِثْلِ بَلَدِهِ وَأَمَّا إذَا رَجَعَ لِبَلَدِهِ فَلَا دَمَ اتِّفَاقًا كَانَتْ بِالْحِجَازِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَكَذَا رُجُوعُهُ لِمِثْلِ بَلَدِهِ وَهِيَ بِغَيْرِ الْحِجَازِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَجَعَلَ تت الْمُبَالَغَةَ رَاجِعَةً لِكُلٍّ مِنْ بَلَدِهِ، وَمِثْلُهُ تَبَعًا لِلشَّارِحِ بَهْرَامَ وَأَصْلِهِ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَاعْتَرَضَهُ ح فَانْظُرْهُ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِالْحِجَازِ) رَدَّ بِلَوْ عَلَى ابْنِ الْمَوَّازِ الْقَائِلِ أَنَّهُ إذَا أَعَادَ لِمِثْلِ بَلَدِهِ فِي الْحِجَازِ فَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ وَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِعَوْدِهِ لِبَلَدِهِ، أَوْ لِمِثْلِهِ وَخَرَجَ عَنْ أَرْضِ الْحِجَازِ بِالْكُلِّيَّةِ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ) أَيْ وَقَبْلَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَأَمَّا لَوْ أَحْرَمَ بِمَكَّةَ قَبْلَ عَوْدِهِ لِبَلَدِهِ أَوْ مِثْلِهِ، ثُمَّ عَادَ لَهَا فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ لَمْ يَكُنْ لِابْتِدَاءِ حَجٍّ. (قَوْلُهُ: أَوْ بَلَدِهِ) الْأَوْلَى أَيْ بَلَدِهِ أَيْ لَا إنْ رَجَعَ لِأَقَلَّ مِنْ بَلَدِهِ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ مِثْلِ بَلَدِهِ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ) أَيْ لِأَنَّ رُجُوعَهُ لِمَا ذُكِرَ كَالْعَدَمِ.
(قَوْلُهُ: وَفِعْلُ بَعْضِ رُكْنِهَا) أَيْ وَلَوْ السَّعْيَ كُلَّهُ، أَوْ بَعْضَ أَشْوَاطِهِ فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ قَبْلَهُ وَأَوْقَعَ طَوَافَهَا وَسَعْيَهَا لَيْلَةَ الْعِيدِ أَوْ أَوْقَعَ السَّعْيَ فَقَطْ كُلَّهُ، أَوْ بَعْضَ أَشْوَاطِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ، أَوْ يَوْمَهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا.
(قَوْلُهُ: تَرَدُّدٌ) قَالَ ح أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّرَدُّدِ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ فَاَلَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخُ فِي النَّوَادِرِ وَابْنُ يُونُسَ وَاللَّخْمِيُّ عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْأَشْهَرُ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِمَا عَنْ وَاحِدٍ وَأَنْكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمَنَاسِكِ وُجُودَ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَصْلِهِ.
(قَوْلُهُ: لَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَلَا مِنْ ثُلُثِهِ) أَيْ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ إنَّمَا يَجِبُ إذَا رَمَى الْعَقَبَةَ لَا أَنَّهُ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ إحْرَامِهِ لِلْحَجِّ. (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَا طَرِيقَةٌ إلَخْ) اعْتَرَضَ هَذَا الْجَوَابَ الْعَلَّامَةُ بْن بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ أَهْلَ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى يَقُولُونَ: إنَّهُ يُطَالَبُ بِهِ إذَا مَاتَ قَبْلَ رَمْيِ الْعَقَبَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَسَلَّمَهَا ابْنُ عَرَفَةَ كَعَادَتِهِ فِي عَزْوِ الطُّرُقِ مَعَ أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فَيَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ يُوهِمُ وُجُوبَهُ عَلَى مَنْ مَاتَ قَبْلَ وُقُوفِهِ وَلَا أَعْلَمُ فِي سُقُوطِهَا خِلَافًا فَالصَّوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْجَوَابُ الثَّانِي. (قَوْلُهُ: إذْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَلَى أَحَادِيثِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْهَدْيِ عَلَى قَوْلِ الرَّاوِي وَأُمِرْنَا إذَا أَحْلَلْنَا أَنْ نُهْدِيَ مَا نَصَّهُ عِيَاضٌ فِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ يُجَوِّزُ نَحْرَ الْهَدْيِ لِلتَّمَتُّعِ بَعْدَ الْإِحْلَالِ بِالْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَنَا وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ اهـ وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ صِحَّةُ إبْقَاءِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَسُقُوطُ تَعَقُّبِ الشُّرَّاحِ عَلَيْهِ وَتَأْوِيلِهِمْ لَهُ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ لِذَلِكَ اهـ بْن.
(قَوْلُهُ: مُسْتَغْنًى عَنْهُ) قِيلَ: أَعَادَهُ لِطُولِ الْفَصْلِ فَرُبَّمَا يَغْفُلُ عَنْهُ وَأَسْقَطَهُ مِنْ السَّعْيِ لِقُرْبِ ذِكْرِهِ فِي الطَّوَافِ وَثُمَّ هُنَا لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ وَالرُّتْبِيِّ جَمِيعًا وَالْمُرَادُ أَنَّ رُتْبَةَ الطَّوَافِ مُتَأَخِّرَةً عَنْ رُتْبَةِ الْإِحْرَامِ وَأَمَّا كَوْنُ الطَّوَافِ فِي أَيِّ وَقْتٍ فَهُوَ شَيْءٌ آخَرُ سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: لَهُمَا سَبْعًا) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبْعًا، وَإِلَّا فَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةً وَنِصْفًا فَإِنْ شَكَّ فِي عَدَدِ مَا طَافَهُ مِنْ الْأَشْوَاطِ بَنَى غَيْرَ الْمُسْتَنْكَحِ عَلَى الْأَقَلِّ فَإِنْ نَقَصَ شَوْطًا، أَوْ بَعْضَهُ يَقِينًا، أَوْ شَكًّا فِي الطَّوَافِ الرُّكْنِيِّ رَجَعَ لَهُ عَلَى تَفْصِيلٍ وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَرَجَعَ إنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ عُمْرَةِ الْحَجِّ قَالَ الْبَاجِيَّ وَمَنْ سَهَا فِي طَوَافِهِ فَبَلَغَ ثَمَانِيَةً، أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ لِلْأُسْبُوعِ الْكَامِلِ وَيُلْغِي مَا زَادَ عَلَيْهِ وَلَا يَعْتَدُّ بِهِ وَهَكَذَا حُكْمُ الْعَامِدِ فِي ذَلِكَ اُنْظُرْ ح وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ مَا فِي عبق وخش مِنْ بُطْلَانِ الطَّوَافِ بِزِيَادَةِ مِثْلِهِ -.
فَإِنْ ابْتَدَأَهُ مِنْ الرُّكْنِ الْيَمَانِي مَثَلًا لَغَا مَا قَبْلَ الْحَجَرِ وَأَتَمَّ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُتِمَّ إلَيْهِ أَعَادَهُ وَأَعَادَ سَعْيَهُ بَعْدَهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ ثَانِيهَا كَوْنُهُ مُتَلَبِّسًا (بِالطُّهْرَيْنِ) أَيْ طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ فَلَوْ قَالَ بِالطَّهَارَتَيْنِ كَانَ أَحْسَنَ فَإِنْ شَكَّ فِي الْأَثْنَاءِ، ثُمَّ بَانَ الطُّهْرُ لَمْ يُعِدْ كَمَا فِي الصَّلَاةِ (وَالسَّتْرِ) لِلْعَوْرَةِ عَطْفٌ عَلَى الطُّهْرَيْنِ فَهُوَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ (وَبَطَلَ بِحَدَثٍ) حَصَلَ أَثْنَاءَهُ وَلَوْ سَهْوًا (بِنَاءٌ) فَاعِلُ " بَطَلَ "، وَإِذَا بَطَلَ الْبِنَاءُ وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الطَّوَافِ إنْ كَانَ وَاجِبًا، أَوْ تَطَوُّعًا وَتَعَمَّدَ الْحَدَثَ فَلَوْ قَالَ وَبَطَلَ بِحَدَثٍ وَلَا بِنَاءَ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ عِبَارَتِهِ أَنَّ هُنَا بِنَاءً بَطَلَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (وَجَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ) - بِالْجَرِّ - عَطْفٌ عَلَى الطُّهْرَيْنِ فَهُوَ الشَّرْطُ الرَّابِعُ فَلَوْ جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ قُبَالَةَ وَجْهِهِ أَوْ وَرَاءَ ظَهْرِهِ لَمْ يَجْزِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ عَنْ يَسَارِهِ وَهُوَ مَاشٍ مُسْتَقِيمًا جِهَةَ أَمَامِهِ فَلَوْ جَعَلَهُ عَنْ يَسَارِهِ إلَّا أَنَّهُ رَجَعَ الْقَهْقَرَى مِنْ الْأَسْوَدِ الْيَمَانِي لَمْ يَجْزِهِ.
الْخَامِسُ أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (وَخُرُوجِ كُلِّ الْبَدَنِ عَنْ الشَّاذَرْوَانِ) ابْنُ فَرْحُونٍ بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ بِفَتْحِهَا وَسُكُونِ الرَّاءِ بِنَاءٌ لَطِيفٌ مُلْصَقٌ بِحَائِطِ الْكَعْبَةِ مُرْتَفِعٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ نَقَصَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ أَصْلِ الْجِدَارِ حِينَ بَنَوْا الْبَيْتَ فَهُوَ مِنْ أَصْلِ الْبَيْتِ فَلَوْ طَافَ خَارِجَهُ وَوَضَعَ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَيْهِ أَحْيَانًا لَمْ يَصِحَّ (وَ) خُرُوجِ كُلِّ الْبَدَنِ أَيْضًا عَنْ مِقْدَارِ (سِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ سُمِّيَ حِجْرًا لِاسْتِدَارَتِهِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ جَمِيعِ الْحِجْرِ وَلَا يُعْتَدُّ بِالطَّوَافِ دَاخِلَهُ (وَنَصَبَ الْمُقَبِّلُ) لِلْحَجَرِ وُجُوبًا وَكَذَا مُسْتَلِمُ الْيَمَانِي (قَامَتَهُ) بِأَنْ يَعْتَدِلَ قَائِمًا عَلَى قَدَمَيْهِ ثُمَّ يَطُوفَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ مُطَأْطِئًا، وَرَأْسُهُ أَوْ يَدُهُ فِي هَوَاءِ الشَّاذَرْوَانِ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ (دَاخِلَ الْمَسْجِدِ) حَالٌ مِنْ الطَّوَافِ وَهُوَ الشَّرْطُ السَّادِسُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
سَهْوٌ، أَوْ بِمُطْلَقِ الزِّيَادَةِ عَمْدًا كَالصَّلَاةِ مُجَرَّدُ بَحْثٍ مُخَالِفٍ لِلنَّصِّ وَقِيَاسُهُمَا لَهُ عَلَى الصَّلَاةِ مَرْدُودٌ بِوُجُودِ الْفَارِقِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا يُخْرَجُ مِنْهَا إلَّا بِالسَّلَامِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ تَمَامِهِ لَغْوٌ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ ابْتَدَأَ مِنْ الرُّكْنِ الْيَمَانِي) أَيْ الَّذِي هُوَ قِبَلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ. (قَوْلُهُ: وَأَتَمَّ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَقَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُتِمَّ إلَيْهِ أَيْ لِلْحَجَرِ بَلْ أَتَمَّ لِلرُّكْنِ الْيَمَانِي الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْهُ قَوْلُهُ: أَعَادَهُ أَيْ إنْ طَالَ الْأَمْرُ، أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَإِلَّا بَنَى عَلَى مَا فَعَلَ وَهَذَا كُلُّهُ فِي النَّاسِي وَالْجَاهِلِ وَأَمَّا مَنْ بَدَأَ مِنْ الرُّكْنِ الْيَمَانِي عَمْدًا وَأَتَمَّ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُبْنَى إلَّا إذَا رَجَعَ بِالْقُرْبِ جِدًّا وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ اُنْظُرْ ح وَهَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ رَجَعَ لِبَلَدِهِ أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ أَيْ هَدْيٌ يُرْسِلُهُ لِمَكَّةَ. (قَوْلُهُ: كَانَ أَحْسَنَ) أَيْ لِأَنَّ الطُّهْرَ هُوَ الْفِعْلُ وَالطَّهَارَةُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ وَهِيَ الْمُرَادَةُ هُنَا؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُصَاحِبَةُ لِلطَّوَافِ لَا الطُّهْرُ الَّذِي هُوَ التَّطْهِيرُ. (قَوْلُهُ: وَالسَّتْرِ) أَيْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ قَالَ بَعْضٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ طَوَافِ الْحُرَّةِ إذَا كَانَتْ بَادِيَةَ الْأَطْرَافِ وَتُعِيدُ اسْتِحْبَابًا مَا دَامَتْ بِمَكَّةَ أَوْ حَيْثُ يُمْكِنُهَا الْإِعَادَةُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا الْإِعَادَةُ وَلَوْ كَانَتْ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ مِنْهُ يَخْرُجُ وَقْتُهُ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَهْوًا) أَيْ هَذَا إذَا حَصَلَ عَمْدًا، أَوْ غَلَبَةً بَلْ وَلَوْ حَصَلَ سَهْوًا أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ سَاهِيًا عَنْ كَوْنِهِ فِي الطَّوَافِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا بَطَلَ الْبِنَاءُ) يَعْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ الْأَشْوَاطِ وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الطَّوَافِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ حَدَثَ فِي أَثْنَائِهِ فَلَا بِنَاءَ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ: إنَّهُ إذَا أَحْدَثَ تَطَهَّرَ وَبَنَى عَلَى مَا مَعَهُ مِنْ الْأَشْوَاطِ. (قَوْلُهُ: وَتَعَمَّدَ إلَخْ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ تَطَوُّعًا أَيْ فَالطَّوَافُ الْوَاجِبُ يَلْزَمُ اسْتِئْنَافُهُ مِنْ أَوَّلِهِ مُطْلَقًا وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَإِنْ أَحْدَثَ عَمْدًا لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ قَالَ وَبَطَلَ بِحَدَثٍ) أَيْ سَوَاءٌ حَصَلَ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا كَالْجُزْءِ مِنْهُ، أَوْ كَانَ الْحَدَثُ حَاصِلًا قَبْلَ شُرُوعِهِ فِيهِ وَقَوْلُهُ: وَلَا بِنَاءَ أَيْ إذَا حَصَلَ فِيهِ وَقَوْلُهُ: لَكَانَ أَحْسَنَ أَيْ وَأَشْمَلَ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَجَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ) قَالَ ح حِكْمَةُ جَعْلِ الطَّائِفِ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ لِيَكُونَ قَلْبُهُ إلَى وَجْهِ الْبَيْتِ إذْ بَابُ الْبَيْتِ هُوَ وَجْهُهُ فَلَوْ جَعَلَ الطَّائِفُ الْبَيْتَ يَمِينَهُ لَأَعْرَضَ عَنْ بَابِ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ وَجْهُهُ وَلَا يَلِيقُ بِالْأَدَبِ الْإِعْرَاضُ عَنْ وُجُوهِ الْأَمَاثِلِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَجْزِهِ) أَيْ وَرَجَعَ لَهُ وَلَوْ مِنْ بَلَدِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إذَا رَجَعَ لِبَلَدِهِ لَا يَرْجِعُ لَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَعَلَّ هَذَا الْقَائِلَ لَمْ يَرَ التَّيَاسُرَ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ التَّيَاسُرَ عِنْدَهُ سُنَّةٌ، فِي تَرْكِهِ دَمٌ إنْ رَجَعَ لِبَلَدِهِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ) أَيْ لِدُخُولِ بَعْضِ بَدَنِهِ فِي هَوَاءِ الْبَيْتِ وَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الشَّاذَرْوَانَ مِنْ الْبَيْتِ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ قَالَ ح وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ كَثُرَ الِاضْطِرَابُ فِي الشَّاذَرْوَانِ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ بِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ فَيَجِبُ عَلَى الشَّخْصِ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فِي طَوَافِهِ ابْتِدَاءً وَأَنَّهُ إنْ طَافَ وَبَعْضُ بَدَنِهِ فِي هَوَائِهِ أَنَّهُ يُعِيدُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ حَتَّى بَعُدَ عَنْ مَكَّةَ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الرُّجُوعُ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ. (قَوْلُهُ: وَسِتَّةِ أَذْرُعٍ إلَخْ) تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ اللَّخْمِيَّ قَالَ ح وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَعْتَدُّ بِالطَّوَافِ دَاخِلَ الْحِجْرِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ جَمِيعِ الْحِجْرِ السِّتَّةَ أَذْرُعٍ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا وَجَعَلَهُ بَعْضُ أَشْيَاخِنَا.
وَأَمَّا الْخُرُوجُ عَنْ الْحِجْرِ فَمِنْ تَمَامِ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ الْخُرُوجُ عَنْ الْبَيْتِ وَأَشَارَ لِلسَّابِعِ بِقَوْلِهِ (وَ) حَالَ كَوْنِهِ (وِلَاءً) فَهُوَ مَنْصُوبٌ وَيَصِحُّ جَرُّهُ عَطْفًا عَلَى الْمَجْرُورِ أَيْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَجْزَائِهِ، وَإِلَّا ابْتَدَأَ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّفْرِيقُ يَسِيرًا فَلَا يَضُرُّ وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ، أَوْ كَثِير الْعُذْرُ وَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ.
(وَابْتَدَأَ) طَوَافَهُ لِبُطْلَانِهِ وَاجِبًا كَانَ، أَوْ تَطَوُّعًا (إنْ قَطَعَ لِجِنَازَةٍ) وَلَوْ قَلَّ الْفَصْلُ لِأَنَّهَا فِعْلٌ آخَرُ غَيْرُ مَا هُوَ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ لَهَا اتِّفَاقًا مَا لَمْ تَتَعَيَّنْ فَإِنْ تَعَيَّنَتْ وَجَبَ الْقَطْعُ إنْ خَشِيَ تَغَيُّرَهَا، وَإِلَّا فَلَا يَقْطَعُ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْقَطْعِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَبْنِي كَالْفَرِيضَةِ كَذَا قَالُوا رضي الله عنهم (أَوْ) قَطَعَ لِأَجْلِ (نَفَقَةٍ) نَسِيَهَا أَوْ سَقَطَتْ مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ لَهَا وَاسْتَظْهَرَ الْمُصَنِّفُ الْجَوَازَ أَيْ إنْ خَافَ ضَيَاعَهَا إنْ لَمْ يَقْطَعْ وَمَحَلُّ ابْتِدَائِهِ إنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَإِلَّا بَنَى (أَوْ نَسِيَ بَعْضَهُ) وَلَوْ بَعْضَ شَوْطٍ (إنْ فَرَغَ سَعْيُهُ) وَطَالَ الزَّمَنُ بَعْدَ فَرَاغِهِ بِالْعُرْفِ، وَإِلَّا بَنَى فَإِنْ كَانَ الطَّوَافُ لَا سَعْيَ بَعْدَهُ كَالْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ وَالتَّطَوُّعِ فَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ بَطَلَ، وَإِلَّا بَنَى فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي الْبُطْلَانِ وَعَدَمِهِ الطُّولُ وَعَدَمُهُ فَلَوْ قَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ " إنْ فَرَغَ سَعْيُهُ ": إنْ طَالَ الزَّمَنُ كَانَ أَجْوَدَ (وَقَطَعَهُ) أَيْ الطَّوَافَ وُجُوبًا وَلَوْ رُكْنًا (لِلْفَرِيضَةِ) أَيْ لِإِقَامَتِهَا لِلرَّاتِبِ وَدَخَلَ مَعَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا، أَوْ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا، وَالْمُرَادُ بِالرَّاتِبِ إمَامُ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عَلَى الرَّاجِحِ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَقْطَعُ لَهُ لِأَنَّهُ كَجَمَاعَةِ غَيْرِ الرَّاتِبِ (وَنُدِبَ) لَهُ (كَمَالُ الشَّوْطِ) إنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ أَثْنَاءَهُ بِأَنْ يَخْرُجَ مِنْ عِنْدِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لِيَبْنِيَ مِنْ أَوَّلِ الشَّوْطِ فَإِنْ لَمْ يُكْمِلْهُ ابْتَدَأَ مِنْ مَوْضِعٍ خَرَجَ وَنُدِبَ أَنْ يَبْتَدِئَ ذَلِكَ الشَّوْطَ كَمَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ.
(وَبَنَى إنْ)(رَعَفَ) بَعْدَ غَسْلِ الدَّمِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى مَوْضِعًا قَرِيبًا كَالصَّلَاةِ وَأَنْ لَا يَبْعُدَ الْمَكَانُ جِدًّا وَأَنْ لَا يَطَأَ نَجَاسَةً وَلَوْ قَالَ وَبَنَى كَإِنْ رَعَفَ بِزِيَادَةِ الْكَافِ كَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ الْبِنَاءَ فِي الْقَطْعِ لِلْفَرِيضَةِ وَيَكُونَ التَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ وَبَنَى لَا فِي اسْتِحْبَابِ كَمَالِ الشَّوْطِ لِأَنَّ الْبَانِيَ فِي الرُّعَافِ يَخْرُجُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِهِ وَيَبْنِي قَبْلَ تَنَفُّلِهِ فَإِنْ تَنَفَّلَ أَعَادَ طَوَافَهُ وَكَذَا إنْ جَلَسَ طَوِيلًا بَعْدَ الصَّلَاةِ (أَوْ عَلِمَ) فِي أَثْنَائِهِ (بِنَجَسٍ) فِي بَدَنِهِ، أَوْ ثَوْبِهِ فَطَرَحَهَا، أَوْ غَسَلَهَا فَإِنَّهُ يَبْنِي إنْ لَمْ يَطُلْ، وَإِلَّا بَطَلَ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَبْنِي بَلْ يَبْطُلُ وَيَبْتَدِئُ (وَ) إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالنَّجَسِ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الطَّوَافِ وَرَكْعَتِهِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ قَالَ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ كَانَ الْحِجْرُ زَرْبًا لِغَنَمِ إسْمَاعِيلَ عليه السلام، ثُمَّ إنَّ قُرَيْشًا أَدْخَلَتْ فِيهِ أَذْرُعًا مِنْ الْكَعْبَةِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْخُرُوجُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ وُقُوعَهُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ شَرْطٌ سَابِعٌ لَا سَادِسٌ إذْ السَّادِسُ خُرُوجُهُ عَنْ الْحَجِّ.
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ خُرُوجَهُ عَنْ الْحِجْرِ مِنْ تَمَامِ الْخَامِسِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ مُسْتَقِلٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ حَاصِلَهُ) أَيْ حَاصِلَ الشَّرْطِ الَّذِي قَبْلَهُ الْخُرُوجُ عَنْ الْبَيْتِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْبَيْتِ الْحِجْرُ.
(قَوْلُهُ: إنْ قَطَعَ الْجِنَازَةَ) أَيْ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَلَوْ صَلَّى عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهَا إذْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ قَطْعُ الطَّوَافِ لَهَا فَإِنْ قَطَعَهُ لَهَا ابْتَدَأَهُ وَلَا يَبْنِي عَلَى مَا فَعَلَ وَلَوْ كَانَ الطَّوَافُ تَطَوُّعًا وَكَذَا إنْ تَعَيَّنَتْ وَلَمْ يَخْشَ تَغَيُّرَهَا فَلَا يَقْطَعُ، وَإِذَا قَطَعَهُ لَهَا ابْتَدَأَهُ وَأَمَّا إنْ خَشِيَ تَغَيُّرَهَا قَطَعَ الطَّوَافَ لِأَجْلِهَا وُجُوبًا وَيَبْنِي عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ الْأَشْوَاطِ كَمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَطْعُ الطَّوَافِ إذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْفَرِيضَةُ وَبَعْدَ إتْمَامِهَا يَبْنِي عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ الْأَشْوَاطِ. (قَوْلُهُ: لِأَجْلِ نَفَقَةٍ) أَيْ لِأَجْلِ طَلَبِ نَفَقَةٍ. (قَوْلُهُ: إنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ) أَيْ لِأَجْلِ طَلَبِ النَّفَقَةِ (وَقَوْلُهُ وَإِلَّا بَنَى) أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ طَلَبَهَا فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بَنَى. (قَوْلُهُ: بَعْدَ فَرَاغِهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ السَّعْيَ لَا يُعَدُّ طُولًا. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا بَنَى) أَيْ وَإِلَّا يَطُلْ الزَّمَنُ بَنَى. (قَوْلُهُ: كَالْإِفَاضَةِ) أَيْ إذَا كَانَ قَدَّمَ السَّعْيَ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ. (قَوْلُهُ: أَوْ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا) أَيْ فِي بَيْتِهِ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ صَلَّاهَا جَمَاعَةً فِي بَيْتِهِ وَأَمَّا لَوْ صَلَّاهَا جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ لِلرَّاتِبِ وَهُوَ فِي الطَّوَافِ فَهَلْ يَقْطَعُهُ وَيَخْرُجُ؛ لِأَنَّ فِي بَقَائِهِ طَعْنًا عَلَى الْإِمَامِ وَلَا يَقْطَعُهُ؛ لِأَنَّ تَلَبُّسَهُ بِالطَّوَافِ يَمْنَعُ مِنْ الطَّعْنِ قَالَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ شُيُوخِنَا الثَّانِيَ. (قَوْلُهُ: مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عَلَى الرَّاجِحِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّاتِبَ لَا يَتَعَدَّدُ وَعَلَى مُقَابِلِهِ فَالْمُرَادُ وَقَطَعَهُ لِإِقَامَةِ الْفَرِيضَةِ لِلرَّاتِبِ بِأَيِّ مَحَلٍّ كَانَ وَالْمُرَادُ بِمَقَامِ إبْرَاهِيمَ مَحَلٌّ هُنَاكَ يُصَلَّى فِيهِ بِإِمَامٍ رَاتِبٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْحِجْرَ الْمَعْلُومَ. (قَوْلُهُ: لِيَبْنِيَ) أَيْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْفَرِيضَةِ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ أَوَّلِ الشَّوْطِ.
(قَوْلُهُ: وَبَنَى) أَيْ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ الْأَشْوَاطِ إنْ رَعَفَ وَغَسَلَ الدَّمَ. (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى) أَيْ فِي غَسْلِ الدَّمِ وَقَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَبْعُدَ الْمَكَانُ أَيْ الَّذِي يَغْسِلُ فِيهِ الدَّمَ. (قَوْلُهُ: لِيُفِيدَ الْبِنَاءَ فِي الْقَطْعِ لِلْفَرِيضَةِ) أَيْ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُوَطَّإِ وَالْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقَ وَقَالَ لَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَيَبْنِي قَبْلَ تَنَفُّلِهِ) أَيْ وَيَبْنِي الشَّخْصُ الَّذِي قَطَعَ لِأَجْلِ إقَامَةِ الْفَرِيضَةِ قَبْلَ تَنَفُّلِهِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ جَلَسَ طَوِيلًا بَعْدَ الصَّلَاةِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ جُلُوسُهُ لِذِكْرٍ. (قَوْلُهُ: وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَبْنِي) بَلْ يَبْطُلُ وَيَبْتَدِئُ أَيْ بَعْدَ طَرْحِهَا إنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شَيْءٌ مِنْهَا وَبَعْدَ غَسْلِهَا إنْ تَعَلَّقَ بِهِ شَيْءٌ مِنْهَا سَوَاءٌ طَالَ، أَوْ لَمْ يَطُلْ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الرَّاجِحِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ أَشْهَبَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ ذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ أَحَدُهُمَا لِمَالِكٍ كَرَاهَةُ الطَّوَافِ بِالثَّوْبِ النَّجِسِ قَالَ -
(أَعَادَ) نَدْبًا (رَكْعَتَيْهِ) خَاصَّةً (بِالْقُرْبِ) عُرْفًا فَإِنْ طَالَ، أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِخُرُوجِ الْوَقْتِ بِالْفَرَاغِ مِنْهُمَا.
(وَ) بَنَى (عَلَى الْأَقَلِّ إنْ شَكَّ) فِي عَدَدِ الْأَشْوَاطِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكِحًا، وَإِلَّا بَنَى عَلَى الْأَكْثَرِ وَيَعْمَلُ بِإِخْبَارِ غَيْرِهِ وَلَوْ وَاحِدًا.
(وَجَازَ بِسَقَائِفَ) وَمِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ وَقُبَّةِ الشَّرَابِ وَلَا يَضُرُّ حَيْلُولَةُ الْأُسْطُوَانَاتِ وَزَمْزَمَ وَالْقُبَّةِ (لِزَحْمَةٍ) انْتَهَتْ إلَيْهَا (وَإِلَّا) تَكُنْ زَحْمَةٌ (أَعَادَ) وُجُوبًا مَا دَامَ بِمَكَّةَ (وَلَمْ يَرْجِعْ لَهُ) مِنْ بَلَدِهِ، أَوْ مِمَّا يَتَعَذَّرُ مِنْهُ الرُّجُوعُ (وَلَا دَمَ) الْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالسَّقَائِفِ مَا كَانَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَيْهَا مِمَّا هُوَ مَوْجُودٌ الْآنَ فَلَا يَجُوزُ الطَّوَافُ فِيهِ لِزَحْمَةٍ وَلَا غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ فِيهَا خَارِجٌ عَنْ الْمَسْجِدِ.
(وَوَجَبَ) أَيْ الطَّوَافُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا طَوَافُ الْقُدُومِ بِدَلِيلِ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ (كَالسَّعْيِ) أَيْ كَمَا يَجِبُ السَّعْيُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
ابْنُ رُشْدٍ: وَعَلَيْهِ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَلَوْ كَانَ مُتَعَمِّدًا، الثَّانِي لِابْنِ الْقَاسِمِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا إلَّا بَعْدَ الطَّوَافِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ الثَّالِثُ لِأَشْهَبَ إنْ عَلِمَ فِي أَثْنَائِهِ أَعَادَهُ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ قَوْلَ أَشْهَبَ مُقَابِلٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ كَمَالِهِ قَالَ التُّونُسِيُّ يُشْبِهُ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ فِي أَثْنَائِهِ يَبْنِي بَعْدَ طَرْحِهَا، أَوْ غَسْلِهَا.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ إذَا عَلِمْت هَذَا فَكَيْفَ يَكُونُ ضَعِيفًا اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: أَعَادَ نَدْبًا رَكْعَتَيْهِ) هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالنَّجَاسَةِ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الطَّوَافِ وَرَكْعَتَيْهِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَأَمَّا إذَا عَلِمَ بِهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الطَّوَافِ فَلَا يُعِيدُهُ. (قَوْلُهُ: لِخُرُوجِ الْوَقْتِ بِالْفَرَاغِ مِنْهُمَا) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الطُّولُ إلَّا أَنْ يُلَاحَظَ أَنَّ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ يُعْطَى حُكْمَهُ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَبَنَى عَلَى الْأَقَلِّ) عَطْفٌ عَلَى الْمَعْنَى أَيْ بَنَى عَلَى مَا طَافَ إنْ رَعَفَ وَبَنَى عَلَى الْأَقَلِّ الْمُحَقَّقِ إنْ شَكَّ وَالْمُرَادُ بِالشَّكِّ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ الشَّامِلُ لِلْوَهْمِ كَمَا فِي شب وعبق قَالَ ح وَالْمَنْصُوصُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الشَّاكَّ الْغَيْرَ الْمُسْتَنْكِحِ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ سَوَاءٌ شَكَّ وَهُوَ فِي الطَّوَافِ، أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ بَلْ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي إكْمَالِ طَوَافِهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ لِبَلَدِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِذَلِكَ مِنْ بَلَدِهِ. (قَوْلُهُ: وَيَعْمَلُ) أَيْ الشَّاكُّ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ مُسْتَنْكِحًا وَقَوْلُهُ: وَلَوْ وَاحِدًا أَيْ هَذَا إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ لَهُ مُتَعَدِّدًا بَلْ وَلَوْ كَانَ وَاحِدًا بِشَرْطِ كَوْنِهِ مَعَهُ فِي الطَّوَافِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لعبق الْقَائِلِ يَعْمَلُ بِإِخْبَارِ غَيْرِهِ وَلَوْ وَاحِدًا لَيْسَ مَعَهُ فِي الطَّوَافِ وَرَوَى الْبَاجِيَّ عَنْ الْأَبْهَرِيِّ أَنَّ الطَّائِفَ الشَّاكَّ لَا يَرْجِعُ لِإِخْبَارِ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ اثْنَيْنِ مَعَهُ فِي الطَّوَافِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَنَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَخْفِيفَ مَالِكٍ لِلشَّاكِّ فِي قَبُولِ خَبَرِ رَجُلَيْنِ طَافَا مَعَهُ، الشَّيْخُ: وَفِي رِوَايَةٍ قَبُولُ خَبَرِ رَجُلٍ مَعَهُ، الْبَاجِيَّ عَنْ الْأَبْهَرِيِّ: الْقِيَاسُ لَغْوُ قَوْلِ غَيْرِهِ وَبِنَاؤُهُ عَلَى يَقِينِهِ كَالصَّلَاةِ وَقَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ اهـ ح.
(قَوْلُهُ: وَجَازَ بِسَقَائِفَ) أَيْ وَجَازَ الطَّوَافُ تَحْتَ السَّقَائِفِ الْقَدِيمَةِ وَهِيَ مَحَلٌّ كَانَ بِهِ قِبَابٌ مَعْقُودَةٌ. (قَوْلُهُ: وَقُبَّةِ الشَّرَابِ) أَيْ وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ الْآنَ بِخَلْوَةِ الشَّمْعِ حِذَاءَ زَمْزَمَ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَضُرُّ حَيْلُولَةُ الْأُسْطُوَانَاتِ) أَيْ الْعَوَامِيدِ أَيْ لَا يَضُرُّ حَيْلُولَتُهَا بَيْنَ الطَّائِفِ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الَّذِي يَطُوفُ حَوْلَهُ وَلَا حَيْلُولَةُ زَمْزَمَ وَقُبَّةِ الشَّرَابِ بَيْنَ الطَّائِفِ وَالْبَيْتِ. (قَوْلُهُ: انْتَهَتْ إلَيْهَا) أَيْ لِأَنَّ الزِّحَامَ يُصَيِّرُ الْجَمِيعَ مُتَّصِلًا بِالْبَيْتِ فَلَوْ طَافَ فِي السَّقَائِفِ لِزَحْمَةٍ، ثُمَّ قَبْلَ كَمَالِهِ زَالَتْ الزَّحْمَةُ وَجَبَ كَمَالُهُ فِي الْمَحَلِّ الْمُعْتَادِ كَانَ الْبَاقِي قَلِيلًا، أَوْ كَثِيرًا فَلَوْ كَمَّلَ الْبَاقِيَ فِي السَّقَائِفِ فَهَلْ يُطَالَبُ بِإِعَادَةِ مَا فَعَلَ بَعْدَ زَوَالِ الزَّحْمَةِ عِنْدَ الْبَيْتِ وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا كَالشَّوْطَيْنِ وَكَانَ الْأَمْرُ بِالْقُرْبِ أَوْ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الطَّوَافِ كُلِّهِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ اهـ عَدَوِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا تَكُنْ زَحْمَةٌ) أَيْ بَلْ طَافَ تَحْتَ السَّقَائِفِ اعْتِبَاطًا أَوْ لِحَرٍّ، أَوْ لِبَرْدٍ، أَوْ مَطَرٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ هُوَ أَنَّ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ الشَّدِيدَيْنِ كَالزَّحْمَةِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ. (قَوْلُهُ: أَعَادَ وُجُوبًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الطَّوَافُ وَاجِبًا، أَوْ تَطَوُّعًا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يُعِيدُ الْوَاجِبَ وَلَوْ كَانَ وُجُوبُهُ بِالنَّذْرِ لَا التَّطَوُّعِ قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ التَّطَوُّعَ يَجُوزُ فِي السَّقَائِفِ لِزَحْمَةٍ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: مَا دَامَ بِمَكَّةَ) أَيْ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا مِمَّا لَا يَتَعَذَّرُ فِيهِ الرُّجُوعُ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَيْهَا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ السَّقَائِفَ كَانَتْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ بَدَّلَهَا بَعْضُ السَّلَاطِينِ مِنْ بَنِي عُثْمَانَ بِعُقُودٍ وَأَمَّا السَّقَائِفُ الْمَوْجُودَةُ الْآنَ فَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ الْمَسْجِدِ مَزِيدَةٌ فِيهِ فَالطَّوَافُ فِيهَا الْآنَ طَوَافٌ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ الطَّوَافِ فِي السَّقَائِفِ لِزَحْمَةٍ مُرَادُهُ فِي مَحَلِّهَا الزَّمَنَ الْأَوَّلَ لَا الطَّوَافُ تَحْتَ السَّقَائِفِ الْمَوْجُودَةِ الْآنَ هَذَا حَاصِلُهُ وَقَدْ يُقَالُ إذَا كَانَتْ السَّقَائِفُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلِأَيِّ شَيْءٍ اُشْتُرِطَ فِي جَوَازِ الطَّوَافِ فِيهَا لِزَحْمَةٍ مَعَ أَنَّ الشَّرْطَ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ كَمَا مَرَّ وُقُوعُهُ فِي الْمَسْجِدِ.
(قَوْلُهُ: وَوَجَبَ كَالسَّعْيِ) فَاعِلُ وَجَبَ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ عَائِدٌ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ.
أَيْ تَقْدِيمُهُ (قَبْلَ عَرَفَةَ) وَلِذَلِكَ شُرُوطٌ ثَلَاثَةٌ فِيهِمَا أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ (إنْ أَحْرَمَ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ مُفْرِدًا، أَوْ قَارِنًا (مِنْ الْحِلِّ) وَلَوْ مُقِيمًا بِمَكَّةَ خَرَجَ إلَيْهِ (وَلَمْ يُرَاهَقْ) بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ لَمْ يُزَاحِمْهُ الْوَقْتُ وَبِكَسْرِهَا أَيْ لَمْ يُقَارِبْ الْوَقْتَ بِحَيْثُ يَخْشَى فَوَاتَ الْحَجِّ إنْ اشْتَغَلَ بِالْقُدُومِ فَإِنْ خَشِيَهُ خَرَجَ لِعَرَفَةَ وَتَرَكَهُ (وَلَمْ يُرْدِفْ) الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ (بِحَرَمٍ وَإِلَّا) بِأَنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ (سَعَى) أَيْ أَخَّرَ السَّعْيَ الرُّكْنِيَّ (بَعْدَ الْإِفَاضَةِ) وَلَا طَوَافَ قُدُومٍ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى نَاسٍ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَمَجْنُونٍ حَيْثُ بَقِيَ عُذْرُهُمْ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُمْ الْإِتْيَانُ بِالْقُدُومِ وَالسَّعْيِ قَبْلَ الْوُقُوفِ.
(وَإِلَّا) بِأَنْ طَافَ الْمُرْدِفُ بِحَرَمٍ، أَوْ الْمُحْرِمُ مِنْهُ غَيْرُ الْمُرَاهَقِ تَطَوُّعًا (فَدَمٌ) بِشَرْطَيْنِ (إنْ قَدَّمَ) سَعْيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الطَّوَافِ عَلَى الْإِفَاضَةِ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يُعِدْ) سَعْيَهُ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ حَتَّى رَجَعَ لِبَلَدِهِ، فَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ.
(ثُمَّ) الرُّكْنُ الثَّالِثُ (السَّعْيُ) لَهُمَا (سَبْعًا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الصَّفَا (الْبَدْءُ مَرَّةً) فَإِنْ بَدَأَ مِنْ الْمَرْوَةِ لَمْ يَحْتَسِبْ بِهِ وَأَعَادَ، وَإِلَّا بَطَلَ سَعْيُهُ، وَقَوْلُهُ (وَالْعَوْدُ أُخْرَى) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ فَالْبَدْءُ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ وَالْعَوْدُ إلَى الصَّفَا شَوْطٌ آخَرُ.
(وَصِحَّتُهُ) أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَائِنَةٌ (بِتَقَدُّمِ طَوَافٍ) أَيَّ طَوَافٍ كَانَ وَلَوْ نَفْلًا (وَنَوَى فَرْضِيَّتَهُ) أَيْ إنْ كَانَ
ــ
[حاشية الدسوقي]
لَهُ الذِّكْرُ لَكِنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَجِّ طَوَافٌ قَبْلَ عَرَفَةَ إلَّا طَوَافَ الْقُدُومِ وَأَمَّا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ فَمُؤَخَّرَانِ عَنْ عَرَفَةَ اهـ عَدَوِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَيْ تَقْدِيمُهُ) أَيْ وَأَمَّا ذَاتُهُ فَهِيَ رُكْنٌ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ عَرَفَةَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَجَبَ أَيْ وَوَجَبَ الطَّوَافُ بِعَرَفَةَ كَمَا يَجِبُ تَقْدِيمُ السَّعْيِ قَبْلَ عَرَفَةَ فَقَوْلُهُ: كَالسَّعْيِ تَشْبِيهٌ فِي وُجُوبِ الْقَبْلِيَّةِ فَقَطْ وَلَيْسَ تَشْبِيهًا تَامًّا لِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ لَيْسَ بِرُكْنٍ، وَالسَّعْيَ رُكْنٌ. (قَوْلُهُ: وَلِذَلِكَ) أَيْ لِوُجُوبِ طَوَافِ الْقُدُومِ قَبْلَ عَرَفَةَ وَوُجُوبِ تَقْدِيمِ السَّعْيِ قَبْلَهَا شُرُوطٌ ثَلَاثَةٌ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ رَاجِعَةٌ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ وَلِمَا قَبْلَهَا لَا لِمَا بَعْدَهَا فَقَطْ كَمَا هُوَ عَادَةُ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: إنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ) أَيْ إنْ أَحْرَمَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ مِنْ الْحِلِّ بِالْفِعْلِ كَانَ إحْرَامُهُ مِنْهُ وَاجِبًا كَالْآفَاقِيِّ الْقَادِمِ مِنْ بَلَدِهِ سَوَاءٌ أَحْرَمَ مُفْرِدًا، أَوْ قَارِنًا وَكَالْمُقِيمِ بِمَكَّةَ إذَا أَرَادَ الْقِرَانَ وَخَرَجَ لِلْحِلِّ وَأَحْرَمَ مِنْهُ أَوْ مَنْدُوبًا كَالْمُقِيمِ بِمَكَّةَ إذَا كَانَ مَعَهُ نَفْسٌ مِنْ الْوَقْتِ وَخَرَجَ لِلْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ مُفْرِدًا. (قَوْلُهُ: وَتَرَكَهُ) أَيْ وَأَخَّرَ السَّعْيَ لِلْإِفَاضَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُرْدِفْ بِحَرَمٍ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُرْدِفْ أَصْلًا بِأَنْ كَانَ مُفْرِدًا، أَوْ أَرْدَفَ بِحِلٍّ قِيلَ إنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: إنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرْدَفَ بِالْحَرَمِ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ مِنْ الْحِلِّ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُصَنِّفَ أَتَى بِهَذَا دَفْعًا لِتَوَهُّمِ اعْتِبَارِ الْإِحْرَامِ الْأَصْلِيِّ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ إلَخْ) وَذَلِكَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِحَرَمٍ، أَوْ أَرْدَفَ فِيهِ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، أَوْ رَاهَقَ أَيْ ضَاقَ الزَّمَنُ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَخْشَى فَوَاتَ الْوُقُوفِ إنْ اشْتَغَلَ بِالْقُدُومِ. (قَوْلُهُ: سَعَى بَعْدَ الْإِفَاضَةِ) أَيْ لِوُجُوبِ إيقَاعِ السَّعْيِ بَعْدَ أَحَدِ طَوَافَيْ الْحَجِّ وَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الْقُدُومِ فَيَجِبُ فِعْلُهُ عَقِبَ الْبَاقِي مِنْ طَوَافَيْهِ وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَا يَجِبُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ طَوَافِ الْقُدُومِ وَالسَّعْيِ بَعْدَهُ قَبْلَ عَرَفَةَ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَدَمٌ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَّ شَرْطٌ مِمَّا مَرَّ بِأَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْحَرَمِ، أَوْ أَرْدَفَ فِيهِ فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ السَّعْيَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ لَوْ خَالَفَ وَقَدَّمَ السَّعْيَ عَلَى الْإِفَاضَةِ وَعَلَى الْوُقُوفِ وَلَمْ يُعِدْهُ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ بِأَنْ أَوْقَعَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ بَعْدَ طَوَافِ تَطَوُّعٍ، أَوْ وَاجِبٍ بِالنَّذْرِ وَلَمْ يُعِدْهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ حَتَّى رَجَعَ لِبَلَدِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ دَمًا لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ تَأْخِيرِهِ، ثُمَّ إنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ، وَإِلَّا قَدَّمَ إلَخْ الْمُرَاهَقُ إذَا تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ وَطَافَ وَسَعَى قَبْلَ عَرَفَةَ فَإِنَّ هَذَا لَا إعَادَةَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِمَّنْ أَحْرَمَ بِالْحَرَمِ أَوْ أَرْدَفَ فِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لَهُ طَوَافُ قُدُومٍ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا بِأَنْ طَافَ الْمُرْدِفُ بِحَرَمٍ) أَيْ طَافَ قَبْلَ عَرَفَةَ وَقَوْلُهُ: غَيْرُ الْمُرَاهَقِ، الْأَوْلَى حَذْفُهُ وَقَوْلُهُ: تَطَوُّعًا مَعْمُولٌ لِ طَافَ وَلَا مَفْهُومَ لِلتَّطَوُّعِ بَلْ مِثْلُهُ مَا لَوْ طَافَ قَبْلَ عَرَفَةَ طَوَافًا وَاجِبًا بِالنَّذْرِ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ السَّعْيُ لَهُمَا) أَيْ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. (قَوْلُهُ: مِنْهُ الْبَدْءُ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَقَوْلُهُ " مَرَّةً " حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي مُتَعَلِّقِ الْخَبَرِ أَيْ الْبَدْءُ كَائِنٌ مِنْهُ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْبَدْءِ مَرَّةً، أَوْ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ الْمُبْتَدَأِ أَيْ الْبَدْءُ حَالَ كَوْنِهِ مَرَّةً كَائِنٌ مِنْهُ وَالصَّفَا مُذَكَّرٌ؛ لِأَنَّ أَلِفَهُ ثَالِثَةٌ كَأَلْفِ فَتًى وَعَصًا، وَأَلْفُ التَّأْنِيثِ لَا تَكُونُ ثَالِثَةً. (قَوْلُهُ: مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ " الْعَوْدُ " مُبْتَدَأٌ وَ " أُخْرَى " خَبَرُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ " الْعَوْدُ " مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ " وَأُخْرَى " صِفَةٌ لِحَالٍ مَحْذُوفَةٍ أَيْ وَالْعَوْدُ إلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى أَيْ شَوْطًا آخَرَ.
(قَوْلُهُ: أَيَّ طَوَافٍ كَانَ) حَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّ صِحَّةَ السَّعْيِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِتَقَدُّمِ طَوَافٍ أَيَّ طَوَافٍ كَانَ فَإِنْ سَعَى مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ طَوَافٍ كَانَ ذَلِكَ السَّعْيُ بَاطِلًا لَمْ يُجْزِهِ وَأَمَّا سُقُوطُ الدَّمِ فَلَا يَحْصُلُ إلَّا إذَا كَانَ الطَّوَافُ وَاجِبًا وَنَوَى وُجُوبَهُ فَلَوْ كَانَ الطَّوَافُ تَطَوُّعًا، أَوْ وَاجِبًا وَلَمْ يُلَاحِظْ وُجُوبَهُ فَالصِّحَّةُ حَاصِلَةٌ وَلَكِنْ عَلَيْهِ الدَّمُ حَيْثُ لَمْ يُعِدْهُ. (قَوْلُهُ: وَنَوَى فَرْضِيَّتَهُ) الْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ حَالِ الطَّوَافِ الَّذِي قَالَ فِيهِ وَصِحَّتُهُ بِتَقْدِيمِ طَوَافٍ فَهِيَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّ سَائِلًا سَأَلَهُ مَا حَالُ هَذَا الطَّوَافِ فَقَالَ: وَأَكْمَلُ أَحْوَالِهِ إنْ كَانَ وَاجِبًا وَنَوَى فَرْضِيَّتَهُ فَلَا دَمَ، وَإِلَّا فَالدَّمُ اهـ عَدَوِيٌّ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ فَرْضًا) .
فَرْضًا فَلَيْسَ هَذَا شَرْطًا فِي صِحَّةِ السَّعْيِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ وَلَا يُرِيدُ أَنَّ غَيْرَ الْفَرْضِ يُنْوَى بِهِ بَلْ هُوَ شَرْطٌ لِعَدَمِ إعَادَتِهِ وَعَدَمِ تَرَتُّبِ دَمٍ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالْفَرْضِ مَا يَشْمَلُ الْوَاجِبَ كَالْقُدُومِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَنْوِ فَرْضِيَّتَهُ لِكَوْنِهِ نَفْلًا أَوْ وَاجِبًا وَلَمْ يَنْوِ بِهِ فَرْضًا بِأَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ وُجُوبَهُ كَمَا يَقَعُ لِبَعْضِ الْجَهَلَةِ (فَدَمٌ) إنْ تَبَاعَدَ عَنْ مَكَّةَ، وَإِلَّا أَعَادَهُ مَعَ السَّعْيِ.
وَلَمَّا قَدَّمَ شُرُوطَ الطَّوَافِ - مِنْ حَيْثُ هُوَ - شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ مَا إذَا فَسَدَ لِفَقْدِ شَرْطٍ وَأَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ لِأَحَدِ أَطْوِفَةٍ ثَلَاثَةٍ فَقَالَ (وَرَجَعَ) الْمُعْتَمِرُ مِنْ أَيْ مَوْضِعٍ مِنْ الْأَرْضِ (إنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ عُمْرَةٍ) اعْتَمَرَهَا لِفَقْدِ شَرْطٍ كَفِعْلِهِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ (حِرْمًا) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ مُحْرِمًا مُتَجَرِّدًا عَنْ الْمَخِيطِ كَمَا كَانَ عِنْدَ إحْرَامِهِ إذْ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا الْإِحْرَامُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ فَإِنْ كَانَ قَدْ أَصَابَ النِّسَاءَ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ فَيُتِمُّهَا، ثُمَّ يَقْضِيهَا مِنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ وَيُهْدِي وَعَلَيْهِ لِكُلِّ صَيْدٍ أَصَابَهُ الْجَزَاءُ وَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ لِلُبْسِهِ وَطِيبِهِ (وَافْتَدَى لِحَلْقِهِ) إنْ كَانَ حَلَقَ وَلَا بُدَّ مِنْ حَلْقِهِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ حَلْقَهُ الْأَوَّلَ لَمْ يُصَادِفْ مَحِلًّا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَلَقَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِتَأْخِيرِهِ.
(وَإِنْ أَحْرَمَ) هَذَا الَّذِي لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ عُمْرَتِهِ (بَعْدَ سَعْيِهِ) الَّذِي سَعَاهُ بَعْدَ طَوَافِهِ الْفَاسِدِ (بِحَجٍّ فَقَارِنٌ) لِأَنَّ طَوَافَهُ الْفَاسِدَ كَالْعَدَمِ فَسَعْيُهُ عَقِبَهُ كَذَلِكَ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ صِحَّةُ الطَّوَافِ فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إلَّا مُجَرَّدُ الْإِحْرَامِ، وَالْإِرْدَافُ عَلَيْهِ صَحِيحٌ وَأَوْلَى لَوْ أَرْدَفَ قَبْلَ سَعْيِهَا (كَطَوَافِ الْقُدُومِ) إنْ فَسَدَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ كَانَ (إنْ سَعَى بَعْدَهُ وَاقْتَصَرَ) عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعِدْهُ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ فَالرُّجُوعُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ لِلْقُدُومِ بَلْ لِلسَّعْيِ وَلِذَا كَانَ إذَا لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ بَلْ أَعَادَهُ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ لَمْ يَرْجِعْ.
(وَ) طَوَافُ (الْإِفَاضَةِ) إذَا فَسَدَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ (إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَهُ) بِطَوَافٍ صَحِيحٍ
ــ
[حاشية الدسوقي]
أَيْ إنْ كَانَ مَطْلُوبًا طَلَبًا أَكِيدًا كَالْإِفَاضَةِ وَالْقُدُومِ فَيُلَاحَظُ فِيهِمَا فَرْضِيَّتُهُ أَوْ وُجُوبُهُ. (قَوْلُهُ: كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يُوهِمُ شَرْطِيَّتَهُ لِقَوْلِهِ، وَإِلَّا فَدَمٌ إذْ لَوْ كَانَ شَرْطًا لَلَزِمَ مِنْ فَقْدِهِ عَدَمُ صِحَّةِ السَّعْيِ وَأَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ مِنْ بَلَدِهِ دُونَ جَبْرِهِ بِالدَّمِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُرِيدُ أَنَّ غَيْرَ الْفَرْضِ) أَيْ وَهُوَ الطَّوَافُ النَّفَلُ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْفَرْضِ مَا يَشْمَلُ الْوَاجِبَ) أَيْ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَلَى الْوَاجِبِ فَرْضًا مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ الِاصْطِلَاحِ هُنَا تَبَعًا لِلْمُدَوَّنَةِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ لِهَذَا الِاصْطِلَاحِ الْحَادِثِ وَهُوَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ وُجُوبَهُ إلَخْ) الْأَوْلَى بِأَنْ اعْتَقَدَ عَدَمَ وُجُوبِهِ وَقَوْلُهُ: كَمَا يَقَعُ لِبَعْضِ الْجَهَلَةِ أَيْ فَإِنَّهُ يَعْتَقِدُ عَدَمَ لُزُومِ الْإِتْيَانِ بِطَوَافِ الْقُدُومِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَنْوِ فَرْضِيَّتَهُ وَالْحَالُ أَنَّهُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ لُزُومَهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى نَوَى فَرْضِيَّتَهُ أَوْ وُجُوبَهُ، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَكَانَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ عَدَمَ لُزُومِهِ أَوْ اعْتَقَدَ عَدَمَ وُجُوبِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ إنْ لَمْ يُعِدْهُ اهـ عَدَوِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا أَعَادَهُ مَعَ السَّعْيِ) أَيْ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَكَّةَ يُعِيدُ السَّعْيَ بَعْدَ طَوَافٍ يَنْوِي فَرْضِيَّتَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ أَعَادَ طَوَافَ الْقُدُومِ وَنَوَى وُجُوبَهُ وَسَعَى بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ وَقَفَ بِعَرَفَةَ أَعَادَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَنَوَى فَرْضِيَّتَهُ وَسَعَى بَعْدَهُ، وَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا فَدَمُ مُسَامَحَةٍ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ عَدَمُ الْأَمْرِ بِالْإِعَادَةِ وَلَوْ كَانَ قَرِيبًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ هُوَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا، أَوْ تَطَوُّعًا كَانَ فِي الْحَجِّ أَوْ فِي الْعُمْرَةِ وَقَوْلُهُ: إنَّمَا يَرْجِعُ أَيْ يَرْجِعُ أَيْ مِنْ بَلَدِهِ. (قَوْلُهُ: وَرَجَعَ) أَيْ لِيَأْتِيَ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحَلْقٍ. (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ عُمْرَةٍ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ عَدَمُ صِحَّةِ الطَّوَافِ عَنْ عَمْدٍ، أَوْ سَهْوٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا تَفْسُدُ فِي الْعَمْدِ وَيَقْضِيهَا بَعْدَ إتْمَامِهَا لِانْعِقَادِ إحْرَامِهَا وَعَدَمِ طُرُوءِ مَا يُفْسِدُهُ. (قَوْلُهُ: كَفِعْلِهِ) أَيْ الطَّوَافِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ. أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا، أَوْ سَهْوًا أَيْ وَكَتَرْكِ بَعْضِهِ عَمْدًا، أَوْ نِسْيَانًا ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَرَجَعَ إلَخْ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَطُفْ طَوَافَ تَطَوُّعٍ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ وَسَعَى بَعْدَهُ وَإِلَّا فَيُجْزِئُ وَلَا يَرْجِعُ لَكِنْ عَلَيْهِ دَمٌ إنْ تَبَاعَدَ عَنْ مَكَّةَ لِأَنَّهُ سَعَى بَعْدَ طَوَافٍ غَيْرِ فَرْضٍ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: مُتَجَرِّدًا عَنْ الْمَخِيطِ) تَفْسِيرٌ لِمُحْرِمًا أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مُجَرَّدَ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ. (قَوْلُهُ: كَمَا كَانَ عِنْدَ إحْرَامِهِ) أَيْ كَمَا كَانَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ الْآنَ مُحْرِمٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ قَدْ أَصَابَ النِّسَاءَ) أَيْ بَعْدَ فَرَاغِ تِلْكَ الْعُمْرَةِ الَّتِي لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهَا.
(قَوْلُهُ: فَقَارِنٌ) أَيْ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ دَمُ الْقِرَانِ وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِحَجٍّ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ كَانَ تَحَلُّلُهُ مِنْ الثَّانِيَةِ تَحَلُّلًا مِنْ الْأُولَى. (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إلَّا مُجَرَّدُ الْإِحْرَامِ) بِهَذَا ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ وَصَحَّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ بَعْدَ سَعْيِ الْعُمْرَةِ وَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا إنْ حَلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَإِلَّا فَمُفْرِدٌ؛ لِأَنَّ مَا مَرَّ الْعُمْرَةُ الَّتِي أَحْرَمَ بَعْدَ سَعْيِهَا صَحِيحَةٌ وَهُنَا فَاسِدَةٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ) أَيْ حَلَالًا مُحْرِمًا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَطَوَافِ الْقُدُومِ تَشْبِيهٌ فِي الرُّجُوعِ لَا فِي صِفَتِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَرْجِعُ مُحْرِمًا وَهُنَا يَرْجِعُ حَلَالًا وَحَاصِلُ مَا ذَكَره أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ إذَا تَبَيَّنَ فَسَادُهُ وَقَدْ أَوْقَعَ السَّعْيَ بَعْدَهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُعِدْهُ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَلَا بَعْدَ طَوَافِ نَفْلٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ حَلَالًا وَلَا دَمَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعِدْهُ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ) أَيْ وَلَا بَعْدَ طَوَافِ تَطَوُّعٍ وَأَمَّا لَوْ أَعَادَهُ بَعْدَ طَوَافِ تَطَوُّعٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ لَهُ لَكِنْ يَلْزَمُهُ دَمٌ إنْ ذَهَبَ لِبَلَدِهِ، وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ أَجْزَأَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ رُجُوعٌ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَهَذَا إنْ عَلِمَ بِفَسَادِ طَوَافِ الْقُدُومِ فَأَعَادَ السَّعْيَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَأَمَّا إنْ أَعَادَهُ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ مَعَ.
فَيُجْزِئَهُ عَنْ الْفَرْضِ الْفَاسِدِ وَلَا يَرْجِعَ لَهُ نَعَمْ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ طُولِبَ بِالْإِعَادَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ (وَلَا دَمَ) إذَا تَطَوَّعَ بَعْدَهُ أَيْ وَكَانَ غَيْرَ ذَاكِرٍ فَسَادَ الْإِفَاضَةِ، وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ (حِلًّا) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ يَرْجِعُ الْمُقَدَّرِ بَعْدَ الْكَافِ أَيْ يَرْجِعُ حَلَالًا مِنْ مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَصَلَ لَهُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَيُكْمِلُ مَا عَلَيْهِ بِإِحْرَامِهِ الْأَوَّلِ وَلَا يُجَدِّدُ إحْرَامًا؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ فَاَلَّذِي لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ قُدُومِهِ يُعِيدُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، ثُمَّ يَسْعَى وَاَلَّذِي لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ إفَاضَتِهِ يُعِيدُ الْإِفَاضَةَ وَلَا يَحْلِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ حَلَقَ بِمِنًى وَلَا يُلَبِّي حَالَ رُجُوعِهِ؛ لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ قَدْ انْقَضَتْ.
(إلَّا مِنْ نِسَاءٍ وَصَيْدٍ) فَلَا يَكُونُ حِلًّا بِالنِّسْبَةِ لَهُمَا بَلْ يَجْتَنِبُهُمَا وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَحِلَّانِ إلَّا بِالتَّحَلُّلِ الْأَكْبَرِ وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ، وَهُوَ لَمْ يَحْصُلْ (وَكُرِهَ) لَهُ (الطِّيبُ) لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ التَّحَلُّلُ الْأَصْغَرُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (وَاعْتَمَرَ) أَيْ وَأَتَى بِعُمْرَةٍ بَعْدَ أَنْ يُكْمِلَ مَا عَلَيْهِ مُطْلَقًا حَصَلَ مِنْهُ وَطْءٌ أَمْ لَا (وَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْعُلَمَاءِ يَعْتَمِرُ (إنْ) كَانَ قَدْ (وَطِئَ) لِيَأْتِيَ بِطَوَافٍ صَحِيحٍ لَا وَطْءَ قَبْلَهُ، وَيُهْدِيَ إنْ لَمْ يَطَأْ فَلَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ.
اعْلَمْ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ مِنْهُ وَطْءٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ فَكَمَّلَ مَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِعُمْرَةٍ وَيُهْدِي وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ وَطْءٌ فَلَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ هَذَا قَوْلُ الْأَقَلِّ وَقَالَ الْأَكْثَرُ لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا فَاتَّفَقُوا عِنْدَ عَدَمِ الْوَطْءِ عَلَى عَدَمِ الْعُمْرَةِ وَاخْتَلَفُوا عِنْدَ الْوَطْءِ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَلَا عُمْرَةَ وَالْأَقَلُّ إنْ لَمْ يَطَأْ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ الرُّكْنِ الرَّابِعِ الْمُخْتَصِّ بِالْحَجِّ فَقَالَ [دَرْسٌ](وَلِلْحَجِّ) خَاصَّةً (حُضُورُ جُزْءِ عَرَفَةَ) أَيْ الِاسْتِقْرَارُ بِقَدْرِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا، سَوَاءٌ كَانَ وَاقِفًا، أَوْ جَالِسًا أَوْ مُضْطَجِعًا
ــ
[حاشية الدسوقي]
اعْتِقَادِ صِحَّةِ الْقُدُومِ وَصِحَّةِ السَّعْيِ الَّذِي بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ إنْ رَجَعَ لِبَلَدِهِ، أَوْ تَطَاوَلَ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَأَمَّا إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ فَإِنَّهُ يُعِيدُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِسَعْيِهِ الرُّكْنَ اُنْظُرْ ح.
(قَوْلُهُ: فَيُجْزِئُهُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ هَذَا الطَّوَافَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ مُلَاحَظَةِ أَنَّهُ فَرْضٌ، وَمُلَاحَظَةُ أَنَّهُ نَفْلٌ وَمَحَلُّ إجْزَائِهِ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ حَيْثُ كَانَ غَيْرَ ذَاكِرٍ لِفَسَادِ الْإِفَاضَةِ وَذَهَبَ لِبَلَدِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِفَسَادِهِ إلَّا بَعْدَ ذَهَابِهِ إلَيْهَا. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ بِمَكَّةَ) أَيْ وَعَلِمَ بِفَسَادِهِ بَعْدَ طَوَافِهِ التَّطَوُّعِ. (قَوْلُهُ: وَلَا دَمَ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " وَرَجَعَ إنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ عُمْرَةٍ حِرْمًا " وَلِقَوْلِهِ كَطَوَافِ الْقُدُومِ إنْ سَعَى بَعْدَهُ وَاقْتَصَرَ وَلِقَوْلِهِ " وَالْإِفَاضَةُ " وَأَمَّا قَوْلُهُ: حِلًّا فَهُوَ رَاجِعٌ لِلْأَخِيرَيْنِ فَقَطْ - أَعْنِي رُجُوعَهُ لِلْقُدُومِ وَالْإِفَاضَةِ -، وَظَاهِرُ صَنِيعِ الشَّارِحِ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا دَمَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَهُ أَيْ فَإِنْ تَطَوَّعَ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِمَا تَرَكَهُ مِنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّطَوُّعَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِمُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ نَفْلًا وَعَدَمِ مُلَاحَظَةِ فَرْضِيَّتِهِ وَكُلٌّ مِنْ الْحِلَّيْنِ صَحِيحٌ. (قَوْلُهُ: وَكَانَ غَيْرَ ذَاكِرٍ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا تَطَوَّعَ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ الْفَاسِدِ بِطَوَافٍ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ وَقَعَ مِنْهُ التَّطَوُّعُ نَاسِيًا لِفَسَادِ الْإِفَاضَةِ، أَوْ مُتَذَكِّرًا لَهُ وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ ح، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ حَمْلَهُ عَلَى النِّسْيَانِ لِقَوْلِ الْجُزُولِيِّ فِي بَابِ " جُمَلٍ مِنْ الْفَرَائِضِ ": لَا خِلَافَ فِيمَا إذَا طَافَ مُلَاحِظًا أَنَّ ذَلِكَ الطَّوَافَ لِلْوَدَاعِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْإِفَاضَةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ اهـ وَاعْتَمَدَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ الِاسْتِظْهَارَ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا) أَيْ مَنْ أَفْسَدَ طَوَافَ قُدُومِهِ وَمَنْ أَفْسَدَ طَوَافَ إفَاضَتِهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بَاقٍ إلَخْ) هَذَا إشَارَةٌ لِجَوَابِ اعْتِرَاضٍ وَارِدٍ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَرَجَعَ حِلًّا وَحَاصِلُهُ أَنَّ رُجُوعَهُ حِلًّا يَلْزَمُهُ عَلَيْهِ دُخُولُ مَكَّةَ حَلَالًا وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا حِلٌّ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ تَحَلَّلَ التَّحَلُّلَ الْأَصْغَرَ وَلَمْ يَتَحَلَّلْ التَّحَلُّلَ الْأَكْبَرَ؛ لِأَنَّ الْإِفَاضَةَ عَلَيْهِ فَهُوَ حَلَالٌ حُكْمًا وَغَيْرُ حَلَالٍ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ مَنْعِهِ مِنْ النِّسَاءِ وَالصَّيْدِ وَكَرَاهَةِ الطِّيبِ. (قَوْلُهُ: وَاعْتَمَرَ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُ قُدُومِهِ أَوْ إفَاضَتِهِ وَرَجَعَ حَلَالًا وَأَكْمَلَ مَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْإِتْيَانُ بِعُمْرَةٍ سَوَاءٌ حَصَلَ مِنْهُ وَطْءٌ قَبْلَ إكْمَالِهِ أَمْ لَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْعُلَمَاءِ) فَسَّرَهُمْ أَبُو الْحَسَنِ بِابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَطَاءٍ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ عَدَمَ ذِكْرِهِمْ لِإِيهَامِ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَأْتِي بِعُمْرَةٍ) أَيْ لِأَجْلِ الْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي الطَّوَافِ بِتَقَدُّمِ الْوَطْءِ فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الطَّوَافُ الَّذِي رَجَعَ لَهُ حَصَلَ فِيهِ خَلَلٌ بِتَقَدُّمِ الْوَطْءِ أُمِرَ أَنْ يَأْتِيَ بِطَوَافٍ صَحِيحٍ لَا وَطْءَ قَبْلَهُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْعُمْرَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطَأْ. (قَوْلُهُ: هَذَا قَوْلُ الْأَقَلِّ) أَيْ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَوْلُهُ وَقَالَ الْأَكْثَرُ أَيْ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ خَارِجِ الْمَذْهَبِ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا عِنْدَ الْوَطْءِ) أَيْ فَعِنْدَ الْأَقَلِّ تَلْزَمُهُ الْعُمْرَةُ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ لَا تَلْزَمُهُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَاعْتَمَرَ وَالْأَكْثَرُ: إنْ وَطِئَ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَقَلَّ قَائِلٌ بِوُجُوبِ الْعُمْرَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ وَطِئَ أَمْ لَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَلَا عُمْرَةَ إلَخْ) أَيْ أَوْ يَقُولَ وَاعْتَمَرَ إنْ وَطِئَ وَالْأَكْثَرُ عَدَمُهَا.
(قَوْلُهُ: بِقَدْرِ الطُّمَأْنِينَةِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ أَيْ الِاسْتِقْرَارُ لِأَجْلِ الْمُبَالَغَةِ بَعْدَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ مَرَّ وَقَوْلُهُ: بَعْدَ هَذَا إذَا اسْتَقَرَّ بِعَرَفَةَ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ فِيهِ " بِقَدْرِ الطُّمَأْنِينَةِ ". (قَوْلُهُ: فِي أَيِّ جُزْءٍ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْوُقُوفُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلَ وَذَلِكَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْعِظَامِ الْمَفْرُوشَةِ فِي أَسْفَلِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي وَسَطَ -.
أَوْ رَاكِبًا عَلِمَ أَنَّهَا عَرَفَةُ أَمْ لَا (سَاعَةً) أَيْ لَحْظَةً (لَيْلَةَ النَّحْرِ) وَتَدْخُلُ بِالْغُرُوبِ وَأَمَّا الْوُقُوفُ نَهَارًا فَوَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِالزَّوَالِ وَيَكْفِي فِيهِ أَيُّ جُزْءٍ مِنْهُ، هَذَا إذَا اسْتَقَرَّ بِعَرَفَةَ، بَلْ
(وَلَوْ مَرَّ) أَيْ كَانَ مَارًّا بِشَرْطَيْنِ أَفَادَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (إنْ نَوَاهُ) وَأَفَادَ الثَّانِيَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ الْآتِي " لَا الْجَاهِلُ " فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ نَوَى الْوُقُوفَ وَعَلِمَ بِأَنَّ الْمَارَّ عَلَيْهِ هُوَ عَرَفَةُ وَلَكِنْ عَلَيْهِ دَمٌ فَالِاسْتِقْرَارُ مُطْمَئِنًّا وَاجِبٌ (أَوْ) كَانَ مُتَلَبِّسًا (بِإِغْمَاءٍ) حَاصِلٍ (قَبْلَ الزَّوَالِ) وَأَوْلَى بَعْدَهُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ (أَوْ أَخْطَأَ) فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ (الْجَمُّ) أَيْ جَمَاعَةُ أَهْلِ الْمَوْقِفِ بِرُمَّتِهِمْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَكْثَرَهُمْ فَوَقَفُوا (بِعَاشِرٍ) أَيْ فِي عَاشِرِ ذِي الْحِجَّةِ ظَنَّا مِنْهُمْ أَنَّهُ التَّاسِعُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
أَرْضِ عَرَفَةَ. (قَوْلُهُ: أَوْ رَاكِبًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْوُقُوفُ رَاكِبًا أَفْضَلَ. (قَوْلُهُ: وَتَدْخُلُ) أَيْ لَيْلَةُ النَّحْرِ بِالْغُرُوبِ فَمَتَى اسْتَقَرَّ بَعْدَ الْغُرُوبِ بِعَرَفَةَ لَحْظَةً أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ دَفَعَ مِنْهُ بِدَفْعِ الْإِمَامِ أَوْ قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَدْفَعَ بِدَفْعِهِ وَلَوْ نَفَرَ شَخْصٌ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ عَلَيْهِ أَجْزَأَ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ لِعَدَمِ الطُّمَأْنِينَةِ فِيهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ إذْ هِيَ وَاجِبَةٌ فَالِاسْتِقْرَارُ فِي عَرَفَةَ بَعْدَ الْغُرُوبِ رُكْنٌ وَالطُّمَأْنِينَةُ وَاجِبَةٌ كَالْوُقُوفِ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ بَعْدَ الزَّوَالِ اهـ تَقْرِيرُ شَيْخِنَا الْعَدَوِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْوُقُوفُ نَهَارًا فَوَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ) أَيْ تَرْكُهُ عَمْدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ لَا إنْ كَانَ التَّرْكُ لِعُذْرٍ كَمَا لَوْ كَانَ مُرَاهَقًا فَلَا دَمَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْوُقُوفَ نَهَارًا وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ سَاعَةً بَعْدَ الْغُرُوبِ فَرُكْنٌ لَا يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ زَمَنَ الْوُقُوفِ مُوَسَّعٌ وَآخِرَهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَبْدَئِهِ فَالْجُمْهُورُ أَنَّ مَبْدَأَهُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَمَالِكٌ يَقُولُ مِنْ الْغُرُوبِ وَوَافَقَ الْجُمْهُورَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اُنْظُرْ ح. (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ) أَيْ وَقْتُ الْوُقُوفِ الْوَاجِبِ. (قَوْلُهُ: وَيَكْفِي فِيهِ) أَيْ فِي تَحْصِيلِ الْوُقُوفِ الْوُقُوفِ الْوَاجِبِ، وَقَوْلُهُ: أَيُّ جُزْءٍ مِنْهُ أَيْ الْوُقُوفُ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ. (قَوْلُهُ: هَذَا إذَا اسْتَقَرَّ بِعَرَفَةَ) بِقَدْرِ الطُّمَأْنِينَةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مَرَّ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْمَئِنَّ وَهَذَا مُبَالَغَةٌ فِي حُضُورٍ وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي مَرَّ عَائِدٌ عَلَى الْحَاضِرِ الْمَفْهُومِ مِنْ حُضُورٍ وَضَمِيرُ نَوَاهُ الْمُسْتَتِرُ عَائِدٌ عَلَى الْحَاضِرِ وَأَمَّا الْبَارِزُ فَهُوَ عَائِدٌ عَلَى الْحُضُورِ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ مَرَّ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقَابِلَ يَقُولُ بِعَدَمِ إجْزَاءِ الْمُرُورِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ أَمْ لَا نَوَى الْوُقُوفَ بِهِ أَمْ لَا وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فَفِي الْمَارِّ قَوْلَانِ اهـ وَاعْتَرَضَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِقَوْلِهِ لَمْ أَرَ قَوْلًا بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلِذَا جَعَلَ سَنَدٌ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا فَقَالَ مَنْ مَرَّ بِعَرَفَةَ وَعَرَفَهَا أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا فَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُجْزِئُهُ وَالْأَشْهَرُ الْإِجْزَاءُ اهـ وَبَحَثَ ح فِي قَوْلِهِ: وَالْأَشْهَرُ الْإِجْزَاءُ بِأَنَّ سَنَدًا لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُ الْأَشْهَرُ، وَإِنَّمَا قَالَ بَعْدَ أَنْ حَكَى عَنْ مَالِكٍ الْإِجْزَاءَ وَهُوَ أَبْيَنُ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: إنْ نَوَاهُ) إنَّمَا طُلِبَتْ النِّيَّةُ مِنْ الْمَارِّ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّنْ اسْتَقَرَّ مُطْمَئِنًّا لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِعْلُهُ لَا يُشْبِهُ فِعْلَ الْحَاجِّ فِي الْوُقُوفِ احْتَاجَ لِنِيَّةٍ لِعَدَمِ انْدِرَاجِ فِعْلِهِ فِي نِيَّةِ الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ مَنْ وَقَفَ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِحْرَامِ يَنْدَرِجُ فِيهَا الْوُقُوفُ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ. (قَوْلُهُ: وَعَلِمَ بِأَنَّ الْمَارَّ عَلَيْهِ هُوَ عَرَفَةُ) إنْ قُلْت: إنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نِيَّةِ الْوُقُوفِ بِهَا مَعْرِفَتُهَا فَلَا حَاجَةَ لِلشَّرْطِ الثَّانِي قُلْت هَذَا مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْوِي الْوُقُوفَ بِهَا عَلَى فَرْضِ أَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ الْمَارَّ بِهِ عَرَفَةُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا كَانَتْ جَازِمَةً وَلَا تَكُونُ جَازِمَةً إلَّا مَعَ مَعْرِفَةِ الْمَحَلِّ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ) أَيْ الْحَاضِرُ مُتَلَبِّسًا بِإِغْمَاءٍ أَوْ نَوْمٍ، أَوْ جُنُونٍ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ بِإِغْمَاءٍ مَعْمُولٌ لِمُقَدَّرٍ عُطِفَ عَلَى مَرَّ أَيْ وَلَوْ كَانَ الْحَاضِرُ مُتَلَبِّسًا بِإِغْمَاءٍ حَصَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ الْإِغْمَاءُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ وَهَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ أَمَّا لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَاسْتَمَرَّ لِلْغُرُوبِ، أَوْ لِلْفَجْرِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ اتِّفَاقًا وَمِثْلُ الْإِغْمَاءِ الْجُنُونُ وَالنَّوْمُ كَمَا عَلِمْت قَالَ بَعْضٌ وَانْظُرْ لَوْ شَرِبَ مُسْكِرًا قَبْلَ الزَّوَالِ، أَوْ بَعْدَهُ حَتَّى غَابَ أَوْ أَطْعَمَهُ لَهُ أَحَدٌ وَفَاتَ الْوُقُوفُ وَهُوَ سَكْرَانُ. هَلْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ الْوُقُوفُ أَمْ لَا لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي السُّكْرِ اخْتِيَارٌ فَهُوَ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ اخْتِيَارٌ فَلَا يُجْزِئُهُ كَالْجَاهِلِ بَلْ هُوَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: فَوَقَفُوا بِعَاشِرٍ) أَيْ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُمْ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ، أَوْ بَعْدَهُ أَنَّهُ الْعَاشِرُ وَأَمَّا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ الْعَاشِرُ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَلَا يَذْهَبُوا لِلْوُقُوفِ وَلَا يَجْزِيهِمْ إذَا وَقَفُوا كَمَا قَالَ سَنَدٌ وَفُرِّقَ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ أَوْقَعَ الْوُقُوفَ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا وَالثَّانِيَ لَوْ وَقَفَ كَانَ وُقُوفُهُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ الْمَشْرُوعِ وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ هُوَ الصَّوَابُ كَمَا يُفِيدُهُ نَقْلُ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيِّ خِلَافًا لعج وَمَنْ تَبِعَهُ حَيْثُ قَالَ بِالْإِجْزَاءِ سَوَاءٌ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ بَعْدَ الْوُقُوفِ أَوْ قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: أَيْ فِي عَاشِرٍ) أَشَارَ.