الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصل دلالة على إسقاط الخمس متى لم يعلم الدليل عليه، وكذلك نقل حنبل فيمن أكل أو شرب: عليه القضاء ولا كفارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالكفارة (1) .
[الأخذ بأقل ما قيل فيه خلاف]
مسألة: يجوز الأخذ بأقل ما قيل ونفي ما زاد؛ لأنه يرجع حاصله إلى استصحاب دليل العقل على براءة الذمة فيما لم يثبت شغلها به. وأما إن يكون الأخذ بأقل ما قيل أخذا وتمسكا بالإجماع فلا، لأن النزاع في الاقتصار عليه ولا إجماع فيه. قال بعضهم: هذا نوع من أنواع الإجماع صحيح لا شك فيه. وقال قوم: بل يؤخذ بأكثر ما قيل، ذكرهما ابن حزم. وقال بعضهم: ليس بدليل صحيح.
قال شيخنا: قلت: إذا اختلفت البينتان في قيمة المتلف فهل يوجب الأقل، أو بقسطهما؟ فيه روايتان، وكذلك لو اختلف شاهدان. فهذا يبين أن في إيجاب الأقل بهذا المسلك اختلافا، وهو متوجه؛ فإن إيجاب الثلث أو الربع ونحو ذلك لا بد أن يكون له مستند، ولا مستند على هذا التقدير، وإنما وقع الاتفاق على وجوبه اتفاقا، فهو شبيه بالإجماع المركب إذا أجمعوا على مسألتين مختلفتي المأخذ، ويعود الأمر إلى جواز انعقاد الإجماع بالبحث والاتفاقات وإن كان كل من المجمعين ليس له مأخذ صحيح وأشار إليه ابن حزم (2) .
[شيخنا] :
…
...
…
فصل
[وإذا كان العموم أو الإطلاق أو الاستحباب منزلا على نوع دون نوع فهل]
فأما إن ثبت أن العموم أو الإطلاق أو الاستصحاب نزل على نوع دون نوع، فهل يجوز الاستمساك به فيما عدا النوع المتفق على خروجه؟ هذا أقوى من الأول، وهو الاستصحاب أقوى منه في الخطاب،
(1) المسودة ص 489 ف 2/5.
(2)
المسودة ص 590 ف 2/5.
وذلك لأن صاحب التحديد بالثلاثة مثلا لا بد له من دليل يختص به على التحديد بها، كما أن صاحب العشرة لا بد له من دليل على التحديد بالعشرة، فتكافئا في ذلك، فلم يجز لأحدهما الاستدلال بالظاهر لعدم دلالة الظاهر وحده على مذهبه. وأما النوع فالدليل المخرج له من العموم يتفاوتان فيه، فمن أراد إخراج نوع آخر فعليه دليل ثان. وحاصله: أن خروج نوع يتفقان في الدلالة عليه كما اتفقا في حكمه، وخروج ما بينهما من المقدار لا يتفقان في دليله كما لا يتفقان في حكمه وإنما هو إجماع مركب، فهو نظير القياس على أصل مركب وأضعف منه، ومثل ذلك في الفروع الاحتجاج بعموم آية السرقة في سارق ما أصله الإباحة وما يسرع فساده، ولولا ذلك لما جاز الاستمساك بعام مخصوص، وإنما يقبح ذلك إذا كثرت الأنواع المخصوصة بحيث يكون النوع المتروك أقل من الأنواع المخرجة، فهذا فيه تفصيل ونظر، وهذا قد يتعارض فيه الإضمار والتخصيص [فقيل: هما سواء. وقيل التخصيص أولى، ويتعارض فيه المجاز والتخصيص] (1) . وهذا البحث قد يقدح في الاستمساك بأقل ما قيل، لأن القائل بوجوب ثلث دية المسلم لا بد من دليل غير الإجماع وغير براءة الذمة، إذ ليس الثلث بأولى من الربع ومن الخمس.
والمناظرة إنما هي مع ذلك القائل الأول لا مع الثاني والثالث. وإجماعهم على وجوب الثلث نوع من الإجماعات المركبة؛ فإن وجوبه من لوازم القول بوجوب النصف والجميع فالقائل بوجوب النصف يقول: إنما أوجبت النصف لدليل، فإن كان صحيحا وجب القول به، وإن كان ضعيفا فلست موافقا على وجوب الثلث، كما يقال
مثل ذلك في حلي الصغيرة وعشر الخضروات الخراجية وإجبار بنت خمس عشرة؛ لكن القولان المركبان قد يكون كل واحد منهما أعم من
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من أ.
الآخر، كما في هذه النظائر، وقد يكون أحدهما هو العام كما في نصاب السرقة وكما في التقابض، فإن بعضهم يستعمل مثل هذا وفيه نظر، مثل أن يقال للأم مع الأخوين: اتفقوا على وجوب السدس واختلفوا فيما زاد عليه والأصل عدمه، فإن القائل بالثلث كذلك. فهذا يشبه القول بأقل ما قيل، بل هو هو. ولو قال أيضا: قد اتفقوا على توريث الجد واختلفوا في توريث الإخوة لكان ضعيفا؛ لأن القدر الذي اتفقوا عليه إنما هو ما لم يقل إنه حق الأخ، إلا أن يحتج على ميراث الجد بنص وبنفي ميراث الأخ بالأصل، فهذا نوع آخر. وقد يقال: المقتضى لتوريث الجد الجميع ثابت بالإجماع وإما المانع منه المزاحمة وهي منتفية بالأصل، فهذا قريب من التمسك بأقل ما قيل بل هو أقوى منه لأن الإجماع على استحقاق الجميع عند عدم المزاحم إجماع مفرد لا مركب.
وهنا مسائل كثيرة من الظواهر السمعية والعقلية التي قد علم بالنص أو الإجماع أو العقل أن دلالتها ليست مطلقة. وغالب كلام المتنازعين في هذا النوع من الأدلة، وهو محتاج إلى تحقيق وتفصيل إذ الكلام في أنواع الأدلة، ثم في أنواع التقييدات من جهة التقدير والتنويع والقلة والكثرة وغير ذلك. والله أعلم (1) .
فصل
في حد القبيح والحسن والمباح
قال شيخنا: قال القاضي: قد قيل: الحسن ما له فعله، والقبيح ما ليس له فعله. قال: وقيل: المباح من الحسن. وقيل: الحسن ما مدح فاعله والقبيح عكسه، وقال هذا القائل: لا يوصف المباح بأنه حسن (2) .
(1) المسودة في أصول الفقه من ص 492-494 ف 2/5، 11. وقد اكتفيت في الإشارة إلى النسخ بما أشار إليه كما تقدم ولما يأتي.
(2)
المسودة ص 577 ف 2/5.