الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12 - الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم:
القرآن كلام الله تعالى وهو يخاطب جميع الأجناس والأقوام في شتى حالاتهم النفسية التي يمرون بها فهو يخاطب الحزين والمغضب، والحاكم والمحكوم، والعربي
والعجمي، والذكر والأنثى، والمتعصب والمعتدل .... وإذا دخلت إلى حلقة يتلى فيها القرآن بمسجد من المساجد وجدت فيها أكثر من مرّ ذكرهم وكلهم معجب بهذا القرآن وراض به، بينما لا يستطيع أي شخص أن يخاطب بكلامه فئات مختلفة من الناس وهم في ظروف نفسية متباينة بكلام واحد يعجبهم جميعا ويرضون عنه كلهم. فلا يستطيع أن يرضي المتعلمين والأميين والسعداء والمحزونين بكلام واحد في آن واحد.
فالله سبحانه أعلم بمخلوقاته من علمهم بأنفسهم وقد كان أبو بكر الصديق إذا مدحه أحدهم قال: اللهم أنت أعلم بي من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرا مما يظنون ولا تؤاخذني بما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون.
ولهذا فإن السعيد يجد في القرآن ما يكمل سعادته، والحزين يجد فيه ما يخفف حزنه. والمصاب يجد فيه ما يهوّن عليه مصابه، والمتعلم يجد فيه ما يزداد به علما.
وإذا سألت شخصا ما الذي أعجبك في القرآن؟ فإنه يجيب جوابا عاما مختلفا عن غيره لبيان تأثير القرآن في كل النفوس، فكل النفوس تتأثر بهذا القرآن الكريم.
وقد عرف المشركون ذلك وخشوا الاستماع إليه لتأثيره في نفوس الأصدقاء والأعداء.
وقد بين لهم القرآن الكريم أنه يتألف من حروف هي حروفهم فبضاعته نفس بضاعتهم، وكلماته نفس كلماتهم. فلماذا لم تأتوا بكتاب مثله؟
فقالوا: إن الله صرفنا عن ذلك، فاعترفوا بهزيمتهم أمامه، لكنهم نسبوا ذلك إلى الصرفة عنه. ثم قالوا: إن هذا القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم لا من عند الله تعالى. ولو أنه أنزل على أحد رجلين عظيمين هما عمرو بن هشام (أبو جهل) وعروة بن مسعود الثقفي لآمنا به، لأن محمدا شخص فقير وليس من عظمائهم وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) [الزخرف: 31 - 32].
ثم أخذوا يطعنون بمحمد صلى الله عليه وسلم فيقولون عنه شاعر كاهن، ساحر، فقير، وهم يعلمون الفرق بين القرآن والشعر ولهذا رد عليهم بقوله: وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (41)[الحاقة: 41].
وهذا هو الكفر وستر الحقائق وإخفاؤها، ولأنه للشعر قواعد معروفة فلا تخفى على من يهتم بالشعر.
وقالوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم كاهن وهم يعلمون الفرق بين القرآن وكلام الكهان، ولذا رد عليهم بقوله: وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (42)[الحاقة: 42].
ولأن الكاهن ينسى ما يقوله فاستعمل كلمة تذكرون.
وقالوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ساحر أتى به فلماذا لم يستعملوا السحر ويأتوا بمثله.
وكذلك قالوا عنه مفتر أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13)[هود: 13]، فافتروا كما افترى بزعمكم.
والانتقال من النثر إلى الشعر بأقوال البشر يعرف مباشرة، ولكن في القرآن آيات موزونة وفقا لموازين العروض ضمن سياق النصوص ولكن لا يشعر أي قارئ لكتاب الله أنه ينتقل من النثر إلى الشعر أو العكس كقوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)[الأنفال: 38].
فعبارة: (إن ينتهوا يغفر لكم ما قد سلف) وزنها: مستفعلن مستفعلن مستفعلن من بحر الرجز ولكن لا تحس بهذا الانتقال من الشعر إلى النثر لأن القرآن الكريم ليس شعرا ولا نثرا ولا خطابة ولا سحرا ولا كهانة، بل هو نسيج وحده لأنه كلام الله الواحد الأحد لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) [الشورى: 11].
وهذا مثال آخر عن الكلام الموزون في القرآن الكريم، ولكن عند ما يقرأ لا يحس القارئ بالانتقال من النثر إلى الشعر ومن الشعر إلى النثر.
قال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (47) لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (48) نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52)[الحجر: 45 - 52].
فعبارة: (نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم) موزونة كوزن الشعر ولا نحس بالانتقال من النثر إلى الشعر ثم من الشعر إلى النثر.
أما افتتاح السور بالحروف المقطّعة، فرجل أمي كمحمد صلى الله عليه وسلم يذكر لهم اسم الحرف (ألف- لام- ميم- كاف- ها- يا- عين- صاد) والإنسان الأمي قد ينطق الكلام، وقد ينطق الشعر والنثر ولكنه لا يستطيع أن يأتي بالحروف التي تتكون منها الكلمات. فإذا سألت أميا عن شيء فقلت له: ما
هذا؟، فقال: هذا كتاب. فقلت له: ما أحرف كلمة كتاب؟ لا يستطيع أن يجيبك. هذا هو التحدي بهذه الأحرف. وقد عجزوا سابقا أن يأتوا بمثل هذا القرآن، والآن يتحداهم القرآن بهذه الأحرف فيقول: هذه الأحرف أمامكم فألّفوا منها قرآنا، فإن عجزتم فاعلموا أنه من عند الله تعالى.
ولما كان لكل مقام مقال، فكلام القرآن الكريم موافق لكل المقامات ولكل الأجناس ولكل الحالات في كل زمان ومكان.
وهذه بعض الأمثلة عن أعجاز القرآن الكريم في كلماته:
قال تعالى في سياق غزوة بدر: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ
(11)
[الأنفال: 11].
وقال تعالى في سورة آل عمران: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154)[آل عمران: 154].
فقد قال في الأنفال: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وقال في آل عمران: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً حيث قدم القرآن الكريم النعاس في الأنفال وفي سياق غزوة بدر لأن المسلمين كانوا خائفين ويتوقعون هجوم المشركين عليهم في كل لحظة وهم في حال تعب شديد، فغشاهم النعاس ليأمنوا من الخوف ويناموا لأن الخائف لا ينام.
أما في آية آل عمران فقد كانت المعركة محتدمة في أحد والمسلمون يقاتلون فأمنهم أولا، وغشاهم النعاس ثانيا حتى كان سيف أحدهم يسقط من يده ولا يشعر. فهنا الخوف موجود فعلا وهنا لك ببدر توقع الهجوم، فالخوف متوقع فهو يداعب أفكارهم.
ومنه قوله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88)[الإسراء: 88].
وقال: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ (33)[الرحمن: 33].
ففي الأولى والتحدي بالقرآن قدم الإنس على الجن لأن الرسول صلى الله عليه وسلم من الإنس وجاء يتحداهم أولا والجن تبع لهم.
أما في سورة الرحمن فقوة الجن أقوى من قوة الإنس وقدرة الجن على الحركة في الكون أقوى وأسرع ولذلك جاء ذكرهم أولا.
ومنه قوله تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139].
وقال: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (35)[محمد: 35].
ففي الآية الأولى أمران غير جائزين منهي عنهما باستمرار ولذلك سبق الأمران بلا الناهية لكل منهما.
وأما في الآية الثانية: استعمل لا الناهية بقوله (فلا تهنوا) ولم يستعملها مع (وتدعوا) فلم يقل (ولا تدعوا) لأنه لو قال ذلك لفهم منه أن الدعوة إلى السلم لا تجوز بكل حال مع أن القرآن الكريم أجاز السلم أحيانا ومنعه
أحيانا حسب وضع المسلمين. وقد قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)[البقرة: 208].
ومنه قوله تعالى في اليهود: وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ [المائدة: 64]. فالعداوة تقع بين اليهود وتتأجج بشدة لأدنى الأسباب أما العداوة بين النصارى فهي ملصقة. فالغراء مادة لاصقة ولذلك العداوة لا تنفك عن النصارى. كما نجد ذلك بالواقع فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ [المائدة: 14].
ومنه قوله تعالى: سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ [الأنفال: 12].
وهذا في سياق غزوة بدر لأن المشركين كانوا في العراء بأرض مكشوفة.
وقال تعالى في يهود بني النضير وقد كانوا متحصنين في حصون منيعة ولذلك كانوا لا يتوقعون مهما حاصرها المسلمون، ولهذا لم يكونوا خائفين، فقال: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (2)[الحشر: 2].
لذا قال: وقذف في قلوبهم الرعب، فكأنها طلقات وقنابل تقذف من بعيد ولكنها قنابل خوف تدخل إلى قلوبهم، ولذا استعمل كلمة (قذف) بينما استعمل في بدر (سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب).
ومنه قوله تعالى في أموال السفهاء: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (5)[النساء: 5].
وفي أموال القسمة: وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (8)[النساء: 8]. لأن (فارزقوهم فيها) أي تاجروا لهم فيها ونموها حتى لا يذهب أصلها. بينما في الآية الأخرى أعطوهم شيئا من الميراث صدقة ولذلك قال: (منه)، وقال في الأولى (وارزقوهم فيها) وهذا هو الفرق.
ومن ذلك قوله تعالى: فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ [هود: 36].
ويقول: فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [يوسف: 69].
فالفعل يكون مقصودا وغير مقصود بدليل قوله تعالى بعدها: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (38)[هود: 38].
أما كلمة (يعلمون): فالعمل لا يكون إلا مقصودا. فقد ألقوا يوسف في الجب وقالوا عن أخيه: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ [يوسف: 77].
ومن ذلك قول الله تعالى: كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5)[النبإ: 4 - 5] فاستعمل حرف السين (سيعلمون) لأنهم في الدنيا فالعلم بذلك قريب.
وأما قوله تعالى: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4)[التكاثر: 1 - 4] وسوف للزمن البعيد لذا استعملها لأن العلم بذلك سيكون بعد الموت لا قبله.
الأمثلة السابقة نماذج للعلاقة بين الكلمة والكلمة، وهذا مثال مبسط للعلاقة بين السور.
فلنأخذ على سبيل المثال سورتي الضحى والشرح وهما سورتان متتابعتان بالقرآن الكريم. رقم الأولى (93) ورقم الثانية (94).
قال تعالى: وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (7) وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)[الضحى: 1 - 11].
فقد امتن الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بثلاث. وثلاث منهن:
1 -
الاستقرار النفسي: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6) 2 - الاستقرار الفكري: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (7).
3 -
الاستقرار الاقتصادي: وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى (8).
وقال تعالى في سورة الشرح: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)[الشرح: 1 - 8].
فقد امتن عليه بثلاث منهن أيضا:
1 -
شرح صدره أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1).
2 -
وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (2).
3 -
وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (4).
وهي تقابل النعم الثلاث المذكورة في سورة الضحى. وهذه النعم الست ليس فوقها أي نعمة أخرى.