الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأموال الثابتة:
وفي ضمنها البيوت، وهي تباع وتشترى وتؤجر أو ترهن بحسب رغبة صاحبها.
ولأجل إثبات حق تملك الأفراد للبيوت، كانوا يثبتون أحجارًا مكتوبة على واجهة البيت في بعض الأحيان، يدون عليها اسم مالك البيت، والمعمار الذي بنى البيت والزمان الذي بني فيه. أو الزمان الذي أجريت به ترميمات عليه والحجر عندهم في مقام سند التملك في أيامنا هذه.
وتوضع على حدود الملك، ولا سيما حدود الحقول والبساتين علامات، يقال لها:"أرف" في اللحيانية1، وذلك منعًا لكل تجاوز قد يقع على الملك أو فضول قد يقع من الغرباء.
والأُرفة في لغتنا الحد بين الأرضين وفصل ما بين الدور والضياع. وكان أهل الحجاز لا يرون الشفعة للجار. و"الأرفي"، الماسح الذي يمسح الأرض ويعلمها بحدود2.
وتعد المقابر ملكًا خاصًّا بصاحب القبر، وبأهله، لذلك لا يجوز دفن غريب فيها، إلا بإذن من أهل الميت وذوي قرابته ومن أصحاب المقبرة. وكثيرًا ما تقرأ في الكتابات جملًا، مثل:"بني هكفر، له ول ورثه"3، ومعناها "بني هذا القبر، أو هذه المقبرة له، ولورثته". ومثل: "اخذو هقبر ذه هم وأخوهم"4، ومعناها "أخذوا هذا القبر لهم ولأخيهم". وكثيرًا ما نجد الكتابات تلعن من يتجاوز على ملكية القبر وعلى حق المقبور فيه، وتتوعده بالويلات والثبور، وترجو من الآلهة أن تنزل بمن "يعور" يزيل أحجار القبور عن أماكنها عذابها وغضبها عليهم. وتعدّ شواخص القبور شهادة لقبر المتوفى وسند تملك للقبر أو للمقبرة، فلا يجوز الاعتداء على القبر؛ لأنه ملك خاص.
العقوبات: والأصل في العقوبات، هو "القصاص" Retaliation أي العقوبة بالمثل، وهو أصل نجده عند سائر الشعوب السامية، وتجده مدوَّنًا في "شريعة
1 النص رقم 46 من كتاب W. Caskel، S. 99
2 تاج العروس "6/ 39"، "ارف".
3 W. Caskel، S. Iii
4 المصدر نفسه "ص113"، النص رقم 76.
حمورابي"، بل نجده في قوانين الرومان كذلك1. وقد أشير إليه في القرآن الكريم:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 2 {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} 3 وفي الآية: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} 4. فالجزاء يجب أن يكون من جنس العمل.
ويعمل بالقصاص في الجروح كذلك، وقد أشير إلى ذلك في الآية المتقدمة كما ترى.
وتكون العقوبات في يد الملك أو المعبد أو الكبراء ورؤساء العشائر، فهؤلاء هم الذين يفرضون العقوبات على المخالفين ويصدرون أوامرهم بعقاب المستحقين، فلم تكن هناك إذن سلطة مركزية واحدة تقوم بتنفيذ الأحكام والحكم بين الناس. ويمكن أن نقول: إن كل سلطة من السلطات كانت تقوم بتطبيق ما تراه بحق المخالفين لقوانينها وأنظمتها وأوامرها، فللمعبد ويمثله رجال الدين بالطبع حق الحكم بين الناس في المخالفات التي لها صلة بأمور الدين وبالمعبد وبالعقود التي تعقد مع المستأجرين والمتعاقدين، ويتوقف تنفيذ ذلك بالطبع على مركز رجال الدين ومدى نفوذهم في ذلك العهد، ويقوم رئيس القبيلة بالحكم بين أفراد قبيلته بموجب الأنظمة والقوانين العرفية والعشائرية، ويجمع الضرائب من قبيلته، ويتوقف سلطانه على شخصيته ومركزه وعلى مراكز الحكومة وما لها من هيبة في نفوس الناس والقبائل.
ولضمان تنفيذ القوانين والأوامر والعقود، حتّمت السلطات الدينية والسلطات الحكومية على المؤمنين والمواطنين الالتزام والوفاء بالعهود وإطاعة قوانين الدولة وهددت السلطات الدينية بإنزال العقوبات الإلهية على المخالفين. وتكون هذه العقوبات عقوبات دنيوية تنزلها السلطات الدينية الممثلة والمتكلمة باسم الآلهة على سطح الأرض. وهي متنوعة متعددة قد تكون جسيمة، وقد تكون مادية، وقد تكون معنوية، وذلك بحرمان المخالف من زيارة المعابد، وبامتناع رجال الدين من إقامة الشعائر الدينية له ومقاطعته وإيصاء المجتمع المؤمن بمقاطعته كذلك، وبذلك تهبط منزلته
1 Hastings، P.167
2 البقرة، 179.
3 المائدة، 45.
4 النحل، 126.
الاجتماعية، ويصبح مزدري في نظر المجموع. وفي هذا الازدراء عقوبة كافية بالطبع.
يضاف إلى ذلك العقوبات التي تنزلها الآلهة عليه، وقد تكون أهم في نظره وأخطر من تلك العقوبات المذكورة، مثل إنزال أمراض أو مهالك به وبأمواله وما يملكه، وهو ما يخشاه الإنسان ويبتعد عنه طبعًا، ولهذا نجده يحاول جهد إمكانه ترضية آلهته. والتقرب إليها بمختلف الوسائل لإرضائها ولكسب عطفها ورضائها عنه.
وأما العقوبات الحكومية، فهي متنوعة كذلك تتنوع بحسب درجة المخالفة ومقدار الضرر الذي يتولد منها.
وتقابل لفظة "عقوبة" لفظة "تنكرم""تنكر" في بعض لهجات العرب الجنوبية، ويراد بها إنزال ما يستحق من عقوبة بشخص ارتكب عملًا مخالفًا. أما الغرامات، أي: العقوبات المالية التي تفرض على شخص من الأشخاص، فيقال لها:"ظلعم""ظلع"، في بعض تلك اللهجات1. ووردت لفظة أخرى، هي "من"، ولفظة ثانية هي "ذمنت" "ذ م ن ت"، يرى علماء العربيات الجنوبية أنهما في معنى "عقوبة" و"جزاء"2.
ويعبر عن الجزاء الذي يحكم الحاكم بأدائه إلى من حكم له بلفظة "خطا" و"خطات""خطئة""خطيئة". ويراد بها ما يجب على المحكوم عليه دفعه من غرامات وتعويض. وقد وردت هذه اللفظة في نصوص المسند3.
والقصاص عند الجاهليين عقوبة قلما طبقت، للأعراف القبلية التي كانت تعتبر تسليم القاتل الحر إلى أهل القتيل لقتله مثلبة، وتسليم مرتكب عمل ما إلى من وقع الفعل عليه، نقيصة وضعفًا وسبّة، تلحق آل مرتكب الفعل. لذلك، كان الثأر، وهو الرادع لارتكاب الجرائم عند الجاهليين.
وإذا قتل حر عبدًا، أو جرحه أو آذاه، فليس لأهل العبد طلب القصاص، وليس لمالكه أن يطلب قتل القاتل به؛ لأنه عبد والقاتل حر. وقد كان من الصعب عليهم، تصور مقاضاة عبد لحر على أساس القصاص، وإنما ينصف على
1 راجع النص الموسوم بـ: Halevy 147
Rhodokanakis، Stud. Lexi، I، S. 58
2 Rhodokanakis، Stud. Lexi، I، S. 58
3 Mahram، P.437