الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة رقم (14):
قنوت رمضان
يشرع للإمام أن يقنت في رمضان في النصف الثاني منه؛ لثبوت ذلك عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم، ويرفع المأمومون أيديهم ويؤمنون، ويشرع له الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخره.
اعلم -رحمك الله- أن قنوت رمضان يفترق عن قنوت الوتر في أمور:
الأول: أن قنوت رمضان يكون جهراً من الإمام في جماعة، وقنوت الوتر يكون للمنفرد.
الثاني: أن قنوت رمضان في النصف الثاني منه فقط.
وأما قنوت الوتر فهو على دوام السنة يفعله تارة، ويتركه أخرى.
الثالث: أن المأمومين في قنوت رمضان يسمعون، فيؤمنون ولا يدعون.
وأما تخصيص القنوت بالنصف الثاني من رمضان، وبالجهر، وبتأمين المأمومين.
فلما ثبت عن جمهور الصحابة، وجرى عليه عمل كثير من أئمة السلف رضوان الله عليهم جميعاً.
- أخرج ابن أبي شيبة (6936) عن محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: "القنوت في شهر رمضان" قال:
"عمر أول من قنت".
قلت: النصف الآخر أجمع، يعني: كله؟
قال: "نعم".
قلت (1): وهذا إسناد حسن.
محمد بن بكرة: صدوق قد يخطئ.
وابن جريج: قد صرح بالتحديث، فانتفت شبهة التدليس.
- وأخرج ابن أبي شيبة رقم (6933) عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر:
"أنه كان لا يقنت إلا في النصف، يعني من رمضان".
وهذا إسناد صحيح.
(1) أي المؤلف.
وأخرج أبو داود (1428) والبيهقي من طريقه (2 - 498):
عن ابن سيرين عن بعض أصحابه: "أن أبي بن كعب أمّهم -يعني في رمضان- وكان يقنت في النصف الآخر من رمضان وفي سنده من لم يسمّ.
- وأخرج أبو داود (1429) وابن نصر (326 مختصر) وابن أبي شيبة (6935) من طرق عن الحسن:
"أن أبي بن كعب رضي الله عنه أمّ الناس في رمضان، وكان لا يقنت بهم إلا في النصف الآخر يسمعهم الدعاء".
وزاد ابن أبي شيبة:
"
…
وكان لا يقنت في النصف الأول".
وفي رواية عند ابن أبي شيبة (6941):
"أن عمر هو الذي أمره بذلك رضي الله عنهم جميعاً" وفيه انقطاع بين الحسن، وبين عمر.
وثبت ذلك -أي: القنوت- في النصف الثاني من رمضان، عن جمهرة من أئمة التابعين، كالحسن، وابن سيرين، وقتادة،
وغيرهم، رواه عنهم البيهقي (2 - 498 - 499) وابن أبي شيبة (6937، وما بعده) وعبد الرزاق (4995 - وما بعده).
وقال المهلب: سألت سعيد بن أبي الحسن (1) عن القنوت، فقال:
"في النصف من رمضان، كذلك عُلِّمنا".
أي: علّمهم الصحابة ذلك.
وقد أخرج البيهقي (2 - 499) بسنده عن أنس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في النصف من رمضان
…
" ولا يصحّ، فقد ضعّفه البيهقي نفسه، وابن التركماني في تعليقه؛ لأنّ فيه ضعيفين.
فهذا شبه إجماع، بل إجماع سكوتي من الصحابة رضي الله عنهم في عدم القنوت في النصف الأول من رمضان، والقنوت في الثاني منه.
فهذا عمر بن الخطاب، وابنه، وأبيّ، لا يقنتون إلا في النصف الأول، ويصلي خلفه من يصلي من الصحابة رضي الله عنهم
(1) سعيد بن أبي الحسن هو أخو الحسن البصري كان ثقة من كبار التابعين، قال الذهبي في السير (4/ 588):((وحديثه في الدواوين كلها)).
ويقرّونه على ذلك، فما أدري من أين أتى الناس بالقنوت في النصف الثاني من رمضان، والعبادات سبيلها التوقيف والاتباع، لا الاستحسان والتقليد؟ ! وهذا الذي ذكرنا هو مذهب الأئمة مالك والشافعي، ورواية عن أحمد، اختارها أبو بكر الأثرم كما في المغني (1 - 794):
والعجيب أن ابن قدامة رحمه الله قد تعارضت أقواله في المغني (1 - 784) فقد قال:
"وهذا كالإجماع" أي: ترك القنوت في النصف الأول.
ثم أجاز القنوت في النصف الأول من رمضان (1/ 448) معللاً ذلك بقوله: "لأنه وتر، فيشرع فيه القنوت كالنصف الآخر، ولأنه ذكر يشرع بالوتر، فيشرع في جميع السنة كسائر الأذكار"! .
واستشهد لذلك بحديث علي رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك".
قلت: أما الحديث، فهو دعاء آخر الوتر في الجلوس قبل السلام، وليس هو دعاء القنوت، فلا حجّة في ذلك.
وأما قياسها على الوتر، فلا يصحّ، لما ذكرنا من الفوارق.
والعبادات دليلها النص، لا القياس.
ثم بعد متابعة الروايات، تبين لي أن جهرهم بالقنوت في النصف الثاني من رمضان، لم يكن لأنه وتر، جاز فيه القنوت فحسب، بل كان فيه شبه بقنوت النازلة؛ لأنهم كانوا يلعنون فيه الكفار، ويدعون للمؤمنين.
وقد أخرج ابن خزيمة (2/ 1100) بسند صحيح، عن عروة بن الزبير، حديث عمر المشهور، في خروجه على الناس في رمضان، وأمره أبيّاً أن يصلّي بهم، ثم قال -أي عروة-:
"وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسولك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين، قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة، وصلاته على النبي صلى الله عليه وسلم ، واستغفاره
للمؤمنين والمؤمنات، ومسألته اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق، ثم يكبر ويهوى ساجداً" الأثر.
فهذا يدلّ على أنهم كانوا يجمعون بين قنوت الوتر، وبين قنوت الحاجة، ولذلك جهروا في النصف الثاني من رمضان، وتركوا النصف الأول لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم على قنوت الوتر، فكرهوا القنوت على دوام الشهر؛ خشية مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعل تخصيصهم النصف الثاني كان تحرياً لليلة القدر، والله أعلم.
وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخره، فتشرع؛ لما ثبت عن أبي بن كعب، ومعاذ الأنصاري: "أنهما كانا يصليان على النبي صلى الله عليه وسلم? في دعاء القنوت حين كانا يصليان بالناس القيام
…
".