الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله من التزمهما، فأما بقية الأدلة مثل المرسل ودليل الخطاب [والقياس] وقول الصحابي فلا يجوز أن يلزمه ذلك وهو يعتقد فساده.
[الاستدلال على فساد قول المنازع لا يستلزم صحة قول المستدل]
قال شيخنا: وتحقيق الأمر: إذا نقض المعترض على المستدل بمذهب المستدل وحده فقد اتفقا على انتقاض العلة أو الدليل، هذا ينقضها بمحل النزاع، وهذا بصورة النقض؛ لكن اتفاقهما على انتقاضها اتفاق على فسادها فهو بمنزلة اتفاقهما على حكم الأصل، وهذا دليل جدلي لا علمي؛ لأن موافقة أحدهما للآخر على صحة المقدمة أو فسادها لا يوجب له أن يكون عالما بها، فعلى كل منهما في نفس الأمر أن يكون له مستند في صحة المقدمة أو فسادها وإلا فالعلة إذا قام دليل صحتها من نص أو إجماع أو إيماء أو تأثير ونحو ذلك فهو دليل شرعي يجب على كل منهما طردها فهي حجة على هذا في صورة الاستدلال وعلى هذا في صورة النقض، فترك أحدهما لإثباته ليس مبيحًا للآخر الترك إذا قام موجبه كما أن موافقة أحدهما للآخر على ما لا يعلم صحته ليس مبيحا له العمل إلا إذا موجبه وكذلك أيضا لو نقض العلة بصورة مسلمة منهم، لكن هذا دفع جدلي بمنزلة حجة جدلية يقول له: أنت لا يصلح لك أن تأمرني باستشهاد من نعتقد كذبه أنا وأنت.
وأما أنا فيما بيني وبين الله فذاك شيء آخر حكمي فيه كحكمك نعم لو أمرتني ونفسك باتباع موجب هذا لاستقام كما أن أحد الخصمين لا يصلح له أن يكون حاكمًا ولا شاهدًا على خصمه وإن كان على الخصم في الباطن أن يتبع الحق. فما دام الخصم معتقدا صحة الانتقاض لا يصلح له أن يأمر باتباع قول منتقض فإذا توقف عن هذا الاعتقاد أو قال: «أريد أن نتناظر حتى نعلم صحة الانتقاض أو فساده» توجه منه ذلك، فيقبل منه هذا السؤال في مناظرة المشاورة لا في مناظرة المجادلة سواء كان المقصود المشاورة في صحة الدليل أو في صحة الحكم، وفرق بين المشاورة والمعاونة التي مقصودها استخراج ما
لم يعلم وبين المجادلة التي مقصودها الدعاء إلى ما قد علم. والأول يدعو إلى حق مطلق، والثاني يدعو إلى حق معين.
وعلى هذا فإذا عارضه المعترض بما هو دليل عند المستدل وحده فهو في المعنى مثل النقض بمذهب المستدل، فإن النقض معارضة في الدليل، كما أن المعارضة المطلقة معارضة في الحكم، وكأنه يقول: هذا الدليل الذي ذكرته موقوف باتفاق مني ومنك. أما عندك فلأنه معارض بهذا الدليل، وأما عندي فلتخلف مدلوله في صورة النزاع، ويقول له: هذا ليس بدليل سالم عندك، فأنت لا تعتقد صحته، فكيف تلزمني بمدلوله؟ والذي يقوله المستدل في دفع هذه المعارضة يقوله المعترض في دفع الاستدلال، ألا ترى أن المعترض لو عارض بدليل عنده أو نقض بصورة يعقدها فهما سواء؟ وفي ذلك قولان يختار أصحابنا منعه. وأما المستدل إذا استدل بما هو دليل عند مناظره فقط فهو في الحقيقة سائل معارض لمناظره بمذهبه، وهو سؤال وارد على مذهبه وهو استدلال على فساد أحد الأمرين إما دليله أو مذهبه، فينبغي أن يعرف وجوه الأدلة والأسئلة، وهذا في الحقيقة استدلال على فساد قول المنازع بما لا يستلزم صحة قول المستدل، بمنزلة إظهار تناقضه، وهو أحد مقاصد الجدل.
قال -يعني القاضي-: لأن إلزامه يكون محتجا بما لا يقول به. ومن وجه آخر حررته أن بهذا النقض يتحقق اتفاقهما على العلة، أما على أصل المعلل فبصورة الإلزام أما على أصل خصمه فبمحل النزاع، وأما في غير ذلك فقد اتفقا على اطراح الأصل الملزم، أما أحدهما فلا يراه دليلا بحال، وأما الآخر فلأنه لما خالفه دل على أنه قد ترك لدليل عنده أقوى منه، وإذا حصل الاتفاق على تركه ههنا بطل إلزامه وكذلك ذكر القاضي وأبو الخطاب أن للمستدل أن ينقض علة السائل لأنه تبين له أنها فاسدة عنده، فلا يجوز أن يحتج بما هو فاسد عنده.
قال شيخنا: قلت: وهذا التعليل يدخل فيه عدم التأثير على أصل المعلل أيضا.
ولفظ القاضي وأبي الخطاب: إن استدل بعلة فعارضه السائل بعلة فنقضها المستدل بأصل نفسه لم يجز ذلك خلافا للجرجاني وبعض الشافعية وكذلك بحث المسألة على أن السائل عارض المستدل بعلة منتقضة على أصل المستدل، وكذلك كانت في خط الجد، وهذا قريب كذلك قال إلكيا الهراسي: لو نقض كلام السائل في معارضته بمسألة فمنعها السائل، وأراد المسئول أن يدل على النقض، أجمع الجمهور أنه لا يجوز من حيث أنه منتقل بخلاف ما إذا منع حكم الأصل الذي قاس عليه فإنه يقبل منه الدلالة عليه. وحاصله: الفرق بين الأصل الممنوع والنقض الممنوع، فأما أنا لسائل ينقض علة المستدل بأصل نفسه فهذا لا يقوله محصل، فإن هذا يمنع الاستدلال، ألا ترى أنهم جوزوا للمستدل أن يستدل بما هو دليل عنده إذا تبين صحته وأن السائل ليس له أن يعارضه بما هو دليل عنده لا عند المستدل؟
وقد ذكر الجد هذه المسِألة، فإن النقض من المعترض بأصل نفسه بمنزلة القياس على أصل نفسه. وحاصله: أن مقدمة الدليل المعارض ممنوعة وهذا ليس ببعيد، كما يجوز ذلك للمستدل؛ فإنه بتقدير صحة مذهب المعترض لا يكون دليل المستدل سالما عن المعارضة، وهو يشبه أن يستدل المستدل بقياس أو مرسل من غير أن يدل عليه، وذلك يفيد إظهار المدارك لا تقرير المسائل، وذلك يفيد جودة بيانه وسلامة أصوله، لا انقطاع خصمه، وذلك يفيد أن ليس واحد منهما مغلوبا وليس هذا مثل وقف المعترض دليل المستدل (1) .
(1) المسودة ص 432-335 ف 2/22.