الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالاستدلال ولا يجوز ذلك، لأن السند يأتي بالعجائب، وهي من أكثر الدلائل لإثبات الأحكام (1) .
[شيخنا] :
…
...
…
فصل
[بعمل بخبر الواحد بدون سؤاله]
قال أبو الخطاب: الحكم بخبر الواحد عن الرسول لمن يمكنه سؤاله (2) مثل الحكم باجتهاده واختياره أنه لا يجوز. والذي ذكره بقية أصحابنا القاضي وابن عقيل جواز العمل بخبر الواحد لمن أمكنه سؤاله، أو أمكنه الرجوع إلى التواتر محتجين به في المسألة بمقتضى أنه إجماع. وهذا مثل قول بعض أصحابنا: إنه لا يعمل بقول المؤذن مع إمكان العلم بالوقت. وهذا القول خلاف مذهب أحمد وسائر العلماء المعتبرين، وخلاف ما شهدت به النصوص، وذكر في مسألة منع التقليد أن المتمكن من العلم لا يجوز له العدول إلى الظن، وجعله محل وفاق، واحتج به في المسألة (3) .
مسألة: خبر الواحد يوجب العمل وغلبة الظن دون القطع في قول الجمهور؛ وارتضى الجويني من العبارة أن يقال: لا يفيد العلم ولكن يجب العمل عنده؛ لا به؛ بل بالأدلة القطعية على وجوب العمل بمقتضاه؛ ثم قال: هذه مناقشة في اللفظ، ونقل عن أحمد ما يدل على أنه قد يفيد القطع إذا صح واختاره جماعة من أصحابنا.
قال والد شيخنا: ونصره القاضي في الكفاية.
قال شيخنا: وهو الذي ذكره ابن أبي موسى في الإرشاد، وتأول القاضي كلامه على أن القطع قد يحصل استدلالا بأمور انضمت إليه: من تلقي الأمة له بالقبول، أو دعوى المخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمعه منه في
حضرته فيسكت ولا ينكر عليه، أو دعواه على جماعة حاضرين السماع معه فلا ينكرونه ونحو ذلك، وحصر ذلك بأقسام أربعة هو وأبو الطيب جميعا.
ومن أطلق القول بأنه يفيد العلم فسره بعضهم بأنه العلم الظاهر دون المقطوع به؛ وسلم القاضي العلم الظاهر. وقال النظام إبراهيم: خبر الواحد يجوز أن يفيد العلم الضروري إذا قارنه أمارة، وكذلك قال بعض أهل الحديث: منه ما يوجب العلم كرواية مالك عن نافع عن ابن عمر وما أشبهه وأثبت أبو إسحاق الإسفرائيني فيما ذكره الجويني قسما بين المتواتر والآحاد سماه «المستفيض» وزعم أنه يفيد العلم نظرا. والمتواتر يفيد العلم ضرورة، وأنكر عليه الجويني ذلك، وحكي عن الأستاذ أبي بكر: أن الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول محكوم بصدقه، وأنه في بعض مصنفاته.
وقال: إن اتفقوا على العمل به لم يحكم بصدقه لجواز العمل بالظاهر، وإن قبلوه قولا وقطعا حكم به. وقال ابن الباقلاني: لا يحكم بصدقه وإن تلقوه بالقبول قولا وقطعا؛ لأن تصحيح الأئمة للخبر يجري على حكم الظاهر، فقيل له: لو رفعوا هذا الظن وباحوا بالصدق ماذا تقول؟ فقال مجيبا: لا يتصور ذلك.
والد شيخنا: والقطع بصحة الخبر الذين تلقته الأمة بالقبول أو عملت بموجبه لأجله قول عامة الفقهاء من المالكية ذكره عبد الوهاب والحنفية فيما أظن والشافعية والحنبلة. واختلف هؤلاء في إجماعهم على العمل به: هل يدل على علمهم بصحته قبل العمل به؟ على قولين، أحدهما: يشترط. والثاني: لا يشترط. وعلى الأول لا يجوز انعقاد الإجماع عن خبر الواحد وإن عمل به الجمهور. وقال عيسى بن أبان: ذلك يدل على قيام الحجة به وصحته، وخالفه الأكثرون بناء على
الاعتداد بخلاف الواحد والاثنين، [وذكره أبو الحسن البستي من الحنفية في كتاب اللباب، فقال: وتقدم رواية الفقيه على القياس ولا يجوز ذلك لغير الفقيه؛ بل يقدم القياس على روايته] وفي كتاب اللامع لابن حاتم صاحب ابن الباقلاني، قال: قال عيسى بن أبان: إن كان راوي الخبر متيقظا ترك القياس لأجله؛ وإن لم يكن كذلك وجب الاجتهاد في الترجيح. ومن الناس من قال: القياس أولى بالمصير إليه، وإليه صار جماعة من أصحاب مالك. وأما الشافعي وأكثر أصحابه فيترك عندهم الخبر للقياس الجلي، ويترك الخفي للخبر، قال: وكل هذه الأقوال عندنا باطلة.
قال الأثرم في كتاب معاني الحديث: الذي يذهب إليه أحمد بن حنبل أنه إذا طعنت في الحيضة الثالثة فقد برئ منها وبرئت منه، وقال: إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح فيه حكم أو فرض عملت بالحكم والفرض ودنت الله تعالى به، ولا أشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك. قال شيخنا: نقلته من خط القاضي على ظهر المجلد الثاني من العدة، وذكر أنه نقله من كتاب بخط أبي حفص العكبري رواية أبي حفص عمر بن زيد (1) .
وقال أيضا: قال أحمد بن حنبل: إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة ولم يصب منه فليأكل، وإن كان قد تناول وأقيمت الصلاة فليقوموا فليصلوا، وفيه أيضا في حديث ابن عباس:«كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة» . فقال أبو عبد الله: أدفع هذا الحديث بأنه قد روي عن ابن عباس خلافه من عشرة وجوه أنه كان يرى طلاق الثلاث ثلاثا.
قال شيخنا: قلت: أبو عبد الله يشهد للعشرة بالجنة والخبر فيه
(1) في نسخة: «عمر بن بدر» .