الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعطي علما، ولكن يفيد ظنا، ونحن إذا قلنا إنه يثبت به الإجماع فلسنا قاطعين بالإجماع ولا بحصوله بخبر الواحد، بل هو بمنزلة ثبوت قول النبي صلى الله عليه وسلم والمنازع قال:«الإجماع دليل قطعي» وخبر الواحد دليل ظني، فلا يثبت قطعيا (1) .
[نبينا لم يكن على دين قومه؛ لكن هل كان متعبدا بشيء من الشرائع قبله
؟]
مسألة: نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن على دين قومه نص عليه، بل كان متعبدًا بما صح عنده من شريعة إبراهيم ذكره ابن عقيل، قال: وبه قال أصحاب الشافعي. وقال قوم بالوقف، وأنه يجوز ذلك ويجوز أنه لم يكن متعبدا بشيء أصلا. ورأينا اختاره الجويني وابن الباقلاني وأبو الخطاب وبه قال الحنفية فيما حكاه السرخسي أنه لم يكن متعبدا بشيء من الشرائع وإنما صار بعد البعثة شرع من قبله شرع له.
قال شيخنا: قلت: وهذا مأخذ جيد. قال الجويني: وذهب قوم إلى أنه كان على شريعة نوح، وفرقة إلى أنه كان على شريعة عيسى لأنها آخر الشرائع وقال ابن الباقلاني لم يكن على شرع أصلا وقطع بذلك وقالت المعتزلة كان متعبدا بشريعة العقل بفعل محاسنه واجتناب قبائحه.
قال شيخنا: وقال القاضي وغيره: كان متعبدا بشرع من قبله مطلقا، وحكاه عن أصحاب الشافعي. قال القاضي والحلواني:«مسألة» ونبينا كان قبل أن يبعث متعبدا باتباع شريعة من قبله على كلتا الروايتين.
[وذكر ابن عقيل في الجزء التاسع والعاشر أحكاما كثيرة من أحكام النسخ وشروطه وما ظن منها وليس كذلك، ولعله ذكر أحكام النسخ كلها وفروعا كثيرة]
(2) ، وكان القاضي أولا قد فرع ذلك على الروايتين، فإن
(1) المسودة ص 344، 345 ف 2/11.
(2)
هذه العبارة ساقطة في بعض النسخ.
قلنا لم يكن متعبدا به بعد البعث فكذلك قبله، وإن قلنا كان متعبدا به بعده فقبله أولى، ثم ضرب على ذلك، وذكر أنه كان متعبدا به على الروايتين جميعا (1) .
قال شيخنا: أما على قولنا باستصحاب الشرع الأول فيستقيم على إحدى الروايتين؛ لكن يقال: لم يثبت عنده. وقد أفرد القاضي فصلا في أنه يجوز أن يكون النبي الثاني متعبدا بما تعبد به النبي الأول والعقل لا يمنع من ذلك فقيل له: فما الفائدة في بعثه وإظهار الأعلام على يده إذا لم يأت بشريعة مبتدأة؟ فأجاب: بأنه إنما حسن إظهار الأعلام على يديه؛ لأنه لابد أن يأتي بما لا يعرف إلا من جهته، إما أن يكون ما يأتي به شريعة مبتدأة، أو يكون ذلك مما كان الأول متعبدا به إلا أنه قد درس وصار بحيث لا يعرف إلا من جهة النبي الثاني.
قال شيخنا: قلت: وهذا فيه نظر، فإنه يجوز عندنا إظهار الكرامات للأولياء فكيف للنبي المتبع؟ وتكون فائدته التقوية كأنبياء بني إسرائيل.
ثم قال: «مسألة» : إذا ثبت جواز ذلك فهل كان نبينا متعبدا بشريعة من كان قبله أم لا؟ فيه روايتان، إحداهما أن كل ما لم يثبت نسخه من شرائع من كان قبل نبينا فقد صار شريعة لنبينا ويلزمه أحكامه من حيث أنه قد صار شريعة له، لا من حيث كان شريعة لمن كان قبله، وإنما يثبت كونه شرعا لهم مقطوعا عليه، إما بكتاب أو بخبر من جهة الصادق أو بنقل متواتر، فأما الرجوع إليهم وإلى كتبهم فلا، وقد أومأ أحمد إلى هذا فقال في رواية صالح فيمن حلف ينحر ولده: عليه كبش يذبحه ويتصدق بلحمه، قال الله تعالى:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [107/37]، قال:
(1) في الأصل تكرار وليس من كلام الشيخ فتركته.
فقد أوجب أحمد الكبش في ذلك واحتج بالآية عليه، وهي شريعة إبراهيم. وقال أيضا في رواية أبي الحارث والأثرم وحنبل والفضل بن زياد وعبد الصمد، وقد سئل عن القرعة، فقال: في كتاب الله في موضعين قال الله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [141/37]، وقال:{إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ} [44/3] فقد احتج بالآيتين في إثبات القرعة، وهي في شريعة يونس ومريم. وقال أيضا في رواية أبي طالب وصالح قوله تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [45/5] فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقتل مؤمن بكافر» دل على أن الآية ليست في النفس على ظاهرها، وكأنها أنزلت في بني إسرائيل بقوله:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} . قال: فقد بين أن الآية على ظاهرها شرع لنا حتى ورد البيان من النبي صلى الله عليه وسلم فعلم أنها خاصة فيهم. وكذلك نقل أبو الحارث عنه: «لا يقتل مؤمن بكافر» قيل له: أليس قد قال الله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} قال: ليس هذا موضعه، علي بن أبي طالب يحكي ما في الصحيفة:«لا يقتل مؤمن بكافر» وعن عثمان ومعاوية: «لم يقتلوا المؤمن بالكافر» (1) . قال: وهذا يدل على أن الآية على ظاهرها في المسلمين ومن قبلهم ولكن عارضها بحديث الصحيفة ولو لم يكن كذلك لما عارضها ولقال: ذلك خاص لمن قبلنا وبهذه الرواية قال أبو الحسن التميمي في جملة مسائل خرجها في الأصول.
وفيه رواية أخرى: أنه لم يكن متعبدا بشيء من الشرائع إلا ما دل الدليل على ثبوته في شرعه؛ فيكون شرعا له مبتدأ أومأ إليه في رواية أبي طالب في موضع آخر، فقال:{النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} كتبت على
(1) نسخة: «مؤمنا بكافر» .
اليهود، قال:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} أي في التوراة ولنا: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [178/2] .
قال شيخنا: قلت: فقد ذكر القاضي أنه إنما تلزمنا أحكامه في حيث صارت شريعة لنبينا لا من حيث كانت شريعة لمن كان قبله، فيكون اتباعه لأمر الله لنا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم بذلك، وهو الذي حكاه عن الحنفية، ولهذا قالوا: لم يكن قبل البعث متعبدا به، وعلى ما ذكره أبو محمد البغدادي في جدله وذكره القاضي في أثناء المسألة كما ذكره أبو محمد وهو أن الحكم إذا ثبت في الشرع لم يجز تركه حتى يرد دليل نسخه، وليس في نفس بعثة النبي ما يوجب نسخ الأحكام التي قبله، فإن النسخ إنما يكون عند [التنافي] ولأنه شرع مطلق فوجب أن يدخل فيه كل مكلف إذا لم ينسخ كشرع نبينا، ولأن نبينا كان قبل بعثته متعبدا فدل على أنه كان مأمورا به بشرع من قبله.
قال شيخنا: قلتِ: هذه الطريقة فيها نظر، وقد تأول القاضي قوله: وكل نبي مبعوث إلى قومه المتبوع وغيره تبع له. والذي ذكره أبو محمد أنه ثابت في حقنا استصحاب الحال، لأنه شرع شرعه الله، ولم ينسخه، وعلى هذا يكون ثبوته في حقنا إما لشمول الحكم لنا لفظا، وإما بالعقل بناء على أن الأصل تساوي الأحكام وهو الاعتبار الذي ذكره الله في قصصهم.
فصار لها ثلاثة مآخذ: إما الكتاب والسنة، والإجماع، وإما الكتاب الأول وإما العقل والاعتبار فيكون من باب الخاص لفظا العام حكما. والمسألة مبنية على أنه لو لم يبعث إلينا محمد صلى الله عليه وسلم: هل كان يجوز أو يجب التعبد بتلك الشرائع؟ وهي تشبه حاله قبل البعثة.
قال شيخنا: قول القاضي: «من دليل مقطوع عليه» قد أعاده في المسألة وقال: إنه متى لم يقطع على ذلك ونعلمه من جهة يقع العلم
بها لم يجب اتباعه. والصحيح أنه يثبت (1) بأخبار الآحاد عن نبينا صلى الله عليه وسلم.
وأما الرجوع إلى ملة أهل الكتاب ففيه الكلام (2) .
(1) نسخة: «ثبت» .
(2)
المسودة ص 184-186 ف 2/12.