الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- وقد قصّ الله تبارك وتعالى عن ذي القرنين الملك العادل ذلك بقوله جل وعلا:
قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً [الكهف: 94 - 95].
هـ- إيمان أفراد الشعب برسالة الدولة:
ولذا نجد أن الهدهد يعتز بقيامه بواجبه وعصيان سليمان قائد الجن والإنس فيقول:
أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل: 22 - 23].
ثم يلمح له بوجوب قتالهم لردهم إلى عبادة الله وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ [النمل: 24].
فخطاب الهدهد لسليمان ليس خطاب المذنب المهمل بل هو خطاب الذي رضى عن عمله واطمأن إلى أداء واجبه فهو لا يعبأ أن يخاطب أعظم قائد بلغة الحق القوي.
- ولهذا فإن الأمة التي لا يساوي رجالها هدهدا هي أمة غثاء وهباء، وإن الأمة التي هدهدها كهدهد سليمان تسود الأمم وتكون قدوة للأنام.
- وإن فساد العقيدة والعمل يخلق رجالا من أمثال رجال بلقيس يقولون لها: وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ [النمل: 33].
وهي لم تجمعهم إلا لتقول لهم: ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ [النمل: 32] فلم يسمعوها رأيا تستأنس به.
ومن لطائف هذه القصة:
1 -
بيان عاقبة الاستعمار، بقوله تعالى: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ [النمل: 34].
- فطنة بلقيس:
أ- لم تحاول رشوة سليمان بالمال بل أرسلت الهدايا لاختبار حقيقته. فإذا كان من الملوك رضي بالمال وإن كان من أصحاب العقيدة لم يقبل الأموال:
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ [النمل: 35].
ب- وحين نكروا عرشها وسألوها أهكذا عرشك قالت: كأنه هو. فلم تقل إنه هو فقد تركته وراءها فيدل ذلك على ضعفها، ولم تقل ليس هو لأنه غباوة وبلادة ذهن. وخرجت من ذلك بقولها: كَأَنَّهُ هُوَ [النمل: 42].
3 -
لقد كانت بلقيس عاقلة في إسلامها وشركها، قد علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس ولذلك قالت ونفذت: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ [النمل: 35].
4 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن نملة قرصت نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله تعالى إليه: «أفي أن قرصتك
نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح» رواه مسلم، وفي طريق آخر فهلا نملة واحدة أي: لا يجوز معاقبة البريء بل يعاقب المذنب فالعقوبات الجماعية لا يقرها الإسلام عند ما تشمل المذنب والبريء معا.
5 -
وفي قوله تعالى: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ [النمل: 20] لطيفة وهي أنه على الإمام أن يتفقد رعيته كما فعل عمر بن الخطاب والقصص مبسوطة في كتب السيرة.
6 -
وصفت ملكة سبأ كتاب سليمان بأنه كريم لأنه بدأ ببسم الله الرحمن الرحيم وفي الحديث: «كل كلام لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن
الرحيم فهو أجذم».
7 -
الملأ في هذه الآيات هم أشراف القوم ولهم مزية خاصة على غيرهم وهم بمقام الرفعة والسيادة ولذلك عضدت همزة الملأ بالواو والألف فكتبت الْمَلَؤُا [النمل: 29] لتدل على ذلك وهذا من دقائق الرسم القرآني المتعلق بالتفسير وقد أفرد له بحث خاص بهذا الكتاب.
8 -
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها ولا يقبل الصدقة، وكذلك الأنبياء ومنهم سليمان، سليمان لم يقبلها لأنها في الواقع رشوة، وكذلك بلقيس أرادت بها معرفته نبيا أو ملكا فإذا قبلها فهو ملك لا نبي لأنه ورد في كتابه: أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل: 31]، وهذا الموضع لا تقبل فيه هدية.
وصفة الهدية المقبولة هي التي تولد الحب والتواصل بين الناس:
هدايا الناس بعضهم لبعض
…
تولد في قلوبهم الوصالا
وتزرع في الضمير هوىّ وودا
…
وتكسبهم إذا حضروا الجمالا
9 -
في قول النملة: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل: 18]. دليل على عدل سليمان وجنوده ورحمتهم فإذا كانوا لا يدوسون نملة، فهل يقتلون أحدا ظلما؟! ولذلك تبسم سليمان ضاحكا من قولها سرورا بما سمع وأكد التبسم بالضحك لأنه يدل على السرور. أما إذا قال تبسم مطلقة فقد يدل على السرور أو الغضب نقول:
10 -
الحيوانات تفهم ولها لغات تتفاهم بها.
فالنمل حيوان فطن قوي شمام يدخر الحب ويشقه لئلا ينبت، ويتخذ القرى. ويشق الكزبرة أربعة أقسام لأنها تنبت إذا صارت قطعتين، ويأكل في عامه نصف ما جمع ويستبقي باقيه عدة. فتبارك الله أحسن الخالقين.
قصة من الحديث النبوي وهي قصة «أم زرع» .