الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاجتهاد، ويعيد النظر في ذلك، فإن أداه اجتهاده إلى ذلك الحكم أفتى به، وإن أداه إلى غيره أفتى به أيضًا.
وكذلك ذكر ابن عقيل
وذكر أبو عمرو بن الصلاح: أنه إذا وقعت الحادثة مرة ثانية فإن كان ذكر الفتيا الأولى ومستندها بالنسبة إلى أصل الشرع إن كان مستقلا أو بالنسبة إلى مذهبه إن كان منتسبا إلى مذهب ذي مذهب أفتى بذلك، وإن تذكرها دون مستندها ولم يظهر ما يوجب رجوعه عنها فقد قيل: له أن يفتي بذلك. والأصح أنه لا يفتي حتى يجدد النظر، ومن لم تكن فتياه حكاية عن غيره لم يكن له بد من استصحاب الدليل فيها (1) .
[شيخنا] :
…
...
…
فصل
[إذا حدثت مسألة ليس فيها قول لأحد من العلماء وإذا سئل عن مسألة لم تقع]
إذا حدثت مسألة ليس فيها قول لأحد من العلماء جاز الاجتهاد فيها، الحكم، والفتوى، لمن هو أهل لذلك للحاجة قال: وقد أومأ أحمد إلى المنع منه كقوله للميموني: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام. وقيل: يجوز ذلك في الفروع دون الأصول، وهو أولى. فإن سأل عامي عن مسألة لم تقع جاز إجابته، وقيل: يستحب إن قصد معرفة الحكم، لاحتمال أن يقع له أو لغيره أو للتفقه فيه. وقيل: يكره ذلك مطلقا (2) .
[شيخنا] :
…
...
…
فصل
[الإفتاء والمفتون]
قال أبو الخطاب: وإن أفتى باجتهاده فإن كان المستفتي قد
عمل بما أفتاه لم يلزم المفتي أن يعرفه بتغير اجتهاده، ولم يلزم المستفتي نقض ما عمله، وإن كان لم يعمل بها لزمه ذلك إن أمكنه؛ لأن العامي
(1) المسودة ص 542، 543 ف 2/29.
(2)
المسودة ص 543 ف 2/29.
يعمل بذلك الحكم لأنه قول ذلك المفتي، ومعلوم أنه ليس هو قوله في ذلك الحال، فإن لم يفعل ومات المفتي فهل يجوز للمستفتي العمل بما أفتاه؟ فيه احتمالان، إحدهما: لا يجوز، لأنه لا يدري أنه لو كان حيا كان قائلا بذلك الحكم وطريق الاجتهاد فيه، أم لا (1) .
[شيخنا] :
…
...
…
فصل
في كيفية الفتوى
إذا سئل المجتهد عن الحكم لم يجز له أن يفتي بمذهب غيره؛ لأنه إنما سئل عما عنده، فإن سئل عن مذهب غيره جاز له أن يحكيه؛ لأن العامي يجوز له حكاية قول غيره، ولا يجوز له أن يفتي بما يجده في كتب الفقهاء، ولا بما يفتيه به فقيه، وهذا قول أبي الخطاب.
وقال الحليمي والروياني: لا يجوز للمقلد أن يفتي بما هو مقلد فيه.
وقال أبو محمد الجويني عن القفال والمروذي: أنه يجوز لمن حفظ مذهب صاحب مذهب ونصوصه أن يفتي به وإن لم يكن عارفا بغوامضه وحقائقه.
وقال أبو محمد: لا يجوز أن يفتي بمذهب غيره إذا لم يكن متبحرا فيه عالما بغوامضه وحقائقه، كما لا يجوز للعامي الذي جمع فتاوى المفتين أن يفتي بها، وإذا كان متبحرا فيه جاز أن يفتي به.
قال أبو عمرو: وقول من قال: لا يجوز. معناه: أنه لا يذكره في صورة ما يقوله من عند نفسه، بل يضيفه إلى إمامه الذي يحكيه عنه. قال: فعلى هذا من عددناه في المفتين من المقلدين ليسوا في الحقيقة
(1) المسودة ص 543 ف 2/29.
من المفتين، ولكنهم قاموا مقامهم، فعدوا معهم، وسبيلهم أن يقولوا مثلاً: مذهب فلا كذا، ومقتضى مذهبه كذا [ومنهم] من ترك إضافة ذلك إلى إمامه اكتفاء بالحال.
وذكر الماوردي في الحاوي في العامي إذا عرف حكم حادثة بنى على دليلها ثلاثة أوجه، أحدها: أنه يجوز أن يفتي به، ويجوز تقليده فيه. والثاني: يجوز ذلك إن كان دليلها من الكتاب أو السنة. والثالث -وهو الأصح-: أنه لا يجوز ذلك مطلقا (1) .
[شيخنا] :
…
...
…
فصل
لا يشترط في المفتي الحرية والذكورية كالراوي.
قال ابن الصلاح: وينبغي أن يكون كالراوي [لا تؤثر فيه القرابة والعداوة وجر النفع ودفع الضرر](2) .
وذكر عن الماوردي أن المفتي إذا نابذ في فتاواه شخصا معينا صار خصما معاندا، ترد فتواه على من عاداه، كما ترد شهادته. ولا بأس أن يكون المفتي أعمى، أو أخرس مفهوم الإشارة أو كاتبا، ولا تصح فتيا فاسق، غير أنه يعمل فيما يقع له باجتهاد نفسه، وتقبل فتوى المستور في الأظهر، ولا فرق بين القاضي وغيره في الفتيا. وعن ابن المنذر: أنه كره للقضاة أن يفتوا في مسائل الأحكام دون ما لا مجرى للقضاء فيه كالطهارة والعبادات. وقال ابن سريج: أنا أقضي ولا أفتي. وعن أبي حامد الإسفراييني: أن الحاكم له أن يفتي في العبادات وما لا يتعلق بالأحكام؛ فأما فتياه في الأحكام فلأصحابنا فيها جوابان، أحدهما: له ذلك. والثاني: ليس له ذلك (3) .
(1) المسودة ص 544، 545 ف 2/29.
(2)
ليس موجودا في بعض النسخ ما بين المعقوفتين.
(3)
المسودة ص 555 ف 2/29.
[شيخنا] :
…
...
…
فصل
في ترجيح المقلد أحد الأقوال لكثرة عدد قائليه من المفتين حال الفتوى:
قال الوزير أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة: الصحيح في هذه المسألة أن قول من قال: «لا يجوز تولية قاض حتى يكون من أهل الاجتهاد» فإنه إنما عنى به هنا ما كانت الحالة عليه قبل استقرار ما استقر من هذه المذاهب التي أجمعت الأئمة على أن كلا منها يجوز العمل به؛ لأنه مستند إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو على سبيل معه. فالقاضي في هذا الوقت وإن لم يكن قد سعى في طلب الأحاديث وانتفاء طرقها وعرف من لغة الناطق بالشريعة صلى الله عليه وسلم ما لا يعوزه معه معرفة ما يحتاج إليه فيه، وغير ذلك من شروط الاجتهاد؛ فإن ذلك قد فرغ له منه، ودأب فيه سواه، وانتهى الأمر من هؤلاء الأئمة المجتهدين إلى ما أراحوا به من بعدهم، وانحصر الحق في أقاويلهم، وتدونت العلوم وانتهت إلى ما اتضح فيه الحق. فإذا عمل القاضي في أقضيته بما يأخذ عنهم أو عن الواحد منهم فإنه في معنى من كان باجتهاده إلى قول قاله؛ وعلى ذلك فإنه إذا خرج من خلافهم متوخيا مواطن الاتفاق ما أمكنه كان آخذا بالحزم، عاملا بالأولى، وكذلك إذا قصد في مواطن الخلاف توخي ما عليه الأكثر منهم، والعمل بما قاله الجمهور دون الواحد منهم فإنه قد أخذ بالحزم والأحوط والأولى مع جواز أن يعمل بقول الواحد
إلا أنني أكره له أن يكون ذلك من حيث أنه قد قرأ مذهب واحد منهم أو نشأ في بلدة لم يعرف فيها إلا مذهب إمام واحد منهم، أو كان شيخه ومعلمه على مذهب فقيه من الفقهاء خاصة يقصر نفسه على اتباع ذلك المذهب، حتى إذا حضر عنده خصمان وكان ما تشاجرا فيه مما يفتي الفقهاء الثلاثة فيه بحكم واحد نحو التوكيل بغير رضا الخصم،
وكان الحاكم حنفيا، وقد علم أن مالكا والشافعي وأحمد اتفقوا على
جواز هذا التوكيل دون أبي حنيفة فعدل عما أجمع عليه هؤلاء الأئمة الثلاثة إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة لمجرد أنه قاله فقيه هو في الجملة من فقهاء الأتباع له من غير أن يثبت عنده بالدليل ولا أداه اجتهاده إلى أن قول أبي حنيفة أولى مما اتفق عليه الجماعة فإني أخاف على مثل هذا أن يكون ممن اتبع هواه، وأنه لا يكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وكذلك إن كان على مذهب مالك فقضى بتطهير الكلب. وكذلك إن كان على مذهب الشافعي فقضى في متروك التسمية عمدا بالحل خلافا للثلاثة. وكذلك إن كان على مذهب أحمد فقال أحد الخصمين: كان له علي مال فقضيته يقضي عليه بالبراءة من إقراره مع علمه بخلاف الفقهاء الثلاثة؛ فإن هذا وأمثاله إذا توخى فيه اتباع الأكثرين فأمره عندي أقرب إلى الخلاص وأرجح في العمل.
وبمقتضى هذا فإن ولايات الحكام في وقتنا هذا ولايات صحيحة وإنهم قد سدوا من ثغر الإسلام ما سده فرض كفاية. ومتى أهملنا هذا القول ولم نذكره ومشينا على طريق التغافل التي يمشي فيها من يمشي من الفقهاء الذي يذكر كل منهم في كتاب إن صنفه أو كلام إن قاله أنه لا يصح أن يكون أحد قاضيا حتى يكون من أهل الاجتهاد، ثم يذكر في شروط الاجتهاد أشياء ليست موجودة في الحكام فإن هذا كالإحالة وكالتناقض، وكأنه تعطيل للأحكام وسد لباب الحكم وألا ينفذ لأحد حق، ولا يكاتب به، ولا تقام بينة، ولا يثبت لأحد ملك، إلى غير ذلك من القواعد الشرعية فكان هذا الأصل غير صحيح، وبان أن الحكام اليوم حكوماتهم صحيحة نافذة، وولاياتهم جائزة شرعا فقد تضمن هذا الكلام أن تولية المقلد تجوز إذا تعذر تولية المجتهد، وأنه انعقد الإجماع على تقليد كل واحد من هذه المذاهب الأربعة، وأن إجماع الفقهاء الأربعة حجة لا يخرج الحق عنهم، وأنه ينبغي الاحتراز
من الاختلاف فإن لم يكن فاتباع الأكثر أولى، ويكره تقليد الواحد المخالف للأكثر لأجل تقدم ونحوه.
وقال أيضا: في أول «شرح الحديث» : كل من هذه المذاهب إذا أخذ به آخذ ساغ له ذلك، فإن خرج من الخلاف فأخذ بالأحوط كتحريه مسح جميع رأسه، وأخذ فيما لا يمكنه الخروج من الخلاف فيه كمسألة البسملة بقول الأكثر كان هو الأولى.
قال: وعلى هذا أرى ما استمر من الخلفاء الراشدين -يعني خلفاء بغداد- من ترك الجهر في الجوامع، لأن الخطباء قد يكون فيهم من يعتقد مذهب الشافعي إلا أنهم استمروا على ذلك لما ذكرته. قال: وهذا هو المانع لي من الجهر لأكون مع الأكثر. فأما المجتهد فإنه إذا ثبت عنده حق بمقتضى ما أداه اجتهاده إليه في مسألة، فإن فرضه ما أداه إليه اجتهاده على أن المجتهد اليوم لا يتصور اجتهاده في هذه المسائل التي قد تحررت في المذاهب لأن المتقدمين قد فرغوا من ذلك.
فأما هذا الجدل الذي يقع بين أهل المذاهب فإنه أوفق ما يحمل الأمر فيه بأن يخرج مخرج الإعادة والتدريس فيكون الفقيه فيه معيدا محفوظه ودارسا ما يعلمه. فأما اجتماع الجمع منهم متجادلين في مسألة مع أن كل واحد منهم لا يطمع في أن يرجع خصمه إليه إن ظهرت حجته، ولا هو يرجع إلى خصمه إن ظهرت حجته عليه، ولا فيه عندهم فائدة ترجع إلى مؤانسة، ولا إلى استجلاب مودة، ولا إلى توطئة القلوب لوعي الحق، بل هو على الضد من ذلك؛ فإنه مما قد تكلم فيه العلماء وأظهروا من عذره (1) ما أظهروا كابن بطة وابن حامد في جزئه، ولا يتمارى في أنه محدث متجدد.
(1) نسخة: من عورة.
فأما تعيين المدارس بأسماء فقهاء معينين فإنه لا أرى به بأسا، حيث إن اشتغال الفقهاء بمذهب واحد من غير أن يختلط بهم فقيه في مذهب آخر يثير الخلاف معهم ويوقع النزاع فيه؛ فإنه حكى لي الشيخ محمد بن يحيى عن القاضي أبي يعلى أنه قصده فقيه ليقرأ عليه مذهب أحمد، فسأله عن بلده فأخبره، فقال له: إن أهل بلدك كلهم يقرءون مذهب الشافعي فلماذا عدلت أنت عنه إلى مذهبنا؟ فقال له: إنما عدلت عن المذهب رغبة فيك أنت، فقال له: إن هذا لا يصلح فإنك إذا كنت في بلدك على مذهب أحمد وباقي أهل البلد على مذهب الشافعي لم تجد أحدا يعبد معك (1) ولا يدارسك، وكنت خليقا أن تثير خصومة وتوقع نزاعا، بل كونك على مذهب الشافعي حيث أهل بلدك على مذهبه أولى، ودله على الشيخ أبي إسحاق وذهب به إليه، فقال: سمعا وطاعة، أقدمه على الفقهاء.
وعلى هذا فلا ينبغي أن يضيق في الاشتراط على المسلمين في شروط المدارس فإن المسلمين إخوة، وهو مساكن تبنى لله، فينبغي أن يكون في اشتراطها ما يتسع لعباد الله، فإنني امتنعت من دخول مدرسة شرط فيها شروط لم أجدها عندي ولعلى منعت بذلك أن أسأل عن مسألة أحتاج إليها أو أفيد أو أستفيد (2) .
[شيخنا] :
…
...
…
فصل
في صفة من يجوز له الفتوى أو القضاء:
قال أبو علي الضرير: قلت لأحد بن حنبل: كم يكفي الرجل من الحديث حتى يمكنه أن يفتي؟ يكفيه مائة ألف؟ قال: لا، قلت: مائتا
(1) نسخة: يعيد معك.
(2)
المسودة ص 538-542 ف 2/29.
ألف؟ قال: لا، قلت: ثلاثمائة ألف؟ قال: لا، قلت: أربعمائة ألف؟ قال: لا، قلت: خمسمائة ألف؟ قال: أرجو. وقال الحسين بن إسماعيل: قيل لأحمد وأنا أسمع، فذكر مثل ذلك، وعن ابن معين مثل هذا. وقال أحمد بن عبدوس: قال أحمد بن حنبل: من لم يجمع علم الحديث وكثرة طرقه واختلافه لا يحل له الحكم على الحديث ولا الفتيا به. وقال أحمد بن محمد بن النظر: سئل أحمد بن حنبل عن الرجل يسمع مائة ألف حديث يفتي؟ قال: لا، قلت: فمائتي ألف حديث؟ قال: لا، قلت: فثلاثمائة ألف حديث؟ قال: لعله. وقال أحمد بن منيع: مر أحمد بن حنبل جانبا من الكوفة وبيده خريطة فأخذت بيده، فقلت: مرة إلى الكوفة ومرة إلى البصرة، إلى متى؟ إذا كتب الرجل بيده ثلاثين ألف حديث لم يكفيه، فسكت، ثم قلت: ستين ألفا، فسكت، فقلت: مائة ألف، فقال: حينئذ يعرف شيئا، فنظرنا فإذا أحمد كتب ثلاثمائة ألف عن بهز، وأظنه قال: وروح بن عبادة، وقال أحمد بن العباس النسائي: سألت أحمد عن الرجل يكون معه مائة ألف حديث يقال: هذا صاحب حديث؟ قال: لا، قال: عنده مائتا ألف حديث يقال: إنه صاحب حديث؟ قال: لا، قلت له ثلاثمائة ألف حديث،
فقال بيده كذا، يروح بيده يمنة ويسرة، وأومأ اللؤلؤي كذا وكذا يقلب يده.
قال القاضي في العدة: مسألة في صفة المفتي في الأحكام الذي يحرم عليه التقليد، فذكر نحوا مما ذكروه في صفة القاضي: أن يكون عالما بالكتاب والسنة والإجماع والأدلة من ذلك و [باللغة](1)
وبالقياس قال: وإذا كان بهذه الصفة وجب عليه أن يعمل في الأحكام باجتهاده، وحرام عليه تقليد غيره، إلا أن يكون ذلك حكما يجب له أو
(1) و [اللغة] ليس في إحدى النسخ.
عليه فيحتاج في فصله إلى حاكم يحكم بينهما باجتهاده، وإذا صار من أهل الاجتهاد بما ذكرنا لم يجب قبول قوله فيما يفتي به إلا أن يكون ثقة مأمونا في دينه، فإذا كان بهذه الصفة وجب على العامة الرجوع إلى قوله وقبول فتياه، وذكر ألفاظ أحمد في صفة المفتي، كقوله في رواية صالح: ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالما بوجوه القرآن عالما بالأحاديث الصحيحة، عالما بالسنن، وقال في رواية حنبل: ينبغي لمن أفتى أن يكون عالما بقول من تقدم، وإلا فلا يفتي. وقال في رواية يوسف بن موسى: لا يجوز الاختيار إلا لرجل عالم بالكتاب والسنة.
ثم ذكر ما نقله عبد الله: سألت أبي عن الرجل يريد أن يسأل عن الشيء من أمر دينه مما يبتلى به من الأيمان في الطلاق وغيره وفي مصره من أصحاب الرأي ومن أصحاب الحديث لا يحفظون ولا يعرفون الحديث الضعيف ولا الإسناد القوي، لمن يسأل؟ قال: يسأل أصحاب الحديث ولا يسأل أصحاب الرأي ضعيف الحديث خير من رأي أبي حنيفة.
قال القاضي: فظاهر هذا أنه أجاز تقليدهم وإن لم تكمل فيهم الشرائط التي ذكرنا، ولم يتأول ذلك فظاهره أنه جعلها على روايتين.
قال شيخنا: قلت: قد يقال قوله أولا: «لا ينبغي» ليس بصريح في التحريم فيجوز أنه أراد الكراهة، وقد يقال: هؤلاء إنما أجاز استفتاءهم وإفتاءهم للحاجة والضرورة كما ذكرت نحو ذلك من كلامه في القضاء لما أشار على المتوكل بمن أشار لأجل الحاجة وذلك أنه ليس في المصر إلا من يقلد أبا حنيفة أو من يقلد المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وإن كان فيه ضعف، وتقليد المتبعين لهذه الآثار خير من تقليد المتبعين للرأي المعين، ففيه جواز الإفتاء والاستفتاء عند الحاجة لغير المجتهد إذا كان عالما بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم.