الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القولين راجح إلى المخرج إلا أن يكون المخرج مخرجا من آخر لتعذر الفارق قال: ومن اكتفى بأن يكون في فتواه أو عمله موافقا لقول أو وجه في المسألة من غير نظر في الترجيح ولا تقيد به فقد جهل وخرق الإجماع.
وذكر عن أبي الوليد الباجي أنه ذكر عن بعض أصحابهم أنه كان يقول: إن الذي لصديقي عليَّ إذا وقعت له حكومة أن أفتيه بالرواية التي توافقه وذكر أن بعضهم سئلوا عن مسألة فأفتوا فيها بما يضر صاحبها، وكان غائبا، فلما عاد سألهم فقالوا: ما علمنا أنها لك، وأفتوه بالرواية الأخرى التي توافقه. قال أبو الوليد: وهذا مما لا خلاف بين المسلمين ممن يعتد به في الإجماع أنه لا يجوز (1) .
[التمذهب والتقليد]
وأما قول القائل: لا أتقيد بأحد هؤلاء الأئمة الأربعة. إن أراد أنه لا يتقيد بواحد بعينه دون الباقين فقد أحسن؛ بل هو الصواب من القولين. وإن أراد: أني لا أتقيد بها كلها بل أخالفها فهو مخطئ في الغالب قطعا؛ إذ الحق لا يخرج عن هذه الأربعة في عامة الشريعة؛ ولكن تنازع الناس: هل يخرج عنها في بعض المسائل؟ على قولين. وقد بسطنا ذلك في موضع آخر. وكثيرا ما يترجح قول من الأقوال يظن الظان أنه خارج عنها ويكون داخلا فيها. لكن لا ريب أن الله لم يأمر الأمة باتباع أربعة أشخاص دون غيرهم. هذا لا يقوله عالم؛ وإنما هذا كما يقال: أحاديث البخاري ومسلم؛ فإن الأحاديث التي رواها الشيخان فصححاها قد صححها من الأئمة ما شاء الله؛ فالأخذ بها لأنها قد صحت؛ لا لأنها قول شخص بعينه.
وأما من عرض عليه حديث فقال: لو كان صحيحا لما أهمله أهل
(1) المسودة ص 535-537 ف 2/26.
مذهبنا. فينبغي أن يعزر هذا على فرط جهله وكلامه في الدين بلا علم. والكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم الذنوب، وقد اختلف: هل هو فسق أو كفر؟ على قولين (1) .
ولا يجب تقليد واحد بعينه غير النبي صلى الله عليه وسلم لكن إن كان معتقدا في مسألة باجتهاد أو تقليد فانفصاله عنه لابد له من سبب شرعي يرجح عنده قول غير إمامه؛ فإذا ترجح عند الشافعي مثلا قول مالك قلده، وكذلك غيره. وأما انتقال الإنسان من قول إلى قول بلا سبب شرعي يأمر الشرع به ففي تسويغه نزاع (2) .
لا يجب على المالكي ولا غيره تقليد أحد من الأئمة بعينه في جميع الدين باتفاق الأئمة الكبار (3) .
وأما لزوم «التمذهب بمذهب» والامتناع عن الانتقال منه إلى غيره في مسألة: ففيه وجهان، وفاقا لمالك والشافعي، وعدمه أشهر وفي اللزوم طاعة غير النبي صلى الله عليه وسلم في كل أمره ونهيه، وهذا خلاف الإجماع. قاله شيخنا. وقال: جوازه فيه ما فيه. قال: ومن أوجب تقليد إمام بعينه استتيب، فإن تاب وإلا قتل. وإن قال: ينبغي كان جاهلا ضالا. قال: ومن كان متبعا لإمام فخالفه في بعض المسائل لقوة الدليل أو لكون أحدهما أعلم وأتقى فقد أحسن ولم يقدح في عدالته بلا نزاع. وقال أيضا: في هذه الحال يجوز عند أئمة الإسلام. وقال أيضا: بل يجب وأن أحمد نص عليه (4) .
(1) الفروع 6/571، 572 فيه زيادة ف 2/28 فيه زيادة.
(2)
مختصر الفتاوى 61 ف 2/28.
(3)
مختصر الفتاوى 73 ف 2/28.
(4)
مختصر الفتاوى 41 ف 2/28.
ومن ادعى العصمة لأحد في كل ما يقوله بعد الرسول صلى الله عليه وسلم فهو ضال، وفي تكفيره نزاع وتفصيل (1) .
ومن قلد من يسوغ له تقليده فليس له أن يجعل قول متبوعه أصح من غيره بالهوى بغير هدى من الله، ولا يجعل متبوعه محنة للناس فمن وافقه والاه ومن خالفه عاداه؛ فإن هذا حرمه الله ورسوله باتفاق المؤمنين؛ بل يجب على المؤمنين أن يكونوا كما قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} إلى قوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [102-106/3] قال ابن عباس رضي الله عنهما: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة.
وفي جواز تقليد الميت قولان في مذهب أحمد وغيره.
[شيخنا] :
…
...
…
فصل
«التقليد» : قبول القول بغير دليل، فليس المصير إلى الإجماع تقليد؛ لأن الإجماع دليل، وكذلك يقبل قول الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يقال
له: تقليد؛ بخلاف فتوى الفقيه. وذكر في ضمن مسألة التقليد أن الرجوع إلى قول الصحابي ليس بتقليد؛ لأنه حجة، قال فيها: لما جاز له تقليد الصحابة لزمه ذلك ولم يجز له أن يخالفه، بخلاف الأعلم، وقد
قال أحمد في رواية أبي الحارث: من قلد الخبر رجوت له أن يسلم إن
(1) مختصر الفتاوى ص 558 ف 2/28.
شاء الله. فقد أطلق اسم التقليد على من صار إلى الخبر، وإن كان حجة في نفسه (1) .
[شيخنا] :
…
...
…
... فصل
في التقليد:
وهو قبول قول المقلد بغير حجة، فيلزم المقلد ما كان في ذلك القول من خير وشر. وعلى هذا لا يسمى متبع الرسول ولا الإجماع مقلدا، لقيام الدليل على أنه حجة.
وقال أبو الخطاب أيضا: ما سمعه من الرسول لا يسمى تقليدا، بل هو الحجة الواضحة في الشرع؛ لأنه إن كان بوحي فهو مقطوع بصحته وإن كان عن رأي فهو مقطوع بصحته أيضا، لأنه لا يخطئ فيما شرعه، ومن يجوز الخطأ عليه يقول: لا يقر عليه، فإذا أقره على ما كان أفتاه فهو مقطوع عليه.
قال: وأما الصحابي فلا يجوز للعالم تقليده في إحدى الروايتين، وهو الأقوى عندي. ومن سلم قال: إن قول الصحابي حجة في الشرع، بخلاف المفتي من غير الصحابة بدليل أنه يجب على العالم ترك اجتهاده والأخذ بقول الرسول أو بقول الصحابي عند من جعله حجة، ولا يجب عليه تقليد غيره (2) .
فصل
قال شيخنا: أول أركان الإسلام ومبانيه الخمسة قولا وفعلا وعملا في حق كل مكلف الشهادتين نطقا إن أمكن واعتقادا جاز ما بموجبهما ومقتضاهما وقيل: والتزام أحكام الملة وإشارة مفهومة من الأخرس
(1) المسودة ص 462 ف 2/28.
(2)
المسودة ص 553، 554 ف 2/27.