الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الأفعال لها ثلاثة أحوال]
أحدها: أن حكم أمته كحكمه في الوجوب والتحريم وتوابعهما إلا أن يدل دليل يخالف ذلك، وهذا لا يختص بالأفعال، بل يدخل فيه ما عرف حكمه في حقه بخطاب من الله أو من جهته؛ ولهذا ذكرت هذه في الأوامر أعني «مسألة الخطاب» وقد ذكر عن التميمي وأبي الخطاب التوقف في ذلك، وأخذا من كلام أحمد ما يشبه رواية، والصواب عنه العكس. وعلى هذا فالفعل إذا كان تفسيرا لمجمل شملنا وإياه، أو امتثالا لأمر شملنا وإياه لم يحتج إلى هذا الأصل، وقد يكون هذا من طريق الأولى: بأن يعلم سبب التحريم في حقه وهو في حقنا أشد، وسبب الإباحة أو الوجوب.
الأصل الثاني: أن نفس فعله يدل على حكمه صلى الله عليه وسلم: إما حكم معين، أو حكم مطلق، وأدنى الدرجات الإباحة. وعلى تعليل التميمي لتجويز الصغائر يتوقف في دلالته في حقه على حكمه. وقد اختلف أصحابنا في مذهب أحمد: هل يؤخذ من فعله؟ على وجهين. ومثل هذا تعليله بتجويز النسيان والسهو؛ لكن هذا مأخذ رديء، فإنه لا يقر على ذلك. والكلام في فعل لم يظهر عليه عتاب. فمتى ثبت أن الفعل يدل على حكم كذا وثبت أنا مساوون له في الحكم ثبت الحكم في حقنا.
الأصل الثالث: أن الفعل هل يقتضي حكما في حقنا من الوجوب مثلا وإن لم يكن واجبا عليه، كما يجب على المأموم متابعة الإمام فيما لا يجب على المأموم، وعلى الجيش متابعة الإمام فيما لا يجب على الإمام، وعلى الحجيج موافقة الإمام في المقام بالمعرف إلى إفاضة الإمام؟ هذا ممكن أيضا؛ بل من الممكن أن يكون سبب الوجوب في حقه معدوما في حقنا ويجب علينا لأجل المتابعة ونحوها، كما يجب علينا الرمل والاضطباع مع عدم السبب الموجب له في حق الأولين، أو سبب الاستحباب منتفيا في حقنا وقد نبه القرآن على هذا بقوله: {مَا
كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} [120/9] فصار واجبا عليهم لموافقته ولو لم يكن قد تعين الغزو في ذلك الوقت إلى ذلك الوجه. وهذا الذي ذكرناه في المتابعة قد يقال في كل فعل صدر منه اتفاقا لا قصدا، كما كان ابن عمر يفعل في المشي في طريق مكة، وكما في تفضيل إخراج التمر. وهذا في الاقتداء نظير الامتثال في الأمر. فالفائدة قد تكون في نفس تهدينا بهديه وبأمره وفي نفس الفعل المفعول المأمور به والمقتدى به فيه، فهذا أحرى في الاقتداء ينبغي أن يتفطن له فإنه لطيف، وطريق أحمد تقتضيه. وهذا في الطرف الآخر من المنافاة لقول من قال: إن المأمور به قد يرتفع لارتفاع علته من غير نسخ؛ فإن أحمد تسرى لأجل المتابعة، واختفى ثلاثا لأجل المتابعة، وقال: وما بلغني حديث إلا عملت به، حتى أعطى الحجام دينارا، وكان يتحرى الموافقة لجميع الأفعال النبوية (1) .
[شيخنا] :
…
...
…
فصل
احتج القائل بأن فعله لا يدل على وجوبه علينا بأن المتبوع أوكد حالا من المتبع فإذا كان ظاهر فعله لا ينبئ عن جوبه عليه فلأن لا يدل على وجوبه علينا أولى. فقال القاضي: هذا يبطل على أصل المخالف بالأمر، فإنهم يجعلونه دالا على الوجوب في حق غيره ولا يدل على وجوبه عليه لأن الآمر لا يدخل تحت الأمر عندهم. قال: وعلى أنا نقول: إن ظاهر أفعاله تدل على الوجوب في حقه كما يدل على ذلك في حق غيره، كما قلنا في أوامره: هي لازمة له وهو داخل تحتها كالمأمور سواء ولا فرق بينهما، وهذا قياس المذهب (2) .
(1) المسودة ص 191، 192 ف 2/8.
(2)
المسودة ص 193 ف2/8.
[شيخنا] :
…
...
…
فصل
وليس تركه موجبا علينا ترك ما تركه، استدل به المخالف، وسلمه القاضي له من غير خلاف ذكره ونقضه بالأمر فإن ترك الأمر لا يوجب ترك ما ترك الأمر به وأمره يوجب امتثال ما أمر به (1) .
قال شيخنا: قال ابن بطة فيما كتب به إلى ابن شاقلا في جوابات مسائل، وقال: والدليل على أن سنته وأوامره قد كان فيها بغير وحي وأنها كانت بآرائه واختياره أنه قد عوتب على بعضها ولو أمر بها لما عوتب عليها، من ذلك حكمه في أسارى بدر، وأخذه الفدية، وإذنه في غزوة تبوك للمتخلفين بالعذر حتى تخلف من لا عذر له، ومنه قوله:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [159/3] فلو كان وحيا لم يشاور فيه. قال القاضي: وقد أومأ أحمد إلى صحة ما قاله أبو عبد الله بن بطة في رواية الميموني لما قيل له: ههنا قوم يقولون: ما كان في القرآن أخذنا به. قال: ففي القرآن تحريم لحوم الحمر الأهلية؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه» ، وما علمهم بما أوتي.
وأما أبو حفص العكبري فإنه ذكر في باب التسعير قوله: «لا يسألني الله عن سنة أحدثتها فيكم لم يأمرني الله بها» قال: هذا يدل على أن كل سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته فبأمر الله وبهذا نطق القرآن (2) .
فصل
واختلف القائلون بجواز الحكم له بالاجتهاد في تطرق الخطأ عليه فيه، فقال أصحابنا وذكره أبو الخطاب في مسألة تصويب المجتهدين وأكثر الشافعية، وأهل الحديث: يجوز ذلك، لكن لا يقر عليه، وسلم ابن عقيل
(1) المسودة ص 193 ف 2/8.
(2)
المسودة ص 507، 508 ف 2/8.