الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسلوب من أساليب الدعوة بالقرآن الكريم
قال تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى: 52]. فالاهتمام بناحية الروح بالقرآن الكريم ينبغي أن يأخذ مكانه في قلوبنا وعقولنا وليس من المنطق أن نهتم بالروح في أجسام المخلوقات ولا نهتم بها في كلام الله تعالى فكلاهما من أمر الله عز وجل فالله يقول عن الروح في كتابه: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا.
ويقول عن الروح في الأجسام:
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 85].
- وقد أشار القرآن الكريم إلى إعجاز الألفاظ وإعجاز الروح بالقرآن الكريم بقوله: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج: 73].
وبقوله: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء: 88].
- فالقرآن الكريم روح وبه حياة القلوب والملكات فهي تنمو به وتقوى وتسمع وتبصر وتزيل العوائق التي تفصل بين القلب والقرآن الكريم، وآية واحدة كفيلة بتغيير حياة الإنسان بانتقاله من الضلال إلى الهدى.
ويروى عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال في سورة العصر: «لو ما أنزل الله حجة على عباده إلا هذه السورة لكفتهم» .
فالذي يلمس السلك الكهربائي من طرفه أو وسطه أو أي مكان منه تسري الكهرباء في جسمه وكذلك القرآن الكريم إذا خالطت آية منه القلب أحيت الإنسان ظاهرا وباطنا. فالقرآن حبل الله المتين فمن أي طرف أو مكان لمست هذا الحبل أثر بك، فطرفه بيد الله وطرفه الآخر بيد العباد فأي جزء أخذنا منه سرى سرّه في القلوب فارتجفت به وحييت.
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ [الزمر: 23].
- قد يقول قائل: فما فائدة القرآن كله إذا كانت آية واحدة كافية لحياة القلوب والجواب: إن مهمة القرآن الكريم ليست حياة القلوب فقط. إنما هي وضع مناهج العمل الذي تنتظم به الحياة حتى لا يضل المرء عملا واعتقادا أثناء سيره إلى الله. ويقول بعضهم «من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق» .
التصوف: حياة القلب والتفقه معرفة أحكام الله. ولذلك ورد في الحديث: «فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد» .
- وحياة القلوب تحدث بآية واحدة أو كلمة واحدة لأنها روح.
أما الأحكام فإن الله عز وجل يعلم من طبيعة تكويننا أن عقولنا لا تفقهها إلا وهي مفصلة. ولو كانت طبيعة العقول كطبيعة القلوب في تقبلها الحقائق والأحكام جملة واحدة في لحظة واحدة كلمح البصر لساق لنا الأحكام في آية واحدة. فليس المعول عليه في حياة القلوب مقدار ما نقرأ من القرآن الكريم ولكن كيف نقرأ القرآن الكريم فعلينا:
أ- أن نتدبره ونقرأه في خلوات الليل:
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء: 82].
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها [محمد: 24].
ب- ترك الهوى:
فكل هوى من الأهواء الدنيوية حجاب كثيف بين الإنسان وبين الله، وبين القلب وبين القرآن فحب المال حجاب وحب الأولاد حجاب وحب السلطة والرئاسة حجاب. وإعجاب المرء بعلمه وعمله حجاب.
قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران: 14].
وقال تعالى: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً [الإسراء: 45].
ج- أن نؤمن ونقر بعبوديتنا لله:
ولذلك وصف الله رسوله بالعبودية في أعظم رحلة سماوية بالإسراء والمعراج: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء: 1].
والعبودية تقتضي تنفيذ أمر الله بحب ورضا وطواعية وتحمل للصعاب.
د- الكلام صفة المتكلم والله قد تكفل بكل صفات الكمال والجلال قال الإمام جعفر الصادق: «لقد تجلّى الله عز وجل لخلقه في كلامه ولكنهم لا يبصرون» .
هـ- أن نقرأ القرآن الكريم وكأننا نسمعه من الله تعالى وابسط مقتضيات هذا أن نصغي إلى هذا المتكلم العظيم ونحسن الاستماع والإنصات إليه لقوله تعالى: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الاعراف: 204]. فالقرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض.
- من آيات الدعوة بالقرآن الكريم: أكتفي بنصين من نصوص القرآن الكريم.
1 -
الأول قوله تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل: 125].
2 -
الثاني قصة مؤمن آل فرعون: وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ (29) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (31) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ [غافر: 28 - 34].
وقال في نفس السورة أيضا: وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40) * وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (44) فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ [غافر: 38 - 45].