الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال شيخنا: وكذلك قال أبو الخطاب: الذي لا يسوغ التقليد فيها هو معرفة الله ووحدانيته، ومعرفة صحة الرسالة، وذكر أن الأدلة على هذه الأصول الثلاثة يعرفه كل أحد بعقله وعلمه، وإن لم يقدر العامي على أن يعبر عنه. قال: وبه قال عامة العلماء. وقال بعض الشافعية: يجوز للعامي التقليد في ذلك. قال: ولا يختلف الشافعية أنه ليس للمكلف المسلم أن يقلد في وجوب الصلاة والصوم عليه ونحو ذلك فأولى أن لا يجوز التقليد في الوحدانية والنبوة. ثم قال: وكذلك أصول العبادات كالصلوات الخمس وصيام رمضان وحج البيت والزكاة؛ فإن الناس أجمعوا على أنه لا يسوغ فيها التقليد لأنه ثبت بالتواتر ونقلته الأمة كلها خلفها عن سلفها. ثم أطلق أبو الخطاب أن العامي لا يجوز له التقليد في مسائل الأصول وقال في البحث مع ابن سريج: لو خشي المكلف أن يموت لم يجز له التقليد في معرفة الله والوحدانية (1) .
[هل يخير المقلد في المجتهدين
؟]
مسألة: للعامي أن يقلد في الفروع أي المجتهدين شاء، ولا يلزمه أن يجتهد في أعيان المجتهدين في قول القاضي وأبي الخطاب وجماعة من الفقهاء وذكر القاضي وأبو الخطاب أنه ظاهر كلام أحمد كما ذكر القاضي أن العامي يتخير بين المفتين ولا يلزمه الاجتهاد. قال: فإن قيل: فهلا قلتم: يلزمه الأخذ بقول من غلظ كما قلتم: إذا تقابل في الحادثة دليلان أحدهما حاظر والآخر مبيح؟ قيل له: فرق بينهما وقال ابن عقيل: لا يتخير؛ بل يلزمه الاجتهاد في أعيان المفتين الأدين والأورع ومن يشار إليه أنه أعلم، وقال: ذكره أحمد، ولم يحك في المذهب فيه خلافا وذكره القاضي أبو الحسين بن القاضي أبي يعلى بن الفراء في العامي: هل يلزمه الاجتهاد في أعيان المفتين؛ أم له الأخذ بقول أيهم شاء؟ على روايتين؛ إحداهما مثل قول القاضي والجمهور منا. والثانية
(1) المسودة ص 459-461 ف 2/27.
مثل قول ابن عقيل، ذكر ذلك في الإتمام لكتاب الروايتين والوجهين، وبهذا قال ابن سريج القفال، وكذلك ذكر ابن برهان لهم الوجهين، وذكره الخرقي فقال: يقلد الأعمى أوثقهما في نفسه. وذكر أبو الخطاب في ضمن مسألة تعادل الأمارات فيها وجهين، أحدهما: يجتهد في أعيان المفتين، ويقلد أعلمهما وأدينهما عنده، وأخذ أصحابنا أن له أن يقلد من شاء من أهل الاجتهاد من قوله في رواية الحسن بن زياد (1)، وقد سأله عن مسألة في الطلاق فقال: إن فعل حنث. فقال له: يا أبا عبد الله! إن أفتاني إنسان -يعني أنه لا يحنث- فقال: تعرف حلقة المدنيين- حلقة بالرصافة- فقال: له: إن أفتوني به حل؟ قال: نعم. قال: وهذا يدل على أن العامي يخير في المجتهدين. وذكر أبو الخطاب قول من قال: يلزمه أن يجتهد في أعيانهم أيهم أعلم وقد أومأ الخرقي إلى نحو هذا في مسألة القبلة، ووجه أبو الخطاب الأول بالإجماع وبأن معرفة الأعلم تتعذر على العامي، وقال أبو الخطاب: فإن اجتهد في العلماء فاستوى عنده علمهم، فإن كان أدين وجب عليه تقديم الأدين على أحد الوجهين وعلى الوجه الآخر هما سواء، فإن كان أحدهما أعلم والآخر أدين، فقال بعضهم: هما سواء، وقال آخرون: يعتمد الأعلم، فإن استووا عنده في العلم والدين كان مخيرا في الأخذ بأي أقاويلهم شاء؛ لأنه ليس بعضهم بقبول قوله أولى من بعض.
قال: وإن أفتاه اثنان واختلفا فهل يخير بينهما، وقيل مع التساوي عنده، أو يأخذ بأغلظهما، أو أشدهما، أو بأخفهما، أو بأرجحهما دليلا، أو بقول أعلمهما وأورعهما، أو الأعلم، أو الأورع، أو يسأل مفتيا آخر فيعمل بقول من وافقه منهما، وقيل: أو من خالفه؟ فيه أوجه ذكرت.
قال شيخنا: قلت: بعض هذه الوجوه إنما هي فيما ينسب إلى
(1) نسخة: الحسن بن بشار المخزومي. ونسخة: الحسين بن زياد.