الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال القاضي: واعلم أنه لا يجوز إطلاق هذه العبارة لأن من الأشياء ما لا يجوز أن يقال: إنها على الإباحة كالكفر بالله والجحد له والقول بنفي التوحيد، وإنما يتكلم في الأشياء التي يجوز في العقول حظرها وإباحتها كتحريم لحم الخنزير وإباحة لحم الأنعام، وتتصور هذه المسألة في شخص خلقه الله في برية لا يعرف شيئا من الشرعيات، وهناك فواكه وأطعمة: هل تكون تلك الأشياء في حقه على الإباحة أو على الحظر حتى يرد شرع؟
قال شيخنا: قلت: وهذا يقتضي أن المسألة تعم الأعيان والأفعال (1) .
[استصحاب براءة الذمة من الواجبات فيه نظر]
مسألة: استصحاب أصل براءة الذمة من الواجبات حتى يوجد الموجب الشرعي دليل صحيح ذكره أصحابنا القاضي وأبو الخطاب وابن عقيل، وله مأخذان.
أحدهما: أن عدم الدليل دليل على أن الله ما أوجبه علينا، لأن الإيجاب من غير دليل محال.
والثاني: البقاء على حكم العقل المقتضي لبراءة الذمة أو دليل الشرع لمن قبلنا.
ومن هذا الوجه يلزم بالمناظرة. قال القاضي: استصحاب براءة الذمة من الواجب حتى يدل دليل شرعي عليه هو صحيح بإجماع أهل العلم كما في الوتر.
قال شيخنا: قوله: «استصحاب في نفي الواجب» (2) احتراز من
(1) المسودة ص 484، 485 ف 2/5.
(2)
نسخة في نفي الإجماع.
استصحاب في نفي التحريم أو الإباحة، فإن فيه خلافا مبنيا على مسألة الأعيان قبل الشرع. وأما دعوى الإجماع على نفي الواجبات بالاستصحاب ففيه نظر؛ فإن من يقول بالإيجاب العقلي من أصحابنا وغيرهم لا يقف الوجوب على دليل شرعي، اللهم إلا أن يراد به في الأحكام التي لا مجال للعقل فيها بالاتفاق كوجوب الصلاة والأضحية ونحو ذلك.
قال القاضي (1) : هو صحيح إجماع أهل العلم. وقال أبو الخطاب: هو صحيح بإجماع الأمة. قال: وقد ذكره أصحاب أبي حنيفة والقاضي أبو الطيب، وذكره أبو سفيان، وقال: عدم الدليل دليل، ثم قال: وحكى أبو سفيان عن بعض الفقهاء أنه يأبى هذه الطريقة في الاستدلال، وقد ذكر ابن برهان ما يقارب ذلك، وحكاه أبو الخطاب عن قوم من المتكلمين، مع حكاية أبي سفيان عن بعض الفقهاء، وكذلك ذكر أبو الخطاب في أثناء مسألة القياس، قال: لو كانت النصوص وافية بحكم الحوادث لما افتقر أهل الظاهر في كثير من الحوادث إلى استصحاب الحال وأدلة العقل. فإن قيل: فيرجع إلى استصحاب الحال وحكم العقل. قيل: لا نسلم أن ذلك دليل في الشرع. جواب آخر: أن الحوادث في عصر الصحابة لم يرجعوا فيها إلى استصحاب الحال ولا أدلة العقل، وإنما رجعوا إلى القياس على ما بينا فدل على أن ذلك لا يجوز. هذا كلامه.
قال شيخنا: جعل القاضي استصحاب الحال الذي طريقه العقل مثل أن يقال: أجمعنا على براءة الذمة فمن زعم اشتغالها بزكاة
الحلي فعليه الدليل، فقال: نص أحمد على هذا في رواية صالح ويوسف ابن موسى: لا يخمس السلب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمسه قال: فجعل
(1) المسودة ص 485 ف 2/5.