الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُقدمَة
صفحة فارغة
اعْلَم أَن الْقرَاءَات علم بكيفية أَدَاء [كَلِمَات] الْقُرْآن واختلافها معزواً لناقله.
والمقرئ: من علم بهَا، وَرَوَاهَا مشافهة.
فَلَو حفظ كتابا فِي الْقرَاءَات، كالشاطبية - مثلا - امْتنع عَلَيْهِ إقراؤه بِمَا فِيهِ، إِن لم يشافهه من شوفه بِهِ.
وَهَكَذَا مسلسلاً.
والقارئ الْمُبْتَدِئ: من أفرد إِلَى ثَلَاث رِوَايَات.
والمنتهي: من نقل مِنْهَا أَكْثَرهَا.
قلت: وَيُمكن أَخذ حد الْمُتَوَسّط من حديهما، بِأَن يُقَال: هُوَ من أفرد إِلَى أَكثر من ثَلَاث رِوَايَات، وَلم يبلغ أَكْثَرهَا.
وَاعْلَم أَيْضا أَنه يجب على الْقَارئ أَن يُمَيّز بَين الْقرَاءَات وَالرِّوَايَات، والطرق، وَالْأَوْجه، ليسلم من التَّرْكِيب فِي الْقِرَاءَة.
فَإِن كَانَ الْخلاف لأحد الْأَئِمَّة بِكَمَالِهِ مِمَّا أجمع عَلَيْهِ رُوَاته: فَهُوَ قِرَاءَة، أَو للراوي: فَهُوَ رِوَايَة.
أَو لمن بعد الروَاة - وَإِن سفل - فَهُوَ طَرِيق.
وَإِن رَجَعَ إِلَى تَغْيِير الْقَارئ فَهُوَ وَجه.
فَنَقُول مثلا: إِثْبَات الْبَسْمَلَة بَين السورتين: قِرَاءَة ابْن كثير، وَعَاصِم، وَالْكسَائِيّ، وَرِوَايَة قالون عَن نَافِع، وَطَرِيق الْأَصْبَهَانِيّ عَن ورش.
ونقول أَيْضا: لَك فِي الْبَسْمَلَة بَين السورتين - لمن بسمل - ثَلَاثَة أوجه، وَفِي حرف الْمَدّ قبل المدغم لأبي عَمْرو، فِي نَحْو:{الرَّحِيم ملك} ، ثَلَاثَة أوجه، وَفِي الْوَقْف على نَحْو:{نستعين} ، لكل من الْقُرَّاء سَبْعَة أوجه.
وَلَا نقُول فِي شَيْء من ذَلِك: قراءات، وَلَا رِوَايَات، وَلَا طرق.
وَقد تطلق الْأَوْجه على الطّرق على سَبِيل الْعدَد، لَا على سَبِيل التَّخْيِير.
وَاعْلَم أَن الْفرق بَين الخلافين، أَن خلاف الْقرَاءَات، وَالرِّوَايَات، والطرق، خلاف النَّص وَرِوَايَة، وَطَرِيق.
فَلَو أخل الْقَارئ بِشَيْء مِنْهُ كَانَ نقصا فِي الْقِرَاءَة، أَو الرِّوَايَة، فَهُوَ وَمُقَابِله واجبان فِي إِكْمَال مَا ذكر.
وَخلاف الْأَوْجه خلاف تَخْيِير، فَبِأَي وَجه قَرَأَ الْقَارئ أَجزَأَهُ.
وَاعْلَم أَيْضا أَن كَلَام الله - تَعَالَى - يقْرَأ بِكُل من التَّحْقِيق، والحدر، والتدوير، والترتيل.
فالتحقيق: مصدر حقق.
وَمَعْنَاهُ عِنْد أهل الْأَدَاء: إشباع الْمَدّ، وَتَحْقِيق الْهمزَة، وإتمام الحركات، والإتيان بالإظهار وَالْوُقُوف الْجَائِزَة.
وَيكون لرياضة الألسن، وتقويم الْأَلْفَاظ، وَهُوَ الَّذِي يسْتَحبّ الْأَخْذ بِهِ على المتعلمين.
وليحترز فِيهِ عَن الإفراط فِي تَحْرِيك السواكن، وتوليد الْحُرُوف من الحركات، وتكرير الراءات، وتطنين النونات، بالمبالغة فِي الغنات.
فقد روينَا عَن حَمْزَة أَنه قَالَ لبَعض من سَمعه يُبَالغ فِي ذَلِك: أما علمت أَن مَا كَانَ فَوق الجعودة فَهُوَ قطط، وَمَا كَانَ فَوق الْبيَاض فَهُوَ برص، وَمَا كَانَ فَوق الْقِرَاءَة فَلَيْسَ بِقِرَاءَة.
وَهَذَا النَّوْع مَذْهَب أطول الْقُرَّاء مدا، كحمزة، وورش، من طَرِيق الْأَزْرَق.
وَأما الحدر، فَهُوَ مصدر: حدر - بِالْفَتْح - يحدر - بِالضَّمِّ - إِذا أسْرع.
وَمَعْنَاهُ عِنْد أهل هَذَا الْفَنّ: سرعَة الْقِرَاءَة، بتخفيفها: بِالْقصرِ،
والتسكين، والاختلاس، وَالْبدل، والإدغام الْكَبِير، وإيثار الْوَصْل، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا صحت بِهِ الرِّوَايَة، مَعَ إِقَامَة الْإِعْرَاب، ومراعاة تَقْوِيم اللَّفْظ، وتمكين الْحُرُوف. وَهُوَ عِنْدهم ضد التَّحْقِيق. وَيكون لتكثير الْحَسَنَات فِي الْقِرَاءَة.
وليحترز فِيهِ عَن عدم تَمْكِين الْمَدّ الطبيعي، وَعَن اختلاس الحركات الَّتِي لم يرد فِيهَا اختلاس، وَعَن ذهَاب صَوت الغنة، وَعَن التَّفْرِيط إِلَى غَايَة لَا تصح بهَا الْقِرَاءَة.
وَلَا يخرج بِهِ عَن أصل الترتيل.
فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ: أَن رجلا جَاءَ إِلَى ابْن مَسْعُود رضي الله عنه فَقَالَ: قَرَأت الْمفصل اللَّيْلَة فِي رَكْعَة. فَقَالَ: هَذَا كهذ الشّعْر
…
... ..... الحَدِيث.
وَهَذَا النَّوْع مَذْهَب من قصر الْمُنْفَصِل، كقالون، وَابْن كثير.
وَأما التدوير، فَهُوَ عبارَة عَن: التَّوَسُّط بَين النَّوْعَيْنِ، [مرتلاً مجوداً بِلُحُونِ الْعَرَب، وتحسين اللَّفْظ بِحَسب الِاسْتِطَاعَة] .
وَهُوَ الْوَارِد عَن أَكثر الْأَئِمَّة، مِمَّن روى مد الْمُنْفَصِل وَلم يبلغ فِيهِ الإشباع، وَهُوَ الْمُخْتَار عِنْد أهل الْأَدَاء.