الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحال -والله في كثير من الأحوال- خير له من تحقيق استجابة دعائه، فكم من داع استجيبت دعوته، فترك دعاءه، ثم نسي ربه.
-
الدعاء حاجة نفسية:
إن المتأمل في مسألة الدعاء، يجد أنها حاجة نفسية خفية ملحة، فضلاً عن أنها عبادة مأمور بها، ومأجور عليها.
فإن للمخلوق إحساساً خفياً بالضعف والخوف، وحاجة وافتقاراً إلى قوي يقوي ضعفه، ومهيمن يؤمّن روعه، وصمدٍ يقضي حاجته (1)، وغني يسد فاقته.
والدعاء عند الموقنين، استغناء عن الورى، وبث للجوى، عند من يؤنس إليه من وحشة الخلق، وضيق الضيق، وشظف العيش، وهم الحياة.
وهو إفراغ لكوامن النفس ممّا شُحنت به من ظلم العباد، وقهر الرجال، وشماتة الأعداء.
(1) الصمد: اسم من أسماء الله. وفي أحد معانيه: هو الذي يصمد لقضاء الحاجات.
والدعاء شكاية عند قويّ لا يُقهر، وقدير لا يعجز، وغنيّ لا يبخل.
وفي الدعاء يشعر القانت بلذة المناجاة، وأنس القرب.
فمن ذاق عرف، ومن لم يذق جهل وأنكر.
{فَإِنِّي قَرِيبٌ} : بلا وسيط، ولا حاجب، ولا مانع، ولا حاجز.
{أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} بلا شرط، إلا شرط الاستجابة؛ ليجيب.
{فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} كي أستجيب لهم {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40].
وشرط الإيمان ليؤمن {وَلْيُؤْمِنُوا بِي} كي أؤمّنهم، وأُرشدهم، وأهديهم.
واعلم -رحمني الله وإياك-:
أن التقصير في الدعاء جفاء.
والإعراض عنه كبر.
وصرفه لغير الله كفر.
{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} . [الجن: 18].
وللدعاء أسرار خفية، وفوائد جمة، لا يدركها إلا الموقنون بربهم، المسلمون لبارئهم، المستشعرون لعظمة خالقهم، ولو لم يكن في الدعاء، إلا شعور القانت بضعفه تجاه خالقه، وحاجته إلى بارئه، وأن وراءه رباً يحفظه، ورازقاً يرزقه، وقوياً ينصره، وخالقاً لا ينساه، لكفى به سكينة للمؤمنين، وأجراً عظيماً للطامعين.
فأكثر -يا عبد الله- من الدعاء ما استطعت، وارفع يدك ما حييت.
{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الانشراح: 5، 6].
((
…
إن ربكم حي كريم يستحيي من عبده أن يرفع إليه يديه، فيردهما صفراً)) (1) وإن مع الصبر نصراً، وإن مع التقوى الفرج.
اللهم اجعل لنا من أمرنا فرجاً.
واهدنا في خضم هذه المتاهات سبيلاً رشداً.
ووحّد اللهم أمتنا.
وأمدّنا بعون منك ما أحييتنا.
ومكّن الإيمان في قلوبنا، والإسلام على أرضنا.
واجعل الآخرة هي همّنا وغايتنا، والجنة دار قرارنا.
يا وليّ المستضعفين، ويا وليّنا، ويا ناصر المظلومين ويا ناصرنا، اللهم إن الأعداء على الأبواب (2) والمنافقين في البيوت، اللهم إن لم تنصرنا فمن ينصرنا؟ ! وإن لم ترفق بنا فمن
(1) رواه ابن ماجة وأحمد والطبراني في معجميه الأوسط والكبير، وصححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع وصحيح الترغيب.
(2)
كان هذا قبل غزو بلاد الرافدين، والآن قد كسروا الأبواب، واحتلوا البلاد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يرفق بنا؟ ! إن لم يكن بك علينا غضب فلا نبالي، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.