الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال شيخنا: قلت: ولم يتعرض لنسخه مع أصله بفرع الأصل الناسخ لأصله، وهي المسألة المتقدمة (1) .
[هل يجوز نسخ القياس في عصر النبوة
؟]
وقال ابن عقيل في أواخر كتابه: يجوز نسخ القياس في عصر النبي صلى الله عليه وسلم لأن طريق النسخ حاصل، وهو الوحي، فإذا قال: حرمت المفاضلة في البرِّ لأنه مطعوم كان ذلك نصا منه على الحكم وعلى علته. وقد اختلف الناس: هل نصه على العلة إذن منه في القياس أم لا؟ على مذهبين. فإن كان هذا إذنا أو أذن في القياس نصا فقاسوا الأرز على البر، فعاد وقال بعد ذلك بيعوا الأرز بالأرز متفاضلا، فقال قوم: يكون تخصيصا للعلة بالطعم في البر خاصة.
قال شيخنا: قلت: هو أشبه بكلام أحمد، وكلامه في مسألة الاستحسان يدل عليه.
وقال قوم: يكون نسخا للقياس. والذي لا خلاف فيه أن يصرح فيقول: لا تقيسوا الأرز على البر في تحريم التفاضل فهذا غير ممتنع؛ بل الممتنع نسخ قياس استنباطه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فإنه لا وحي ينزل بعد عصره، فإن عثر على نص يخالف حكم القياس كان القياس باطلا (2)(3) .
[نسخ القياس والنسخ به وصور ذلك]
مسألة: نسخ القياس والنسخ به مسألة عظيمة. والحنفية وغيرهم يقعون فيها كثيرا فإنهم يعارضون بين قياس أحد النصين والنص الآخر، ويجعلونه ناسخا أو منسوخا، وأحمد يخالفهم في ذلك. والنكتة أنه: هل يجوز أن يكون بين الفرع والأصل فرق يصح معه الفرق في الحكم؟ فإن لم يصح فرق وإلا ثبت النسخ إلا أن يقال بالتعبد.
(1) المسودة ص213-215 ف 2/8.
(2)
نسخة: «كان القياس رفعا، لكنه لا يكون نسخا، لكن نتبين أن القياس كان باطلا» .
(3)
المسودة ص 215، 216 ف 2/8.
قال شيخنا: قلت: متى كان أصل القياس متقدما في الثبوت على النص المخالف له أمكن أن يكون نسخا (1)(2) .
مسألة: قال أبو الخطاب في نسخ [ما ثبت] بالقياس إن كان ثبوته بعلة منصوص عليها أو منبه عليها: مثل أن ينص على تحريم البر لعلة الكيل ويتعبد بالقياس عليه، ثم ينص بعده على إباحته في الأرز ويمنع من قياس البر عليه كان نسخا. فأما ما ثبت بقياس مستنبط فلا يصح نسخه، ومتى وجدنا نصا بخلافه، وجب المصير إليه وتبينا به فساد القياس. هذا معنى كلامه. وعندي في تقييده أولا نظر.
وقال المقدسي: ما يثبت بالقياس إن كان منصوصا على علته فهو كالنص ينسخ وينسخ به، وإن لم يكن منصوصا على علته لم ينسخ ولم ينسخ به.
وشذت طائفة فأجازته. والذي ذكره القاضي أن القياس لا ينسخ ولا ينسخ به.
وقال الجويني: إذا ورد نص واستنبط منه قياس ثم نسخ النص تبعه القياس المستنبط. وقال أبو حنيفة: لا يبطل القياس. ثم قال الجويني: وعندي أن المعنى المستنبط من الأصل إذا نسخ بقي معنى الأصل له، فإن صح الاستدلال نظرنا فيه، وإن لم يصح أبطلناه.
قال شيخنا: مسألة النسخ بالقياس لها صور:
إحداها: أن ينسخ حكم الأصل فيتبعه الفرع أولا، أو يفصل بين العلة المنصوصة وغيرها.
الثانية: أن يكون حكم الأصل ثابتا ويجيء نص في الفرع يخالف موجب القياس: فهل يكون ذلك نسخًا لذلك الحكم الثابت بالقياس؟
طريقة القاضي أن هذا لا يقع؛ لأنه يقول: ما دام حكم الأصل باقيا وجب بقاء حكم الفرع ولا يزول الفرع إلا بزوال أصله. وقال غيره: بل وجود النص يبين أن القياس فاسد؛ لأن جواز استعماله موقوف على فقد النص، فتكون العلة مخصوصة. وقال أبو الخطاب وغيره: إن كانت علة الأصل منصوصة كان نسخا.
الثالثة: أن يرد نص، ثم يجيء بعده نص حكم فرعه يخالف الأول: فهل ينسخ الأول بهذا القياس؟ قال القاضي وابن عقيل وغيرهما: لا ينسخ به؛ بل يكون فاسدا، وفي ضمن تعليله النص على العلة المنصوصة. وقيل: ينسخ بالقياس المنصوص على علته. فالخلاف في العلة المنصوصة: عند القاضي وابن عقيل لا ينسخ ولا ينسخ به. وعند أبي الخطاب: ينسخ ولا ينسخ به. وهل يشترط في النسخ به أن يمنع من القياس على الناسخ؟ عند أبي الخطاب يشترط وعند صاحب المغني ينسخ وينسخ به.
قال شيخنا: هذا الذي فهمته من النقل فليراجع. وتعليل القاضي وغيره في مسألة نسخ المفهوم وغيرها يقتضي إجراءه مجرى المنصوص على علته، كما قال صاحب المغني.
وتحقيق الأمر في نسخ القياس: إنه إن استقر حكم ثم جاء بعده نص يعارضه كان نسخا للقياس فقط، سواء كانت العلة منصوصة أو مستنبطة. وإن لم يستقر حكمها كان مجيء النص دليلا على فساد القياس. وهكذا القول في نسخ العموم والمفهوم وكل دليل ظني بقطعي أو بظني أرجح منه؛ فإنه عند التعارض إما أن يرفع الحكم أو دلالة الدليل عليه. فالأول هو النسخ الخاص. والثاني من باب فوات الشرط أو وجود المانع. ونسخ القياس المنصوص على علته يبني على تخصيص العلة: إن جوزنا تخصيصها فهي كنسخ اللفظ العام، فيكون نسخ الفرع
تخصيصا، وإن لم نجوز تخصيصها فهو نسخ. والذي ذكره أصحابنا والشافعية والمالكية عن الحنفية أنهم احتجوا بحديث الوضوء بالنبيذ، فقيل لهم: ذلك كان نيئا وعندكم لا يجوز الوضوء بالنَّيِّئ. فقالوا: إذا ثبت الوضوء بالنَّيِّئ في ذلك الوقت ثبت الوضوء بالمطبوخ، لأن أحدا لا يفرق بينهما في ذلك الوقت، ثم نسخ النيئ وبقي المطبوخ. فقال أصحابنا وموافقوهم: إذا كان ثبوته بثبوته كان زواله بزواله.
قال شيخنا: قلت: الذي ذكره الحنفية جيد، لو فرض أنه لم يحرم من الأنبذة إلا النيئ، وذلك أنه على هذا التقرير جاز التوضؤ بهما إذ ذاك ثم صار الأصل حراما دون الفرع، فالمعنى الناسخ اختص به الأصل دون الفرع، وكذلك قولهم في مسألة التبييت في صوم عاشوراء، فإنه إذا ثبت أن صوما واجبا يجزئ بغير تبييت كان حكم سائر الصوم الواجب كذلك ثم نسخ الحكم في الأصل وإنما هو لزوال وجوبه.
والتحقيق أن هذا ليس من باب نسخ الحكم في الأصل وإنما هو من باب نسخ الأصل نفسه؛ فإن الشارع تارة ينسخ الحكم مع بقاء الأصل فهنا لا يقع ريب أن الفرع يتبعه. وتارة يرفع الأصل فلا يلزم رفع الحكم بتقدير وجود الأصل.
والمسألة محتملة، إذ لقائل أن يقول: لو بقي الأصل فقد كان يبقى حكمه وقد لا يبقى. ومن هذا الباب حديث معاذا إذا قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن الإمامة بهم (1) .
[شيخنا] : فصل
بيان الغاية المجهولة مثل التي في قوله: {حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [15/4] نسخ عند القاضي وغيره، وقال: الناسخ قوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [2/24]، قال: لأن هذه الغاية مشروطة في
(1) المسودة ص 216-218 ف 2/8.