الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عند تعذره في جميع أحكامه، ثم يخص بعض الأحكام من حكم البدلية والطهورية والإباحة، والبدل يقوم مقام المبدل في حكمه لا في صورته والحكم جواز الطهارة به ما لم يجد الماء أو يحدث، فذلك القول مخالف للقياس وتخصيص العلة بلا ريب. والعلة صحيحة بلا ريب.
ونحن إذا قلنا: لا يجوز تخصيص بدون فارق مؤثر أفاد شيئين:
أحدهما: أنه إذا ثبت أنها علة صحيحة لم يجز تخصيصها مثل هذا الموضع.
والثاني: أنه إذا ثبت تخصيصها علم بطلانها، وهذا معنى قولنا: لا يجتمع قياس صحيح واستحسان صحيح إلا مع الفارق المؤثر من الشرع.
[إذا اشترى المضارب غير ما أمر به صاحب المال استحسن
..]
وأما قوله في المضارب: إذا خالف فاشترى غير ما أمر به صاحب المال فالربح لصاحب المال ولهذا أجرة مثله إلا أن يكون الربح يحيط بأجرة مثله فيذهب، قال: وكنت أذهب إلى أن الربح لصاحب المال، ثم استحسنت. فهذا استحسان منه رآه بفرق مؤثر، أو القياس مستنبط والاستحسان مستنبط، وهو تخصيص لعلة مستنبطة بفرق مستنبط. وأحمد لا يرد مثل هذا الاستحسان؛ لكن قد تكون العلتان أو إحداهما فاسدة، كما لا يرد تخصيص العلة المنصوصة بفرق منصوص كالمتيمم لما جاءت صلاته وليس هنا إلا الحدث مانعًا، فلو تبين مانع لم تجز الصلاة، فلم زوال المانع؟
فإن قيل: الصلاة بالتيمم، رخصة كأكل الميتة في المخمصة، والرخصة استباحة المحظور مع قيام الحاظر. ولا يجوز هنا أن يقال: إنه استباح الصلاة مع قيام الحاظر لها؛ فإن كون الحاظر حاظرا (1) لمعارض راجح وذلك أن المعنى المقتضي للحظر القائم بالميتة موجود حال
(1) خرم هنا مقدار ثلاث كلمات. وهو أول التعريف.
المخمصة كما هو موجود حال القدرة على الميتة في نفسها لم يتغير.
وأما تغير حال الإنسان كان غنيا عنها ثم صار محتاجا إليها حاجة تدفع الفساد الحاصل بأكلها فكذلك التيمم.
قيل: هذا قياس فاسد، وذلك أنه جاء ميتة وأكل والميتة لم تتغير لكن تغير حال الآكل أما ليس إلا الحدث الذي كانت الصلاة محرمة عليه ثم صارت واجبة عليه أو جائزة فالمتيمم به لم يتغير حاله (1) .
والفرق أن المضارب مأمور بجعل، بل هو شريك في الربح وعمله له ولصاحب المال جميعا؛ ولهذا كان للعلماء فيما يستحقه في المضاربة الفاسدة ونحو ذلك قولان: هل يستحق ربح مثله -قسط مثله من الربح- أو أجرة تكون أجرة مثله؟
والقول الأول هو الصواب قطعا. وهذا ينافي مذهب أحمد؛ فإن من أصله أن هذه المعاملات مشاركة لا مؤاجرة بأجرة معلومة. والقياس عنده صحتها.
وإنما يقول أجرة المثل من يجعلها من باب الإجارة ويقول القياس يقتضي فسادها وإنما جوز منها ما جوز للحاجة. وبكل حال فهو يعمل لنفسه لاستحقاق القسط أو الأجرة ويعمل لذي المال؛ فليس هو بمنزلة العامل الذي جعل عمله لصاحب المال كالمتبرع؛ فإن هذا إنما قبض المال ليعمل فيه بالعوض، فالمخالفة لا تخرج عن كون المال بيده قبضه ليعمل فيه بالعوض، ولكن عمل غير ما أمر به فيكون ضامنا لتعديه؛ ولكن ليس إذا كان ضامنا يكون وجوده كعدمه مع أنه مأذون له
في التجارة به في الجملة، ليس هو كمن لم يؤذن له في ذلك. وهو أيضًا
(1) خرم بالأصل بمقدار سطر سببه قص المجلد. وهو بداية المسألة الثانية المتقدمة في المضارب إذا اشترى غير ما أمر به.
من أصل آخر، وهو أنه إذا تصرف بغير أمره كان فضوليا فتكون العقود موقوفة وهذا إحدى الروايتين عن أحمد وقول أكثر العلماء، وهي التي ذكرها الخرقي في مختصره: أن بيع الفضول وشراه ليس باطلا، بل موقوفًا، فإن باع أو اشترى بعين المال فهو موقوف، وإن اشترى في الذمة فهو موقوف. فأي إجارة والمشترى له وإلا لزم المشتري.
وأما القاضي وأتباعه فاختاروا أن تصرفه مردود إلا أن اشترى في الذمة. والذي ذكره الخرقي أصح؛ لكن قرن هذه المسألة في مواضع في مختصره بالعامل إذا خالف كان متصرفا له بغير إذنه، فإذا أجازه وطلب حقه من الربح صار مجيزا له وصار العامل مأذونا له. والعامل إنما عمل لأجل قصده من الربح فيستحق نصيبه من الربح.
وقول أحمد: كنت أذهب إلى أن الربح لصاحب المال ثم استحسنت رجوع منه إلى هذا. وجعله الربح في جميع الصور للمالك يقتضي أنه يصحح تصرف الفضول إذا أخبر وإلا كان البيع باطلا.
وكذلك الذي يعين المال كما يقوله الشافعي ومن نصر الرواية الأخرى ويكون البيع عليه ضمان ما فوته من مال فقط، ليس للمالك غير هذا، ولا يكون للعامل أيضا ربح لأنه لم يملك شيئا. والآثار المأثورة عن الصحابة والتابعين في باب البيع والنكاح والطلاق وغير ذلك تدل على أنهم كانوا يقولون بوقف العقود، لا سيما حين يتعذر استئذان المالك؛ ولهذا أحمد يقول بوقفها هنا كما في مسألة المفقود اتباعا للصحابة في ذلك، وإنما ادعى أنها خلاف القياس من لم يتفطن لما فيها من وقف العقود، كما في اللقطة. وتكلم السلف فيمن يتجر بمال غيره في الربح دليل على صحة التصرف عندهم إذا أجازه المالك؛ ولهذا ظهر ما استحسنه أحمد ورجع إليه أخيرا؛ لأنه إذا جاز بالإجارة فالمأذون
له وهو لم يعمل إلا بجعل برضا المالك فلا يجوز منعه حقه؛ وهو إما
على أنه إذا تصرف ابتداء فالربح كله للمالك، وهو إحدى الروايتين في المسألة.
وقيل: يتصدقان به، وهو رواية عن أحمد.
وقيل: هو للعامل كله كقول الشافعي.
وقيل: هما شريكان فيه، وهو أصح الأقوال، وهو المأثور عن عمر؛ لأن المالك لما أذن فيه صار كالمضارب، وهو لم يعمل ليكون الربح للمالك كالمصبغ؛ فإنه لو فعل ذلك كان الربح للمالك. وأما المتجر ليكون الربح له أو بينهما والمالك قد أجاز بيعه ولم يجزه ليكون الربح كله له، فيكون النماء حاصلا بمال هذا وبيع هذا، والتصرف صحيحا مأذونا فيه فيكون الربح بينهما.
ومن قال: يتصدقان به. جعله كغير المأذون فيه، فيكون خبيثا، وهو متعد؛ لأن الحق لهما لا يعدوهما، فإذا أجاز المالك التصرف جاز، وكذلك في جميع تصرفات الغاصب، لا سيما من لم يعلم أنه غاصب إذا تصرف في المغصوب فأزال اسمه كطحن الحب ونسج الثوب ونحو ذلك ففيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره.
قيل: كل ذلك للمالك دون الغاصب وعليه ضمان النقص كقول الشافعي.
وقيل: ملكه الغاصب وعليه بدله كقول أبي حنيفة.
وقيل: يخير المالك بينهما كقول مالك وهو أصح، بناء على ذلك النص. فإن شاء المالك أجاز تصرفه وطالبه بالنقص كما في العامل المخالف. وإن شاء طالبه بالبدل لإفساده عليه، وبأجرة ذلك لا ذاته عوضه فيجبر على المعاوضة لحق المالك.