الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعجزة الكبرى حروف التهجي النورانية المقطعة
تعريفها- معانيها- أسرارها الإعجازية
أ- تعريفها: في عددها وتوزيعها
1 -
عدد أحرف المعجزة الكبرى هو أربعة عشر حرفا بعد حذف المكرر والمجموعة في الجملة «نص حكيم له سر قاطع» ، مفصلة كما يلي:
- الحرفان الأولان هما: «أ- ح» من التسعة احرف الأولى الهجائية:
«ا- ب- ت- ث- ج- ح- خ- د- ذ-» - الخمسة الوسطية: «ر- س- ص- ط- ع» من العشرة أحرف الهجائية التي بعدها: «ر- ز- س- ش- ص- ض- ط- ظ- ع- غ-» - والسبعة الأخيرة: «ق- ك- ل- م- ن- هـ- ي-» وذلك من الأحرف التسعة المتبقية: «ف- ق- ك- ل- م- ن- هـ- وي-» .
2 -
عدد هذه الحروف النورانية المقطعة يساوي نصف عدد حروف الهجاء الثمانية والعشرين من غير الألف فهو من حروف المعجزة الكبرى.
3 -
فيها نصف حروف الهمس العشرة المجموعة بقولنا:
«فحثه شخص سكت» وهي: «ح- هـ- ص- س- ك» - وفيها نصف حروف الجهر، وحروف الجهر ما بقي بعد حروف الهمس لأنهما صفتان متضادتان وعددها ثمانية عشر حرفا ونصفها تسعة
أحرف موجودة في أوائل السور وهي: «أ- ط- ي- ل- م- ن- ع- ق-- ر» .
- فيها نصف حروف الشدة: «أجد قط بكت» ففيها أربعة منها هي:
- وفيها نصف حروف الرخاوة، وحروف الرخاوة ما بقي بعد حروف الشدة وعددها عشرون حرفا ففيها عشرة أحرف منها هي «ح- م- س- ع- ل- ي- ن- ص- ر- هـ» .
- حروف الإطباق أربعة هي: «ص- ض- ط- ظ» ونصفها من الحروف النورانية: «ص- ط» .
- عكس الإطباق: الانفتاح، أحرفه أربعة وعشرون حرفا بعد حذف حروف الإطباق، ونصفها اثنا عشر حرفا من الحروف النورانية وهي:
«ح- ر- س- ع- ق- ك- ل- ن- هـ- ي- أ- م» .
- حروف الحلق ستة هي: «أ- هـ- ع- ح- غ- خ» .
ونصفها نورانية هي: «هـ- ح- ع» .
- والأحرف غير الحلقية اثنان وعشرون حرفا نصفها نورانية وهي:
«ن- ق- ص- ل- م- ي- س- ك- ط- ر- أ» .
وبالاستقراء يمكننا استنتاج الكثير من أسرار هذه الحروف النورانية فهي من أسرار هذا القرآن الكريم.
ب- معانيها: لم يستطع أحد من العلماء الجزم بمعاني هذه الحروف ولذلك قيل فيها الكثير، من ضمنها بعض المعاني الجديدة التي لم تكن معروفة قبل ذلك ومن هذه المعاني القديمة والحديثة ما يلي:
- أولا: هذه الحروف للتحدي والإعجاز فلقد خاطب القرآن الكريم العرب وهم أهل الفصاحة والبلاغة وتحداهم في نفيس بضاعتهم التي أقاموا لها الأسواق الأدبية كسوق عكاظ وغيره، وعلّقوا أشعارهم على جدار الكعبة تحت اسم المعلّقات، فكأنه يتحداهم بأن هذا القرآن يتألف من هذه الأحرف التي تتكلمون بها فإن كنتم لا تصدقون أنه من عند الله فأتوا بكتاب مثله، أو بحديث مثله، أو بسورة مثله، فإن عجزتم فاعلموا أنه من عند الله القوي القاهر، وليس من عند محمد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم وهو بشر مثلكم، وكثير من الآيات في القرآن الكريم ما تشير إلى ذلك منها:
- قال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (24)[البقرة: 24]- قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء: 88].
- قال تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [هود: 13]- قال تعالى: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ [الطور: 34]- ثانيا: قال بعض العلماء هي اسم من أسماء الله تعالى يفتتح بها السور، فكل حرف منها دلّ على اسم من أسمائه، وصفة من صفاته، فالألف مفتاح اسم:
(الله)، واللام مفتاح اسمه:(اللطيف) والميم مفتاح اسمه: (المجيد).
- ثالثا: هي سرّ الله في القرآن ولله في كل كتاب من كتبه سر، فهي من المتشابه الذي انفرد الله تعالى بعلمه، ولا يجوز أن نتكلم فيها ولكن نؤمن
بها ونقرأ كما جاءت (1).
- رابعا: للتنبيه وجذب القلوب قال قطرب:
- كان المشركون ينفرون عند استماع القرآن، فلما سمعوا: الم والمص استنكروا هذا اللفظ، فلما أنصتوا له صلى الله عليه وسلم أقبل عليهم بالقرآن المؤتلف ليثبته في أسماعهم وآذانهم ويقيم الحجة عليهم.
- خامسا: قال بعضهم: «هي السبع المثاني» على اعتبار أن القرآن الكريم هو السبع المثاني كله، أو بعضه وهي من هذا البعض، فنصفها وهي أحرف «ك- م- ن- ق- ص- س- ل» تمدّ مدا زائدا لازما بمقدار ست حركات. والأحرف الباقية وهي سبعة أيضا «ا- ح- ي- ط- هـ- ر- ع» منها ستة تمد بمقدار حركتين فأما الألف بسكتة لطيفة بمقدار حركتين فهو سر المعجزة، كما قرأ أبو جعفر: الم وسائر حروف التهجي من أوائل السور بسكتة يسيرة يفصل بعضها عن بعض وسواء كانت على حرف واحد أو أكثر من ذلك، والباقون لا يسكتون في ذلك ولا يفصلون والله الموفق.
ملاحظة:
أ- افتتحت سورة الشورى بالأحرف حم (1) عسق (2) وعددها بالرسم القرآني خمسة أحرف، كما افتتحت سورة مريم بالأحرف كهيعص وعددها خمسة أحرف أيضا.
وقد عدّت أحرف سورة الشورى آيتان بينما عدت أحرف مريم آية واحدة لحكمة لا يعلمها إلا الله، وإذا عددنا أحرف سورة الشورى نطقا
(1) تفسير القرطبي- صفحة (133).
وجدناها أربعة عشر حرفا، بينما نطق أحرف سورة مريم يساوي ثلاثة عشر حرفا، ولعل في سورة الشورى إشارة إلى السبع المثاني وهو ما طابق حسابنا أن الأحرف الأربعة عشر في فواتح السور:«هي السبع المثاني» وهذا هو السرّ العظيم.
ب- هذا وإن الحروف المقطعة في فواتح السور هي حروف معاني خاصة وليست حروف مباني، والفرق بين الأمي والمتعلم هو أن الأمي ينطق مسمّى الحرف والمتعلم ينطق باسم الحرف وصوته، فكيف لنبي أمي ينطق باسم الحرف وصوته وهو لم يتعلم من البشر حرفا واحدا لا قراءة ولا كتابة؟. أقول وبالله التوفيق: هذا هو إعجاز القرآن الكريم المطلق، حيث إن هذه الحروف بالذّات مقطعة لها رسم خاص بها موصولة ونطق خاص بها مقطعة باسم الحرف.
ج- كل القرآن الكريم مبني على الوصل في آخر كل آية وسورة، أما الحروف المقطعة فهي مبنيّة على الوقف بالسكون لكل حرف من هذه الحروف المقطعة.
- سادسا: لم ترد كل هذه الأحرف المقطعة مجموعة في أول القرآن، وإنما كررت ليكون أبلغ في التحدي والتبكيت كما كررت قصص كثيرة، وكرر التحدي الصريح في أماكن (1)، منها ما جاء على حرف واحد مثل:
ص، وحرفين مثل: حم، وثلاثة أحرف مثل: الم، وأربعة أحرف مثل: المص، وخمسة أحرف مثل: كهيعص لأن أساليب كلامهم منها ما هو على حرف واحد، وعلى حرفين، وعلى ثلاثة، وعلى أربعة، وعلى خمسة، ولا أكثر من ذلك.
(1) والتكرار في القرآن لا يسمّى تكرارا إنما هو تأسيس لمعنى جديد.
- سابعا: نقلا عن الإمام ابن كثير، ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف المقطعة فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء في تسع وعشرين سورة مثل: الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة: 1 - 2] الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ [آل عمران: 1 - 2] المص (1) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ [الأعراف: 1 - 2] الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ [السجدة: 1 - 2] حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2)[فصلت: 1 - 2]، وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر. [اه]- فواتح السور المبتدئة بالأحرف المقطعة التسعة والعشرين هي:
1 -
الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2)[البقرة: 1 - 2].
2 -
الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ [آل عمران: 1 - 4].
3 -
المص (1) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)[الأعراف: 1 - 2].
4 -
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ [يونس: 1] 5 - الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود: 1].
6 -
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: 1 - 2].
7 -
المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ [الرعد: 1].
8 -
الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [إبراهيم: 1].
9 -
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ [الحجر: 1].
10 -
طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (2)[طه: 1 - 2].
11 -
طسم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2)[الشعراء: 1 - 2].
12 -
طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ [النمل: 1].
13 -
طسم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2)[القصص: 1 - 2].
14 -
الم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (2)[لقمان: 1 - 2].
15 -
الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (2)[السجدة: 1 - 2].
16 -
يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)[يس: 1 - 2].
17 -
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ص: 1] 18 - حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2)[غافر: 1 - 2].
19 -
حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)[فصلت: 1 - 3].
20 -
حم (1) عسق (2) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ (3)[الشورى: 1 - 3].
21 -
حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً (3)[الزخرف: 1 - 3].
22 -
حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي (3)[الدخان: 1 - 3].
23 -
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)[الجاثية: 1 - 2].
24 -
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)[الأحقاف: 1 - 2].
25 -
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق: 1].
26 -
كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)[مريم: 1 - 2].
27 -
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا (2)[العنكبوت: 1 - 2].
28 -
الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2)[الروم: 1 - 2].
29 -
ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ [القلم: 1].
فالنصوص القرآنية السابقة: من «1 الى 19» ومن «21 - 25» تشير إلى القرآن الكريم صراحة.
أما النصوص الخمسة الباقية: فتخبر بأشياء غيبيّة كما جاء في سورتي:
- مريم: من ذكر قصة زكريا ويحيى عليهما السلام.
- وسورة الروم: انتصار الروم وهم أهل كتاب على الفرس الوثنيين في بضع سنين.
- وسورة العنكبوت فتطلب من الذين آمنوا بهذا القرآن وبالنبي صلى الله عليه وسلم أن يصبروا على الأذى.
- أما سورة القلم فتبين أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان «خلقه القرآن» .
فهذه النصوص الخمسة فيها إشارة إلى القرآن الكريم بأسلوب خفيّ كما هو الإعجاز في سورة الشورى، رقم 20 من هذا التسلسل التي تحتوي على أربعة عشر حرفا عند النطق بها دون باقي السور المعجزة.
- ثامنا: هذه الأحرف المقطعة سر من أسرار الله تعالى ولا يستطيع
الجزم بمعانيها أحد، وكذلك الأحرف السبعة الأولى والثانية التي نزل عليها القرآن كما جاء في الحديثين الصحيحين لم يستطع أحد أيضا أن يجزم بمعانيها ولذلك يمكن الربط بينها.
- تاسعا: هذه الأحرف أزلية في رأي كثير من العلماء لأنها من كلام الله الأزلي القديم، وإن الاعتقاد بأزلية هذه قد أحاطها بجو من التورع عن تفسيرها والتخوف من إبداء رأي صريح فيها، فهي من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله كما قال فيها الشعبي:«سرّ هذا القرآن» .
وفي هذا المعنى قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: «إن لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي» .
وقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «في كل كتاب سر، وسر القرآن في فواتح أوائل أوائل السور» .
ونقل أهل الأثر عن ابن مسعود والخلفاء الرّاشدين رضي الله عنهم:
«أن هذه الحروف علم مستور وسر محجوب استأثر الله به» .
حتى الّذين خاضوا في معنى هذه الفواتح لم يدلوا فيها برأي قاطع، بل شرحوا وجهة نظرهم فيها مفوضين تأويلها الحقيقي إلى الله.
وأزلية هذه الأحرف ما انفكت- على سائر الأقوال- تحيطها بالسرية، وسريتها تحيطها بالتفسيرات الباطنية، وتفسيراتها الباطنية تخلع عليها ثوبا من الغموض لا داعي له، ولا معول عليه، وأدخل تلك الآراء في معنى الغموض قول من عدّ هذه الحروف على كرامة شخص أو شيعة معينة.
فها هو ذا السهيلي يقول: لعل عدد الحروف التي في أوائل السور مع حذف المكرر للإشارة إلى بقاء هذه الأمة.
وها هو ذا الحويبي يروي أن بعض الأئمة استخرج من قوله تعالى:
الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) أن بيت المقدس يفتحه المسلمون في سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة، ووقع كما قال.
ويروي العز بن عبد السلام أن عليا رضي الله عنه استخرج واقعة معاوية من: حم (1) عسق (2).
ورأي بعض الشيعة في مجموعة هذه الفواتح إذا حذف المكرر فيها ما يفيد أن «صراط علي حق نمسكه» فيرد عليهم بعض السنّيين الظرفاء بخطاب مستنبط من الفواتح نفسها بحروفها ذاتها غير المكررة «صح طريقك مع السنّة» (1) كما توجد تفسيرات كثيرة لمعاني الحروف النورانية ولم يستطع أحد الجزم بمعانيها فهي سر من أسرار الله تعالى.
ج- أسرارها الإعجازية: إن سرّ حروف المعجزة لفواتح السور يكمن بالرسم العددي في المستفتح به وحيا بالنزول ليكون رمزا للإعجاز رغم تكرار البعض منها لأن رسمها شيء والنطق بها شيء آخر ليكون رمزا للإعجاز الذي فتح الله علينا بمعرفة حقيقته بالبراهين.
- فرسم الحرف الواحد منها جاء في ثلاث صور هي: ق- ص- ن فالنطق بكل حرف منها يتكون من ثلاثة أحرف- أي:
«قاف- صاد- نون» - رسم الحرفين جاء في عشر سور ولكن سورة طه انفردت بنطق خاص عن باقي السور لأن النطق بكل حرف منهما اثنان فيصير مجموعة أربعة أحرف لذا جاء انفرد خصوصيتها استفتاحا نور على نور بل إعجاز ما
(1) مباحث في علوم القرآن- الدكتور صبحي الصالح صفحة 237.
بعده إعجاز، أمام أخواتها من السور المستفتحة من حرفين رسما لأنها تنطق بخمسة أحرف وهي:
- «حم» ، أي: حا- ميم.
- «طس» ، أي: طا- سين.
- «يس» ، أي: يا- سين.
لذا نثبت أن حم فقط وردت في القرآن الكريم: ست مرات وطس: مرة واحدة ويس: مرة واحدة وعليه يصبح المجموع العددي لرسم الحرفين: ثمانية- رسم الثلاثة الأحرف: سبعة، الر: استفتح بها خمس سور قرآنية، وطسم: استفتح بها سورتين:
- الأولى: تنطق بثمانية أحرف، أي:«الف- لام- را» .
- الثانية: أيضا تنطق بثمانية أحرف، أي:«طا- سين- ميم» .
- أما الم: في ست سور لأنها توافق الرسم الثلاثي بحروفها فهي الإعجاز الذي يحمل في طياته جلّ الأسرار العددية رسما كما وردت استفتاحا في ست سور ولأن الألف بسكتة واللام وردا ثلاث عشرة مرة في فواتح السور القرآنية معا.
فرسمها: الم ونطق الألف بسكتة مستقلة بحركتين، واللام نمدها بست حركات، والميم أيضا «الف- لام- ميم» ، أي من تسعة أحرف.
- رسم أربعة الأحرف: اثنان، توجد سورتان في القرآن الكريم يفتتح بهما المر و: المص.
- فرسم الأولى: المر ونطقها بأحد عشر حرفا، أي:«الف- لام- ميم- را» .
- ورسم الثانية: المص فنطقها اثنا عشر حرفا، أي الألف بسكتة مقدار حركتين:«الف- لام- ميم- صاد» .
وهنا يمكن السر الأعظم في الإعجاز لورود كل منهما مرة واحدة.
- رسم خمسة الأحرف: اثنان، الأولى: في سورة مريم: كهيعص آية واحدة، أما الثانية: في سورة الشورى حم (1) عسق (2) فنطق سورة مريم: «كاف- ها- يا- عين- صاد»
هو ثلاثة عشر حرفا.
ونطق سورة الشورى: «حا- ميم- عين- سين- قاف» هذا هو سر الإعجاز وهو بأربعة عشر حرفا.
وبكل ما تقدم نرجو من الله أن نكون ممن وفينا حق الأسرار وحقيقة هذه الحروف المعجزة الكبرى بالأدلة القاطعة على أن عدد حروف اللغة العربية الفصحى هو تسعة وعشرون حرفا كما هو الرسم القرآني التوقيفي عن رب العزة، لا ثمانية وعشرون كما يتعلم بها دون إدراك سرها في الإعجاز معنى وتدريسا.
وللتوضيح: فالسبعة أحرف الأولى في فواتح السور القرآنية التي استجمعتها كلمة: «سنقص لكم» ، أي:«ك- م- س- ل- ن- ق- ص» قد أجمع العلماء على مدّها ست حركات هذه الأحرف السبعة الأولى.
- سبعة الأحرف الثانية التي استجمعتها كلمة: «حي عا طهر» أي: «ح- ي- ع- ا- ط- هـ- ر» . فمنهم من عدّها خمسة؛ وهؤلاء أجمعوا عى مدّ الخمسة منها حركتين مدا طبيعيا بدون حرفي «أ- ع» للأسباب التالية:
- حرف العين مختلف في مدّه، فمنهم من قال: يمدّ حركتان ومنهم من قال: يمدّ أربع حركات لأنها حسبت من مدّ حروف اللين والشاطبي (1) في نظمه قال:
ومدّ له عند الفواتح مشبعا
…
وفي عين الوجهان (2) والطّول فضّلا
- أما حرف الألف فهو مقصور بلا خلاف، أي: ما كان على ثلاثة أحرف وليس فيه حرف مدّ ولين (3). فهو السر لهذا الحرف الألف بالذات لأنه له نطق خاص بسكتة لطيفة باسم الحرف.
وعليه فإن سبعة الأحرف الأولى عند هؤلاء قد أصبحت ثمانية أحرف بإضافتهم لها حرف العين كما جاء في كتبهم نصا وروحا؛ بل متنا وشرحا لاستجماعها بقولهم: «عسل كم نقص» أي: «ع- س- ل- ك- م- ن- ق- ص» وسبعة الأحرف الثانية قد أصبحت عندهم خمسة أحرف بإسقاطهم حرفي الألف والعين كما تقدم والمجموعة بكلمة «حيّ طهر» أي: «ح- ي- ط- هـ- ر» .
فالصواب عندنا: حرف العين أولى سورتي مريم والشورى هو الإعجاز
(1) متن الشاطبية ص 29.
(2)
اي: من حروف الفواتح في كهيعص إشارة الى اشباع المدّ وهو المراد بالطول، والى عدم الاشباع وهو التوسط، ثم قال: والطول فضّلا، يعني: الاشباع أفضل من التوسط، وهذا الوجهان بجميع القراء [اهـ الشاطبية ص 60].
(3)
المرجع السابق.
الذي نحن بصدده، وكما بينّا في سبعة الأحرف الثانية أنه يمدّ حركتين فقط.
وأما حرف الألف فهو أول حرف من حروف هذا الإعجاز كما جاء في أول سورة البقرة، لأن النطق به: سكتة ساكنة بمقدار حركتين بدون تنفس، وممن سبقنا في نطقه بهذه الصورة هو أحد القراء العشر، أبو جعفر يزيد بن القعقاع المتوفى عام 130 هـ (1)، الذي أخذ عن عبد الله بن عياش وأبي هريرة وعن أبي ابن كعب رضي الله عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وأن العلامة الشيخ محمد متولي شعراوي رحمه الله قد نطق به في تفسيره لفواتح السور القرآنية، والحجة عندنا بالدليل والبرهان عن قوله صلى الله عليه وسلم:«لا أقول لكم- الم- حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» صدق رسول الله فيما قال عليه الصلاة والسلام.
فهذا هو النطق الصحيح لهذا الحرف بالذات لأنه من حروف المعجزة الكبرى.
وعليه لا بدّ من أن نستمد حساباتنا من هذه الحروف المعجزة التي حدّدت المدّ لكل منها كما تقدم:
- فحرف الألف الوارد بفواتح السور ثلاث عشرة مرة: ينطق بالسكون بسكتة لطيفة بمقدار حركتين باسم الحرف.
- أما حرف العين في سورتي مريم والشورى: يمدّ حركتين فقط لأنه ليس من حروف السبعة معجزة التي تمد ست حركات فهي سبعة فقط.
(1) انظر ترجمته في طبقات القراء ج 2/ 382، ومعرفة القراء جزء 1/ 58 وتقريب النشر صفحة 70.