الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيف تلقى النبي صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم
سأترك الكلام في ذلك لصاحب التبيان في علوم القرآن الكريم حيث يقول «تلقى النبي صلى الله عليه وسلم القرآن بواسطة أمين الوحي (جبريل) عليه السلام، وجبريل تلقاه عن رب العزة جل جلاله، وليس لجبريل الأمين سوى تبليغ كلام الله وإيحائه للرسول صلى الله عليه وسلم فالله جلت حكمته قد أنزل كتابه المقدس على خاتم أنبيائه بواسطة أمين الوحي جبريل، وعلمه جبريل للرسول، وبلغه الرسول لأمته، وقد وصف الله جبريل عليه السلام بأنه أمين على الوحي يبلغه كما سمعه عن الله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير: 19 - 21].
وقال تعالى في وصفه أيضا: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [الشعراء: 193 - 194].
أما حقيقة الكلام، وحقيقة المنزل فإنما هو كلام الله، وتنزيل رب العالمين، كما قال تعالى: وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ [النمل: 6].
وقد كان صلوات الله عليه يعاني عند نزول القرآن شدة، وكان يحاول أن يجهد نفسه من أجل حفظ القرآن، فيكرر القراءة مع جبريل حين يتلو عليه القرآن، خشية أن ينساه أو يضيع عليه شيء منه، فأمر الله تعالى بالإنصات والسكوت عند قراءة جبريل عليه، وطمأنه بأنه تعالى سيجعل هذا القرآن محفوظا في صدره، فلا يتعجل في أمره، ولا يجهد نفسه في تلقيه.
وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه: 114].
وأما تكفل الله تعالى له بالحفظ فقد جاء في قوله سبحانه:
لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ [القيامة: 16 - 19].
وقد كان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، فينزل جبريل على رسول الله ويستمع له القرآن، فيقرأ الرسول بين يديه وجبريل يستمع، ويقرأ جبريل والنبي يستمع وهكذا يدارسه في كل رمضان ما نزل من القرآن مرة واحدة، وقبل وفاته صلى الله عليه وسلم نزل عليه جبريل مرتين في رمضان فدارسه القرآن حتى لقد شعر عليه الصلاة والسلام من نزول جبريل مرتين عليه- بدنو أجله، وقال لعائشة رضي الله عنها:«إن جبريل كان ينزل عليّ فيدارسني القرآن مرة واحدة في رمضان وقد نزل عليّ هذا العام مرتين، وما أراني إلا قد اقترب أجلي» .
وقد كان الأمر كذلك فقد انتقل في ذلك العام إلى جوار ربه صلوات الله وسلامه عليه وانقطع بوفاته نزول الوحي.
أما كيف تلقى جبريل القرآن عن الله عز وجل، فقد تقدم معنا أنه كان سماعا حيث سمع من الله عز وجل هذه الآيات فنزل بها على رسول الله.
قال البيهقي في معنى قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: 1].
يريد- والله أعلم- إنا أسمعنا الملك وأفهمناه إياه وأنزلناه بما سمع ..
انتهى.
ومعنى هذا أن جبريل أخذ القرآن عن الله تعالى سماعا ويؤيده ما روي في الحديث الشريف: «إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من
خوف الله، فإذا سمع أهل السماء صعقوا، وخروا سجدا، فيكون أولهم يرفع رأسه (جبريل) فيكلمه الله بوحيه بما أراد، فينتهي به إلى الملائكة، فكلما مر بسماء سأله أهلها ماذا قال ربنا؟ قال: الحق، فينتهي به حيث أمر». رواه الطبراني.
قال الزرقاني في كتابه مناهل العرفان: «وقد أسف بعض الناس فزعم أن جبريل كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بمعاني القرآن، والرسول يعبر عنها بلغة العرب .. وزعم آخرون أن اللفظ لجبريل وأن الله كان يوحي إليه المعنى فقط .. وكلاهما قول باطل أثيم، مصادم لصريح الكتاب والسنة والإجماع ولا يساوي قيمة المداد الذي يكتب به، وعقيدتي أنه مدسوس على المسلمين في كتبهم وإلا فكيف يكون القرآن حينئذ معجزا واللفظ لمحمد أو لجبريل؟ ثم كيف تصح نسبته إلى الله واللفظ ليس لله؟ مع أن الله يقول:
حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة: 6].
إلى غير ذلك مما يطول بنا تفصيله.