الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الفصل والوصل
- اعلم أن الموصول في الوجود توصل في الخط، كما توصل حروف الكلمة الواحدة، والمفصول معنى في الوجود يفصل في الخط، كما تفصل كلمة عن كلمة.
1 -
فمنه «إنما» بالكسر، كله موصول إلا واحدة: إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ [الأنعام: 134] لأن حرف «ما» هنا وقع على مفصل، فمنه خير موعود به لأهل الخير، ومنه شر موعود به
لأهل الشر، بمعنى «ما» مفصول في الوجود والعلم.
2 -
ومنه «أنما» بالفتح كله موصول إلا حرفان: وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ [الحج: 62]، وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ [لقمان:
30].
وقع الفصل عن حرف التوكيد، إذ ليس لدعوى غير الله وصل في الوجود، إنما وصلها في العدم والنفي، بدليل قوله تعالى عن المؤمن:
أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ [غافر: 43]، فوصل «أنما» في النفي، وفصل في الإثبات، لانفصاله عن دعوة الحق.
3 -
ومنه «كلما» موصول كله إلا ثلاثة:
كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها [النساء: 91] فما ردوا إليه ليس شيئا واحدا في الوجود، بل أنواع مختلفة في الوجود، وصفة مردهم ليست واحدة بل متنوعة، فانفصل «ما» لأنه لعموم شيء مفصل في الوجود.
وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ [إبراهيم: 34] فحرف «ما» واقع على أنواع مفصلة في الوجود.
وفي قد أفلح كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ [المؤمنون: 44]، والأمم مختلفة في الوجود، فحرف «ما» وقع على تفاصيل موجودة لتفصل وهذا بخلاف قوله: كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ [المائدة: 70]، فإن هؤلاء هم بنو إسرائيل أمة واحدة، بدليل قوله:
فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ [البقرة: 91] والمخاطبون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتلوا الأنبياء، إنما باشره آباؤهم، لكن مذهبهم في ذلك واحد، فحرف «ما» إنما يشمل تفاصيل الزمان، وهو تفصيل لا مفصل له في الوجود إلا بالفرض والتوهم، لا بالحس، فوصلت «كل» لاتصال الأزمنة في الوجود، وتلازم أفرادها المتوهمة.
وكذلك: كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً [البقرة: 25] هذا موصول، لأن حرف «ما» جاء لتعميم الأزمنة، فلا تفصيل فيها في الوجود، وما رزقوا هو غير مختلف، لقوله تعالى: وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً [البقرة: 25].
4 -
ومنه «أينما» موصول إذا كانت «ما» غير مختلفة الأقسام في الفعل الذي بعدها، مثل: أَيْنَما يُوَجِّهْهُ [النحل: 76]، فَأَيْنَما تُوَلُّوا [البقرة: 115] أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا [الأحزاب: 61]، أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ [النساء: 78] فهذه كلها لم تخرج عن «الأين» الملكي، وهو متصل حسّا، ولم يختلف فيه الفعل الذي مع «ما» . وتفصل «أين» حيث تكون «ما» مختلفة الأقسام في الوصف الذي بعدها، مثل: أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ [الشعراء: 92] أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران: 112] وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ [الحديد: 4].
5 -
ومنه «بئسما» موصول، إلا ثلاثة أحرف: اثنان في البقرة:
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ [البقرة: 90] بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ [البقرة: 93].
بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي [الأعراف: 150].
فحرف «ما» ليس فيه تفصيل، لأنه بمعنى واحد في الوجود من جهة كونه باطلا مذموما، على خلاف حال «ما» في المائدة: وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ [المائدة: 62]، فحرف «ما» يشتمل على الأقسام الثلاثة التي ذكرت قبل. وكذلك: لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ [المائدة: 80] حرف «ما» مفصول، لأنه يشمل ما بعده من الأقسام.
6 -
ومنه: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ [الذاريات: 13]، يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ [غافر: 16] حرفان، فصل الضمير منهما لأنه مبتدأ، وأضيف «اليوم» إلى الجملة المنفصلة عنه.
يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ [الطور: 45] و: يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [الزخرف: 83]، وصل الضمير لأنه مفرد، فهو جزء الكلمة المركبة من «اليوم» المضاف والضمير المضاف إليه.
7 -
ومنه «في ما» مفصول أحد عشر حرفا:
فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ [البقرة: 240]، وذلك لأن «ما» يقع على فرد واحد «من» أنواع ينفصل بها المعروف في الوجود «وما» على البدلية أو الجمع، يدل على ذلك تنكيره «المعروف» ودخول حرف التبعيض عليه، فهو حسّي يقسم، وحرف «ما» وقع على كل واحد منهما على البدلية أو الجمع، وأما قوله: فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 234]، فهذا موصول لأن «ما» واقعة على شيء واحد غير مفصل، يدلك عليه وصفه بالمعروف.
وكذلك: فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ [الأنبياء: 102] وهو مفصل، لأن شهوات الأنفس مختلفة أو مفصلة في الوجود. وكذلك فتدبره في سائرها.
8 -
ومنه: لِكَيْلا موصول في ثلاثة مواضع، وباقيها منفصل، وإنما يوصل حيث يكون حرف النفي دخل على معنى كلي فيوصل، لأن نفي الكلي نفي لجميع جزئياته، فعلة نفيه هي علة نفي أجزائه، وليس للكلي المنفي أفراد في الوجود، وإنما ذلك فيه بالتوهم، ويفصل حيث يكون حرف النفي دخل على جزئي، فإن نفي الجزئي لا يلزم منه نفي الكلي، فلا تكون علته علة لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً [الحج: 5]، لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ [الأحزاب: 50].
لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ [الحديد: 23].
فهذه هي الموصولة، وهي بخلاف لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً [النحل: 70] في النحل، لأن الظرف في هذا خاص الاعتبار، وهو في الأول عام الاعتبار لدخول «من» عليه، وهذا كقوله تعالى في أهل الجنة في:
قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ [الطور: 26]، اختص المظروف بقبل في الدنيا، ففيها كانوا مشفقين خاصة. وقال تعالى: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور: 26] فهذا الظرف عام لدعائهم بذلك في الدنيا والآخرة فلم يختص الظروف بقبل بالدنيا.
وكذلك: لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً [الأحزاب: 37] فهذا المنفي هو حرج مقيد بظرفين.
وكذلك: كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ [الحشر: 7] فهذا النفي هو كون: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى [الحشر: 7] دولة بين الأغنياء من المؤمنين، وهذه قيود كثيرة.
9 -
ومن ذلك «هم» ونحوه من الضمائر تدل على جملة المسمى من غير تفصيل، والإضمار حال لا صفة وجود، فلا يلزمها التقسيم الوجودي إلا الوهمي والخطأ بما يرسم على العلم الحق.
10 -
ومن ذلك «مال» أربعة أحرف مفصولة، وذلك أن اللام وصلة إضافية، فقطعت حيث تقطع الإضافة في الوجود:
فأولها: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ [النساء: 78]، وهذه الإشارة للفريق الذين نافقوا من القوم الذين قيل: كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [النساء: 77] فقطعوا وصل السيئة بالحسنة في الإضافة إلى الله ففرقوا بينهما، كما أخبر سبحانه والله قد وصل ذلك وأمر به في قوله: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فقطعوا في الوجود ما أمر الله به أن يوصل، فقطع لام وصلهم في الخط علامة لذلك.
وفيه تنبيه على أن الله يقطع وصلهم بالمؤمنين، وذلك في يوم الفصل:
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد: 13] والثاني: وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً [الكهف: 49].
وهؤلاء قطعوا بزعمهم وصل جعل الموعد لهم بوصل إحصاء الكتاب، وعدم مغادرته لشيء من أعمالهم في إضافتها إلى الله، فلذلك ينكرون على الكتاب في الآخرة، ودليل ذلك ظاهر من سياق خبرهم في تلك الآيات من الكهف.
والثالث: وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ [الفرقان: 7] فقطعوا وصل الرسالة لأكل الطعام فأنكروا فقطعوا قولهم هذا ليزول اعتقادهم أنه رسول. فقطع اللام علامة لذلك.
والرابع: فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ [المعارج: 36] هؤلاء الكفار تفرقوا جماعات مختلفة، كما يدل عليه: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ [المعارج: 37]
قطعوا وصلهم في قلوبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فقطع الله طمعهم في دخول الجنة، ولذلك قطعت اللام علامة عليه.
11 -
ومن ذلك: ابْنَ أُمَّ في الأعراف مفصول، على الأصل:
(يبنؤمّ)[طه: 94] موصول لسر لطيف، وهو أنه لما أخذ موسى برأس أخيه اعتذر إليه فناداه من قرب على الأصل الظاهر في الوجود، ولما تمادى ناداه بحرف النداء، ينبهه لبعده عنه في الحال، لا في المكان، مؤكدا لوصلة الرحم بينهما بالربط، فلذلك وصل في الخط، ويدل عليه نصب «الميم» ليجمعها الاسم بالتعميم.
12 -
ومن ذلك ستة أحرف لا توصل بما بعدها، وهي: الألف، والواو، والدال، والذال، والراء، والزاي، لأنها علامات لانفصالات ونهايات، وسائر الحروف توصل في الكلمة الواحدة.