الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُقَدّمَة
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم قَالَ عبد الله خديم الْكتاب وَالسّنة مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن جزي الْكَلْبِيّ تَابَ الله عَلَيْهِ آمين الْحَمد لله ذِي الْجلَال الَّذِي عجزت عَن إِدْرَاك كنهه عقول العارفين والكمال الَّذِي قصرت عَن إحصاء ثنائه أَلْسِنَة الواصفين وَالْقُدْرَة الَّتِي وجلت من رهبتها قُلُوب الْخَائِفِينَ وَالْعَظَمَة الَّتِي عنت لعزتها وُجُوه الطائعين والعاكفين وَالْعلم الَّذِي أحَاط بِمَا فَوق الْعَرْش إِلَى أطباق الثرى وَالْحكمَة الَّتِي ظهر أَثَرهَا فِي كل مَا نَشأ وبرأ وذرأ مِمَّا نرى وَمِمَّا لَا نرى وَالرَّحْمَة الواسعة الَّتِي شملت أكنافها فِي جَمِيع الورى وَالنعْمَة السابغة وَالْحجّة الْبَالِغَة والسطوة الدامغة لمن كذب وافترى سُبْحَانَهُ من مليك لم يخلق عباده عبثاولم يتركهم سدى بل أرسل الرُّسُل مبشرين ومنذرين وداعين إِلَى الْحق وَالْهدى وَنهى وَأمر وحذر وَبشر ووعد من اهْتَدَى وأوعد من اعْتدى ثمَّ ختم الرسَالَة بنبينا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم صَاحب الدعْوَة التَّامَّة والرسالة الْعَامَّة إِلَى الْإِنْس والجان وَالْملَّة الناسخة لجَمِيع الْأَدْيَان والشريعة الْبَاقِيَة إِلَى آخر الزَّمَان والآيات الْبَينَات والأدلة القاطعة الساطعة الْبُرْهَان وَأنزل عَلَيْهِ الْقُرْآن هدى للنَّاس وبينات من الْهدى وَالْفرْقَان وَجعله معْجزَة ظَاهِرَة للعيان متجددة مَا اخْتلف الملوان وتعاقب الْأَزْمَان فَمَا قَبضه الله إِلَيْهِ حَتَّى أكمل بِهِ الدّين وأوضح السَّبِيل المستبين وأقامه حجَّة الله على الْخلق أَجْمَعِينَ وَظهر فِي الْوُجُود مصداق قَوْله تَعَالَى ((وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين)) ف صلى الله عليه وسلم وتبارك وترحم وَشرف وكرم وعَلى آله الطاهرين وَأَصْحَابه الأكرمين (أما بعد) فَهَذَا كتاب فِي
قوانين الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة ومسائل الْفُرُوع الْفِقْهِيَّة على مَذْهَب إِمَام الْمَدِينَة أبي عبد الله مَالك بن أنس الأصبحي رضي الله عنه إِذْ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أهل بِلَادنَا بالأندلس وَسَائِر الْمغرب اقْتِدَاء بدار الْهِجْرَة وتوفيقا من الله تَعَالَى وَتَصْدِيقًا لقَوْل الصَّادِق المصدوق صلى الله عليه وسلم (لَا يزَال أهل الْمغرب ظَاهِرين على الْحق حَتَّى تقوم السَّاعَة) ثمَّ زِدْنَا إِلَى ذَلِك التَّنْبِيه على كثير من الِاتِّفَاق وَالِاخْتِلَاف الَّذِي بَين الإِمَام الْمُسَمّى وَبَين الإِمَام أبي عبد الله أَحْمد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي وَالْإِمَام أبي حنيفَة النُّعْمَان ابْن ثَابت وَالْإِمَام أبي عبد الله بن حَنْبَل لتكمل بذلك الْفَائِدَة ويعظم الِانْتِفَاع فَإِن هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة هم قدوة الْمُسلمين فِي أقطار الأَرْض وأولو الأتباع والأشياع وَرُبمَا نبهت على مَذْهَب غَيرهم من أَئِمَّة الْمُسلمين كسفيان الثَّوْريّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وعبد الله بن الْمُبَارك وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأبي ثَوْر وَالنَّخَعِيّ وداوود بن عَليّ إِمَام الظَّاهِرِيَّة وَقد أكثرنا من نقل مذْهبه وَاللَّيْث بن سعد وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْأَوْزَاعِيّ وَغَيرهم رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ فَإِن كل وَاحِد مِنْهُم مُجْتَهد فِي دين الله ومذاهبهم طرق موصلة إِلَى الله وَاعْلَم أَن هَذَا الْكتاب ينيف على سَائِر الْكتب بِثَلَاث فَوَائِد (الْفَائِدَة الأولى) أَنه جمع بَين تمهيد الْمَذْهَب وَذكر الْخلاف العالي بِخِلَاف غَيره من الْكتب فَإِنَّهَا فِي الْمَذْهَب خَاصَّة أَو فِي الْخلاف العالي خَاصَّة (الْفَائِدَة الثَّانِيَة) إِنَّا لمحناه يحسن التَّقْسِيم وَالتَّرْتِيب وسهلناه بالتهذيب والتقريب فكم فِيهِ من تَقْسِيم قسيم وتفصيل أصيل يقرب الْبعيد ويلين الشريد (الْفَائِدَة الثَّالِثَة) إِنَّا قصدنا إِلَيْهِ الْجمع بَين الإيجاز وَالْبَيَان على أَنَّهُمَا قَلما يَجْتَمِعَانِ فجَاء بعون الله سهل الْعبارَة لطيف الْإِشَارَة تَامّ الْمعَانِي مُخْتَصر الْأَلْفَاظ حَقِيقا بِأَن يلهج بِهِ الْحفاظ وَإِلَى الله نرغب فِي أَن يَجعله مُوجبا لغفرانه وموصلا لرضوانه وفاتحا لخزائن إحسانه وامتنانه إِنَّه ذُو فضل عَظِيم