الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوصف في علته، فهو إثبات للعلة بالقياس. وعلى هذا فلا يشترط في المؤثر أن يكون مناسبا، وأبو محمد جعله من قسم المناسب.
ونظير هذا تعليق الحكم بالوصف المشتق: هل يشترط فيه المناسبة؟ على وجهين، وكلام القاضي والعراقيين يقتضي أنهم لا يحتجون بالمناسب الغريب، ويحتجون بالمؤثر مناسبا كان أو غير مناسب، ولهم في الدوران خلاف، وجميع أدلتهم تقتضي هذا فصار المؤثر المناسب لم يخالف فيه إلا ابن حامد. وأما المؤثر غير المناسب أو المناسب غير المؤثر ففيهما ثلاثة أوجه. وقال ابن عقيل: الذي لا شبه له هو الذي يقول الفقهاء لا تأثير له. ويقول الخراسانيون: الإخالة له، فجعل المؤثر هو المحل (1) .
فصل
[عكس العلل وعدم التأثير]
الحكم إذا ثبت بعلة يزول بزوالها فإن بقي مع زوالها من غير أن يخلفها علة أخرى كانت عديمة التأثير، فلا تكون علة، وأما إذا خلفها علة أخرى فإنها لا يبطل كونها علة.
وهذا هو التحقيق في «مسألة عكس العلل، وعدم التأثير فيها» فإنه قد يظن أنا إذا جوزنا تعليل الحكم الواجب بالشرع بالنوع بعلتين لم تبطل العلة بعدم التأثير فيها، وهو انتفاء الحكم لانتفاء الوصف لجواز أن يخلفها علة أخرى؛ بل إذا كان الحكم ثابتا انتفى الوصف لثبوته مع ثبوته دل على أنه ليس بعلة. فالنقض وجود الوصف بلا حكم. فإن لم يكن التخلف لفوات شرط أو انتفاء مانع كان دليلا على أنه ليس بعلة، وعدم التأثير هو وجود الحكم بلا وصف. فإن لم يكن له علة أخرى كان دليلا على أن الوصف ليس بعلة.
(1) المسودة ص 407، 408 فيه زيادة ف 2/22.
فإذا عللنا الملك بالبيع أو الإرث أو الاغتنام ونحو ذلك وقلنا في صورة قد عللنا الملك فيها بالبيع: هذا باطل فلا يحصل الملك كان كاملا صحيحا وإن علمنا أن الملك يثبت بإرث وغيره، لكن التقدير أنه لا يثبت له هنا غير البيع. وإذا قلنا: هذا يملك هذه السلعة لأنه اشتراها شراء شرعيا أو لأنه ورثها كان كاملا صحيحا ولا يلزم من ذلك أن يكون الملك منتفيا في كل موضع انتفى فيه البيع أو الإرث؛ لأن الملك له أسباب متعددة. وكذلك الطهارة إذا كان لها سببان فعلل الشارع طهارة بعض الأعيان بسبب كان ذلك كاملا صحيحا، ولا يلزم من ذلك أن يكون كل موضع انتفى عنه هذا السبب أن يكون الملك منتفيا في كل موضع انتفى فيه البيع، ولا كان منه أن ما انتفى عنه هذا السبب يكون نجسا.
فقوله في الهر: «إنها من الطوافين» دليل على أن الطواف سبب الطهارة فإذا انتفى ما هو سبب فيه زالت طهارته، وقد تثبت الطهارة لغيره وهو الحل كطهارة الصيد والأنعام فإنها طيبة من الطيبات التي أباحها الله تعالى فلا يحتاج إلى تعليل طهارتها بالطواف؛ فإن الطواف يدل على أن ذلك لدفع الحرج في نجاستها.
وقوله: «الماء طهور لا ينجسه شيء» قد يقال فيه: أولا: قد يكون المقصود وصف الماء بكونه طهورا وبكونه لا ينجسه شيء، فيكون صفة بعد صفة، ليس المقصود جعل إحداهما علة للأخرى ووصفه بهاتين الصفتين يبين مفارقته للبدن والثوب ونحوهما من هذين الوجهين: من جهة أنه طهور، ومن جهة أنه لا ينجسه شيء.
وإذا لم يعلل نفي النجاسة بكونه طهورا لم يوجب ذلك
حصول النجاسة فيما ليس بطهور بمجرد الملاقاة فإذا
أمكن أن تكون هذه علتان لجواز استقائه من البئر لم يجب أن
يقال: إن إحداهما علة للأخرى؛ بل كان قوله: «لا ينجس» كقوله: «الماء لا ينجسه شيء» وهناك لم يعلل انتفاء النجاسة عنه بكونه
طهورا فكذلك هنا لم يعلل انتفاء النجاسة عنه بكونه طهورا؛ بل هناك علل جواز استعمال سؤر عائشة بأن الماء لا يجنب وهنا علل وضوءه من بئر بضاعة بأن الماء لا ينجس، وزاد مع ذلك «أن الماء طهور» وهذا بين لمن تأمله؛ بل هو ظاهر الحديث.
وبيان ذلك: أنه قد سمى التراب طهورا في نجاسة الحدث والخبث، فقال:«جعلت لي الأرض مسجدا وتربتها طهورا» وقال في النعلين: «فليدلكهما بالتراب فإن التراب لهما طهور» ومع هذا فإن التراب وغيره من أجزاء الأرض في النجاسة سواء لا فرق بين التراب وغيره، إذا ظهرت فيه النجاسة كان نجسا، وإذا زالت بالشمس ونحوها؛ فإما أن يقال: تزول مطلقا، أو لا تزول مطلقا، لم يفرق بين التراب والرمل وغيرهما من أجزاء الأرض كما فرق بينهما من فرق في طهارة الحدث؛ احتج من يقول بزوالها بحديث البخاري:«وكانت الكلاب تقبل وتدبر وتبول في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا يرشون من ذلك شيئا» ، والمسجد كان فيه التراب وغيره.
فإذا كان قوله: «فإن التراب لهما طهور» صريحا في التعليل ولم يخص التراب بذلك، فقوله في الماء:«إنه طهور لا ينجسه شيء» أولى أن يخص بذلك.
لكن هل يقال: إن غير الماء يشاركه في وإزالة النجاسة كما يشارك التراب ما ليس بتراب؟ هذا فيه نزاع مشهور.
وللعلماء في إزالة النجاسة بغير الماء ثلاثة أقوال:
قيل: يجوز مطلقا، وهو قول أبي حنيفة، ورواية عن أحمد.
وقيل: لا يجوز مطلقا، كقول الشافعي، والظاهر عن أحمد.
وقيل: يجوز عند الحاجة، وهو قول ثالث في مذهب أحمد، كما