الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الحسن من العقل فينقسم قسمين أيضا منها ما يجب فعله، ومنها ما لا يجب فعله. أما الذي يجب فعله فهو مثل شكر نعمة المنعم والعدل والإنصاف وما جرى مجرى ذلك مما في معناه من الحسن فإنه واجب لا يجوز الانصراف عنه. ومن الحسن ما لا يجب فعله وإن كان حسنا مثل التفضل وبر الناس وقري الضيف وإطعام الطعام ونحوه (1) .
فصل
[لا يرد الشرع بحظر ما كان في العقل واجبا ولا
…
وقد يرد
…
]
قال شيخنا: ولا يجوز أن يرد السمع بحظر ما كان في العقل واجبا نحو شكر المنعم والعدل والإنصاف ونحوه. وكذلك لا يجوز أن يرد بإباحة ما كان في العقل محظورا نحو الكذب والظلم وكفر نعمة المنعم ونحوه؛ وإنما يرد بإباحة ما كان في العقل محظورا على شرط المنفعة نحو إيلام بعض الحيوان -يعني بالذبح- لما فيه من المنفعة كما جاز إدخال الآلام علينا بالفصد والحجامة وشرب الأدوية الكريهة للمنفعة وإن لم يجز ذلك لغير منفعة، وما أعطيناه من أموالنا بغير استحقاق للفقراء أو غيرهم ممن يطلب بدفعه إليهم الثواب من الله أو الحمد من الناس والثناء الجميل؛ فإن هذا وما أشبهه يجري مجرى الآلام التي تطلب بها المنافع من الفصد والحجامة وشرب الأدوية. وقد يرد الشرع بحظر ما لم يكن له في العقل منزلة في القبح نحو الأكل والشرب والتصرف الذي لا ضرر على فاعله في فعله في ظاهر أمره. فالواجب أن تجري أحكام الأفعال على منازلها في العقل؛ فإما أن تكون قبيحا في العقل فيمتنع منه، أو يكون واجبا في العقل فيلزم أمره ويجب فعله. أو يكون حسنا ليس بواجب فيكون الإنسان مخيرا بين أن يفعله وبين أن لا يفعله من نحو اكتساب المنافع بالتجارات وما في معناها.
فإذا ورد السمع فيما الإنسان فيه مخير كشف السمع عن حاله وبين
(1) المسودة ص 477-480 ف 2/5.
أمره؛ فإما أن يدخله في جملة الحسن الذي يجب فعله أو في جملة القبيح الذي لا يجوز فعله.
قال القاضي: وهذا من كلام أبي الحسن يقتضي أن العقل يوجب ويقبح قال: وقد ذكرنا في الجزء الأول من «المعتمد» خلاف هذا، وحكينا خلاف المعتزلة في هذه المسألة، وبينا قول أحمد في رواية عبدوس: ليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول، إنما هو الاتباع، واستدل بدليلين.
قال القاضي: وقال أبو الحسن: والحظر والإباحة والحلال والحرام والحسن والقبح والطاعة والمعصية وما يجب وما لا يجب كل ذلك راجع إلى أفعال الفاعلين دون المفعول فيه. فالأعيان والأجسام لا تكون محظورة ولا مباحة ولا تكون طاعة ولا معصية.
قال القاضي: وهذا كما قال أبو الحسن. وقد يطلق ذلك في المفعول توسعا واستعارة فيقال: العصير حلال مباح ما لم يفسد، فإذا فسد وصار خمرا كان حراما ومحظورا. والمذكي حلال ومباح والميتة محظورة، وهي حرام، يريدون أن شرب العصير حلال ومباح ما لم يفسد، وأكل المذكي حلال ومباح، ويطلقون ذلك والمراد به أفعالهم.
قال شيخنا: تقدمت هذه المسألة في العموم (1) والصحيح أنه حقيقة في الأعيان أيضا (2) .
فصل
في حقيقة قول ابن عقيل الذي صوره على المذاهب في «الأعيان قبل السمع» .
(1) المسودة ص 480-482 ف 2/5.
(2)
انظر ص 94 من المسودة.