الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نكاح الضيزن:
وهذه النظرة المتقدمة بالنسبة إلى الزوجة، دفعت إلى نكاح أطلق عليه المسلمون "نكاح المقت"، وعرف بـ"نكاح الضيزن" كذلك. وهو نكاح معروف من أنكحة الجاهليين. "وذلك أنهن في الجاهلية كانت إحداهن إذا مات زوجها كان ابنه أو قريبه أولى بها من غيره ومنها بنفسها، إن شاء نكحها، وإن شاء عضلها فمنعها من غيره ولم يزوجها حتى تموت"1. وظل هذا شأنهم إلى أن نزل الوحي بتحريم ذلك2. وقد تناوب ثلاثة من "بني قيس بن ثعلبة" امرأة أبيهم، فعيّرهم بذلك "أوس بن حجر التميمي"، إذ قال:
والفارسية فيهم غير منكرة
…
فكلهم لأبيه ضيزن سلف3
وهذا الزواج على أنه كان معروفًا وقد مارسه أناس معروفون كان ممقوتًا من الأكثرية، ولذلك عرف بـ"زواج المقت"، وأطلقوا على الرجل الذي يخلف امرأة أبيه إذا طلّقها أو مات عنها وقيل من يزاحم أباه في امرأته "الضيزن". وقالوا للولد الذي يولد من هذا الزواج مقتي ومقيت4.
وطريقة أهل "يثرب" في إعلان دخول زوجات المتوفى في ملك الابن أو الأخ أو بقية الأقرباء من ذي الرحم إذا لم يكن للمتوفى أبناء أو أخوة، وهو بإلقاء الوارث ثوبه على المرأة، فتكون عندئذ في ملكه، إن شاء تزوجها، وإن شاء عضلها، أي: منعها من الزواج من غيره حتى تموت، فيرث ميراثها، وإلا
1 تفسير الطبري "4/ 207"، روح المعاني "4/ 245 وما بعدها"، سنن أبي داود "2/ 230"، تفسير المنار "4/ 452 وما بعدها"، السنن الكبرى "7/ 161 وما بعدها"، الطبرسي "4/ 207 وما بعدها"، النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير "1/ 104".
2 سورة النساء، الآية 22، {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} ، الزبيري، نسب قريش "99 وما بعدها".
3 تاج العروس "9/ 264"، "ضزن"، بلوغ الأرب "2/ 52"، المحبر "325".
4 "ولد المقت"، المبسوط للسرخسي "4/ 198"، تاج العروس "1/ 585"، "مقت"، النهاية "4/ 108"، تفسير المنار "4/ 464 وما بعدها"، اللسان "2/ 90"، "مقت".
أن تفتدي نفسها منه بفدية ترضيه1.
وقال "الطبري" في تفسير: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} : "كانت الوراثة في أهل يثرب بالمدينة ههنا، فكان الرجل يموت فيرث ابنه امرأة أبيه كما يرث أمه لا يستطيع أن يمنع. فإن أحب أن يتخذها اتخذها كما كان أبوه يتخذها. وإن كره فارقها. وإن كان صغيرًا حبست عليه حتى يكبر فإن شاء أصابها وإن شاء فارقها، فذلك قول الله تبارك وتعالى: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} 2 وذكر "أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها"، وورد عن "السدي" قوله: "إن الرجل في الجاهلية كان يموت أبوه أو أخوه أو ابنه، فإذا مات وترك امرأته، فإن سبق وارث الميت، فألقى عليها ثوبه، فهو أحق بها أن ينكحها بمهر صاحبه أو ينكحها فيأخذ مهرها، وإن سبقت فذهبت إلى أهلها فهم أحق بنفسها"3.
وقال "الضحاك": "كانوا بالمدينة إذا مات حميم الرجل وترك امرأة ألقى الرجل عليها ثوبه فورث نكاحها وكان أحق بها، وكان ذلك عندهم نكاحًا، فإن شاء أمسكها حتى تفتدي منه. وكان هذا في الشرك"4. وروي عن "ابن عباس" أنه قال: "كان الرجل إذا مات وترك جارية، ألقى عليها حميمه ثوبه فمنعها من الناس، فإن كانت جميلة تزوجها، وإن كانت قبيحة حبسها حتى تموت فيرثها"5. فلهذا الظلم الفادح الذي كان ينزل بالمرأة بسبب ضعفها وبسبب عرف الجاهلية في الحق، منع ذلك في الإسلام.
قال "محمد بن حبيب": "وكان الرجل إذا مات، قام أكبر ولده فألقى ثوبه على امرأة أبيه. فورث نكاحها. فإن لم يكن له حاجة فيها، تزوجها بعض إخوته بمهر جديد"6. ولكن أهل الأخبار لا يذكرون أن الإخوة يدفعون لها مهرًا جديدًا، فقد يكون هذا المهر الجديد الذي أشار "محمد بن حبيب" إليه، هو ترضية للابن الأكبر بسبب تنازله عن حقه الشرعي في امرأة أبيه إلى من له
1 تفسير الطبري "4/ 208 وما بعدها"، "4/ 217".
2 تفسير الطبري "4/ 208 وما بعدها".
3 تفسير الطبري "4/ 208"
4 تفسير الطبري "4/ 208"
5 تفسير الطبري "4/ 209"
6 المحبر "325 وما بعدها".