الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآثار:
ولقد تتبعت آثار الصحابة، فلم أجد أثراً صحيحاً صريحاً في رفع الأيدي في قنوت الوتر، وإنما الثابت رفعهم أيديهم في قنوت النازلة، فظن من ظن أنه قنوت الوتر، وما كان من الروايات صريحاً في رفعهم الأيدي في قنوت الوتر، فلا تخلو من مقال، قد رواها البيهقي (2 - 211) وضعفها.
وروى ابن نصر في قيام الليل (320 من المختصر) رفع اليدين في قنوت رمضان، عن أبي هريرة، ولكن المختصر حذف الإسناد، ولهذا ذهب كثير من أئمة السلف إلى منعه.
وأخرج ابن أبي شيبة (6954) من طُرق عن ليث، عن ابن الأسود، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
"أنه: كان يرفع يديه في قنوت الوتر".
وفي سنده ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف، والأسود وابنه: ثقتان معروفان.
وأخرج عبد الرزاق (4998) من طريقين عن الزهري قال:
"لم يكن يرفع الأيدي في الوتر في رمضان".
وأخرج ابن نصر في (قيام الليل)(320 مختصر) عن الحسن رحمه الله:
"أنه كان لا يرفع يديه في القنوت، ويومي بأصبعه".
وأخرج عن سعيد بن المسيب: (320) قوله: "ثلاثة مما أحدث الناس، اختصار السجود، ورفع الأيدي في الدعاء، ورفع الصوت".
وأخرج (320 مختصر) عن الوليد بن مسلم رحمه الله قال: سألت الأوزاعي عن رفع اليدين في قنوت الوتر فقال:
"لا ترفع يديك، وإن شئت فأشر بأصبعك".
فهؤلاء ثلاثة من أئمة التابعين وكبارهم يرون بدعية الرفع.
غير أنه ورد عن كثير من السلف الرفع.
منهم الأئمة: عبد الله بن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإبراهيم النخعي، وهو مذهب الأحناف.
وكأنهم رحمهم الله جميعاً- رأوا أن القنوت دعاء، والدعاء ترفع فيه الأيدي، وقد رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه في قنوت النازلة.
والقاعدة: إذا اختلف العلماء، ينظر الراجح بالرجوع إلى الأصل، والأصل يؤكد الترجيح السابق في عدم رفعها في الصلاة
الفردية؛ لعدم ثبوتها، ورفعها في قنوت رمضان؛ لثبوتها، لأنه دعاء جماعي، فأشبه دعاء النازلة.
لكن يشكل على هذا، ما قال شيخنا الألباني رحمه الله في الإرواء (2 - 181):
"وثبت أي الرفع عن عمر في قنوت الوتر".
لكن هل ثبت عنه في قنوت الوتر، أو قنوت وتر رمضان؟
ولم أعثر عليه، فإن كان الأمر كذلك، وثبت عن ابن الخطاب فهو فصل الخطاب.
وأما الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم فيه:
فقد أخرج النسائي (1 - 252) زيادة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء قنوت الوتر، من طريق موسى بن عقبة، عن عبد الله بن علي، عن الحسن بن علي، قال:
"علّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
" ثم ذكر الدعاء الذي مرّ في أول الباب.
قال الحافظ في التلخيص رداً على النووي الذي حسّنه (ص 94):
"قلت: وليس كذلك فإنه منقطع" ثم ذكر ما يشبه الاضطراب، فليراجعه من شاء التفصيل.
وقال شيخنا العلامة الألباني رحمه الله في الإرواء (2 - 176):
"قلت: ولذلك قال العز بن عبد السلام في الفتاوى (ق/66/ 1) عام (6962): "ولم تصحّ الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في القنوت ولا ينبغي أن يزاد على صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء" ثم عقب على ذلك بقوله: "وهذا الحق الذي يشهد به كل من علم كمال الشريعة وتمامها، وأنه صلى الله عليه وسلم ما ترك شيئاً يقربنا إلى الله إلا وأمرنا به".
ثم قال: "ثم اطلعت على بعض الآثار الثابتة عن بعض الصحابة، وفيها صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر قنوت الوتر، فقلت بمشروعية ذلك".
قلت: لكن هذه الآثار تدل على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم منهم إنما كان في القنوت الجماعي، لا الفردي؛ لأنه أشبه بقنوت النازلة، إذ كانوا يدعون للمؤمنين، ويدعون على الكافرين، وقد ذُكرت في باب رمضان فلتراجع.
أما القنوت في صلاة الوتر الفردية، فيبقى على الأصل، وهو المنع من ذلك التزاماً بهديه صلى الله عليه وسلم، وعدم ثبوت ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم.