الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المشاكلة للبيوع كتاب الْأَقْضِيَة والشهادات كتاب الْأَبْوَاب الْمُتَعَلّقَة بالأقضية كتاب الدِّمَاء وَالْحُدُود كتاب الهبات وَمَا يجانسها كتاب الْعتْق وَمَا يتَعَلَّق بِهِ كتاب الْفَرَائِض والوصايا (ثمَّ ختمته) بِكِتَاب الْجَامِع وَهُوَ يحتوي على عشْرين بَابا وَإِنَّمَا انحصرت الْكتب والأبواب فِي هَذَا الْعدَد لأنني ضممت كل شكل إِلَى شكله وألحقت كل فرع بِأَصْلِهِ وَرُبمَا جمعت فِي تَرْجَمَة وَاحِدَة مَا يفرقه النَّاس فِي تراجم كَثِيرَة رعيا للمقاربة والمشاكلة ورغبة فِي الإختصار وَالله الْمُسْتَعَان وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم (الْفَاتِحَة) فِيمَا يجب فِي الإعتقادات من أصُول من أصُول الديانَات ويشتمل على عشرَة أَبْوَاب خَمْسَة الإلهيات وَخَمْسَة فِي السمعيات
الْبَاب الأول فِي وجود الْبَارِي جل جلاله وَعز نواله
اعْلَم أَن الْعَالم الْعلوِي والسفلي كُله مُحدث بعد الْعَدَم شَاهد على نَفسه بالحدوث ولخالقه بالقدم وَذَلِكَ لما يَبْدُو عَلَيْهِ من تَغْيِير الصِّفَات وتعاقب الحركات والسكنات وَغير ذَلِك من الْأُمُور الطارئات وكل مُحدث فَلَا بُد لَهُ من مُحدث أوجده وخالق خلقه إِذْ لَا بُد لكل فعل من فَاعل فَجَمِيع الموجودات من الأَرْض وَالسَّمَاوَات والحيوانات والجمادات من الْجبَال والبحار والأنهار وَالْأَشْجَار وَالثِّمَار والأزهار والرياح والسحاب والأمطار وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار وكل صَغِير وكبير فِيهِ آثَار الصَّنْعَة ولطائف الْحِكْمَة وَالتَّدْبِير فَفِي كل شَيْء دَلِيل قَاطع وبرهان سَاطِع على وجود الصَّانِع وَهُوَ الله رب الْعَالمين وخالق الْخلق أَجْمَعِينَ الْملك الْحق الْمُبين الَّذِي احتجب عَن الْأَبْصَار بكبريائه وعلو شَأْنه وَظهر للبصائر بِقُوَّة سُلْطَانه ووضوح برهانه فَمَا أعظم برهَان الله وَمَا أَكثر الدَّلَائِل على الله ((أَفِي الله شكّ فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض)) وحسبك الْفطْرَة الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا وَمَا يُوجد فِي النُّفُوس ضَرُورَة من افتقار الْعُبُودِيَّة وَمَعْرِفَة الربوبية ((وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض ليَقُولن الله))
الْبَاب الثَّانِي فِي صِفَات الله تَعَالَى عز شَأْنه وبهر سُلْطَانه
جرت عَادَة الْمُتَكَلِّمين بِإِثْبَات سبع صِفَات وَهِي الْحَيَاة وَالْقُدْرَة والإرادة وَالْعلم والسمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام (فَأَما الْحَيَاة) فَإِن الله هُوَ الأول الْقَدِيم الَّذِي لم يزل فِي أزل الْأَزَل قبل وجود الْأَزْمَان وَلم يكن مَعَه شَيْء غَيره وَهُوَ الْآن على مَا عَلَيْهِ كَانَ وَأَنه الْحَيّ الْبَاقِي ((الآخر)) الَّذِي لَا يَمُوت وكل من عَلَيْهَا فان (وَأما الْقُدْرَة) فَإِنَّهُ قدير على كل شَيْء لَا يعجزه شَيْء وَلَا يصعب عَلَيْهِ شَيْء وَبِيَدِهِ
ملكوت كل شَيْء أَلا ترى أثر قدرته فِي اختراع الموجودات وإمساك الأَرْض وَالسَّمَاوَات ونفوذ أمره فِي التَّصَرُّف فِي الْمَخْلُوقَات فَفِي كل يَوْم يُمِيت ويحيي ويخلق ويفني ويفقر ويغني وَيهْدِي ويضل ويعز ويذل وَيُعْطِي وَيمْنَع ويخفض وَيرْفَع ويسعد ويشقي ويعافي ويبتلي ((إِنَّمَا أمره إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون)) (وَأما الْإِرَادَة) فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ المريد لجَمِيع الكائنات الْمُدبر للحادثات الْمُقدر المقدورات الفعال لما يُرِيد فَكل نفع وضر وحلو وَمر وَكفر وإيمان وَطَاعَة وعصيان وَزِيَادَة ونقصان وَربح وخسران فبإرادته الْقَدِيمَة وقضائه وَقدره ومشيئته الحكيمة لَا راد لأَمره وَلَا معقب لحكمه وَلَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ فِي فعله ((لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون)) كل نعْمَة مِنْهُ فضل وكل نقمة مِنْهُ عدل اقْتضى ذَلِك ملكه وحكمته فالمالك يفعل مَا يَشَاء فِي ملكه وَالْملك يحكم بِمَا أَرَادَ على مماليكه والحكيم أعلم بِمَا تَقْتَضِيه حكمته ((وَالله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ)) قدر أرزاق الْخلق وآجالهم وأعمالهم وشقاوتهم وسعادتهم ((كل فِي كتاب مُبين)) خلق قوما للجنة فيسرهم لليسرى وبعمل أهل الْجنَّة يعْملُونَ وَخلق قوما للنار فيسرهم للعسرى وبعمل أهل النَّار يعْملُونَ ((وَمَا رَبك بظلام للعبيد)) (وَأما الْعلم) فَإِنَّهُ تبارك وتعالى اسْمه عَالم بِجَمِيعِ المعلومات مُحِيط بِمَا تَحت الأَرْض السُّفْلى إِلَى مَا فَوق السَّمَاوَات أحَاط بِكُل شَيْء علما وأحصى كل شَيْء عددا وَعلم مَا كَانَ وَمَا يكون وَمَا لَا يكون لَو كَانَ كَيفَ كَانَ يكون وَهُوَ حَاضر بِعِلْمِهِ فِي كل مَكَان ورقيب على كل إِنْسَان ((يعلم سركم وجهركم وَيعلم مَا تكسبون)) قد اسْتَوَى عِنْده الظَّاهِر وَالْبَاطِن واطلع على مخبآت السرائر ومكنونات الضمائر حَتَّى أَنه يعلم مَا يهجس فِي نفوس الْحيتَان فِي قعور الْبحار ((إِنَّه عليم بِذَات الصُّدُور)) (وَأما السّمع وَالْبَصَر) فَإِنَّهُ تَعَالَى سميع بَصِير لَا يعزب عَن سَمعه مسموع وَإِن خَفِي وَلَا يغيب عَن رُؤْيَته مرأى وَإِن دق ((يعلم السِّرّ وأخفى)) حَتَّى دَبِيب النملة السَّوْدَاء على الصَّخْرَة الصماء فِي اللَّيْلَة الظلماء ((لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء)) وَمَا أحسن تعقيب هَذَا ببرهان ((هُوَ الَّذِي يصوركم فِي الْأَرْحَام كَيفَ يَشَاء)) (وَأما الْكَلَام) فَإِنَّهُ جلّ وَعز مُتَكَلم بِصفة أزلية لَيْسَ بِحرف وَلَا صَوت وَلَا يقبل الْعَدَم وَلَا مَا فِي مَعْنَاهُ من السُّكُوت وَلَا التَّبْعِيض وَلَا التَّقْدِيم وَلَا التَّأْخِير الَّذِي لَا يشبه كَلَام المخلوقين كَمَا لَا تشبه ذَاته ذَوَات المخلوقين لَا تنفذ كَلِمَاته كَمَا لَا تحصى معلوماته وَلَا تَنْحَصِر مقدوراته ((قل لَو كَانَ الْبَحْر مدادا لكلمات رَبِّي لنفذ الْبَحْر قبل أَن تنفذ كَلِمَات رَبِّي وَلَو جِئْنَا بِمثلِهِ مدَدا)) وَالدَّلِيل على ثُبُوت هَذِه الصِّفَات ثَلَاثَة أوجه (الْوَجْه الأول) أَنَّهَا صِفَات كَمَال فَوَجَبَ وصف الله بهَا وأضدادها صِفَات نقص فَوَجَبَ تنزيهه عَنْهَا ((وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى)) (الْوَجْه الثَّانِي) أَنَّهَا تدل عَلَيْهَا آثَار حكمته فَإِن اتقان الصَّنْعَة دَلِيل على حَيَاة الصَّانِع وَقدرته وَعلمه وَسَائِر صِفَاته (الْوَجْه الثَّالِث) مَا ورد من النُّصُوص الصَّرِيحَة فِي الْقُرْآن وَالْأَخْبَار الصَّحِيحَة