الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشعاع الثاني
وجوب الاتباع وأهميته
ومهما يكن من أمر الدعاء وأهميته، فإن للاتباع السهم الأوفى، والقدح المعلى، إذ لا يقوم دين، ولا يستقيم أمر، ولا تصلح طاعة، ولا تقبل عبادة، إلا بالاتباع، بعد حسن النية والإخلاص.
قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].
قال أهل العلم: لا يكون العمل صالحاً حتى يكون مطابقاً هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما يعبر عنه أحياناً: بالسنة والاتباع، وإذا لم يكن صالحاً فالعمل مردود، ولو كان صاحبه ذا نية حسنة.
فحقيق -إذاً- أن نكرر هذا الموضوع ونؤكده، ونبين معالمه ونفصله؛ لما له من الأهمية الكبرى.
قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُون} [الأنعام: 2].
وقال صلى الله عليه وسلم:
((من رغب عن سنتي فليس مني)) (1).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه:
((اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، عليكم بالأمر العتيق)) (2).
والعتيق هو: الأول الأصيل.
قال صلى الله عليه وسلم:
((صلوا كما رأيتموني أصلي)) (3).
ويعني ذلك: الاتباع، ومقتضاه ولازمه أن نصلي لله كما صلّى رسولنا صلى الله عليه وسلم، وأن نقنت كما قنت، وأن ندعوكما دعا، وأن نجاهد كما جاهد، وأن نقيم دولة الإسلام كما أقام، وأن نتخلّق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، وأن نقتدي بأصحابه الذين لهم الحظ الأوفى بعد الرسول صلى الله عليه وسلم في الاتباع، رضوان الله عليهم أجمعين.
وإلاّ كنّا عن السنّة معرضين، وعن الصراط ناكبين، ولطريق الاعوجاج سالكين.
(1) البخاري (6/ 116) مسلم (رقم 1401).
(2)
أخرجه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (1/ 6) وابن وضاح في البدع (10) وغيرهما.
(3)
البخاري [1/ 155] ومسلم (رقم 674).
ولذلك أمر الله باتباع سبيله، ووصى بذلك، وحذر من مغبة الخروج عنه إلى السبل، فقال سبحانه:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153].
إن طول العهد، والبعد عن النبع الصافي، كدر الماء، وأسن المجرى، وغير طعمه، فماتت في كثير من البلدان السنة، وأحييت في كثير منها البدعة، واختلطتا في بلدان أخرى، فتشابه على الناس الأمر، وغشي الحق غياية قاتمة من التعصب والتساهل، والغلو والجفاء.
ومن أعظم مفسدات الاتباع: التقليد الأعمى، وتقديم آراء الرجال على السنة، واتباع هوى الناس وعاداتهم المخالفة لشرع الله.
فلا تغلبنّك عوائد الناس عن الاتباع، ولا يدفعنك إرضاء الناس إلى هجر السنة والابتداع، فأحي السنة ما حييت، وأمت البدعة ما استطعت.
فوالله ما أفسد اليهود والنصارى إلا الابتداع، وما أبقى دين الإسلام بعد فضل الله إلا بقية من اتباع.
ووالله لن يقوم للإسلام قائمة إلا بالاتباع، ولن يستقيم أمر هذه الصحوة إلا بالاتباع، ولن نتمكن في الأرض إلا بالاتباع.
ويوم ترى السنن قد أحييت، وقُدمت على أهواء الناس وعوائدهم، ويوم ترى البدع أميتت، والعوائد المخالفة للشرع دفنت.
ويوم ترى الناس يسعون في طلب العلم، لا طلب السفساف والترهات، من اتباع لسياسة الكافرين، وفكر المُحَدِثِينَ، مخالفين بذلك سبيل النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه والمؤمنين، يوم ترى ذلك، يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، يوم ينصرون سنّته، ويتبعون طريق نبيّه، ويقتفون أثر أصحابه.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]. وإن لم يكن نصر الله هو نصر دينه، والعمل بأحكامه، واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بصحابته رضي الله عنهم، فلا نصر لله أبداً.
والاتباع أعم من أن يكون محصوراً في عبادة، أو عملاً بسنة، بل هو شامل جميع جوانب الدين، وسبيل سيد المرسلين.
ومن لم يكن بالرسول مقتدياً، ولمنهج الصحابة متبعاً، كان مبتدعاً.
ولقد كان للاتباع هذا الأهمية، والابتداع هذه الخطورة؛ لأن باب الهداية الاتباع، وباب الضلالة الابتداع.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.